أستضاف "مركز الحوار العربي" في منطقة واشنطن، مساء يوم الأربعاء 16 آذار/مارس 2011، الأستاذ إبراهيم صهد، الأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. كان موضوع الندوة هو: "ليبيا: حاضر الثورة ومستقبل الدولة". وجاء في كلمة الأستاذ صهد:
تابع العالم كله خلال الأسابيع الأربعة الماضية ما يرتكبه معمر القذافي وأسرته وأعوانه من جرائم ضد الشعب الليبيي.
استخدم القذافي كل أنواع الأسلحة، وكل أنواع الذخائر ضد المواطنين الليبيين ... استخدم الرصاص الحي وذخائر مضادات الطيران ضد الناس العزل من السلاح ... واستخدم سلاحي الطيران والبحرية لقصف المدن والمنشآت والأحياء السكنية والتجمعات البشرية.
واستخدم المرتزقة الأجانب للقتال ضد الشعب الليبي ..
مرتزقة جاءوا من دول إفريقية وغير إفريقية .. طيارون .. وخبراء عسكريون .. وخبراء في الحرب النفسية .. وفي التحكم والتشويش والتجسس على المكالمات وعلى شبكة الانترنت ...
استخدم القذافي –مع كل أسلحته- كل ضروب الخسة والشراسة ضد الشعب الليبي، بما في ذلك الخطف ... واستخدام الدروع البشرية ... ونبش القبور .. وخطف الناس .. بل قاموا بأخذ الجثث من الشوارع وإخفائها .. ومنع الجرحى من الحصول على الإسعافات الضرورية .. بل قاموا بخطف الجرحى من المستشفيات الأمر الذي دفع الناس إلى الامتناع عن حمل الجرحى إلى المستشفيات.
آخر الإحصاءات: أن هناك أكثر من عشرة آلاف شهيد .... وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين ... وأكثر من ثلاثة آلاف مختطف... لا يعرف شيء عن مكان وجودهم.
لقد كشف القذافي وأبناؤه وأعوانهم عن وجوههم البشعة .. وعن حقيقتهم المروعة .. عصابة شرسة تريد أن تستمر في حكم البلاد والسيطرة على مقدرات ليبيا ونهب ثرواتها .. باي ثمن .. حتى ولو كان ذلك على جماجم الشعب الليبي. ... نحن في ليبيا كنا نعرف حقيقة القذافي .. فقد اصطلينا بنيران طغيان القذافي طيلة أربعة عقود .... وكنا نواجَه من العالم ... وحتى من بعض أشقائنا .. بكثير من التشكيك فيما نقول ... يشككون فيما نقوله عن إجرام وطغيان القذافي ..... لقد احتاج الأمر إلى هذه الأعداد من القتلى والجرحى ... إلى هذا القدر من الدمار ... إلى خطابات القذافي وابنه التي استمع إليها العالم .. إلى هذا الكم الهائل من الدجل المكشوف .. من الكذب الصريح .. من التهديدات بتحويل ليبيا إلى دمار .. وإفناء شعبها .. وحرق البترول والغاز ... احتاج الأمر إلى أن يسمع العالم ما كنا نحن نسمعه من اللغة الهابطة .. من الأوصاف القذرة .. من الإهانات تكال إلى الشعب الليبي ... ومن التطاول على أبناء ليبيا ... احتاج الأمر إلى كل ذلك حتى يقتنع العالم بأن القذافي مخلوق لا ينتمي إلى الإنسانية، وأنه يحمل أحقادا مركبة ضد الشعب الليبي.
ونعود لنذكر بأن معمر القذافي كان قد استولى على السلطة في ليبيا عبر انقلاب عسكري عام 1969، واستمر يحكم ليبيا حكما ديكتاتوريا همجيا طيلة أربعة عقود، ارتكب خلالها أبشع الجرائم ضد الشعب الليبي وضد مقدراته، ومارس العبث بقضايا أمتنا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وارتكب جرائم الإرهاب الدولي، وعرّض ليبيا لشتى أنواع المخاطر والعقوبات.
معمر القذافي لم يحظ في أي يوم بمشروعية حكم ليبيا ... لم يحظ بمشروعية مستمدة من الدستور لأنه ببساطة ألغى الدستور وأبقى البلاد 42 سنة بدون دستور .. وجرّم كل من طالب بالدستور. كما لم يحظ القذافي بأية مشروعية مستمدة من الشعب الليبي لأنه حرم الشعب الليبي من أن يقوم باختيار من يحكمه من خلال صناديق الاقتراع، وفرض نفسه حاكما مستبدا.
لم يسبق للقذافي أن تحصل على أية مشروعية لحكم ليبيا ... وتأتي هذه الجرائم التي يرتكبها القذافي منذ أربعة أسابيع لتسقط بالكامل أية شبهة بقيت حول شرعية حكم القذافي لليبيا.
بحار من الدماء باتت تفصل بين الشعب الليبي والسفاح معمر القذافي.
ولهذا فإن حكم معمر القذافي قد سقط بفقده للمشروعية الوطنية متمثلة في إرادة الشعب الليبي التي عبر عنها بكل وضوح ومهرها بدماء زكية، وكذلك فقده للمشروعية العربية والدولية متمثلة في القرارات المختلفة من مجلس الجامعة، ومن مجلس الأمن الدولي، ومن البوليس الدولي (الانتربول) ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكذلك التصريحات الصادرة التي أدلى بها كثير من رؤساء الدول باعتبار حكم القذافي منتهيا ولاغيا.
أزمة الشعب الليبي مع القذافي ليست وليدة اليوم ... ولكنها كانت منذ أن استولى القذافي على السلطة ... حاول الليبيون إسقاط حكم القذافي عبر عدد من المحاولات على مدار سنوات حكمه .... كنا دوما نواجه ونجابه بالإسناد الكبير الذي يحصل عليه القذافي من أطراف كثيرة. عربية وغير عربية ... علنا وفي الخفاء .. لإسعافه ونجدته من السقوط.
لهذا فإن ثورة 17 فبراير هي تتويج لنضالات الشعب الليبي ضد القذافي .. بدأت بمظاهرات سلمية .. تطالب بالتغيير ... واجهها القذافي بكل أنواع الأسلحة ... بالقتل .. والترويع ... وبالمرتزقة ... لم يجد الناس بدا من السعي لإسكات مصادر النيران التي تحصدهم حصدا في الأيام الأولى ... قاموا بعمليات بطولية أسطورية في بنغازي ... والبيضاء ... ودرنة... ضد كتائب القذافي ,,, وتكبدوا خسائر جسيمة جدا .... ولكنهم في النهاية تمكنوا من السيطرة على كتيبة "الفضيل بوعمر" في بنغازي ... وكتيبة "حسين الجويفي" في البيضاء ... ومعسكر "عزوز" في درنة ... هذه السيطرة تم تعزيزها بانضمام وحدات من هذه الكتائب...
لم تكن هذه بداية تحول الأمر إلى صراع عسكري بين طرفين، وإنما كانت هذه هي بداية إعادة شيء من التوازن يحمي الناس من الرصاص الغاشم .. ومن المرتزقة .. ومن القناصة ... ومن كتائب أمنية تتواجد في خاصرة المدن .. وتهاجم الناس .. تقتلهم في الشوارع وفي بيوتهم .. تقتلهم وهم يدفنون الشهداء ...
اليوم، بفضل الله تمتد سيطرة قوى الشعب الليبي .. على المدن الواقعة من الحدود الليبية المصرية إلى مدينة البريقة ... علاوة على كل مدن جبل نفوسه ... ومدينة مصراته ... وقد رأينا انتفاضات من مدن الزاوية وزواره .. ورأينا أن القذافي لم يتورع لقمعها لاستخدام المدفعية والدبابات ... ومئات القتلى والجرحى .. وإلى تحويل هذه المدن إلى أنقاض ... وجعل أهلها إما لاجئين خارجها أو لاجئين في بيوتهم.. وهذه مصراته تواجه هجوما بريا من ثلاثة محاور .. وقصف جوي .. وثلاثة بوارج .
بعد تحرر المدن قام سكانها بتشكيل لجان لإدارة أمورها... الملاحظ أن الناس قد استجابت لهذه اللجان وتعاونت معها.. كما أن من التطورات المهمة تشكيل "المجلس الوطني الانتقالي" برئاسة السيد مصطفى عبدالجليل وزير العدل السابق، ومبادرة كل المدن المحررة في ليبيا بإعلان تأييدها للمجلس وانضوائها تحت لوائه، وقيام أعداد كبيرة من السفارات الليبية والتنظيمات السياسية والحقوقية الليبية في المنفى بتأييد المجلس، بمن فيها الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، علاوة على توالي الاعترافات الصريحة والضمنية من عدد من الدول، كل ذلك يعطي للمجلس المشروعية لتمثيل الشعب الليبي والتعبير عن إرادته وعن طموحاته وآماله. لقد أصبح المجلس الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي.
الموقف العربي:
تميز الموقف العربي عموما بالصمت في المرحلة الأولى من الثورة... صمت على المجازر وإراقة الدماء ... وأصوات الرصاص تحصد الناس .. لكن من الضرورة الإشادة بموقف دولة قطر الذي جاء مبكرا باستنكار المذابح التي بدأ القذافي في ارتكابها، وقامت مشكورة بإيصال مساعدات إنسانية عاجله في وقت قياسي. وأشيد بالمواقف التي اتخذتها مجموعة دول التعاون الخليجي، وهي مواقف تمت بصور أحادية وبصورة جماعية من خلال جلسة المجلس، كانت مؤيدة للشعب الليبي وبلغت حد القول بفقدان القذافي للشرعية والتعامل مع المجلس الوطني الانتقالي. أشيد بموقف المجموعة في الضغط من أجل إصدار قرار الجامعة العربية، وكذلك بتقديم عدد من دول المجموعة لمساعدات إنسانية. موقف مصر اتسم بالتعاون في إبقاء الحدود مفتوحة، وفي تسهيل دخول المساعدات، وفي رفض طلب القذافي إقفال الحدود . تونس تلقت أعدادا كبيرة من النازحين من العمال العرب والأجانب.
لكن يؤسفني القول أن هناك دولا عربية وقفت وما زالت تقف إلى جانب السفاح معمر القذافي. هناك دول عربية قدمت للقذافي ما يمكنه من تدعيم آلته الحربية، وهناك دول عربية ظلت إلى هذه اللحظة عاجزة أن تتفاعل مع الدم الليبي الذي يراق، ولم يكن لها أدنى اهتمام بتصريحات القذافي التي بلغت حد الإهانة المزرية للدول العربية ولجامعتهم، بل بلغت حد الانسلاخ من الانتماء العربي.
الموقف الدولي:
كلنا شاهد التأخر والتردد والإشارات المتناقضة، وشاهدنا المصالح الاقتصادية تبرز بكل وقاحة في مواقف بعض الدول. لا نعترض على المصالح المتبادلة ولكن عندما تكون هذه المصالح على حساب شعب يذبح ويعاني فحتما نضع هذه المصالح تحت التقييم. استطاعت أوروبا أن تقول بأنها منقسمة لأن مجرد دولتين أو ثلاث دول لا توافق على عمل إيجابي ... واستطاعت مجموعة الثمانية أن تقول بأنها منقسمة نظرا لموقف دولتين .. ولم تر بعض الأطراف سوى مصلحة ضيقة قد تنتهي بانتهاء القذافي. وهناك دول تقدم للقذافي الدعم العسكري بتوفير المعدات الحربية والأسلحة .. بعضها سارع إلى تقديم الوقود .. بعضها يقدم المرتزقة ..
هناك مفاجآت ثلاث: موقف فرنسا الداعم والمؤيد الذي كان سباقا إلى الاعتراف القانوني بالمجلس الوطني وإلى التحرك في كل الأوساط دعما للشعب الليبي، هذا الموقف لم نكن نتوقعه من فرنسا. موقف الولايات المتحدة المتردد .. المشكك .. المتناقض ... الباحث عن معاذير، نأمل أن يتطور في الساعات القادمة إلى موقف إيجابي عملي. موقف الرئيس التركي رجب الطيب آردوغان الذي جاء معاكسا بالكامل لتوقعات الليبيين من تركيا.
انتصار الشعب الليبي حتمي بإذن الله تعالى .. الشعب الليبي يصنع الآن ثورته ... يصنع مستقبل بلاده ... ينهي حكم الهمجية والطغيان ... يرسي دعائم حكم دستوري ديمقراطي .. ينهي مرحلة حالكة من تاريخ ليبيا .. يضع لبنات مرحلة جديدة نسأل الله أن تكون كما نتمنى مشرقة .. مرحلة تستهدي بأرواح الشهداء ... وتتخذ من دمائهم نبراسا ... مرحلة تتشكل بعقول وسواعد أبنائها وبناتها.
ومع ذلك فإن الشعب الليبي يمر بظروف حرجة ومصيرية ...
يواجه حاكما نزعت عنه صفة الإنسانية .. يستخدم كل أنواع الأسلحة لضرب المواطنين الليبيين ... يتعامل بالخسة والغدر ... يستخدم الحرب النفسية ... يتحالف مع أعداء الأمة ..
مع وجود حالة عربية أقل ما يقال عنها أنها لم ترتق إلى التعامل مع المشهد الليبي على حقيقته .. لم تتعامل مع المذبحة البشعة كما يجب ... حالة عربية غابت عنها معاني النخوة والنصرة .. ولولا المواقف التي نوهت بها، ولولا قرار الجامعة استجابة لطلب دولي .. لولا ذلك لكان الأمر يدعو إلى اليأس الكامل من التضامن العربي في الملمات.
مع حالة دولية تنتظر حتى يسقط عدد أكبر من الشهداء ومن الخسائر حتى يكون في الإمكان التعامل مع الحالة الليبية على أنها ترقى إلى جرائم الإبادة الجماعية.. أو أنها تتطلب الاستعجال في الإجراءات.
الشعب الليبي أمام عدو شرس .. وغياب عربي .. وتردد دولي ... يعتمد على الله سبحانه .. ثم يعتمد على سواعد أبنائه وبناته .. يخوض معركة .. الحق فيها بين والباطل فيها بين ... يقدم التضحيات ... بل يضرب أروع الأمثلة في التضحية والعطاء ... يصوغ ملحمة رائعة ... ملحمة ... سيقف التاريخ أمامها طويلا ... وسيسجلها بمداد من دم طاهر زكي يشع بإشعاعات النور .... لقد قال الشعب الليبي كلمته مدوية ... ومهرها بدماء الشهداء ...
رددت جبال ليبيا ووديانها ... رددت مدنها وقراها .. ردد شبابها وشيبها .. ردد رجالها ونساؤها .. رددوا كلمات الشاعر.
لا تشتمن الخطب أو تبكي له فالخطب ليس بمثل ذلك يدفع
فلقد شتمنا الرزء حتى أتخمت آذانه والرزء باق مزمع
لكن تصد له فإن أخضعته تحيا وإن خفت المماتة تخضع
فالمجد يحتقر الجبان لأنه شرب الصدى وعلى يديه المنبع
لمزيد من المعلومات عن "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، الرجاء الدخول إلى هذا الموقع:
http://www.libyanfsl.com/
موقع المجلس الوطني الانتقالي:
http://ntclibya.org/arabic/