اتفاقيات التعاون القانوني و القضائي في تسليم المجرمين
مقدمــــــــة
يمثّل التعاون الدولي- بهذا المعنى - أحد جانبي العلاقات الدولية حيث يقابله في الجانـب الآخر "الصراع الدولي ", فالمتأمل في التاريخ يرى أنّ النظام العالمي يعيش منذ ظهوره حالة من التأرجح, والتعاون الدولي في مكافحة الجريمة يمثل أحد صور التعاون الدولي بمفهومه الشامل السابق الإشارة إليه, وقد اختلفت صوره عبر الزمان, كما اختلفت أشكاله وأساليبه وآلياته, وكذا اتساع مجالاته وطموحاته فنتيجة لتطور الجريمة ومناهج الإجرام كانعكاس للتطوّر الحضاري والتكنولوجي لاسيما في مجال المواصلات والاتصالات والمعلومات, كان من الضروري أن تتطوّر خطط ومناهج التصدي لها.
وقد يكون التعاون القضائي الدولي من أسمى مظاهر التعاون الدولي في مكافحة الجريمة , إذ يوفّق بين استقلال كل دولة في ممارسة اختصاصها الجزائي على حدود إقليمها , وبين ضرورة ممارسة حقها في العقاب , وبدون هذا التعاون , فلا يمكن للدولة أن تمارسه, ولعلّ أنّ هذا التعاون قد أدّت إلى ظهوره الأسباب التالية :
أولا : تقيّد سلطات الدولة بحدود إقليمها, إذ لا يمكن أن تسري قوانينها العقابية أو مباشرة الإجراءات خارج حدود الإقليم الوطني للدولة لأن ذلك سيمس بسيادة الدولة الأجنبية.
ثانيا : تلازم حق الدولة في العقاب ومجال الدعوى العمومية تطبيقا لتشريعاتها الجزائية.
وهكذا فإنّ التعاون الدولي قد انحصر في التخلص من مشكلة الحدود الإقليمية بين الدول, التي تحول دون قدرتها على محاكمة الجاني طبقا لقانونها أو تنفيذ العقوبة عليه. وقد كان نظام تسليم المجرمين أفضل وسيلة لتحقيق ذلك , فراحت الدول إلى إصدار تشريعات داخلية لتنظيمه أو الارتباط بمعاهدات ثنائية أو جماعية فيما بينها.
قبل التطرق إلى تبرير خطة البحث فإنه ينبغي طرح الإشكالية التالية :
1- هل نظام تسليم المجرمين بجميع خصائصه وإجراءاته كفيل بأن يوازن بين التنازع القائم بين سيادة الدول واختصاصها القضائي؟ والذي يمكن أن نستخلص منه طرح الإشكاليات الجزئية التالية :
أ- ما هي مبررات إقرار نظام تسليم المجرمين على الصعيد الدولي ؟ هل يعود ذلك لاستفحال ظاهرة الإجرام والإفلات من العقاب ؟ أم لمتطلبات التكامل الدولي في جميع الميادين مما اقتضى تعميمه ليشمل الميدان القضائي؟
ب- وما مدى إلزامية التسليم بالنسبة للدول وما هي شروطه العامة وإجراءاته ؟
ج-هل لإجراءات التسليم طابع موّحد تتفق على نهجه جميع الدول ؟
د- وما هي الآثار المترتبة عن حدوث التسليم ؟
وقد أتبعنا في بحثنا هذا منهج التحليل المقارن, إذ أخذنا قواعد التسليم الواردة في الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر والتشريعات الداخلية التي تأخذ في التفسير والمقارنة بإحدى المدارس والمذاهب والاتجاهات التي بينت بشكل أو بآخر القواعد العامة والمبادئ الأساسية للتسليم.
ولذا ارتأينا إلى تقسيم خطتنا في البحث على النحو التالي :
كفصل أول نتناول فيه مفهوم تسليم المجرمين على ضوء الاتفاقيات الدولية من تعريف للتسليم و طبيعته وأساسه والاتفاقيات الدولية كمصدر له وقوتها الإلزامية, وفي فصل ثان الشروط العامة للتسليم, فيما يتعلق بالجريمة والشخص محل طلب التسليم والاختصاص, وفي فصل
ثالث إجراءات التسليم والآثار المترتبة عنه.
الفصـل الأول
مفهوم تسليم المجرمين على ضوء الاتفاقيات الدولية
المبحث الأول :
تعريف تسليم المجرمين طبيعته وأساسه القانوني
إنّ تعريف تسليم المجرمين هو المعنى المتوخى من التسمية والذي يعبّر فيه عن النظام بإيجاز,وقد يكون بناءا على معايير كما قد يكون مباشرا, ويتغيّر التعريف مع التطوّر الحاصل مع نظام التسليم إذ يعّد الضابط له الذي يلازمه ,وهذا ما نتطرق له في المطلب الأول من تعريف لتسليم المجرمين وتطوّره التشريعي والفقهي والقضائي.
كما أنّ لطبيعة التسليم أهميّة بالغة لاسيما في تحديد الشروط والإجراءات والآثار المترتبة عنه وأنّ هذه الطبيعة تتأثر بالأسس القانونية و القضائية التي تقوم عليها, فإننا نتطرق في المطلب الثاني إلى طبيعة التسليم وفي مطلب ثالث إلى أساسه القانوني.
المطلب الأول : تعريف تسليم المجرمين
إن اصطلاح " تسليم المجرمين " يعد الترجمة العربية لكلمة extradition الفرنسية التي استعملت لأول مرّة في مرسوم 19 فيفري 1791 في فرنسا . ولكلمة extradition الإنجليزية التي اشتقت من الفرنسية واستعملت لأول مرّة في بريطانيا في قانون التسليم سنة 1870.
ولم يتفق أغلب الفقهاء على تعريف واحد لتسليم المجرمين وذلك يعود إلى أسباب أهمها الاختلاف حول طبيعة التسليم ومدى تسليم الرعايا من عدمه, وكذلك تفرع هذا النظام وامتداده على الصعيدين الداخلي والدولي والتي أدت إلى تعدد تعاريف هذا النظام و نذكر من بينها:
تعريف الدكتور جندي عبد المالك للتسليم بأنه " عمل تقوم بمقتضاه الدولة التي لجأ أرضها شخص متهم أو محكوم عليه في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه " .
ويعرفه الدكتور محمد الفاضل بأنه " هو أن تتخلى دولة عن شخص موجود في إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على طلبها لتحاكمه عن جريمة يعاقب عليها قانونها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها "
ويعاب على هذا التعريف استعماله لفظ التخلي الذي يفيد بأن الدولة طالبة التسليم تمارس سلطاتها ( القبض والتنقل داخل الدولة المطلوب منها التسليم ) وهذا ما يتعارض مع ما هو متفق عليه في الاتفاقات الدولية بشأن التسليم.
كما يعرّفه عبد الأمير حسن جنيح بأنه "أحد مظاهر التضامن الدولي لمكافحة الجريمة تقوم بموجبه دولة ما بتسليم شخص مقيم في إقليمها إلى دولة أخرى تطلبه لتحاكمه عن جريمة انتهك بها حرمة قوانينها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها"
ويرجح التعريف الأخير كونه يعرّف التسليم على أنه أحد مظاهر التعاون الدولي لمكافحة الجريمة وكذا الأركان الأساسية التي يقوم عليها (وجود طرفي في التسليم دولتين أو أكثر).
إلاّ أنّ هذا النظام في التسمية غير دقيق ويعود إلى:
1- التسليم هو عمل تقوم به الدولة المطلوب منها التسليم أما عمل الدولة الطالبة للتسليم فهو الاستراد أو الاستلام.
2- أما كلمة المجرمين فتعوزها الدقة في التعبير عن الشخص محل التسليم فهي بقدر ما تنطبق على وصف المحكوم عليهم, فهي تتعارض وغير المحكوم عليهم ( المتابعين ) وذلك إعمالا بمبدأ المتهم برئ حتى تثبت إدانته, إلا أنه ينبغي العمل بالتسمية المتعارف عليها – تسليم المجرمين – رغم عدم دقتها للتعبير عن النظام المرجو منه.
تجدر الملاحظة إلى أنه من الضرورة بمكان أن نتطرق إلى لمحة وجيزة عن التطوّر التشريعي والفقهي والقضائي للتسليم قبل دراسة طبيعة التسليم وأساسه القانوني في المطالب الموالية :
التطور التشريعي والفقهي والقضائي للتسليم
إنّ الحاجة إلى مكافحة الجريمة التي باتت تهدد كيان المجتمعات ولاسيما مصالحها, وكذا إقرارها من جميع الشرائع فقد اعترضتها صعوبة معاقبة المجرم الذي عادة ما يسلك طريق الهروب بعد ارتكابه للجرم مما يتعذر معه المتابعة والاقتصاص منه, وهو الأمر الذي دفع إلى نهج طريق التسليم وتتبع المجرم حيثما نزل, حتى لا يفلت من العقاب, وقد عرف هذا النظام تطورا على الصعيد التشريعي والقضائي والفقهي وهذا ما نشير ّإليه في هذا المطلب:
مقدمــــــــة
يمثّل التعاون الدولي- بهذا المعنى - أحد جانبي العلاقات الدولية حيث يقابله في الجانـب الآخر "الصراع الدولي ", فالمتأمل في التاريخ يرى أنّ النظام العالمي يعيش منذ ظهوره حالة من التأرجح, والتعاون الدولي في مكافحة الجريمة يمثل أحد صور التعاون الدولي بمفهومه الشامل السابق الإشارة إليه, وقد اختلفت صوره عبر الزمان, كما اختلفت أشكاله وأساليبه وآلياته, وكذا اتساع مجالاته وطموحاته فنتيجة لتطور الجريمة ومناهج الإجرام كانعكاس للتطوّر الحضاري والتكنولوجي لاسيما في مجال المواصلات والاتصالات والمعلومات, كان من الضروري أن تتطوّر خطط ومناهج التصدي لها.
وقد يكون التعاون القضائي الدولي من أسمى مظاهر التعاون الدولي في مكافحة الجريمة , إذ يوفّق بين استقلال كل دولة في ممارسة اختصاصها الجزائي على حدود إقليمها , وبين ضرورة ممارسة حقها في العقاب , وبدون هذا التعاون , فلا يمكن للدولة أن تمارسه, ولعلّ أنّ هذا التعاون قد أدّت إلى ظهوره الأسباب التالية :
أولا : تقيّد سلطات الدولة بحدود إقليمها, إذ لا يمكن أن تسري قوانينها العقابية أو مباشرة الإجراءات خارج حدود الإقليم الوطني للدولة لأن ذلك سيمس بسيادة الدولة الأجنبية.
ثانيا : تلازم حق الدولة في العقاب ومجال الدعوى العمومية تطبيقا لتشريعاتها الجزائية.
وهكذا فإنّ التعاون الدولي قد انحصر في التخلص من مشكلة الحدود الإقليمية بين الدول, التي تحول دون قدرتها على محاكمة الجاني طبقا لقانونها أو تنفيذ العقوبة عليه. وقد كان نظام تسليم المجرمين أفضل وسيلة لتحقيق ذلك , فراحت الدول إلى إصدار تشريعات داخلية لتنظيمه أو الارتباط بمعاهدات ثنائية أو جماعية فيما بينها.
قبل التطرق إلى تبرير خطة البحث فإنه ينبغي طرح الإشكالية التالية :
1- هل نظام تسليم المجرمين بجميع خصائصه وإجراءاته كفيل بأن يوازن بين التنازع القائم بين سيادة الدول واختصاصها القضائي؟ والذي يمكن أن نستخلص منه طرح الإشكاليات الجزئية التالية :
أ- ما هي مبررات إقرار نظام تسليم المجرمين على الصعيد الدولي ؟ هل يعود ذلك لاستفحال ظاهرة الإجرام والإفلات من العقاب ؟ أم لمتطلبات التكامل الدولي في جميع الميادين مما اقتضى تعميمه ليشمل الميدان القضائي؟
ب- وما مدى إلزامية التسليم بالنسبة للدول وما هي شروطه العامة وإجراءاته ؟
ج-هل لإجراءات التسليم طابع موّحد تتفق على نهجه جميع الدول ؟
د- وما هي الآثار المترتبة عن حدوث التسليم ؟
وقد أتبعنا في بحثنا هذا منهج التحليل المقارن, إذ أخذنا قواعد التسليم الواردة في الاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر والتشريعات الداخلية التي تأخذ في التفسير والمقارنة بإحدى المدارس والمذاهب والاتجاهات التي بينت بشكل أو بآخر القواعد العامة والمبادئ الأساسية للتسليم.
ولذا ارتأينا إلى تقسيم خطتنا في البحث على النحو التالي :
كفصل أول نتناول فيه مفهوم تسليم المجرمين على ضوء الاتفاقيات الدولية من تعريف للتسليم و طبيعته وأساسه والاتفاقيات الدولية كمصدر له وقوتها الإلزامية, وفي فصل ثان الشروط العامة للتسليم, فيما يتعلق بالجريمة والشخص محل طلب التسليم والاختصاص, وفي فصل
ثالث إجراءات التسليم والآثار المترتبة عنه.
الفصـل الأول
مفهوم تسليم المجرمين على ضوء الاتفاقيات الدولية
المبحث الأول :
تعريف تسليم المجرمين طبيعته وأساسه القانوني
إنّ تعريف تسليم المجرمين هو المعنى المتوخى من التسمية والذي يعبّر فيه عن النظام بإيجاز,وقد يكون بناءا على معايير كما قد يكون مباشرا, ويتغيّر التعريف مع التطوّر الحاصل مع نظام التسليم إذ يعّد الضابط له الذي يلازمه ,وهذا ما نتطرق له في المطلب الأول من تعريف لتسليم المجرمين وتطوّره التشريعي والفقهي والقضائي.
كما أنّ لطبيعة التسليم أهميّة بالغة لاسيما في تحديد الشروط والإجراءات والآثار المترتبة عنه وأنّ هذه الطبيعة تتأثر بالأسس القانونية و القضائية التي تقوم عليها, فإننا نتطرق في المطلب الثاني إلى طبيعة التسليم وفي مطلب ثالث إلى أساسه القانوني.
المطلب الأول : تعريف تسليم المجرمين
إن اصطلاح " تسليم المجرمين " يعد الترجمة العربية لكلمة extradition الفرنسية التي استعملت لأول مرّة في مرسوم 19 فيفري 1791 في فرنسا . ولكلمة extradition الإنجليزية التي اشتقت من الفرنسية واستعملت لأول مرّة في بريطانيا في قانون التسليم سنة 1870.
ولم يتفق أغلب الفقهاء على تعريف واحد لتسليم المجرمين وذلك يعود إلى أسباب أهمها الاختلاف حول طبيعة التسليم ومدى تسليم الرعايا من عدمه, وكذلك تفرع هذا النظام وامتداده على الصعيدين الداخلي والدولي والتي أدت إلى تعدد تعاريف هذا النظام و نذكر من بينها:
تعريف الدكتور جندي عبد المالك للتسليم بأنه " عمل تقوم بمقتضاه الدولة التي لجأ أرضها شخص متهم أو محكوم عليه في جريمة بتسليمه إلى الدولة المختصة بمحاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه " .
ويعرفه الدكتور محمد الفاضل بأنه " هو أن تتخلى دولة عن شخص موجود في إقليمها إلى دولة أخرى بناءا على طلبها لتحاكمه عن جريمة يعاقب عليها قانونها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها "
ويعاب على هذا التعريف استعماله لفظ التخلي الذي يفيد بأن الدولة طالبة التسليم تمارس سلطاتها ( القبض والتنقل داخل الدولة المطلوب منها التسليم ) وهذا ما يتعارض مع ما هو متفق عليه في الاتفاقات الدولية بشأن التسليم.
كما يعرّفه عبد الأمير حسن جنيح بأنه "أحد مظاهر التضامن الدولي لمكافحة الجريمة تقوم بموجبه دولة ما بتسليم شخص مقيم في إقليمها إلى دولة أخرى تطلبه لتحاكمه عن جريمة انتهك بها حرمة قوانينها أو لتنفيذ فيه حكما صادرا عليه من إحدى محاكمها"
ويرجح التعريف الأخير كونه يعرّف التسليم على أنه أحد مظاهر التعاون الدولي لمكافحة الجريمة وكذا الأركان الأساسية التي يقوم عليها (وجود طرفي في التسليم دولتين أو أكثر).
إلاّ أنّ هذا النظام في التسمية غير دقيق ويعود إلى:
1- التسليم هو عمل تقوم به الدولة المطلوب منها التسليم أما عمل الدولة الطالبة للتسليم فهو الاستراد أو الاستلام.
2- أما كلمة المجرمين فتعوزها الدقة في التعبير عن الشخص محل التسليم فهي بقدر ما تنطبق على وصف المحكوم عليهم, فهي تتعارض وغير المحكوم عليهم ( المتابعين ) وذلك إعمالا بمبدأ المتهم برئ حتى تثبت إدانته, إلا أنه ينبغي العمل بالتسمية المتعارف عليها – تسليم المجرمين – رغم عدم دقتها للتعبير عن النظام المرجو منه.
تجدر الملاحظة إلى أنه من الضرورة بمكان أن نتطرق إلى لمحة وجيزة عن التطوّر التشريعي والفقهي والقضائي للتسليم قبل دراسة طبيعة التسليم وأساسه القانوني في المطالب الموالية :
التطور التشريعي والفقهي والقضائي للتسليم
إنّ الحاجة إلى مكافحة الجريمة التي باتت تهدد كيان المجتمعات ولاسيما مصالحها, وكذا إقرارها من جميع الشرائع فقد اعترضتها صعوبة معاقبة المجرم الذي عادة ما يسلك طريق الهروب بعد ارتكابه للجرم مما يتعذر معه المتابعة والاقتصاص منه, وهو الأمر الذي دفع إلى نهج طريق التسليم وتتبع المجرم حيثما نزل, حتى لا يفلت من العقاب, وقد عرف هذا النظام تطورا على الصعيد التشريعي والقضائي والفقهي وهذا ما نشير ّإليه في هذا المطلب: