روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    القاضى شريح والعداله كما يجب ان تكون

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القاضى شريح والعداله كما يجب ان تكون Empty القاضى شريح والعداله كما يجب ان تكون

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس سبتمبر 17, 2009 11:58 pm

    القاضي شريح

    التابعي الجليل شريح هو تابعي جليل عظيم كان قاضيا عادلا رمز العدل في الإسلام حتى في وجود الصحابة كان من أميز الناس في قضية القضاء والعدل وهو رمز للعدالة ورمز للقضاة يقتدون به على مدى التاريخ . ولذلك قيل في المثل: أقضى من شريح .

    تبدأ قصة شريح بموقف حدث بينه وبين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد اشترى عمر رضي الله عنه فرسا من رجل من الأعراب وأعطاه ثمنه وعندما ركب عمر صهوة الفرس ومشى به إذا بالفرس لا يستطيع أن يسير لوجود عيب فيه فرجع عمر إلى الرجل وقال له: خذ فرسك فإنه معطوب أي فيه عيب.

    فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لا آخذه لأنني بعته لك وهو سليم. فقال عمر: اجعل بيني وبينك حكما.

    فالتفت الرجل وقال: يحكم بيننا شريح بن حارث الكندي. فقال عمر: رضيت به.

    فذهب عمر مع صاحب الفرس إلى شريح ولما سمع شريح مقالة الأعرابي التفت إلى عمر وقال له: هل أخذت الفرس سليما يا أمير المؤمنين؟

    فقال عمر: نعم. فقال شريح: احتفظ بما اشتريت أو رد كما أخذت.

    وبعد أن سمع عمر هذا الكلام نسي قضية الفرس وقال متعجبا: وهل القضاء إلا هكذا ، قول فصل وحكم عدل أي كلام موجز فاصل يحكم بالعدل. ثم قال: سر إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها.

    الذي يستطيع أن يحكم بهذه الصورة فهذا يدل على علم لديه وحكمة وعدم خوف لومة لائم وبفراسة عمر وجرأته على الحكم على عمر عرف أنه سيكون أعدل قاض في التاريخ فولّاه فورا دون تردد.

    ولما ولاه عمر قاضيا على الكوفة ما كان شريح مجهول المقام في المدينة وإنما كان معروفا وكانت له مكانة بين الصحابة والتابعين وكانوا يقدّرون له عقله ودينه وخلقه الرفيع وذكاءه وطول تجربته في الحياة وعمقه فيها.

    كان رجلا من اليمن من كندة عاش بعيدا عن المدينة في جزء من حياته في الجاهلية ولما أشرقت الجزيرة بنور الإسلام والهداية ووصلت أشعة الإسلام إلى اليمن كان شريح من أوائل الذين أسلموا بدين الله تعالى وكان الذين يعرفونه ويعرفون فضله وشمائله ومزاياه يحزنون عليه أشد الحزن والكل يتمنى لو أتيحت له الفرصة بأن يأتي إلى المدينة مبكرا ليلتقي مع الرسول.

    ولكن شريحا تأخر في توجهه نحو المدينة وعندما وصلها كان النبي عليه الصلاة والسلام قد توفي.

    لهذا فإنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وكان الناس يتمنون لو أنه التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخذ منه فهو عاش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من الممكن أن يكون صحابيا لكنه لم يحظ بهذا الشرف العظيم.

    والفاروق رضي الله عنه عرف مكانة هذا الإنسان و علم قدرته على القضاء عندما رأى هذا المشهد منه قدمه على كبار الصحابة الذين كانوا موجودين آنذاك وكل هذا من فراسة عمر رضي الله عنه.

    وأثبتت الأيام صدق فراسة عمر رضي الله عنه وصواب تدبير عمر فظل شريح قاضيا أكثر من ستين سنة متتابعة دون انقضاء.

    لقد كان قاضيا في زمن عمر ثم في زمن عثمان ثم علي ثم معاوية والذين جاؤوا بعد معاوية ولوه القضاء أيضا مثل يزيد بن معاوية ومروان وغيرهم.

    إلى أن جاء الحجاج الذي رأى شريح ظلمه ورأى أن أحكامه لا تطبق فطلب الإعفاء من القضاء وكان عمره عندما أعفي من القضاء مائة وسبع سنوات رجمه الله تعالى.

    لقد تولى القضاء وعمر سبع وأربعين سنة وبقي ستين سنة قاضيا حافلة حياته بالمفاخر والمآثر.

    والقاضي له مكانته واحترامه الخاص بين الناس فما بالكم بمن كان قاضيا في عصر الصحابة وبقي ستين سنة قاضيا.

    قصه في القضاء امتلأت بها بطون الكتب التي ذكرت طرائف وأخبار قضاء هذا الإنسان رحمه الله تعالى حتى كان نموذجا للعدل وطبعا كان في ظل خلفاء يمتازون بالعدل والإنصاف وتطبيق الشريعة.

    ومن هذه القصص أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ظل خلافته افتقد درعا له وكانت غالية وعزيزة على نفسه رضي الله عنه وفي يوم من الأيام وجد هذه الدرع في يد ذمي أي نصراني من أهل الكوفة يبيع الدرع في سوق الكوفة.

    فلما رآها علي عرفها فقال هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا في طريقي إلى صفين.

    فقال الذمّي بل هي درعي يا أمير المؤمنين وفي يدي فكيف تدعي أنها لك.

    قال علي إنما هي درعي لم أبعها لأحد ولم أهبها لأحد فكيف صارت لك…؟

    قال الذمّي بيني وبينك قاضي المسلمين دعه يحكم بيننا فقال علي أنصفت فهلمّ إليه.

    انظروا إلى القضاء بين الخليفة والذمي.

    جلس الأمير علي والذمي في مجلس القاضي شريح فلما صارا عنده في مجلس القضاء قال شريح لعلي ما تقول يا أمير المؤمنين:

    فقال علي وجدت درعي مع هذا الرجل سقطت منّي في يوم كذا في مكان كذا وهي لم تصل إليه ببيع ولا بهبة فكيف صارت له…؟

    فقال شريح للذمّي فما تقول أنت يا رجل فقال الذمّي:

    الدرع درعي وهي في يدي ولا أتهم أمير المؤمنين بالكذب.

    وبحكم الإسلام إذا اختلف شخصان فإن الحكم هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر وعلي رضي الله عنه يدعي أن هذه له ولا بد أن يأتي بالبينة مثل الشهود يشهدون على أن هذه له.

    إذا لم تكن لديه بينة فاليمين على من أنكر ويحلف الرجل بأنها له وتنتهي المسألة.

    فالتفت شريح بكل أدب إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الصحابي الصادق العابد العالم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يكذب في دعواه لهذا قال له شريح:

    لا ريب عندي في أنك صادق في ما تقوله يا أمير المؤمنين وأن الدرع درعك ولكن لا بد لك من شاهدين يشهدان لك على صحة ما ادّعيت.

    هنا قضية لا بد أن نلتفت إليه وهي لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه وقناعاته وإنما يجب أن يكون مجردا من قناعاته ومعلوماته الشخصية حتى يحكم بالدليل والبرهان.

    قال علي نعم لدي مولاي قنبر وولدي الحسن يعرفان هذا الدرع ويشهدان لي.

    فقال شريح يا أمير المؤمنين شهادة الابن لأبيه لا تجوز.

    أي لا يجوز أن يشهد الأصل للفرع ولا العكس في القضاء ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر.

    فقال علي: سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

    فقال شريح بلى يا أمير المؤمنين غير أنّي لا أجيز شهادة الولد لأبيه.

    ثم التفت شريح إلى الذمي وقال له احلف فحلف وقال له شريح خذ الدرع.

    فأخذ الذمي الدرع ومشى قليلا ثم رجع وقال والله إني لأشهد بأن الدرع لك يا أمير المؤمنين ولكن أمير المؤمنين يقاضيني عند قاض هو عينه وقاضيه يقضي بالحكم لي عليه أشهد أن الدين الذي يحكم بهذا لحق أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.

    اعلم أيها القاضي أن الدرع لأمير المؤمنين فأنا تبعت الجيش وهم في طريقهم إلى صفين وسقطت الدرع عن جمله الأورق فأخذته.

    فقال له علي الكريم الجواد: أما إنك قد أسلمت فإني قد وهبنها لك ووهبتك معها هذا الفرس أيضا.

    فأخذ الذمّي الذي أسلم الدرع والفرس مسرورا بهما ولم تمض أيام حتى شوهد هذا الذمّي يقاتل تحت لواء علي الخوارج يوم النهروان واستشهد في تلك المعركة رحمه الله تعالى.

    ومن روائع شريح العادل الفذ أن ابنه قال له يوما يا أبت إن قوما بيني وبينهم خصوم فإن كان الحق لي قاضيتهم وإن كان لهم صالحتهم فقص عليه القصة فقال له شريح انطلق إليهم فقاضيهم أي أحضرهم للقضاء.

    فرح الولد لأنه ظن أنه إن كان الحق معه فسيأخذه وإن كان عليه فسيصالح عليه القوم.

    فمضى إلى خصومه ودعاهم إلى القضاء فاستجابوا له ولما امتثلوا بين يدي شريح وسمع من كلا الطرفين القصة حكم على ابنه ففاجأ الأب شريح ابنه ولم يطلب منه الصلح ولما رجع إلى البيت قال الابن لأبيه يا أبت لقد فضحتني.

    والله لو إنني لم أشاورك لما حصل ما حصل فقال شريح لابنه:

    يابني والله لأنت أحب إلي من ملء الأرض من أمثالهم لكن الله تعالى أعزّ علي منك.

    أي أنت عندما أخبرتني بالقصة عرفت أن الحق لهم وخشيت إن قلت لك ذلك أن تذهب من ورائي وتصالحهم على الحق وتأخذ جزءا منهم بالصلح والاتفاق وخشيت أن يقع في يدك شيء من الظلم لهذا طلبت منك أن تحضرهم حتى لا يقع في يدك شيء من الظلم.

    سبحان الله تعالى على هذا الرجل.

    وقد ثبت أن ابن شريح كفل رجلا وضمنه ولكن هذا الرجل فرّ من القضاء فأمر شريح بسجن ابنه حتى يأتي الرجل وكان شريح ينقل الطعام إلى ابنه في السجن.

    هل سمعتم مثل هذا العدل في الناس والبشر رجل يحكم على ابنه بالسجن.

    نعم إنه شريح نموذج للعدل والقضاء ورمز للعدل بين الناس وسيد من سادات التابعين وعلم من أعلامهم رحمه الله تعالى.



    والصحابة الكرام الذين تولوا أمر المسلمين من عمر وعثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم من خلفاء المسلمين لم يجدوا خيرا من شريح في القضاء.

    رغم أنه تابعي وكان هناك من الصحابة الكثير لكنهم اختاروه لعلمه وحكمته وعدله وعلمه بالقضاء.

    لقد تميز حتى على الصحابة في مسألة القضاء وليس في كل شيء وإنما في مسألة القضاء فقط والصحابة رضي الله عنهم أفضل من غيرهم بلا شك.

    وهنا سأل أحدهم أحمد بن حنبل قائلا أيهما أفضل عمر بن عبد العزيز أم معاوية بن أبي سفيان…..؟

    فغضب أحمد وقال أتقارن رجلا من المسلمين برجل رأت عيناه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الصحابة لا يفضلهم أحد لكن قد يأتي في بعض المهام من هو أعلم من الصحابة فيه فيكون أعلم من الصحابة في هذا المجال فقط كأن يكون أعلم منهم في قضية الجهاد أو يكون أقدر منهم في علم مسألة معينة مثلا.

    وكذلك في القضاء فاق شريح كثيرا من الصحابة في قضية القضاء ولو لم يفق الصحابة في القضاء لما ولاه عمر وعثمان ومن بعدهما علي ومعاوية وغيرهم القضاء.

    شريح رمز للقضاة ويجب على كل قاضي ومحامي وكل من يختص بالقانون أن يرجع إلى سيرة شريح لأنه وضع منهجا في القضاء يؤصل العدل.

    لقد ذكرت لكم كيف أنه كان يقيم العدل على كل الناس حتى أولاده وذكرت لكم كيف أنه خشي أن يعقد ابنه مع بعض من خاصمه اتفاقا يأخذ بعض ما لديهم ظلما فطلب منه أن يحضره وحكم بالحق عليه.

    كان من شأنه في قضية القضاء أن تساوره بعض الشكوك في قضية الشهود بعض الأحيان لكنه إذا شهد الشاهد وقد توفرت فيه شروط العدالة فإنه يقبل شاهدته ولا يستطيع رده.

    لكنه ماذا كان يفعل إذا شك في شهادة أحدهم وهذا أيضا منهج والقاضي لا يحكم بقناعاته ولا بعواطفه وإنما يحكم بالشهادة التي أمامه والأدلة التي أمامه.

    وكان إذا شك في شهادة شاهد شكا شديد كان ينصحهم ويعظهم إذا لم يجد وسيلة يرد بها شهادتهم وكان يقول لهم قبل أن يدلوا بشهادتهم:

    اسمعوا مني إنما يقضى على هذا الرجل بشهادتك أنت وأما أنا فإنني أتقي النار بكم فأنتم باتقاء النار أولى وفي وسعكم الآن أن تدعوا الشهادة فتمضوا.

    فإذا أصروا على الشهادة التفت إلى الذي يشهدون له وقال له اعلم يا فلان أنني أحكم بشهادتهم وأنا أرى أنك ظالم لكنني لست أقضي بالظن وإنما أقضي بشهادة الشهود وإن قضائي قد يحل لك شيئا قد حرمه الله عليك فاتق الله.

    فإذا أصر كان يردد شعارا قبل أن يحكم وهو غدا سيعلم الظالم ظلمه وغدا سيعلم الظالم من الخاسر إن الظالم ينتظر العقاب من الله تعالى وإن المظلوم ينتظر الإنصاف من الله عز وجل وإني أحلف بالله أنه ما من أحد ترك شيئا لله عز وجل وأحس بفقده.

    أي هذه نصيحة لك اترك فإنك إذا تركت شيئا فإن الله سيعوضك.

    لم يكن يقضي فقط وإنما كان ينصح أيضا لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين ولخاصة المسلمين.

    بل كان يتجاوز قضية القضاء إلى أن يعلم الناس معاني الإيمان.

    لم يكن قاضيا فقط وإنما كان عالما يروي أحد الناس قائلا سمعني شريح أشكي بعض ما همّني وغمني لصديقي قال فوجدني أشكو شكوى مرا فقال لي شريح:

    يا ابن أخي إياك والشكوى لغير الله عز وجل إن من تشكو إليه لا يخلو أن يكون صديقا أو عدوا.

    أما الصديق فتحزنه وأما العدو فيشمت بك ثم قال يعلمني:

    انظر إلى عيني هذه وأشار إلى إحدى عينيه فقال والله ما أبصرت بها شخصا ولا طريقا منذ خمس عشرة سنة ولكني ما أخبرت أحدا بذلك إلا أنت في هذه الساعة ثم قال:

    أما سمعت قول العبد الصالح يعقوب الذي قال إنما أشكة بثي وحزني إلى الله فاجعل الله عز وجل مشكاك ومحزنك عند كل نائبة تنوبك فإنه أكرم مسؤول وأقرب مدعو.

    ورأى ذات يوم رجلا يسأل آخر شيئا ويبدو أنه بدأ يطلب بإلحاح وتذلل.

    فناداه وقال له يا ابن أخي من سأل إنسانا حاجة فقد عرّض نفسه للرق أي صار رقيقا إن قضاها لك فقد استعبدك بها وإن ردها عنك رجعت ذليلا ورجع هو بخيلا.

    كلام عجيب إذا أعطاك إياه صرت عبدا له وإن لم يعطك إياها صار بخيلا وصرت ذليلا,.

    فإذا سألت فلا تسأل الناس وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أنه لا حول ولا قوة ولا عون إلا بالله.

    وكان يعلم الناس معاني الإيمان باله والقضاء والقدر حيث كان يعيش في الكوفة ووقع في الكوفة طاعون وبدأ الناس يسقطون بالعشرات من وراء هذا الطاعون وهرب أحد أصدقاء شريح من الكوفة حتى لا يصيبه الطاعون إلى النجف.

    والنبي صلى الله عليه وسلم قد أصدر قرارا في مسألة الطاعون وهو إذا حل الطاعون في بلد وأنتم فيه فلا تخرجوا منه وإذا كنتم خارج البلد فلا تدخلوا إليه وهذا الخروج قد يؤدي إلى مشكلة لأن الخارج قد ينقل المرض إلى البلد الذي سيخرج إليه.

    فهرب صديق شريح من الكوفة إلى النجف يبتغي الهروب من الطاعون فكتب إليه شريح يذكره بهذا الحديث ويقول له:

    أما بعد فإن الموضع الذي تركته لا يقرب منك حمامك ولا يسلبك أيامك وإن الموضع الذي صرت إليه في قبضة من لا يعجزه طلب ولا يفوته هرب وإنا وإياك لعلى بساط ملك واحد وإن النجف من ذي قدرة لقريب.

    وكان بالإضافة إلى هذا كان شاعرا وكانت له نصائح ينصح بها بواسطة الشعر ويروى عنه أنه كان له صبي عمره عشر سنوات وكان هذا الصبي يحب اللعب وهذه من طبيعة أبناء الناس والعلماء.

    فذات يوم مر بالإمام مالك وهو يدرس طلابه صبي يرفع ثوبه وبيده الأخرى حمام فقال مالك هذا علمي ولكن الله يقسم الأرزاق أي لا قسمة له في العلم.

    وهكذا شريح كان له صبي يحب اللعب وكان شريح يرسله إلى الكتّاب ليتعلم العلم عندهم فذهب ذات يوم ليتفقده.

    وهذا يدل على أنه كان مربيا بتفقده ابنه وإذا بالولد لم يذهب إلى الكتاب وبحث عنه وجده ينظر إلى الكلاب وعندما رجع الولد إلى البيت قال له هل صليت فقال الولد لا.

    فدعى شريح بقرطاس وقلم وكتب إلى مؤدب ابنه يقول له:

    ترك الصلاة لأكلُبٍ يسعى لها يبغي الهراسة مع الغواة الهجس

    فليأتينك غدوة بصحيفة كتبت له كصحيفة المتلمس.

    فإذا أتاك فداوه بملامة أوعظه موعظة الأديب الكيس.

    وإذا هممت بضربه فبدرّة وإذا بلغت ثلاثة لك فاحبس

    واعلم بأنك ما أتيت فنفسه مع ما يجرعني أعز الأنفس

    هكذا كان شريح رحمه الله ورحم الله الفاروق الذي زين مفرق القضاء في الإسلام بلؤلؤة كريمة الأعراق صافية الجوهر الذي بفراسته اختار للمسلمين مصباحا منيرا ما زال حتى اليوم يستضيئون بسنا فقهه وفهمه لكيف يكون العدل.

    ويهتدون بفهمه لسنة الرسول صلى اله عليه وسلم ويباهون به الأمم يوم القيامة وفي الدنيا.

    نحن ننتقي هذه القصص لأن كل واحد من هؤلاء تميز بشيء والقاضي شريح تميز بالعدل من خلال القضاء.

    والعدل يقوم به السماء والدول عندما تسقط فإنما تسقط بالظلم لا بالضعف.

    وهكذا فإن الدولة الكافرة التي فيها عدل تستمر.

    والدولة الإسلامية التي لا عدل فيها فإنها ستسقط لأن الله تعالى لا يرضى لعباده الظلم.



    رحم الله شريحا الذي أقام العدل بين الناس ستين عاما ما أحد اشتكى عليه أنه ظلم أو جار أو ميّز بين أمير وسوقي من الناس. شريح القاضي رمز العدل والإيمان والقضاء والتربية. رحم الله شريحا وأسكنه فسيح جنته.

    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 10:48 am