لم
يعد يفصلنا عن انتخابات مجلس الشعب القادمة (في سبتمبر القادم) سوى أشهر
قليلة.. الانتخابات البرلمانية الأولى في جمهورية مصر الثانية، بعد جمهورية
ثورة 1952، الانتخابات البرلمانية التي ستفرز أعضاء مجلس يكون مهمته صياغة
أول دستور حُر لوطن أكثر حرية، سيكون مهمته تعليم الرئيس الجديد معنى أن
يكون في ا...لبلاد برلمان من حديد، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولو أقيمت له الولائم.
ولكن
وقبل الدخول في صلب الموضوع؛ يجب علينا أولاً إدراك أن مرشح البرلمان في
أي دولة من دول العالم يكون عادة إما مرشحًا فرديًّا مستقلاً أو مرشحا عن
حزب من الأحزاب السياسية المتنافسة في البلاد. وفي بعض الدول الأخرى لا يتم
العمل بنظام المرشح المستقل، ويكون الانتماء إلى أحد الأحزاب السياسية
شرطًا للترشح في البرلمان.
وحتى يكون البرلمان الجديد بالشكل الذي نريد،
وحتى يكون بالفعل قلعة للدفاع عن حقوق وحريات المظلومين، والملاذ الأخير
للوطن؛ يجب أن نفهم كيف نختار ممثلينا في البرلمان، وما معنى أن يكون
المرشح مستقلا أو حزبيًّا ، وما هي مميزات وعيوب كل اختيار.. وبعدها في
اختياركم أنتم أحرار.
هل المرشح المستقل شخص منحل؟
كثير من
قرائنا الأعزاء ربما هم على وعي ودراية كبيريْن بهذا النوع من الانتخاب،
حيث يحصل مرشح البرلمان على لقب مرشح مستقل؛ أي أنه مستقل فكريًّا، لا
ينتمي إلى حزب أو جماعة ما، هو يعبر عن آرائه وأفكاره هو. وأنا عندما أوافق
على اختياره كممثل عني في البرلمان يكون ذلك بناءً على السياسات التي
ينتوي تطبيقها، والتي لا بد وأن أكون على علم بها قبل أن أتخذ قراري
بالتصويت له.
وعندما ينجح المرشح المستقل في دخول البرلمان فهو مستقل
سياسيًّا عن أي تيار أوفصيل، فلا يلتزم بمواقفهم ولا آرائهم، فلو ارتأى
ممثلو كل الأحزاب والتيارات السياسية تحت قبة البرلمان مقاطعة مناقشة قانون
دور العبادة الموحد -على سبيل المثال- وارتأى هو العكس؛ فلا يلتزم بموقفهم
بل يلتزم بآرائه وقناعاته وما يرى فيه الصالح.
إحدى المميزات الأساسية
لهذا النوع من المرشحين أنهم لا يعبأون كثيرًا بالتوازنات السياسية، ولا
التحالفات التي أحيانا ما قد تدخل فيها الأحزاب؛ فمن الممكن للأحزاب أن
تتراجع عن مهاجمة الحكومة في موقف من المواقف تحقيقا لمكسب سياسي ما،
وتلتزم جميعها بهذا الموقف، بينما المرشح المستقل يرى في ذلك إعلاءً
للمصالح الخاصة على المصالح العليا للشعب؛ فيقدم هو الاستجوابات وطلبات
الإحاطة ضد الحكومة غير عابئ بمواقف أعضاء باقي الأحزاب داخل البرلمان.
ولكن
يعيب هذا النوع من المرشحين أن بعضهم ربما ليس لديه إطار فكري واضح ولا
مخطط معلن للنهضة بالبلاد، أو على الأقل للنهضة بالدائرة الانتخابية التي
يترشح عنها، وبالتالي يكون كل تركيزه بالأساس على كيفية شراء أصوات
الناخبين بالرشاوى والمجاملات والخدمات و"الوسايط". وكثير ممن يوافقون على
اختيار هذه النوعية من المرشحين لا يهتم بدور وخطط وأفكار المرشح بقدر ما
يهتم بالمقدار الذي سيدفعه في سبيل شراء صوته، وبالتالي فعندما يدخل
البرلمان لا يهتم بخدمة الدائرة ولا الوطن بل بخدمة مصالحه فحسب، لأنه يعرف
جيدًا أن من اختاره قد اختاره لأنه دفع ثمن هذا الاختيار، وبالتالي لن
يهتم برد الجميل؛ لأنه دفع ثمن هذا الجميل مسبقًا.
أحد عيوب اختيار
المرشح المستقل أن كثيرًا من هؤلاء المرشحين يكون اختياره على أساس
القبليات والعصبيات، وتنتشر هذه الآفة بشكل أكبر في صعيد مصر، حيث تعمد كل
عائلة إلى ترشيح ابنها في الانتخابات لمنافسة مرشح العائلة الأخرى، ويتم
حشد وتعبئة أعضاء كل أسرة خلف مرشحها؛ وبالتالي يتحول الأمر إلى منافسة في
صالح القبليات والعصبيات وليس في صالح المجتمع، ويُجبَر الناخب على اختيار
مرشح أسرته حتى لو لم يرَ فيه الشخص المناسب القادر على الدفاع عن مصالحه
بالبرلمان.
"مرشح حزبي" الله ونعم الوكيل
أما هذا النوع من المرشحين؛
فيقدم نفسه للناخبين على أنه ممثل للحزب الفلاني، أي أنه يعبر عن الإطار
الفكري والرؤية الخاصة بهذا الحزب، وبالتالي فمرشح الحزب لا يعبر عن أفكاره
ولا سياساته ولا آرائه الخاصة، بل عن آراء وسياسات الحزب الذي يُفترض أنه
مقتنع بها سلفًا، ولهذا قبِلَ أن يخوض الانتخابات تحت مظلة هذا الحزب.
وبشكل
أبسط؛ لو كان حزب الوفد مثلاً يرى أن السبيل الوحيد لتحقيق نهضة البلاد عن
طريق الاهتمام بالتعليم وإزالة الاحتقانات الطائفية؛ فيكون مرشح الحزب في
الدائرة الفلانية ينوي الدفاع عن حقوق المواطنة، وتطوير التعليم المدارس
داخل هذه الدائرة، وإن كان هذا لا يمنع قيامه بخدمات أخرى للدائرة، ولكن
يكون الاهتمام الأكبر بهذا الاتجاه.
مشكلة هذا النوع من المرشحين أنهم
يعبّرون عن أحزاب بعضها لا أرضية له في الشارع المصري، فضلاً عن أن ثقافة
التحزّب في مصر بصفة عامة بعضها غير فاعل منذ حلّ الأحزاب عقب ثورة 1952،
كما أن كثيرًا من المواطنين لا يثقون في برامج هذه الأحزاب، وإن وثقوا في
مواقف حزبٍ مّا فهم لا يعرفون برامجه ولا يعرفون أفكاره، أي أن العائق
الأكبر في هذا المضمار يتركز بالأساس في غياب ثقافة اختيار المرشح بناءً
على أفكاره الحزبية.
يعد يفصلنا عن انتخابات مجلس الشعب القادمة (في سبتمبر القادم) سوى أشهر
قليلة.. الانتخابات البرلمانية الأولى في جمهورية مصر الثانية، بعد جمهورية
ثورة 1952، الانتخابات البرلمانية التي ستفرز أعضاء مجلس يكون مهمته صياغة
أول دستور حُر لوطن أكثر حرية، سيكون مهمته تعليم الرئيس الجديد معنى أن
يكون في ا...لبلاد برلمان من حديد، لا يخشى في الحق لومة لائم، ولو أقيمت له الولائم.
ولكن
وقبل الدخول في صلب الموضوع؛ يجب علينا أولاً إدراك أن مرشح البرلمان في
أي دولة من دول العالم يكون عادة إما مرشحًا فرديًّا مستقلاً أو مرشحا عن
حزب من الأحزاب السياسية المتنافسة في البلاد. وفي بعض الدول الأخرى لا يتم
العمل بنظام المرشح المستقل، ويكون الانتماء إلى أحد الأحزاب السياسية
شرطًا للترشح في البرلمان.
وحتى يكون البرلمان الجديد بالشكل الذي نريد،
وحتى يكون بالفعل قلعة للدفاع عن حقوق وحريات المظلومين، والملاذ الأخير
للوطن؛ يجب أن نفهم كيف نختار ممثلينا في البرلمان، وما معنى أن يكون
المرشح مستقلا أو حزبيًّا ، وما هي مميزات وعيوب كل اختيار.. وبعدها في
اختياركم أنتم أحرار.
هل المرشح المستقل شخص منحل؟
كثير من
قرائنا الأعزاء ربما هم على وعي ودراية كبيريْن بهذا النوع من الانتخاب،
حيث يحصل مرشح البرلمان على لقب مرشح مستقل؛ أي أنه مستقل فكريًّا، لا
ينتمي إلى حزب أو جماعة ما، هو يعبر عن آرائه وأفكاره هو. وأنا عندما أوافق
على اختياره كممثل عني في البرلمان يكون ذلك بناءً على السياسات التي
ينتوي تطبيقها، والتي لا بد وأن أكون على علم بها قبل أن أتخذ قراري
بالتصويت له.
وعندما ينجح المرشح المستقل في دخول البرلمان فهو مستقل
سياسيًّا عن أي تيار أوفصيل، فلا يلتزم بمواقفهم ولا آرائهم، فلو ارتأى
ممثلو كل الأحزاب والتيارات السياسية تحت قبة البرلمان مقاطعة مناقشة قانون
دور العبادة الموحد -على سبيل المثال- وارتأى هو العكس؛ فلا يلتزم بموقفهم
بل يلتزم بآرائه وقناعاته وما يرى فيه الصالح.
إحدى المميزات الأساسية
لهذا النوع من المرشحين أنهم لا يعبأون كثيرًا بالتوازنات السياسية، ولا
التحالفات التي أحيانا ما قد تدخل فيها الأحزاب؛ فمن الممكن للأحزاب أن
تتراجع عن مهاجمة الحكومة في موقف من المواقف تحقيقا لمكسب سياسي ما،
وتلتزم جميعها بهذا الموقف، بينما المرشح المستقل يرى في ذلك إعلاءً
للمصالح الخاصة على المصالح العليا للشعب؛ فيقدم هو الاستجوابات وطلبات
الإحاطة ضد الحكومة غير عابئ بمواقف أعضاء باقي الأحزاب داخل البرلمان.
ولكن
يعيب هذا النوع من المرشحين أن بعضهم ربما ليس لديه إطار فكري واضح ولا
مخطط معلن للنهضة بالبلاد، أو على الأقل للنهضة بالدائرة الانتخابية التي
يترشح عنها، وبالتالي يكون كل تركيزه بالأساس على كيفية شراء أصوات
الناخبين بالرشاوى والمجاملات والخدمات و"الوسايط". وكثير ممن يوافقون على
اختيار هذه النوعية من المرشحين لا يهتم بدور وخطط وأفكار المرشح بقدر ما
يهتم بالمقدار الذي سيدفعه في سبيل شراء صوته، وبالتالي فعندما يدخل
البرلمان لا يهتم بخدمة الدائرة ولا الوطن بل بخدمة مصالحه فحسب، لأنه يعرف
جيدًا أن من اختاره قد اختاره لأنه دفع ثمن هذا الاختيار، وبالتالي لن
يهتم برد الجميل؛ لأنه دفع ثمن هذا الجميل مسبقًا.
أحد عيوب اختيار
المرشح المستقل أن كثيرًا من هؤلاء المرشحين يكون اختياره على أساس
القبليات والعصبيات، وتنتشر هذه الآفة بشكل أكبر في صعيد مصر، حيث تعمد كل
عائلة إلى ترشيح ابنها في الانتخابات لمنافسة مرشح العائلة الأخرى، ويتم
حشد وتعبئة أعضاء كل أسرة خلف مرشحها؛ وبالتالي يتحول الأمر إلى منافسة في
صالح القبليات والعصبيات وليس في صالح المجتمع، ويُجبَر الناخب على اختيار
مرشح أسرته حتى لو لم يرَ فيه الشخص المناسب القادر على الدفاع عن مصالحه
بالبرلمان.
"مرشح حزبي" الله ونعم الوكيل
أما هذا النوع من المرشحين؛
فيقدم نفسه للناخبين على أنه ممثل للحزب الفلاني، أي أنه يعبر عن الإطار
الفكري والرؤية الخاصة بهذا الحزب، وبالتالي فمرشح الحزب لا يعبر عن أفكاره
ولا سياساته ولا آرائه الخاصة، بل عن آراء وسياسات الحزب الذي يُفترض أنه
مقتنع بها سلفًا، ولهذا قبِلَ أن يخوض الانتخابات تحت مظلة هذا الحزب.
وبشكل
أبسط؛ لو كان حزب الوفد مثلاً يرى أن السبيل الوحيد لتحقيق نهضة البلاد عن
طريق الاهتمام بالتعليم وإزالة الاحتقانات الطائفية؛ فيكون مرشح الحزب في
الدائرة الفلانية ينوي الدفاع عن حقوق المواطنة، وتطوير التعليم المدارس
داخل هذه الدائرة، وإن كان هذا لا يمنع قيامه بخدمات أخرى للدائرة، ولكن
يكون الاهتمام الأكبر بهذا الاتجاه.
مشكلة هذا النوع من المرشحين أنهم
يعبّرون عن أحزاب بعضها لا أرضية له في الشارع المصري، فضلاً عن أن ثقافة
التحزّب في مصر بصفة عامة بعضها غير فاعل منذ حلّ الأحزاب عقب ثورة 1952،
كما أن كثيرًا من المواطنين لا يثقون في برامج هذه الأحزاب، وإن وثقوا في
مواقف حزبٍ مّا فهم لا يعرفون برامجه ولا يعرفون أفكاره، أي أن العائق
الأكبر في هذا المضمار يتركز بالأساس في غياب ثقافة اختيار المرشح بناءً
على أفكاره الحزبية.