من طرف 
"اطرق الحديد وهو ساخن"..مثل يؤمن به معظم المتظاهرين بمؤسسات الدولة
العامة والخاصة الذين يحاولون استثمار الفرصة لتحقيق مطالب فئوية وشخصية
بعد ثورة 25 يناير.ولكن هل يجدى الاعتصام وتعطيل عجلة الانتاج فى
تلبية مطالبهم بالتو والحال اذا كانت الخسائر بالملايين وبعض المطالب غير
قانونية وبعضها غير مبرر؟.وأين ذهبت لوائح وقوانين تنظيم التظاهرات
التى تحولت الى موجة جائحة تهدد مكتسبات الثورة ولا تجد من يحتويها حرصا
على انتظام ساعة العمل ؟.فقد تواصلت المظاهرات الفئوية التي ينفذها العمال والموظفون بعدة
محافظات للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية،وشملت العديد من القطاعات الحيوية
مثل الغزل والنسيج والنقل العام والكهرباء مرورا بالتعليم والصحة وشركات
قطاع الأعمال والاتصالات والبنوك وغيرها.وكان المجلس الأعلى للقوات
المسلحة المصرية، قد دعا إلى وقف أعمال الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات
الفئوية التي يقوم بها بعض المواطنين في العديد من المصالح وأماكن العمل،
وأعلن المجلس في بيانه السبت 19 فبراير أن الجيش لن يتسامح بعد اليوم مع
المظاهرات التي اعتبرها تضر باقتصاد البلد وأمنه القومي.وجاء
بالبيان الذى نقله التلفزيون الرسمي ووكالة أنباء الشرق الأوسط أنه سيتم
مجابهتها واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها لحماية أمن الوطن والمواطنين
لعدة أسباب منها:"قيام بعض الفئات بتفضيل مطالبها الفئوية وتنظيم
الوقفات والاحتجاجات التي تسبب تعطيل المصالح وإيقاف عجلة الإنتاج وخلق
ظروف اقتصادية حرجة مما يؤدي إلى تدهور اقتصاد البلاد".غياب الثقةيبدى
المهندس محمد الداعور رئيس شعبة الملابس الجاهزة بالغرفة التجارية
بالقباهرة دهشته ،قائلا:" العمال توقفوا عن العمل وحطموا ماكينات الانتاج
دون مبالاة بأنها مصدر رزقهم ويرفضون الحوار أو الانتظار لغياب الثقة
والحوار بينهم وبين قيادات الادارة .ويرى أن الحل فى استقرار
الأوضاع واتخاذ موقف حاسم لضبط مؤسسات العمل ووعدهم بتنفيذ مطالبهم بعد
دراستها بالتدريج ، فالادارة لا تملك عصا سحرية وهناك مطالب بزيادة الاجور
تتطلب تعديلات تشريعية حتى يتمكن المدير من منحها للعمال .فماذا يفعل ومن أين اذا كانت الخسائر تتزايد يوما بعد ،فعلى سبيل المثال نتيجة اعتصامات مصانع النسيج تضررت الصناعة المصرية حيث انخفض الانتاج المحلى فى وقت تعانى فيه الاسواق من اغراق الملابس المستوردة.بل
تفجرت مشاكل مع المستوردين والمصدرين نتيجة اختلاف التعامل بالجمارك حيث
كان العرف محاسبتهم بالكيلو والآن القلق أدى الى التمسك بمحاسبتهم بالقطعة
بسعر اكبر مشيراً الى أن مصر تستورد ملابس ب 7 ملايين دولاروتصدر
بملياردولارفقط.وتساءل المهندس "الدعور " :كيف نفعل لوائح الاعتصام
اذا كان الدستور نفسه تحت التعديل والقوانين غير مطبقة بالشوارع فى مرحلة
انتقالية تسودها الفوضى وغياب الشرطة وظهور الانتهازيين الذين يعطون
الاولوية لمكاسبهم الشخصية على حساب المهنة والوطن بحجة كشف وقائع وملفات
الفساد داخل المؤسسات المختلفة.د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس تقول :" للأسف 40% من
الشعب يعانى الأمية وبعض المتعلمين يعانون الأمية الثقافية بمعنى افتقاد
ثقافة الحوار والتظاهر الحضارى واجادة لغة الانترنت .وبالتالى
الأنانية تحرك الكثيرين بحثا عن مكاسب شخصية دون إعمال العقل وادراك ان
الانتاج متوقف والأرباح التى يمكن أن تحسن أحوالهم ستنقلب الى خسائر وديون
تخصم منهم،فمثلا ..حدث اضراب بمصانع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى ،قلعة الصناعة بمصر وبمصنع السكر بالحوامدية .وبعض
العمال يلجأون الى العنف لتحقيق مطالبهم ولا يريدون الصبر على بحثها ،وهذا
قد يدفع الكثير من أصحاب المصانع والشركات الى اغلاقها وتسريحهم ،وبالتالى
يجدون أنفسهم فى الشارع ،ويصبحون عبئا على الدولة وينتظرون اعانة بطالة
بسبب عنادهم ".ثم أكدت أستاذ علم الاجتماع أن العامل الذى يبدد وقت
العمل فى الاعتصام لا يدرك معنى تشجيع الصناعة المحلية ،وأهمية استثمار
الوقت ليس فى رفع كم الانتاج فقط ،وانما فى تجويده حرصا على التنافسية
العالمية ..فيجب تثقيف العمال والاهتمام بنوعية الانتاج وربط الحافز
بالمنافسة فى السوق ليدرك ان هناك مقابلاً لرفع مطالبه .ورغم عدم
حصول المتظاهرين على تصريح بالاضراب وتعطيلهم العمل وتعديهم على رؤسائهم ،
فلم يتخذ تجاههم اجراء قانونى بخصم من المرتب أو احالة الى التحقيق لأننا
فى مرحلة حساسة وتقتضى تهدئة الموقف دون عنف .وتقترح د. سامية خضر
أن يقسم شباب الثورة الذين نالوا ثقة الرأى العام أنفسهم الى مجموعات
وينزلوا المصانع والشركات لاقناع العمال بأن يعملوا ويقدموا مطالبهم
للدراسة ويرفعون الانتاج حتى يجدوا ممولاً لطلباتهم ويقدمون مصلحة الوطن
لأن شباب الثورة ضحوا بأرواحهم من أجل مصر وليس لحساب منافع شخصية .. فعلى
سبيل المثال كيف يعارض المتظاهرون توريث الحكم ويؤيدون توريث الوظائف ؟ .
كشف الفساد
بينما
ترى د.نجوى عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع بكلية الأداب جامعة حلوان أن
الاحتجاجات تؤكد أن الثورة مست وجدان كل المصريين وشجعتهم على كشف الظلم
والفساد.وطالبت د. نجوى بقيام القوى الوطنية وقيادات الثورة بتوعية
العاملين في المؤسسات المختلفة وإقناعهم بتأجيل مطالبهم مع إقالة نماذج
المدراء والمسئولين التي تستفز العمال ، قبل أن تؤثر موجة الإضرابات
العمالية المتواصلة سلبا على النمو الاقتصادي للبلاد.وتضيف أستاذة
الاجتماع أن المظاهرات سلوك جماعي سريع الانتشار، مشيرة إلى أن وسائل
الاتصال الحديثة والفضائيات ساهمت في تسهيل تقليد المظاهرات. ولكن للتظاهر
أدبيات تكسبه ملمحا حضاريا، وتتطلب تثقيف الطلبة والشباب بآداب الحوار
وحرية التعبير، وتوفير أماكن مفتوحة للتظاهر، وتنظم مواعيدها بما لا يتعارض
مع ساعات العمل الرسمية.
وأشارت الى تشجيع الشباب على خدمة
البلد نظير احتساب مدة الخدمة العامة عند تعيينه أوترقيته واقناعه بأن
التغيير يتم بالكفاءة المتوقعة حتى نصل إلى ما نريد، ولكن بخطوات متدرجة
ومحسوبة.
تحقيق د. هند بدارى
