بدا أمس أن العقيدالقذافي يتجه إلى تنفيذ تهديد نجله سيف الإسلام بالقتال
«حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر رصاصة»، رداً على الاحتجاجات العارمة
المطالبة بإسقاط نظام القذافي، إذ سقط مئات الضحايا في حملته العنيفة لقمع
المتظاهرين التي بلغت حد القصف الجوي العشوائي لأحياء في طرابلس.
وجاءت هذه التطورات الدامية في وقت بدأت علامات التفكك تظهر في نظامه، مع
استقالة وزير العدل وعدد كبير من السفراء والديبلوماسيين وانضمام قبائل
بارزة ووحدات في الجيش إلى المحتجين وفرار أربعة طيارين بطائرتين مقاتلتين
إلى مالطا بعد رفضهم قصف المتظاهرين. وأصدر 50 من رجال الدين الليبيين
البارزين أمس بياناً اعتبروا فيه التمرد على نظام القذافي «فرض عين».
وفيما اتسعت دائرة الإدانات الدولية المطالبة بوقف فوري للعنف، وصلت
الاحتجاجات إلى العاصمة طرابلس أمس للمرة الأولى، بعد اقتصارها خلال الأيام
الماضية على مدن في شرق البلاد أبرزها بنغازي. وتجمع آلاف المحتجين في
شوارع طرابلس قبل أن تقصفهم المدفعية والطائرات الحربية عشوائياً، ما أسقط
أكثر من 250 قتيلاً، فيما تجمع مئات من مؤيدي القذافي في وسط الميدان
الاخضر في طرابلس. وذكرت قناة «الجزيرة» أن قوات الأمن تنهب البنوك
والمؤسسات الحكومية الأخرى في طرابلس، وان المحتجين اقتحموا العديد من
مراكز الشرطة وحطموها.
وباتت مدن عدة في الشرق في أيدي المعارضة. وقال محتجون إنهم سيطروا على
بنغازي ومدن أخرى في اختبار قاس لقبضة القذافي الحديدية. وفي مؤشر على
الخلافات داخل النخبة الحاكمة، استقال وزير العدل مصطفى عبدالجليل احتجاجاً
على استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، كما استقال عدد من السفراء
والديبلوماسيين اللليبيين.
وفي محاولة متأخرة لاحتواء الأوضاع بعد خطابه الذي هدد فيه الليبيين مساء
أول من أمس بـ «حرب أهلية طويلة»، شكّل سيف الإسلام القذافي أمس «لجنة
تحقيق برئاسة قاض ليبي وعضوية جمعيات حقوقية ليبية واجنبية للتحقيق في
الظروف والملابسات والاسباب التي ادت الى سقوط العديد من الضحايا في ليبيا
خلال الاحداث المحزنة الجارية»، بحسب التلفزيون الرسمي.
لكن هذا التلفزيون بث بعد قليل من إعلان تشكيل اللجنة، خبراً عن سقوط ضحايا
لدى دهم قوات الأمن «أوكار التخريب والرعب المدفوع بالحقد على ليبيا».
ودعت «الاخوة المواطنين إلى التعاون لبسط الأمن». ونقلت وكالة «رويترز» عن
مراسلها في طرابلس أن السكان يقومون بتخزين السلع الأساسية توقعاً في ما
يبدو لاندلاع اشتباكات جديدة بعد حلول الليل.
وكان سيف الاسلام ابن القذافي ظهر في التلفزيون الحكومي في محاولة لتهديد
ولتهدئة الشعب في الوقت نفسه، قائلاً ان الجيش سيفرض الأمن بأي ثمن لإنهاء
الثورة. وقال: «نحن معنوياتنا مرتفعة والقائد معمر القذافي يقود المعركة في
طرابلس ونحن معه والقوات المسلحة معه. نحن لن نفرط في ليبيا، وسنقاتل حتى
آخر رجل وحتى آخر امرأة وآخر طلقة ولا يمكن أن نترك بلادنا».
وسيطر المحتجون في مدينة بنغازي على المدينة بعدما اجبروا قوات الجيش
والشرطة على الانسحاب إلى مجمع. وأضرمت النار في مبان حكومية ونهبت. وقال
صلاح الدين عبدالله: «هناك احتفالات ومشاعر نشوة في بنغازي. المدينة لم تعد
تحت سيطرة الجيش، وهي تحت سيطرة المتظاهرين بالكامل». وترددت تقارير عن أن
الجنود الذين رفضوا إطلاق النار على المدنيين أعدمهم قادتهم في بنغازي.
وهبطت طائرتان عسكريتان ليبيتان على متنهما اربعة طيارين ومروحيتين مدنيتين
تقلان سبعة اشخاص بعد ظهر أمس في مطار لافاليتا عاصمة مالطا. ونقلت
السلطات المالطية عن الطيارين انهما رفضوا أوامر بقصف المتظاهرين وفروا.
دولياً، توالت أمس الإدانات الشديدة لاستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.
وأمرت الولايات المتحدة ديبلوماسييها غير الاساسيين وكل أفراد عائلات
الديبلوماسيين بمغادرة ليبيا، فيما قال مسؤول في الإدارة الأميركية أمس إن
الرئيس باراك أوباما يدرس «جميع الخطوات المناسبة»، داعياً النظام إلى عدم
استخدام القوة ضد المتظاهرين.
ورأى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أن «ما يحدث في ليبيا هو أمر
مريع تماماً وغير مقبول، فالنظام يستخدم أسوأ انواع القمع ضد شعب يريد أن
يرى هذا البلد، وهو واحد من الأكثر انغلاقاً والاكثر استبداداً، يتقدم».
ودان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «الاستخدام غير المقبول للقوة» ضد
المتظاهرين، مطالباً «بالوقف الفوري» لأعمال العنف. ودعا إلى «حل سياسي
يلبي توق الشعب الليبي إلى الديموقراطية والحرية».
وأعرب الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عن بالغ القلق إزاء الأحداث
الجارية في ليبيا، مطالباً بحقن الدماء ووقف كل أعمال العنف. وأكد أن
«مطالب الشعوب العربية فى الإصلاح والتطوير والتغيير أمر مشروع وطرح متكامل
تتشارك فيه مشاعر الأمة كلها، خصوصاً فى هذه المرحلة المفصلية فى تاريخ
العرب، وأنه لا مجال للتخوين ولا داعٍ لإثارة الفتنة بين الدول الشقيقة».
وتوجه بالعزاء إلى الليبيين في «الشهداء الأبرار»، وطالب بوقف إراقة المزيد
من الدماء. ودانت قطر عمليات العنف التي تمارسها السلطات الليبية، داعية
الى اجتماع لمجلس الجامعة للبحث في الوضع الليبي.
أما الاتحاد الاوروبي، فدعا القذافي إلى الاستجابة لمطالب شعبه المشروعة
والتوقف عن قمعه الدامي للمتظاهرين. ونفت فنزويلا أمس تقارير عن أن القذافي
في طريقه إلى كراكاس، بعد إعلان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن
لديه معلومات تشير إلى أن القذافي فر من البلاد وأنه في طريقه الى فنزويلا.
وأجرى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اتصالاً هاتفياً مطولاً مع
القذافي أمس في شأن «الوضع المتدهور» في ليبيا، وعبر عن «قلقه العميق من
تزايد مستوى العنف» وشدد على «ضرورة ايقافه فوراً»، مؤكداً «الحاجة إلى
ضمان حماية السكان المدينين تحت اي ظروف». وحض «جميع الاطراف على ممارسة
ضبط النفس»، داعياً السلطات الى «الانخراط في حوار موسع لمعالجة مصادر
القلق والاهتمام الشرعية