هؤلاء ممن يندرجون تحت وصف "رجال القانون"..
هؤلاء الذين ننتبه حين نقرأ أسماءهم في عناوين الجرائد التي تقول: "وأمرت النيابة بكذا".. و"النائب العام يأمر بكذا وكذا"... إلخ.
هؤلاء الذين -لمن عاصروا عقدي الثمانينيات
والتسعينيات- كان ذكرهم يأتي في أفلام "هوجة" أفلام الفساد، فتتردد دائمًا
عبارة: "هاودّي المستندات للنائب العام"!
هؤلاء الذين يشاركون بقوة في صنع الأحداث..
من هم؟
إنهم رجال النيابة العامة ....
أولاً: النائب العام
هو "نائب"، وهو "عام".. نائب عن المجتمع, وعام أي أن حدود سلطاته في
نيابة المجتمع، وإقامة عدالة واسعة مترامية الأطراف, عامة شاملة لمختلف
جوانب حياتنا القانونية.
ولكن كيف؟
الأمر بسيط.. فالمجتمع مكون من أفراد, والمفترض من المجتمع السوي أن
تنتشر بين أفراده "حاسة العدالة" -أي الرغبة في إقامة العدالة- ولكن ثمة
واقع يقول إنه ليس من حق أي إنسان أن يقتصّ لنفسه أو لغيره بيده في ظل وجود
سلطة حاكمة, وإلا تحوّل الأمر لفوضى عارمة ولسيادة شريعة الغاب.
إذن فلا بد أن يصطلح المجتمع على اختيار نواب عنه -النيابة العامة-
يرأسهم نائب أعلى هو النائب العام، يتولى تحريك الدعاوى الجنائية
والتأديبية, خاصة ما مس منها النظام العام، والأموال العامة، وحقوق الدولة.
إذن فالنائب العام هو "النائب العام عن الشعب المصري في تحريك الدعاوى القضائية ضد من يُجرمون في حق الشعب".
ولهذا فهو لا يتبع السلطة التنفيذية, فهو ليس موظفًا في وزارة العدل, بل
هو صاحب منصب مستقل يعين بقرار من رئيس الجمهورية, ويتم اختياره من بين
قضاة محكمة النقض أو الاستئناف أو من في درجاتهم من رجال القضاء.
صلاحيات النائب العام
هو الرئيس القضائي والإداري لهيئة النيابة العامة, وهو يمارس كافة
صلاحياته بنفسه, أو يمكنه -وفقًا للقانون- أن يفوض في بعضها وكلاء
النيابات.
تلك الصلاحيات تشمل تحريك الدعاوى الجنائية والتأديبية بحق موظفي
القطاع العام، ورجال الشرطة، والمسئولين في القطاعات الحكومية المختلفة,
وتشمل كذلك إصدار القرارات المقيدة للحرية, كقرار المنع من السفر, وقرار
التحفظ على الممتلكات سواء للمتهم أو لأفراد أسرته البالغين والقُصَّر,
وله حق الطعن على قرارات النيابة والقضاء, كالطعن في قرار النيابة أن "لا
وجه لإقامة الدعوى" (أي أنه لا جريمة في الأمر لتكون الدعوى القضائية من
الأساس), والطعن في قرارات الإفراج أثناء التحقيق في الاتهامات المنسوبة
للمدعى عليه, وطلبات رفع الحصانة عن أعضاء البرلمان, والأمر بالحبس
الاحتياطي للمتهمين قيد التحقيق, وغيرها من الصلاحيات المساعدة للنائب
العام في تمثيل المجتمع أمام القضاء لمحاسبة المفسدين والمجرمين في حق
الوطن.
ومن الناحية الإدارية فإن للنائب العام صلاحيات إدارية واسعة، بغرض
خدمة هدف قيام النيابة العامة بعملها كما يجب.. تلك الصلاحيات تشمل
قرارات نقل وانتداب أعضاء النيابة بين مختلف قطاعات النيابة, وتشمل كذلك
القرارات التأديبية بحق المخالفين للقوانين من أعضاء النيابة, وتوجيه
التنبيهات، أو الإنذارات، أو حتى العقوبات الإدارية لعضو النيابة المقصّر
في أداء عمله, ومخاطبة وزارة العدل فيما يخص الإشراف على السجون؛ حيث
يتم تنفيذ العقوبات الجزائية.
كل تلك الصلاحيات تجعل من منصب النائب العام منصبًا شديد الحساسية،
وتخلق لقراراته بُعدًا سياسيًا مهمًا، ولهذا فإن القضايا التي يتولى
النائب العام العمل عليها بنفسه يكون معظمها مما يمكن وصفه -بحق- بأنه
"قضية رأي عام".. ولكن بالطبع على النائب العام أن يعمل بما يمليه عليه
ضميره والقانون، دون تأثر بالضجة الإعلامية.. ولهذا فهو يكون كمن يسير
على الجمر، لهذا فإن المختار لشَغل هذا المنصب ينبغي أن يكون صاحب شخصية
قوية غير انقيادية ولا سهلة التأثر بالضغوط.. فضلاً عن عنصر الأمانة
بالطبع..
النيابة العامة
النيابة العامة هي الهيئة التي يرأسها النائب العام، وهي تتشكل من
معاونيه ومرءوسيه ممن يساعدونه -وفق سلطات كل منهم ودرجته الوظيفية
وصلاحياته- في أداء مهمته بطول البلاد وعرضها.
وهي -كالنائب العام- نيابة عن الشعب والمجتمع في أداء مهمة إقامة العدل.
ويتنوع موظفو النيابة العامة بين وكلاء نيابات ورؤساء نيابات ومعاوني
نيابات ونواب عامين مساعدين ومحامين عامين.. وكلهم يمارس مهمته كوكيل عن
النائب العام وبتفويض منه.
والنيابة العامة هي الجهة المختصة بتحريك الدعاوى الجنائية، سواء
بالبلاغ أو بالتلبّس، وتتولى كذلك متابعة مراحل تلك الدعوى خلال تولي
القضاء نظرها.. أي أنها تنوب عن الشعب في توجيه الاتهام لهذا المواطن أو
ذاك، وتنوب عنه في إحالته للقضاء وفي متابعة تولي القضاء محاكمته، وتتحدث
باسم "حق الشعب" أمام المحكمة.. وهي لا تسعى على طول الخط لإدانة المتهم
-كما يتصور البعض- بحكم تأثير الأعمال الدرامية أحيانًا في إظهار وكيل
النيابة رجلاً عدوانيًا يطلب دائمًا أقصى العقوبة للمتهم، بل إنه -أي
ممثل النيابة- لا ينتقل لخانة الادّعاء إلا بعد أن تتكون لديه "عقيدة"
-وهو التعبير المستخدم في الوسط القضائي- أن المتهم يستحق العقاب حقًا.
صلاحيات النيابة العامة
صلاحيات أفراد النيابة العامة نابعة من صلاحيات النائب العام -الرئيس
الأعلى لتلك الهيئة القضائية- فموظفوها يقومون بعملهم كنواب عنه ومساعدين
له.
وهم يؤدون مهامهم أمام كل المحاكم -عدا محكمة النقض لخصوصيتها- وفي
حال خلو منصب النائب العام أو تعذر قيامه بمهامه لسبب أو لآخر، فإن
المحامي العام الأول (أي كبير المحامين العامين) يقوم بصلاحيات النائب
العام ومهامه؛ لحين أن يُشغَل المنصب بنائب عام جديد، أو يعود النائب
العام لممارسة صلاحياته.
وبالتالي فإن صلاحياتهم تكون شبيهة بصلاحياته، وأهمها تحريك الدعاوى
الجزائية، وإصدار قرارات التحفظ الاحتياطي على المتهمين، ومباشرة
التحقيقات من خلال مختلف طرق التحقيق من انتداب خبراء واستعانة بـ"إدارة
الخبراء" بوزارة العدل، وطلب التقارير منها ومطالعة الأوراق والمستندات
المتعلقة بالقضية، وإحالة المتهم للمحكمة، وكذلك للنيابة حق عدم تحريك
الدعوى الجنائية في حالتين؛ الأولى: لو ثبت لها أن الواقعة لا تمثل
جريمة، أو أن وقائعها وملابساتها لا تكمل أركان الجريمة، فتقضي بأنه لا
وجه لإقامة الدعوى الجنائية، والحالة الثانية: هي أن تأمر النيابة بحفظ
التحقيق وإيقاف إجراءاته وعدم تحويله لدعوى جنائية، في حال ما إذا رأت أن
المتهم قد وقع عليه عقاب معنوي كافٍ من فعلته -كالأمّ المهملة لو تسببت
بالخطأ في موت ابنها- أو لو رأى مصلحة اجتماعية في حفظ التحقيق، كتحقيق
المصالحة بين المدعي والمدّعَى عليه في الحدود التي يسمح بها القانون.
وتحقيق النيابة العامة في الوقائع المرفوعة لها يكون من خلال تكليفها
الخبراء والمحققين ورجال الضبط القضائي (الشرطة) ويمكن للنيابة أن تطلب
انتداب قاضٍ للتحقيق يُدعى "قاضي التحقيقات".
لهم كذلك الإشراف على السجون وأماكن تنفيذ العقوبات ومتابعة تنفيذ تلك
العقوبات، وإعطاء الأوامر بالسماح لممثلي السلطة العامة بمقابلة
المسجونين والاتصال بهم، وإقامة الدعاوى التأديبية بحق القضاء وأعضاء
النيابة لو خالفوا القانون..
كذلك لهم اختصاصات مدنية كطلب الحكم بإشهار إفلاس التاجر المعسر،
ومتابعة شئون تركات الورثة القُصّر للمتوفى، وأموال عديمي وناقصي الأهلية
بشكل عام سواء لصغر سنهم أو لغفلة أو طيش أو إعاقة ذهنية.
أي أن وظيفة النيابة لا تقف عند الحدود الجزائية فحسب، بل هي تتولى
كذلك مهام حفظ حق "الضعفاء" من أبناء المجتمع، بالنيابة عن أفراد هذا
المجتمع.
فكرة وجود من ينوب عن الشعب في توجيه الاتهام للمتهم بجريمة في حق
المجتمع هي في الأصل فكرة منتمية للنظام القانوني "اللاتيني" -أي المستقى
من النظام الروماني القديم- والذي تبنّته فرنسا ونقلته لعدة دول منها
مصر؛ كوسيلة لخلق آلية لنيل المجتمع حقه؛ لتحول دون وقوع فوضى نتيجة سعي
كل شخص لإقامة "عدله الخاص" بنفسه..
وهي فكرة ترتضيها الأديان والأخلاق والسلوكيات الاجتماعية الراقية
التي تضع الضوابط لتحقيق التوازن بين "حق الأفراد" و"حق المجتمع"..
ولهذا فإن من الضرورة أن يدرك الجميع أهمية وجود هذا التمثيل
القانوني للشعب أمام القضاء، سواء من خلال النائب العام، أو أعضاء النيابة
العامة..