خرج الشعب المصري أمس عن صمته وأعلن رفضه القاطع للتهديدات التي أطلقها
البرادعي, وارتفعت في شوارع القاهرة الصيحات الغاضبة لا للبرادعي عميل
الأمريكان, في إشارة لما قاله أمس الأول من أن مصر سوف تشهد المزيد من
سفك الدماء وقال أحد الشباب من المتظاهرين تأييدا للأمن والاستقرار:
ماذا يريد أن يفعل البرادعي بنا؟.. نريده أن يعود من حيث أتي, مصر لن
تدخل إلي النفق الذي أسهم البرادعي في إدخال العراق إليه.
عندما صمت قبل غزوه وكانت كلمة واحدة منه ـ بصفته مديرا لوكالة الطاقة
النووية الدولية وقتها ـ كفيلة بالوقوف ضد مخططات واشنطن لهذا الغزو الذي
أدي إلي تدمير العراق وقتل وشرد الملايين من أبناء شعبه.
وعلي الرغم من أن ردود الأفعال علي خطاب الرئيس حسني مبارك أمس الأول قد
بدأت فور الانتهاء منه, حيث فاضت المشاعر بين الملايين وهي تتابع كلماته
التي أكد فيها حرصه علي أن تبقي رايات الوطن مرفوعة, إلا أن هذه المشاعر
تحولت إلي مظاهرات عارمة منذ الصباح الباكر في مختلف أنحاء العاصمة,
ورددت الجماهير الهتافات المنادية بالاستقرار قائلة: الشعب يريد استمرار
النظام.
لم يقتصر التحرك الشعبي الرافض للفوضي علي منطقة دون أخري في نطاق القاهرة
الكبري والمحافظات المختلفة, وإنما رصدت الفضائيات ووسائل الإعلام هذا
التحرك الكاسح والعفوي علي الهواء مباشرة, وكان من بين المتظاهرين
الغاضبون علي محاولات بعض القنوات بث التحريض المباشر ونقل الأخبار الكاذبة
حين ادعت وجود عناصر أمنية في ميدان التحرير, ولكن الداخلية سارعت إلي
النفي الكامل لهذه المزاعم, وأيضا حينما تناقلت أنباء عن إطلاق نار في
ميدان التحرير لإثارة الذعر, وجاء النفي أيضا كاملا لهذه الأقاويل غير
المسئولة.
كلمة الرئيس مبارك التي خرجت كلماتها من القلب فوصلت إلي قلوب جميع
المصريين وتساقطت الدموع أثناءها أظهرت أن هذا الشعب يحمل الوفاء والتقدير
لهذا القائد الشجاع الذي حارب من أجل وطنه حربا وسلاما, وكانت المشاهد
جلية في صور هذا الحب المتدفق وسط الهتافات التي تشابهت من أقاصي البلاد
لأوسطها, وعلي امتداد المحاور الرئيسية بالقاهرة وأحيائها المختلفة,
سواء كانت شعبية أو راقية, شبرا والسيدة زينب والمعادي ووسط البلد والهرم
وحلوان ومصر الجديدة وغيرها.. ارتفعت الأصوات الرافضة لمخطط بات واضحا
ومعلنا بكل الوقاحة والسفور, وتناقلت أحاديث الناس في جلسات اللجان
الشعبية التي أصبحت العلامة المميزة في الشوارع والأحياء, تناقلت مخططات
واشنطن وكيف أعلنت بكل الجرأة والوقاحة عن اجراء مباحثات واتصالات مع
البرادعي والإخوان, متناسية الأحزاب الشرعية والقوي السياسية الأخري
الموجودة علي الساحة, فضلا عن الاستفزاز المتمثل في هذا التدخل غير
المسبوق في الشأن الداخلي المصري.
ويسأل أحد الشباب: هل يريدون فرض شخص معين علي مصر؟.. وهل يمكن للشعب المصري أن يقبل ذلك؟.
وتأتيه الإجابة من أحد المستشارين الذي جاء للمشاركة في اللجنة الشعبية
لحماية الحي, أن أمريكا تتصور أنها يمكن أن تفعل هنا ما فعلته بالعراق,
لذلك تعلن عن نفسها وتريد أن تتحاور مع الإخوان للقبول بالبرادعي.
ويجيب ثالث.. أن قوي المعارضة تريد القفز فوق مطالب الشباب التي اقتصرت
في بداية الأمر علي إجراء إصلاحات سياسية ولم يفكر أحد من هؤلاء الشباب في
تلك المطالب التي يعلنها البرادعي والتي رفض فيها الحوار علي الرغم من قبول
الرئيس بالبدء الفوري بالاستماع إلي مطالب هذه القوي حتي تبدأ خطوات
الإصلاح المنشودة.
مثل هذه الحوارات جرت في كل التجمعات المشابهة علي امتداد القاهرة
والمحافظات وأظهرت الاقتناع التام بأن الرئيس مبارك قد أعاد الطمأنينة إلي
نفوس المصريين جميعا حينما أكد أن الوطن سيبقي مستقرا وعزيزا ولن يفرط في
سيادته مهما بلغت الأحقاد علي مصر من بعض المحسوبين عليها أو من القوي
الخارجية الطامعة التي هيأت لها الأحداث الأخيرة أن الفرصة قد حانت للثأر
من مصر والانقضاض علي انجازاتها ودورها في المنطقة.
ولكن هتافات الأمس في جميع المدن والشوارع أوصلت رسالة أخري إلي الداخل
والخارج.. هذا هو الشعب المصري الحقيقي, الشعب الذي لن يسمح بالفوضي,
ولن يسمح بمحاولات الهيمنة من الخارج التي ظهرت واضحة بكل بشاعتها
ووقاحتها.