حالة من الجدل الشائك ، أثارها مشروع قانون للمصالحة ،اقترحه الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء ومازال تحت الدراسة ، من خلال سداد رجال الأعمال المتهمين فى قضايا فساد وتربح وإهدار للمال العام مستحقات الدولة لديهم، مقابل حفظ التحقيقات معهم ، خاصة فيما يتعلق بتسوية قضايا رجال الأعمال الوزراء لأن موظف الدولة مسئول عن ممتلكاتها وثرواتها.
ويتم التصالح عندما تستمع لجنة مختصة فى سرية إلى اعترافات ومبررات من أخطأ أو استولى على ثروات ليست من حقه ، و تتولى تسوية هذه القضايا واسترداد كل الأموال.
ويستهدف المشروع تمكين الخزانة العامة للدولة من الاستفادة بهذه الأموال المهدرة فى تجاوز الأزمة الاقتصادية ، وهو الحل نفسه الذى اقترحه عدد من كبار رجال الأعمال -بينهم رجل الأعمال أحمد عز الذى عرض سداد مليار جنيه -والذين تقدموا بعروض لسداد المبالغ المالية المتهمين بالاستيلاء عليها ،والتى تتجاوز 2 مليار و375 مليون جنيه نظير حفظ التحقيقات ووقف محاكمتهم جنائيا.
وقد تباينت آراء الخبراء فى مدى مشروعية فكرة التصالح التى يروج لها الآن فى قضايا إهدار المال العام بين مؤيد حرصا على عودة الاموال المنهوبة وتدعيم الاقتصاد الوطنى ،ومعارض لأنها قد تعنى افلات الجناة من العقاب وسط حالة غضب الشارع المصرى من حجم الفساد وغياب الشفافية والعدالة خلال النطام السابق .
الدكتور أحمد صقر عاشور ممثل منظمة الشفافية بمصر سابقا وخبير الامم المتحدة فى الحوكمة ومكافحة الفساد ،قال لموقع أخبار مصرإن تشكيل لجان الحقيقة والمصالحة يمثل أحد البدائل المطروحة لاسترداد أموال الدولة بشرط عدم اقترانها بجرائم استغلال نفوذ أو شبهة فساد ، مشيراً الى أن هذه النوعية من المحاسبة تحمي من المحاكمة الجنائية ،وتعد من الطرق المسالمة المتبعة بعدة دول اذا اقتضت الضرورة الاقتصادية .
ولكن يجب توسيع نطاقها وسرعة حسمها حتى لا تقل قيمة الاموال بمرور الوقت ،وهذا يستلزم تكوين لجان تقصى حقائق ونيابة متخصصة وقضاء استثنائى لأن القضايا المعروضة أمام النائب العام كثيرة .
فمن يحقق فى انتهاكات يفكر فى آلية محاسبة من ارتكبها قبل أن يجنح إلي (مصالحة) ،بلا لجان ولا محاكم ولا صلاحيات ،بصورة قد تستفز الضحايا الذين يأملون في عدالة القضاء بعد رفضهم تدخل المحاكم الدولية بدعوي الحفاظ علي السيادة والكرامة الوطنية.
وأضاف "عاشور " أن اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد تنظم اجراءات المساءلة وتنص على شروط لاسترداد الاموال المهدرة كالتقدم بطلب والتحقيق والحكم القضائى .
وأشار الى ان منظمة الشفافية العالمية فى برلين تصدر تقارير دورية عن ترتيب الدول من حيث معدلات الفساد وتجرى بحوثا عالمية ودراسات للسياسات المولدة للفساد فى مختلف القطاعات .
بينما أوضح نبيل البشبيشى خبير ائتمان مصرفى أن القروض التى يتم التسامح فى تأخير سدادها تختلف عن التصالح فى أموال الدولة المسلوبة ، ففى حالة تعثر عميل البنك لأسباب خارجة عن ارادته مثل منع دخول بضائع مستوردة لظرف ما أو لمروره بأزمة اقتصادية ، يمكن التيسير عليه فى عملية الدفع بدلا من حبسه عن طريق تخفيض قيمة فائدة القرض وفوائد التأخير أو تعويمه حال وجود ضمانات بمعنى مساعدته على دخول مشروع ناجح مربح يمكنه من السداد وفق الأعراف المصرفية السائدة .
أما التصالح مع رجال أعمال استولوا على أراض بربع ثمنها أو نهبوا أموالا عاما ، فيجب تقنينه بحيث يتم استرداد الأرض أو سداد قيمتها الحقيقية وأن يقتصر حفظ القضية على عدم اقتران الاتهام المالى بجريمة جنائية تستوجب المحاسبة للردع حماية لحق المجتمع.
ومن المقترح ،تطبيق عقوبات غيرسالبة للحريات لرجال الأعمال أما الموظفون المتواطئون معهم ، فلايوجد مبررقانونى للتسامح معهم ان أردنا حقا التصدى للفساد فى مؤسسات البلاد ، إذ يجب عقابهم، لأن موظف الدولة، مسئول عن ممتلكاتها ، وتجاهل عقابه لن يردع المفسدين .
وهنا تجدر الاشارة الى أن المادة 118 مكرر «ب» من قانون الأموال العامة، تنص على أن المال العام ملك للدولة، وإذا قام أى مواطن بالاستيلاء على هذا المال وعرض رده كاملا عداً ونقداً عند التحقيق معه، فمن الممكن حفظ التحقيق معه بشرط ألا تكون جريمة المال مقترنه بجرائم أخرى، خاصة التزوير.
عبد الرحمن بركة أمين صندوق انحاد البنوك المصرية ورئيس بنك مصر-رومانيا سابقا ، دعا الى تقييم التجارب السابقة الممائلة بدول لها ظروف مشابهة مثل المغرب وجنوب أفريقيا لمعرفة ايجابيات لجان المصالحة المالية وسلبياتها قبل تطبيقها من الناحيتين الاقتصادية والسياسية مع الوضع فى الاعتبار خصوصية المجتمع وظروف المرحلة الانتقالية التى يمر بها .
والأهم أن نتساءل : لماذا نتصالح؟ ومع من؟ هل المطلوب أن نتصالح مع بعض رموز النظام السابق باعتبارهم رجال أعمال حققوا التنمية وتورطوا فى خطأ أم مجموعة من المنتفعين والسماسرة استنزفوا ممتلكات الدولة ؟.
ورداً على الهواجس من انهيار الاقتصاد لمجرد خروج هؤلاء الاقتصاديين من الأسواق ، فإن وقف عمليات النهب المنظم التى كانت تتم بواسطتهم كفيلة بأن تعيد للاقتصاد قوته خاصة مع وجود رجال أعمال شرفاء يريدون مصلحة البلد. فلابد من ضوابط ومعايير للتسامح والتصالح وضمانات للسداد المالى وفق جدول زمنى عند تسوية القضايا .
والغريب أنه فى الوقت الذى تدعو فيه المظاهرات الشعبية الى سرعة إصدار قانون لمحاسبة الوزراء ومحاكمة رئيس الدولة السابق وجميع رموز الفساد ،تبرز مبادرة تروج للمصالحة بين السلطة والمجتمع.
والفيصل فى النهاية، يتوقف على مدى مشروعية التصالح فى حق الوطن حسب نتيجة التحقيقات فى كل قضية .
تقرير /د. هند بدارى