الأسرة ويقبل رأس شقيقته سهير أنه لن يعود للمنزل ثانية صباح الجمعة
الموافق 12 أكتوبر 1990 عندما اغتالته 8 رصاصات من بين أكثر من 450 طلقة
قتلت كل من كان معه بداية من سائقه كمال عبدالمطلب والمقدم عمرو سعد
الشربيني وموظف مجلس الشعب عبدالعال عليط. المعلومات أكدت أن «المحجوب» كان
يملك خزانة مستندات تدين تعاملات «مبارك» المالية حيث حصل من علوي حافظ
علي نسخة أصلية منها حول شركة السلاح التي ساهم بها مبارك وأنه رفض رد
المستندات لصفوت الشريف عندما طالبه بها.
والمؤكد أن «المحجوب» مع
أنه لم ينتخب من الشعب وكان من ضمن العشرة المعينين بالمجلس بقرار حسني
مبارك لكنه كان أول من واجه فكرة الخصخصة في مهدها بعد أن ولدت علي يد وزير
السياحة الأسبق فؤاد سلطان وتحديدا في جلسة بشهر فبراير 1988 ونشبت بينه
وبين سلطان مشادة حامية تحت قبة البرلمان بسبب هدم وبيع أرض فندق سان
ستيفانو في الاسكندرية وسجلت المضبطة كلام المحجوب عندما قال: «النهارده
هنسمح ببيع الفنادق وبكره نسمح ببيع المصانع والشركات والمستشفيات.. لابد
أن هناك من يقف وراء هذه الفكرة الشيطانية» «مبارك» جن جنونه عندما وصله
الخبر بالتليفون لنكتشف حقيقة تاريخية جديدة نضيفها في السجلات وهي أن وزير
الإعلام وقتها صفوت الشريف كان في تلك الأيام التي لم تكن تكنولوجيا
الاتصالات قد غطتها بعد في كل جلسة مهمة يحضر لمجلس الشعب ولا يجلس في
القاعة بل في غرفة مجاورة لها أثناء نظر الاستجوابات والمناقشات التي كان
يحددها له «مبارك» وكان يقوم بالاتصال به، حيث كان الأخير يخلي وقته من أي
التزامات ليكون علي تنصت مباشر علي ما يدور بالمجلس حيث كان «الشريف» عندها
يلعب دورًا يشبه دور مذيع مباريات الدوري ينقل ما يدور من كلام متبادل بين
الأعضاء والمنصة وفي المنتصف يدلي بآرائه التي قتلت البعض أحيانا سواء
سياسيا أو فعليا، كما حدث مع «المحجوب».
واقعة أخري كان فيها
«الشريف» هو المحرض الأوحد علي «المحجوب» وهي الجلسة الشهيرة في 5 مارس
1990 عندما فجر عضو مجلس الشعب الشجاع الراحل علوي حافظ قضية تورط «مبارك»»
وحسين سالم ومنير ثابت واللواء عبدالحليم أبوغزالة في قضية السلاح وشركة
الأجنحة البيضاء والتلاعب بالمعونات حيث كان «الشريف» في الغرفة المجاورة
ينقل ما يحدث أولا بأول حتي أنه في مرحلة ما سجل في ورقة صغيرة تعليمات
«مبارك» وخرج من الغرفة ونادي علي موظف المنصة ليمرر التعليمات
لـ«المحجوب»، فقرر الأخير بناء علي تعليمات «المخلوع» شطب كل الأسماء التي
ذكرها «حافظ» حتي لا تكون دليلاً علي ما حدث ولا يمكن لأحد استخدامها بعد
ذلك في رفع القضايا.
«مبارك» كان لا يحب «المحجوب» ويكن له
كراهية شديدة مثلما أكد قائد حرس مبارك نفسه اللواء عبدالرحمن العدوي نائب
مدير أمن الرئاسة في الفترة من عام 1980 حتي 1990 وهو المسئول الأول عن
تأمين مبارك وحارسه الشخصي وقائد قسم مكافحة الإرهاب بمؤسسة الرئاسة ففي
شهادته علي التاريخ قال: «مبارك» كان يكره «المحجوب» بل كان يخاف منه بسبب
كونه رجلاً مستقيمًا له فكره ورأيه ويعرف كيف يدير منصة مجلس الشعب ولم يحب
مبارك أي سياسي مصري في عمره لأنه لم يكن يحب غير نفسه.
وكان
«المحجوب» الذي ولد في مدينة الزرقا بمحافظة دمياط 23 أبريل 1926 أول من
اخترع عبارة (المجلس سيد قراره) وعبارة (القطط السمان) التي جعلت «مبارك»
يغضب بشدة مرة أخري عندما سمعها حيث سأل «الشريف» الذي نقلها له علي
الهواء: «هل يقصدنا ابن ال...»؟! فأجاب صفوت بكل هدوء: «آسف يافندم لكنه
تقريبا يقصدنا».
واقعة أخري ذكرها الصحفي رائد العطار في موضوع
نشره في صحيفة النور حيث كان قد شهد وقائعها ربما كانت الفارقة أو القشة
التي حددت مصير «المحجوب» في عام 1990، ففي أثناء زيارة كان يقوم بها
«مبارك» لبغداد لبحث مشكلة الكويت والعراق في بداياتها وخلال حديثه مع صدام
حسين أشار «مبارك» علي الرئيس العراقي بضرورة تهدئة المنطقة فنظر إليه
«صدام» نظرة شك وأخبره بأن في مصر من يطالب بزعيم حقيقي للعرب لا يطالب
بالتهدئة بل ليقود الأمة، فسأله «مبارك» باهتمام شديد: «من هو؟»، عندها
تشهد الوقائع المؤكدة أن «صدام» ضغط علي تشغيل تسجيل كان أمامه ليسمع
«مبارك» المحجوب وهو في لقاء مع صدام ويقول للأخير: «المنطقة تحتاج زعيماً
يملأ مكان الرئيس جمال عبدالناصر ويلم شمل العرب وأن هذا الرئيس هو أنت..
قاصدا صدام حسين».
«مبارك» جن جنونه مرة أخري وأنهي صدام الجلسة
وصمم علي الانتقام من المحجوب بأي شكل وزاد حقده بعد عودته للقاهرة حيث كان
من المفترض أن يلقي خطبة في مجلس الشعب فاتصل به الدكتور مصطفي الفقي
وأخبره بأن المحجوب سيلقي خطبته قبل خطبة مبارك، وأكمل الفقي بقوله ناصحًا
مبارك: المعروف عن المحجوب أن خطبته جميلة ومؤثرة وبالتأكيد ستكون مختلفة
عن خطبة سيادتك، مبارك قال لـ«الفقي» كما شهد الأخير: «ماشي يا عم المفتي»،
وأغلق السماعة لكنه عاد بعد دقيقتين وأمر الفقي بأن يبلغ المحجوب بألا
تزيد خطبته علي أربع دقائق فقط وتجاهل رئيس المجلس أمر مبارك فاستشاط
الأخير غضبا.
لقد فجرت التحقيقات والمحاكمات في قضية اغتيال
المحجوب معلومات شديدة في الغرابة يمكننا أن نعتبرها بدون أي تجنٍ معلومات
عن مؤامرة ما وقعت للقضاء وبمطالعة شهادة الرائد محمد بركات ضابط أمن
الدولة الذي شارك في القبض علي المتهمين حيث شهد في المحاكمة بأن جهة ما لا
يعلمها هي التي كانت تقبض علي المتهمين، بينما اقتصر دور الداخلية علي
تأمين عمليات القبض ولم يتمكن الضابط من تحديد هوية تلك الجهات عندما سـأله
عدة مرات قاضي المحكمة المستشار الدكتور وحيد محمود إبراهيم.
أما
الثابت فإن المحجوب قد شهد بزوغ فجر العلاقات السرية المفتوحة علي إسرائيل
والمثير أنه كان أول من واجه سرطان رجل الأعمال حسين سالم حتي قبل أن يتعرف
عليه أحد.
والتاريخ يشهد بذلك فقد كانت هناك مواجهة أخري تعرفها
العائلة، حيث اعترض المحجوب بشدة علي ما كان يصله من أسرار تلك العلاقات
المشبوهة ورفض عدة مرات حضور لقاءات سرية بينه وبين الإسرائيليين بل وهدد
رجال مبارك ومنهم زكريا عزمي بأنه سيفضح تلك العلاقات للصحف وساعتها قال له
عزمي: «خلي مخك كبير الريس بيثق فيك خليك علي هواه ومفيش حاجة هتضرك»، حيث
حكي الدكتور المحجوب لشقيقته سهير وقال لها: «عايزين يكسروا تاريخ
عبدالناصر والسادات ويبيعوا البلد لليهود» بعدها كانت حالته النفسية سيئة
بل أطلق ذقناً خفيفة في توقيت ما الشيئ الذي جعل مبارك يهدده مباشرة قائلاً
له: «أبقي في حالك».
ويذكرالتاريخ أن يوم مقتل المحجوب كان موعد
الإعلان عن الاستفتاء علي حل مجلس الشعب والتمهيد لانتخابات جديدة كانت
ستأتي به رئيسا للمجلس لثالث مرة فكان سيقف لمبارك ومن معه كعقبة لتجمد كل
مشروعاتهم المشبوهة، بل الأخطر من ذلك هو ما تكشفه أسرته عندما أكدت أنه
كان قد عين نائبا لرئيس الجمهورية وأنه كان حزيناً لهذا التعيين لأنه كان
يعرف أن مبارك فعل ذلك كي يبعده عن رئاسة مجلس الشعب وأن يجمد نشاطة بشكل
تام ، تلك المعلومة ربما علمت بها المحكمة برئاسة الدكتور المستشار وحيد
محمود مما دفع القاضي المحقق أن يرسل لرئاسة الجمهورية يستفسر بشكل رسمي عن
المعلومة وكان من الطبيعي بعد مقتل المحجوب أن تكون الاجابة بالنفي، كي
يحرم الرجل من الشرف التاريخي حتي بعد موته.
العائلة تشهد أيضا أن
المحجوب نادي علي ابنه الذي اصبح حاليا الدكتور ايمن رفعت المحجوب الأستاذ
بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وطلب منه عدم التداخل مرة
ثانية في الخط، لكن أيمن لم يكن حتي جانب التليفون ونادت شقيقته سهير عليه
في المكتب وقالت له: «مفيش يا حبيبي حد جنب التليفون»، وعندها تأكد المحجوب
من الذي يحدث حوله خاصة أن تليفونات المنزل الثلاثة كانت قد بدأت تشهد
أحداثاً غريبة خاصة عقب الواقعة الشهيرة التي ضرب فيها وزير الداخلية
الأسبق زكي بدر أمام المحجوب في الجلسة الشهيرة في 20 فبراير 1989 حيث ضحك
المحجوب كثيرا بعدها مع أنه وقع قرار فصل النائب عن حزب الوفد طلعت رسلان
وهو ما أثار غضب بدر فبدأت المضايقات بالتنصت علي تليفونات المحجوب وأسرته.
معلومات وبيانات أمنية كشفتها محاكمة قضية اغتيال المحجوب أهمها
تلك التي كشفت عن إهمال جسيم ومتعمد في تأمين الرجل بالرغم من وجود تحذيرات
ومعلومات بوجود تخطيط لاغتيالات سياسية فقد شهد أمين الشرطة إيهاب السيد
نافع في شهادته عقب شفائه من الطلقات عدم رؤية الحرس والسائق لما حدث خلف
السيارة التي كانت تقل «المحجوب» وأن جهاز الأمن لم يراع شراء مرايات
جانبية بدلا من التي أتلفت بالرغم من طلب المحجوب ذلك ويوم الحادثة لم
يستطيعوا مراقبة الطريق لحماية الرجل الثاني في مصر سياسيا.
أما
الرقيب أول عبد المعطي محمد عبد اللطيف الحضري من إدارة المرور فقد شهد
لأنه من يستقبل الإشارات المهمة بإدارة المرور أنهم يومها لم يتلقوا علي
غير العادة إشارة خط سير موكب رئيس مجلس الشعب وهو ما علق عليه المحامي
الشهير أحمد نبيل الهلالي بالمحكمة ساخرا بقوله: «يبدو أنهم كانوا قافلين
يوم الجمعة».
فيما أكد السيد حسام الدين طلعت السادات مدير
العلاقات العامة بفندق المريديان في شهادته أنه علي غير الطبيعي لم تخطر
إدارة الفندق ذلك اليوم بقدوم المحجوب رئيس مجلس الشعب وكأن هناك من كان
علي علم بأن المحجوب لن يصل للفندق في جاردن سيتي أبدا وهو ما حدث فعلا.
أما
شهادة أمين الشرطة قائد موتوسيكل التشريفات الذي كان يسير أمام موكب
المحجوب فكانت أغرب حيث قال إنه كان بينه وبين الموكب 100 متر وقد شاهد
الاغتيال ولم يتدخل وهو المسلح بمجرد طبنجة حلوان 9 ملليمتر ، وكانت شهادة
أمين الشرطة راكب الموتوسيكل الخلفي ويدعي أحمد إسماعيل أعجب فكان بينه
وبين الجاني متر واحد ولم يطلق طلقة واحدة لإنقاذ رفعت المحجوب. في الوقت
الذي كان يجلس فيه الحارس عبدالمعطي عبداللطيف المسلح بسلاح آلي خلف السائق
فقد ضرب طلقتين في الهواء وكان الملازم حاتم حمدي الذي شاهد الجاني قد ضرب
طلقة واحدة في الهواء. معلومة أخري مهمة يمكن أن تكشف لنا دون تجن حقائق
أخري خطيرة فتشهد المستندات علي أن قرارا من الرئاسة أدي لإبعاد كل طاقم
الحراسة القديم والوفي للدكتور رفعت المحجوب وذلك في 1 فبراير 1990 وهي
المعلومة التي كشف عنها اللواء خيري راغب عبد الرحمن زاهر مدير الشئون
الإدارية لشرطة الحراسات الخاصة في أقواله بالقضية، حيث قرر أنهم نقلوا
الطاقم القديم للأمانة العامة لمجلس الشعب.
ولقد وصلت عربة المحجوب
في اتجاه الكورنيش في طريقها إلي فندق المريديان، حيث كان سيقابل وفدا
سوريا اتضح في التحقيقات أنه لم يكن علي علم بأن المحجوب في طريقه للقائه،
حيث خرج من الجهة المعاكسة 4 شبان لا يزيد عمر الواحد منهم علي 25 عاما
يستقلون دراجتين بخاريتين في أول عملية اغتيال من نوعها فنيا منذ تولي حسني
مبارك الرئاسة.
وحاصر الجناة موكب المحجوب وفي ثوان انهمرت
الطلقات من أسلحة الكلاشينكوف الروسي الصنع لتقتل بلا رحمة ودون أن تمنح
الموكب فرصة الدفاع عن نفسه وبالاحتراف التنفيذي غير المسبوق لم يتمكن أحد
من اللحاق بالجناه الذين ركبوا الدراجتين وهربوا في الاتجاه المعاكس ناحية
فندق هيلتون، ويسوق القدر ضحية أخري كان قدرها أن تحسب بين أعداد قتلي تلك
العملية الغريبة هو العميد عادل سليم بمباحث القاهرة الذي تلقي بلاغا بغرق
أحد الشباب في النيل فذهب للتحقق من البلاغ مع الملازم أول حاتم حمدي وفي
الطريق سمع الطلقات وشاهد الرعب علي المارة فهرع لمطاردة الجناه ليلحق
بإحدي الدراجات أمام هيلتون لكنه قبل أن يجذب أجزاء مسدسه الميري كان
الجاني الجالس في الخلف يفرغ خزينة كاملة فيه ومن معه بعدها يختفي الجناة
في حواري الحي الشعبي لمنطقة ماسبيرو وتنقلب الدنيا في مصر فقد سقط مجلس
الشعب، أما اللواء محمد عبدالحليم موسي خامس وزير داخلية في عهد مبارك فقد
وقف في مؤتمر صحفي متلعثما لا يدري أحد ماذا ألم به وهو يصف الوفد السوري
الذي كان من المفترض أن يقابله المحجوب بالوفد الكوري.
شاهد آخر
يدعي مورو محمد فهمي كان يقف بالقرب من فندق سميراميس قال إن الجناة
ملامحهم غير مصرية، أما صلاح إسماعيل الموظف بفندق هيلتون فشهد أن المتهم
الهارب لهجته شامية في حين نشرت مجلة المصور وصفا تخيليا للجناة تبدو
ملامحهم خليجية أو فارسية بينما أفاد مصدر أمني أن الجريمة قادمة من الخارج
أما وزير الداخلية فشهد في المحكمة أن القتله كانوا أجانب وليسوا مصريين
ويرجح أنهم عرب.
أما القاضي وحيد محمود إبراهيم: تشكك في تحريات
وتحقيقات كل الجهات ولم تطمئن المحكمة لسلامة شهادة زوجات المتهمين الـ27
الذين ساقتهم السلطات المعنية للمحاكمة بدعوي أنهم الجناة فيصدر في 10
يونيو 1993 بعد 100 جلسة عاصفة بدأت أولاها في 10 يونيو 1991 حكمه المطمئن
ببراءة 17 متهما وسجن عشرة آخرين بتهم ليست لها علاقة نهائيا بالجريمة
الأصلية لاغتيال المحجوب ليظل سر اغتياله معلقا حتي اليوم ويظل رئيس مجلس
الشعب الذي لم تعرف مصر من قتله أو من وقف وراء عملية الاغتيال في واقعة
نوعا ما تعد غير مقبولة في نظام كان لا ينام إلا بعد أن يتنصت علي الجميع
ويعرف أسرارهم إلا في واقعة المحجوب لم يهتم مبارك بمعرفة القاتل أو بالأصح
كان يعرف القاتل.
تفاصيل مثيرة وغريبة صاحبت عملية اغتيال المحجوب
أكدها الدكتور المستشار وحيد محمود قاضي المحكمة الذي شهد بأنه حتي اليوم
مثلنا لا يعلم من قتل رئيس مجلس الشعب الأسبق الذي قال عنه جلال أمين جملة
معبرة عما حدث له وهي «المحجوب قتله ذكاؤه».