* لماذا وكيف بدأت التحالفات الحزبية ..؟
* صعوبات وانقسامات تهدد التحالفات:
* آراء مُتباينة حول التحالفات الحزبية:
* مدى تأثير التحالفات على الحياة السياسية:
إعداد: حسني ثابت
مع بدء أول انتخابات برلمانية مُرتقبة تشهدها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 نشأت معها بعض التحالفات والتكتلات الحزبية لتتواكب مع ظواهر جديدة على الساحة السياسية في مصر، منها تزايد عدد الأحزاب بصورة لم يسبق لها مثيل في مصر، واتساع مساحة الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى نظام الانتخابات المُختلط والذي يجمع بين الانتخاب بالقائمة النسبية والانتخاب الفردي، بالإضافة إلى زيادة عدد المُسجلين للاقتراع والذي يبلغ نحو 51 مليوناً، بالإضافة إلى ما سبق زيادة الوعي السياسي لدي الشعب المصري بما فيها الاستعداد للمُشاركة في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ اجراؤها في 28 نوفمبر الجاري على ثلاث مراحل تحت إشراف قضائي كامل، وتبدأ المرحلة الأولى في محافظات القاهرة، الفيوم، الأقصر، بورسعيد، دمياط، الإسكندرية، كفر الشيخ، أسيوط، البحر الأحمر .
وهذا المشهد من الحراك السياسي الذي يشهده الشارع المصري الآن والذي يواصل من خلالها الشعب المصري ثوراته من أجل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، أفرز واجهة جديدة أو لون جديد من النشاط الحزبي، وهي التحالفات والتكتلات الحزبية لمُساعدة الأحزاب في المُنافسة، خاصة مع اتساع الدوائر الانتخابية وأصبح معها محافظة كاملة بمثابة دائرة انتخابية واحدة في حالات كثيرة، هذا مع الرغم من الصعوبات التي واجهت تلك التحالفات بسبب الثقافة السياسية السائدة وغيرها من الاعتبارات التقنية التي ستجرى بها العملية الانتخابية ورصد الأصوات ومعها تحديد الأسماء الفائزة في الانتخابات في كل دائرة على حده.
هذا مع الوضع في الاعتبار بأن الانتخابات التشريعية المقبلة تمثل أول اختبار جاد لقوة الأحزاب السياسية المصرية وقدراتها التنظيمية بعد عقود طويلة من الاحتكار السياسي والسلطوية. فالمناخ السياسي الذي تجرى فيه الانتخابات يُعد الأكثر تنافسية مع خروج الحزب الوطني "المنحل" من العملية السياسية، ككيان تنظيمي مُهيمن على مُختلف السلطات، وتوافر ضوابط مهمة لنزاهة العملية الانتخابية، مثل تحجيم القيود الأمنية، والإشراف القضائي الكامل، ومراجعة الكشوف الانتخابية.
لماذا وكيف بدأت التحالفات الحزبية ..؟
بدأت الأحزاب بمجرد حصولها على موافقة لجنة شئون الأحزاب عقب ثورة 25 يناير 2011 بترتيب أوراقها لخوض غمار العمل السياسي والحزبي والتواصل مع المجتمع للترويج لبرامجها، لتبدأ عهداً جديداً من الحرية والعمل السياسي انطلاقاً من أرضية الديمقراطية التي أرستها الثورة، وتفرض حالة الحراك السياسي بالشارع المصري عدداً من السيناريوهات المُحتملة لطريقة أداء هذه الاحزاب خلال المرحلة الراهنة، من بينها أسلوب التحالفات والتكتلات, فظهر ائتلاف القوى الإسلامية والتحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي يضم نحو 10 أحزاب يتصدره حزب "الحرية والعدالة"، بعد انسحاب عدد من الأحزاب على رأسها "حزب الوفد"، بجانب تحالفات "الكتلة المصرية" المتكونة من أحزاب ليبرالية ويسارية هي أحزاب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" و "المصريين الأحرار" و "التجمع"، بعد انسحاب عدد من الأحزاب، منها حزب مصر الحرية، الوعي، الجبهة الديمقراطية، التحالف الشعبي الشيوعي المصري، التحرير الصوفي، الجمعية الوطنية للتغيير، المجلس الوطني، نقابة الفلاحين المستقلة، نقابة العمال المستقلة.
بدأت مسيرة التحالفات على الساحة الحزبية بـ "التحالف الديمقراطي" الذي تكون مما يقرب من 43 حزباً، ولكن اختلافات أدت إلى خروج عدد من الأحزاب منه، بداية بـ "الوفد"، ونهاية بالجماعة الإسلامية والعربي الناصري الذى يفكر في تكوين كتلة جديدة، كما خرج من رحم التحالف الديمقراطي ما يُسمى بـ"الكتلة الإسلامية" التي تتكون من أحزاب "الوسط" و "البناء والتنمية"، التابع للجماعة الإسلامية، و"النور" و"الأصالة" للسلفيين، حيث رأت تلك الأحزاب أن اتحادها في كتلة واحدة سيُشكل جبهة خاصة في مواجهة التحالفات الأخرى.
على الجانب العلماني، ظهرت "الكتلة المصرية" التى بدأت بـ 15 حزباً ثم حدثت انشقاقات انبثقت عنها كتلة "الثورة مستمرة" والتي تمثل التيار اليساري وتتكون من سبعة أحزاب حتى الآن.
وقد شهدت عملية بناء تلك التحالفات في الآونة الأخيرة بعض التقدم، حيث أبدى عدداً من الأحزاب استعدادها لتقديم تنازلات مُتبادلة بدرجات متفاوتة على صعيد مواقفها السياسية لتيسير التوافق بينها، وحدث ذلك بين أحزاب تنتمي إلى اتجاهات مختلفة منها ليبرالية وإسلامية وناصرية في إطار "التحالف الديمقراطي من أجل مصر". كما حدث مثله بين أحزاب تنتمي إلى اتجاه واحد أو اتجاهات مختلفة في توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية ولكنها مُتفقة على استبعاد التيارات الإسلامية، فقد توافقت هذه الأحزاب على بناء تحالف أطلقت عليه "الكتلة المصرية".
لكن هذين التحالفين لم يصمدا عندما بدأ النقاش حول قوائم المرشحين، إذ اختلفت أحزابهما على معايير اختيار هؤلاء المرشحين والنسبة التي يستحقها كل حزب، كما اشتد الخلاف في معظم الأحيان على ترتيب هؤلاء المرشحين في القوائم، بالإضافة إلى بعض الاعتبارات التقنية المرتبطة بنظام الانتخاب الجديد في مصر مشاكل عملية هائلة لم يتمكن التحالفان الأساسيان من حلها، مما أدى إلى انسحاب بعض الأحزاب من "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" وانقسام "الكتلة المصرية" إلى تحالفين.
وبالتالي فقد انخفض عدد أحزاب "التحالف الديمقراطي" التي ستخوض الانتخابات على قوائمه إلى 10 أحزاب من 28 حزباً، وهي الحرية والعدالة (إسلامي)، والغد (ليبرالي)، والكرامة (ناصري)، والعمل (إسلامي قومي)، والإصلاح والنهضة، والحضارة (إسلاميان ليبراليان) بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الصغيرة هي الجيل، ومصر العربي الاشتراكي، والأحرار، والحرية والتنمية.
أما "الكتلة المصرية" فقد بقيت فيها ثلاثة أحزاب فقط هي المصريون الأحرار (ليبرالي)، والمصري الديمقراطي الاجتماعي (يسار وسط)، والتجمع (يسار تقليدي)، فيما تركتها عدة أحزاب أخرى أقامت تحالفاً ثالثاً تحت اسم "الثورة مستمرة" بقيادة التحالف الشعبي الاشتراكي (يسار جديد)، وعدد من الأحزاب الجديدة وأخرى تحت التأسيس بينها حزب يضم شباباً منشقين على جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرهم، وهم "الحزب الاشتراكي المصري" و "حزب المساواة والتنمية" و "حزب التيار المصري" و "ائتلاف شباب الثورة" و "حزب مصر الحرية" و "حزب التحالف المصري".
وإلى جانب هذه التحالفات الثلاثة، نشأ تحالف إسلامي نتيجة انسحاب حزبين من التحالف الديمقراطي، هما حزب "الأصالة" السلفي وحزب "البناء والتنمية" المرتبط بالجماعة الإسلامية التي راجعت توجهاتها العنيفة والتحقت بالعمل السياسي، وانضمامهما إلى حزب النور الذي يعتبر أكبر الأحزاب السلفية في مصر الآن، ومعهم "حزب مصر والبناء"، تحت اسم "تحالف من أجل مصر".
وفضلا عن هذه التحالفات الأربعة، يوجد تحالف ضمني بين بعض الأحزاب الجديدة التي أسسها قياديون في الحزب الحاكم السابق (الوطني) الذي قرر القضاء حله، مثل "حزب الحرية" و "حزب المواطن المصري" و "حزب الاتحاد" و "حزب مصر القومي" و "حزب مصر الحديثة" و "حزب المحافظين".
صعوبات وانقسامات تهدد التحالفات:
في أعقاب فتح باب الترشيح لأول انتخابات برلمانية بعد الثورة، شهدت الأحزاب حالة من انهيار للتحالفات الحزبية التى ظلت نحو شهرين تسعى لضم أكبر عدد من الأحزاب التى وُلدت بعد الثورة، وأن انهيار التحالفات تعددت أسبابه والنتيجة واحدة، خاصة سيطرة الفلول "أعضاء الحزب الوطني المُنحل" على بعض قوائم التحالفات.
واجهت التحالفات والتكتلات الحزبية صوراً مختلفة من الصعوبات والأزمات التي تهدد استمرارها، فقد توالت قرارات الانسحاب التي أعقبت الانقسامات والصدامات بين الأحزاب المُشاركة في التحالف، خاصة فيما يتعلق بنسبة كل منها في الترشيحات الانتخابية للبرلمان المرتقب وغيرها من الأمور، وأنها تضم العديد من الأحزاب الكرتونية لاعتبارات كثيرة، فهي أحزاب وليدة تفتقر إلى المُمارسة الحزبية السليمة واتقان اللعبة السياسية.
بالإضافة إلى ما سبق فخريطة التحالفات السياسية تتسم بغياب الاتساق الأيديولوجي بين أحزابها، مما أدى لتفككها قبيل بدء الانتخابات، وطغت الخلافات حول ترتيب القوائم على الأهداف الوطنية التي أنشئت من أجلها تلك التحالفات. وفي النهاية، بدأت التحالفات تتمحور بين ثلاثة تيارات، أولها يسعى لمواجهة فلول الحزب الوطني، والثاني يسعى للحفاظ على مدنية الدولة، وموازنة قوة الأحزاب الإسلامية. أما الثالث، فيمثل الأحزاب السلفية بمواقفها المحافظة والتقليدية من مدنية الدولة والعلمانية والمواطنة.
فمن جانبه قال محمد السعيد إدريس - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - إن خروج بعض الأحزاب من التحالفات الانتخابية ظاهرة طبيعية في ظل أول تجربة انتخابية حقيقية تخوضها الأحزاب المصرية، مؤكدا أن جميع الأحزاب تتصور أنها الأحق بالمقاعد رغم أنها لم تختبر شعبيتها.
وتوقع إدريس ظهور تحالفات جديدة وقوائم جديدة وانتقال بعض الأحزاب من تحالف إلى تحالف آخر خلال الفترة الحالية، بسبب تنازع المصالح، مشيراً إلى أن وضع الأحزاب والتحالفات بينها سيختلف بعد خمس سنوات ليُصبح أكثر منطقية ونضجاً.
فيما اعتبر الدكتور محمد فؤاد جاد الله - نائب رئيس مجلس الدولة وخبير النظم السياسية - أن السبب الرئيسي في انقسام تحالفات الأحزاب هو اختلافها على توزيع المقاعد وترتيب المرشحين بالقوائم، فقد عبر عن تخوفه من أن تنتقل تلك الانقسامات إلى البرلمان القادم، وأقر أن انعكاس هذا الأمر على تشكيل الحكومة له مميزات وعيوب، تتمثل مميزاته فى "وجود أغلبية برلمانية" من خلال تحالف سياسي يقوم بتشكيل الحكومة، في حين ستكون من بين عيوبه "تشكيل حكومة ائتلافية"؛ لأن فرصها فى الاستمرار ستكون ضعيفة وقوتها أقل في حال حدوث أي خلاف بين الأحزاب التي تشكلها، لكن الذى يحد من هذا هو أننا مازلنا في مصر ننتهج النظام الرئاسي.
وعلى جانب آخر أوضح الدكتور مجدي قرقر - القيادى بحزب العمل وأحد أحزاب التحالف الديمقراطى - أن الانشقاقات التي تحدث فى التحالفات الآن، والتي نتج عنها تحالفات جديدة "وضع طبيعى"، فوجود أكثر من تحالف للدخول في الانتخابات أمر متوقع، مُشيراً إلى أنه لا يمكن للأحزاب أن يشكلوا القوائم بمفردهم، وبدون هذه التحالفات ستتفتت الأحزاب وكذلك البرلمان، متوقعاً أنه خلال عامين من الآن لن نجد سوى ثلاثة أو أربعة أحزاب كبيرة، فيما ستتلاشى الأحزاب والتكتلات الصغيرة.
بينما يرى أبو العز الحريري، البرلماني السابق وعضو تحالف "الثورة مستمرة"، أننا نعيش الآن حياة جديدة تنشأ معها أحزاب جديدة لم تستقر بعد على توجه موحد، وبالتالي فإن الانتخابات جاءت بمثابة المفاجأة بالنسبة لها.
آراء مُتباينة حول التحالفات الحزبية:
التحالفات الحزبية أضحت حالياً سمة مُميزة للحياة السياسية في البلاد، بعدما رسمت بأعدادها الكبيرة المشهد السياسي خلال الفترة الماضية، وقد يعتبر البعض أن ظهور التكتلات السياسية بهذا العدد بعد الثورة أمراً طبيعياً لحياة سياسية وليدة لا يجب الانزعاج منها، خاصة في أعقاب ثورة صنعت تحولاً فارقاً على صعيد الحريات، لتترك المجال مفتوحاً أمام الأحزاب الجديدة منها والقديمة لتختار مصيرها في ظل ظروف اقتصادية وسياسية أجبرتها على الدخول والاندماج في تكتلات سياسية.
فمن جانبه يرى الدكتور نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن التحالفات السياسية المختلفة التي تشهدها مصر حالياً ضرورة سياسية وانتخابية خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، مُشيراً إلى أن تحالف الأحزاب مع بعضها البعض مهم للبحث عن تفاهمات سياسية حول آليات كتابة الدستور القادم وطبيعة الدولة المصرية في المرحلة المقبلة بعيداً عن محاولة أي طرف فرض رؤيته على الطرف الآخر.
بينما حذر عبد الفتاح من خطورة الاستقطاب الحاد بين تلك التحالفات، والذي يُمكن أن يؤدي إلى مزيد من الفجوات وعدم الثقة خاصة بين القوى الإسلامية والقوى الأخرى، الأمر الذي يؤثر على استقرار الدولة خاصة في ظل استمرار الغياب الأمني ووجود رموز نظام مبارك وسياسات في كافة إدارات الدولة، وأن استمرار السجالات والصراعات بين القوى السياسية، وحدوث انقسام بعض التحالفات بسبب قلة الخبرة والمُمارسة السياسية لدى الجميع في مصر سينعكس بالسلب على المستثمرين الأجانب مما يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وبناء صورة ذهنية سيئة عن البلاد لدى المجتمع الدولي خاصة الدول الكبرى.
ومن جانبه يرى عبد الله السناوي - الكاتب الصحفي - أن مصر بعد ثورة 25 يناير أقرب إلى أن تكون بركاناً سياسياً ستكون له توابعه بعد انفجاره، مؤكداً على أنه من الطبيعي أن تحدث تحالفات وتغيير سواء تقام بعضها بشكل برجماتي أو أيديولوجي، ولكن ستشهد خروج أطراف ودخول أطراف أخرى في ظل غموض برامجها، بما يؤكد أننا أمام مرحلة تبديل وتوفيق ومُفاجآت كثيرة تحمل مرحلة التحالفات المستمرة.
وعلى جانب آخر قال الدكتور جمال زهران ـ من أبرز نواب البرلمان السابق ورئيس كتلة المستقلين واستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد" بإنه لا يجب علينا القلق من زيادة عدد الأحزاب السياسية، فالمجتمعات التي تخرج من الثورات إلى فترات النهضة لا يكون هناك مانع من تعدد الأحزاب لأن هذا في النهاية يثرى الحياة السياسية، فكل هذه الأحزاب تتبلور حول اتجاهات فكرية أربعة وهي التيار الديني والتيار الليبرالي والتيار اليساري بكافة أفكاره والتيار القومي العروبي، فالأحزاب كلها تدور برامجها الانتخابية في ظل تلك التيارات الأربعة وسوف تنتهي في صورة تحالفات وقوى.
مدى تأثير التحالفات على الحياة السياسية:
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو "إلى أي مدى ستؤثر هذه التحالفات البرلمانية على الحياة السياسية" ، خاصة مع وجود هذا الكم من الخلافات التي لا تتفق مع المصلحة الوطنية للبلاد.
فقد يرى البعض أنه من المتوقع أن تحقق مثل هذه التحالفات مصلحة عامة لمصر، وخلق قوى سياسية لديها القدرة على دفع الحياة السياسية المصرية نحو الأفضل، كما أنها ستعمل على تحجيم سيطرة أو هيمنة أى قوى سياسية، حيث يهدف التحالف إلى تقسيم نسبة كل حزب داخل البرلمان عن طريق التنسيق بين قوى التحالف حسب قدرة كل حزب على حده، كما أن الاختلاف الفكري بين قوى التحالف أمر منطقي، فكل حزب له برنامجه الخاص به ورؤيته السياسية مما يخلق جواً ديمقراطياً، حيث أن تباين وجهات النظر المختلفة يؤدي إلى اختيار أنسب وأفضل الرؤى السياسية والتي تصب في النهاية لمصلحة المواطن المصري.
وفي نفس السياق يؤكد الدكتور أحمد أبو بركة- القيادى بحزب الحرية والعدالة - أن التحالفات بالرغم من كثرتها سيكون لها تأثير إيجابي على الحياة السياسية؛ إلا أنها ستشكل كتلاً في برلمان يُمثل فيه كافة التيارات السياسية، وبالتالي ستكون هذه التحالفات بمثابة عُنصر دفع وعُنصر قوة في وجود البرلمان وفاعليته.
وأشار إلى أن هذا ينطبق على جميع التحالفات أياً كان نوعيتها؛ لأنها هي التي تشكل التجمعات بحيث يتكون منها في النهاية كتل صغيرة وأخرى كبيرة، لكنه حذر من التفتت والتشرذم، والذي سيُفتت البرلمان، على حد قوله.
وعلى الرغم من الارتباك الذي يشوب خريطة التحالفات الانتخابية في مصر على هذا النحو، فهي تعتبر في جميع الأحوال بداية تجربة جديدة قد تؤسس لنقلة في الحياة السياسية المصرية إذا صمدت حتى نهاية الانتخابات، ولكن هذا التطور يتوقف، في النهاية، على نجاح الانتخابات التي ستُجرى بدءً من 28 نوفمبر الجاري وحتى 12 يناير القادم في أجواء صعبة تسود مرحلة انتقال مُرتبكة.
* صعوبات وانقسامات تهدد التحالفات:
* آراء مُتباينة حول التحالفات الحزبية:
* مدى تأثير التحالفات على الحياة السياسية:
إعداد: حسني ثابت
مع بدء أول انتخابات برلمانية مُرتقبة تشهدها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 نشأت معها بعض التحالفات والتكتلات الحزبية لتتواكب مع ظواهر جديدة على الساحة السياسية في مصر، منها تزايد عدد الأحزاب بصورة لم يسبق لها مثيل في مصر، واتساع مساحة الدوائر الانتخابية، بالإضافة إلى نظام الانتخابات المُختلط والذي يجمع بين الانتخاب بالقائمة النسبية والانتخاب الفردي، بالإضافة إلى زيادة عدد المُسجلين للاقتراع والذي يبلغ نحو 51 مليوناً، بالإضافة إلى ما سبق زيادة الوعي السياسي لدي الشعب المصري بما فيها الاستعداد للمُشاركة في الانتخابات البرلمانية التي ستبدأ اجراؤها في 28 نوفمبر الجاري على ثلاث مراحل تحت إشراف قضائي كامل، وتبدأ المرحلة الأولى في محافظات القاهرة، الفيوم، الأقصر، بورسعيد، دمياط، الإسكندرية، كفر الشيخ، أسيوط، البحر الأحمر .
وهذا المشهد من الحراك السياسي الذي يشهده الشارع المصري الآن والذي يواصل من خلالها الشعب المصري ثوراته من أجل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود، أفرز واجهة جديدة أو لون جديد من النشاط الحزبي، وهي التحالفات والتكتلات الحزبية لمُساعدة الأحزاب في المُنافسة، خاصة مع اتساع الدوائر الانتخابية وأصبح معها محافظة كاملة بمثابة دائرة انتخابية واحدة في حالات كثيرة، هذا مع الرغم من الصعوبات التي واجهت تلك التحالفات بسبب الثقافة السياسية السائدة وغيرها من الاعتبارات التقنية التي ستجرى بها العملية الانتخابية ورصد الأصوات ومعها تحديد الأسماء الفائزة في الانتخابات في كل دائرة على حده.
هذا مع الوضع في الاعتبار بأن الانتخابات التشريعية المقبلة تمثل أول اختبار جاد لقوة الأحزاب السياسية المصرية وقدراتها التنظيمية بعد عقود طويلة من الاحتكار السياسي والسلطوية. فالمناخ السياسي الذي تجرى فيه الانتخابات يُعد الأكثر تنافسية مع خروج الحزب الوطني "المنحل" من العملية السياسية، ككيان تنظيمي مُهيمن على مُختلف السلطات، وتوافر ضوابط مهمة لنزاهة العملية الانتخابية، مثل تحجيم القيود الأمنية، والإشراف القضائي الكامل، ومراجعة الكشوف الانتخابية.
لماذا وكيف بدأت التحالفات الحزبية ..؟
بدأت الأحزاب بمجرد حصولها على موافقة لجنة شئون الأحزاب عقب ثورة 25 يناير 2011 بترتيب أوراقها لخوض غمار العمل السياسي والحزبي والتواصل مع المجتمع للترويج لبرامجها، لتبدأ عهداً جديداً من الحرية والعمل السياسي انطلاقاً من أرضية الديمقراطية التي أرستها الثورة، وتفرض حالة الحراك السياسي بالشارع المصري عدداً من السيناريوهات المُحتملة لطريقة أداء هذه الاحزاب خلال المرحلة الراهنة، من بينها أسلوب التحالفات والتكتلات, فظهر ائتلاف القوى الإسلامية والتحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي يضم نحو 10 أحزاب يتصدره حزب "الحرية والعدالة"، بعد انسحاب عدد من الأحزاب على رأسها "حزب الوفد"، بجانب تحالفات "الكتلة المصرية" المتكونة من أحزاب ليبرالية ويسارية هي أحزاب "المصري الديمقراطي الاجتماعي" و "المصريين الأحرار" و "التجمع"، بعد انسحاب عدد من الأحزاب، منها حزب مصر الحرية، الوعي، الجبهة الديمقراطية، التحالف الشعبي الشيوعي المصري، التحرير الصوفي، الجمعية الوطنية للتغيير، المجلس الوطني، نقابة الفلاحين المستقلة، نقابة العمال المستقلة.
بدأت مسيرة التحالفات على الساحة الحزبية بـ "التحالف الديمقراطي" الذي تكون مما يقرب من 43 حزباً، ولكن اختلافات أدت إلى خروج عدد من الأحزاب منه، بداية بـ "الوفد"، ونهاية بالجماعة الإسلامية والعربي الناصري الذى يفكر في تكوين كتلة جديدة، كما خرج من رحم التحالف الديمقراطي ما يُسمى بـ"الكتلة الإسلامية" التي تتكون من أحزاب "الوسط" و "البناء والتنمية"، التابع للجماعة الإسلامية، و"النور" و"الأصالة" للسلفيين، حيث رأت تلك الأحزاب أن اتحادها في كتلة واحدة سيُشكل جبهة خاصة في مواجهة التحالفات الأخرى.
على الجانب العلماني، ظهرت "الكتلة المصرية" التى بدأت بـ 15 حزباً ثم حدثت انشقاقات انبثقت عنها كتلة "الثورة مستمرة" والتي تمثل التيار اليساري وتتكون من سبعة أحزاب حتى الآن.
وقد شهدت عملية بناء تلك التحالفات في الآونة الأخيرة بعض التقدم، حيث أبدى عدداً من الأحزاب استعدادها لتقديم تنازلات مُتبادلة بدرجات متفاوتة على صعيد مواقفها السياسية لتيسير التوافق بينها، وحدث ذلك بين أحزاب تنتمي إلى اتجاهات مختلفة منها ليبرالية وإسلامية وناصرية في إطار "التحالف الديمقراطي من أجل مصر". كما حدث مثله بين أحزاب تنتمي إلى اتجاه واحد أو اتجاهات مختلفة في توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية ولكنها مُتفقة على استبعاد التيارات الإسلامية، فقد توافقت هذه الأحزاب على بناء تحالف أطلقت عليه "الكتلة المصرية".
لكن هذين التحالفين لم يصمدا عندما بدأ النقاش حول قوائم المرشحين، إذ اختلفت أحزابهما على معايير اختيار هؤلاء المرشحين والنسبة التي يستحقها كل حزب، كما اشتد الخلاف في معظم الأحيان على ترتيب هؤلاء المرشحين في القوائم، بالإضافة إلى بعض الاعتبارات التقنية المرتبطة بنظام الانتخاب الجديد في مصر مشاكل عملية هائلة لم يتمكن التحالفان الأساسيان من حلها، مما أدى إلى انسحاب بعض الأحزاب من "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" وانقسام "الكتلة المصرية" إلى تحالفين.
وبالتالي فقد انخفض عدد أحزاب "التحالف الديمقراطي" التي ستخوض الانتخابات على قوائمه إلى 10 أحزاب من 28 حزباً، وهي الحرية والعدالة (إسلامي)، والغد (ليبرالي)، والكرامة (ناصري)، والعمل (إسلامي قومي)، والإصلاح والنهضة، والحضارة (إسلاميان ليبراليان) بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الصغيرة هي الجيل، ومصر العربي الاشتراكي، والأحرار، والحرية والتنمية.
أما "الكتلة المصرية" فقد بقيت فيها ثلاثة أحزاب فقط هي المصريون الأحرار (ليبرالي)، والمصري الديمقراطي الاجتماعي (يسار وسط)، والتجمع (يسار تقليدي)، فيما تركتها عدة أحزاب أخرى أقامت تحالفاً ثالثاً تحت اسم "الثورة مستمرة" بقيادة التحالف الشعبي الاشتراكي (يسار جديد)، وعدد من الأحزاب الجديدة وأخرى تحت التأسيس بينها حزب يضم شباباً منشقين على جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرهم، وهم "الحزب الاشتراكي المصري" و "حزب المساواة والتنمية" و "حزب التيار المصري" و "ائتلاف شباب الثورة" و "حزب مصر الحرية" و "حزب التحالف المصري".
وإلى جانب هذه التحالفات الثلاثة، نشأ تحالف إسلامي نتيجة انسحاب حزبين من التحالف الديمقراطي، هما حزب "الأصالة" السلفي وحزب "البناء والتنمية" المرتبط بالجماعة الإسلامية التي راجعت توجهاتها العنيفة والتحقت بالعمل السياسي، وانضمامهما إلى حزب النور الذي يعتبر أكبر الأحزاب السلفية في مصر الآن، ومعهم "حزب مصر والبناء"، تحت اسم "تحالف من أجل مصر".
وفضلا عن هذه التحالفات الأربعة، يوجد تحالف ضمني بين بعض الأحزاب الجديدة التي أسسها قياديون في الحزب الحاكم السابق (الوطني) الذي قرر القضاء حله، مثل "حزب الحرية" و "حزب المواطن المصري" و "حزب الاتحاد" و "حزب مصر القومي" و "حزب مصر الحديثة" و "حزب المحافظين".
صعوبات وانقسامات تهدد التحالفات:
في أعقاب فتح باب الترشيح لأول انتخابات برلمانية بعد الثورة، شهدت الأحزاب حالة من انهيار للتحالفات الحزبية التى ظلت نحو شهرين تسعى لضم أكبر عدد من الأحزاب التى وُلدت بعد الثورة، وأن انهيار التحالفات تعددت أسبابه والنتيجة واحدة، خاصة سيطرة الفلول "أعضاء الحزب الوطني المُنحل" على بعض قوائم التحالفات.
واجهت التحالفات والتكتلات الحزبية صوراً مختلفة من الصعوبات والأزمات التي تهدد استمرارها، فقد توالت قرارات الانسحاب التي أعقبت الانقسامات والصدامات بين الأحزاب المُشاركة في التحالف، خاصة فيما يتعلق بنسبة كل منها في الترشيحات الانتخابية للبرلمان المرتقب وغيرها من الأمور، وأنها تضم العديد من الأحزاب الكرتونية لاعتبارات كثيرة، فهي أحزاب وليدة تفتقر إلى المُمارسة الحزبية السليمة واتقان اللعبة السياسية.
بالإضافة إلى ما سبق فخريطة التحالفات السياسية تتسم بغياب الاتساق الأيديولوجي بين أحزابها، مما أدى لتفككها قبيل بدء الانتخابات، وطغت الخلافات حول ترتيب القوائم على الأهداف الوطنية التي أنشئت من أجلها تلك التحالفات. وفي النهاية، بدأت التحالفات تتمحور بين ثلاثة تيارات، أولها يسعى لمواجهة فلول الحزب الوطني، والثاني يسعى للحفاظ على مدنية الدولة، وموازنة قوة الأحزاب الإسلامية. أما الثالث، فيمثل الأحزاب السلفية بمواقفها المحافظة والتقليدية من مدنية الدولة والعلمانية والمواطنة.
فمن جانبه قال محمد السعيد إدريس - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - إن خروج بعض الأحزاب من التحالفات الانتخابية ظاهرة طبيعية في ظل أول تجربة انتخابية حقيقية تخوضها الأحزاب المصرية، مؤكدا أن جميع الأحزاب تتصور أنها الأحق بالمقاعد رغم أنها لم تختبر شعبيتها.
وتوقع إدريس ظهور تحالفات جديدة وقوائم جديدة وانتقال بعض الأحزاب من تحالف إلى تحالف آخر خلال الفترة الحالية، بسبب تنازع المصالح، مشيراً إلى أن وضع الأحزاب والتحالفات بينها سيختلف بعد خمس سنوات ليُصبح أكثر منطقية ونضجاً.
فيما اعتبر الدكتور محمد فؤاد جاد الله - نائب رئيس مجلس الدولة وخبير النظم السياسية - أن السبب الرئيسي في انقسام تحالفات الأحزاب هو اختلافها على توزيع المقاعد وترتيب المرشحين بالقوائم، فقد عبر عن تخوفه من أن تنتقل تلك الانقسامات إلى البرلمان القادم، وأقر أن انعكاس هذا الأمر على تشكيل الحكومة له مميزات وعيوب، تتمثل مميزاته فى "وجود أغلبية برلمانية" من خلال تحالف سياسي يقوم بتشكيل الحكومة، في حين ستكون من بين عيوبه "تشكيل حكومة ائتلافية"؛ لأن فرصها فى الاستمرار ستكون ضعيفة وقوتها أقل في حال حدوث أي خلاف بين الأحزاب التي تشكلها، لكن الذى يحد من هذا هو أننا مازلنا في مصر ننتهج النظام الرئاسي.
وعلى جانب آخر أوضح الدكتور مجدي قرقر - القيادى بحزب العمل وأحد أحزاب التحالف الديمقراطى - أن الانشقاقات التي تحدث فى التحالفات الآن، والتي نتج عنها تحالفات جديدة "وضع طبيعى"، فوجود أكثر من تحالف للدخول في الانتخابات أمر متوقع، مُشيراً إلى أنه لا يمكن للأحزاب أن يشكلوا القوائم بمفردهم، وبدون هذه التحالفات ستتفتت الأحزاب وكذلك البرلمان، متوقعاً أنه خلال عامين من الآن لن نجد سوى ثلاثة أو أربعة أحزاب كبيرة، فيما ستتلاشى الأحزاب والتكتلات الصغيرة.
بينما يرى أبو العز الحريري، البرلماني السابق وعضو تحالف "الثورة مستمرة"، أننا نعيش الآن حياة جديدة تنشأ معها أحزاب جديدة لم تستقر بعد على توجه موحد، وبالتالي فإن الانتخابات جاءت بمثابة المفاجأة بالنسبة لها.
آراء مُتباينة حول التحالفات الحزبية:
التحالفات الحزبية أضحت حالياً سمة مُميزة للحياة السياسية في البلاد، بعدما رسمت بأعدادها الكبيرة المشهد السياسي خلال الفترة الماضية، وقد يعتبر البعض أن ظهور التكتلات السياسية بهذا العدد بعد الثورة أمراً طبيعياً لحياة سياسية وليدة لا يجب الانزعاج منها، خاصة في أعقاب ثورة صنعت تحولاً فارقاً على صعيد الحريات، لتترك المجال مفتوحاً أمام الأحزاب الجديدة منها والقديمة لتختار مصيرها في ظل ظروف اقتصادية وسياسية أجبرتها على الدخول والاندماج في تكتلات سياسية.
فمن جانبه يرى الدكتور نبيل عبد الفتاح الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن التحالفات السياسية المختلفة التي تشهدها مصر حالياً ضرورة سياسية وانتخابية خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، مُشيراً إلى أن تحالف الأحزاب مع بعضها البعض مهم للبحث عن تفاهمات سياسية حول آليات كتابة الدستور القادم وطبيعة الدولة المصرية في المرحلة المقبلة بعيداً عن محاولة أي طرف فرض رؤيته على الطرف الآخر.
بينما حذر عبد الفتاح من خطورة الاستقطاب الحاد بين تلك التحالفات، والذي يُمكن أن يؤدي إلى مزيد من الفجوات وعدم الثقة خاصة بين القوى الإسلامية والقوى الأخرى، الأمر الذي يؤثر على استقرار الدولة خاصة في ظل استمرار الغياب الأمني ووجود رموز نظام مبارك وسياسات في كافة إدارات الدولة، وأن استمرار السجالات والصراعات بين القوى السياسية، وحدوث انقسام بعض التحالفات بسبب قلة الخبرة والمُمارسة السياسية لدى الجميع في مصر سينعكس بالسلب على المستثمرين الأجانب مما يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد وبناء صورة ذهنية سيئة عن البلاد لدى المجتمع الدولي خاصة الدول الكبرى.
ومن جانبه يرى عبد الله السناوي - الكاتب الصحفي - أن مصر بعد ثورة 25 يناير أقرب إلى أن تكون بركاناً سياسياً ستكون له توابعه بعد انفجاره، مؤكداً على أنه من الطبيعي أن تحدث تحالفات وتغيير سواء تقام بعضها بشكل برجماتي أو أيديولوجي، ولكن ستشهد خروج أطراف ودخول أطراف أخرى في ظل غموض برامجها، بما يؤكد أننا أمام مرحلة تبديل وتوفيق ومُفاجآت كثيرة تحمل مرحلة التحالفات المستمرة.
وعلى جانب آخر قال الدكتور جمال زهران ـ من أبرز نواب البرلمان السابق ورئيس كتلة المستقلين واستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد" بإنه لا يجب علينا القلق من زيادة عدد الأحزاب السياسية، فالمجتمعات التي تخرج من الثورات إلى فترات النهضة لا يكون هناك مانع من تعدد الأحزاب لأن هذا في النهاية يثرى الحياة السياسية، فكل هذه الأحزاب تتبلور حول اتجاهات فكرية أربعة وهي التيار الديني والتيار الليبرالي والتيار اليساري بكافة أفكاره والتيار القومي العروبي، فالأحزاب كلها تدور برامجها الانتخابية في ظل تلك التيارات الأربعة وسوف تنتهي في صورة تحالفات وقوى.
مدى تأثير التحالفات على الحياة السياسية:
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو "إلى أي مدى ستؤثر هذه التحالفات البرلمانية على الحياة السياسية" ، خاصة مع وجود هذا الكم من الخلافات التي لا تتفق مع المصلحة الوطنية للبلاد.
فقد يرى البعض أنه من المتوقع أن تحقق مثل هذه التحالفات مصلحة عامة لمصر، وخلق قوى سياسية لديها القدرة على دفع الحياة السياسية المصرية نحو الأفضل، كما أنها ستعمل على تحجيم سيطرة أو هيمنة أى قوى سياسية، حيث يهدف التحالف إلى تقسيم نسبة كل حزب داخل البرلمان عن طريق التنسيق بين قوى التحالف حسب قدرة كل حزب على حده، كما أن الاختلاف الفكري بين قوى التحالف أمر منطقي، فكل حزب له برنامجه الخاص به ورؤيته السياسية مما يخلق جواً ديمقراطياً، حيث أن تباين وجهات النظر المختلفة يؤدي إلى اختيار أنسب وأفضل الرؤى السياسية والتي تصب في النهاية لمصلحة المواطن المصري.
وفي نفس السياق يؤكد الدكتور أحمد أبو بركة- القيادى بحزب الحرية والعدالة - أن التحالفات بالرغم من كثرتها سيكون لها تأثير إيجابي على الحياة السياسية؛ إلا أنها ستشكل كتلاً في برلمان يُمثل فيه كافة التيارات السياسية، وبالتالي ستكون هذه التحالفات بمثابة عُنصر دفع وعُنصر قوة في وجود البرلمان وفاعليته.
وأشار إلى أن هذا ينطبق على جميع التحالفات أياً كان نوعيتها؛ لأنها هي التي تشكل التجمعات بحيث يتكون منها في النهاية كتل صغيرة وأخرى كبيرة، لكنه حذر من التفتت والتشرذم، والذي سيُفتت البرلمان، على حد قوله.
وعلى الرغم من الارتباك الذي يشوب خريطة التحالفات الانتخابية في مصر على هذا النحو، فهي تعتبر في جميع الأحوال بداية تجربة جديدة قد تؤسس لنقلة في الحياة السياسية المصرية إذا صمدت حتى نهاية الانتخابات، ولكن هذا التطور يتوقف، في النهاية، على نجاح الانتخابات التي ستُجرى بدءً من 28 نوفمبر الجاري وحتى 12 يناير القادم في أجواء صعبة تسود مرحلة انتقال مُرتبكة.