وصكوك التأجير
إعداد
الشيخ محمد المختار السلامي
مفتي الجمهورية التونسية سابقاً
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أصحاب السماحة والفضيلة أيها السادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد رغبت مني الأمانة العامة لمجمع الفقه الدولي بجدة ، أن أقدم بحثاً حول الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير حسب العناصر التالية.
1)تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك .
2)صور الإيجار المنتهي بالتمليك.
3) التكييف الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك.
4)حالات الوعد بالتمليك:
أ- البيع بالقيمة المتبقية للعين المؤجرة .
ب-البيع بثمن رمزي أو حقيقي.
جـ- الهبة بعقد هبة عند انتهاء الإجارة.
5)حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك.
6)توكيل المستأجر بشراء العين.
7)تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم.
تعديل أقساط الإجارة في حالة قوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر.
تذكير
إن قضية الإجارة المنتهية بالتملك قد اهتم بها المجمع، في ثلاثة قرارات:
أولاً- في دورته الثانية المنعقدة بجدة 10-16ربيع الثاني 1406،22-28/12/1985م وقرر إرجاء الموضوع للدورة القادمة، مع مطالبة البنك بتقديم تقرير من هيئتة العلمية الشرعية.
ثانياً- في دورته الثالثة المنعقدة بعمان 8-13 صفر 1407، 11 - 16/10/1986 وقد تضمن قراره المبادئ الآتية:
أ-إن الوعد بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها، أمر مقبول شرعاً.
ب-إن توكيل العميل بشراء ما يحتاجه مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية تأجيره بعد حيازة الوكيل، أمر مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل.
__________
(2/22400)
--------------
جـ-إن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك، وأن يبرم بعقد منفصل.
د-إن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
هـ-إن البنك ضامن للعين المؤجرة ولا يتحمل المستأجر إلا ما كان ناشئاً عن تعد أو تقصير.
ثالثاً- في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت 1-6 جمادى الأولى 1409 – 10-15/12/1988- وقرر ما يأتي:
الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:
1- البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية .
2- عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور الآتية:
مد مدة الإجارة –إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها- شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
مع تأجيل النظر في صور أخرى مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك لإصدار قرار بشأنها بعد تقديم نماذج من عقودها ودراستها.
مقارنة القرارات الثلاثة:
-إن القرار الأول يدل على أن ما قدم من دراسات وغيرها لم يوضح طبيعة هذا التعامل توضيحاً يمكن أعضاء المجمع من الحكم عليه.
-أما القرار الثاني فقد انتهى إلى تحديد الضوابط الشرعية التي يكون بها عقد الإيجار المنتهي بالتمليك –كما يقوم به البنك الإسلامي للتنمية (وهو الذي طرح السؤال على المجمع)- عقداً مشروعاً، فتتبع العملية مدققاً في الضوابط الشرعية التي تحكم كل مرحلة من المراحل، وأنه إذا تحققت تلكم الضوابط المذكورة كان التعامل مشروعاً مقبولاً حلالاً.
-أما القرار الثالث فقد جرى في طريق مخالف للقرار الثاني منتهياً إلى حكم مغاير.
ذلك أنه لم يقبل عقد الإيجار المنتهي بالتمليك كما تقوم به المؤسسات المالية الإسلامية ووجههم بتقديم بديلين.
إن تقديم البديل وقصر جواز التعامل عليه، يدل على أن عقد الإيجار المنتهي بالتمليك غير مشروع، إذ لو كان مشروعاً مقبولاً لما احتيج إلى البديل.
__________
(2/22401)
--------------
إنه أمام هذه المواقف المتباينة (التوقف. قبول صور من المعاملة بضوابط. رفض كل الصور والاقتصار على البدائل) يجعل من المؤكد إعادة النظر في هذه المعاملة خاصة، وقد كانت مواقف الباحثين في الدورة الخامسة التي انبثق عنها القرار الثالث متباينة تبايناً أثر حتماً على شكل القرار المتخذ.
-إن الباحث الأول فضيلة الدكتور عبد الله محمد عبد الله، قد انتهى إلى أن هذا العقد ظاهره غير باطنه، وأن التعاقد لا بد أن يبنى على الوضوح والصدق، ولذا هو يرفض هذا النوع من التعاقد.
-أما الباحث الثاني فضيلة الدكتور حسن علي الشاذلي فقد انتهى إلى تصورات خمسة.
1) أن ينتهي عقد الإيجار بتملك المستأجر للعين المؤجرة مع آخر قسط من أقساط الإيجار، ولم يرتض هذه الصورة فرفضها، وقدم لها بديلاً، وهو بيع العين المؤجرة مع تقسيط الثمن، والحجر على المشتري في التفويت في المبيع قبل سداد جميع الأقساط، وأن تتم صياغة العقد على أساس أن ينتقل التملك للعين بهبتها للمستأجر هبة معلقة على سداد آخر قسط، أو على أن يعده بالهبة ، والوعد بالهبة ملزم.
2) أن ينتهي عقد الإيجار بتملك العين بثمن رمزي، وهذه لا يرى جوازها، والبديل هو ما جاء في الصورة الأولى من الحل.
3) أن ينتهي عقد الإيجار ببيع العين المؤجرة بثمن حقيقي وهذه يرى جوازها، صادراً من المستأجر والمالك معاً، فالحكم أنه إن كان بثمن رمزي فحكم هذه الصورة كحكم الصورة الثانية، وإن كان بثمن حقيقي فالحكم كحكم الصورة الثالثة.
أما إذا كان الوعد صادراً من المستأجر فالعقد صحيح ، لأن تنفيذه بيد المالك.
وأما إذا كان الوعد صادراً من المؤجر فإنه إن كان بثمن رمزي فالحكم كحكم الصورة الثانية، وإن كان بثمن حقيقي فالحكم هو كحكم الصورة الثالثة.
4)أن ينتهي عقد الإجارة بتخيير المستأجر بين مد مدة الإجارة ، أو شراء العين، أو ردها على صاحبها، وهذه يرى صحتها.
-أما الباحث الثالث فضيلة الشيخ عبد الله المحفوظ بن بيه، فإنه ينتهي إلى أن هذه المعاملة على الصورة التي تتم بها، لا تشبه العقود الجائزة، ولا يمكن أن تكون جائزة إلا إذا تمت على أساس أن يكون الإيجار حقيقياً ومعه بيع بالخيار مؤجل، أو أن يلحق وعد البيع عقد الإجارة، أو أن يقترن البيع بالتحجير على المشتري حتى يتم خلاص جميع الأقساط وهذا في الحقيقة بيع بالتقسيط مع التحجير، أو أن يكون الوعد بالبيع لاحقاً لعقد الإيجار.
__________
(2/22402)
--------------
-أما الباحث الرابع فهو بحث حجة الإسلام على التسخيري، وقد صور المعاملة في صورتين:
أ-أن تقوم المؤسسة ببناء مساكن ثم تؤجرها على أن تنتهي الإجارة بتمليك المستأجر للمسكن بمجرد دفع أقساط الإيجار .
ب-أن يعجز باني بيته عن إتمامه فيبيعه للبنك شريطة أن يتم البنك بناءه ثم يؤجره له، وعند تمام خلاص الأقساط التي هي ما أنفقه البنك على إتمام البناء، مضافاً إليها أرباحه، يعود البيت ملكاً للمستأجر، وينتهي إلى جواز المعاملتين، أما الأولى فلا إشكال فيها، وأما الثانية فلا تصح إلا إذا تحقق أنه لا يكون إلزام بالربط بين المعاملتين.
-أما الباحث الخامس فهو فضيلة الدكتور عبد الله إبراهيم، وهو يرى أن الحل هو أن يودع المستأجر قدراً من المال زائداً على ثمن الإيجار، يودعه في حساب الودائع الاستثمارية ، لفائدة البائع أصلاً وأرباحاً، هذا في البيع ، وأما الهبة فلا تجوز عنده، ويرجح في النهاية جواز الوعد بالبيع لا بالهبة.
تعريف الإجارة:
عرفها ابن عرفة: بأنها بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينة ولا حيوان لا يعقل، بعوض غير ناشئ عنها، بعضها يتبعض ببعضه، وهو جار على المصطلح المالكي في التفرقة بين كراء الرواحل والسفن وبين إجارة منافع غيرها.
وعرفها الخطيب بقوله: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بثمن معلوم.
إن هذه التعريفات ليست حدوداً، وإنما هي رسوم تقرب المعنى المقصود للفقهاء، وذلك بتتبع أركان المعرف، ثم التعبير عن ذلك في أخصر لفظ.
فالإجارة هي أولا عقد من العقود، تتحقق إذا كانت المعاوضة تشمل منافع يملكها صاحبها، ويحل تداولها، فيبيعها لطرف ثان مقابل ما يتفقان عليه من الثمن الذي هو الأجر، وبذلك فالإجارة عقد يجري عليه ما يجري على سائر عقود المعاوضات ، وأركانها (المؤجر – المستأجر – المنفعة – الأجرة – الصيغة – رضى الطرفين).
وهذا العقد هو عقد جائز شرعاً، لازم للطرفين، يقول القاضي عبد الوهاب : ليس لأحد من المتعاقدين فسخه، مع إمكان استيفاء المنافع المعقود عليها خلافاً لأبي حنيفة (1) .
والإجارة نوعان: إجارة شيء معين، والإجارة في الذمة، فالأول كإجارة دار معينة أو سيارة معينة، ولا بد من تعيين المنفعة بما يرفع الغرر والجهالة، والثاني كإجارة على خياطة ثوب وحمل متاع أو إنسان، ولا بد فيه أيضاً من تحديد يرفع الجهالة والغرر وما يمكن أن يفضي إلى الخصام.
والمعروف أن الإجارة عقد ينتهي بحصول المنفعة للمستأجر، كخياطة الثوب وبناء الحائط، وبلوغ الراكب المكان المقصود، أو السكنى بالدار المدة المحددة في العقد، وفي نهايتها تعود العين المؤجرة إلى المالك.
إن هذا التشريع قد طورته المؤسسات الإسلامية واستفادت منه باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي ، ذلك أن الباعثين للمشاريع المؤثرة في تطور الاقتصاد هم في حاجة إلى تمويل يمكنهم من إنجاز مشاريعهم، والاقتراض بدون فائدة يكاد يكون مستحيلاً، لأن المحتاج للسيولة النقدية قد يجد من يقرضه مواساة وطلباً للأجر، وتوثيقاً لروابط الصلة الدينية، لينقذ المحتاج من الضائقة تبعاً لمرض يستدعي العلاج، أو لمتابعة الدراسة العالية في الاختصاصات المكلفة، أو أزمة مالية لمجابهة نفقات العائلة ونحو ذلك، أما أن تجد من يقرضك بدون فائدة لبعث مشروع اقتصادي كبير فيكاد يكون مستحيلاً.
ولا تبنى المشاريع الاقتصادية على القرض الحسن –ولهذا الغرض ولدت في المجتمعات الإسلامية المؤسسات الإسلامية التمويلية التي تحامت الربا، ويتمكن الباعثين الاقتصاديين من تمويل مشاريعهم بطرق حلال يستفيد منها أصحاب هذه المؤسسات، كما يستفيد منها اقتصاد الأمة وخاصة بما يوفره من فرص التشغيل للعمال بالفكر والساعد، وما يتبع ذلك من دوران عجلة التعامل والنشاط، وإنقاذ اقتصاد الأمة من الركود ، وما يتبع ذلك من نمو الثروات والعون على اعتماد الأمة الإسلامية على إمكاناتها.
__________
(1) المعونة: 2/1091.
(2/22403)
--------------
إنه لتحقيق هذا الغرض استحدثت آليات عديدة، عمل على ضبطها فقهاء مستشارون لدى المؤسسات الإسلامية، منها البيع بالمرابحة للآمر بالشراء ، والبيع بالتقسيط، والإيجار المنتهي بالتمليك ، والمغارسة على الطريقة المالكية، والاستصناع على المعمول به في مذهب أبي حنيفة وغير ذلك.
إن تلكم العقود هي عقود مقبولة في التشريع الإسلامي ، بما وضع لها من الشروط ومن الضوابط المحققة للمصلحة النافية للظلم والفساد، وقد كانت هذه العقود تجري على النمط الاقتصادي الذي كانت تسير عليه الحياة قبل دخول الآلة في الإنتاج، وما ولدته من ثروات ضخمة، وما تبع ذلك من مشاريع كبرى. فتوجه الفقهاء المعاصرون إلى تلكم العقود وطوروها تطويراً يستجيب لواقع الحياة، وينسجم مع الاقتصاد العالمي في حركيته، مع الحرص الكامل على احترام أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.. فما كان مجمعاً عليه أو مستنداً إلى قطعي اعتبروه من الثوابت التي لا يقبل بأي وجه من الوجوه تجاوزها أو عدم احترامها أو التهاون في تطبيقها، وما كان مختلفاً فيه وتعددت في أنظار العلماء الذين يحرص كل واحد منهم على تفهم النصوص وإعمال قواعد الاستنباط منها منطوقاً ومفهوماً وقياساً كما واضح أثره داخل كل مذهب، وهو أوضح وأجلى بين مذهب ومذهب آخر.
وإن التزام أي مذهب التزاماً كاملاً، هو من التزام ما لا يلزم، وتقديس لأقوال البشر الذين يجوز على كل واحد منهم الخطأ والصواب بدرجة متساوية، خذ لذلك مثلاً شركات المساهمة، فالشركة كما كانت في العهد النبوي وما تلاه من العهود، كانت تقوم بين اثنين في معظم الأحوال بينهما تعارف وتآلف، وقلما تجاوزت أو بلغت عدد أصابع اليد، أما اليوم فإن الشركاء قد يبلغ عددهم الآلاف، ولا يعرف الشريك شريكه، ولا يهمه إن كان صالحاً أو طالحاً، كما لا تتأثر الشركة لا بصلاحه ولا بفساده، ولا يمكن لأي دولة أن تسير اقتصادها بفاعلية ونجاح ما لم تنتشر فيها هذه الشركات.
وكذلك تشريع الإجارة قد أفادت منه المؤسسات الإسلامية ، وذلك باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي الذي تقوم به كما قدمناه، وأصله الذي يهدي إليه ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر ، فأتاه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكل تمر خيبر هكذا؟ )) قال: لا والله يا رسول الله، لكنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً )) (1) ، إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يبيع تمره من الشخص الذي اشترى منه النوع الجيد أو أن يبيعه من غيره، وترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال، فلما كانت الصورة العملية صحيحة فيها بيع تمر بالدراهم وشراء تمر آخر بالدراهم فلا حرمة وإن تفاضلا كماً، ولو وقع ذلك مبادلة لحرم، كما جاء في الحديث –لا تفعل- مع أن الواقع في نتيجة المعاملة واحد.
__________
(1) فتح الباري: 5/304؛ وإكمال الإكمال: 4/276.
(2/22404)
--------------
طرقة اعتماد التأجير كآلية من الآليات المعمول بها في المؤسسات الإسلامية:
تريد بعض الدول إنشاء مصانع، أو ترغب في شراء طائرات أو بواخر لأسطولها التجاري الجوي أو البحري، ولكنها لا تمتلك السيولة المالية لتجهيزها بتلكم التجهيزات وما يتبعها.
وهذا الأمر غير قاصر على الدول بل الأمر كذلك بالنسبة لكثير من النشطين في الميادين الاقتصادية أفراداً أو شركات، وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من الناس ممن يرغب في شراء سيارة أو منزل.
وكل هؤلاء هم بين إمكانات متاحة في سوق التمويل في بلاد العالم الإسلامي: الاقتراض بالربا – الشراء بالتقسيط – الشراء على طريقة المرابحة للآمر بالشراء مع تأجيل الثمن – الإيجار المنتهي بالتمليك ...
طريقة إنجاز العملية:
الخطوة الأولى: يتراوض العميل مع المؤسسة المالية ، وهذه المراوضة تنجز على نوعين:
1) أن تكون المؤسسة المالية مالكة للعين المرغوب فيها، كما إذا كانت تملك سيارات أو مساكن، يريد العميل أن يعقد عليها عقد إجارة منتهية بالتمليك.
2) أن تكون المؤسسة لا تملك العين، فتقوم بشراء ما يرغب فيه العميل، ثم تعقد معه عقد إيجار منته بالتمليك.
أما النوع الأول فلا إشكال فيه إذ تتصرف المؤسسة فيما تملك.
وأما الصورة الثانية فقد صدر فيها قرار المجمع في المبدأ الأول (إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول).
الخطوة الثانية: تملك المؤسسة المالية الإسلامية للعين المرغوب في استئجارها.
لتحقيق ذلك توكل المؤسسة الإسلامية العميل الراغب في الاستئجار للقيام بجميع الإجراءات في حدود سقف معين من الثمن، وبذلك يتكفل العميل باختيار النوع والمواصفات الفنية مما يحقق له غرضه، باعتبار أن المؤسسة ليست لها خبرة فيما يرغب فيه العميل، ومن جهة أخرى لا ترغب بحال من الأحوال في تملك تلكم المعدات. وما سعت لتملكها إلا لأن العميل طلب منها استئجارها استئجاراً منتهياً بالتمليك، فالبنك الإسلامي للتنمية ليس له خبرة مثلاً في الأجهزة الباهظة الثمن للتنقيب عن النفط، وفوارق الأثمان والمواصفات متخلفة اختلافاً كبيراً والدولة الراغبة في استئجارها لها خبراؤها ومهندسوها الذين يعلمون طبيعة طبقات الأرض حسب الدراسات الفنية التي قاموا بها، وهم يعلمون جيداً ما يتلاءم معها وما لا يتلاءم، فنفياً لكل خطر في رضا العميل، يوكل البنك الإسلامي العميل (الدولة مثلاً) بشراء تلكم الأجهزة باسم البنك، ويتحمل الوكيل مسؤولية التقصير أو التهاون في أداء ما وكل عليه نوعاً ومطابقة للمواصفات المطلوبة.
وهذا ما حسمه أيضاً قرار المجمع في المبدأ الثاني (إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك).
__________
(2/22405)
--------------
الخطوة الثالثة: إيجار المعدات بعد تسلمها من الوكيل إن كانت هناك وكالة.
إنه بعد أن يتملك البنك الإسلامي المعدات ملكاً تاماً، وذلك بتولي الوكيل قبضها نيابة عنه وباسم البنك، يعقد البنك مع العميل عقد إيجار للمعدات أو العين، يحدد في هذا العقد ثمن الإيجار عن كل فترة زمنية، كما تحدد مدة الإيجار، وفي أغلب الأحوال يكون ما سيقبضه البنك من المستأجر مساوياً للثمن الذي دفعه البنك ومضافاً إليه الأرباح التي تم الاتفاق عليها في المراوضة السابقة بينه وبين العميل، والتي على أساسها وكل البنك العميل بإتمام صفقة الشراء .
- الأسئلة المطروحة على هذه المرحلة:
السؤال الأول: إذا كان هذا العقد الإيجاري مؤاده تملك السلعة المؤجرة مقابل دفع أقساط الإيجار؛ فلماذا لا يقع العقد من البداية على أساس بيع مؤجل ومقسط على نفس آجال الإيجار؟
الجواب عن ذلك هو أن عقد الإيجار يختلف عن عقد البيع بالتقسيط ، ولا يحقق ما يمكن أن يرغب فيه المالك أو المستأجر.
ففي عقد الإيجار المالك للمعدات أو المنزل أو السيارة، هو المؤسسة المالية ، يوضح هذا ما جاء في العقد النمطي للبنك الإسلامي للتنمية: أنه يجب أن يعلق على المعدات وفي مكان واضح، أنها ملك للبنك الإسلامي للتنمية، ويتبع ذلك أن ضمانها منه، عملاً بالقاعدة (الخراج بالضمان) بينما في البيع الآجل بالتقسيط تخرج الملكية عن البنك ويتحول الضمان إلى المشتري (الذي هو المستأجر في عقد الإيجار )، وما ينبني على ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة لا حق له إلا في المنفعة مقابل ما يدفعه من أقساط الإيجار، ويتنزل وارثه منزلته، ولا تقبل أية مخاصمة في حال إفلاس المستأجر من غرمائه؛ فالمؤجر يكتسب طمأنينة أكبر وأتم على استرداد نفقاته وأرباحه، إما من الأجرة وإما من الأعيان.
__________
(2/22406)
--------------
ومن ناحية أخرى فإن البيع بالتقسيط تنقطع صلة البائع بالسلعة المبيعة (المعدات) ويتعلق حقه بذمة المشتري فكل الظروف التي تعطل المشتري عن الانتفاع بالأعيان المشتراة لا أثر لها على صفقة البيع، بينما الإيجار فإنه تسقط فيه الأجرة عن المستأجر في كثير من الأحوال كحالة غصب الأعيان المكتراة أو غصب المنفعة.
قال خليل في تعداد ما تسقط به الإجارة ويسقط تبعاً لذلك الأجرة وتنفسخ الإجارة: (ويغصب الدار، وغصب منفعتها)، قال ابن حبيب : وسواء غصبوا الدور من أصلها أو أخرجوا منها أهلها وسكنوها لا يريدون إلا السكنى حتى يرحلوا (وأمر السلطان بإغلاق الحوانيت)، ابن حبيب : وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها لا كراء على مكتريها من ربها، ابن يونس : كلما منع المكتري من السكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب فهو بمنزلة ما لو منعه أمر من الله كانهدام الدار وامتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض، فلا كراء عليه في ذلك كله، لأنه لم يصل إلى ما اكترى، وقال أصبغ: من اكترى رحى سنة فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا بها عن منازلهم، وجلا معهم المكتري، أو بقي آمناً إلا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس فهو كبطلان الرحى بنقص الماء أو كثرته، ويوضع عنه قدر المدة التي جلوا فيها، وكذلك الفنادق التي تكرى لأيام الموسم (1) .
والمشتري بالتقسيط إذا أخل بالوفاء بالتزاماته فإنه يعتبر مديناً ينطبق عليه قوله تعالى: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] أما المكتري فإنه يسقط حقه في البقاء إذا عجز عن دفع معلوم الإيجار.
هذه بعض الوجوه التي يختلف فيها بيع التقسيط عن الإجارة المنتهية بالتمليك ؛ مما يدل على أن غرض المتعاملين لا يتساوى فيه بيع التقسيط والإجارة المنتهية بالتمليك.
__________
(1) التاج والإكليل: 5/433.
(2/22407)
--------------
السؤال الثاني: كيف يتم انتقال المعدات إلى المستأجر؟
الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، ذلك أن انتقال المعدات إلى المستأجر إما أن يتم بمقابل، وإما أن يتم بدون مقابل.
القسم الأول- أن يتم بمقابل ويتصور ذلك بصور:
الصورة الأولى: أن ينص في عقد الإجارة على أن المؤجر يبيع للمستأجر عند سداد آخر قسط المعدات بثمن رمزي.
الصورة الثانية: أن يكون الثمن حقيقياً، إما بتعيينه أو بسعر السوق عند حلول الأجل .
الصورة الثالثة: أن يعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه الأعيان المؤجرة بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
الصورة الرابعة: أن يكون الوعد أو البيع غير مصاحب لعقد الإجارة بل لاحقاً به.
القسم الثاني: أن يتم بدون مقابل، ويتصور ذلك بصور:
الصورة الأولى: أن يهبه المعدات في عقد الإجارة هبة تنفذ عند سداد آخر قسط.
الصورة الثانية: أن يعده بهبة المعدات في عقد الإجارة عند سداد آخر قسط.
الصورة الثالثة: أن يتم الوعد أو الهبة بعد تمام عقد الإجارة.
أما ما تم تصويره من أن عقد الإجارة ينتهي بتخيير المستأجر بين تمديد عقد الإيجار ، أو استرجاع العين المؤجرة ، أو بيعها له، فهذه ليست من الإجارة المنتهية بالتمليك في شيء، ولذا فهي خارجة عن نطاق البحث.
للإجابة عن حكم هذه الصور لابد من تحقيق ما يلي:
أولاً: هل يجوز أن يجتمع عقد الإجارة وعقد البيع ؟
لما كان العقدان لا تنافي بينهما في الأحكام فإنه يجوز تبعاً لذلك أن يجتمعا، ذلك أن عقد الإجارة هو عقد على بيع منافع، ولذلك جعل ابن عرفة كلمة (بيع) جنساً في تعريف الإجارة.
إن عقد البيع على العين وما يشترط فيه يشترط في عقد الإجارة، ولذا نجد الفقهاء يحيلون تفصيل شروط الإجارة وأركانها على ما سبق لهم أن قرروه في عقد البيع، إلا أنه إن كان محل البيع ومحل الإجارة واحداً فقد اختلف فقهاء المالكية في جواز اجتماعهما، وقد حصل ابن رشد : "إن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز بحال عند سحنون ، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح : أنه إذا كان يعرف وجه خروجه كبيعه ثوباً على أن على البائع خياطته أو قمحاً على أن يطحنه، أو فيما لا يعرف وجه خروجه إلا أنه يمكن إعادته للعمل كبيعه صفراً على أن يعمل منه البائع قدحاً وما أشبه ذلك، فذلك جائز ، وأما ما لا يعرف وجه خروجه ولا يمكن إعادته كبيعه غزلاً على أن على البائع نسجه فلا يجوز باتفاق" (1) .
إن ما حصله ابن رشد يبدو حسب الأمثلة التي مثل بها أن الخلاف يجري في الإجارة حسب إطلاق علماء المذهب المالكي الذين غلب عندهم إطلاق لفظ الإجارة في العقد على منافع ما يعقل، وهو الذي يتصور فيه الخطر الذي منع من أجله سحنون اجتماعهما، لما يحصل من عمل الأجير من تأثير في العين لو استحق الشيء المبيع مثلاً، أما في الكراء الذي هو على منافع ما لا يعقل، فلا يتصور فيه مثل هذا التأثير، فالظاهر أنه لا خلاف في جواز اجتماعهما في عقد واحد، وقد صرح بذلك في المدونة: "سحنون قلت أرأيت إن اشتريت عبداً و اشترط على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة ، أخذت العبد وكراء الراحلة جميعاً في صفقة واحدة بمائة دينار، أيجوز هذا الشراء والكراء ؟ وإن لم أشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم تشترط إن ماتت الراحلة أبدلها، وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد" (2) .
__________
(1) مواهب الجليل: 5/396.
(2) المدونة: 3/422.
(2/22408)
--------------
ثانياً: هل يجوز أن يبيع العين المكتراة إلى المستأجر؟
جاء في المعونة: "يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الإجارة ما لا يكون غرراً يخاف تغيرها في مثله، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرة: 275]، ولأنه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر، لأن المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء مدة الإجارة، فكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع منه، ولأنه عقد على منفعة فلم يمنع العقد على الرقبة أصله إذا باع أمة قد زوجها" (1) .
فالقاضي قد جعل بيعها للمستأجر أصلاً مقيساً عليه مما يومئ إلى أنه متفق عليه.
وذكر ابن شاس أنه "إذا بيعت الدار المستأجرة من المستأجر صح البيع ولم تنفسخ الإجارة، واستوفى المبتاع المنفعة بحكم الإجارة، ولو باعها من غيره لصح أيضاً، واستمرت الإجارة إلى آخر المدة.
وروي أيضاً تخصيص الصحة في ذلك بالمدة اليسيرة كالسنتين والثلاثة وما قارب ذلك، والكراهية في المدة الطويلة.
وكذلك يصح بيع الرقبة واستثناء المنفعة مدة لا يتغير المبيع فيها، ويصح من المستأجر إجارة الدار للمالك، كما يصح منه للأجنبي" (2) .
إنه بمجرد ما يتم عقد الإجارة بين الطرفين تنتقل المنافع إلى المستأجر وتكون ملكاً له يتصرف فيها كما يتصرف تصرف المالكين، فله أن ينتفع بنفسه، وله أن يبيع المنفعة لغيره سواء أكان المالك الأصلي أم لأجنبي، إلا أنه إذا باعها من المالك يراعى لجواز الصفقة أن لا تكون تحايلاً على الربا، كما إذا اكترى بمائة حالّة ثم أكرى العين المؤجرة إلى المالك بمائة وعشرين إلى أجل.
وذكر ابن جزي ما يأتي: "يجوز بيع الرباع والأرض المكتراة خلافاً للشافعي، ولا ينفسخ الكراء ويكون واجب الكراء في بقية مدة الكراء للبائع، ولا يجوز أن يشترطه المشتري لأنه يؤول إلى الربا، إلا إن كان البيع بعرض، وإن لم يعلم المشتري أن الأرض مكتراة فذلك عيب له القيام به" (3) ، فابن جزي أطلق في المشتري سواء أكان المكتري أم غيره، لكن بشرط أن يكون البائع المؤجر ينتفع بثمن الإجارة في باقي المدة، وذكر ابن الجلاب: "من أكرى داراً أو أرضاً مدة معلومة فلا بأس أن يبيعها من مكتريها قبل تمام المدة، ولا بأس أن يبيعها من غيره إذا أعلمه بالإجارة، فان باعها ولم يعلم المشتري بالإجارة فهو عيب... والأجرة على كل حال للبائع دون المبتاع" (4) .
قال التلمساني: "ولا يجوز أن يشترط المشتري الأجرة لنفسه لأنه يدخله الذهب بالذهب متفاضلاً، ثم قال: قال مالك : ( ومن ساقى حائطاً ثم باعه، فالبيع ماض والمساقاة ثابتة لا ينقضها البيع) ؛ الأبهري: لأن عقد المساقاة لازم كعقد الإجارة " (5) .
__________
(1) المعونة: 2/1106.
(2) عقد الجواهر الثمينة: 2/836.
(3) القوانين الفقهية، ص205.
(4) التفريع: 2/188.
(5) مواهب الجليل: 5/408.
(2/22409)