من طرف محمد راضى مسعود الأحد يوليو 10, 2011 2:38 am
الشخصية الحاديه عشر :
<< السيدة سكينة بنت الإمام الحسين >>
شخصية السيدة الطاهرة سكينة ابنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)
هي كما يلي :
السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) في سطـور :
جدها : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
جدتها : السيدة فاطمة الزهراء، بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
أبوها : الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) .
عمها : الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) .
عماتها : العـقيلة زينب ، والسيدة أم كلثوم (عليهما السلام) .
أمها : الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعي .
إخوتها : الإمام السجاد زين العابدين ، علي الأكبر شهيد كربلاء ، وشقيقها الطفل عبد الله الرضيع .
أختها وشقيقتها : فاطمة بنت الحسين .
اسمها : آمنة ، وقيل أمينة ، أو أميمة ، أمها لقبتها بسكينة لسكونها وهدوئها .
ولادتها : 42 ه .
زوجها : عبد الله بن الإمام الحسن (عليه السلام) .
وفاتها : الخميس لخمس خلون من ربيع الأول سنة 117 ه = 735 م ، ولها من العمر 75 سنة .
وكانت ولادتها وإقامتها ووفاتها بالمدينة المنورة .
.: السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) :.
السيدة سكينة العـفيفة الطاهرة ، والشريفة المطهرة ، كانت سيدة نساء عصرها ، أحسنهن أخلاقا ،
وأكثرهن زهدا وعبادة ، ذات بيان وفصاحة ، ولها السيرة الحسنة ، والكرم الوافر ، والعقل الراجح ،
تتصف بنبل الخصال ، وجميل الفعال ، وطيب الشمائل ، يشهد بعبادتها وتهجدها أبوها الإمام الحسين
(عليه السلام) بقوله :
أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله لما أراد الحسن بن الحسن بن عمها يطلبها من عمه
ثم اختار له أختها السيدة فاطمة ..
ولا غرو فإنها من بيت جبلوا على العبادة والتهجد يختلفون عن غيرهم من الناس ، ومن هذا النهج
هيامهم بالعبادة واتصالهم بالله سبحانه وتعالى ، والانقطاع إليه ، وهو من مستلزمات حياتهم ، كما
ذكرهم المؤرخون بوصف عبادتهم ، وتهجدهم ، وأدعيتهم وبكائهم وتلاوتهم لكتاب الله الحكيم ،
وقيامهم بالأسحار ، فكل من ترجم لهم (عليهم السلام) أكد هذا الاستغـراق مع الخالق الجليل
والمولى القدير جل شأنه، ولم يذكر المؤرخون ، وأهل السير والتراجم لغيرهم من الاستغـراق
في ذات الله ما ذكروه لهم صلوات الله عليهم ..
ولكثرة تهجدهم وخلوتهم بربهم ، وتفرغهم لعبادته أنشأوا كنوزا من الأدعية عجز عن مجاراتها
فطاحل الأدباء وافتخرت الطائفة بهذه الثروة الضخمة إلى اليوم ، إذ لم يرد مثلها لغيرهم ولم يعرفها
المسلمون لغيرهم من الصحابة والتابعين وفطاحل العلماء والأدباء .
كل هذا يدل على انقطاعهم إلى المولى سبحانه وتعالى والاستغـراق في ملكوته ، والهيام بحبه ،
والتزلف لديه .
وقد أخذ عنهم هذا الاستغـراق والانقطاع أبناءهم ، فما في الآباء يرثه الأبناء ، وقد ورثت السيدة
سكينة هذه الخصال عن أبيها وجدها وهذا الاستغراق ، كما شهد لها أبوها السبط بذلك :
" أما سكينة فغالب عليها الاستغـراق مع الله " .
الافـتـراء على أهل بيت النبوة :
ولكن الأقلام المسمومة ، والنفوس الخسيسة المأجورة حولت هذه المكارم إلى عكسها ، هروبا
من العار الذي غرق فيه آل أمية ، وآل مروان ، وآل الزبير ، والفواحش المعـشعـشة في بيوتهم
وبين نسائهم ، " رمتني بدائها فانسلت " .
إن أعـداء أهل البيت الذين ورثوا البغـضاء من بني أمية ، وبني مروان ، الذين سخروا بيت مال
المسلمين إلى التنكيل برسول المسلمين والطعن على آله وجعلوا من ذوي النفوس الوضيعة الحاقدة
مخلب قط وأداة تخريب من المرتزقة الوضاعين والأقلام المسمومة المأجورة كأبي هريرة ، وأبي
الدرداء ، والمغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب وغيرهم من الذين باعوا دينهم إن كان لهم دين
إلى حكام بني أمية وبني مروان ، وحاك على منوالهم الزبيريين ، أمثال عبد الله بن الزبير ، ومصعب
بن الزبير ، وابن أخيه الزبير بن بكار ، والهيثم بن عدي الطائي الكوفي الكذاب ، وصالح بن حسان ،
وأشعب الطامع وأضرابهم، وأصروا بكل عناد ولجاجة بتشويه معالم ومقام أهل البيت الطاهر بكل
ما لهم من حول وقوة وشراء الضمائر الميتة ، وحيث إنهم لم يتمكنوا من نسبة المفتريات والطامات
إلى الذين وجبت العصمة فيهم من الأئمة الطاهرين الهداة الميامين ، عمدوا إلى أولادهم وبناتهم
فاختلقوا في حقهم كل شائنة وموبقة تخرجهم عن الدين ، لتجلب البسطاء من الناس للانضواء
إليهم وإلى سلفهم ، بكل وسائل الإرهاب والإرعاب والطمع بأموال القائمين على أمور زمانهم ، وجاء
من بعدهم وسار على خطاهم كالمدائني والخليع المستهتر صاحب الأغاني أبو الفرج الاصفهاني
الأموي النسب والعـقيدة بالضرب على طبولهم ، وإشاعة التهم والبهت والفحشاء على أعراض
آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فأكثر من الافتراء على أهل هذا البيت الطاهر ، وشحنت مجامع الكذب بمروياته بحيث سادت البسطاء
ومن لا تثبت له في النقل والتحقيق .
وقد يحصل هناك من يحسب أن سعة العلم في الإكثار من الروايات الضعـيفة من غير تـثبت في النقل
وصحة المصدر ، فاختلط الحابل بالنابل ، والصحيح بالسقيم ، وديف السم في العـسل ، ثم جاء من
بعـدهم الكتاب والمؤرخون ، لينقلوا ما كتبه سلفهم دون أي تحقيق أو تمحيص يرددون ذلك
كالببغاوات ، مما زاد في الطين بل .
غير أن الاستضاءة بنور العلم الصحيح ، وتمحيص الحقائق كشف عن زيف وعوار تلك الأحاديث ،
المملوءة بالبهت والكذب والدس ، وقد وضعـوا هؤلاء الرجال على المحك وكشفوا كذبهم ولم يجعلوا
لأحاديثهم قيمة في سوق الاعتبار فسدوا معـرة أولئك الكذابين الدساسين وإخراجهم عن صفوف
من يعتمد عليهم وعلى مروياتهم .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم بما يحدث بعـده من دسائس الدجالين فحذر أمته منهم
ومن مفترياتهم فقال (صلى الله عليه وآله) :
ستكثر علي القالة من بعـدي ، فمن كذب علي فليتبوأ مقـعـده من النار .
وهناك أدلة وبراهين تـثـبت طهارة أهل البيت (عليهم السلام) لا سيما السيدة الزكية
سكينة ابنة الإمام الحسين (عليه السلام) للأستاذ محمد الحسون ، وغيرها من المصادر المعتبرة ،
ليتضح لكم واقع الأمر والحقيقة .
أول من وضع الحديث : إن أول من وضع الأحاديث الشائنة في ابنة الإمام الحسين (عليه السلام)
السيدة الطاهرة سكينة ، مصعب الزبيري المتوفى سنة 236 ه في كتابه (نسب قريش) لينصرف
المغـنون والشعراء عن ابنتهم ، سكينة بنت خالد بن مصعـب ابن الزبير التي تجتمع مع
عمر بن أبي ربيعة الشاعر الخليع والمغنيات يغـنين لهم ، وزمر بها مرافقه في بغداد المدائني
المتوفى سنة 225، وزاد عليها الزبير بن بكار وابنه ، وتلقاها المبرد المتوفى سنة 285 عن
هؤلاء الوضاعين ، وعنه أخذها تلميذه الزجاجي وغيره من دون تمحيص وتحقيق فأضلوا كثيرا
من الكتاب والمؤرخين حتى رووها بلا إسناد موهمين أنها من المسلمات ، ثم جاء من بعدهم
أبو علي القالي تلميذ الزجاجي الأموي الفكرة والعقيدة ، فسجل في أماليه ما تلقاه من أستاذه قصدا
للحط من كرامة البيت العلوي خصوصا وقد تقلب في نعمة الناصر عبد الرحمن الأموي في الأندلس
الذي استدعاه من بغداد ، فأكرم مثواه ، وعزز منزلته ، فألف وكتب ما يروق للأمويين الذين نكل
بهم الهاشميون وبددوا ملكهم .
وحديث ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي في الأندلس مشهورة ، فإنها كتبت على تاجها :
أنــــا والله أصـلــح للمــعــالي&& وأمشي مشيتي وأتيه تـيها
وأمكن عاشقي من لثم ثغري&& وأعطي قبلتي من يشتهيـها
بالإضافة إلى ذلك نقول إن لفظ سكينة في رواية الزجاجي ، ولفظ سكين في رواية أبي علي القالي
في الأمالي لا إشعار فيه على إرادة سكينة بنت الحسين (عليه السلام)، بل كان المقصود في شعـر
عمر بن أبي ربيعة هو (سكينة الزبيرية) فإن صاحب الأغاني يروي عن رجاله ، إن سكينة بنت خالد
بن مصعب بن الزبير ، كانت تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة ومعها ابنتها أمة المجيد زوجة
محمد ابن مصعب بن الزبير وجاريتان كانتا تغـنيان عندهم يقال لإحداهن البغـوم ، وللأخرى أسماء
، وقد تزوج سكينة بنت خالد بن مصعب بكير بن عثمان بن عفان ، فولدت له بنتا يقال لها
أم عثمان تزوجها عبد الله العرجي .
ويحدث ابن كثير : إن مصعـب بن الزبير أولد سكينة وأمها فاطمة بنت عبد الله بن السائب ..
وإذا كان هذا حال سكينة بنت آل الزبير مع عمر بن أبي ربيعة والجواري المغنيات فمن القريب جدا
أن يزحزح آل الزبير ومن سار على أثرهم من الرواة هذه الشائنة عن ابنتهم ويلصقوها بمن
شابهتها في الاسم، خصوصا مع العداء المحتدم بينهم وبين العلويين وقد عرفت فيما مر عليك
أن روايات صاحب الأغاني في هذا الباب مروية عن الزبير بن بكار ، وعمه مصعب بن الزبير ،
والمدائني والهيثم بن عدي الكوفي الكذاب بنص جماعة من علماء الرجال ، وكذلك
صالح بن حسان وأشعب الطامع ، إلى غيرهم ممن يفتعل الحديث أو مجهول الحال ،
الذي لا يركن إليه .
وحديث افتعال البيتين المنسوبة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) هي سقطة أخرى باء بإثمها
صاحب كتاب الأغاني ، حيث لم تـقـنعه هاتيك السفاسف في خدش عواطف الخفرة فطفق يمس بكرامة
أبيها المعصوم (عليه السلام) بما ينافي العصمة أو يصادم العظمة والحفاظ ، فذكر في الرواية
عن رجال مجاهيل لم يعرفهم علماء الرجال والتراجم ،
أن السيدة سكينة قالت : عتب عمي الحسن على أبي في أمي الرباب ، فقال أبي الحسين رادا عليه :
لعـمرك إنني لأحب دارا && تحـل بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي && وليس لعاتب عندي عتاب
وزاد ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ضغـثا على إبالة ، فذيلها بثالث .
وعلى فرض وقوع العتاب المزعوم، فسيد الشهداء أبر وأتقى من أن يجابه حجة الوقت وإمام
عصره على الأمة أجمع بنظم البـيتـين .
ومما لا يلتئم مع حفاظ المرء ووقاره المزري بشم الرواسي وعظمته المشتقة من النبوة ، مدح
حليلته وابنته بشعر يعلم بطبع الحال أنه ستسير به الركبان ثم يبث ذلك بين الناس ، فتلوكه
الأشداق حتى يغـني به المغـنون في منتديات البطر ، ومجتمعات الفجور .
وهذا البهت لم يكن بدعا من مزاعم ذوي النفوس الخسيسة والباذلين أقلامهم لحكام الجور في
زمانهم لحقد في نفوسهم أو طمعا في لعـس فتات موائدهم والسحت من أموالهم .
الفـــواجــع التي شاهـــدتـهــا :
ثم أين السيدة سكينة من مجالس الأدب ومطاردة الشعر والحكم بين الشعراء وهي التي عاشت
فاجعة الطف المروعة وشاهدت محنة أبيها وأعمامها وإخوتها وأهل بيتها وأصحاب أبيها في جهاد
أعدائهم الذين أحاطوا بهم من كل جانب والذين بلغوا أكثر من ثلاثين ألف رجل مدججين بالسلاح
الفتاك والحقد الأسود الدفين حتى قضوا عليهم، وشاهدتهم بأم عينها مجزرين عطاشى في ساحة
الوغى ، وتركتهم مطرحين على الثرى مسلوبين عراة بلا غسل ولا كفن ولا دفن ، وهي لا تتجاوز
الثانية عشر من عمرها الشريف .
وأدهى من ذلك مشاهدتها أخيها العليل مطروحا في خيمته لا حول له ولا قوة قد أنهكه المرض والنار
تشتعل في خيمته كما سرت النار في باقي خيام بيت الرسالة فصارت العلويات المروعات والأطفال
يركضون من خيمة إلى خيمة حتى فروا بأرواحهم إلى البيداء والنار تلاحقهم بعد ما أحرقت كل شئ
في الخيام بعـد السلب ، وترى عماتها وأمها وأخواتها حائرات كما شاهدت عمتها العـقيلة زينب
التي شاطرت الإمام الحسين في محنته ، وتحملت من بعـده في تدبير اليتامى والأرامل .
وقد أثرت مصيبة الرضيع تأثيرا عـظـيما :
فكل شئ كان يدور في خلدها إلا قتل عبد الله الرضيع فقد كانت تنتظر أن تستقبله ، بعد أخذ أبيها
الحسين (عليه السلام) إلى القوم ليسقيه وقد ارتوى ، فإذا هو مذبوح من الوريد إلى الوريد بسهم
حرملة لعـنه الله .
أذهل سكينة قتل أخيها والمصائب التي تحملتها طيلة ذلك اليوم حتى أنها ما استطاعت أن تقوم لتوديع
أبيها الحسين (عليه السلام) الوداع الأخير الذي لا لقاء بعـده في الدنيا ، حيث حفت به بنات الرسالة
وكرائم الوحي يتصارخن في توديعه ، فقد ظلت في مكانها واجمة ، ولحظها أبوها وهي بهذا الحال
فـوقـف على رأسها يصبرها وهو يـقـول :
سيطول بعـدي يا سكينة فاعلمي&& منك البكاء إذا الحمام دهـاني
لا تـُحرقي قـلبي بـدمعـك حسرة && ما دام مني الروح في جثماني
فـإذا قـتـلت فأنـت أولـى بـالــذي&& تــأتــيـــنــه يـا خـيـرة النسوان
\
/
وبعـد مصرع أبيها الحسين :
وبعـد مصرع أبيها الحسين (عليه السلام) ومجئ جواده إلى الخيام محمحما ، وسرجه ملويا خرجت
سكينة مولولة صارخة ، فنادت : واقتيلاه ، وا أبتاه ، واحسناه، وا حسيناه ، واغربتـنا بعـدك ، فلما
سمع باقي الحرم خرجن فـنـظرن الفرس ، فجعـلن يلطمن الخدود ، ويصحن : وا محمداه .
وداع الحادي عـشر من محرم :
وحصلت السيدة سكينة على فرصة أخرى لتوديع أبيها (عليه السلام) والتـزود منه ، وذلك في
الحادي عشر من المحرم بـعـد ما حملهم القـوم أسرى يريدون بهم الكوفة ، وقـد جعـلوا طريقهم
على ساحة المعركة .
ولما شاهدت سكينة جسد أبيها على الصعـيد فألقت بنفسها عليه ، تـتـزود من توديعه وتبثه ما اختلج
في صدرها من المصائب ..
ولم يستطع أحــد أن يـنحـيها عنه حتى اجتمع عليها عــدة وجروها عنه بالقهر .
فجــيــعة الأسر والسَبي :
نـاهـيك عـن ما شاهدته وعاشته من فجائع الأسر وذل الموقـف ، والسير على الجمال في الصحراء
من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام ، والمواقـف الرهـيبة التي وقـفـتها مع عماتها
وأخــواتها في مجلس ابن زياد ، ومجلس يــزيــد لعـنهم الله .
هذا وصف بعـض ما شاهدته السيدة سكينة من فجائع يوم عاشوراء وما بعـده .
فهل ترى أيها الأريب اللبيب بعـد ما شاهدت هذه الفجائع أن تركن السيدة سكينة مجالس الأدب
ونظم الشعـر ؟!
وهي التي شهد بحقها حجة الله أنها غلب عليها الاستغـراق مع الله ، لا والله وألف كلا .
وجاء في كتاب (السيدة سكينة) ما يلي :
بأن السيدة سكينة حضنـتها الحجور الزاكية وتلقت من أبيها سيد الشهداء التعاليم الراقية والآداب
الإلهية ودرست القيم الإسلامية وجارت في المجاهدة والرياضة جدتها الصديقة وعمتها العقيلة
حتى حازت أرقى مراتب العبادة التي يرضاها رب العالمين ومن هنا منحها الإمام الحجة الواقف
على نفسيات البشر ومقادير أعمالهم أرقى صفة تليق بامرأة كاملة تفانت في الطاعة لله تعالى
وهو (خيرة النساء) .
من هذا وذاك صحبها (أبي الضيم) إلى محل شهادته في جملة من انتخبهم الباري سبحانه دعاة
لدينه فشاهدت بين تلك الثـنايا والعـقبات الآيات المنذرة بتدابير النفوس وتخاذل القوم عن نصر الهدى
واجتماعهم على إزهاق نفس ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) وإراقة (دمه الطاهر) وأنهم
قادمون على عصبة لا ترقب فيهم إلا ولا ذمة فلم تعـب ء بتلكم الأهوال التي يشيب لها فؤاد الطفل
تسليما للقضاء وطاعة للرحمن عـز شأنه .
وشاهدت أولئك المناجيد مضرجين بالدماء مقـطعـين الأوصال وبينهم علة الكائنات ومدار الموجودات
أبو عبد الله (الحسين) (عليه السلام) وقــد مثلوا فيه بكل مثلة :
ووجهوا نحو في الحرب أربعة && السهم والسيف والخطي والحجرا
فقابلت تلكم الفوادح برباطة جأش وهدوء بال ولولا انخراطها في الاستغـراق مع الله تعالى وتفانيها
في الطاعة له كما أخبر أبوها الحجة (عليه السلام) ..
بقوله : " الغالب عليها الاستـغـراق مع الله " لانهد قواها وساخ صبرها وتبلبل فكرها وفـقـدت
مشاعرها ولكنها بالرغم من ذلك لم يرعها ذل الأسر ولا شماتة العـدو وتراكم الرزايا وأنين الأطفال
وبكاء الفـواقــد فلم يصدر عـنها ما لا يـتـفـق مع الخضوع للأصلح المرضي لله تعالى .
ولو كان (أبي الضيم) يعـلم بضعـف عزمها وتفكك صبرها لما رافـقها إلى محل تضحيته لئلا يستبب
من تـلكم الأهـوال الوقـوع في خطر عـظـيم .
إن ذلك المشهد الدامي الذي لم يمر على نبي أو وصي وقابله شهيد الدين بصبر تعجبت منه ملائكة
السماوات كما في نص زيارته ترك الجفون قرحى والعـيون عبرى والقلوب حري إلى يوم الانقضاء
على حد تعـبير الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا ، والسيدة سكينة أبصرت كل ما جرى في
ذلك اليوم وسمعت صرخة أبيها المظلوم واستغاثته وشاهدت حرائر النبوة ومخدرات الإمامة
يتراكضن في تلك البيداء المقـفرة حين شبت النار في مضاربهم ولا محامي يلذن به إلا زين العابدين
وقد أنهكته العلة .
فلو أن أيوبا رأى بعـض ما رأى * لقال بلى هذا العـظيمة بلواه
فلم يتضعـضع صبرها ولا وهى تسليمها للقضاء الجاري ولم يتحدث المؤرخون عما ينافي ثباتها
على الخطوب في الكوفة والشام مع ما لاقته من شماتة ابن مرجانة وابن ميسون ونكته بالعـود
رأس الحسين وأهل المجلس يشاهدون الأنوار تتصاعد من أسارير جبهته والروائح العـطرة تفوح
منه وهو يرمق حرمه بعينيه ولما أمر يزيد بقتل رسول ملك الروم لأنه أنكر عليه فعلته نطق الرأس
المقدس بصوت جهوري ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .
السيدة الطاهرة سكينة في مدينة جدها (ص) :
فأخذت الناس الحيرة وراح الرجل يحدث جليسه بالضلال الذي عمهم وتحدثت أندية الشام بهذا الحادث
الذي لم يسمع بمثله قبل يوم الحسين ولما رجعت السيدة الطاهرة سكينة إلى المدينة أقامت في بيت
أبيها أبي عبد الله مع نساء قومها لابسات السواد يبكين الحسين والبهاليل من آل عبد المطلب
ليل نهار .
ويحدثنا أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) عن حزن الفاطميات بقوله :
ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤي الدخان في بيت هاشمي خمس حجج إلى أن قتل
عبيد الله بن زياد .
عاشت السيدة سكينة في بيت أخيها السجاد (عليه السلام) الذي لم يزل ليله ونهاره باكي العـين
على سيد شباب أهل الجنة وكان جوابه لمن يطلب منه التخفيف لئلا تذهب عيناه :
إني كلما نظرت إلى عماتي وإخواني إلا تذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة وكان هذا دأبه في البكاء
على ( قتيل العبرة ) إلى أن استشهد صلوات الله عليه سنة 95 وإذا كان عميد البيت لا يـفـتـر
عن النياحة مدة حياته فما ظنك بمن حواه البيت من النساء ومن شأنهن الرقة والجزع
والسيدة سكينة تأوي هذا البيت المفعم بالحزن والشجاء وفي مسامعها نشيج أخيها الحجة وتبصر
تساقط دموعه على خديه فتشاركه في الزفرة وتجاوبه بالعـبرة ولا تبارح فاكرتها الهياكل المضرجة
بالدماء وقد شاهدتهم صرعى مقطعـين الأوصال .
قــد غـير الطعـن منهم كل جارحة && إلا المكارم في أمن من الغـير
فهل تبقى لها لفتة إلى لوازم الحياة فضلا عن عـقـد مجالس الأنس والفرح بلى كانت السيدة العـفـيفة
مدة حياة أخيها الإمام وبعـده باكية نادبة على أبيها المظلوم الممنوع من الورود وأبو عبد الله حياة
الكون وري الوجود .. والماء يصدر عـنه الوحش ريانا ...
ولكن آل الزبير تحدثوا وافـتعـلوا وأكثروا
﴿فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعـدون﴾ .
خـبـر قــولـهـا الشــعــر ؟
في هذا الفصل يكذب ما نسب للسيدة سكينة (عليها السلام) من مجالس الشعـراء والتحكيم بينهم ،
فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموا لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين (عليه السلام) ، فـقـد
ذكروا أن الخنساء تقول البيت والبيتين وبعـد مقـتل أخويها بلغـت في رثائهما الغاية .
وأبيات الرثاء الذي ذكرها لها الزجاج (وعليه العهدة) لم نجد غيرها مع تـتـبعـنا ، وهو ينفي أن
يكون قائلها بمستوى من يرتضيه رواة الشعـر حكما فيما بينهم ..
ولكن اجتمعـت عداوة الزبيري ، وحقد الأموي والمرواني على الافتراء عليها ، المشتكى إلى الله
سبحانه وتعالى .
وهذه كل الأبيات التي رثت بها أبيها سيد الشهداء :
لا تـعــذلـيـه فـهــم قــاطـع طــرقه && فـعــيـنـه بـدمـوع ذرق غـــدقـــــه
إن الحـسين غــداة الطـف يرشقه && ريب المنون فما أن يخطئ الحدقه
بـكــف شــر عــبــــاد الله كــلـهــم && نسل البغـايا وجيش المرق الفسقه
يا أمة السوء هاتوا ما احتجاجكم && غـــدا وجـلكم بالسيـف قـد صفــقـه
الــويـل حـل بـكـم إلا بـمـن لـحـقـه && صــيـرتـمـوه لأرماح العــدا درقــه
يا عـيـن فاحـتـفلي طول الحياة دما && لا تـبـك ولــدا ولا أهـلا ولا رفـقـه
لكن على ابن رسول الله فاسكبي && قـيـحا ودما وفي إثـريـهـمـا العـلـقـة
خــبــر زواجــهـــا ؟
من الأباطيل التي طبل لها رواة السوء ، والمرتزقة من حثالات الأمة نسبة تعـدد الأزواج
للسيدة سكينة ، فقد خبطوا في ذلك خبط عشواء ، وغاب عنهم مقياس العلم والأخلاق والأمانة ،
فكالوا لأهل البيت الطاهرين وأتباعهم ومحبيهم شتى أنواع البهت والتهم والافتراءات ، كل ذلك
بسبب ولائهم لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
لقد كان أمر هذا التناقض في الروايات والأخبار يهون لو أنه توزع بين مراجع شتى مختلفة يتفرد
كل منها بإحدى الروايات ، فيكون أمام المحقق أن يختار أقدمها ، أو أدعاها إلى الثقة ، على هدى
القواعد المقررة للترجيح والمقابلة ، والتعديل والتجريح ، ولكن نجد كل الروايات التي أمامنا
متناقضة ، تجتمع في المصدر الواحد دون محاولة من مؤلفها للفصل بينها ، أو حسم الخلاف فيها ،
وحتى دون كلمة تؤذن بأنه يحس طبعا بهذا الخلاف .
في صفحة واحدة من كتاب الأغاني مثلا نجد أربع روايات متناقضة ، متضاربة ، سردها أبو الفرج
متتابعة دون تمحيص ثم لا شئ أكثر من هذا السرد ، وهذا يدل على كذب الراوي الأول والرواة
الذين جاؤوا بعده ، وليس له تفسير إلا الحقد الأعمى واتباع السلطان .
أما الذي عليه الشيعة أتباع مذهب أهل البيت ، فهو أن السيدة سكينة لم تتزوج غير ابن عمها
عبد الله بن الإمام الحسن (عليه السلام) فقط وفقط ، وهناك روايات تقول
ثم تزوجت بمصعب بن الزبير . .ويوافق الشيعة على زواجها بعبد الله بن الحسن (عليه السلام)
غيرهم من أهل السنة ، ويروى أن عبد الله بن الحسن هو الذي قطعت أصابعه لما كان على صدر
عمه الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء مستجـيرا به .
وفـــاتــهــا ومــَدفـنـهــا :
في طبقات ابن سعـد ، وفي تذكرة الخواص : توفيت بالمدينة وعليها
خالد بن عبد الله بن الحارث بن الحكم واليا ، ودفنت بالبقيع كما في شذرات الذهب ، نقلها
السيد محسن الأمين في أعيانه ، كانت وفاتها بالمدينة ، الخميس لخمس خلون
من شهر ربيع الأول من سنة 117 ه .
أما القبر المنسوب إليها بدمشق في مقبرة الباب الصغير فهو غير صحيح ، لإجماع أهل التاريخ
أنها دفنت بالمدينة ، ويوجد على القبر المنسوب إليها بدمشق ، صندوق من الخشب كتبت عليه
آية الكرسي بخط كوفي مشجر رأيته وأخبرني الثقة الشيخ عباس القمي النجفي الذي هو ماهر
في قراءة الخطوط الكوفية بدمشق في رجب أو شعـبان من سنة 1356 ه ، أن الاسم المكتوب
بآخر الكتابة التي على الصندوق هو (سكينة بنت الملك) وهذا بلا شك ولا ريب ، فالقبر إذا لإحدى
بنات الملوك المسماة سكينة .
إلى هنا نكتفي بترجمة حياة السيدة سكينة ورد العاديات عنها من بهت الكذابين وروايات الحاقدين
والذين يريدون المساس بكرامة آل البيت وكذلك عن أختها المظلومة
السيدة فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) .
وجاء في كتب أخرى لبعـض الأعلام (أعلى الله مقامهم) ، تفصيلاً آخر لحياة هذه السيدة الطاهرة
نوجزه لكم في التالي :
.: سكينة (آمنة) بنت الحسين :.
ترجمتها (عليها السلام) :
جاء في كتاب الملهوف على قـتـلى الطـفـوف :
سكينة بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، كريمة نبيلة ، كانت سيدة نساء عصرها ،
توفيت سنة 117 هـ ، وجاء عن سماحة الشيخ جواد المحدثي في موسوعته قال :
هي سكينة بنت الحسين (عليها السلام). كانت مشهورة بالعلم والأدب ، والمعرفة والميل الروحي
العـميق نحـو الباري ، وكان أبوها يوليها رعاية خاصة .
ذكروا أن اسمها الأصلي آمنة أو أمينة أو أُمامة ، وأمها " رباب " هي التي لقـّبتها
بلقب " سكينة " ، وهي شقيقة " علي الأصغـر " وحضرت كربلاء وهي في سم العاشرة أو
الثالثة عشر . وقيل أن الإمام الحسين (عليه السلام) لقبها يوم الطف بلقب "خيرة النسوان" .
هذه الطفلة الفاضلة يصفها الشيخ عباس القمي بالقول : " إنها امرأة تتميز بحصافة العـقـل ،
وإصابة الرأي ، وكانت أفصح الناس وأعلمهم باللغة ، والشعـر ، والفضل ، والأدب " .
بعـد العـودة من سفر الكوفة والشام إلى المدينة صارت تحت رعاية السجاد عليه السلام .
عاصرت ثلاثة من الأئمة وهم الإمام الحسين ، والإمام السجاد , والإمام الباقر عليهم السلام .
عاشت سكينة في المدينة إلى أن توفيت في عهد هشام بن عبدالملك عن سبعـين سنة .
وقبرها في المدينة ..
وجاء في كتاب أعيان الشيعة أن اسمها (ع) : أميمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) .
المعروفة بسكينة توفيت سنة 117 بالمدينة في أيام هشام بن عبد الملك .
اسم ابنة الحسين (ع) آمنة وليس سكينة :
إن المتتبع لكتب الأنساب والسير ليجد شيئا أغـفلته كتابات السير التي ترجمت
للسيدة آمنة بنت الحسين ونسبتها إلى سكينة ، وهي غفلة متعمدة أكدتها مشاريع الزبيريين ، ومن
ورائهم مشاريع الأمويين ، حتى صار ذلك أحد المرتكزات لدى العوام ، واستشرى ذلك إلى كتابات
الآخرين ، فجعلوها من المسلمات غفلة منهم ، وقلة تحقيق لديهم في هذا المضمار ...
إن الاسم الحقيقي للسيدة سكينة والتي اشتهرت على الألسن ، هو آمنة بنت الحسين ، وإنما سكينة
لقب لقبته به أمها الرباب ، وذلك لسكينتها وهدوء في طبعها غلب عليها ، حتى كانت السكينة صفة لها .
حضورها لواقعة الطف مع أبيها الحسين :
ذكر أرباب المقاتل أنَّ السيدة سكينة سلام الله عليها حضرت واقعة الطف المريرة وشهدت مقـتل
والدها الحسين (ع) ، ولها مواقـف عديدة في هذه الواقعة نذكر بعـضا منها :
1- يوم التاسع من محرم : حالت سرايا الجيش الكوفي الأموي بين الحسين (ع) وأهل بيته وبين
ماء الفرات في اليوم السابع من محرم ..
ولما كان اليوم التاسع أشتد بهم العطش في تلك الأرض الصحراوية شديدة الحرارة .
قالت سكينة بنت الحسين (ع) : عـزّ ماؤنا ليلة التاسع من المحرم ، فجفت الأواني ، ويبست الشفاه ،
حتى صرنا نتوقع الجرعة من الماء فلم نجدها .
2- اعـتـنقت سكينة جسد الحسين (عليه السلام) : جاء في كتاب أعيان الشيعة ما يلي :
وشاهدت مصرعه وروى ابن طاوس في كتاب الملهوف أن سكينة اعـتـنـقـت جسد أبيها بعـد قـتله
فاجتمع عـدة من الأعراب حتى جروها عـنه ...
وأخذت مع الأسرى والرؤوس إلى الكوفة ثم إلى الشام ثم عادت مع أخيها زين العابدين (ع)
إلى المدينة .
3- حال وداع الحسين (ع) للطاهرات من آل الرسول (ص) : ثم ذهب الحسين إلى خيام الطاهرات
من آل رسول الله، ونادى : يا سكينة ويا فاطمة ويا زينب ويا أم كلثوم : عليكنّ مني السلام فهذا
آخر الاجتماع ، وقد قرب منكنّ الافتجاع .
فعلتْ أصواتهن بالبكاء وصحْن : الوداع الوداع ، الفراق الفراق ، فجاءته عزيزته سكينة وقالت :
يا ابة استسلمت للموت ؟ فإلى من اتـّكل ؟ قال : يا نور عيني كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر
له ولا معـين . قالت : ابه ردّنا إلى حرم جـدّنا ؟ فقال الحسين : هيهات ، لو ترك القطا لغـفا ونام .
فبكت سكينة فأخذها وضمّها إلى صدره ومسح الدموع عن عينها وهو يقول :
سيطول بعـدي يا سكينة فاعلمي *** منك البكاء إذا الحِمام دهاني
لا تـحرقي قـلبي بدمـعــك حسرة *** مادام مـنيّ الروح في جثماني
فـإذا قـتـلـت فـأنـت أولى بـالـذي *** تـأتـيـنــه يــا خـيـرة النـسـوان
ثم إن الحسين دعاهن بأجمعهن ، وقال لهن : استعـدوا للبلاء واعلموا أن الله حافظكم وحاميكم ،
وسينجيكم من شر الأعـداء ويجعـل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعـذب أعاديكم بأنواع العـذاب ، ويعـوّضكم
عن هذه البليّة بأنواع النعـم والكرامة ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم .
ثم أمرهن بلبس أزرهن ومقانعهن ، فسألته زينب عن ذلك ، فقال: كأنـّي أراكم عن قريب كالإماء
والعـبيد يسوقونكم أمام الركاب ، ويسومونكم سوء العـذاب ، فنادت زينب : وا جدّاه وا قلّة ناصراه ،
فشقّت ثوبها ونتفت شعرها ولطمت على وجهها ، فقال الحسين لها : مهلاً يا بنت المرتضى إن البكاء
طويل ، فاراد الحسين أن يخرج من الخيمة فـتعـلّـقـت به زينب، وقالت : مهلاً يا أخي توقّـف حتى
أتزوّ منك ومن نظري إليك وأودّعك وداع مفارق لا تلاقي بعـده .
فجعلت تقبّل يديه ورجليه ، وأحطن به سائر النسوة يقبّلن يديه ورجليه ، فسكّتهن الحسين ، وردّهن
إلى الفسطاط .
ثم دعا بأخته زينب وصبّرها وأمرّ يده على صدرها وسكّنها من الجزع ، وذكر لها ما أعـدّ الله
للصابرين ، فقالت له : يابن أمي طب نفساً وقرّ عيناً فإنك تجدني كما تحب وترضى .
4- السيدة سكينة يوم العاشر : أما ما يتعلق بما جرى عليها في يوم العاشر من محرم فـقـد جاء
شرحه في كتب المقاتل : حينما كان الإمام الحسين يودّع عياله وأطفاله يوم عاشوراء رآها قـد
اعتـزلت النساء جانباً وهي تبكي ، فقال لها :
سيطول بعـدي يا سكينة فأعلمي
منك البـكاء إذا الحــمــام دهـاني
لا تـحـرقي قـلبي بـدمعـك حسـرة
مادام مني الـروح في جسـماني
فــإذا قُـتـلتُ فـأنــت أولـى بالـذي
تـــأتـيــنـه يا خـيـرة النــســــوان
5- سكينة في الوداع الأخير للحسين (ع) : و في الوداع الأخير جاء أهل بيته وجراحاته تشخـب دماً ،
وقال : "استعـدوا للبلاء واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم ... " .
ولمّا أراد النزول إلى القتال للمرة الخيرة ، خاطب عياله قائلاً :
"يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا أم كلثوم، عليكنَّ مِنـّي السلام ..."
وكان هذا بمثابة الوداع الأخير .
6- شيعتي مهما شربتم عذب ماء : نقل الشيخ إبراهيم الكفعمي في جنته : عن سكينة بنت الحسين(ع)
قالت : لما قتل الحسين (عليه السلام) ، اعـتـنـقـتـه فأغـمي علي فسمعـته يقول :
شيعتي ما إن شربتم && ري عذب فاذكروني
أو سمـعـتــم بغـريب && أو شهــيـد فانـدبوني
فقامت مرعـوبة قـد قرحت مآقيها ، وهي تلطم على خديها ... ( الخبر ) .
هذا بعض ما شهدته ذاكرتها سلام الله عليها في واقعة الطف ... أمَّا ما كان بعـد الطف فأنكى وأمرّ ...
مسيرها مع ركب السبايا :
رافقت السيدة سكينة (آمنة) ابنة الحسين (عليه السلام) ركب السبايا مع أخوها
الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) وعماتها وأخواتها وعيالات الحسين سلام الله عليهم ،
وتحملت المصائب والآلام والسبي ونظرات الشامتين ، وأدخلت لمجلس عبيد الله بن زياد ومجلس
يزيد بن معاوية ، وشهدت رأس الحسين يساق أمام عينيها فوق الرمح وشهدته (ع)
يقرع بقضيب يزيد وصبرت محتسبة صابرة في سبيل الله، ... وإليكم بعض ما جرى عليها وعلى