بدأت
الأيام تمر واليقين يقلّ والشك يتسرب لقلبي كقط خبيث يخدش ويترك الندوب
التي يبقى بعضها ولا يزول البعض الآخر هل صدق حدسي في أن المجلس العسكري
بالفعل حامي للثورة؟ أم إننا في حقيقة الأمر نعاقَب على هذه الثورة؟؟
إذا كان في كلامي تطاول فلتعذر
لساني الذي طال منذ الخامس والعشرين من يناير وهو داء لا يمكنني التخلص
منه ولا أرى في سبيل ذلك حلا سوى أن تستوعب كلامي ولو بصدر ضيّق، المهم أن
تسمعه فهناك عينة من المقولات التي تُرشق بها أذناي يوميا..
مشهد 1
سيارة نصف نقل تسير في الاتجاه المعاكس على طريق الأتوستراد في السابعة
صباحا وسط سباب ولعنات قادة السيارات المواجهة له وينظر قائد السيارة
السيرفيس بامتعاض إلى المرآة موجها حديثه إلى الركاب قائلا: "آدي الثورة
واللي خدناه من الثورة"!
مشهد 2
سيدة بلغت من العمر أرذله تقف
في محل يبيع الخضراوات وتسأل البائع عن سعر كيلو الطماطم فتصدم من الثمن
الذي قاله لتوّه فتقول بائسة ساخطة: "أبو الثورة على أبو العيال بتوع
التحرير"!
مشهد 3
أجلس في أحد المقاهي بالمنطقة المجاورة
لمبنى البورصة المصرية ويهب الشارع بأكمله -المليء على آخره بروّاد
المقاهي- ويهرع في الهروب وترتفع أصوات النيران وينتشر الذعر وأفقد محفظتي
وأموالي وتتحطم نظارتي وتتحول المنطقة بأكملها إلى ساحة حرب في لحظات ثم
تأتي الشرطة كما هي عادتها في الأفلام الأبيض والأسود وتأخذ أقوال المجنيّ
عليه.
وكل ما سبق يجعلني أتساءل بخبث نية وبمنتهى الشك الذي يمكن
أن تتخيله.. هل نعاقَب على ثورتنا؟ هل تمارَس ضدنا عمليات منظمة لتأليب
الشعب المصري على نفسه؟ هل نُقاد تدريجيا إلى حرب أهلية لم ينقذنا منها حتى
الآن إلا الله عز وجل؟
سيدي المشير.. إذا رأيت في كلامي تجنّيا أو
تعدّيا فاعذرني؛ فنحن الآن على شفا لحظات تاريخية تعاد فيها كتابة التاريخ
وسيلعن هذا الأخير كل من يتعلم الدرس ويرضى بالسكوت والمهادنة والملاينة
والرضاء بالحلول الوسطى حتى "انقسم وِسْطنا" في سبيل ذلك.. نعم أقولها وبكل
صدق نحن نساق بانتظام نحو شفا جهنم الحرب الأهلية وإذا كنت ترى في كلامي
كذبافلتبحث لي عن إجابة للأسئلة التالية:
لماذا لا يخرج الضباط في الأقسام بينما المواطن الغلبان تمزّقه سكين البلطجة، ورجالة الدبابير داخل الأقسام نياما في عششهم؟
لماذا تصرّ على دفع رواتب لضباط يمتنعون عن تأدية واجبهم من أموال الشعب التي يدفعها ضرائب ودمغات ورسوما وخلافه؟
لماذا تحاكم بلطجية الميدان من فرسان "موقعة الجمل الورق" أمام قاضيهم
الطبيعي في حين تحاسب الناشط وصاحب الرأي أمام قاضٍ عسكري؛ لمجرد أن المجلس
لم يحتمل نقده وطولة لسانه السياسية فقرر أن يكون الردّ سريعا ورادعا
ومفزعا؟
لماذا تصر حتى الآن على عدم إقالة القيادات الجامعية
وتتمسك بقانون لدستور أسقطته بإعلانك الدستوري؟ رغم أنك فرضت حالة الطوارئ
بدون الدستور وشرعت في عمل استفتاء غير دستوري؟
لماذا ترفض حتى
الآن أن تطبق قانون الغدر وتعزل من قامت ضدهم الثورة وتسمح لهم بالمودة
للبرلمان وممارسة "الشذوذ السياسي" نفسه الذي كانوا يرتكبونه ولكن بهويات
وأسماء أخرى تحت مسمع ومرأى ومباركة من المجلس، ولا توافق إلا بعد ضغط
ومليونيات وصراخ في قربة خُرمت على ما يبدو من قبل فلول النظام؟
لماذا دائما يكون رجال الشرطة العسكرية أشداء على معتصمي الميدان وأذلاء
على المضربين عن العمل وقاطعي الطرق لتحقيق مطالبهم الفئوية؟ مع أن الثوار
امتنعوا عن مثل هذا النوع من التظاهرات منذ اللحظة الأولى وأغلب من
يتظاهرون لتحقيق مطالب فئوية تحت اسم الثورة هم أنفسهم من يلعنونها
ويسبّونها، وسيادتكم تعرفون جيدا أن دماء الشهداء لم تسقط من أجل حافز
إثابة 200% وأرواحهم لم تقضَ من أجل تحسين ظروف العمل والمعيشة؟
لماذا لم تشكّل لجانا في كل وزارة؛ لاختيار قيادات تحتية تتماشى مع روح
الثورة خاصة أنك تعلم جيدا أن من خرج للميادين لم يتأذّوا بشكل مباشر من
الرئيس وأعوانه بل من القيادات الأصاغر التي شربت وشرّبت الفساد لمن تحتها
حتى كاد يصل للجذور؟ أم إن المطلوب أن يظل الناس يعانون ويلعنون الثورة
التي لم تأت بجديد سوى البلطجة وغلاء الأسعار؟
هل المطلوب أن نظل
نعاني ونعاني؟ هل نعاقَب على ثورتنا؟ هل نؤلّب ضد بعضنا فهذا يتعاطف مع
الثورة وذاك يكرهها؟ هل المراد من كل ما يحدث أن نصل إلى نقطة الصفر التي
يصل فيها الجميع لقناعة زائفة ولكن تامة بأن الثورة كانت نكبة؟ وتنكّس فيها
الأعلام بدلا من أن تُرفع؟ هل يساق في الصحف عما قريب سيناريوهات تبث في
نفوس المواطنين تعاطفا مع النظام السابق أو رأسه بالتحديد كتلك الكذبة
البلهاء التي ساقتها صحيفة "أخبار اليوم" بعد أيام التنحي الأولى عن خلاف
مبارك مع زوجته وابنه لأنهم "ضيّعوا تاريخه"؟ هل المطلوب أن نقول: "والله
كان راجل شريف وعظيم لكن الحاشية الفاسدة ضيّعته"؟؟ لا لن نفعل.
تجاوزت
في لغة الخطاب وربما أستحق العقاب.. أعرف ولكن هذه هي أسئلة من مواطن لا
يضاهي خبرتك ولا عمرك ولكنه مستعد للدفاع عن ثورته حتى يموت؛ لأنه صنعها
ومؤمن بها وهذا هو ما يُحدث الفارق سيدي المشير .
الأيام تمر واليقين يقلّ والشك يتسرب لقلبي كقط خبيث يخدش ويترك الندوب
التي يبقى بعضها ولا يزول البعض الآخر هل صدق حدسي في أن المجلس العسكري
بالفعل حامي للثورة؟ أم إننا في حقيقة الأمر نعاقَب على هذه الثورة؟؟
إذا كان في كلامي تطاول فلتعذر
لساني الذي طال منذ الخامس والعشرين من يناير وهو داء لا يمكنني التخلص
منه ولا أرى في سبيل ذلك حلا سوى أن تستوعب كلامي ولو بصدر ضيّق، المهم أن
تسمعه فهناك عينة من المقولات التي تُرشق بها أذناي يوميا..
مشهد 1
سيارة نصف نقل تسير في الاتجاه المعاكس على طريق الأتوستراد في السابعة
صباحا وسط سباب ولعنات قادة السيارات المواجهة له وينظر قائد السيارة
السيرفيس بامتعاض إلى المرآة موجها حديثه إلى الركاب قائلا: "آدي الثورة
واللي خدناه من الثورة"!
مشهد 2
سيدة بلغت من العمر أرذله تقف
في محل يبيع الخضراوات وتسأل البائع عن سعر كيلو الطماطم فتصدم من الثمن
الذي قاله لتوّه فتقول بائسة ساخطة: "أبو الثورة على أبو العيال بتوع
التحرير"!
مشهد 3
أجلس في أحد المقاهي بالمنطقة المجاورة
لمبنى البورصة المصرية ويهب الشارع بأكمله -المليء على آخره بروّاد
المقاهي- ويهرع في الهروب وترتفع أصوات النيران وينتشر الذعر وأفقد محفظتي
وأموالي وتتحطم نظارتي وتتحول المنطقة بأكملها إلى ساحة حرب في لحظات ثم
تأتي الشرطة كما هي عادتها في الأفلام الأبيض والأسود وتأخذ أقوال المجنيّ
عليه.
وكل ما سبق يجعلني أتساءل بخبث نية وبمنتهى الشك الذي يمكن
أن تتخيله.. هل نعاقَب على ثورتنا؟ هل تمارَس ضدنا عمليات منظمة لتأليب
الشعب المصري على نفسه؟ هل نُقاد تدريجيا إلى حرب أهلية لم ينقذنا منها حتى
الآن إلا الله عز وجل؟
سيدي المشير.. إذا رأيت في كلامي تجنّيا أو
تعدّيا فاعذرني؛ فنحن الآن على شفا لحظات تاريخية تعاد فيها كتابة التاريخ
وسيلعن هذا الأخير كل من يتعلم الدرس ويرضى بالسكوت والمهادنة والملاينة
والرضاء بالحلول الوسطى حتى "انقسم وِسْطنا" في سبيل ذلك.. نعم أقولها وبكل
صدق نحن نساق بانتظام نحو شفا جهنم الحرب الأهلية وإذا كنت ترى في كلامي
كذبافلتبحث لي عن إجابة للأسئلة التالية:
لماذا لا يخرج الضباط في الأقسام بينما المواطن الغلبان تمزّقه سكين البلطجة، ورجالة الدبابير داخل الأقسام نياما في عششهم؟
لماذا تصرّ على دفع رواتب لضباط يمتنعون عن تأدية واجبهم من أموال الشعب التي يدفعها ضرائب ودمغات ورسوما وخلافه؟
لماذا تحاكم بلطجية الميدان من فرسان "موقعة الجمل الورق" أمام قاضيهم
الطبيعي في حين تحاسب الناشط وصاحب الرأي أمام قاضٍ عسكري؛ لمجرد أن المجلس
لم يحتمل نقده وطولة لسانه السياسية فقرر أن يكون الردّ سريعا ورادعا
ومفزعا؟
لماذا تصر حتى الآن على عدم إقالة القيادات الجامعية
وتتمسك بقانون لدستور أسقطته بإعلانك الدستوري؟ رغم أنك فرضت حالة الطوارئ
بدون الدستور وشرعت في عمل استفتاء غير دستوري؟
لماذا ترفض حتى
الآن أن تطبق قانون الغدر وتعزل من قامت ضدهم الثورة وتسمح لهم بالمودة
للبرلمان وممارسة "الشذوذ السياسي" نفسه الذي كانوا يرتكبونه ولكن بهويات
وأسماء أخرى تحت مسمع ومرأى ومباركة من المجلس، ولا توافق إلا بعد ضغط
ومليونيات وصراخ في قربة خُرمت على ما يبدو من قبل فلول النظام؟
لماذا دائما يكون رجال الشرطة العسكرية أشداء على معتصمي الميدان وأذلاء
على المضربين عن العمل وقاطعي الطرق لتحقيق مطالبهم الفئوية؟ مع أن الثوار
امتنعوا عن مثل هذا النوع من التظاهرات منذ اللحظة الأولى وأغلب من
يتظاهرون لتحقيق مطالب فئوية تحت اسم الثورة هم أنفسهم من يلعنونها
ويسبّونها، وسيادتكم تعرفون جيدا أن دماء الشهداء لم تسقط من أجل حافز
إثابة 200% وأرواحهم لم تقضَ من أجل تحسين ظروف العمل والمعيشة؟
لماذا لم تشكّل لجانا في كل وزارة؛ لاختيار قيادات تحتية تتماشى مع روح
الثورة خاصة أنك تعلم جيدا أن من خرج للميادين لم يتأذّوا بشكل مباشر من
الرئيس وأعوانه بل من القيادات الأصاغر التي شربت وشرّبت الفساد لمن تحتها
حتى كاد يصل للجذور؟ أم إن المطلوب أن يظل الناس يعانون ويلعنون الثورة
التي لم تأت بجديد سوى البلطجة وغلاء الأسعار؟
هل المطلوب أن نظل
نعاني ونعاني؟ هل نعاقَب على ثورتنا؟ هل نؤلّب ضد بعضنا فهذا يتعاطف مع
الثورة وذاك يكرهها؟ هل المراد من كل ما يحدث أن نصل إلى نقطة الصفر التي
يصل فيها الجميع لقناعة زائفة ولكن تامة بأن الثورة كانت نكبة؟ وتنكّس فيها
الأعلام بدلا من أن تُرفع؟ هل يساق في الصحف عما قريب سيناريوهات تبث في
نفوس المواطنين تعاطفا مع النظام السابق أو رأسه بالتحديد كتلك الكذبة
البلهاء التي ساقتها صحيفة "أخبار اليوم" بعد أيام التنحي الأولى عن خلاف
مبارك مع زوجته وابنه لأنهم "ضيّعوا تاريخه"؟ هل المطلوب أن نقول: "والله
كان راجل شريف وعظيم لكن الحاشية الفاسدة ضيّعته"؟؟ لا لن نفعل.
تجاوزت
في لغة الخطاب وربما أستحق العقاب.. أعرف ولكن هذه هي أسئلة من مواطن لا
يضاهي خبرتك ولا عمرك ولكنه مستعد للدفاع عن ثورته حتى يموت؛ لأنه صنعها
ومؤمن بها وهذا هو ما يُحدث الفارق سيدي المشير .