فى إعتقادى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أعلن وبمنتهى الوضوح والصراحة
إنهم لا يسعون للسلطة ولكن ما آلت إليه البلاد هو الذى فرض أن يتولى
المجلس الأعلى للقوات المسلحة تسيير أمور الأمور . لحين الإنتهاء من
التعديلات الدستورية خلال عشرة أيام محددة على أن يلى هذا السير فى باقى
الإجراءات وصولاً للإنتخابات الرئاسية . ومع الرئيس القادم تبدأ مرحلة
استحداث الدستور الجديد للبلاد . وهنا أشير لما سبق أن أشرت إليه من قبل
اللجنة المنوطة بالتعديلات الدستورية سيقتصر عملها على مواد ست , كان
الرئيس ـ السابق ـ قد إستعرضها فى بيانه الأخير الذى وجهه عشية تخليه عن
المنصب .
قبل أن أخوض فى كتابى اليوم , أطالب بالكف فوراً عن نشر أى إتهامات لأى شخص
مالم يكن هناك دليل قاطع مؤيد بمستندات , لأننى أرفض الإنزلاق فى نفق
تصفية الحسابات , خاصةً وأن كثيرين من الذين يكتبون أو يتحدثون اليوم
تناسوا تماماً ما كانوا يكتبون أو يقولون , وتلك سمة يجب أن نتخلص منها
وفوراً, خاصةً إذا ما كان الأمر يتعلق بتوجيه إتهام دونما سند حقيقى . ويجب
أن يختفى من قاموس التعامل عبارات ( أفاد مصدر مسئول ) ( علمنا من مصدر
مطلع ) ( تفيد مصادرنا ) إلى آخر تلك العبارات المطاطة .
أؤكد إننى لا أدافع عن أحد من أى الذين طالتهم الإتهامات , إلا إننى عانيت
شخصياً كثيراً من (الإتهامات) التى لا سند لها إلا تصفية الحسابات ,
وصدقونى ما اصعب أن تكون بريئاً ولا تملك أن تثبت صحة موقفك . من هنا يأتى
موقفى هذا , وأؤكد أننى أقبل أن يفلت متهماً من العقاب على أن يظلم برىء ,
الظلم جريمة , والله تعالى يقتص من الظالم أياً كان , وقصاص الله كبير
والنماذج حولنا كثيرة .
الموضوع الذى أتناوله اليوم يتعلق بالتصنيفات وما أكثرها , كنا عبر السنوات
الماضية مصنفين ما بين الحرس القديم والفكر الجديد , وإذا بنا اليوم نتحول
إلى (ما بعد الثورة) و(قبل الثورة) وبالطبع هناك الثوريين !! هنا الكارثة
التى احذر منها , ما حدث فى مصر يا سادة وإن كانت بدايته (كلنا خالد سعيد)
إلا أن ميدان التحرير كان لجميع المصريين , وأكرر (جميع المصريين) فإن كان
هناك حقوق فهى لجميع المصريين .
لا أود أن ننساق لما سبق أن انسقنا إليه عندما إحتكرت فئة قليلة لا تتعدى
(الشلة) من أصحاب الفكر الجديد كافة أوجه الحياة فى مصر المحروسة , وأصبح
كل من لا يختار ضمن قائمة حوارييى الفكر الجديدأشبه بأولئك الذين يشبهون
بخيل الحكومة !!
ترى ما الموقف من أولئك الذين كانوا ينادون بالإصلاح ويتصدون للمفاهيم
السائدة , ويعارضون الفكر الجديد وقياداته التى اعتلت المنصات ؟ فى إعتقادى
أن هؤلاء كانوا بمثابة القابضين على الجمر . إذا ما قورنوا باولئك الذين
يتحدثون عن الإصلاح فى توقيت كانت الساحة فيه مهيأة تماماً للمطالبة بذلك .
هذه الكلمات أردت أن أضع بها بعضاً من النقاط فوق الحروف كى لا تختلط
الأوراق , ونجد بعضاً من الذين تواجدوا فى ميدان التحرير يتحدثون فى كل
شىء تماماً كما كان يفعل أولى الأمر من أصحاب الفكر الجديد مع إختلاف
الرؤى . هذا الذى آراه ارفضه رفضاً باتاً شكلاً وموضوعاً .
نحن مطالبون اليوم أن ننحاز للكفاءات وفقط , وأرفض تماماً ألا نبقى على
إختيار وزير لمجرد إنه شارك فى العمل ما قبل 25 يناير !! هل هذا منطق
الأمور الذى يحكمنا اليوم فى الإختيارات ؟ هذا منطق مرفوض , تماماً كمنطوق
رسالة إستبعاد رجال الأعمال , تلك رسالة لها آثارها السيئة فى الخارج , رغم
إننى كنت ولازلت وسأظل رافضاً لتزاوج السلطة ورأس المال , لأن هذا التزاوج
معناه الوحيد (الفساد) , إلا إننا فى حاجة لرجال الأعمال والمستثمرين
الشرفاء , لمزيد من فرص التشغيل .
إننى كنت ولازلت وسأظل أطالب بتغيير بعضاً من السياسات القائمة , ولابد من
تفعيل دور الدولة , بعد أن طمسناه إرضاءاً لحواريى إجماع واشنطن , تفعيل
دور الدولة يعنى زيادة الإستثمارات الحكومية خاصةً فى تلك المرحلة
الإستثنائية , إحياء دور الدولة يعنى ويقتضى إعادة النظر فى بعض التشريعات
السائدة وفى مقدمتها قانون الضرائب على الدخل , ولابد من تعديله بحيث
تكون هناك ضرائب تصاعدية , وأليس هذا سائداً فى الولايات المتحدة الأمريكية
وغيرها من الدول التى كان يحج إليها أصحاب الفكر الجديد , ولابد أن تخضع
تعاملات البورصة للضرائب , وعلى الجانب الأخر لابد من غض النظر عن بعض
التشريعات التى كانت مقترحة وفى مقدمتها (شركات الرعاية الطبية) ,
وكل ما يتعلق بحقوق المواطن التى يكفلها الدستور لابد أن تكون خاضعة لولاية
الدولة , لأن القطاع الخاص المصرى حتى هذه اللحظة يصعب أن يناط به مثل هذه
المهام.
الأمر الذى آراه واجباً فى المرحلة القادمة أن يكون هناك تعليماً جيداً
وفقاً للمعايير العالمية المتعارف عليها , لأن مصر لن ترتقى إلا من خلال
التعليم , وهو يقتضى أن نختار وزراء ذووى قدرات خاصة يتفرغون للعملية
التعليمية ولا يغوصون فى المشاكل الى يستحدثونها يومياً !!
أطالب ضمن ما أطالب أن تكون هناك عدالة فى توزيع عائد النمو لنحقق تنمية
قائمة على العدالة الإجتماعية , وفى إعتقادى أنه قد آن الأوان أن نعيد
النظر فى الحدين الأدنى والأقصى للأجور , لأنه من غير المقبول أن يكون هناك
قطاعات كثيرة تسعى لتدبير إحتياجاتها بالكاد وهناك أشخاصاً يتقاضون رواتب
تتجاوز المليون جنيه شهرياً , وأولئك أصبحوا كثرة فى مجتمعنا .
عجز الموازنة ـ أيضاً ـ لابد له من مخرج , إذ لا يمكن أن يستمر هذا العجز
الذى نعلق عليه فشلنا , وهنا أطالب من كل صاحب رأى أن يدلى بدلوه فى هذا
الموضوع , وفى إعتقادى , بل وأؤكد أن كثيرين يملكون حلولاً , وأثق أن
وزير المالية الحالى يختلف تماماً عن سبقه , على الأقل ـ حتى الأن ـ
التصرفات والإجراءات الحالية تشير للإختلاف فى السياسات .
أمامنا أجندة طويلة لابد أن ننجزها ولابد أن نغتنم الفرصة , لأنها قد
لا تتكرر على الأقل فى حياتنا , وبالتالى نحن مطالبون أن نستفيد من كل
التجارب, وليتنا نتعرف على ما فعله (مهاتير محمد) تحديداً , عندما إعتلى
سدرة البلاد , كيف تصرف مع الفساد والمفسدين . وكيف وصلت ماليزيا إلى ما
وصلت إليه .
اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد