كانت الرحلة المقدّسة تبدأ بطالب جامعي يكتب تقريراً لضابط أمن الدولة في زميله أو أستاذه، وعندما
يتخرج يتم تعيينه معيداً وبعدين يسفّروه بعثة، ولما يرجع يبقى دكتور ثم
عميد ثم رئيس جامعة؛ ليصبح ميّتا في شكل حي! وفى الآخر يُعيّن وزيرا يتشدق
بشعارات الشفافية والنزاهة والمهنية، أو رجل أعمال ضلّ طريقه إلى مجلس
الوزراء لا يشعر بمعاناة الشعب ومأساته.
فهل هذه
المعايير والمواصفات تصلح لعصر ما بعد 25 يناير؟ ولماذا نعيِّن وزيرًا ثم
نفكر في تغييره بعد فترة وجيزة? صحيح أن التغيير مطلوب، لكن أن يكون بهذه
السرعة فهو أمر يدعو إلى البحث والتقصي بشأن معايير اختيار الوزراء في مصر، خاصة ونحن على مشارف بداية مرحلة جديدة وخطيرة.
إن
منصب الوزير ليس من المناصب التي يجري عليها مبدأ المحاولة والخطأ أو
التجريب، وإنما هو صورة واقعية لتحليل السيرة الذاتية والمواصفات الشخصية
بطريقة علمية، إن اختيار الوزراء في العالم كله يتوقف على وعي الوزير
السياسي، فلا بد لأي وزير أن يكون رجلاً سياسياً في المقام الأول، فلو تم
اختيار وزير مهني كأساتذة الجامعات فلا بد أن تكون له ممارسات سياسية،
فالإضرابات والاعتصامات والمظاهرات زادت في الآونة الأخيرة؛ بسبب غياب
الوزراء السياسيين، ثم الخبرة في مجال العمل، ولن ينجح هذا المعيار دون
عامل النزاهة في العمل والحسم في الإدارة؛ فالضعف وعدم الشفافية كفيلان بأن
تحرف المسار الصحيح الذي يستهدفه الاختصاص والخبرة.
فالذي
يريد أن يتقلد أصغر الوظائف وأقلّها قيمة يتم عادة تتبع سيرته الوظيفية
السابقة، ثم تجرى له عدة امتحانات ومقابلات شخصية زيادة في الحرص والتأكد،
وما إن يتم اختياره حتى تنظم له عدة دورات تدريبية تؤهله لأداء أفضل في
عمله، لذا فما الذي يمنع أن نقوم بالجهد نفسه عند
اختيار الوزراء، وهي من الوظائف المهمة التي إن صلحت صلح حال الدولة، بدلا
من الترشيح السريع الذي يتم عادة إبان شرب الشاي بالياسمين؟
وفيما يلي بعض المعايير التي تستند عليها الدول المحترمة في اختياراتها الوزارية:
- الكفاءة أي المهنية في أعلى مستوياتها، فالوزير يجب أن يكون متخصصاً، ومشهوداً له بالكفاءة من الجميع في مجال تخصصه.
- أن يكون وطنيا، بمعنى أن يكون متمتعا بالولاء والانتماء لبلده، ليست لديه أية توجهات تُحسب عليه، وتضعه في فئة ضد فئة.
- أن يكون متمرّساً في العمل العام، أي لديه رصيد عند المواطنين، قدّم خدمات وعلى استعداد لأن يقدّم خدمات من دون انتظار لعائد من أحد.
-
أن يكون ذا حس سياسي، فالوزير الكفء في عمله المفتقد للحس السياسي سيصطدم
حتماً مع المجتمع، خصوصاً وأنه واجهة بلده في الملتقيات السياسية الدولية.
- أن يتمتع بقدر عال من المهارات الاجتماعية، وأساليب التعامل مع الآخرين، قادر على كسب ثقة تابعيه ومرؤوسيه.
- أن يتمتع كذلك بخصال شخصية راقية، فلا هو قلق ولا مكتئب ولا عصبي، قادر على اتخاذ قرارات حاسمة في الأوقات التي تتطلب ذلك.
-
ألا يكون محسوباً على حزب سياسي؛ حتى لا يجور على الآخرين انطلاقاً من
انتماءاته الحزبية التي تفسد عمله، وتقلل من قدرته على التفاعل مع الآخرين.
- أن يكون واسع الثقافة والاطّلاع، باعتباره واجهة للبلد والمتحدث الرسمي عن أبنائها.
- أن يكون مرنا، بعيداً كل البعد عن التصلب والبيروقراطية والجمود الوظيفي.
- أن يكون قوي الشخصية، ولديه قدرة فائقة على حل المشكلات واتخاذ القرار.
- أن يتمتع بالمثابرة، والصبر، والحِلم، حتى يتمكن من حل المشكلات التي تواجه مؤسساته، وما يخص وزارته.
- أن يكون تكنوقراطيا، بمعنى أن يكون ملمّا بمهام وزارته، وله سابق خبرة ودراية في العمل فيها.
- أن يتمتع بالوقار والهيبة؛ حتى يكون قائداً ناجحا.
- أن تكون لديه قدرة على التواصل الجيد ولديه القدرة على الخطابة.
-
وأخيرا يجيد اختيار معاونيه على أسس الكفاءة والخبرة وليس الولاء الشخصي.
فيجب أن نضع الشخص المناسب في المكان المناسب، مع التخلص الفوري من وزراء
الصدفة، والذين يذكرونني بفيلم أحمد زكي "معالي الوزير"، فليس كل من حمل
قلما كتب! ولا كل من كتب أبدع! ولا كل من وضع يده على خده فكّر! ولا كل من
جحظ عينه رأى! هل يمكن أن يتحدث البذيء عن مكارم الأخلاق؟! هل يمكن أن يتحدث "التنبل" عن عصر الذكاء؟! هل يمكن أن يتحدث العبد عن معنى
الحرية؟! هذا بعض من كل الصفات والخصال التي يجب أن يتمتع بها الوزير
الناجح، وهي خصال لازمة لنضمن النجاح لوزاراتنا ومؤسساتنا؛ فتكون
الديمقراطية سبيلاً للبقاء والارتقاء وليس للفوضى والصوت العالي، وفقنا
الله وإياكم لما فيه خير وطننا العزيز.
فكره ورؤيه : رمضان الغندور