الخصومة القضائية
افتتاح الخصومة المدنية وتحديد نطاقها
افتتاح الخصومة المدنية
" نظرية الدعوى "
في بيان ماهية الدعوى
تعريف الدعوى
تعرف الدعوى المدنية بأنها وسيلة قانونية تسمح للشخص بأن يطرح على القضاء ادعاء بحق معين . ويتضح من هذا التعريف أن :
1- الدعوى وسيلة قانونية : وتكييف الدعوى على هذا النحو يعنى أنها ليس في ذاتها حقا وإنما هي وسيلة لممارسة حق عام هو حق الالتجاء إلى القضاء . فمن جهة أولى ليست الدعوى هي الحق الموضوعي الذي تحميه كما كان يقال . ومن جهة ثانية فإنها ليست هي الحق في طلب الحماية القانونية كما يقول بعض الفقه ، إذ أن هذا هو تعبير عن حق الالتجاء إلى القضاء ذاته . ومن جهة ثانية فإنها ليست حقا شخصيا كما يقول البعض الآخر، لأن الحق الشخصي يعني وجود حق معين قبل شخص محدد سلفا ، على أنه يمكن قبول وصف الدعوى بأنها حق إذا كان المقصود هو كونها حقا إجرائيا بالمعنى المفهوم للحقوق الإجرائية في قانون المرافعات .
وحيث تعتبر الدعوى وسيلة أو مكنة خولها القانون للأشخاص لطلب الحماية القضائية لحقوقهم أو حقا إجرائيا على النحو السابق فإنه ينبغي ألا يسيء من تقرر هذا الحق لحمايته استخدامه أو يتعسف في ذلك و إلا أمكن للمضارين من هذا التعسف مطالبته بالتعويض . وإساءة استعمال الدعوى تتحقق إذا كان غرض الشخص من رفعه لدعواه هو فقط الإضرار بالغير .
2- الدعوى وسيلة اختيارية ، لا يجبر الأفراد على استخدامها إذا اعتدى على حقوقهم . فقد يختار الشخص وسيلة أخرى لحماية حقه أو يتسامح في الاعتداء عليه بالمرة .
3- الدعوى تطرح على القضاء ادعاء معينا . وسوف تتضح حقيقة هذا الأمر عندما نحدد علاقة الدعوى بكل من الحق الموضوعي والادعاء .
تمييز الدعوى عن غيرها من الأفكار :
1- الدعوى والحق الموضوعي :كان فى الفقة القديم سائداً ان الدعوى هى الحق الموضوعى نفسة . ولكنها تبقى ساكنة طالما لم يتعرض هذا الحق للمنازعة فية .
2- الدعوى وحق الالتجاء إلى القضاء :
حق الالتجاء إلى القضاء أو حق التقاضي هو حق دستوري من الحقوق العامة ثابت للناس كافة لا يجوز التنازل عنه . أما الدعوى فهي وسيلة مباشرة هذا الحق عملا . وعلى هذا فمن يرفع دعوى أمام القضاء يعتبر قد مارس حقه في التقاضي ، حتى ولو تبين بعد ذلك عدم أحقيته فيما أدعى به أمام القضاء .
3- الدعوى والادعاء :
غالبا ما يقع الخلط بين الدعوى والادعاء إذ يرى بعض الفقه أن الدعوى هي الادعاء .
والواقع أن الادعاء هو موضوع الدعوى ، أي الجانب الموضوعي فيها . فكل دعوى تطرح على القضاء ادعاء . فالادعاء هو الحق الموضوعي المدعى به ، أي النتيجة الاجتماعية أو الاقتصادية أو القانونية التي يطالب بها المدعي .
ويقول بعض الفقهاء من أن استعمال الشخص حقه في الالتجاء إلى القضاء يطرح ادعاء معينا أمام المحكمة .
ما يراه أستاذنا الدكتور وما يقوله هذا الفقه هو فيما يرى معالى الاستاذ الدكتور الجليل من أن قيام الادعاء أمام المحكمة لا يعني أن لصاحبه الحق في الدعوى . وذلك خلافا لما يراه هذا الفقه من أن وجود حق أو مركز قانوني وحدوث اعتداء عليه هما شرطان لحق الدعوى ، بما يعنى أنه في حالة عدم توافرهما لا يكون لمن قدم الادعاء حق الدعوى . وفيما يرى سيادته فإن هذا الرأي يؤدي إلى قلب المصطلحات وأن عكس قوله هو الصحيح ، فعدم توافر الشروط الموضوعية للحق المرفوعة به الدعوى يعني أن الادعاء غير صحيح ولكنه لا يعني أن المدعى ما كان له ابتداء أن يرفع الدعوى .
4 - الدعوى والطلب :
الطلب هو ذلك العمل الإجرائي الذي يطرح به الخصم ادعاءه على القضاء . ولذا فإنه يعد وسيلة لتحريك القضاء ، أو عنصرا شكليا تمارس من خلاله الدعوى .
5- الدعوى والخصومة :
وإذا كانت الدعوى هي وسيلة استخدام الشخص لحقه في الالتجاء إلى القضاء ، فإن الخصومة هي الوصف القانوني لما ينشأ عن مباشرة هذه الدعوى ، فالخصومة هي أثر للدعوى . وتتكون الخصومة من مجموعة الأعمال الإجرائية التي تبدأ بإيداع صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة وتنتهي بإصدار الحكمة أو بطريقة عارضة قبل إصداره .
عناصر الدعوى :
وتتميز أي دعوى بثلاثة عناصر هي أطرافها وموضوعها وسببها وهذا ما نوضحه فيما يلي :
1- أطراف الدعوى :
أطراف الدعوى هم الخصوم . والخصم هو من يقدم طلبا إلى القضاء أو من يقدم في مواجهته هذا الطلب . والخصم إما أن يأخذ صفة المدعى وإما أن يأخذ صفة المدعى عليه . فأما المدعى فهو من يقدم بنفسه أو بواسطة غيره الطلب ، وأما المدعى عليه فهو من يقدم في مواجهته هذا الطلب . ويمثل المدعى والمدعى عليه العنصر الشخصي للخصومة على نحو ما سنعرض في موضوع لاحق .
وجدير بالملاحظة أن العبرة في تحديد الخصوم لتمييز الدعوى وتحديد عناصرها هي بالنظر إلى من يتمتع بصفة الخصم . وبعبارة أخرى فإن العبرة ليست بالنظر إلى الأشخاص ولكن بالنظر إلى صفته في الدعوى . فقد يتحد الأشخاص في دعويين ومع ذلك يعتبر أطرافها مختلفين وذلك إذا اختلفت صفة أحد الأشخاص في إحدى الدعويين عن صفته في الدعوى الأخرى ، وذلك كما لو كان أحد الخصمين في الدعوى هو مجرد ممثل لغيره في الدعوى الأخرى . وعلى سبيل المثال فإن الدعوى التي يرفعها الوصي ممثلا عمن هو تحت وصايته تختلف عن الدعوى التي يرفعها هذا الوصي أصالة عن نفسه .
2- موضوع الدعوى :
عرف المشرع الفرنسي موضوع الدعوى بقوله إن موضوع الدعوى يتحدد بادعاءات الخصوم، وهذه الادعاءات تتحدد بالعمل الافتتاحي وبالطلبات الختامية فيها والفكرة التي يؤمن بها جمهور افقه المصري والفرنسي . فموضوع الدعوى هو النتيجة التي يسعى المدعى إلى الحصول عليها من وراء دعواه ، كإثبات أحقيته في تعويض مالي أو ملكيته لعقار ... وهكذا . وحيث إن أهداف المتقاضين لا يمكن أن تدخل تحت حصر فإن موضوع الدعاوى لا يمكن أن يدخل كذلك تحت حصر . وإنما يمكن القول بصفة عامة بأن موضوع الدعوى قد يكون هو تقرير وجود حق أو مركز قانوني للمدعى ، وقد يكون هو إنشاء مركز قانوني لم يكن موجودا من قبل ، وقد يكون هو إلزام شخص بأداء معين أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل ، وقد يكون هو الحصول على حماية وقتية . وتحت هذه الصور الأربع يمكن تعداد الأمثلة .
3- سبب الدعوى أو أساس الادعاء :
وقد كانت مسألة تحديد سبب الدعوى ولا زالت مثار جدل طويل في الفقه ، إذ اختلفت الآراء حول المقصود بسبب الدعوى .
ويمكن رد الآراء التي قيلت في هذا الصدد إلى اتجاهين ؛ اتجاه يرى أن سبب الدعوى يتحدد على أساس عناصر قانونية ، واتجاه آخر يرى أن سبب الدعوى يتحدد على أساس عناصر واقعية .
1- تحديد سبب الدعوى على أساس عناصر قانونية :
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن سبب الدعوى هو الأساس القانوني للحق الذي يطالب به المدعى أمام القضاء .
ويتبع هذا الاتجاه أيضا جانب آخر من الفقه يرى أن سبب الدعوى هو الوقائع التي يقدمها الخصوم مكيفة تكييفا قانونيا ، وذلك على أساس أنه من غير المتصور أن يروى الخصوم عناصر واقعية دون أن يقدموا لها تلوينا قانونيا ، فضلا عن أن الفصل بين الواقع والقانون هو أمر تحكمي لا يمكن تحقيقه .
2- تحديد سبب الدعوى على أساس عناصر واقعية :
أن الرأي الراجح في الفقه الحديث في مصر وفي فرنسا يتجه إلى تعريف سبب الدعوى بأنه مجموعة العناصر الواقعية التي يقدمها الخصم في تأييد ادعائه .
ويعتقد أستاذنا الدكتور : أن تعريف سبب الدعوى بأنه الوقائع التي يقدمها الخصم لتأسيس ادعائه هو الرأي الجدي بالتأييد . فتعريف سبب الدعوى على أنه الأساس القانوني للحق المدعى به سوف يؤدي إلى نتيجة غير مقبولة مؤداها أنه لا يجوز للقاضي أن يعدل هذا السبب . بما يعنى أنه ليس له أن يحكم استنادا إلى نصوص قانونية لم يستند إليها الخصوم ، وليس له أن يغير التكييف القانوني الذي يقدمه الخصوم للوقائع . وهذه نتيجة لا يمكن قبولها ، لأن القضائي يلتزم بأن يطبق قواعد القانون من تلقاء نفسه دون توقف على طلب الخصوم . ذلك أن التزام القاضي بتطبيق قواعد القانون من تلقاء نفسه وبصرف النظر عن موقف الخصوم منها يجد أساسه في طبيعة وظيفة القضاء ذاتها ، إذ أنه من البديهي متى أسندت إلى القاضي مهمة الفصل في الدعوى وأصبح ملتزما قانونا بأن يفصل فيها فإنه يلتزم بأن يفصل فيها حسب القواعد القانونية التي تحكمها . فكيف يمكن إذن إلزام القاضي بألا يغير قواعد القانون التي يستند إليها الخصوم تجنبا لتغيير سبب الدعوى . وفضلا عن ذلك كله فإنه من غير المقبول أن يتغير سبب الدعوى حسب ما إذا كان المدعى قد قدم تكييفا للوقائع التي ذكرها .
وهو ما أخذت به وأكدت عليه محكمة النقض المصرية ، حيث يحرى قضاؤها على أن سبب الدعوى هو الواقعة التي يستمد منه المدعى الحق في الطلب .
أنواع الدعاوى :
أولا : الدعاوى الشخصية والدعاوى العينية :
يقصد بالدعوى الشخصية الدعوى التي تستند إلى حق شخصي ، والحق الشخصي هو حق للشخص في مواجهة شخص معين ، ويقصد بالدعوى العينية تلك الدعوى التي تستند إلى حق عيني . والحق العيني هو حق للشخص على شيء معين .
وحيث إن الحقوق الشخصية لا تقع تحت حصر فإن الدعاوى الشخصية أيضا لا تقع تحت حصر . فمصادر الالتزام متعددة . فقد ينشأ عن الفعل الضار ، وقد ينشأ عن الإثراء بلا سبب . أما الدعاوى العينية فإنها تحمى حقوقا محددة على سبيل الحصر ، إذ هي تحمى الحقوق العينية الأصلية ، كدعوى الاستحقاق ودعوى تقرير أو نفي حق ارتفاق ، وكذا الحقوق العينية التبعية ، كالدعوى التي ترمى إلى حماية حق الدائن المرتهن .
إن من الدعاوى ما لا يندرج تحت أي من النوعين السابقين ، فلا هي تستند إلى حق شخصي ولا هي تستند إلى حق عيني ، ومن أمثلتها الدعوى التي تحمى الحقوق الذهنية كحق المؤلف والدعاوى التي تحمى الحقوق اللصيقة بالشخصية .
الصورة الأولى : وهي الدعوى التي يرفعها شخص للمطالبة بحق عيني بناء على تصرف قانوني ناقل للملكية ، كدعوى الملكية بناء على عقد مسجل فهي من ناحية تعتمد على حق شخصي هو العقد وهي من ناحية أخرى تعتمد على حق عيني هو الملكية التي انتقلت بالتسجيل .
الصورة الثانية : وهي عكس الصورة السابقة حيث ترفع الدعوى لفسخ أو إبطال تصرف قانوني ناقل لحق عيني كدعوى بائع العقار بفسخ عقد البيع واسترداد العقار ، فهي تستند إلى حق شخصي وحق عيني .
ثانيا : الدعاوى المنقولة والدعاوى العقارية :
الدعوى المنقولة هي التي يكون فيها محل الحق أو المركز القانوني الذي تحميه منقولا والدعوى العقارية هي الدعوى التي يكون فيها محل هذا الحق أو هذا المركز عقارا .
ويتم تحديد طبيعة المال محل الدعوى حسب قواعد القانون المدني .
إن العقار هو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف ، أما المنقول فهو كل ما عدا ذلك من أشياء ، ويأخذ حكم العقار المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله ، ويسمى العقار بالتخصيص . كما يعتبر مالا عقاريا كل حق عيني يقع على عقار بما في ذلك حق الملكية وكذلك كل دعوى تتعلق بحق عيني على عقار ويعتبر مالا منقولا ما عدا ذلك من الحقوق المالية .
وخلاصة القول أن الدعوى العقارية هي التي تحمى حقا أو مركزا قانونيا محله عقار ، سواء كان عقارا بطبيعته أو عقارا بالتخصيص ، والدعوى المنقولة هي التي تحمى حقا أو مركزا قانونيا محله منقول ، سواء كان منقولا ماديا أو منقولا معنويا .
تداخل التقسيمين السابقين :
قد يتداخل التقسيمان السابقان بما يوجد عدة أنواع من الدعاوى ، وذلك على النحو التالي :
الدعوى العينية المنقولة : وهي الدعوى التي تستند إلى حق عيني ويكون محلها منقولا ، كدعوى استرداد منقول استنادا إلى حق الملكية .
الدعوى العينية العقارية : وهي الدعوى التي تستند إلى حق عيني ويكون محلها عقارا ، كدعوى مشتري العقار بعقد مسجل بتثبيت ملكيته .
الدعوى الشخصية المنقولة : وهي الدعوى التي تستند إلى حق شخصي ويكون محلها منقولا . ومن أمثلتها دعوى المودع بإلزام المودع لديه برد الوديعة .
الدعوى الشخصية العقارية : وهي الدعوى التي تستند إلى حق شخصي ويكون محلها عقار . ومن أمثلتها الدعوى التي يرفعها مشتري العقار بعقد غير مسجل بطلب صحة عقد البيع ونفاذه ، فهي تستند إلى حق شخصي ( عقد بيع غير مسجل ) ومحلها عقار .
وجدير بالذكر أن في الفقه من لا يوافق على القول بوجود تقسيم للدعاوى الشخصية إلى دعاوى شخصية منقولة ودعوى شخصية عقارية ، لأن الدعوى الشخصية تستند إلى حق شخصي وهو رابطة بين شخصين ، فلا يمكن أن يكون محلها آنا منقولا وآنا عقارا . ولذا فالدعوى الشخصية لا توصف بأنها منقولة أو عقارية . على أن المشرع المصري يقر الرأي الغالب في الفقه ويعترف بوجود دعاوى شخصية عقارية .
ثالثا : دعاوى الحق ودعاوى الحيازة :
ويدخل كل هذا التقسيم تحت نوع من الدعاوى السابقة هو الدعاوى العينية العقارية .
ودعاوى الحق هي الدعاوى التي تهدف إلى تقرير أو نفي حق عيني على عقار ، وأما دعاوى الحيازة فسوف نفرد لدراستها مطلبا مستقلا .
شروط قبول نظر الدعوى
( المصلحة كشرط ويحد لقبول نظر الدعوى ).
تعريف المصلحة :
هي الفائدة التي تعود على المدعى من الحكمة له بطلباته كلها أو بعضها . وفي هذا المعنى تقول محكمة النقض إنه يشترط لقبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعى منفعة من اختصام المدعى عليه للحكمة عليه بطلبه ، مما وصفته المادة 3 من قانون المرافعات بأنه المصلحة التي يقرها القانون . والقاعدة أنه يلزم أن تكون المصلحة التي يهدف إليها المدعى مصلحة عملية ، أما المصلحة النظرية البحتة فلا تكفي كأصل عام لقبول نظر الدعوى .
تقنين شرط المصلحة :
قننت المادة 3 من قانون المرافعات شرط المصلحة في الدعوى . فقد جاء نص هذه المادة على النحو التالي : لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادا إلى أحكام هذا القانون أو أي قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة وقائمة يقرها القانون .
المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر مدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه . وتقضي المحكمة من تلقاء نفسها ، في أي حالة تكون عليها الدعوى ، بعدم القبول في حالة عدم توافر الشروط المنصوص ع ليها في الفقرتين السابقتين . ويجوز للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة أن تحكم على المدعى بغرامة إجرائية لا تزيد عن خمسمائة جنيه إذا تبين أن المدعى قد أساء استعمال حقه في التقاضي .
والواقع أن اشتراط المصلحة لقبول نظر الدعوى يجد أساسه في أمرين : الأول أنه لا يجوز أن تشغل العدالة بالبحث في مسائل لا يكون من ورائها أية قيمة عملية . والثاني أن الدعوى بصفتها وسيلة قانونية ليست مباحة على الإطلاق .
هذه المبررات هي التي أدت إلى إجماع الفقه والقضاء دائما على أنه لا دعوى بغير مصلحة أو أن المصلحة مناط الدعوى دون حاجة إلى انتظار النص عليها تشريعا .
أوصاف المصلحة المعتبرة قانونا :
حددت الفقرة الأولى من المادة 3 مرافعات الأوصاف التي يجب أن تتوافر في المصلحة التي يستند إليها الخصم في رفع الدعوى أو في أي عمل يتخذ فيها . فاشترطت أن تكون هذه المصلحة شخصية مباشرة وأن تكون مشروعة يقرها القانون . ثم أضافت الفقرة الثانية من ذات المادة الحالات التي تكفي فيها المصلحة المحتملة لقبول رفع الدعوى استثناء من شرط كون المصلحة حالة قائمة .
وفيما يلي عرض لأوصاف المصلحة الثلاثة التي ورد النص عليها :
أولا : المصلحة القانونية ( المشروعة ) :
وليس المقصود باشتراط المصلحة القانونية لقبول الدعوى وجود حق أو مركز قانوني لرافع الدعوى ، وإنما المقصود هو أن تكون المصلحة التي يبتغيها المدعى من المصالح التي يعترف بها القانون .
والمصلحة التي يقرها القانون قد تكون مادية وقد تكون أديبة . ومثال المصلحة الأدبية أن يطالب المدعى بأن ينشر المدعى عليه في إحدى الصحف اعتذارا له عما نشره في حقه من إهانة . ونؤكد على أنه لا يجوز الخلط بين المصلحة الأدبية والضرر الأدبي . فغالبية الفقه يمثلون للمصلحة الأدبية بمن يطلب تعويضا عما وجه له من قذف أو سب أو إهانة أو بمن يطالب بتعويض عن حادث تسبب في وفاة ولده . والواقع أن الضرر الذي أصاب المدعى ( سبب رفع الدعوى ) في هذه الأمثلة هو ضرر أدبي ولكن المصلحة التي يطالب بها مصلحة مادية ( تعويض ) . وثمة فرق بين سبب الادعاء ( الضرر ) وموضوعه ( المنفعة المطلوبة ) ولعل هذا هو ما يعنيه الفقيه Morel من القول بأن المصلحة الأدبية تعنى أن الضرر قد يصيب حقا ماليا أو غير مالي ، وإنما لا تعطى الدعوى للمدعى ( حسب المطلوب فيها ) إلا فائدة أدبية مطلقة .
أما إذا كانت المصلحة التي يطالب بها المدعي – ما دية كانت أو أديبة – لا يعترف بها القانون فإن طلبها من القضاء يكون غير مقبول .
ولذلك فلا يقبل نظر الدعوى التي يهدف المدعى من ورائها إلى مصلحة اقتصادية بحتة عندما لا تعتمد هذه المصلحة على حق أو مركز يحميه القانون . ومثال ذلك التاجر الذي تنشأ بجوار مؤسسته التجارية شركة منافسة ويكون إنشاء هذه الأخيرة باطلا قانونا ، حيث لا يكون لهذا التاجر رغم ذلك رفع دعوى بإبطالها لأن مصلحته في ذلك ليست مصلحة قانونية ، وإنما مجرد مصلحة اقتصادية .
كما لا تعتبر مصلحة قانونية أيضا المصلحة التي يحرمها القانون كدين القمار أو أجر ممارسة البغاء ، ولذا فلا يقبل نظر الدعوى بطلب أي من ذلك .
ثانيا : المصلحة القائمة ( الحالة ) :
اشترطت المادة الثالثة من قانون المرافعات في المصلحة التي يلزم توافرها لقبول نظر الدعوى أن تكون مصلحة قائمة .
والواقع أن الدقة تقتضي اعتبار المصلحة قائمة حينما تكون المنفعة التي تعود على المدعى من الحكم له بادعائه ثابتة ومتحققة وقت نظر الدعوى حتى ولو كان الضرر لم يقع .
1- المصلحة في دفع ضرر حال أو الحصول على حق حال :
وهذه هي الصورة العامة للمصلحة الحالة . ويكون الضرر حالا إذا كان قد وقع اعتداء على حق رافع الدعوى مما أدى إلى حرمانه من الانتفاع بمزايا هذا الحق أو من القدرة على الانتفاع به . والأمثلة على ذلك لا تدخل تحت حصر ، فتحطيم سيارة مملوكة للغير يجعل له مصلحة قانونية وحالة في طلب التعويض .
2- المصلحة في دفع ضرر محتمل أو الاستيثاق لحق يحتمل إنكاره :
وفي هذه الحالة لا يكون حق المدعى قد اعتدى عليه أو أنكر ، وإنما من المحتمل أن يحدث ذلك في المستقبل . ويصف المشرع مصلحة المدعى في هذه الحالة بأنها مصلحة محتملة قبول الدعوى طلبا لها استثناء على قاعدة عامة ، وهي اشتراط المصلحة الحالة ( أي تهدف إلى إصلاح ضرر حال أو المطالبة بحق حال ) و يتابع بعض الفقه المشرع في وصف المصلحة في هذه الحالة بأنها مصلحة محتملة . غير أن بعض الفقه لا يوافق على وصف المصلحة في هذه الحالة بأنها مصلحة متحملة ، ويرى أن المصلحة تكون حالة أيضا في طلب الحماية ضد ضرر محتمل .
إن الدعوى القضائية لا تقبل إلا لتحقيق مصلحة حالة ، يرى أستاذنا الدكتور تأييد القول الأخير الذي يرى أن الاحتمال في الحالات المذكورة لا يتعلق بالمصلحة وإنما يتعلق بالضرر الذي تهدف الدعوى إلى إصلاحه . أما إذا كانت المصلحة التي يطالب بها المدعى محتملة ، بمعنى أنها قد تتحقق وقد لا تتحقق ، فإنها لا تكفي لقبول الدعوى .
*** ووضع المشرع لهذا الضرر ولهذا الحق حدودا تتضح من دراسة الحالتين اللتين ذكرتها المادة 3 من قانون المرافعات ، وهما الدعاوى التي يكون الغرض منها دفع ضرر محدق ، والدعاوى التي يكون الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال
دليله . وسوف نعرض هذه الحالة الثانية في إطار قاعدة أعم منها وهي الدعاوى التي يكون الغرض منها حفظ دليل أو إهداره
أ- الدعاوى التي يكون الغرض منها دفع ضرر محدق :
وفيما يلي عرض لأهم أمثلة هذه الدعاوى :
دعوى الإلزام بما لم يحل أجله : وهي الدعوى التي تهدف إلى الحصول على حكم بإلزام المدعى ع ليه بدين أو بالتزام لم يحل أجله .
• دعوى وقف الأعمال الجديدة : وهي دعوى يرفعها حائز العقار ويكون الهدف منها وقف أعمال يقوم بها غيره من شأنها لو تمت أن تمثل اعتداء على حيازته .
• دعوى قطع النزاع : وصورة هذه الدعوى هي – كما قدمها الفقه – أن يزعم شخص خارج مجلس القضاء أنه صاحب حق قبل شخص معين فيلجأ هذا الأخير إلى القضاء مطالبا صاحب هذا الزعم بأن يثبت ما يزعمه و إلا فعليه التوقف عما يشيعه .
وقد اختلف الفقه حول قبول هذه الدعوى . فذهب رأي إلى أن هذه الدعوى يجب عدم قبولها لأنها دعوى غير طبيعية من المدعى ومن المدعى عليه وهي تخالف مبدأ أساسيا هو أ، الدعوى وسيلة اختيارية لصاحبها ، وفي المقابل يذهب فريق آخر من الفقهاء إلى قبول هذه الدعوى حماية لحق رافع الدعوى بأن يكون ما يزعمه المعتدي قد بلغ من القوة ما من شأنه تعكير صفو صاحب الحق ، أما إذا كانت المزاعم مجرد تخرصات أو كلمات عابرة فلا تقبل هذه الدعوى .
يرى فخامة معالى دكتور المادة وأستاذها /
مع رأي آخر في الفقه الفرنسي أن تصوير دعوى قطع النزاع على النحو الذي قدمه الفقه هو السبب في هذا الخلاف ، لأنه خالف المبادئ الثابتة في أصول القضاء وخصوصا حرية الإدعاء ومبدأ التزام المدعى بالإثبات . ولذلك لا يوافق على قبول دعوى قطع النزاع إذا كان مفهومها هو أن يقتصر دور رافع الدعوى على رفعها أو يلقى على عاتق المدعى عليه فيها أن يثبت أمام القضاء ما زعمه خارج ساحته . وإنما تقبل دعوى قطع النزاع إذا كان مفهومها أن يلجأ إلى القضاء من أدت مزاعم غيره إلى تهديد حقه لكي يثبت هو حقه أمام القضاء . ويبقى المدعى في هذه الدعوى في مركز المدعى ويقع عليه أن يثبت ادعاءه ويبقى المدعى عليه فيها في مركز المدعى عليه حيث يلتزم بتنفيذ الحكم الذي سيصدر ضده ، على فرض حدوث ذلك .
• الدعوى التقريرية : وهي الدعوى التي تهدف إلى تأكيد وجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني دون إلزام المدعى عليه بأداء معين .
ب- الدعاوى التي يكون الغرض منها حفظ دليل أو إهداره :
وكما هو واضح من هذا العنوان فإن هذا النوع من الدعاوى يتوافر في صورتين :
الصورة الأولى : دعاوى حفظ الأدلة ( الدعاوى التي يكون الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله ) :
1) أجاز المشرعان المصري والفرنسي بقواعد عامة اللجوء إلى قضاء بقصد الحصول على دليل لإثبات واقعة يحتمل عرضها على القضاء فيما بعد . فبعد أن وضعت المادة 3 من قانون المرافعات المصري القاعدة العامة في أنه لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة ، قررت جواز الاستناد إلى المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه . ويفهم من هذا النص ما يلي :
2) الأمر يتعلق بالحصول على دليل يتعلق بالواقع .
3) هذا الدليل يجب أن يكون مما يجوز إثبات الواقعة المحتمل المنازعة فيها عن طريقه . فلا أهمية مثلا في سماع شاهد في واقعة لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود .
4) هذا الدليل يجب أن يكون من شأنه إذا وجد أن يثبت الواقعة ، بمعنى أن يكون منتجا في إقناع القاضي بالواقعة .
5) يلزم أن تكون الواقعة المراد الاستيثاق لها من المحتمل عرضها على القضاء ، و إلا فلن يكون هناك مبرر لتحضير الدليل .
6) ويلزم أن تكون هذه الواقعة بحاجة إلى هذا الدليل بالذات و إلا اعتبر الدليل غير مفيد لها .
* وتطبيقاً لذلك نظم قانون الاثبات بعض صور الدعاوى التى يكون الغرض فيها الحصول على دليل او تأكيد بقصد إستخدامة فى نزاع مستقبل . وأهمها :
سماع دعوى سماع شاهد : تنص المادة 96/1 إثبات على أنه يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه ، عليه أن يجلب في مواجهة ذوي الشأن هذا الشاهد .
1) دعوى إثبات حالة : تنص المادة 133 إثبات على أنه يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن وبالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة . وللقاضي حينما ينتقل للمعاينة أن يصطحب معه خبيرا للاستعانة برأيه ، وله أن يسمع في مكان المعاينة من يرى ضرورة سماعه من الشهود .
2) دعوى تحقيق الخطوط الأصلية : الأصل أن الطعن في صحة المحررات وإنكار ما بها إنما يكون في حالة تقديمها إلى القضاء للاستشهاد بها . وقد نظم المشرع إجراءات طلب تحقيق الخطوط الذي يقدم بصفة فرعية أثناء نظر دعوى قائمة في المواد 30 إثبات . أما دعوى تحقيق الخطوط الأصلية يجوز لمن بيده محرر رسمي أن يختصم من يشهد عليه ذلك المحرر ليقر بأنه بخطه أو بإمضائه أو بختمه أو ببصمة إصبعه ، ولو كان الالتزام الوارد به غير مستحق الأداء .
الصورة الثانية : دعاوى إهدار الأدلة ( الدعاوى التي يكون الغرض منها دحض دليل يخشى استخدامه ) :
وصورة هذه الدعوى عكس الدعاوى السابقة ، فالمدعى فيها لا يطالب بتجهيز يستخدمه في حالة عرض حقه على القضاء وإنما يطالب بهدم دليل في يد خصمه .
ثالثا : المصلحة الشخصية المباشرة :
1- القاعدة العامة :
اشترطت الفقرة الأولى من المادة 30 مرافعات في المصلحة أن تكون شخصية ومباشرة .
وتكون مصلحة رافع الدعوى شخصية مباشرة إذا كان هو صاحب الحق الموضوعي المطلوب حمايته . ويميل جانب من الفقه إلى التعبير عن هذا الشرط بشرط الصفة في الدعوى ، ولا يعطى أصحاب هذا الاتجاه للصفة مضمونا مختلفا عما عرفنا به المصلحة الشخصية المباشرة وهذا ما دعى البعض إلى القول بأن المصلحة الشخصية المباشرة هي الصفة . والواقع أن الصفة ليست إلا شرطا من شروط المصلحة أو وصفا من أوصافها . ونفضل استخدام مصطلح المصلحة الشخصية المباشرة حتى لا تختلط فكرة الصفة في الدعوى بفكرة الصفة في اتخاذ الإجراءات .
ويذكر الفقه في تعريف المصلحة الشخصية المباشرة أن يكون رافع الدعوى أو من يمثله هو صاحب الحق المطلوب حمايته ،
ويرى أستاذنا الدكتور/ أن عبارة من يمثله تدخل في التعريف ما ليس منه حيث يقصد بها التعبير عن ممثل المدعى ، ومن أمثلة ذلك رفع الولي أو الوصي الدعوى نيابة عن القاصر . والواقع أن هذا الأمر يدخل في بيان صاحب الصفة في اتخاذ الإجراءات القضائية وهو ما سبق بيان الفرق بينه وبين المصلحة الشخصية المباشرة .
2- أهم ما يرد عليها من استثناءات :
أ) الدعوى غير المباشرة : وهي الدعوى التي يرفعها شخص ليطالب بما هو لمدينه في ذمة شخص ثالث (مدين هذا المدين ) . فقد يكون للمدين حق لا يطالب به وليس لدائنه ما يقتضي به حقه إلا الدين الذي للمدين في ذمة آخر . ففي هذه الحالة قرر المشرع أن هذا المدين الدائن مدين مهمل أو متعنت ، فلا هو بالمليء فيسدد ما عليه من ماله ولا هو بالحريص اليقظ فيطالب بحقه ليوفي بدينه ، فأجاز لدائنه أن يطالب بحقه قبل الغير نيابة عنه .
ووجه استثناء الدعوى غير المباشرة من الشرط يكمن من جهة أولى في أنه وإن كان للدائن مصلحة في اقتضاء مدينه لحقوقه التي هي في ذمة مدينه ، حيث يؤدي ذلك بالتبعية إلى اقتضائه هو لحقوقه ، إلا أن هذه المصلحة غير مباشرة ، وهذا ما يعبر عنه بجلاء اسم الدعوى . ومن جهة ثانية فإن الدائن حينما يطالب بحقوق مدينه لا يتم ذلك بإذن منه وإنما نصب منه القانون نائبا عنه .
ب) دعاوى الجمعيات والنقابات بحق أحد أعضائها : ويقصد بها الدعاوى التي ترفعها النقابات أو الجمعيات للمطالبة بحق خاص بأحد أعضائها كالدعوى التي ترفعها النقابة للمطالبة بإصلاح ضرر أصاب أحد أعضائها .
دعاوى الحسبة :
فكرتها :
يقصد بدعوى الحسبة تلك الدعوى التي يرفعها أي فرد من أفراد المجتمع المسلم ليس للدفاع عن مصلحة خاصة به وإنما للدافع عن حق من حقوق الله أو ما كان حق الله فيه غالب ، كدعوى إثبات الطلاق البائن ، أو د عوى التفرق بين زوجين زواجهما فاسد .
وتجد هذه الدعوى أصلها في الشريعة الإسلامية ، استنادا إلى قول الله تعالى ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
التنظيم التشريعي المستحدث :
وعلى ذلك فإنه إذا ما تبين لأي من أفراد المجتمع المسلم وقوع انتهاك لحق من حقوق الله تعالى أو لما كان حق الله فيه غالبا فليس أمامه إلا أن يتقدم ببلاغ إلى النيابة العامة ، وعلى النيابة العامة بعد سماع أقوال أطراف البلاغ وإجراء التحقيقات اللازمة أن تصدر قرارا برفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة أو بحفظ البلاغ ، وكنوع من الضمانة لجدية قرار النيابة وفق ما تصورها المشرع تنص المادة 1/3 من القانون المشار إليه على أن يصدر قرار النيابة المشار إليه مسببا من محام عام على الأقل ، وعليها إعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره . وللنائب العام إلغاء القرار الصادر برفع الدعوى أو بالحفظ خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره ، وله في هذه الحالة أن يستكمل ما يراه من تحقيقات والتصرف فيها إما برفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة أو بحفظ البلاغ ويكون قراره في هذا الشأن نهائيا .
تعلق شرط المصلحة بالنظام العام :
كان قضاء محكمة النقض قد استقر على القول بأن اشتراط المصلحة لقبول الدعوى هو مما لا يتعلق بالنظام العام وإنما هو مقرر لحماية المصلحة الخاصة للخصوم . فتوافر أو انعدام صفة المدعى في المطالبة بالحق موضوع التداعي غير متعلق بالنظام العام ، وعلى ذلك فقد جرى قضاء النقض على أن الدفع بانعدام صفة أحد الخصوم في الدعوى غير متعلق النظام العام ، وإنما هو مقرر لمصلحة من وضع لحمايته ولا يجوز للمحكمة أن تقضى فيه من تلقاء نفسها .
استطراد : الأهلية ليست شرطا لقبول الدعوى :
يستقر الرأي في الفقه الحديث على أن الأهلية ليست شرطا لقبول الدعوى وإنما هي شرط لصحة مباشرة الإجراءات . معنى ذلك أن رفع الدعوى من غير ذي أهلية لا يمنع من قبولها وإنما تكون إجراءات الخصومة التي تنشأن عنها باطلة . وتقع هذه الإجراءات باطلة بما فيها صحيفة الدعوى ذاتها ، لكن لا شأن لذلك بشروط قبول الدعوى ويترتب على ذلك أن فقد الخصم أهلية مباشرة الخصومة أو زوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه من النائبين لا يترتب عليه زوال الخصومة وإنما فقط انقطاع السير فيها بقوة القانون .
دراسة خاصة لدعاوى الحيازة
فكرة الحماية القانونية للحيازة
ماهية الحيازة التي يحميها القانون
يتنازع الفقه في تحديد ماهية الحيازة التي تستأهل حماية القانون نظريتان إحداهما مادية والأخرى شخصية ، ففي النظرية المادية تقوم الحيازة بتوافر السيطرة المادية أو الفعلية على العقار . أما نية التملك فلا تشترط لحماية الحيازة ، بينما تتحقق الحيازة وفقا لمفهوم النظرية الشخصية بالسيطرة المادية لشخص على عقار باعتباره مالكا له أو صاحب حق عيني عليه .
ويشترط في الحيازة التي تستأهل حماية القانون أن تكون ظاهرة وهادئة وواضحة :
1- الحيازة الظاهرة :
وتكون الحيازة الظاهرة إذا كانت الأعمال التي تؤكد السيطرة المادية للحائز على العقار علنية غير خفية يباشرها الحائز على مشهد أو بعلم من الناس ، أو على الأقل على مشهد أو بعلم من المالك صاحب الحق الذي يستعمله الحائز . وباختصار فإنه يلزم أن تكون الحيازة ظاهره لمن يحتج عليه بها . هذا ولا يلزم أن يكون علم من يحتج ع ليه بالحيازة علمنا يقينا بها وإنما تعتبر الحيازة ظاهرة إذا كانت بإمكانه أن ي علم بها .
وفضلا عن ذلك فإن خفاء الحيازة عيب نسبي لا يكون له أثر إلا قبل من كانت الحيازة كذلك بالنسبة له .
2- الحيازة الهادئة :
إن القول بحماية الحيازة سعيا وراء الظاهر وبقصد استقرار الأمن في المجمع لا يعنى أن المشرع يحمي أعمال العنف والاغتصاب كنوع من قبيل الاعتراف بالأمر الواقع . ولذا فإنه يلزم أن تكون الحيازة قد اكتسبت هادئة لا إكراه فيها .
مع ملاحظة أن الحيازة قد تبدأ تحت إكراه ثم تستقر هادئة بعد ذلك فيعتد بها ابتداء من زوال عيب الإكراه . على أن يؤخذ في الاعتبار ما تقضي به المادة 967 مدني من أن الحيازة تبقى محتفظة بالصفة التي بدأت بها وقت كسبها ما لم يقم الدليل على عكس ذلك . معنى ذلك أنه يجب على رافع دعوى الحيازة أن يثبت أن حيازته التي يقال إنها قد بدأت عنة قد استقرت برضاء صاحب الحق بعد ذلك .
3- الحيازة الواضحة :
وإذا كان ظهور الحيازة وهدوؤها يتعلقان بركنها المادي فإن وضوح الحيازة يتعلق بركنه المعنوي ، أي بنية الحائز . حيث يلزم أن تكون نية الحائز واضحة في أنه يحوز لحساب نفسه وليس نيابة عن غيره . والمثال الشائع لغموض الحيازة هو أن يتوفى المالك ويترك عقارا في يد أحد ورثته ولا يتضح بعد ذلك ما إذا كان هذا الحائز يحوز لحساب نفسه أم يحوز لحساب باقي الورثة .
الحماية الموضوعة للحيازة
أولا : دعاوى الحيازة الثلاث :
1- دعوى منع التعرض :
تعريفها :
دعوى منع التعرض هي الدعوى التي يرفعها حائز العقار أو حائز الحق العيني عليه على من تعرض لحيازته بقصد منع هذا التعرض .
ويطلق عليها الفقه دعوى الحيازة العادية أو الرئيسية .
أطراف دعوى منع التعرض :
المدعى عليه في دعوى منع التعرض هو من صدر عنه التعرض الحائز . يستوي في ذلك أن يكون التعرض قد صدر عنه شخصيا أو عمن يعمل لحسابه .
وأما المدعى في دعوى منع التعرض فإنه يلزم أن يتوافر فيه شرطان :
1) رفع الدعوى ممن له الحيازة القانونية : فمناط قبول دعوى منع التعرض هو توافر الحيازة القانونية بعنصريها المادي والمعنوي على النحو السابق بيانه ، وقد أكدت محكمة النقض المصرية على ضرورة توافر نية الملك لدى الحائز رافع دعوى منع التعرض .
وبطبيعة الحال فإنه يشترط أن تكون هذه الحيازة ظاهرة .
2) أن تستمر الحيازة مدة سنة : فقد اشترطت المادة 961 من القانون المدني لرفع دعوى منع التعرض أن تستمر حيازة الحائز قبل وقوع التعرض مدة سنة كاملة .
ويجب أن تستمر الحيازة خلال هذه السنة دون انقطاع . فإذا حدث وانقطعت الحيازة ثم استردت من جديد فإن حساب مدة السنة لا يبدأ إلا من تاريخ اكتسابها مرة أخرى . بيد أن الحيازة لا تنقطع إذا حال دون مباشرة السيطرة الفعلية على الحق مانع وقتي .
ولكنها تنقضي إذا استمر هذا المانع سنة كاملة وكان ناشئا عن حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه .
سبب دعوى منع التعرض ( وقوع تعرض للحائز في حيازته ) :
أساس الإدعاء في دعوى منع التعرض هو تعرض المدعى عليه لحيازة المدعى بالتعدي عليها والتعرض للحيازة هو كل عمل مادي أو تصرف قانوني يتضمن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ما يتعارض مع حيازة المدعى . وعلى ذلك فقد يكون التعرض ماديا وقد يكون قانونيا :
التعرض المادي : ويقصد به كل واقعة مادية تشكل إنكارا لحيازة الحائز .
التعرض القانوني : ويقصد به كل إجراء أو ادعاء الحق يتعارض مع حق الحائز .
ميعاد رفع دعوى منع التعرض :
استوجب القانون أن ترفع دعوى منع التعرض في خلال السنة التالية لوقوع التعرض . وحسبما تقضي القواعد العامة في حساب المواعيد الإجرائية فإن مدة السنة يبدأ سريانها من اليوم التالي لوقوع التعرض وتنتهي باليوم الأخير منها .
فإذا تعددت وقائع أو أعمال التعرض للحيازة
فإننا يجب أن نفرق بين فرضين :
الفرض الأول : وفيه تتضافر مجموعة وقائع لتكون في مجملها تعرضا لحيازة الحائز ، ففي هذه الحالة تبدأ مدة السنة من تاريخ آخر واقعة اكتمل بها التعرض .
والفرض الثاني : وفيه تتعدد الوقائع التي يشكل كل منها بمفرده تعرضا للحيازة ، وفي هذه الحالة يجب أيضا أن نفرق بين فرضين :
الأول إذا كانت هذه الوقائع المتكررة متشابهة غير مستقلة كأن يكون شخص قد دأب على المرور بمواشيه في أرض زراعية لجاره ، فنرى أن السنة هنا تبدأ من أول واقعة تشكل اعتداء على الحيازة ، لأن هذا هو التاريخ الذي يمكن أن يبدأ منه افتراض تنازل الحائز عن دعواه ، والثاني إذا كانت هذه الوقائع مستقلة سواء من حيث الفاعل أو من حيث نوع التعرض فلاشك أن دعاوى الحيازة هنا ستتعدد وتحسب مدة السنة لكل واقعة تعرضه على حدتها .
2- دعوى وقف الأعمال الجديدة :
تعريفها :
ويمكن تعريف دعوى وقف الأعمال الجديدة بأنها الدعوى التي يرفعها حائز العقار أو حق عيني عليه بقصد وقف عمل شرع فيه غيره من شأنه لو تم أن يحدث تعرضا له في حيازته .
ولا تختلف أحكام هذه الدعوى عن أحكام د عوى منع التعرض ، إلا في سببها .
أطراف دعوى وقف الأعمال الجديدة :
المدعى عليه في دعوى وقف الأعمال الجديدة هو من بدأ العمل الذي من شأنه عند تمامه أن يمثل تعرضا للحائز في حيازته . وأما المدعى فيلزم أن يتوافر فيه شرطان : الأول أن يكون صاحب حيازة قانونية بأوصافها . والثاني أن تستمر حيازته لمدة سنة كاملة .
سبب دعوى وقف الأعمال الجديدة :
وفي هذا الصدد تختلف دعوى وقف الأعمال الجديدة عن دعوى منع التعرض ، فسببها ليس هو التعرض للحائز في حيازته وإنما البدء في عمل من شأنه إذا تم أن يصبح تعرضا . ويقتضي ذلك توافر أمرين :
الأول هو أن يكون العمل الذي بدأ فيه الغير في ملكه هو ، إذ لا يتصور أن يكون إلا في ملكه هو لأنه لو كان في عقار الحائز لكان ذلك تعرضا تاما يخول الحائز الحق في رفع دعوى منع التعرض .
والثاني هو ألا يكون هذا العمل قد تم لأنه بتمام العمل لا يكون هناك مجال للخشية من التعرض ، ذلك أنه إما أن يشكل العمل تعرضا للحائز في حيازته فيفتح الباب أمام دعوى منع التعرض وإلا فلا اعتداء ولا مجال للجوء إلى القضاء .
ميعاد رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة :
يجب أن ترفع دعوى وقف الأعمال الجديدة خلال سنة من تاريخ البدء في العمل الذي يكون من شأنه يحدث التعرض .
فإذا لم يرفع الحائز دعواه خلال مدة السنة سقط حقه في رفعها ، مع مراعاة أن هذا يفترض أن العمل الذي بدأ لم يتم قبل مرور سنة ، لأنه إذا تم سقط الحق في رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة وفتح الباب أمام الحائز لرفع دعوى منع التعرض .
3- دعوى استرداد الحيازة :
تعريفها :
هي إذن الدعوى التي يرفعها حائز العقار الذي سلبت حيازته بالقوة طالبا رد الحيازة إليه .
وبالنظر إلى أن سلب الحيازة بالقوة يعد أشد صور التعرض للحيازة وأكثرها خطرا على الأمن والسلام في المجتمع فقد كان من الطبيعي أن تكون شروط قبول هذه الدعوى أقل تشددا من شروط قبول الدعويين السابقتين .
أطراف دعوى استرداد الحيازة :
فأما بالنسبة للمدعى في هذه الدعوى فيبدو تساهل المشرع فيما يشترط فيه من جهتين :
1) من جهة أولى يكفي أن يكون المدعى صاحب حيازة مادية على عقار ، فلا يشترط أن تتوافر لدى الحائز نية التملك أو نية اكتساب حق عيني على العقار . فيجوز رفع دعوى استرداد الحيازة ممن كانت حيازته عرضية أو مادية .
2) من جهة ثانية فلا يشترط دائما أن تستمر حيازة الحائز مدة سنة قبل سلبها . فإذا كان الأصل أن يشترط لقبول دعوى استرداد الحيازة أن تستمر حيازة الحائز مدة سنة قبل فقدها ، فإنه يجوز رفعها ولو لم يتوافر هذا الشرط في حالتين :
الحالة الأولى هي إذا كانت حيازة رافع الدعوى أحق بالتفضيل على حيازة من انتقلت إليه .
الحالة الثانية هي إذا كان فقد الحيازة قد تم بالقوة .
وأما بالنسبة للمدعى عليه فقد أجاز المشرع رفع دعوى استرداد الحيازة ضد واحد من اثنين : الأول هو من وقع منه الاعتداء ، أي من سلب الحيازة ، والثاني هو من انتقلت إليه حيازة الشيء المغتصب ولو كان حسن النية .
سبب دعوى استرداد الحيازة :
سبب هذه الدعوى هو فقد الحيازة ، بما يترتب عليه حرمان الشخص كليا من حيازته . ولا يكفي أن تسلب حيازة شخص لعقار حتى يكون له رفع دعوى باستردادها وإنما يلزم أن يكون ذلك على غير سند من القانون . فلا تقبل دعوى استرداد الحيازة مثلا إذا كانت فقدها قد تم نتيجة لاتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري عليه .
ميعاد رفع دعوى استرداد الحيازة :
يجب أن ترفع دعوى الاسترداد خلال السنة التالية لفقدها . لا فرق في ذلك بينها وبين دعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة . فإذا كانت الحيازة قد فقدت خفية بدأ سريان السنة من الوقت الذي ينكشف فيه ذلك .
ثانيا : الاختصاص والحكم في دعاوى الحيازة :
1- الاختصاص بدعاوى الحيازة :
وفيما يتعلق بالمحكمة المختصة محليا بدعاوى الحيازة ، فقد حددتها الفقرة الأولى من المادة 50 من قانون المرافعات حيث نصت على أنه في دعاوى الحيازة يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها العقار أو أحد أجزائه إذا كان واقعا في دوائر محاكم متعددة . ولا يثير الاختصاص المحلي بدعاوى الحيازة أية مشاكل أو اختلافات فقهية . وإنما الاختلاف حول ما إذا كانت دعاوى الحيازة يتحدد الاختصاص بها حسب قيمتها أم هي من اختصاص محكمة معينة بنوعها ؟
يذهب جانب من الفقه إلى اعتبار دعاوى الحيازة دعاوى مستعجلة بطبيعتها ومن ثم ينعقد الاختصاص بها لقاضي الأمور المستعجلة .
ويرى أستاذنا الدكتور
أن الاختصاص بدعاوى الحيازة يتحدد وفقا لمعيار الاختصاص القيمي فإذا زادت قيمة الدعوى عن عشرة آلاف جنيه كانت من اختصاص المحكمة الابتدائية وإذا لم تتجاوز قيمتها هذا الحد كانت من اختصاص المحكمة الجزئية .
2- الحكمة في دعاوى الحيازة :
تحكم المحكمة المختصة بدعاوى الحيازة بحسب الدعوى المعروضة عليها . ففي دعوى منع التعرض يكون الحكمة بمنع هذا التعرض وإعادة الحال إلى ما كانت عليه إذا خلف التعرض آثارا ضارة بالعقار ، كما يجوز الحكمة بالتعويض إذا توافرت شروط دعوى المسئولية . وفي دعوى وقف الأعمال الجديدة يحكم القاضي بحسب الأحوال بمنع استمرار الأعمال أو بالاستمرار فيها . وفي كلتا الحالتين يجوز للقاضي أن يأمر بتقديم كفالة مناسبة تكون في حالة الحكم بوقف الأعمال ضمانا لإصلاح الضرر الناشئ عن هذا الوقف .
وفي دعوى استرداد الحيازة تحكم المحكمة برد الحيازة إذا توافرت شروطها و إلا حكمت برفض الدعوى .
قاعدة عدم جواز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق :
لا يجوز كأصل عام الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق . بمعنى أنه لا يجوز قيام الدعويين في آن واحد أمام القضاء كما لا يجوز أن يحكم في إحداهما اعتمادا على الأخرى . ودعوى الحق التي لا يجوز الجمع بينها وبين دعوى إثبات أو نفي حق الملكية أو دعوى إثبات أو نفي أي حق عيني على العقار محل الحيازة .
وبالرغم من أن المشرع المصري لم يقرر هذه القاعدة العامة ، إلا أنه قد نص على أهم تطبيقاتها .
1- مدى التزام المدعى بالقاعدة :
يجب أن نفرق بالنسبة للمدعى بين وضعين :
1) إذا رفع المدعى دعوى الحق : فلا يجوز له أن يرفع دعوى الحيازة متى كان سبب دعوى الحيازة قائما قبل رفع دعوى الحق ، لأن رفع المدعى لدعوى الحق يعني تنازله عن حقه في رفع دعوى الحيازة ، على اعتبار أن عدم لجوء المدعى إلى الطريق اليسير الذي قرره له المشرع ، وهو دعوى الحيازة .
2) إذا رفع المدعى دعوى الحيازة : فلا يجوز له أن يرفع دعوى الحق ، و إلا أدى ذلك إلى سقوط ادعائه بالحيازة ، على افتراض أنه يكون بذلك قد تنازل أيضا عن دعوى الحيازة . كما لا يجوز له أن يؤيد دعواه بالحيازة على أساس أنه صاحب الحق .
2- مدى التزام المدعى عليه بالقاعدة :
ونفرق أيضا بين وضعين :
1) بالنسبة للمدعى عليه في دعوى الحق : يجوز له أن يرفع دعوى الحيازة سواء حدث الاعتداء على حيازته بعد رفع دعوى الحق عليه أو قبل رفعها .
2) بالنسبة للمدعى عليه في دعوى الحيازة : لا يجوز له من جهة أولى أن يدفع دعوى الحيازة بالاستناد إلى الحق لأن استناده إلى الحق على فرض صحة وجوده لا يؤدي مباشرة إلى نفي اعتدائه على حيازة رافع الدعوى . ومن جهة أخرى فلا يجوز للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يرفع دعوى الحق إلا بعد أن يتم الفصل في دعوى الحيازة و تنفيذ الحكمة الذي يصدر فيها ، فإذا شاء أن يتعجل فيرفع دعوى الحق قبل هذا التاريخ فلابد أن يتخلى بالفعل عن الحيازة لخصمه .
3- التزام القاضي بعدم الخلط بين دعوى الحيازة ودعوى الحق :
ويختلف الوضع أيضا بحسب الدعوى المعروضة على القاضي على النحو التالي :
1) إذا كان المعروض على القاضي هو دعوى الحيازة ، فإنه يجب عليه أن يقصر بحثه وتحقيقه على مدى توافر الحيازة التي تستحق حماية القانون ، ولا يجوز له أن يبني حكمه على أسباب ماسة بأصل الحق .
وبطبيعة الحال فإنه من باب أولى لا يجوز للقاضي أن يحكم بثبوت الملك أو نفيه في حين أن المعروض عليه هو إحدى دعاوى الحيازة ، وإن كان هذا الأمر نادر الحدوث .
2) أما إذا كان المعروض على القاضي هو دعوى الحق ( الملكية ) فإنه يبحث الأدلة والمستندات المقدمة لإثبات أو نفي حق الملكية مع ملاحظة أن القاضي في هذه الحالة أن يبحث الحيازة إذا كانت الدعوى مبنية على اكتساب الملكية بمضي المدة.
الحماية الوقتية للحيازة
1- دور القضاء في منح الحماية الوقتية للحيازة :
كان العمل قديما يجرى على أن الحماية الوقتية للحيازة تتم من قبل القضاء المستعجل إذا توافرت مقتضيات اختصاصه .
وحتى يسهل تصور وجود دعاوى مستعجلة لحماية الحيازة إلى جانب الدعاوى الثلاث السابق دراستها كدعاوى موضوعية ، فإننا لا بد أن نتصور جيدا أن الحيازة تحمي لذاتها حماية موضوعية تمثل بالنسبة للحائز أصل حقه ، وبالتالي فإنه في الدعاوى الموضوعية بحماية الحيازة يبحث القاضي الموضوعي أصل الحيازة وكافة أدلتها بحثا موضوعيا نهائيا ، أما في الدعاوى المستعجلة بحماية الحيازة فإن القاضي المستعجل لا يبحث إلا ظاهرة أدلة الحيازة ليمنح بشأنها حماية وقتيه