النفس، ولكل المفاهيم والأدوار التى ظلت سائدة بها عشرات السنين، وفى إطار
ذلك يأتى الجدل الثائر هذه الأيام بين القضاة وحولهم وكيف يرون أنفسهم
وحقيقة دورهم؟.. هل هم موظفون فى خدمة الشعب أم أن الشعب فى خدمتهم؟.. وعن
هذه الأسئلة ذهبنا نبحث عن إجابات لدى أحد شيوخ القضاة، وهو نائب رئيس
محكمة النقض، القاضى زغلول البلشى، الذى أكد أن «القاضى مواطن مصرى يعانى
مما يعانيه أى مواطن آخر، ولا يحق له التعالى على الشعب لأن مصدر سلطات
القاضى هو الشعب».
وأضاف فى حواره مع «الشروق» قائلا: «أنا
كقاضٍ أحقق العدالة للشعب، ومفيش حاجة اسمها حد موظف عند التانى، فالشعب
أوكل لى الفصل فى المنازعات، لا أكثر ولا أقل من هذا، وهذا لا يعطى القاضى
الحق فى التعالى على الشعب، ومفيش حاجة اسمها قاضى يتعالى على الشعب، فكل
السلطات مستمدة من الشعب فكيف تتعالى على الشعب الذى أعطاك السلطة، ولابد
أن يفهم الجميع وعلى رأسهم القضاة أن الحصانة التى يتمتعون بها لا يتمتعون
بها لشخصهم بل كضمانة للمتقاضى حتى يحقق العدل للشعب ولا يقع تحت ضغوط،
فالحصانة للشعب وليس للقاضى نفسه، أما أسرة القاضى فيسرى عليها ما يسرى على
كل الشعب».
وكرر البلشى قائلا: «القاضى ليس سيد الشعب كما يتخيل
البعض، بل جزء من الشعب، ولذلك كنت أتمنى أن يصدر مجلس القضاء الأعلى بيانا
يؤيد فيه الثورة لأن القضاة جزء من الثورة، وأتعجب من أن هذا لم يحدث،
فالمحظور على القضاة فقط هو الانضمام للأحزاب أو الاشتغال بالسياسة بينما
كل ما يخص الشأن العام يجب علينا المشاركة فيه لأننا لا ننفصل عن الشعب.
ولكن
البلشى أكد أنه رغم كل هذا فلا يجب الضغط على القضاة «لأننا بهذا الضغط لن
نأخذ عدالة، فقد أصبح الوضع حاليا أنه لا يجرؤ قاض على إصدار حكم بالبراءة
أو حكم مخفف على المتهمين فى قضايا الفساد وقضايا قتل المتظاهرين حتى وإن
كانت الأوراق أمامه تسمح له بذلك خوفا من أن الناس ستدخل عليه وتقطعه فوق
المنصة التى حكم من عليها، ولذلك فكثير من القضايا تؤجل الآن بدون مبرر لأن
القضاة يخافون، فمثلا قضية خالد سعيد يتم تأجيلها كثيرا رغم أنها مكتملة
لأن القاضى لو لم يعط حكما يرضى الجماهير الناس هتدخل عليه القاعة تقطعه
حتت، فى حين أن الورق الذى أمامه قد لا يعطى المتهمين حسب القانون إلا
السجن المشدد، لذلك أطلب أن نترك المحاكم تعمل لتحقق لنا ما نريد من عدالة،
فأنا متفق مع الناس وأؤكد أنه كانت هناك تجاوزات فى السلطة القضائية ولكن
الآن الظروف جميعها تغيرت ولم يعد هناك أحد يضغط على أحد».
وفى
السياق نفسه، قال البلشى: «القاضى فى مثل هذه الظروف تقع عليه مسئولية أمام
ضميره، فإذا وجد القاضى أن الناس غير مطمئنة له فيجب عليه التنحى عن
القضية التى ينظرها فورا، لأننى كقاضٍ يجب أن أشعر بثقة المتقاضى فى عدلى،
وأقول للقاضى عادل عبدالسلام جمعة يا أخى الناس كانت بتنادى فى التحرير
بتنحيك.. أنت قاعد ليه؟... ودفاع حبيب العادلى لو بيفهم وخايف على مصلحة
موكله لازم يرد عادل عبدالسلام جمعة عن نظر تلك القضية، حفاظا على حقوق
موكله، فالشعب كله غير مطمئن لتصدى جمعة لتلك القضية وإصراره على التصدى
يثير التساؤلات.
ينتقل البلشى فى حواره مع «الشروق» للتعليق على
مطالبات بعض القضاة بتمييزهم وأبنائهم من قبل الدولة خاصة فى الوظائف،
قائلا: «أنا مع أن الدولة توفر للقاضى حياة كريمة لا تجعله محتاجا ويكفى
متطلبات أسرته منه، ولكن أنا ضد أن يكون هناك ميزة لأبناء القضاة فهم مثل
باقى أبناء الشعب، كما أننى ضد توريث القضاء، فالقضاء فن صعب جدا جدا، ومن
أصعب الفنون فى الدنيا أن تفصل فى المنازعات، فتلك مسألة لا يكفيها تقدير
جيد ولا جيد جدا ولا حتى امتياز بل تحتاج إلى ملكات خاصة قد تتوافر فى
أبناء القضاة أو لا تتوافر، مثلهم فى ذلك مثل باقى أبناء الشعب. وحكاية
التقدير ليس لها علاقة بالمواهب المطلوبة فى القاضى، وللعلم فأنجح القضاة
وأنجح المحامين هم أصحاب تقدير «مقبول» مما يعنى أن التقدير الجامعى ليس هو
نهاية المطاف، فيمكن أن شخص يحصل على تقدير امتياز من كلية الحقوق ويحصل
على الدكتوراه ولكن لا يصلح أن يكون قاضيا».
وعند سؤاله عن اتفاقه
مع مطالبة القاضى أحمد الزند بإلغاء القانون 17 لعام 2007 الذى يشترط حصول
خريج الحقوق على تقدير جيد على الأقل للالتحاق بالنيابة العامة قال: «الزند
أنا ما اتفقش معاه فى حاجة خالص، فنحن لا شأن لنا بالقانون أو غيره ولا
المطالبة بإلغائه، ولكن المطالبة يجب أن تكون بوضع مسابقة على مستوى
الجمهورية يتقدم لها من يشاء من الراغبين فى الالتحاق بالنيابة العامة
وتكون لها أرقام جلوس سرية ويتم وضع اختبارات ومن ينجح فى اجتيازها يقبل
بالنيابة، أو أن يتم توحيد الامتحانات فى كليات الحقوق على مستوى كل
الجامعات مثل ما هو حاصل فى الثانوية العامة لأن الدرجات فى الجامعات يتحكم
فيها الأساتذة حسب أهوائهم، ولذلك فأنا لا أشترط أى تقدير للالتحاق
بالنيابة العامة وأطالب بالمواهب فقط».
واستطرد نائب رئيس محكمة
النقض قائلا: «إن كلام القضاة استفزكم هذه الأيام لأنكم تركتم الدنيا كلها
وركزتم فى القضاء، فأنا كقاض لا أستطيع تعيين ابنى فى بنك ولا فى شركة
بترول ليس لأن الدولة لا تسمح لى بعلاقات، ولكن لأن تلك الجهات أيضا
التعيين فيها بالتوريث فكل الوظائف فى مصر تورث وكل وزارة محجوزة لعائلة
بعينها منذ 100 عام، ولكن لا أحد يتكلم عنها ويتم التركيز على القضاء فقط..
فى حين أن الصرف الصحى نفسه التعيين فيه بالتوريث.. ولذلك لابد من إصلاح
التعيين فى جميع الجهات وليس فى القضاء فقط».
وأكد أن الزند أثار
تلك الضجة حاليا بسبب الانتخابات ولأنه فى بداية الثورة كان ضدها ولما نجحت
انقلب وأصبح معها، فأنا ضد التوريث على طول الخط فى القضاء وغير القضاء،
أما عن قصة هذا القانون فممدوح مرعى عمله كى يذل به القضاة بوضع هذا الشرط
لدرجة أنه منع تعيين أبناء وإخوة المستشارين فى الوظائف الإدارية بوزارة
العدل، ونحن لم يكن أمامنا سوى هذا الباب لأن كل الأبواب فى الجهات الأخرى
مغلقة أمامنا بالتوريث، فهذه فكرة خبيثة من ممدوح مرعى كى يذل بها القضاة،
والمشكلة ليست فينا كقضاة ولكن المشكلة فى الموظفين الغلابة الذين لا
يستطيعون تعيين أبنائهم وأقاربهم فى أماكن أخرى بسبب التوريث وفى الوقت
نفسه لا يستطيعون تعيينهم فى وزارة العدل فماذا يفعلون؟».
وأوضح
البلشى «أن المشكلة ليست فى فكرة أنه مع هذا القانون أو ضده فقد تكون متفق
مع فكرة معينة ولكن المشكلة أن تأتيك هذه الفكرة بخبث، فإذا لغينا التوريث
فى كل الأماكن فسوف يتم حل مشكلة القضاء تلقائيا، ومفيش ابن قاضى يتمنى أن
يصبح قاضيا مثل أبيه لأنه يرى حجم العمل الضخم الذى يعمله والده، فأنا
زوجتى قالت لى لا يمكن أن أزوج ابنتى لقاض أو وكيل نيابة.. وكفاية اللى أنا
شفته، فطول عمر أبناء القضاء يهربون من شغل القضاء، ولم تظهر عملية
التوريث بالقضاء إلا أخيرا بسبب إغلاق أبواب كل الوظائف أمامهم فأصبح
القاضى يقول لابنه اقبل العمل بالقضاء.. خلينى أعرف أشغلك. أما من يستغل
سلطته من القضاة، على حد قول البلشى، «فهم الذين دخلوا القضاء من الأبواب
الخلفية باستغلال الوساطة والمحسوبية، وهذا ما يجب القضاء عليه بالاختبار
الشفوى، فلابد من اختبار المتقدم للنيابة ومعرفة ما إذا كان إنسانا سويا أم
لا؟.. شكله مقبول أم لا؟.. فلا يقبل أن تكون جزمته ومتسخة؟.. أما إذا كانت
مقطعة فلا مانع فالفقر ليس عيبا ولكن العيب أن يكون الشخص غير مهتم بنفسه
ومظهره ونظافته، فالمتهم لن يحترم القاضى إلا إذا كان شكل القاضى محترما
ونظيفا على الأقل، ولا يجب أن يكون القاضى مهزوزا لأنه وقتها سيخاف من أصغر
عسكرى، ولذلك أنا وبعض القضاة طالبنا باختبار القاضى نفسيا قبل تعيينه وأن
يخضع لاختبار نفسى دورى.. لأن فيه عيال فضلت قاعدة على حجر أمهاتها لحد ما
خلصت الجامعة.. دول ما ينفعوش قضاة فلازم القاضى يكون عايش الشارع المصرى
ومشاكله».