تغيير..حرية ..عدالة اجتماعية، هذه
شعارات الثورة التي كنا نرددها في ميدان التحرير ونحلم بتحقيقها منذ شب
الغضب في قلوبنا عن طوق النظام الغاشم في يناير الماضي. كان النجاح في
تحقيق هذه الشعارات أمرا مشكوكا في صحته، مع ذلك كان الحلم العظيم يدفع
الثائرين في اتجاهه الصحيح. لم يخش الثائرون من قنابل ورصاص العادلي
وزبانيته، حتى سقطوا فارين مضحورين أمام الغضب الثائر. بعد شهرين من الثورة
العظيمة شاهدنا كم الانحراف عن المسار الأصيل لها، رغم كونها في مرحلة
المخاض الأولى.
أسقطت الثورة رأس النظام، ولكنها لم تتخلص
من شبحه الرابض في شرم الشيخ. وضعنا أيدينا على أموال الرئيس وعائلته وبعض
رجاله الأشرار، و لم نتمكن من إعادتها إلى الشعب وواضح أننا لن نستطيع
تحصيلها من البنوك الآن أو في المستقبل. أودعنا بعض رموزه فى السجن، ولكن
قيدنا محاكماتهم في دوائر عادية، قد تستغرق سنوات للفصل في القضايا
المحالين بشأنها، مما جعل وزيرا محالا إلى المحكمة الجنائية يقول أمام جهات
التحقيق الأسبوع الماضي: لا تحسبوا أنكم قادرون على محاسبة أحد بعدي..
فأنا آخر شخص امتدت أيديكم إليه".
كلام الوزير المتهم بنهب عدة مليارات من
أموال الدولة، وتبديد مليارات أخرى لصالح شركائه في الفساد من أقاربه
ومعارفه وأصهار أبناء الرئيس المقيم في شرم الشيخ، جاء مواكبا لحملة
إعلامية يقودها أراجوزات الإعلام من الحكم الفاسد ومازالوا يقودون الرأي
العام عبر الصحف والفضائيات حتى الآن. تروج هذه الحملات لأمرين في غاية
الخطورة الأول؛ دعوة الناس إلى إنهاء حالة الفوران الثوري والغضب التي
تملكتهم من هول ما فعله بهم النظام البائد، وحالات القتل والضرب في
المليان، والثاني؛ الإسراع في العودة إلى العمل، وإنهاء المظاهرات مع تجاهل
كشف حلقات الفساد التي شكلها النظام ومازالت تقود الدولة على كافة
المستويات.
وقع الخلط العمد بين الأمرين لرغبة
أراجوزات الإعلام في شغل الناس عن مكاسب الثورة وضمان استمرارهم في قيادة
حملات الكذب والتضليل، وتعمية الجمهور عن الصفقات التي كانت تقع في الماضي
ومازالت متواصلة بين بعض الإعلاميين ورجال أعمال تستهدف تحويل أنظار الناس
عن فساد البعض وخلق صورة ذهنية جديدة عن الواقعين في شبهات الحكم السابق.
فلم يكن عجيبا أن تنظم شركة " شورى" التي يشارك في ملكيتها وزير السياحة
السابق وخاله محمد أشرف الشيتي وآخرون حملة إعلانية تبرئ وزيرا من تهم
وجهتها له النيابة العامة، ومازال رهن التحقيق حتى الآن. الشركة جمعت ـ كما
ذكرت الصحف ـ نحو مليون جنيه، لتنظيم الحملة عبر الصحف وبعض الفضائيات
ومواقع الإنترنت الشهيرة، لأن براءة الوزير من التهم الموجهة إليه، تعني
قدرته على حمايتهم وخروجهم من مستنقع الفساد الذي مكنهم من إدخال المبيدات
الفاسدة والسلاح والعربات المدرعة التي تقتل المتظاهرين المسالمين،
والاستيلاء على أراضي الدولة، مثل الشعرة من العجين.
ولم يكن غريبا أن نرى مذيعة حديدية في
التليفزيون المصري تدافع عن رجال أعمال ووزراء بأعينهم وتصرخ " فشر ولا
الحوش " وتصدر أحكاما بتبرئة وزير وطهارة رجل أعمال آخر، لمجرد أنها كانت
تعتمد على هؤلاء في تمويل برنامجها السخيف، وجريدتها التي كانت أداة تلميع
للرئيس المخلوع ونجله جمال. وليس مصادفة أن تتجاهل الصحف التي يديرها رؤساء
تحرير غير مرغوب في وجودهم احتجاجات الناس ضد بقاء رؤسائهم الفاسدين الذين
حصلوا على أماكنهم، بالرشوة والتدليس والعمل لحساب الحزب الوطني الفاسد
وأمن الدولة المنحل. ولا غرابة أن تتحول البرامج الفضائية إلى مكلمة
وتستضيف نفس الوجوه الممقوته وكأن هناك اتفاقا مكتوبا على بقاء منظومة
الفساد في السلطة وأجهزة الإعلام إلى الأبد، مع عدم الممانعة بظهور بعض
الرموز الجديدة التي لا يخشون انفلاتها ويأمنون غضبها.
هؤلاء الأراجوزات كانوا أول المرحبين
بصدور قرار عسكري بمنع المظاهرات الفئوية، وفسروا الأمر للناس على أنه رغبة
في دعم الاستقرار والعمل، ولم يخرج أي منهم ليشرح للناس الفرق بين الإضراب
المعطل للعمل وحق الإضراب السلمي المكفول بالقانون والمواثيق الدولية،
الذي يمنح الناس حقوقهم ويحافظ على وسائل الإنتاج وثروة البلد، والذي مهد
لثورة 25 يناير خلال السنوات الثلاث الماضية. تحالف الأراجوزات مع اللغة
الخشبية التي كان يتحدث بها النظام البائد ليس لأنهم اعتادوا على طاعة
أولى الأمر منهم فقط، ولكن لأن حالة الهدوء بالطريقة التي ينشدونها، تستهدف
بقاء الحال على ما هوعليه.
هنا مكمن الخطر فأراجوزات الإعلام قفزوا
فوق مقاعدهم كالقردة، ويريدون البقاء فوقها، حتى لا تطالهم أيدي العدالة،
أو يمس أحبابهم من الفاسدين سوءا.لهذا أسقطوا عن عمد شعارات الثورة، التي
لم تحقق حتى الآن تغييرا ولا حرية ولا عدالة اجتماعية. يحاولون إطفاء نور
الثورة بشتى الطرق وجعل الناس تعيش في غيبوبة الفرحة بالانتصار على سقوط
نظام, مازال كل رموزه في السلطة داخل الكليات والجامعات والحكم المحلي
والداخلية والعدل وسوق المال والبنوك. نظام لن يسقط بسهولة لأن الشباب
الذي أطاح برئيسه عاش نشوة الانتصار قبل أن تكتمل ثورته، وأغوته حبائل
الأراجوزات، ولم يدرك أن حلقات الفساد الباقية في منظومة الدولة لن ينفرط
عقدها إلا ببقاء روح الثورة في حلقومه وقلبه، حتى تنقشع الطغمة الحاكمة من
مصر كلها.
بقاء أراجوزات الإعلام ورموز النظام
البائد، في أماكنهم مصون بقوة غير مرئية، واستمرارهم مرهون ببقاء هذه القوة
في جحور الحزب الوطني وأمن الدولة ورجال الأعمال والوزراء السابقين، بينما
الناس غافلة عما يفعل بهم هؤلاء المنحرفون. هذا الوضع يجعل المرء أكثر
خوفا من الغد، لأن الثورة حالة، فإذا تغيرت الحالة النفسية للناس، بفعل
هؤلاء الأراجوزات وأعوانهم فقل على الثورة السلام.
بقلم: عادل صبري
شعارات الثورة التي كنا نرددها في ميدان التحرير ونحلم بتحقيقها منذ شب
الغضب في قلوبنا عن طوق النظام الغاشم في يناير الماضي. كان النجاح في
تحقيق هذه الشعارات أمرا مشكوكا في صحته، مع ذلك كان الحلم العظيم يدفع
الثائرين في اتجاهه الصحيح. لم يخش الثائرون من قنابل ورصاص العادلي
وزبانيته، حتى سقطوا فارين مضحورين أمام الغضب الثائر. بعد شهرين من الثورة
العظيمة شاهدنا كم الانحراف عن المسار الأصيل لها، رغم كونها في مرحلة
المخاض الأولى.
أسقطت الثورة رأس النظام، ولكنها لم تتخلص
من شبحه الرابض في شرم الشيخ. وضعنا أيدينا على أموال الرئيس وعائلته وبعض
رجاله الأشرار، و لم نتمكن من إعادتها إلى الشعب وواضح أننا لن نستطيع
تحصيلها من البنوك الآن أو في المستقبل. أودعنا بعض رموزه فى السجن، ولكن
قيدنا محاكماتهم في دوائر عادية، قد تستغرق سنوات للفصل في القضايا
المحالين بشأنها، مما جعل وزيرا محالا إلى المحكمة الجنائية يقول أمام جهات
التحقيق الأسبوع الماضي: لا تحسبوا أنكم قادرون على محاسبة أحد بعدي..
فأنا آخر شخص امتدت أيديكم إليه".
كلام الوزير المتهم بنهب عدة مليارات من
أموال الدولة، وتبديد مليارات أخرى لصالح شركائه في الفساد من أقاربه
ومعارفه وأصهار أبناء الرئيس المقيم في شرم الشيخ، جاء مواكبا لحملة
إعلامية يقودها أراجوزات الإعلام من الحكم الفاسد ومازالوا يقودون الرأي
العام عبر الصحف والفضائيات حتى الآن. تروج هذه الحملات لأمرين في غاية
الخطورة الأول؛ دعوة الناس إلى إنهاء حالة الفوران الثوري والغضب التي
تملكتهم من هول ما فعله بهم النظام البائد، وحالات القتل والضرب في
المليان، والثاني؛ الإسراع في العودة إلى العمل، وإنهاء المظاهرات مع تجاهل
كشف حلقات الفساد التي شكلها النظام ومازالت تقود الدولة على كافة
المستويات.
وقع الخلط العمد بين الأمرين لرغبة
أراجوزات الإعلام في شغل الناس عن مكاسب الثورة وضمان استمرارهم في قيادة
حملات الكذب والتضليل، وتعمية الجمهور عن الصفقات التي كانت تقع في الماضي
ومازالت متواصلة بين بعض الإعلاميين ورجال أعمال تستهدف تحويل أنظار الناس
عن فساد البعض وخلق صورة ذهنية جديدة عن الواقعين في شبهات الحكم السابق.
فلم يكن عجيبا أن تنظم شركة " شورى" التي يشارك في ملكيتها وزير السياحة
السابق وخاله محمد أشرف الشيتي وآخرون حملة إعلانية تبرئ وزيرا من تهم
وجهتها له النيابة العامة، ومازال رهن التحقيق حتى الآن. الشركة جمعت ـ كما
ذكرت الصحف ـ نحو مليون جنيه، لتنظيم الحملة عبر الصحف وبعض الفضائيات
ومواقع الإنترنت الشهيرة، لأن براءة الوزير من التهم الموجهة إليه، تعني
قدرته على حمايتهم وخروجهم من مستنقع الفساد الذي مكنهم من إدخال المبيدات
الفاسدة والسلاح والعربات المدرعة التي تقتل المتظاهرين المسالمين،
والاستيلاء على أراضي الدولة، مثل الشعرة من العجين.
ولم يكن غريبا أن نرى مذيعة حديدية في
التليفزيون المصري تدافع عن رجال أعمال ووزراء بأعينهم وتصرخ " فشر ولا
الحوش " وتصدر أحكاما بتبرئة وزير وطهارة رجل أعمال آخر، لمجرد أنها كانت
تعتمد على هؤلاء في تمويل برنامجها السخيف، وجريدتها التي كانت أداة تلميع
للرئيس المخلوع ونجله جمال. وليس مصادفة أن تتجاهل الصحف التي يديرها رؤساء
تحرير غير مرغوب في وجودهم احتجاجات الناس ضد بقاء رؤسائهم الفاسدين الذين
حصلوا على أماكنهم، بالرشوة والتدليس والعمل لحساب الحزب الوطني الفاسد
وأمن الدولة المنحل. ولا غرابة أن تتحول البرامج الفضائية إلى مكلمة
وتستضيف نفس الوجوه الممقوته وكأن هناك اتفاقا مكتوبا على بقاء منظومة
الفساد في السلطة وأجهزة الإعلام إلى الأبد، مع عدم الممانعة بظهور بعض
الرموز الجديدة التي لا يخشون انفلاتها ويأمنون غضبها.
هؤلاء الأراجوزات كانوا أول المرحبين
بصدور قرار عسكري بمنع المظاهرات الفئوية، وفسروا الأمر للناس على أنه رغبة
في دعم الاستقرار والعمل، ولم يخرج أي منهم ليشرح للناس الفرق بين الإضراب
المعطل للعمل وحق الإضراب السلمي المكفول بالقانون والمواثيق الدولية،
الذي يمنح الناس حقوقهم ويحافظ على وسائل الإنتاج وثروة البلد، والذي مهد
لثورة 25 يناير خلال السنوات الثلاث الماضية. تحالف الأراجوزات مع اللغة
الخشبية التي كان يتحدث بها النظام البائد ليس لأنهم اعتادوا على طاعة
أولى الأمر منهم فقط، ولكن لأن حالة الهدوء بالطريقة التي ينشدونها، تستهدف
بقاء الحال على ما هوعليه.
هنا مكمن الخطر فأراجوزات الإعلام قفزوا
فوق مقاعدهم كالقردة، ويريدون البقاء فوقها، حتى لا تطالهم أيدي العدالة،
أو يمس أحبابهم من الفاسدين سوءا.لهذا أسقطوا عن عمد شعارات الثورة، التي
لم تحقق حتى الآن تغييرا ولا حرية ولا عدالة اجتماعية. يحاولون إطفاء نور
الثورة بشتى الطرق وجعل الناس تعيش في غيبوبة الفرحة بالانتصار على سقوط
نظام, مازال كل رموزه في السلطة داخل الكليات والجامعات والحكم المحلي
والداخلية والعدل وسوق المال والبنوك. نظام لن يسقط بسهولة لأن الشباب
الذي أطاح برئيسه عاش نشوة الانتصار قبل أن تكتمل ثورته، وأغوته حبائل
الأراجوزات، ولم يدرك أن حلقات الفساد الباقية في منظومة الدولة لن ينفرط
عقدها إلا ببقاء روح الثورة في حلقومه وقلبه، حتى تنقشع الطغمة الحاكمة من
مصر كلها.
بقاء أراجوزات الإعلام ورموز النظام
البائد، في أماكنهم مصون بقوة غير مرئية، واستمرارهم مرهون ببقاء هذه القوة
في جحور الحزب الوطني وأمن الدولة ورجال الأعمال والوزراء السابقين، بينما
الناس غافلة عما يفعل بهم هؤلاء المنحرفون. هذا الوضع يجعل المرء أكثر
خوفا من الغد، لأن الثورة حالة، فإذا تغيرت الحالة النفسية للناس، بفعل
هؤلاء الأراجوزات وأعوانهم فقل على الثورة السلام.
بقلم: عادل صبري