النظام السابق، أثارت عودتها جدلًا كبيرًا فى الشارع المصرى، و أصبحت
تنتظر المجهول، وتفقد القيادات التى سوف تقودها إلى شاطئ الأمان
والاستقرار
وأثارت التصريحات التى أطلقها قياديون بارزون فى الجماعات الإسلامية
صخبًا وضجة واسعة، وولدت المخاوف من نمو تيارات تتصف بالعنف أو التشدد، و
تصل إلى الحكم، وبالتالى فسوف تقود البلاد إلى عصر أكثر ظلامية، وقتل
الدولة المدنية فى مهدها، وعودة الديكتاتورية فى ثوب جديد
الدكتور كمال حبيب القيادى السابق فى تنظيم الجهاد والباحث فى شئون
الحركات الإسلامية، من أوائل الذين دعوا إلى المراجعات الفكرية للجماعة
الإسلامية التى تنبذ العنف وتدعو إلى المعايشة والوفاق والاندماج، كان لنا
معه هذا الحوار ليوضح لنا رؤيته للمستقبل السياسى فى هذه المرحلة الفاصلة
من تاريخ مصر، وتوجهات الجماعات الإسلامية فى الوقت الراهن، فإلى نص
االحوار
ماالهدف من إطلاق المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب فى عصر مبارك؟
المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب بناء ذاكرة وطنية مصرية
مقاومة للتعذيب، لأن من يقوم بهذه الجرائم عندما يعلم أنه لن يفلت من
العقاب سوف يخاف أن يمارس التعذيب، ونحن نريد لمصر مستقبلًا لاتعذيب فيه
لمواطن أو إهانة لكرامته، وفى نفس الوقت تسعى المبادرة إلى تشجيع ثقافة
الإدلاء بالشهادة، لأن بعض من يعذبون قد يشعرون بالخجل أو الضعف الإنسانى
إذا تحدثوا عما عانوه أو لقوة تعذيب، ومن ثم فالمبادرة تشجيع المواطنين
على الإدلاء بشهاداتهم فيما يتصل بالتعذيب سواء كان الشخص نفسه أو شخص رأى
حالة تعذيب
وماهى أدوات التوثيق التى تعتمد عليها المبادرة؟
أدوات التوثيق تنقسم إلى التوثيق الشفهى عبر الشهادات الشفهية لمن
تعرضوا للتعذيب، وكذلك التوثيق الوثائقى المعتاد عن طريق تقارير الطب
الشرعى التى تثبت تعرض الشخص لعملية تعذيب، أو المحاضر التى حررت والتى ورد
بها أسماء ضباط قاموا بعمليات التعذيب ، فضلًا عن الصور أو التوثيق عن
طريق المذكرات أو التدوين الشخصى، و تهدف المبادرة استكمال قائمة الضباط
المتورطين فى عمليات التعذيب من أمن الدولة ، وخصوصًا أن لدينا أسماء ضباط
غير كاملة ونسعى إلى استكمالها من أماكنها المتعددة ليكون لدى المبادرة
أوفى توثيق عن ضباط أمن الدولة ومخبريها الذين قاموا بعمليات تعذيب
ولماذا اقتصرت المبادرة على عصر مبارك؟
اقتصرت المبادرة على عصر مبارك لأنه هو العصر الأسود للتعذيب فى كل
التاريخ المصرى الحديث، فما تم ارتكابه فى عصر مبارك لايمكن أن يقارن على
الإطلاق بما تم فى عصر جمال عبد الناصر،أو الملك، أو السادات الذى خلا عصره
نسبيًا من التعذيب، فما حدث فى عصر مبارك استثنائى ومن ثم ركزنا عليه،
بالإضافة إلى أن الثورة شجعت المواطنين على المطالبة بحقهم ممن ظلمهم
واعتدى على كرامتهم ، ولن تصمت المبادرة عن الجرائم التى يتم ارتكابها فى
السجون من قبل فلول الثورة المضادة، فهم لن يفلتوا من العقاب
ما رأيكم فى دور الجماعات السلفية والجهادية ومحاولات الضغط بعد قيام الثورة؟
التيارات السلفية لابد أن تقتصر فى نشاطها على العمل الذى تميزت به
وهو العمل الدعوى والتربوى، أما إذا خاضت العمل السياسى فإنها ستفقد
مكانتها فى العمل الدعوى وهيبتها فى العمل السياسى، فمن الأفضل أن تبقى فى
المشهد الدعوى وليس فى المشهد السياسى أو الإعلامى
أما عن الجماعة الجهادية فهى تعمل الآن على ترتيب أوراقها وهناك
انتخابات تجرى فى المحافظات ، وهم سيخوضون العمل السياسى لكنهم لم يتخذوا
قرارًا بشأنه، ومن الأفضل للجماعة الجهادية ألا تستقل بحزب ، وإنما تنسق
كجزء من ائتلاف مع تنظيم الجهاد الذى يسعى لتكوين حزب سياسى، وسيكون لديها
مشكلة الدعوة والسياسة أيضًا ، وهى كجماعة من الأفضل أن يبقى بناؤها الدعوى
ويذهب بعض جهدها للعمل السياسى
وهل تشهد الساحة عنفًا جديدًا من قبل جماعات الإسلام السياسى؟
لا أرى ذلك على الإطلاق، فالتيار الإخوانى والجهادى والسلفى قد
انتقل حقيقة إلى الفضاء السياسى وغادر العنف إلى غير رجعة، فبعد الثورة
وتخفيف الضغط على التيارات الإسلامية فإنهم سينتقلون بالضرورة من العمل
الضيق إلى العمل المفتوح بعيدًا عن العنف والسرية والانعزال عن المجتمع
والناس، ومانراه الآن أكبر دليل على أن العمل الإسلامى سينتقل إلى العمل
المفتوح والسياسى العلنى، وهذا هو المطلوب، لأنه كلما كانت الدعوة علنية
ويتم قياس أفكارها أمام الناس فإن ذلك يجعلها أكثر مسئولية والتزامًا أمام
الجمهور، وعادة ماتنتقل من التطرف والغلو إلى الاعتدال، ومن ثم فلن يكون
هناك عنف آخر
ولكن هناك حوادث عنف وقعت بالفعل؟
الحوادث التى وقعت حوادث فردية ولو حققنا فيها لوجدنا أنها نسبت إلى
السلفية دون أن يكونوا هم الفاعلين فيها، وتم تعميم هذه الحوادث، فحادثة
قطع الأذن التى وقعت فى الصعيد، ويطلق عليها الصلم هى عادة جاهلية ذات
طابع ثأرى، وكذلك ماحدث فى الفيوم كان بسبب خلاف بين عبد العظيم الباسل
والإخوان بسبب العملية الانتخابية
وماتعليقك على هدم الأضرحة؟
هدم الأضرحة أيضًا قضية مبالغ فيها، فبشهادة الضابط الذى رأى
الواقعة فى المنوفية قال إن من قاموا بهذه العملية ليسوا إسلاميين، ولكنهم
مجموعة من البلطجية فالأضرحة موجودة منذ زمن بعيد، وليس معروفًا عن
التيار السلفى هدم الأضرحة، وبالنسبة للأهرامات والآثار الفرعونية فقد كانت
موجودة منذ الفتح الإسلامى ولم يفكر أحد من الصحابة أن يمسها بأذى أو
يزيلها، ونابليون بونابرت هو الذى قطع أنف أبو الهول، ولكن الإسلاميين لم
يقتربوا منها، فنحن أمام ظاهرة اجتماعية جديدة فيها جانب من الغلو، وتحتاج
إلى حوار هادئ، وعلى الأزهر أن يمارس دوره كمؤسسة ، وأن يسعى إلى معالجة
هذه الأمور بهدوء، دون أن يهاجم ويحارب ويلقى الاتهامات جزافًا لفصائل أو
أحزاب
يقال إن الثورة قام بها الليبراليون، وآزرها الإخوان، وتسلق عليها السلفيون فما رأيك؟
أرفض هذا التقسيم، وأقول إن الثورة ثورة الشعب المصرى كله، فلولا
خروج الشعب المصرى بهذه الكثافة، والملايين الذين خرجوا فى ميدان التحرير،
والأقاليم فى الدلتا والصعيد وسيناء وغيره مانجحت الثورة، فهى ليست ثورة
ليبراليين ولا إخوان ولا سلفيين إنما هى ثورة شعب بأكمله، وثورة الجماعة
الوطنية بكاملها، فأثناء أحداث الثورة لم ترفع أعلام لفئات أو جهات معينة
وإنما رفع علم مصر، ولم تتردد شعارات إسلامية أو ليبرالية، ولكن ماكان
يتردد، ارفع راسك فوق انت مصرى ، كما أن هذه التقسيمات لم تظهر إلا بعد
الثورة، وهذا يعنى أن روح التحرير وروح الثورة الحقيقية التى أنارت
المستقبل لمصر تخفت وهو خطر على الثورة، ومستقبلًا نخشى من أن يكون من يصك
هذه المصطلحات وهذه التقسيمات هونفسه يقف فى خندق الثورة المضادة دون أن
يدرى
هل تتقبل الجماعات الإسلامية النقد السياسى أو الدينى أم أنها ستواجه التيارات الأخرى بفكر تصادمى؟
الإخوان المسلمون هم التيار الرئيسى فى الجماعات الإسلامية وهم
لايحملون فكرًا تصادمىًّا، كذلك التيارات الجهادية راجعت أفكارها القديمة،
وروحها بعد الثورة هى روح التعايش والوفاق، ولم نسمع لها صوتًا صداميًا، بل
كانت صوت رحمة وحماية لمصر، وقد شاركوا فى جمعيات حماية الأحياء وغيرها من
الأنشطة، أما صدامات السلفيين ترجع إلى أنهم قوة حديثة من حيث دخولها عالم
السياسة والإعلام، فالناس تشعر ببعض الخوف منهم لكنهم ليسوا صداميين
بطبيعتهم أيضًا، فالإسلاميون جميعًا تحولوا من الصدام إلى التعايش، ومن
العاطفة إلى العقل، ومن العزلة إلى الاندماج، ومن الاستثناء إلى الجماعة
وهو الوضع الطبيعى أو العادى
مارأيك فى تكوين نجيب ساويرس لحزب سياسى؟
من حقه أن يكوّن حزبًا سياسىًّا، ولكن شريطة ألا يكون طائفىًّا،
وألا يكون قد صُمم خصيصًا لمواجهة التيار الإسلامى، لأنه فى هذه الحالة
سيكون بإزاء وضع بذور للانقسام، ولكن إذا التزم بالقانون والدستور، وقواعد
اللعبة السياسية، والكف عن التصريحات المثيرة للجدل مثل تصريحه عن الحجاب
أو الشريعة الإسلامية أو خلط المال بالسياسة، فأهلًا وسهلًا بساويرس وحزبه
أليس من الممكن أن تثار حوله تحفظات من الجماعات الإسلامية بحجة أنه سيدعم مطالب الأقباط؟
لا أتوقع ذلك، ولن يكون هناك تحفظات من جانب الجماعات الإسلامية،
ومن الطبيعى أن يكون الأقباط هم القوة الراجحة داخل الحزب، ولكن ذلك ربما
يكون مفيدًا، لأننا نريد للأقباط أن ينتقلوا من الكنيسة إلى الأحزاب، بشرط
ألا تكون هذه الأحزاب هى ذراع للكنيسة ينطقون باسمها ويأتمرون بأمرها
إذن أنت تؤيد فكرة أن يكون رئيس مصر قبطىًّا؟
لم أقل ذلك، ولاأؤيد هذه الفكرة، فمصر دولة مسلمة، غالبيتها مسلمة،
وهويتها مسلمة، ومن اللازم لهذه الهوية أن يكون رئيسها مسلمًا، ومن يثير
اللغط كثيرًا حول هذه المسألة أعتقد أنه يمارس الشغب السياسى ويتلاعب
بالأمن القومى للبلاد، فهناك خطوط حمراء ومن ضمن هذه الخطوط المادة
الثانية من الدستور، وأن تكون الرئاسة لمسلم، وذلك على الرغم من أن المادة
لم تحرم المسيحى من الترشح لرئاسة الجمهورية، وأنا أقبله كمرشح للرئاسة
وليس رئيسًا، وأدعو المسيحيين ألا يتنافسوا على هذا المنصب لأن خيار
الأغلبية يجب احترامه، وهوية الأغلبية يجب احترامها
ما تفسيرك للارتباك داخل الجماعة الإسلامية بعد خروج عبود الزمر من السجن؟
بعد خروج عبود الزمر من السجن تلقفته وسائل الإعلام بشكل مكثف، وهو
أمر فى تقديرى يخلو من المهنية، ولكن عبود الزمر استجاب لطلبات القنوات
والوسائل الإعلامية لأنه صمت ولم يتكلم لمدة ثلاثين عامًا، وبالتالى كان له
العديد من التصريحات التى نالت انتقادات من كرم زهدى القيادى بالجماعة
الإسلامية، وهو ماجعل الزمر يرد على هذه الانتقادات ويوجه انتقادات لزهدى
هو الآخر فى بعض حواراته، كما أن الثورة التى حدثت لم يؤيدها بعض أعضاء
الجماعة، وفى الوقت نفسه كانت الغالبية من أبناء الجماعة مؤيدة لها،
والمؤيدون قريبون من عبود الزمر المؤيد هو الآخر وبالتالى رأى المؤيدون أن
يتخلصوا من القيادات التى تتجاوزها خطى الثورة والذين كان منهم كرم زهدى
وناجح إبراهيم اللذان قدما استقالتهما واعتزلا العمل السياسى، وتفرغا
للدعوة، وأنا أحيى هذا القرار الشجاع من الشيخين اللذين استقالا من مجلس
شورى الجماعة وتفرغا للدعوة إلى الله، وأرى أنه قرار فى مكانه وأحب أن
أوضح أيضًا أن أبناء الجماعة الإسلامية اليوم يريدون أن يغيروا القيادات
التى ارتبطت تاريخيا بطبخ عملية المراجعات مع جهاز أمن الدولة البغيض
البائد وهو من عذب أبناءها وقتل العديد منهم كما تشير وثائقه التى تم الكشف
عنها ومنهم طلعت ياسين وغيره كثيرون ممن يجب على الجماعة من منظور الأخوة
الإسلامية والوطنية أن تكشف عنه وتعرف الرأى العام به ، ويريد أبناء
الجماعة أن يختاروا مراكز القيادة فيها على أساس الشورى والاختيار وأن
يعيدوا تأسيس الجماعة وانطلاقتها من جديد فى ظل السياق الثورى الذى تعيشه
البلاد على أسس جديدة ومختلفة عن تلك التى تأسست عليها الجماعة الإسلامية
المصرية فى المرة الأولى
فمجلس شورى الجماعة الإسلامية المكون من أحد عشر عضوًا لم يتغير على
الإطلاق منذ تأسيس الجماعة الإسلامية الأول ولم تجر الجماعة الإسلامية أية
انتخابات على الإطلاق لتجدد دماء مؤسساتها سواء على مستوى مجلس الشورى أو
غيرها من المؤسسات، وهنا من حق أبنائها أن يطالبوا بانتخابات جديدة لاختيار
مجلس شورى جديد بحيث يجرى تداول مكونات هذا المجلس العتيق الذى يبدو أن
الزمن يتجاوزه