لعل
اللغط الدائر الآن فيما يسمى بأزمة مشروع قانون السلطة القضائيةالجديد
والتى دارت رحاها بين جناحى العداله ، هذا الوصف الدقيق للقضاة والمحامون
هو الدافع الذى استنفر همتى واستفرقريحتى للتعرض لهذه الأزمة ومحاولة معرفة
هل هى أمر عارض تشفى منه العدالة سريعا أم هى مرضا مستوطنا متقرحا
متسرطنا
ويحتاج
الى تدخل جراحى بالبتر أم يكفى تناول بعض العقاقير القانونيه والأخلاقيه
والاجتماعيه لعلاج ما عسى أن يكون أصيب أو مرض أو استمرض ، وسأحاول ومن
خلال عملى وكونى أنتمى لهؤلاء أو قريبا من هؤلاء وأقصد بهؤلاء الأولى
المحامون والثانيه القضاة ، الغوص فى أغوار المجتمع فمنذ انهائنا الشهادة
الثانويه والتحاقنا جميعا بكلية الحقوق ويشغلنا حلم دفين وأمل عريض فى
انهاء تلك الدراسة والالتحاق باحدى الهيئات القضائية وعلى رأسها النيابة
العامه رمز الوجاهه وعنوان السلطة ويجتهد منا من يجتهد واذا بزملاء الأمس
الذين تشاركوا المحاضرات والحلم والأمل يفترقوا كلا الى طريق ويعتلى
تلك الوظائف العليا بالهيئات القضائية ذوى السلطة والسطوة والمال دونما
اعتبار للاجتهاد والتفوق ، فالواجهة الاجتماعيه هى المعيار للاختيار وليس
التفوق العلمى ولاالسمات الشخصية ، فأصبحت وظيفة عضو الهيئة القضائية خاصة
النيابة العامة حكرا على فئة معينة فترسخت فكرة ثقافة الواسطة والمحسوبيه
والرشوة اضافة الى ثقافة التوريث ( ابن القاضى قاضى ) وابن العامل تأكله
الغربان.
وهذه
حقيقة الأمر ولا مواربة يعرفها الجميع وليتظاهر أوائل الدفعات والمتفوقون
كما يشاؤا فلا حياة لمن تنادى ؛ فبتعمق الحنق على المجتمع الذى يأكل
أبناءهويميز فيما بينهم ليس فقط فى مناصب القضاء بل فى كافة مناحى العلوم
والوظائف فى مصر . الأمر الذى يطرح نفسه ما ظننا بمن جاء لمنصب القضاء
بثقافة الرشوة أو المحسوبيه أو التوريث وهو خلوا من ثمة كفاءة أو نباهة أو
استحقاق وفجأة يجد نفسه بيده الأمر والنهى يحبس هذا ويطلق سراح ذاك؛
فيحبس نفسه فى سجن السلطة واللقب الجديد ( بك ) ويأخذه غرور الشباب وغرور
السلطة فيكتفى بذلك ، ولا يتعلم الا ما يعلمه له سكرتير التحقيق من أسئلة
ضحله وأجوبه على لسانه أثناء سير التحقيقات ، فلا ابداع ولا اطلاع ولا
دراسات عليا الا نفر قليل ممن رحم ربى ربما يسلكون هذا الطريق , فاذا دخلت
على وكيل النيابة مكتبه الذى لا يباشر عمله الا بعد مرور نصف اليوم ستجده
يعبث بهاتفه المحمول أو حاسبه الآلى ( اللاب توب ) أو باحثا عن قناة
فضائيه مهتما بأثاث مكتبه ولون دهان الحوائط والتكييف ونثر معطر الهواء فى
الغرفة ويقتصر عماة على اصدار تأشيرة التصريح بحسب التعليمات ،
والقول بأنه يتلقى بعض الدورات بمعهد الدراسات القضائية فهى لا تغنى ولا
تسمن من جوع ، فالشخصية تكونت ابتداء منذ لحظة التعيين والتى لم يفصل بينه
وبين زميل دراسته الا جرة قلم وقرار بالتعيين ليصبح هو ( بك ) وزميله من
عامة الشعب ودهماء القوم ، فلماذا يشغل نفسه بالتحصيل والاطلاع وبذل الجهد
فى الوصول للحقيقة ورفع الظلم فكل المحاضر نمطيه يضع قيدها ووصفها موظفوا
الجدول الجنائى والسكرتاريه ومحاضر ( اثبات حاله ) دون التحقيق فيها أو
حتى فتحها وقراءة سطورها ويوضع عليها ختما بالحفظ كاثبات حاله ، حتى
التحقيقات نجد مذكرات الاحاله للرئاسة ضعيفه منسوخه نقلا من أخرى , فلا حرفيه , ولا صياغة , ولا لغة ولا جرأة فى اتخاذ القرار 0 ونلحظ التفات عضو النيابه العامه عن واجبات وظيفته الحقيقيه فى نصرة المظلوم
واغاثة المستغيث بتحقيق بلاغه , والتقاعس عن اتخاذ الاجراءات اللازمة
تجاه الضباط المتجاوزين ضد المواطنين أو رقابة السجون والمتابعه الاشرافيه
على الأقسام والاكتفاء بالمرور المكتبى أو على الورق ذلك لوجود زماله
تجمع كلآ منهما فكلا منهما بك أو باشا بمعنى أوضح ( رجل ذا سلطة ) الأمر
الذى أدى الى توحش رجال الشرطة وتجبرهم مما أدى الى ثورة 25 يناير وسقوطهم وهروبهم وسجن رأسهم القاتل / حبيب العادلى وزبانيته 0 ومع غرور السلطة وغرور الشباب تتشوه الشخصية القضائية ابتداءا وتتضخم الذات
وتزداد أمراضها النفسية بالعظمة والشعور بالعلو والاستعلاء , ناسيين أن
هذا المنصب ممثل المجتمع هو تكليف لا تشريف , ولا علاقة للسمات الشخصية فى
شغله أو اعتلاؤه ان صح التعبير0 فتحدث الكارثة فيضبط هذا فى واقعة تزوير
محاضر مخدرات ( الواقعة مشهورة بدائرة نيابة شبين القناطر ) ويضبط هذا
بسرقة أكشاك السجائر ( واقعة مشهورة بشارع جامعة الدول العربيه الى غير
ذلك من الوقائع( غش الامتحانات كما حدثت فى واقعة كلية الحقوق جامعة بنها
)0
فمن
هنا يجب التطهير ، منذ لحظة القبول بالوظيفة بأن يكون المعيار العلم
والأخلاق والسيرة والسمعه الذاتيه للشخص المتقدم لاعتلاء هذا المنصب بصرف
النظر عن واجهته الاجتماعيه غنيا أو فقيرا ، ابن قاض أو ابن اسكافى 0
والقول بأن اعتبارات الملائمة غير كافيه لكون والدته ربة منزل ولم تتعلم
مثلآ أو والده عامل بسيط ليس مبررا لرفضه لأن هذه العائلة تستحق التقدير
والاحترام لأنها رغم ظروفها الاجتماعيه والاقتصادية أخرجت متفوقا ولم تخرج
مجرما , ففقر أبيه وأمه ليس عيبا فيهما بل عيبا فى المجتمع الذى لم يراع
العدالة الاجتماعيه , بل أثبت التاريخ بأن من هم فى صدارة الوجاهة
الاجتماعيه هو من سرقوا البلاد والعباد ( مبارك وأركان نظامه ) ولا عجب فى
الدعوى لتطهير النيابة العامه ابتداء من قواعد الاختيار والتعيين وصولا
للمناصب العليا فيها بما فيها النائب العام ذاته حيث جرت شبهات عديدة عليه
وعلى ما يدار بمكتبه من وقائع وبلاغات تم حفظها رغم ثبوت الأدله والقرائن
مما أحالته جهات رقابيه متعددة ومنها بلاغ الرقابة الاداريه
ضد وزير الاسكان الأسبق محمد ابراهيم سليمان قبل 25 يناير , وتحت الضغط
الشعبى والمليونيات وفى ذات البلاغ وبذات الأدله والقرائن تم حبس محمد
ابراهيم سليمان واحالته لمحكمة الجنايات بالعديد من الاتهامات والبلاغات
والغريب أنه نفس البلاغ ونفس المتهم ونفس النائب العام 0 والجرائم
المنسوبة للوزير الأسبق / يوسف والى وهى جرائم يندى لها الجبين لم يحرك
فيها النائب العام ساكنا الا بعد الضغط الشعبى أيضا ومن ذلك جرائم عاطف
عبيد وأخرين 0 والغريب أنها جرائم كلها ارتكبت فى ولاية ذات النائب العام
0 ويوجد بالنيابة العامة وفى أهم أجهزتها رئيس تربطه علاقة بعاطف عبيد
شخصيا وقد تلقى منه امتيازات عينيه وخدمات كثيرة , ويعرف نفسه والغريب
أيضا أنه يعد من الذات العليا التى لا تطالها الشبهات وهو فى الحقيقة غارق
فيها فاذا كان هذا حال القاع وهذا هو حال القمة فى النيابة العامه ,
فلله الأمر من قبل ومن بعد ، وهذا لا يعنى أن النيابة العامة جميعها على
هذا النحو , كلا ولا يمكن أن أكون قاصدا هذا المعنى بل أعنى النماذج
التى تحتاج الى تطهير واصلاح سواء بقبول العضوية للأسرة القضائية ابتداء أو
التنقية لمن أفسدته السلطة والنظام 0 فالتطهير يبدأ من هنا بحسن الاختيار
وأسس وضوابط هذا الاختيار لمن يكون قائما على الدعوى العمومية والأمين
عليها والذى سيعتلى منصة القضاء حاكما وفاصلآ بالعدل بين الناس وهذا هو موضوع التطهير القادم أقصد المقالة القادمة.....
بقلم المستشار حمدي بهاء الدين عرفات
الوفد