ثابت أن زوجات الرسول «» أغضبنه وعصينه ومع ذلك لم تمتد يده عليهن
الإسلام لايعرف ضرب الزوجات والمفسرين أخطأوا فى فهم معنى النشوز
◄الرسول «» فسر آية النشوز فى خطبة الوداع بمعنى أن الذى يستوجب الهجر وما بعده هو الفاحشة المبينة
◄أسس النبى ثلاث قواعد ذهبية لضبط تفسير القرآن عامة ولكنها ذهبت أدراج الرياح فى كتب المفسرين
◄ الحديث الذى يستدل به المفسرون عن عكرمة: «اضربوهن إذا عصينكم فى المعروف ضربا غير مبرح».. حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به
فى حديث صحيح مرفوع إلى النبى أنه لما نزلت على المسلمين فى المدينة آية «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» الأنعام 82, شق ذلك على المسلمين لأنهم اعتقدوا أن أى ظلم ولو كان بسيطا يختلط بإيمانهم قد يذهب به كله, فانطلقوا للنبى يسألونه الهدى فى فهم هذه الآية فأجابهم النبى وفى إجابته أسس لأمته من بعده مدخلا وسبيلا واضحا ومنضبطا بهدى النبوة للتعامل مع تفسير الآيات الحكيمة, فقال لهم: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُواْ مَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ» «يَا بُنيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
وهذا التفسير من النبى أسس لأهم ثلاث قواعد ذهبية لفهم القرآن فهما مؤصلا ومنضبطا:
القاعدة الأولى: أنه لا يجب فهم القرآن من خلال المعنى اللغوى للفظ فقط, بل من خلال مأتاه ومكانه داخل السياق النصى ليستدل به على المعنى المراد من الآية والدليل هو قول النبى فى الحديث: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ», والمعنى أن سياق الآية كان يتكلم عن كمال الإيمان فى قول الله: «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» فلما جاء الكلام عن الظلم فى ذات السياق استبان أن المعنى ليس المراد به الظلم المجرد, بل المراد هو الظلم الذى يناقض الإيمان الكامل فكان المفهوم أنه الشرك.
القاعدة الثانية: أن القرآن له وحدة موضوعية وهو كل لا يتجزأ, لذا فإن تفسير نصوصه ببعضها البعض هى السبيل القويمة لفهمه السديد, والدليل هو تفسير النبى لمعنى الظلم فى آية: «يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» من خلال آية: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ», التى بينت معنى الظلم المراد, وهذا تأكيد على وحدة البناء فى آيات القرآن.
القاعدة الثالثة: ألا يرجع فى تفسير المستشكل من الآيات إلا لحديث صحيح ومرفوع إلى النبى والدليل على ذلك ما فعله الصحابة من سؤالهم النبي, فلما كان السماع من فم النبى لمن بعده من المستحيلات فكان الواجب البحث عن أصح الصحيح عن النبى لتفسير القرآن.
ولكن مع ظهور عصر المفسرين ذهبت هذه القواعد النبوية كهشيم تذروه الرياح, فضموا بين دفتى كتبهم المكورة كل ما يخالف هذه القواعد ففسروا القرآن وكأنه جزر مجزأة لا علاقة موضوعية ولا وحدة بنائية تجمعه, ففسروه بالأثر والروايات الموضوعة والضعيفة والمرسلة, ثم بالرأى والعرف والهوى والخرافات والإسرائيليات والسلطوية الذكورية والاستعلائية الطبقية وأحكام القبيلة, فأحاطوا النص الأرقى فى تاريخ الإنسانية بشروح وحواش بائسة لا تستلهم روح النص ومقاصده بل لا تكاد ترقى ثمنا لأن تساوى المداد الذى كتبت به.
وكمدخل لمحاولة فهم النص القرآنى من خلال تطبيق القواعد النبوية الثلاث نعرض لما اقترفه المفسرون الأوائل فى فهم وتفسير الآية الشهيرة لنشوز المرأة «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» النساء 34.
وقد مثل فهم هذه الآية وذكر «الضرب» فيها إشكالية عند المعاصرين وانقسمت آراؤهم فيها إلى فريقين, الأول مثله العلامة التونسى «الطاهر بن عاشور» ويتلخص فى تفعيل قاعدة «تقييد النص بالعرف السائد» فقال فى تفسيره: «فإنّ الناس متفاوتون فى ذلك، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداء، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداء» التحرير (5/41), وهذا الاتجاه وإن كان محمودا للشيخ ولكنى أرى أنه منقوص لأن التقيد بالعرف يشترط فيه ألا يكون العرف سيئا فى حد ذاته, وقد جاء الإسلام ليقوم الاعوجاج لا ليقره, أما الفريق الثانى فهو اتجاه معاصر لبعض الباحثين وتمثله الباحثة المسلمة الأمريكية «لالا بختيار» التى فسرت النص بالإنجليزية على أساس أن «الضرب» المذكور إنما هو بمعنى «الترك والهجران« كقول العرب «ضرب فى الأرض» بمعنى «سافر للرزق», وهذا الاتجاه وإن كان لاشك يرنو إلى الدفاع عن النص فإنه لا يُقبل تفسيرا ولا تأويلا, فكل تصاريف المصدر «ضرب» فى القرآن إذا جاءت مجردة فلا تفيد إلا الضرب البدنى كقول الله: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا« البقرة 73, وقوله: «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ» الأنفال 50.
ولكن الذى لم يتنبه إليه أحد من المعاصرين أن الإشكالية فى فهم الآية لا تختص بلفظ «الضرب» ولكن الإشكالية الحقيقية فى الفهم المغلوط لمعنى «النشوز» وهو رأس الآية وعمود سياقها, ولنعرج بإيجاز على أقوال المفسرين فيها.
نص الآية: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» النساء 34.
أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوجة:
ابن كثير: «والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هى المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المُعْرِضَة عنه، المُبْغِضَة له» (2/294).
القرطبى: «فالمعنى: أى تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج» (5/170-171).
الطبرى: «فإنه يعنى: استعلاءَهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فُرُشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهنّ طاعتهم فيه» (8/299).
فغاية ما فسره الأوائل وتبعا لهم كل المعاصرين أن «النشوز» هو مجرد عصيان المرأة لزوجها وإعراضها عن أوامره.
بيد أننا لو نظرنا لقول المفسرين فى معنى نشوز الزوج لوجدنا منهم عجبا.
نص آية نشوز الزوج: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» النساء 128
أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوج:
ابن كثير: «إذا نشز عن امرأته وآثر عليها» (2/429).
القرطبى: «أن النشوز هو التباعد« (5/403).
الطبرى: يعنى: «استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها أثَرةً عليها، وارتفاعًا بها عنها، إِما لبغْضه، وإما لكراهة منه بعض أسبابها إِما دَمامتها، وإما سنها وكبرها« (9/267-268).
بيان التفسير السقيم لآيتى النشوز:
أخطأ المفسرون عن عمد فى صرف معنى النشوز إلى معنيين مختلفين بين نشوز الرجل ونشوز المرأة, فقد صرفوا معنى النشوز عند الزوجة بالمعصية والإعراض ثم صرفوا معنى النشوز عند الزوج بأنه الأثرة والاهتمام بالزوجة الثانية وتركه وإهماله الزوجة الأولى, وذلك رغم تطابق الآيتين نصا ولفظا وكذلك تماثل السياق والواقعة فيهما تماما, وهذا ما يؤكد بطلان المعنى الذى ذهب إليه المفسرون فى الآيتين معا, فلا دليل من لغة ولا شرع يغاير معنى النشوز من الزوجة إلى الزوج إلا إنه الالتفاف بشكل يكاد يكون مضحكا حول المعنى المتطابق للنص فى الآيتين وذلك لتمكين السلطة على الزوجة.
لو كان معنى النشوز عند الزوجة هو الصحيح لكان المعنى الذى فسروا به نشوز الزوج خاطئا, ولو كان معنى النشوز عند الزوج صحيحا لوجب الاعتراف بأن تفسيرهم لنشوز الزوجة باطل لأنه لا يمكن لعاقل القول بصحة التفسيرين معا على الإطلاق.
أخطأ المفسرون فى تفسير نشوز الزوجة بالمعصية لأوامر الزوج لأنه لا يستقيم فى المعنى, كما أخطئوا أيضا فى تفسير نشوز الزوج بالتباعد عن الزوجة فنص الآية يقول: «نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا» فلو كان المعنى كما يدعون لكان نص الآية يكرر نفسه ويقول:«إعراضا أو إعراضا», حيث المعنى الطبيعى للتباعد هو الإعراض, وبذلك يكون لا معنى للتكرار فى الآية ولا وجه له فى اللغة, وهذا ما يؤكد المغايرة والاختلاف بين النشوز والإعراض, بل إن الطبرى يقول إن نشوز الرجل عن امرأته يكون بذنب منها فهى إما كبيرة أو دميمة لم تعد تصلح للجماع والمعاشرة, فأى قوم هؤلاء الذين ورثنا منهم البداوة الذكورية المجانبة لمقصد وروح الشريعة السمحة.
تابع معنا الباقيه
الإسلام لايعرف ضرب الزوجات والمفسرين أخطأوا فى فهم معنى النشوز
◄الرسول «» فسر آية النشوز فى خطبة الوداع بمعنى أن الذى يستوجب الهجر وما بعده هو الفاحشة المبينة
◄أسس النبى ثلاث قواعد ذهبية لضبط تفسير القرآن عامة ولكنها ذهبت أدراج الرياح فى كتب المفسرين
◄ الحديث الذى يستدل به المفسرون عن عكرمة: «اضربوهن إذا عصينكم فى المعروف ضربا غير مبرح».. حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به
فى حديث صحيح مرفوع إلى النبى أنه لما نزلت على المسلمين فى المدينة آية «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» الأنعام 82, شق ذلك على المسلمين لأنهم اعتقدوا أن أى ظلم ولو كان بسيطا يختلط بإيمانهم قد يذهب به كله, فانطلقوا للنبى يسألونه الهدى فى فهم هذه الآية فأجابهم النبى وفى إجابته أسس لأمته من بعده مدخلا وسبيلا واضحا ومنضبطا بهدى النبوة للتعامل مع تفسير الآيات الحكيمة, فقال لهم: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُواْ مَا قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ» «يَا بُنيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ».
وهذا التفسير من النبى أسس لأهم ثلاث قواعد ذهبية لفهم القرآن فهما مؤصلا ومنضبطا:
القاعدة الأولى: أنه لا يجب فهم القرآن من خلال المعنى اللغوى للفظ فقط, بل من خلال مأتاه ومكانه داخل السياق النصى ليستدل به على المعنى المراد من الآية والدليل هو قول النبى فى الحديث: «لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ», والمعنى أن سياق الآية كان يتكلم عن كمال الإيمان فى قول الله: «الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» فلما جاء الكلام عن الظلم فى ذات السياق استبان أن المعنى ليس المراد به الظلم المجرد, بل المراد هو الظلم الذى يناقض الإيمان الكامل فكان المفهوم أنه الشرك.
القاعدة الثانية: أن القرآن له وحدة موضوعية وهو كل لا يتجزأ, لذا فإن تفسير نصوصه ببعضها البعض هى السبيل القويمة لفهمه السديد, والدليل هو تفسير النبى لمعنى الظلم فى آية: «يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» من خلال آية: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ», التى بينت معنى الظلم المراد, وهذا تأكيد على وحدة البناء فى آيات القرآن.
القاعدة الثالثة: ألا يرجع فى تفسير المستشكل من الآيات إلا لحديث صحيح ومرفوع إلى النبى والدليل على ذلك ما فعله الصحابة من سؤالهم النبي, فلما كان السماع من فم النبى لمن بعده من المستحيلات فكان الواجب البحث عن أصح الصحيح عن النبى لتفسير القرآن.
ولكن مع ظهور عصر المفسرين ذهبت هذه القواعد النبوية كهشيم تذروه الرياح, فضموا بين دفتى كتبهم المكورة كل ما يخالف هذه القواعد ففسروا القرآن وكأنه جزر مجزأة لا علاقة موضوعية ولا وحدة بنائية تجمعه, ففسروه بالأثر والروايات الموضوعة والضعيفة والمرسلة, ثم بالرأى والعرف والهوى والخرافات والإسرائيليات والسلطوية الذكورية والاستعلائية الطبقية وأحكام القبيلة, فأحاطوا النص الأرقى فى تاريخ الإنسانية بشروح وحواش بائسة لا تستلهم روح النص ومقاصده بل لا تكاد ترقى ثمنا لأن تساوى المداد الذى كتبت به.
وكمدخل لمحاولة فهم النص القرآنى من خلال تطبيق القواعد النبوية الثلاث نعرض لما اقترفه المفسرون الأوائل فى فهم وتفسير الآية الشهيرة لنشوز المرأة «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» النساء 34.
وقد مثل فهم هذه الآية وذكر «الضرب» فيها إشكالية عند المعاصرين وانقسمت آراؤهم فيها إلى فريقين, الأول مثله العلامة التونسى «الطاهر بن عاشور» ويتلخص فى تفعيل قاعدة «تقييد النص بالعرف السائد» فقال فى تفسيره: «فإنّ الناس متفاوتون فى ذلك، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداء، ولا تعدّه النساء أيضاً اعتداء» التحرير (5/41), وهذا الاتجاه وإن كان محمودا للشيخ ولكنى أرى أنه منقوص لأن التقيد بالعرف يشترط فيه ألا يكون العرف سيئا فى حد ذاته, وقد جاء الإسلام ليقوم الاعوجاج لا ليقره, أما الفريق الثانى فهو اتجاه معاصر لبعض الباحثين وتمثله الباحثة المسلمة الأمريكية «لالا بختيار» التى فسرت النص بالإنجليزية على أساس أن «الضرب» المذكور إنما هو بمعنى «الترك والهجران« كقول العرب «ضرب فى الأرض» بمعنى «سافر للرزق», وهذا الاتجاه وإن كان لاشك يرنو إلى الدفاع عن النص فإنه لا يُقبل تفسيرا ولا تأويلا, فكل تصاريف المصدر «ضرب» فى القرآن إذا جاءت مجردة فلا تفيد إلا الضرب البدنى كقول الله: «فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا« البقرة 73, وقوله: «يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ» الأنفال 50.
ولكن الذى لم يتنبه إليه أحد من المعاصرين أن الإشكالية فى فهم الآية لا تختص بلفظ «الضرب» ولكن الإشكالية الحقيقية فى الفهم المغلوط لمعنى «النشوز» وهو رأس الآية وعمود سياقها, ولنعرج بإيجاز على أقوال المفسرين فيها.
نص الآية: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» النساء 34.
أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوجة:
ابن كثير: «والنشوز: هو الارتفاع، فالمرأة الناشز هى المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المُعْرِضَة عنه، المُبْغِضَة له» (2/294).
القرطبى: «فالمعنى: أى تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج» (5/170-171).
الطبرى: «فإنه يعنى: استعلاءَهن على أزواجهن، وارتفاعهن عن فُرُشهم بالمعصية منهن، والخلاف عليهم فيما لزمهنّ طاعتهم فيه» (8/299).
فغاية ما فسره الأوائل وتبعا لهم كل المعاصرين أن «النشوز» هو مجرد عصيان المرأة لزوجها وإعراضها عن أوامره.
بيد أننا لو نظرنا لقول المفسرين فى معنى نشوز الزوج لوجدنا منهم عجبا.
نص آية نشوز الزوج: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» النساء 128
أقوال المفسرين فى معنى نشوز الزوج:
ابن كثير: «إذا نشز عن امرأته وآثر عليها» (2/429).
القرطبى: «أن النشوز هو التباعد« (5/403).
الطبرى: يعنى: «استعلاءً بنفسه عنها إلى غيرها أثَرةً عليها، وارتفاعًا بها عنها، إِما لبغْضه، وإما لكراهة منه بعض أسبابها إِما دَمامتها، وإما سنها وكبرها« (9/267-268).
بيان التفسير السقيم لآيتى النشوز:
أخطأ المفسرون عن عمد فى صرف معنى النشوز إلى معنيين مختلفين بين نشوز الرجل ونشوز المرأة, فقد صرفوا معنى النشوز عند الزوجة بالمعصية والإعراض ثم صرفوا معنى النشوز عند الزوج بأنه الأثرة والاهتمام بالزوجة الثانية وتركه وإهماله الزوجة الأولى, وذلك رغم تطابق الآيتين نصا ولفظا وكذلك تماثل السياق والواقعة فيهما تماما, وهذا ما يؤكد بطلان المعنى الذى ذهب إليه المفسرون فى الآيتين معا, فلا دليل من لغة ولا شرع يغاير معنى النشوز من الزوجة إلى الزوج إلا إنه الالتفاف بشكل يكاد يكون مضحكا حول المعنى المتطابق للنص فى الآيتين وذلك لتمكين السلطة على الزوجة.
لو كان معنى النشوز عند الزوجة هو الصحيح لكان المعنى الذى فسروا به نشوز الزوج خاطئا, ولو كان معنى النشوز عند الزوج صحيحا لوجب الاعتراف بأن تفسيرهم لنشوز الزوجة باطل لأنه لا يمكن لعاقل القول بصحة التفسيرين معا على الإطلاق.
أخطأ المفسرون فى تفسير نشوز الزوجة بالمعصية لأوامر الزوج لأنه لا يستقيم فى المعنى, كما أخطئوا أيضا فى تفسير نشوز الزوج بالتباعد عن الزوجة فنص الآية يقول: «نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا» فلو كان المعنى كما يدعون لكان نص الآية يكرر نفسه ويقول:«إعراضا أو إعراضا», حيث المعنى الطبيعى للتباعد هو الإعراض, وبذلك يكون لا معنى للتكرار فى الآية ولا وجه له فى اللغة, وهذا ما يؤكد المغايرة والاختلاف بين النشوز والإعراض, بل إن الطبرى يقول إن نشوز الرجل عن امرأته يكون بذنب منها فهى إما كبيرة أو دميمة لم تعد تصلح للجماع والمعاشرة, فأى قوم هؤلاء الذين ورثنا منهم البداوة الذكورية المجانبة لمقصد وروح الشريعة السمحة.
تابع معنا الباقيه