أعقاب احتجاجات على حكمه الملوث بالفساد. ويتهم بالكسب غير المشروع والقتل
لكن اعتلال الصحة يؤجل استجوابه. ثم يتوفى قبل تقديمه للمحاكمة.
مصير الرئيس الاندونيسي الاسبق سوهارتو
الذي توفي بعد عشرة أعوام من احتجاجات حاشدة أطاحت به من السلطة عام 1998
ربما يكون تصورا يدور في أذهان القادة العسكريين الذين يتولون إدارة الأمور
في مصر حاليا لما قد يحدث للرئيس المخلوع حسني مبارك (82 عاما) مُعتل
الصحة الذي لا يزال يتمتع بنفوذ كبير داخل الجيش.
لكن محللين يقولون ان التأخر كثيرا في
تقديم مبارك الى المحاكمة ربما يؤدي الى عودة المظاهرات الحاشدة والفوضى
التي أطاحت به من السلطة يوم 11 فبراير شباط وألحقت الضرر بالاقتصاد
المصري.
وتراجعت الاحتجاجات الى حد بعيد لكن الحياة الطبيعية لم تعد بعد في بلد له دور محوري في استقرار الشرق الاوسط.
وقال ايلايجا زروان المحلل بمكتب
المجموعة الدولية لمواجهة الازمات في مصر "أوضح المجلس العسكري بجلاء منذ
البداية أنه يريد أن يتقاعد مبارك بكرامة وربما يستمر هذا الامر طويلا مثل
ما حدث مع سوهارتو."
وأضاف "تتنازعهم (أعضاء المجلس العسكري)
الرغبة في الحفاظ على الاستقرار وشعورهم بالواجب نحو قائد أعلى يحظى
بالاحترام. العسكريون يمانعون كثيرا في تقديمه للمحاكمة وربما يستمر ذلك
وقتا طويلا جدا."
وأوجه الشبه بين مبارك وسوهارتو الذي
توفي عن 86 عاما تثير الدهشة. فكلاهما جاء من الجيش وحكم 30 عاما بقبضة من
حديد وأجرى إصلاحات لتحرير الاقتصاد أدت الى رواج اقتصادي استفاد منه البعض
ثم أطاح به من السلطة شعب محروم سئم الحكم الاستبدادي.
واتهم سوهارتو بالفساد شأنه شأن مبارك.
لكن مرضه واستمرار القبول الذي كان كثير من الاندونيسيين يكنونه له ضمن له
عدم المثول للمحاكمة حتى توفي عام 2008.
وكان تقديم مبارك الى العدالة أحد
المطالب الرئيسية للمحتجين المطالبين بالديمقراطية الذين أطاحوا به. وصدر
أمر الاسبوع الماضي بحبس الرئيس السابق على ذمة التحقيقات في إجراء اعتبر
أنه محاولة لتهدئة المحتجين الذين ربما اعتقدوا أن المجلس العسكري يحمي
مبارك من العقاب.
لكن مرضا تضاربت التقارير عنه حال دون
إعادته الى القاهرة لاستجوابه. وكان التلفزيون الرسمي ذكر أن مبارك أصيب
بأزمة قلبية لكن مصادر طبية تقول الان ان حالته الصحية جيدة.
وما زال الرئيس السابق في مستشفى بمدينة
شرم الشيخ المطلة على البحر الاحمر التي كان يقضي فيها بعض الوقت خلال
حكمه والتي فر اليها بعد أن تخلى عن السلطة.
وتقول مصادر أمنية انه لا توجد خطط حتى
الان لنقله الى مستشفى عسكري في العاصمة رغم صدور أمر من المدعي العام
بذلك. ومن أسباب ذلك أن مبارك نفسه يرفض نقله.
وكان مبارك قائدا للقوات الجوية خلال حرب 1973 ويعتبره كثيرون في الجيش بطلا ينبغي احترامه.
ونقل التلفزيون الرسمي عن مصدر أمني
قوله ان مبارك "يرفض الرحيل من المستشفى خوفا أن يكون النقل تمهيدا لترحيله
الى السجن" موضحا أن سبب تأخر نقل الرئيس السابق هو "عدم الاتفاق على خطة
أمنية للنقل".
وقال مصدر أمني آخر ان الجيش يحاول
إمهال مبارك بعض الوقت حتى يعتاد على ابتعاده عن السلطة مضيفا أن الرئيس
السابق ربما يواجه صعوبة من الناحية النفسية في قبول ما آل اليه.
ومبارك متهم بسوء استغلال السلطة والكسب
غير المشروع وبالمسؤولية عن مقتل بعض المحتجين. ويواجه العديد من رجال
إدارته علاوة على ابنيه اتهامات مماثلة وهم محبوسون على ذمة التحقيقات كما
أُحيل بعضهم بالفعل الى المحاكمة.
ونفى مبارك ارتكاب أي خطأ لكن كثيرا من
المصريين يعتبرونه حاكما مستبدا قمعيا لم يستفد الا قليلون خلال فترة حكمه
الطويلة بينما تزايد فقر معظم أفراد الشعب الذين يبلغ عددهم 80 مليونا.
وذكر محامون أن إعداد قضية ضد مبارك ربما يستغرق شهورا وأن صدور حكم عليه ربما يستغرق أعواما.
وقال سمير صبري المحامي ان محاكمة بتهم
الكسب غير المشروع والتربح وسوء استغلال السلطة قد تستغرق 20 عاما فضلا عن
وجود اتهامات أخرى مضيفا أنها عملية طويلة الأمد.
وذكر محمد عبد الله خليل المحامي
والناشط في مجال حقوق الانسان أنه كلما طال الوقت قبل تقديم مبارك للمحاكمة
زاد نفاد صير المصريين من المجلس العسكري وحكومة تصريف الاعمال التي
عينها.
وقال ان مبارك اختار البقاء في مصر وهذا
يعني أنه يخضع لقانون البلد لكن الادعاء والجيش يماطلان مضيفا أنه كلما
طال الوقت كلما زاد احتمال عودة المصريين الى الشارع للمطالبة بالعدالة.
لكن محللين يقولون ان الاستعجال في
المحاكمة سيثير تساؤلات بخصوص نزاهتها وان أي حكم يصدر عن تلك المحاكمة
ربما يؤدي الى استقطاب المجتمع.
وينبغي أيضا وضع احترام المصريين التقليدي لكبار السن في الاعتبار اذا قدم مبارك الى المحاكمة.
ويريد كثيرون أن يقدم الرئيس السابق الى المحاكمة لكن كثيرين يشعرون ايضا بالاسف لرجل يقولون انه رغم كل أخطائه عمره 82 عاما وضعيف.
وقالت محاسبة تدعى ايمان أبو النجا (28
عاما) "أتوقع أنه يحاكم لكن لو هذا حصل سأكون زعلانة لانه أكيد عمل حاجة
كويسة (جيدة). مش معقول كل هذا وما عملش (لم يفعل) ولا حاجة كويسة."
وربما يزيد هذا التعاطف اذا سمح لمبارك
بأن يتولى الدفاع عن نفسه علنا الامر الذي من شأنه أن يوسع نطاق قاعدة
التأييد له ويسبب مشاكل محتملة للجيش والسلطات المدنية المنتخبة التي يتوقع
أن تتولى السلطة في وقت لاحق هذا العام.
وقال زروان "يحتاج المحتجون الى
الموازنة بين رغبتهم في تحقيق العدالة وخطورة الاستعجال في المحاكمة. ينبغي
أن يتوخوا الحذر بخصوص ما يتمنون تحقيقه."
وينتظر أن تجرى في مصر انتخابات
برلمانية تليها انتخابات رئاسية في وقت لاحق من العام الجاري لتشكيل ادارة
مدنية تتسلم مقاليد السلطة من القادة العسكريين .
لكن الجيش الذي يؤثر في السياسة في مصر منذ عقود يرجح ألا يتخلى تماما عن السيطرة.
رويترز وكالات الأنباء