الحدث
جلل. والخسارة فادحة.. ولكن ماذا بأيدينا أن نفعل سوي أن نتماسك. وأن
نصمد. وأن نضمد جراحنا. ونعلو فوق آلامنا حتي نتجاوز بإذن الله هذه المحنة
القاسية؟
إذا كان بعض من الفوضي التي أرادوها
لبلادنا الآمنة المستقرة قد تحققت. فإن هذا لا يعني أن نيأس. ونستسلم. لكي
تتحقق الفوضي الكاملة. وينالوا مرادهم الشرير الخبيث من أرض الكنانة. أعرق
الحضارات. ومهبط الأديان. وسماحة الإنسان وبساطته. وروعته. ورحمته وتراحمه.
وكل القيم النبيلة البناءة التي دعا إليها الخالق سبحانه لإعمار الكون
ونشر القيم والمبادئ السامية بين البشر.
مهما كانت الصعاب والمشكلات الراهنة.. فإن
بعضا من الفوضي التي أحدثوها سنحولها بإذن الله وإرادة المصريين إلي قوة
بناء خلاقة ليس وفقاً لنظريتهم الخيالية ولكن بخصوصية مصر وعرافة شعبها
وتاريخها الطويل في التحدي والبناء وإبهار العالم من حولنا بروعة مصريتنا.
وحب وطننا.
لن تكون مصر أكبر دولة في المنطقة. وموضع
حقدهم وحسدهم ومخططاتهم الشريرة مثل العراق.. ذلك لأن مصر ليست هي العراق.
وليست هي تونس أو لبنان أو فلسطين أو غيرها.
مصر يا من لا تعرفونها لها طبيعتها.
وسماتها النبيلة التي لا ترضي أبداً بنماذجكم الشريرة الغليظة التي كشفتم
عنها بسفالة وعلنية مقززة عندما رفع البعض في مظاهرة الاحتجاج والمطالب
المشروعة صورا ونماذج ومحاكي وشعارات غريبة عن طبائعنا وأخلاقنا. وقيمنا في
المحبة والتسامح مع بعضنا البعض حتي ولو كان هناك خطأ أو خطيئة وقع من
بعضنا هنا أو هناك بقصد أو بغير قصد.. ذلك لأننا جميعا ندرك اننا بشر.
والبشر يخطئ ويصيب. فلسنا ملائكة من السماء. ولكننا نتفاعل لنفعل. وندفع
بعضنا البعض دون أن نتدافع. لنتصارع ونتخاصم.. قلوبنا بيضاء صافية في أحلك
الظلمات. وعقولنا واعية متنبهة في شائك المؤامرات.. هذه طبيعة المصريين كما
شخصها ووصفها الفلاسفة والمفكرون.. مرونة نقية طاهرة. دون صلابة تكسر أو
غلظة فظة.
مصر لن تكون العراق.. ونموذجها في
الديمقراطية سوف يكون واقعا متجسدا وليس خيال مآتة وعرائس متحركة كما فعلتم
مع غيرنا في آسيا أو أمريكا اللاتينية أو حتي أوروبا لأننا نمتلك ما لا
يمتلكه غيرنا في نماذجكم ومسارح عرائسكم المتحركة التي تحركونها في العالم
بتطفل وغباء من أجل مصالحكم ومصالح من تساندونهم في منطقتنا.
نحن نملك إرادة المصريين الصلبة التي
صنعوها علي مر السنين والأجيال.. لدينا جيش مصر العظيم الذي أوصي وشهد
رسولنا الكريم انه خير أجناد الأرض.. ليس هذا خيالا ولكنه حقيقة علي أرض
الواقع تزلزل أعتي الشرور والمخططات.. جيشنا الباسل الذي تصدي علي مر تاريخ
نضاله الممتد لكل المؤامرات والأطماع بدءا من عصر مينا مرورا بأحمس ورمسيس
حتي عصر أبطال أكتوبر العظام الذين عبروا الهزيمة. وحطموا أسطورة من
تعملون لحسابها. وبعثوا الأمة العربية من جديد. ولكنكم لم تفتأوا تحاولون
من جديد. ولكن هيهات لكم ولغيركم.. فإرادة المصريين تنبع من نيلهم.
وأهراماتهم. وواديهم وسمائهم.
* * *
النفس مشحونة. ومهدومة. ومتألمة.. ولكننا
نحن المصريين بفضل وحدتنا وتماسكنا وبمعاونة جيشنا سوف نجتاز الصعاب ونعبر
هذه الأزمة الطارئة.. سوف يعود لمصر بإذن الله ضحكتها وأمنها وأماننا الذي
أبهرنا به العالم طيلة كل السنين الماضية. هذا الأمن الذي شجعهم لكي يشدوا
رحالهم إلي بلادنا يشاهدون حضارتنا في كل بقاع مصر علي أيدي شباب واع طموح
يريد أن يعمل وأن يعيش. ابتكر وأبدع فنونا في السياحة. لكي يجلب موردا
ورزقا يفتح بيوتا مصرية تربي أطفالها علي المحبة والتعاون والتعارف بين
الأمم والشعوب.. زرع. وصنع. وصدر وزاد من معدلات نموه وتنميته. واليوم سوف
يعود الخير عليه أكثر مما مضي.
هذه العقول المصرية النابهة لن تسمح لأحد
كائن من كان حتي ولو كان من بيننا أن يوقف مسيرة عطائنا الإنساني والحضاري
والتنموي. وسوف تعود مصر أكثر أمناً وأشد قوة وإبداعا.
لن تعرف قلوب وعقول المصريين نماذج الشر
والانتقام أو الشطط أو الجنوح. سوف نداوي جراحنا بدواء ناجع شاف. لأننا
ندرك أن في أشد من الداء بعض الدواء.. سنمضي بخطي ثابتة نحو الديمقراطية
والعدالة والخير والسلام.
حياة المصريين الآمنة المستقرة سوف تعود
أكثر أمناً واستقرارا وأعمق سلامة وأمانا.. لن نعود إلي الوراء.. لن نستجيب
لأصحاب الكتب الصفراء ودعاوي الفكر الظلامي البغيض.. لن نوزع من اشتراكية
الفقر التي راح زمانها. ولن نرضخ لورثة المتكلمين الجدد واتباع الجدليين
السوفسطائيين الذين يخرجون علينا كل مساء يمطرون المصريين بثرثرة وتحليلات
خيالية. وأوهام وأماني نفوس شريرة ولا يمكن شخصيا أن أبرئهم منها لأنها
كانت سببا في استغلال شباب متحمس سمح لتيارات خارجية أن تتسلل لتنفيذ
مخططات الحرق والتدمير لمؤسساتنا وبقدراتنا.
بالتأكيد كانت لدينا مشاكلنا وصعوبات
حياتنا. ومظالم ومطالب فهل كان الحل أن نهد المعبد فوق كل الرءوس ونحقق لهم
ما عجزت القوات الصلبة عن تحقيقه فاستخدمت تلك القوي الناعمة التي يمسك
بها متآمرون وأعداء حاقدون علي بلدنا. وآخرون غيرهم وللأسف أشقاء يتصورون
انهم يمكن أن يكونوا في منأي عما يدبر لنا ولهم.. فإذا كنا بحمد الله لدينا
من يقف ضد أطماعهم. فمن سوف يقف لديهم ضدهم؟!
* * *
بعون الله سوف نجتاز أزمتنا.. سوف نتحدي
الآهات والآلام.. سوف نجفف دموع الأطفال الذين أبكتهم تلك الظروف الطارئة
وأضاعت عليهم اجازاتهم.. سوف نطمئن الناس علي حياتهم وأرزاقهم وعلي أهلهم
وذويهم والعاملون يعاودون الخروج إلي أعمالهم ووظائفهم ومواقع إنتاجهم..
سوف يعاود المصريون حركتهم وسعيهم ودأبهم.. سوف يعوضون كل تلك الخسائر
الفادحة التي لحقت باقتصادهم وبورصتهم.. وسوف تستعيد الشرطة وحراس مصر
المحترمون مكانتهم واحترامهم بعد أن يمارسوا تكليفاتهم ومهامهم وقد طهروا
أنفسهم بأنفسهم وصاروا جميعا يدا واحدة واخوة لأبناء شعبهم بعدما عاد إليهم
شعارهم بأنهم في خدمة الشعب. بعدما تأكد لهم أننا جميعا في خدمة الوطن.
نذود عنه الخطر. ونبث الأمن والطمأنينة في نفوس أطفاله ونسائه وشيوخه. كخط
دفاع ثان لهم ضد المؤامرات وأعمال التخريب والنيل من أمننا.
وسوف يضع الشعب يده في يد أبطال جيشه
المخلصين أرباب العزيمة والرجولة والنقاء ولن نعطله عن مهامه المقدسة في
الحفاظ علي سيادة مصر وسنعزف جميعا سيمفونية العطاء للوطن.
سوف يحدث التغيير الحقيقي في أساليب
الأداء والعطاء.. لن نلتفت كثيرا للثرثرة حول الشخوص والأشخاص.. سنحتفظ
بأنبل قيمنا ومبادئنا في التسامح والوفاء.. سنربي أبناءنا علي الخير. وسوف
نتخير من شبابنا النجباء والعقلاء لينأي غيرهم وبأنفسهم عن مسيرة شعبنا
التي لا تعرف الغلظة والجحود والنكران. ولا يستغلها أو يستثمرها أعداء
لوطننا.
وسوف تظل مصر تحترم زعماءها كما فعلت علي
مر تاريخها لأنها تدرك انهم جميعا بشر والبشر يخطئ ويصيب.. ولكن يبقي العمل
الصالح في الأرض كالشجرة الثابتة تبث عطاءها وتنشر خيرها. تتحدث عن نفسها
بهذا العطاء وهذا الخير في قناعة بأن الله وحده هو الذي ينظر الأعمال ويثيب
الخلق عن أفعالهم وأعمالهم.. وزعماء مصر جميعهم سوف يظلون موضع فخرهم
واعتزازهم.
* * *
أشعر بالتفاؤل رغم كل الصعاب والمشكلات..
ذلك لأن هناك وجوهاً مشرقة وعقولاً واعية ونفوسا واثقة تربت في مدرسة
العسكرية المصرية الحية. أطلت علينا لكي تعطينا الأمل وتدعونا لكي نضع
الأيدي في الأيدي. نطهر أنفسنا بأنفسنا. نحقق إصلاحا ونحدث تقدما اقتصاديا
واجتماعيا وسياسيا وسوف تتحقق الديمقراطية وحرية التعبير. ولكن بعيدا عن
الفوضي واختطاف الناس والشارع كرهينة للمطالب والأماني والأحلام ذلك لأن
التواصل بين القيادة والشعب سوف يكون أكثر اتساقا وسلاسة وتفاعلا.
ولا أخفي سرا وأقولها بصراحة انني شخصيا
لا أميل كثيرا للتظاهرات ووسائل التعبير عبر الشارع بصورة دائمة ذلك لأن
العقلاء يديرون شئونهم بالحكمة والعقل المستنير بعيدا عن محاولات التشنج
ولي الذراع وقد جعلت منا للأسف في هذه الانتفاضة ظاهرة إنسانية غريبة قد
نظن ان العالم يتابعها اعجابا بها. قد ينبهرون إلي حين بمظاهرها وأشكالها.
ولكنهم بالتأكيد سوف يقيمونها التقييم الصحيح عندما يسدل الستار علي
المسرح. ويرون النتائج والحصاد علي أرض الواقع. الذي نأمل بإذن الله أن
يكون وفيرا ووافيا.
بالتأكيد.. لقد حققت هذه التظاهرات أشياء
كثيرة عجزت عن تحقيقها قوي وأحزاب سياسية شرعية وغير شرعية.. ولكن علينا أن
نتوقف لنتأمل ونأمل ونفسح الطريق لمسيرة العمل والعطاء للوطن.. وكما قلت
مرارا علي هذه الصفحة ان الشارع ليس ملكا لأحد أو فئة أو جماعة.. الشارع
والميدان ملك لنا جميعا.. الشارع هو حركة الحياة.. الشارع هو لقمة العيش..
الشارع هو ممر الطبيب الذي ينتظره مريضه في غرفة العمليات.. هو سبيل الطالب
إلي مدرسته وجامعته.. هو طريق المسافر عبر المطار.. هو النهر للبضائع
وحركة التجارة والإتجار. الشارع ملك لأم ينتظرها طفلها علي باب حضانة تسارع
الخطي لكي تختضنه تبث في نفسه الأمن والأمان والطمأنينة.
هذا هو الشارع المصري الذي حافظنا عليه
طوال فترات كفاحنا.. الشارع الآمن المستقر.. آمل أن نكون جميعا قد أدركنا
قيمته وقدرنا قدره علي مدي الأسبوعين والأيام الصعبة القاسية في الفترة
الماضية.
دعونا نعمل جميعا علي استعادة نعمة الأمن
الغالية ونحافظ عليها. وننأي بها عن دعاوي الفوضي والهمجية التي لم تكن
أبداً ولن تكون بإذن الله من طبيعة المصريين وشيمهم وخصالهم.
هيا بنا إلي العمل والإنتاج نفتح أبواب الرزق ويارب احفظ مصر.. يارب احفظ مصر.
* * *
اعملوا.. ودعوا الحكومة تعمل
أشعر بالأسف تجاه كثير من المصريين الذين
صاروا الآن يتحدثون أكثر مما يفعلون.. ليس بسبب هذه الأزمة الأخيرة. فهذا
أمر طبيعي أن يتحدث المصريون في شئون وطنهم وسبل الارتقاء به وبأنفسهم
وتحسين أحوالهم والتحصل علي حقوقهم المشروعة بعدالة وكرامة.
ولكن هذه الظاهرة ظاهرة الحديث أكثر من
العمل كانت ملحوظة خلال السنوات العشر الأخيرة وخاصة في ظل حرية التعبير
التي لا يمكن لأحد أن ينكر ان الرئيس مبارك قد أتاحها للمصريين بشكل ملحوظ
فاق هوامش الحرية في كل دول منطقتنا العربية. كما لا نغفل ان الرئيس
السادات كان البادئ بمنح المصريين هذا الحق منذ ما أطلق عليه ثورة التصحيح
في 15 مايو. وجاء مبارك ليوسع من حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام
الفضائي الخاص.
ولكن حرية الإعلام لا تعني أن يمضي غالبية
المصريين سهراتهم كل مساء لمدة أربع ساعات أو خمساً أمام برامج “التوك شو”
الفضائية يستهلك فيه هذا الإعلام البراق طاقاتهم ويستنفد وقتهم ويحرمهم من
القيام بأعمال أخري كثيرة قد تكن أكثر فائدة من برامج الثرثرة والتحليل
ومحاولة الاجابة عن علامات استفهام وموضوعات قد تكون مفبركة من قبل السادة
المحترفين مقدمي هذه البرامج الشيقة!
ولكن.. أتصور في هذه المرحلة الجديدة
علينا أن ننتبه لهذا الخطأ الفادح الذي وقعنا فيه. وآمل أن ينتبه السادة
الوزراء في الحكومة الجديدة لهذه الظاهرة وألا يقعوا ضحايا لهذه البرامج
والكل يتصيد أخطاءهم. وتصريحاتهم أحيانا بسوء نية وبهدف الإيقاع بينهم وبين
المواطنين واصابة الجانبين بنوع من الاحباط وتثبيط الهمم وافشال الحكومة
في أداء التكليفات الوزارية ومهام المرحلة.
أتصور ان رئيس الوزراء الواعي الفريق أحمد
شفيق تنبه تماما لهذا الموضوع. وأعتقد ان التغيير الذي حدث في حقيبة
الثقافة هو مقصود لاحداث هذا التغيير حتي لا يقع المواطن المصري أسيرا
لعمليات البلبلة وتشويه المعلومات وإلحاق الضرر باقتصاديات بلده وأوضاعه
السياسية والاجتماعية.
بالتأكيد.. ليس في هذا عودة إلي الوراء..
فقد انتهي زمن الإعلام الموجه من العالم أجمع.. ولكن الإعلام الحر يحتاج
وعيا وثقافة وعلما وذلك حتي لا يكون المصريون ثراثرة يتحدثون أكثر مما
ينتجون
.
بقلم:زياد السحار