روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    جرائم الكمبيوتر

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    09عال9 جرائم الكمبيوتر

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة أكتوبر 23, 2009 11:51 pm

    دور الكمبيوتر في الجريمة

    يلعب الكمبيوتر ثلاثة ادوار في ميدان ارتكاب الجرائم ، ودورا رئيسا في حقل اكتشافها ، ففي حقل ارتكاب الجرائم يكون للكمبيوتر الادوار التالية :-

    الاول:- قد يكون الكمبيوتر هدفا للجريمة (Target of an offense ) ، وذلك كما في حالة الدخول غير المصرح به الى النظام او زراعة الفايروسات لتدمير المعطيات والملفات المخزنة او تعديلها ، وكما في حالة الاستيلاء على البيانات المخزنة او المنقولة عبر النظم.
    ومن اوضح المظاهر لاعتبار الكمبيوتر هدفا للجريمة في حقل التصرفات غير القانونية ، عندما تكون السرية ( CONFIDENTIALITY ) والتكاملية أي السلامة ( INTEGRITY ) والقدرة أو التوفر AVAILABILITY ) هي التي يتم الاعتداء عليها ، بمعنى ان توجه هجمات الكمبيوتر الى معلومات الكمبيوتر او خدماته بقصد المساس بالسرية او المساس بالسلامة والمحتوى والتكاملية ، او تعطيل القدرة والكفاءة للانظمة للقيام باعمالها ، وهدف هذا النمط الاجرامي هو نظام الكمبيوتر وبشكل خاص المعلومات المخزنة داخله بهدف السيطرة على النظام دون تخويل ودون ان يدفع الشخص مقابل الاستخدام (سرقة خدمات الكمبيوتر ، او وقت الكمبيوتر ) او المساس بسلامة المعلومات وتعطيل القدرة لخدمات الكمبيوتر وغالبية هذه الأفعال الجرمية تتضمن ابتداءا الدخول غير المصرح به الى النظام الهدف ( UNAUTHORIZED ACCESS ) والتي توصف بشكل شائع في هذه الايام بأنشطة الهاكرز كناية عن فعل الاختراق (HACKING ) .
    والافعال التي تتضمن سرقة للمعلومات تتخذ اشكال عديدة معتمدة على الطبيعة التقنية للنظام محل الاعتداء وكذلك على الوسيلة التقنية المتبعة لتحقيق الاعتداء ، فالكمبيوترات مخازن للمعلومات الحساسة كالملفات المتعلقة بالحالة الجنائية والمعلومات العسكرية وخطط التسويق وغيرها وهذه تمثل هدفا للعديد من الجهات بما فيها ايضا جهات التحقيق الجنائي والمنظمات الارهابية وجهات المخابرات والاجهزة الامنية وغيرها ، ولا يتوقف نشاط الاختراق على الملفات والانظمة غير الحكومية بل يمتد الى الانظمة الخاصة التي تتضمن بيانات قيمة ، فعلى سبيل المثال قد يتوصل احد المخترقين للدخول الى نظام الحجز في احد الفنادق لسرقة ارقام بطاقات الائتمان . وتتضمن بعض طوائف هذا النمط أي الكمبيوتر كهدف انشطة سرقة والاعتداء على الملكية الفكرية كسرقة الاسرار التجارية واعادة انتاج ونسخ المصنفات المحمية وتحديدا برامج الحاسوب . وفي حالات اخرى فان افعال الاختراق التي تستهدف انظمة المعلومات الخاصة تستهدف منافع تجارية او ارضاء اطماع شخصية كما ان الهدف في هذه الطائفة يتضمن انظمة سجلات طبية وانظمة الهاتف وسجلاته ونماذج تعبئة البيانات للمستهلكين وغيرها .
    الثاني :- وقد يكون الكمبيوتر اداة الجريمة لارتكــــاب جرائم تقليدية A tool in the commission of a traditional offense
    كما في حالة استغلال الكمبيوتر للاستيلاء على الاموال باجراء تحويلات غير مشروعة او استخدام التقنية في عمليات التزييف والتزوير ، او استخدام التقنية في الاستيلاء على ارقام بطاقات ائتمان واعادة استخدامها والاستيلاء على الاموال بواسطة ذلك ، حتى ان الكمبيوتر كوسيلة قد يستخدم في جرائم القتل ، كما في الدخول الى قواعد البيانات الصحية والعلاجية وتحويرها او تحوير عمل الاجهزة الطبية والمخبرية عبر التلاعب ببرمجياتها ، او كما في اتباع الوسائل الالكترونية للتأثير على عمل برمجيات التحكم في الطائرة او السفينة بشكل يؤدي الى تدميرها وقتل ركابها .

    الثالث :- وقد يكون الكمبيوتر بيئة الجريمة ، وذلك كما في تخزين البرامج المقرصنة فيه او في حالة استخدامه لنشر المواد غير القانونية او استخدامه اداة تخزين او اتصال لصفقات ترويج المخدرات وانشطة الشبكات الاباحية ونحوها .
    وطبعا يمكن للكمبيوتر ان يلعب الادوار الثلاثة معا ، ومثال ذلك ان يستخدم احد مخترقي الكمبيوتر ( هاكرز) جهازه للتوصل دون تصريح الى نظام مزود خدمات انترنت ( مثل نظام شركة امريكا اون لاين ) ومن ثم يستخدم الدخول غير القانوني لتوزيع برنامج مخزن في نظامه ( أي نظام المخترق ) فهو قد ارتكب فعلا موجها نحو الكمبيوتر بوصفه هدفا ( الدخول غير المصرح به ) ثم استخدم الكمبيوتر لنشاط جرمي تقليدي (عرض وتوزيع المصنفات المقرصنة ) واستخدم كمبيوتره كبيئة او مخزن للجريمة عندما قام بتوزيع برنامج مخزن في نظامه .
    اما من حيث دور الكمبيوتر في اكتشاف الجريمة ، فان الكمبيوتر يستخدم الان على نطاق واسع في التحقيق الاستدلالي لكافة الجرائم ، عوضا عن ان جهات تنفيذ القانون تعتمد على النظم التقنية في ادارة المهام من خلال بناء قواعد البيانات ضمن جهاز ادارة العدالة والتطبيق القانوني ، ومع تزايد نطاق جرائم الكمبيوتر ، واعتماد مرتكبيها على وسائل التقنية المتجددة والمتطورة ، فانه اصبح لزاما استخدام نفس وسائل الجريمة المتطورة للكشف عنها ، من هنا يلعب الكمبيوتر ذاته دورا رئيسا في كشف جرائم الكمبيوتر وتتبع فاعليها بل وابطال اثر الهجمات التدميرية لمخترقي النظم وتحديدا هجمات الفايروسات وانكار الخدمة وقرصنة البرمجيات .

    4-2 محل جريمة الكمبيوتر وموضوعها
    تمثل جرائم الكمبيوتر طائفة الجرائم المنصبة على المعلومات بمفهومها الواسع (بيانات، معلومات برامج تطبيقية وبرامج تشغيل)، أما بالنسبة للمكونات المادية للحاسوب، فالموقف الغالب يتجه الى اعتبارها من قبيل الجرائم الواقعة عليها مما يندرج في نطاق الجرائم التقليدية، حتى تلك التي تستهدف نظام الحاسوب باعتباره المعبر عن عصر التقنية واتمتة المجتمع ضمن جرائم الإرهاب أو الجرائم المنظمة المستهدفة لمنتجات التقنية العالية، سواء التي يتم ارتكابها تعبيرا عن (موقف سياسي) من التقنية ذاتها، أو التي يتم ارتكابها بغرض استهداف أمن ونظام الدولة باعتبار وسائل التقنية من الوسائل الفاعلة في الادارة والتخطيط ورافدة لقوة الدولة، وفعالية نظامها. فهذه الجرائم عموما، تقع ضمن الجرائم التقليدية، التي تستهدف المال باعتبار مكونات الحاسوب المادية أموالا منقولة تصلح محلا للاعتداء عليها بالجرائم الموصوفة بوقوعها على المال، وبجرائم الاتلاف والتخريب.
    وقد أدخل عدد من الدارسين والأساتذة الأفاضل - كما تلمسنا في المبحث الخاص بتعريف الجريمة - جرائم الاعتداء على الكيانات المادية ضمن ظاهرة جرائم الحاسوب المستجدة، وهو مسلك غير صائب لأن الجديد في ميدان القانون الجنائي وفيما أثير من مشكلات حول المسؤولية الناجمة عن جرائم الحاسوب، انما يتصل بالاعتداءات الموجهة الى الكيانات غير المادية لنظام الحاسوب، والتي عبرنا عنها بمعطيات الحاسوب أو التي يمكن تسميتها أيضا الكيانات المنطقية. وربما يعترض البعض على استخدام تعبير الكيانات لدلالته على صفة مادية، لكنه في الحقيقة دال على وجود مؤطر محدد للمعطيات غير المادية التي تستدعي كما سنرى كيانا ماديا لتأطيرها، قد يكون واحدا من وسائل تخزين المعطيات (المعلومات والبرامج) أو يكون الحاسوب ذاته ككيان مادي مؤطر للمعطيات غير المادية. وبالتالي – وكما ذكرنا – فان الجرائم التي تستهدف الكيانات المادية لأنظمة الحاسوب ليست في الحقيقة ضمن مفهوم جرائم الحاسوب -على الأقل من الوجهة القانونية، وان كان من الممكن ردها الى هذا المفهوم في نطاق الدراسات التقنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وتحديديا الأخلاقية عند الحديث عن اخلاقيات الحوسبة. ولا يثيرتحديد موضوع هذه الجرائم أو محل الاعتداء أية مشكلة ، فنصوص التجريم التقليدية والأحكام العامة للجريمة منطبقة دون شك على مثل هذه الجرائم، شأن ماديات الحاسوب في ذلك شأن أي ماديات ممثلة لمنقولات معتبرة مالا بغض النظر عن شكلها ودورها أو وظيفتها في النشاط الانساني ، اذ لا نعرف ما يحمل الينا المستقبل ، من منجزات ومبتكرات تقنية قد لا تتجاوز حدود تفكيرنا فحسب، بل تتجاوز حدود خيالنا، ولكن ما دامت الطبيعة المادية متوفرة في موضوع الجريمة فان ما شيد حتى الآن من نظريات وقواعد وأحكام ونصوص في نطاق القانون الجنائي الموضوعي بقسميه العام والخاص كفيلة بمواجهتها ، وما شرع في نطاق الإجراءات الجنائية والاثبات كفيل بسيادة حكم القانون الموضوعي عليها.
    أما بالنسبة لمحل جرائم الكمبيوتر والانترنت فانها بحق الجرائم التي تستهدف المعلومات - التي هي في الحقيقة موضوع الجريمة ومحل الاعتداء - فهي أنماط السلوك الاجرامي التي تطال المعلومات المخزنة أو المعالجة في نظام الحاسوب او المتبادلة عبر الشبكات ، وهي اما أن تجسد أو تمثل أموالا او أصولا أو اسرارا أو بيانات شخصية أو لها قيمة بذاتها كالبرامج.
    اذن ، فان محل جريمة الحاسوب دائما، وهو موضوعها، معطيات الحاسوب، وتستهدف هذه الجرائم الحق في المعلومات، ويمتد تعبير الحق في المعلومات ليشمل الحق في انسيابها وتدفقها والحق في المعلومات بذاتها أو بما تمثله من أموال أو أصول أو اسرار أو بيانات شخصية. ومعطيات الحاسوب - كما أكدنا في غير موقع - تمتد دلالتها التقنية المحددة لدلالتها القانونية الى البيانات والمعلومات والبرامج بكل أنواعها، مدخلة ومعالجة ومخزنة ومنقولة.
    وثمة اتجاه للتمييز في محل الاعتداءات تبعا لدور الكمبيوتر في الجريمة ، ولهذا يختلف المحل لدى هذا الاتجاه ، فهو المعلومات عندما يكون الكمبيوتر الهدف محل الاعتداء ، وهو المال او الثقة والاعتبار عندما يكون الكمبيوتر وسيلة ارتكاب الجريمة ، فالكمبيوتر كما قلنا ، قد يلعب احد ادوار ثلاثة في الجريمة ، اما هدفها او وسيلتها او هو بيئة الجريمة ، لكن براينا ان هذا التمييز غير دقيق ذلك انه في الحالات الثلاثة – التي قد تصلح لتمييز طوائف الجرائم - فان جريمة الكمبيوتر تستهدف معطيات اما بذاتها وبما تمثله من اموال او اصول ، ويستخدم في الجريمة كمبيوتر ليمثل في الحالات الثلاث اداة للجريمة ، فالكمبيوتر هو وسيلة الهجوم على الكمبيوتر الهدف او هو ذاته محل تخزين المعطيات المستهدفة ، او قد يكون وسيلة للوصول الى معطيات في كمبيوتر آخر يمثل الوصول اليها ارتكابا لجرم آخر يكون الكمبيوتر فيه الوسيلة . والتمييز في محل الاعتداءات أو موضوع الجريمة تبعا لدور الحاسوب، أساسه الاختلاف في تكييف طبيعة الأفعال المعتبرة جرائم الحاسوب، فاختراق أحدهم لنظام الحاسوب لأحد البنوك والتلاعب في البيانات (المجسدة لأصول أوأموال) بغرض الاستيلاء على المال، فعل لدى البعض يكيف بأنه سرقة للمال ، أي أن موضوعه المال ، في حين لدى البعض يوصف بأنه تلاعب بالبيانات ، ولدى فئة أخرى ، غش للحاسوب أو احتيال للحصول على المال. واستخدام حاسوب شخصي للتوصل مع نظام الحاسوب لأحد مراكز وبنوك المعلومات ، والاستيلاء على بيانات مخزنة فيه يكيفه البعض بأنه سرقة للمعلومات بالمعنى التقليدي للسرقة بعناصرها القائمة على فعل الأخذ أو الاختلاس ونقل الحيازة للمال المنقول المملوك للغير، طبعا سندا الى اعتبارهم أن المعلومات مال منقول ان لم يكن ماديا لدى بعضهم فله حكم المنقول المادي ، وقد يراه البعض متجردا من الصفة المادية، ومعنوي بطبيعته لكنه لا يرى في الفعل غير تكييف السرقة مع تطلب الحاق حكم المال المعنوي بالمال المادي بنص قانوني. وكذلك فيما لو كان التوصل مع الحاسوب غرضه إتلاف المعطيات أو تزويره وبراينا فان ما يراه البعض هو الجريمة بذاته فانه في الحقيقة نتيجة للفعل واثر للاعتداء المباشر على المعطيات ولو كانت في الحقيقة هدف الفاعل الرئيسي ، ويمكننا مجازا وصفها بمحل الاعتداء غير المباشر أو الثانوي أو اللاحق أو أيا كانت التسمية، لكن في كل الأحوال ليست محل الاعتداء المباشر الذي انصب عليه سلوك الفاعل ، من تغيير أو تلاعب أو نقل أو إتلاف أو استيلاء، أو غير ذلك، فمحل الاعتداء المباشر هو المعطيات ، والمعطيات فقط ، بذاتها وبما تمثله، وبمعناها الشامل.
    كما ان التمييز بين محل الاعتداء (الحاسوب كمحل للجريمة والحاسوب كوسيلة لارتكاب جرائم تقليدية) ادى – عند غياب الدقة في التوصيف او ادراك الطبيعة التقنية للسلوك – الى خلق الكثير من الاخطاء او عدم الدقة فيما يبنى على هذه التصورات وذلك راجع الى الانسياق وراء تحديد محل الاعتداء بدلالة الهدف الذي يرمي اليه الفاعل ، بل وفي بعض الأحيان انسياق خاطئ وراء الدافع أو الغرض.
    فلو قلنا ان أحد الأشخاص قام باختراق شبكة للمعلومات بتجاوز إجراءات الأمن مستخدما كلمة السر مثلا ، واستخدم النظام الذي اخترقه دون تصريح أو اذن مسبق ودون مقابل ، ولم يحدث ضررا للنظام ذاته ، ولم يستول على المعلومات السرية المخزنة داخله أو غير ذلك ، بمعنى انه استخدم النظام فقط (والمراد هنا في الحقيقة استخدام برنامجا معينا او معلومات داخل النظام لأداء احتياجات خاصة به) ، فغرض الفاعل هنا واضح ، لقد دخل النظام خلسة بغية الحصول على منفعة خاصة اتاحها له استخدام غير مشروع لمعطيات مخزنة في النظام. ولو أن شخصا آخر، قام بذات الفعل (تقنيا) واستولى على المعلومات المخزنة داخل النظام وكانت تمثل سرا متصلا مثلا بالحياة الخاصة (بيانات شخصية) فأفشاها أو اتجر بها أو ابتز بوساطتها. هل يغير هدف الفاعل محل الجريمة، ما من شك أن محل الجريمة وموضوعها في الحالتين المعطيات، في الأولى قصد الفاعل استخدامها فقط وفي الثانية استولى عليها للقيام بفعل آخر، وهو في الحالة الثانية ما يثير مسألة تعدد الأفعال وكذلك الصفة المركبة لبعض جرائم الحاسوب.
    وما من شك، انه يفترض احداث تمايز بين هذين الفعلين، لكن التمايز المطلوب ليس تغيير محل الجريمة وموضوعها، فنقول ان المحل في الأولى هو الحاسوب وفي الثانية الأسرار التي أفشاها الفاعل، أو الاعتبار الشخصي الذي مسه بفعل الابتزاز أوغير ذلك في نطاق اعتبار الحاسوب وسيلة ارتكاب الجريمة في الحالة الثانية. ومن جديد، لا بد من احداث تمايز بين هذين الفعلين، وعموما بين جرائم الحاسوب بمجموعها، ولكنه تمايز في تحديد الفعل أولا بدلالة نتيجته، وتمايز في وصفه القانوني، وتمايز في رد الفعل الاجتماعي تجاهه (العقوبة) لكنه في جميع الأحوال ليس تمايزا في تحديد محل الجريمة. وهذه مسألة هامة في صياغة النصوص الجنائية المنضبطة لتجريم الأفعال المعتبرة جرائم حاسوب.
    وأيا كانت جريمة الحاسوب المرتكبة، سنجد متوافرا فيها دائما فاعل أو مجموعة فاعلين ، وحاسوب أو مطراف حاسوبي (نهاية طرفية) بمكوناته المادية والمعنوية - تختلف (تقنيا) من فعل لآخر- ، ومعطيات اعتدى عليها باحد الأفعال الجرمية، وتمثل محل الاعتداء المباشر، استهدفها الفاعل أما لذاتها باستخدامها أو تدميرها أو تقليدها او استهدفها الفعل لما تمثله من أصل أو سر أوغير ذلك. والحاسوب وسيلة اعتداء دائما، وليس المال أو الاعتبار أو الأسرار محل الاعتداء في الجرائم التي تستهدف ما تمثله المعطيات، فالمال مثلا قد تم الاستيلاء عليه كأثر لفعل تام، اكتملت عناصر ركنه المادي وتوافر ركنه المعنوي نجم عنه استيلاء على المال.
    خلاصة ما تقدم، ان السياسة التشريعية في مجال الأفعال المعتبرة جرائم حاسوب، يفترض أن تؤسس على أن المصلحة التي يحميها القانون هي الحق في المعلومات وفق توازن يراعى كفالة تدفقها وتنظيم معالجتها واستخدامها ونقلها، وعلى أن موضوع جريمة الحاسوب ومحل الاعتداء المباشر هو المعطيات بدلالتها التقنية الشاملة، والحاسوب يلعب دور الاداة في الاعتداء ، فيستهدف معطيات بذاتها ، فيكون النظام الموجودة فيه هدفا للجريمة ، او تستهدف معطيات تمثل اموالا او اصولا لجهة الاستيلاء على الاموال فيكون وسيلة لذلك ، وتؤسس كذلك على أن ما ينشأ عن الاعتداء على المعطيات يمثل عناصر بقدر تعددها واختلافها تتعدد انماط جرائم الحاسوب في اطار نصوص التجريم الخاصة.





    4-3 التقدير القانوني للأموال المادية والأموال المعنوية واثره على تحديد محل جرائم الكمبيوتر .

    يقول الفقيه Ulrich Sieber (34)
    " تعكس نقطة الانطلاق المستحدثة للحق في المعلومات حقيقة مضمونها، ان التقدير القانوني للأموال المادية يجب أن يختلف عن نظيره بالنسبة للأموال المعنوية، ويتعلق أول مظهر للخلاف بحماية المالك أو الحائز للأموال المادية أو المعنوية، وفي حين أن الأموال المادية نظرا لطبيعتها يستأثر بها شخص محدد على نحو مطلق، فان المعلومات بالأحرى هي مال شائع، ومن ثم يجب أن تكون من حيث المبدأ حرة ولا يجب أن تحمى بالحقوق الاستئثارية والتي تقتصر على الأموال المادية، ويعد هذا المبدأ الأساس (حرية الوصول للمعلومات) شرطا جوهريا لأي نظام اقتصادي وسياسي حر، وعلاوة على ذلك، فهو في غاية الأهمية من أجل تقدم الدول التي في طريقها للتنمية. وترجع الخاصية الثانية لتقدير الأموال المادية والمعنوية، الى أن حماية المعلومات يجب أن لا ينظر اليها بوصفها تمثل مصالح الأشخاص الذين تأثروا بفحوى المعلومات، ويبرر هذا الوجه، القيود المستحدثة في نطاق حماية الحياة الخاصة في مجال تقنية المعلومات، وقد صار من الواضح اذن، أنه يستحيل تقليل القوانين التشريعية الخاصة بتقنية المعلومات قياسا على النصوص الخاصة بالأموال المادية، ولكن يجب زيادة الأسس الخاصة بها".
    واذا كانت أفكار الفقيه Ulrich المتقدمة، مما يتصل بأسس السياسة التشريعية في نطاق الحماية الجنائية للمعلومات المفترض تأسيسها على حماية الحق في الملعومات، بمراعاة حرية انسيابها وتدفقها واستخدامها من جهة، والحماية الجنائية لمواجهة أنشطة الاعتداء على المعلومات. فانها في الوقت ذاته تعطي انطباعا واضحا عن وجوب مغايرة الرؤى لآليات حماية المعطيات من آليات حماية الأموال المادية المنطلقة أساسا من الاعتراف بطبيعتها الخاصة، ومراعاة ماهيتها وخصائصها وخصائص الجرائم الواقعة عليها.
    ان ما يثيره تحديد الطبيعة القانونية للمعلومات من مشاكل أساسية في تحديد موضوع الجريمة من جهة ، وفي مسألة تطبيق نصوص القوانين الجنائية عليها من جهة أخرى (35) ، تتصل بشكل رئيس بمسألة المسؤولية الجنائية عن هذه الأفعال ، فالمعلومات أو كما يسميها البعض المال المعنوي اثارت وتثير مشكلة امكان انطباق النص القانوني الجزائي عليها كما هو شان انطباقه على الاموال المادية ، ومصدر المشكلة واساس الجدل الطبيعة المعنوية للمعلومات ونعني هنا المعطيات المجردة من وسائطها المادية التي هي مجرد نبضات في فضاء تخيلي وليس ذات كيان مادي يشغل حيزا في الوجود او الحقيقة الملموسة ، أي ان أساس الجدل هو قابلية النص الجنائي الذي يحمي الأشياء المادية للانطباق على المعطيات ذات الطبيعة المعنوية".(36)
    واذا كان الجدل والنقاش أساسه مدى امكان انطباق نصوص القوانين الجنائية التقليدية على الجرائم التي تستهدف الاعتداء على معطيات الحاسوب أوالمعلومات، الذي خلق مواقف فقهية ترفض ذلك أو تؤيده أو ترى عدم كفايته من جهة وامكان تحققه من نواح أخرى، فان هذا الجدل - الذي سنتبينه تفصيلا لدى تحليلنا لانماط جرائم الحاسوب - والذي امتد الى القضاء وحتى جهات التشريع ، لم يكن بمقدوره اضعاف القناعة السائدة لدى العموم بشان الطبيعة الخاصة لموضوع جرائم الحاسوب - المعطيات، بالطبيعة المعنوية للمعلومات والمعطيات التي لم تكن فيما سبق محلا للحماية الجنائية أو مثارا لتشييد نظريات تتفق وطبيعتها (37).
    ان هاتين الحقيقتان، الطبيعة المادية للحقوق المالية التي يحميها القانون الجنائي، والطبيعة المعنوية لمعطيات الحاسوب، خلقتا اتجاهات متباينة في تحديد الطبيعة القانونية للمعلومات (معطيات الحاسوب)، فظهر اتجاه فقهي - الفقه الفرنسي تحديدا- "يعتبر المعلومات أموالا ذات طبيعة خاصة انطلاقا من ان غياب الكيان المادي للمعلومات لا يجعلها محلا لحق مالي من نوع الحقوق المتعارف عليها في الفقه والتي ترد على كيانات مادية، وان جاز اعتبارها محلا لحق ملكية ادبية أو فنية أو صناعية، وبالتالي فان المعلومات التي لا تكون متصلة بالنواحي الأدبية والفنية والصناعية أو التي تتأبى بطبيعتها عن أن تكون محلا لمثل هذه الحقوق، يلزم بالضرورة استبعادهما من طائفة الأموال، وليس من مقتضى هذا الاستبعاد - كما يستطرد في هذا المقام د. عبد العظيم وزير - ان تظل هذه المعلومات عارية عن أية حماية اذا ما جرى الاستيلاء عليها أو استخدامها استخداما غير مشروع، فمثل هذا الفعل يعد (خطأ) يحرك مسؤولية فاعله، والسائد لدى جانب من الفقه الفرنسي ان هذه المسؤولية تتحرك وفق قواعد المسئولية المدنية المستندة الى نص المادة /1382 من القانون المدني الفرنسي، وبالاعتراف بالخطأ تكون المحكمة قد اعترفت بوجود الحق وهو "الحق في المعلومات" مما مؤداه أن يكون للمعلومات طبيعة خاصـــــة تسمـــــح بأن يكـــون الحق الوارد عليها من نوع الملكية العلمية" (38).
    أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الفقهي الأكثر ارتباطا بالمشكلات المتفرعة عن الاستخدام الحديث للمعلومات ونظمها وبرامجها في اطار التقنية الحديثة، فقد اتجه هذا الفريق من الفقهاء الى بسط وصف "المال" على "المعلومات" في ذاتها مجردة عن دعامتها المادية نظرا لقابليتها للحيازة والتملك لكن كل الجدل دفع الى الوصل يوما بعد يوم الى حقيقة مفادها انه وفيما يتعلق بالمعلومات ونظمها وسبل معالجتها آليا، فان الأمر لا ينبغي أن يترك للتفسير الفقهي والقضائي من أجل بسط النصوص القائمة على الاستيلاء على المعلومات على نحو ما فعل الفقه والقضاء في فرنسا، وقد شقي في ذلك فالأيسر والأصوب ان يلتفت المشرع الى هذه المشكلة بتشريع خاص ينص على تجريم صور العدوان المتصورة على المعلومات ونظمها وبرامجها وسبل معالجتها، فهذه الصور تشمل الكثير مما ينبغي التصدي له بتجريم وبعقاب يتناسب مع الأضرار المتوقعة من صور العدوان المختلفة هذه، والتي يواصل التقدم العلمي الكشف عنها يوما بعد يوم.
    مما تقدم - والذي نؤكد مرة أخرى على تناوله تفصيلا لدى التعرض لصور جرائم الكمبيوتر، يظهر تميز جريمة الحاسوب بمحل الاعتداء أو موضوعها، من حيث طبيعته المعنوية، وغيابه عن ميدان قواعد وأحكام ونظريات القانون الجنائي التقليدي المؤسسة على حماية الحقوق ذات الطبيعة المادية (فيما يتصل بالمال) بذاتها أو بدعامتها، وبتميز الآثار القانونية الناشئة عن هذه الطبيعة وتميزها في ركائز وأسس السياسة التشريعية المناط بها خلق آليات فاعلة للحماية الجنائية لموضوع الجريمة - معطيات الحاسوب
    منقول

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 4:06 pm