في يوم من الأيام يراه البعض بعيدا وأراه قريبا وكأنه بالأمس أعطاني
الدكتور محمد بديع المرشد الحالي للإخوان ــ إذ كان في أحد سجون مبارك ــ
خارطة طريق أو خطة ” مواجهة ” كان الهدف منها إعادة ترتيب أوراق فريق من
الإخوان وتحديد خطواته ليواجه أزمة ” إحالة النقابيين من الإخوان ”
للمحكمة العسكرية ، إشترك مع الدكتور بديع في وضع هذه الخطة ثلة من
المحبوسين من قيادات الإخوان كان منهم الدكتور محمد بشر والأساتذة مختار
نوح وخالد بدوي وغيرهم ، وكان أن أسند لي الدكتور بديع عبء إدارة وتنفيذ
هذه الخطة بعد أن رفضت جماعة الإخوان تنفيذها ، وبالفعل قمت على قدر طاقتي
وإمكانياتي الفردية بتنفيذ الخطة متحملا كافة النتائج التي ترتبت على ذلك
، ومرت سنوات كلمح بالبصر وإذا بشباب مصر الفريد يقودون ثورة بيضاء قضت
على مبارك وحكمه وأيامه ووضعت مصر مرة أخرى على خريطة الحضارة ، والثورة
فرصة ، والفرصة لا تتكرر ، ومن لا يرى القطار فلن يستطيع ركوبه من أبوابه
المشروعة إذ سيكون وقتها تحت قضبانه … والآن آن لي أن أكتب أنا الآخر خطة
أو خارطة طريق للإخوان على ضوء الثورة وتوابعها ، لهم أن يأخذوا بها أو
ببعضها ، ولهم أن يهملوها أو يلقوها في سلة المهملات ، فكل قولنا وأفكارنا
نسبية ، وما أراه أنا صحيحا قد يراه غيري خطأ .
مقدمة
لا أحب أن أبدأ مقالاتي بكلمة ” يجب ” ولكن هذه خطة وليست مقالة لذلك
“يجب” أن أبدأ هذه الخطة بـ ” يجب ” ففي هذه الأيام التي قد لا تتكرر….
يجب أن تستجلب المؤسسات والأحزاب والجماعات ــ ومنها جماعة الإخوان ــ
اللحظات الفارقة للأمة كي تكون لحظات فارقة لها ، كما أنه يجب أن يتردد
صدى الثورة في كل كيانات الدولة الرسمية والسياسية والشعبية والجماهيرية
ــ وجماعة الإخوان كيان جماهيري منظم ــ إذ لا يعقل أن تثور الجماهير في
الوقت الذي تظل فيه المؤسسات التي تمثل الجماهير راكدة في مكانها كالماء
الآسن، ستسبق الثورة من يقف متيبسا في مكانه لا يعي الثورة أو يستشرفها ،
الذي يقف مكانه جامدا على ظن منه أن الوقوف والجمود ثبات على الموقف ،
تسبقه حتما الأحداث والأفكار حينها سيبيت نائما في دواليب التاريخ .
بنود خارطة الطريق :
البند الأول : تحتاج جماعة الإخوان في اللحظات الراهنة إلى أن تقدم
نفسها للعالم كله بحسبها جماعة دعوية ، فجماعة أخرجت للعالم الإسلامي دعاة
أفذاذ على شاكلة الشيوخ سيد سابق والباقوري والغزالي والقرضاوي ، يجب أن
تعود مرة أخرى لكي تكون جامعة دعوية تقود إلى الوسطية والاعتدال وتستلم
راية الدعوة من الجماعات السلفية وتتجه بها إلى مسار الدعوة الصحيح ، فإذا
كانت الجماعة قد وضعت نصب عينيها في السنوات الأخيرة الاهتمام بالعمل
التنظيمي واتباع الأساليب التربوية فإنها يجب أن تهتم في الفترة المقبلة
ــ وهي بصدد تربية أفرادها ــ بالعلوم الشرعية وبالثقافة العامة
والتاريخية ، وفي سبيل ذلك أرى أنه يجب الاستعانة بالدكتور العلامة يوسف
القرضاوي على أن تكون معه لجنة من الدكاترة سليم العوا ومحمد عمارة وعبد
الستار فتح الله وطارق البشري ومن ترى اللجنة الاستعانة بهم لوضع المنهج
الثقافي والعلمي والدعوي لجماعة الإخوان ، وأنا على تمام الثقة أن هذه
اللجنة ستعود بالجماعة إلى ريادتها الدعوية بحيث تقود ولا تقاد ، تبدع ولا
تبتدع .
البند الثاني : كان قرار الإخوان بالمشاركة في هذه الثورة من أفضل
قرارات الإخوان عبر تاريخ الجماعة، وكان عدم رفع شعارات الجماعة من أنضج
ما حدث منهم ، فاليوم الذي تحرك فيه الإخوان وسط المجموع ـ لا بعيدا عنه
أو في مقدمته ـ نجحت ثورة المصريين المسماه ” ثورة الصبار ” ، والآن وبعد
نجاح الثورة يجب أن تستقر الجماعة على الشكل الذي تريده فإما جمعية وإما
حزب ، الجمعية هدفها الدعوة والإصلاح والعمل التطوعي الجماهيري ، أما
الحزب فهدفه السياسة والانتخابات وبرامج الحكم التفصيلية ، ولا ينبغي لأحد
أن يرتفع صوته داخل الجماعة ليقول إن الإسلام دين شامل ، لأن شمول الإسلام
لا يعني شمول التنظيم ، فالتنظيم ليس هو الإسلام ، والإسلام لا يمكن أن
يتم وضعه داخل حيز جماعة مهما كان شأنها ، الإسلام شامل أما التنظيم فمهما
حاول فلن يستطيع أن يكون إلا نسبيا ، والنسبي ليس له أن يستوعب كليا ،
فالقدرة لا تتعلق بالمستحيل أو بالأماني … وفي هذا السياق أقول حسنا فعلت
الجماعة حين صرحت أنها لن تقدم مرشحا رئاسيا ، وحسنا فعلت حينما لم ترفع
شعاراتها أثناء الثورة ، وحسنا فعلت حينما لم تطالب بأمور خاصة لها
ولتنظيمها عندما جلست مع النائب السابق للرئيس السابق ، إلا أنه من الأحسن
أن تحدد الجماعة لنفسها خياراتها الشكلية والتنظيمية ، وقد يكون مقبولا في
مستقبل الأيام أن تُبقي الجماعة على الشكل الحالي للإخوان على أن يكون هذا
الشكل قاصرا على أمور الدعوة والعلوم الشرعية لخلق جيل يقود المسلمين
ناحية القراءة المصرية المعتدلة للإسلام وهجر القراءة الوهابية ، فالكل
يعلم أن الفقه يتغير بتغير المكان والزمان ، وقد غيّر الإمام الشافعي فقهه
عندما جاء إلى مصر ، وفي ذات الوقت من الممكن أن تُنشأ الجماعة حزبا
سياسيا مفتوحا للكافة يقوم على العضوية المفتوحة لا الاختيار الانتقائي
وفقا لما فكر فيه الشهيد حسن البنا قبل مقتله ووفقا لما أسرَّه وقتها
لأبينا وأستاذنا الدكتور فريد عبد الخالق ،على أن ينفصل الحزب من حيث
الإدارة والتبعية عن الجماعة وعلى أن يكون واضحا في برنامجه أنه يقدم
أفكارا سياسية أبدعتها قرائح بشرية ليس لها قداسة لأنها محض أفكار وإن
استندت لنصوص إسلامية ، فمعظم النصوص إما ظنية الدلالة حتى ولو كانت قطعية
الثبوت وإما ظنية الثبوت حتى ولو كانت قطعية الدلالة .
البند الثالث : يجب أن تدرك الجماعة أنها تستمد قوتها
من اختلاف الرأي ، وأنها تضعف وتضمحل لو اكتفت في داخلها برأي واحد ولون
واحد ، الاختلاف قوة وصحة ، وليس بالضرورة أن يكون الاختلاف تضاد أو
المختلف عدو ، فمعظم الاختلاف تنوع ، والتنوع يضمن حفظ النوع ، وإذا ظنت
الجماعة أنها تحفظ كيانها بالتوحد فإنها تكون مخطأة ، فالله جل شأنه حفظ
أنواعنا بالتنوع ، خلق الخلق من ذكر وأنثى ، خلقنا مختلفين وقال في كتابه
الكريم ( ولذلك خلقهم ) ، أظن أنه مضى زمن من ليس معي فهو عدوي ، ومن لم
يفكر مثلي فهو ليس مني ، ومن انتقدني فإنه يريد تدميري أو أنه ضد الإسلام
ويعمل لمصلحة سياسات عميلة تعادي الإسلام ، فنقد الإخوان ليس نقدا للإسلام
، وضيق صدر الجماعة بالمختلفين معها والناقدين لها أضاع عليها فرص ذهبية
للتقدم والانطلاق وخلق لها فريقا من الخصوم ، خاصمت الجماعة منتقديها
فخاصمها فريق من المخلصين والأوفياء ، ومن اتخذ لنفسه عدو أفسد على نفسه
صديق .
البند الرابع : خيارات الجماعة الفقهية يجب أن تكون
متوافقة مع الواقع ، فالفقه إبن للزمن وإبن للواقع ، وطالما أن الشريعة
الإسلامية تتميز بالسعة والمرونة وتعدد الصواب ، فلا داعي أن نضيق واسعا
ونتجمد على فكرة وإن كان لها سند ، فالرأي الآخر أيضا له سند ، وليس
الصواب شيئا واحدا ، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى الإسلام ليكون للعالمين
جميعا وإلى أن تقوم الساعة ، وإذا كان من المستحيل أن ينتظم الخلق كلهم في
فهم واحد ، لذلك أباح الله لنا أن تتعدد الأفهام ، ولذلك يجب على الجماعة
أن تختار الفقه الذي يناسب الواقع ، وليس من المقبول أبدا أن تقول الجماعة
بالنسبة لولاية الأقباط والمرأة أنها ستظل على فكرتها بصددهما ، وأن هذا
هو خيارها الفقهي ، فالجماعة تعلم أن هناك خيارات فقهية أخرى تخالف خيارها
هذا ، ولذلك يجب أن تنحاز إلى الخيار الذي يناسب واقعنا لا الخيار الذي
يناسب مشاربها ، حتى ولو كان خيارها أسند إذ أن الخيار الآخر أنسب ، وليس
لي أن أُعلِّم الجماعة التي تعلمتُ منها ولكنني أتبع معها فقط سياسة (
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ، لذلك أقول نعم هناك من يرى أن
الولاية الكبرى لا تجوز للمرأة ولا للأقباط ، إلا أننا الآن لسنا في دنيا
الولاية الكبرى ، فالإسلام عندما قام لم يتحوَّل بالمسلمين من مجتمع
القبيلة إلى مجتمع الدولة ، ولكنه تحوَّل بهم إلى مجتمع الأمة لا الدولة
وظلت الأمة الإسلامية قائمة على وحدة واحدة إلى أن قضى أتاتورك على
الخلافة فاصبحت الأمة دولا متفرقة، وللأمة أحكام وللدولة أحكام أخرى ، وما
يصلح للدولة قد لا يجوز للأمة ، ونحن الآن في مجتمع الدولة ، وإذا كانت
الولاية الكبرى مقصدها الأمة فتكون أحكامها مرجأة لحين قيام الأمة ، ومن
ناحية أخرى لن يضير الجماعة أن تذكر في أدبياتها أنها لاتمانع من ترشيح
المرأة أو الأقباط في رئاسة الدولة فالترشيح غير الانتخاب ، أعطوا لهم في
أدبياتكم وبرامجكم حقهم في الترشيح ، ولكم أن تطبقوا خياراتكم التي تريدون
في الانتخاب ، فالانتخاب غير الترشيح ، الترشيح يكون لمن يريد أن يتقدم
والانتخاب يكون لمن يختار ، وطالما أن من يترشح مواطنا تتوافر فيه شروط
المواطنة فليس لأحد أن يمنعه من الترشيح بسبب العقيدة أو النوع … وأرى أنه
من الأنسب للجماعة أن تسند إلى اللجنة التي اقترحتها في البند الأول
برئاسة شيخنا القرضاوي أمر تحديد الخيار الفقهي للجماعة في هذا الصدد وفي
كل الأمور التي أثارت خلافا لتكون بمثابة رسائل إخوانية جديدة ترسم
للجماعة خطها الفكري في الفترة المقبلة وتقوم بتعديل ما تراه من رسائل
الشهيد البنا ، كانت رسائل البنا تصلح لجيله وزمنه ، أما الآن فنحن في زمن
الانترنت والفيس بوك والثورة التي يقودها الكومبيوتر ،ولكل زمن رجال ولكل
واقع افكاره .
البند الخامس : آن للجماعة أن تستعيد طيورها المهاجرة
، آن أن تلم شملها وتجبر كسرها وتحتضن زمرة من أبنائها اختلفت معها ، لا
يعقل أن يظل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على هامش الجماعة لا يستفيد
الإخوان من حضوره وبريقه وفكره وتجدده ،وكذلك الدكتور محمد حبيب، الجماعة
الآن في أمس الحاجة لهذين الرجلين تأخذ من خبرتهما وتقدم نفسها للدنيا من
خلالهما ومن خلال آخرين على نسقهما ، من الجيد أن قامت الجماعة بتقديم
الدكتور محمد البلتاجي أيام الثورة ، ولكن سيكون أجود لو قامت الجماعة
بالاستفادة من خبرات إبراهيم الزعفراني ومختار نوح وخالد داود وحامد
الدفراوي وعصام تليمة وهيثم ابو خليل وحسن الحسيني وغيرهم ، يجب أن يعود
هؤلاء للجماعة يقدمون لها ويقدمونها ويتقدمون بها ، فمختار نوح نقابي فريد
فضلا عن كونه من أبرز المفاوضين ، وكذلك الزعفراني الذي برز في العمل
التطوعي الإنساني ومعه هيثم أبو خليل ، وخالد داود بارع في رسم السياسات
ووضع التصورات ومعه الدفراوي وحسن الحسيني ، وجماعة تفقد هؤلاء وتجعلهم
يتسربون من بين يديها كالماء لن يكون لها مستقبل .
أما الذين أصبحت لهم خيارات حركية أخرى … مثلي مثلا .. ومثل أبو العلا
ماضي وعصام سلطان وصلاح عبد الكريم وغيرنا ، فهؤلاء لن يعودوا للجماعة
أبدا ، إلا أن الجماعة لا ينبغي أن تنظر لهم بحسب أنهم حركات انشقاقية تشق
الصف ، ورغم أن الانشقاق نفسه يعد من الأعمال الحميدة ، فالنيل لا يمكن أن
يصل لكل الدلتا لذلك كان شق الترع الكبيرة بمثابة حياة لمصر كلها حيث تصل
الترع إلى مناطق يعجز النيل عن الوصول لها ، إلا أن اختلاف هؤلاء مع
الجماعة كان اختلاف تنوع ، ويجب على الجماعة أن تخفف حدة غلوائها تجاه
هؤلاء وتسمع لهم وتقرأ ما يكتبون ، فالله يرحم من يهدي إلينا عيوبنا ،
وليس بالضرورة أن تأخذ الجماعة بأفكار هؤلاء ولكنها يجب أن تناقشهم ولا
تخوّنهم ، ترد عليهم ولا تتهمهم .
خاتمة : هذه الخطة ليست بمثابة” تصدير قلق” للأمة ولكنها خطة
“إنهاء القلق” والانتهاء تمام من فزاعة الإخوان التي استعملها النظام
البائد لسنوات طويلة كي تكون الجماعة مبررا لوأد الديمقراطية ، وإذا كانت
الجماعة قد وقعت في فخ هذه الفزاعة لسنوات إلا أنها الآن يجب أن تنهيها
بحيث تفكر في مصلحة الأمة قبل مصلحة الجماعة ــ وقد جرَّبت هذا وقت الثورة
ــ وتفكر في مصلحة الإسلام قبل مصلحة التنظيم ، وتعيد ترتيب أولوياتها
بحيث تجعل أولويات الأمة أولويات لها .. حاول النظام ايام الثورة أن
يجهضها من خلال فزاعة الإخوان فأخاف الناس من ثورتنا بزعم أن الجماعة
ستركبها وستقودها وستقفز إلى الحكم من خلالها ، فرأيت الخوف يرتسم حقيقة
في عيون البسطاء الذين كانوا ينتخبون الإخوان في انتخابات البرلمان ، تُرى
لماذا خاف الناس من الإخوان ؟ هل تعاقد الشعب معكم على التصويت لبعضكم في
البرلمان وبعض النقابات وكفى ، اما الحكم نفسه فقد أصاب البسطاء الفزع إذا
وصلتم له بسبب خياراتكم الفكرية الأخيرة ، هل ابتعادكم عن العمل الدعوي
والبحث عن المنافسة الانتخابية هو الذي أثار خوف الناس منكم ؟ إبحثوا عن
إجابة وواجهوا أنفسكم بالواقع الحقيقي ولا تجملّون الحقيقة أو تزينوها
ولكن جمّلوا واقعكم وزينوه .
هذه الخطة أضعها بين يدي الدكتور محمد بديع ولن أطلب منه ـ كما
طلب مني في السابق ـ أن ينفذها ولكنني سأطلب منه فقط أن يقرأها لعله يجد
فيها بعض الخير فإن لم يجد فيها خير فليحفظها في حقيبته لعلها تصلح ذات
يوم .
الدكتور محمد بديع المرشد الحالي للإخوان ــ إذ كان في أحد سجون مبارك ــ
خارطة طريق أو خطة ” مواجهة ” كان الهدف منها إعادة ترتيب أوراق فريق من
الإخوان وتحديد خطواته ليواجه أزمة ” إحالة النقابيين من الإخوان ”
للمحكمة العسكرية ، إشترك مع الدكتور بديع في وضع هذه الخطة ثلة من
المحبوسين من قيادات الإخوان كان منهم الدكتور محمد بشر والأساتذة مختار
نوح وخالد بدوي وغيرهم ، وكان أن أسند لي الدكتور بديع عبء إدارة وتنفيذ
هذه الخطة بعد أن رفضت جماعة الإخوان تنفيذها ، وبالفعل قمت على قدر طاقتي
وإمكانياتي الفردية بتنفيذ الخطة متحملا كافة النتائج التي ترتبت على ذلك
، ومرت سنوات كلمح بالبصر وإذا بشباب مصر الفريد يقودون ثورة بيضاء قضت
على مبارك وحكمه وأيامه ووضعت مصر مرة أخرى على خريطة الحضارة ، والثورة
فرصة ، والفرصة لا تتكرر ، ومن لا يرى القطار فلن يستطيع ركوبه من أبوابه
المشروعة إذ سيكون وقتها تحت قضبانه … والآن آن لي أن أكتب أنا الآخر خطة
أو خارطة طريق للإخوان على ضوء الثورة وتوابعها ، لهم أن يأخذوا بها أو
ببعضها ، ولهم أن يهملوها أو يلقوها في سلة المهملات ، فكل قولنا وأفكارنا
نسبية ، وما أراه أنا صحيحا قد يراه غيري خطأ .
مقدمة
لا أحب أن أبدأ مقالاتي بكلمة ” يجب ” ولكن هذه خطة وليست مقالة لذلك
“يجب” أن أبدأ هذه الخطة بـ ” يجب ” ففي هذه الأيام التي قد لا تتكرر….
يجب أن تستجلب المؤسسات والأحزاب والجماعات ــ ومنها جماعة الإخوان ــ
اللحظات الفارقة للأمة كي تكون لحظات فارقة لها ، كما أنه يجب أن يتردد
صدى الثورة في كل كيانات الدولة الرسمية والسياسية والشعبية والجماهيرية
ــ وجماعة الإخوان كيان جماهيري منظم ــ إذ لا يعقل أن تثور الجماهير في
الوقت الذي تظل فيه المؤسسات التي تمثل الجماهير راكدة في مكانها كالماء
الآسن، ستسبق الثورة من يقف متيبسا في مكانه لا يعي الثورة أو يستشرفها ،
الذي يقف مكانه جامدا على ظن منه أن الوقوف والجمود ثبات على الموقف ،
تسبقه حتما الأحداث والأفكار حينها سيبيت نائما في دواليب التاريخ .
بنود خارطة الطريق :
البند الأول : تحتاج جماعة الإخوان في اللحظات الراهنة إلى أن تقدم
نفسها للعالم كله بحسبها جماعة دعوية ، فجماعة أخرجت للعالم الإسلامي دعاة
أفذاذ على شاكلة الشيوخ سيد سابق والباقوري والغزالي والقرضاوي ، يجب أن
تعود مرة أخرى لكي تكون جامعة دعوية تقود إلى الوسطية والاعتدال وتستلم
راية الدعوة من الجماعات السلفية وتتجه بها إلى مسار الدعوة الصحيح ، فإذا
كانت الجماعة قد وضعت نصب عينيها في السنوات الأخيرة الاهتمام بالعمل
التنظيمي واتباع الأساليب التربوية فإنها يجب أن تهتم في الفترة المقبلة
ــ وهي بصدد تربية أفرادها ــ بالعلوم الشرعية وبالثقافة العامة
والتاريخية ، وفي سبيل ذلك أرى أنه يجب الاستعانة بالدكتور العلامة يوسف
القرضاوي على أن تكون معه لجنة من الدكاترة سليم العوا ومحمد عمارة وعبد
الستار فتح الله وطارق البشري ومن ترى اللجنة الاستعانة بهم لوضع المنهج
الثقافي والعلمي والدعوي لجماعة الإخوان ، وأنا على تمام الثقة أن هذه
اللجنة ستعود بالجماعة إلى ريادتها الدعوية بحيث تقود ولا تقاد ، تبدع ولا
تبتدع .
البند الثاني : كان قرار الإخوان بالمشاركة في هذه الثورة من أفضل
قرارات الإخوان عبر تاريخ الجماعة، وكان عدم رفع شعارات الجماعة من أنضج
ما حدث منهم ، فاليوم الذي تحرك فيه الإخوان وسط المجموع ـ لا بعيدا عنه
أو في مقدمته ـ نجحت ثورة المصريين المسماه ” ثورة الصبار ” ، والآن وبعد
نجاح الثورة يجب أن تستقر الجماعة على الشكل الذي تريده فإما جمعية وإما
حزب ، الجمعية هدفها الدعوة والإصلاح والعمل التطوعي الجماهيري ، أما
الحزب فهدفه السياسة والانتخابات وبرامج الحكم التفصيلية ، ولا ينبغي لأحد
أن يرتفع صوته داخل الجماعة ليقول إن الإسلام دين شامل ، لأن شمول الإسلام
لا يعني شمول التنظيم ، فالتنظيم ليس هو الإسلام ، والإسلام لا يمكن أن
يتم وضعه داخل حيز جماعة مهما كان شأنها ، الإسلام شامل أما التنظيم فمهما
حاول فلن يستطيع أن يكون إلا نسبيا ، والنسبي ليس له أن يستوعب كليا ،
فالقدرة لا تتعلق بالمستحيل أو بالأماني … وفي هذا السياق أقول حسنا فعلت
الجماعة حين صرحت أنها لن تقدم مرشحا رئاسيا ، وحسنا فعلت حينما لم ترفع
شعاراتها أثناء الثورة ، وحسنا فعلت حينما لم تطالب بأمور خاصة لها
ولتنظيمها عندما جلست مع النائب السابق للرئيس السابق ، إلا أنه من الأحسن
أن تحدد الجماعة لنفسها خياراتها الشكلية والتنظيمية ، وقد يكون مقبولا في
مستقبل الأيام أن تُبقي الجماعة على الشكل الحالي للإخوان على أن يكون هذا
الشكل قاصرا على أمور الدعوة والعلوم الشرعية لخلق جيل يقود المسلمين
ناحية القراءة المصرية المعتدلة للإسلام وهجر القراءة الوهابية ، فالكل
يعلم أن الفقه يتغير بتغير المكان والزمان ، وقد غيّر الإمام الشافعي فقهه
عندما جاء إلى مصر ، وفي ذات الوقت من الممكن أن تُنشأ الجماعة حزبا
سياسيا مفتوحا للكافة يقوم على العضوية المفتوحة لا الاختيار الانتقائي
وفقا لما فكر فيه الشهيد حسن البنا قبل مقتله ووفقا لما أسرَّه وقتها
لأبينا وأستاذنا الدكتور فريد عبد الخالق ،على أن ينفصل الحزب من حيث
الإدارة والتبعية عن الجماعة وعلى أن يكون واضحا في برنامجه أنه يقدم
أفكارا سياسية أبدعتها قرائح بشرية ليس لها قداسة لأنها محض أفكار وإن
استندت لنصوص إسلامية ، فمعظم النصوص إما ظنية الدلالة حتى ولو كانت قطعية
الثبوت وإما ظنية الثبوت حتى ولو كانت قطعية الدلالة .
البند الثالث : يجب أن تدرك الجماعة أنها تستمد قوتها
من اختلاف الرأي ، وأنها تضعف وتضمحل لو اكتفت في داخلها برأي واحد ولون
واحد ، الاختلاف قوة وصحة ، وليس بالضرورة أن يكون الاختلاف تضاد أو
المختلف عدو ، فمعظم الاختلاف تنوع ، والتنوع يضمن حفظ النوع ، وإذا ظنت
الجماعة أنها تحفظ كيانها بالتوحد فإنها تكون مخطأة ، فالله جل شأنه حفظ
أنواعنا بالتنوع ، خلق الخلق من ذكر وأنثى ، خلقنا مختلفين وقال في كتابه
الكريم ( ولذلك خلقهم ) ، أظن أنه مضى زمن من ليس معي فهو عدوي ، ومن لم
يفكر مثلي فهو ليس مني ، ومن انتقدني فإنه يريد تدميري أو أنه ضد الإسلام
ويعمل لمصلحة سياسات عميلة تعادي الإسلام ، فنقد الإخوان ليس نقدا للإسلام
، وضيق صدر الجماعة بالمختلفين معها والناقدين لها أضاع عليها فرص ذهبية
للتقدم والانطلاق وخلق لها فريقا من الخصوم ، خاصمت الجماعة منتقديها
فخاصمها فريق من المخلصين والأوفياء ، ومن اتخذ لنفسه عدو أفسد على نفسه
صديق .
البند الرابع : خيارات الجماعة الفقهية يجب أن تكون
متوافقة مع الواقع ، فالفقه إبن للزمن وإبن للواقع ، وطالما أن الشريعة
الإسلامية تتميز بالسعة والمرونة وتعدد الصواب ، فلا داعي أن نضيق واسعا
ونتجمد على فكرة وإن كان لها سند ، فالرأي الآخر أيضا له سند ، وليس
الصواب شيئا واحدا ، فقد أنزل الله سبحانه وتعالى الإسلام ليكون للعالمين
جميعا وإلى أن تقوم الساعة ، وإذا كان من المستحيل أن ينتظم الخلق كلهم في
فهم واحد ، لذلك أباح الله لنا أن تتعدد الأفهام ، ولذلك يجب على الجماعة
أن تختار الفقه الذي يناسب الواقع ، وليس من المقبول أبدا أن تقول الجماعة
بالنسبة لولاية الأقباط والمرأة أنها ستظل على فكرتها بصددهما ، وأن هذا
هو خيارها الفقهي ، فالجماعة تعلم أن هناك خيارات فقهية أخرى تخالف خيارها
هذا ، ولذلك يجب أن تنحاز إلى الخيار الذي يناسب واقعنا لا الخيار الذي
يناسب مشاربها ، حتى ولو كان خيارها أسند إذ أن الخيار الآخر أنسب ، وليس
لي أن أُعلِّم الجماعة التي تعلمتُ منها ولكنني أتبع معها فقط سياسة (
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ، لذلك أقول نعم هناك من يرى أن
الولاية الكبرى لا تجوز للمرأة ولا للأقباط ، إلا أننا الآن لسنا في دنيا
الولاية الكبرى ، فالإسلام عندما قام لم يتحوَّل بالمسلمين من مجتمع
القبيلة إلى مجتمع الدولة ، ولكنه تحوَّل بهم إلى مجتمع الأمة لا الدولة
وظلت الأمة الإسلامية قائمة على وحدة واحدة إلى أن قضى أتاتورك على
الخلافة فاصبحت الأمة دولا متفرقة، وللأمة أحكام وللدولة أحكام أخرى ، وما
يصلح للدولة قد لا يجوز للأمة ، ونحن الآن في مجتمع الدولة ، وإذا كانت
الولاية الكبرى مقصدها الأمة فتكون أحكامها مرجأة لحين قيام الأمة ، ومن
ناحية أخرى لن يضير الجماعة أن تذكر في أدبياتها أنها لاتمانع من ترشيح
المرأة أو الأقباط في رئاسة الدولة فالترشيح غير الانتخاب ، أعطوا لهم في
أدبياتكم وبرامجكم حقهم في الترشيح ، ولكم أن تطبقوا خياراتكم التي تريدون
في الانتخاب ، فالانتخاب غير الترشيح ، الترشيح يكون لمن يريد أن يتقدم
والانتخاب يكون لمن يختار ، وطالما أن من يترشح مواطنا تتوافر فيه شروط
المواطنة فليس لأحد أن يمنعه من الترشيح بسبب العقيدة أو النوع … وأرى أنه
من الأنسب للجماعة أن تسند إلى اللجنة التي اقترحتها في البند الأول
برئاسة شيخنا القرضاوي أمر تحديد الخيار الفقهي للجماعة في هذا الصدد وفي
كل الأمور التي أثارت خلافا لتكون بمثابة رسائل إخوانية جديدة ترسم
للجماعة خطها الفكري في الفترة المقبلة وتقوم بتعديل ما تراه من رسائل
الشهيد البنا ، كانت رسائل البنا تصلح لجيله وزمنه ، أما الآن فنحن في زمن
الانترنت والفيس بوك والثورة التي يقودها الكومبيوتر ،ولكل زمن رجال ولكل
واقع افكاره .
البند الخامس : آن للجماعة أن تستعيد طيورها المهاجرة
، آن أن تلم شملها وتجبر كسرها وتحتضن زمرة من أبنائها اختلفت معها ، لا
يعقل أن يظل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح على هامش الجماعة لا يستفيد
الإخوان من حضوره وبريقه وفكره وتجدده ،وكذلك الدكتور محمد حبيب، الجماعة
الآن في أمس الحاجة لهذين الرجلين تأخذ من خبرتهما وتقدم نفسها للدنيا من
خلالهما ومن خلال آخرين على نسقهما ، من الجيد أن قامت الجماعة بتقديم
الدكتور محمد البلتاجي أيام الثورة ، ولكن سيكون أجود لو قامت الجماعة
بالاستفادة من خبرات إبراهيم الزعفراني ومختار نوح وخالد داود وحامد
الدفراوي وعصام تليمة وهيثم ابو خليل وحسن الحسيني وغيرهم ، يجب أن يعود
هؤلاء للجماعة يقدمون لها ويقدمونها ويتقدمون بها ، فمختار نوح نقابي فريد
فضلا عن كونه من أبرز المفاوضين ، وكذلك الزعفراني الذي برز في العمل
التطوعي الإنساني ومعه هيثم أبو خليل ، وخالد داود بارع في رسم السياسات
ووضع التصورات ومعه الدفراوي وحسن الحسيني ، وجماعة تفقد هؤلاء وتجعلهم
يتسربون من بين يديها كالماء لن يكون لها مستقبل .
أما الذين أصبحت لهم خيارات حركية أخرى … مثلي مثلا .. ومثل أبو العلا
ماضي وعصام سلطان وصلاح عبد الكريم وغيرنا ، فهؤلاء لن يعودوا للجماعة
أبدا ، إلا أن الجماعة لا ينبغي أن تنظر لهم بحسب أنهم حركات انشقاقية تشق
الصف ، ورغم أن الانشقاق نفسه يعد من الأعمال الحميدة ، فالنيل لا يمكن أن
يصل لكل الدلتا لذلك كان شق الترع الكبيرة بمثابة حياة لمصر كلها حيث تصل
الترع إلى مناطق يعجز النيل عن الوصول لها ، إلا أن اختلاف هؤلاء مع
الجماعة كان اختلاف تنوع ، ويجب على الجماعة أن تخفف حدة غلوائها تجاه
هؤلاء وتسمع لهم وتقرأ ما يكتبون ، فالله يرحم من يهدي إلينا عيوبنا ،
وليس بالضرورة أن تأخذ الجماعة بأفكار هؤلاء ولكنها يجب أن تناقشهم ولا
تخوّنهم ، ترد عليهم ولا تتهمهم .
خاتمة : هذه الخطة ليست بمثابة” تصدير قلق” للأمة ولكنها خطة
“إنهاء القلق” والانتهاء تمام من فزاعة الإخوان التي استعملها النظام
البائد لسنوات طويلة كي تكون الجماعة مبررا لوأد الديمقراطية ، وإذا كانت
الجماعة قد وقعت في فخ هذه الفزاعة لسنوات إلا أنها الآن يجب أن تنهيها
بحيث تفكر في مصلحة الأمة قبل مصلحة الجماعة ــ وقد جرَّبت هذا وقت الثورة
ــ وتفكر في مصلحة الإسلام قبل مصلحة التنظيم ، وتعيد ترتيب أولوياتها
بحيث تجعل أولويات الأمة أولويات لها .. حاول النظام ايام الثورة أن
يجهضها من خلال فزاعة الإخوان فأخاف الناس من ثورتنا بزعم أن الجماعة
ستركبها وستقودها وستقفز إلى الحكم من خلالها ، فرأيت الخوف يرتسم حقيقة
في عيون البسطاء الذين كانوا ينتخبون الإخوان في انتخابات البرلمان ، تُرى
لماذا خاف الناس من الإخوان ؟ هل تعاقد الشعب معكم على التصويت لبعضكم في
البرلمان وبعض النقابات وكفى ، اما الحكم نفسه فقد أصاب البسطاء الفزع إذا
وصلتم له بسبب خياراتكم الفكرية الأخيرة ، هل ابتعادكم عن العمل الدعوي
والبحث عن المنافسة الانتخابية هو الذي أثار خوف الناس منكم ؟ إبحثوا عن
إجابة وواجهوا أنفسكم بالواقع الحقيقي ولا تجملّون الحقيقة أو تزينوها
ولكن جمّلوا واقعكم وزينوه .
هذه الخطة أضعها بين يدي الدكتور محمد بديع ولن أطلب منه ـ كما
طلب مني في السابق ـ أن ينفذها ولكنني سأطلب منه فقط أن يقرأها لعله يجد
فيها بعض الخير فإن لم يجد فيها خير فليحفظها في حقيبته لعلها تصلح ذات
يوم .