روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:01 pm

    الإيجار المنتهي بالتمليك
    وصكوك التأجير
    إعداد
    الشيخ محمد المختار السلامي
    مفتي الجمهورية التونسية سابقاً

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
    أصحاب السماحة والفضيلة أيها السادة.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
    فقد رغبت مني الأمانة العامة لمجمع الفقه الدولي بجدة ، أن أقدم بحثاً حول الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير حسب العناصر التالية.
    1)تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك .
    2)صور الإيجار المنتهي بالتمليك.
    3) التكييف الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك.
    4)حالات الوعد بالتمليك:
    أ- البيع بالقيمة المتبقية للعين المؤجرة .
    ب-البيع بثمن رمزي أو حقيقي.
    جـ- الهبة بعقد هبة عند انتهاء الإجارة.
    5)حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك.
    6)توكيل المستأجر بشراء العين.
    7)تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم.
    Coolتعديل أقساط الإجارة في حالة قوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر.
    تذكير
    إن قضية الإجارة المنتهية بالتملك قد اهتم بها المجمع، في ثلاثة قرارات:
    أولاً- في دورته الثانية المنعقدة بجدة 10-16ربيع الثاني 1406،22-28/12/1985م وقرر إرجاء الموضوع للدورة القادمة، مع مطالبة البنك بتقديم تقرير من هيئتة العلمية الشرعية.
    ثانياً- في دورته الثالثة المنعقدة بعمان 8-13 صفر 1407، 11 - 16/10/1986 وقد تضمن قراره المبادئ الآتية:
    أ-إن الوعد بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها، أمر مقبول شرعاً.
    ب-إن توكيل العميل بشراء ما يحتاجه مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية تأجيره بعد حيازة الوكيل، أمر مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل.
    __________
    (2/22400)
    --------------
    جـ-إن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك، وأن يبرم بعقد منفصل.
    د-إن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
    هـ-إن البنك ضامن للعين المؤجرة ولا يتحمل المستأجر إلا ما كان ناشئاً عن تعد أو تقصير.
    ثالثاً- في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت 1-6 جمادى الأولى 1409 – 10-15/12/1988- وقرر ما يأتي:
    الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:
    1- البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية .
    2- عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور الآتية:
    مد مدة الإجارة –إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها- شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
    مع تأجيل النظر في صور أخرى مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك لإصدار قرار بشأنها بعد تقديم نماذج من عقودها ودراستها.
    مقارنة القرارات الثلاثة:
    -إن القرار الأول يدل على أن ما قدم من دراسات وغيرها لم يوضح طبيعة هذا التعامل توضيحاً يمكن أعضاء المجمع من الحكم عليه.
    -أما القرار الثاني فقد انتهى إلى تحديد الضوابط الشرعية التي يكون بها عقد الإيجار المنتهي بالتمليك –كما يقوم به البنك الإسلامي للتنمية (وهو الذي طرح السؤال على المجمع)- عقداً مشروعاً، فتتبع العملية مدققاً في الضوابط الشرعية التي تحكم كل مرحلة من المراحل، وأنه إذا تحققت تلكم الضوابط المذكورة كان التعامل مشروعاً مقبولاً حلالاً.
    -أما القرار الثالث فقد جرى في طريق مخالف للقرار الثاني منتهياً إلى حكم مغاير.
    ذلك أنه لم يقبل عقد الإيجار المنتهي بالتمليك كما تقوم به المؤسسات المالية الإسلامية ووجههم بتقديم بديلين.
    إن تقديم البديل وقصر جواز التعامل عليه، يدل على أن عقد الإيجار المنتهي بالتمليك غير مشروع، إذ لو كان مشروعاً مقبولاً لما احتيج إلى البديل.
    __________
    (2/22401)
    --------------
    إنه أمام هذه المواقف المتباينة (التوقف. قبول صور من المعاملة بضوابط. رفض كل الصور والاقتصار على البدائل) يجعل من المؤكد إعادة النظر في هذه المعاملة خاصة، وقد كانت مواقف الباحثين في الدورة الخامسة التي انبثق عنها القرار الثالث متباينة تبايناً أثر حتماً على شكل القرار المتخذ.
    -إن الباحث الأول فضيلة الدكتور عبد الله محمد عبد الله، قد انتهى إلى أن هذا العقد ظاهره غير باطنه، وأن التعاقد لا بد أن يبنى على الوضوح والصدق، ولذا هو يرفض هذا النوع من التعاقد.
    -أما الباحث الثاني فضيلة الدكتور حسن علي الشاذلي فقد انتهى إلى تصورات خمسة.
    1) أن ينتهي عقد الإيجار بتملك المستأجر للعين المؤجرة مع آخر قسط من أقساط الإيجار، ولم يرتض هذه الصورة فرفضها، وقدم لها بديلاً، وهو بيع العين المؤجرة مع تقسيط الثمن، والحجر على المشتري في التفويت في المبيع قبل سداد جميع الأقساط، وأن تتم صياغة العقد على أساس أن ينتقل التملك للعين بهبتها للمستأجر هبة معلقة على سداد آخر قسط، أو على أن يعده بالهبة ، والوعد بالهبة ملزم.
    2) أن ينتهي عقد الإيجار بتملك العين بثمن رمزي، وهذه لا يرى جوازها، والبديل هو ما جاء في الصورة الأولى من الحل.
    3) أن ينتهي عقد الإيجار ببيع العين المؤجرة بثمن حقيقي وهذه يرى جوازها، صادراً من المستأجر والمالك معاً، فالحكم أنه إن كان بثمن رمزي فحكم هذه الصورة كحكم الصورة الثانية، وإن كان بثمن حقيقي فالحكم كحكم الصورة الثالثة.
    أما إذا كان الوعد صادراً من المستأجر فالعقد صحيح ، لأن تنفيذه بيد المالك.
    وأما إذا كان الوعد صادراً من المؤجر فإنه إن كان بثمن رمزي فالحكم كحكم الصورة الثانية، وإن كان بثمن حقيقي فالحكم هو كحكم الصورة الثالثة.
    4)أن ينتهي عقد الإجارة بتخيير المستأجر بين مد مدة الإجارة ، أو شراء العين، أو ردها على صاحبها، وهذه يرى صحتها.
    -أما الباحث الثالث فضيلة الشيخ عبد الله المحفوظ بن بيه، فإنه ينتهي إلى أن هذه المعاملة على الصورة التي تتم بها، لا تشبه العقود الجائزة، ولا يمكن أن تكون جائزة إلا إذا تمت على أساس أن يكون الإيجار حقيقياً ومعه بيع بالخيار مؤجل، أو أن يلحق وعد البيع عقد الإجارة، أو أن يقترن البيع بالتحجير على المشتري حتى يتم خلاص جميع الأقساط وهذا في الحقيقة بيع بالتقسيط مع التحجير، أو أن يكون الوعد بالبيع لاحقاً لعقد الإيجار.
    __________
    (2/22402)
    --------------
    -أما الباحث الرابع فهو بحث حجة الإسلام على التسخيري، وقد صور المعاملة في صورتين:
    أ-أن تقوم المؤسسة ببناء مساكن ثم تؤجرها على أن تنتهي الإجارة بتمليك المستأجر للمسكن بمجرد دفع أقساط الإيجار .
    ب-أن يعجز باني بيته عن إتمامه فيبيعه للبنك شريطة أن يتم البنك بناءه ثم يؤجره له، وعند تمام خلاص الأقساط التي هي ما أنفقه البنك على إتمام البناء، مضافاً إليها أرباحه، يعود البيت ملكاً للمستأجر، وينتهي إلى جواز المعاملتين، أما الأولى فلا إشكال فيها، وأما الثانية فلا تصح إلا إذا تحقق أنه لا يكون إلزام بالربط بين المعاملتين.
    -أما الباحث الخامس فهو فضيلة الدكتور عبد الله إبراهيم، وهو يرى أن الحل هو أن يودع المستأجر قدراً من المال زائداً على ثمن الإيجار، يودعه في حساب الودائع الاستثمارية ، لفائدة البائع أصلاً وأرباحاً، هذا في البيع ، وأما الهبة فلا تجوز عنده، ويرجح في النهاية جواز الوعد بالبيع لا بالهبة.
    تعريف الإجارة:
    عرفها ابن عرفة: بأنها بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينة ولا حيوان لا يعقل، بعوض غير ناشئ عنها، بعضها يتبعض ببعضه، وهو جار على المصطلح المالكي في التفرقة بين كراء الرواحل والسفن وبين إجارة منافع غيرها.
    وعرفها الخطيب بقوله: عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بثمن معلوم.
    إن هذه التعريفات ليست حدوداً، وإنما هي رسوم تقرب المعنى المقصود للفقهاء، وذلك بتتبع أركان المعرف، ثم التعبير عن ذلك في أخصر لفظ.
    فالإجارة هي أولا عقد من العقود، تتحقق إذا كانت المعاوضة تشمل منافع يملكها صاحبها، ويحل تداولها، فيبيعها لطرف ثان مقابل ما يتفقان عليه من الثمن الذي هو الأجر، وبذلك فالإجارة عقد يجري عليه ما يجري على سائر عقود المعاوضات ، وأركانها (المؤجر – المستأجر – المنفعة – الأجرة – الصيغة – رضى الطرفين).
    وهذا العقد هو عقد جائز شرعاً، لازم للطرفين، يقول القاضي عبد الوهاب : ليس لأحد من المتعاقدين فسخه، مع إمكان استيفاء المنافع المعقود عليها خلافاً لأبي حنيفة (1) .
    والإجارة نوعان: إجارة شيء معين، والإجارة في الذمة، فالأول كإجارة دار معينة أو سيارة معينة، ولا بد من تعيين المنفعة بما يرفع الغرر والجهالة، والثاني كإجارة على خياطة ثوب وحمل متاع أو إنسان، ولا بد فيه أيضاً من تحديد يرفع الجهالة والغرر وما يمكن أن يفضي إلى الخصام.
    والمعروف أن الإجارة عقد ينتهي بحصول المنفعة للمستأجر، كخياطة الثوب وبناء الحائط، وبلوغ الراكب المكان المقصود، أو السكنى بالدار المدة المحددة في العقد، وفي نهايتها تعود العين المؤجرة إلى المالك.
    إن هذا التشريع قد طورته المؤسسات الإسلامية واستفادت منه باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي ، ذلك أن الباعثين للمشاريع المؤثرة في تطور الاقتصاد هم في حاجة إلى تمويل يمكنهم من إنجاز مشاريعهم، والاقتراض بدون فائدة يكاد يكون مستحيلاً، لأن المحتاج للسيولة النقدية قد يجد من يقرضه مواساة وطلباً للأجر، وتوثيقاً لروابط الصلة الدينية، لينقذ المحتاج من الضائقة تبعاً لمرض يستدعي العلاج، أو لمتابعة الدراسة العالية في الاختصاصات المكلفة، أو أزمة مالية لمجابهة نفقات العائلة ونحو ذلك، أما أن تجد من يقرضك بدون فائدة لبعث مشروع اقتصادي كبير فيكاد يكون مستحيلاً.
    ولا تبنى المشاريع الاقتصادية على القرض الحسن –ولهذا الغرض ولدت في المجتمعات الإسلامية المؤسسات الإسلامية التمويلية التي تحامت الربا، ويتمكن الباعثين الاقتصاديين من تمويل مشاريعهم بطرق حلال يستفيد منها أصحاب هذه المؤسسات، كما يستفيد منها اقتصاد الأمة وخاصة بما يوفره من فرص التشغيل للعمال بالفكر والساعد، وما يتبع ذلك من دوران عجلة التعامل والنشاط، وإنقاذ اقتصاد الأمة من الركود ، وما يتبع ذلك من نمو الثروات والعون على اعتماد الأمة الإسلامية على إمكاناتها.
    __________
    (1) المعونة: 2/1091.
    (2/22403)
    --------------
    إنه لتحقيق هذا الغرض استحدثت آليات عديدة، عمل على ضبطها فقهاء مستشارون لدى المؤسسات الإسلامية، منها البيع بالمرابحة للآمر بالشراء ، والبيع بالتقسيط، والإيجار المنتهي بالتمليك ، والمغارسة على الطريقة المالكية، والاستصناع على المعمول به في مذهب أبي حنيفة وغير ذلك.
    إن تلكم العقود هي عقود مقبولة في التشريع الإسلامي ، بما وضع لها من الشروط ومن الضوابط المحققة للمصلحة النافية للظلم والفساد، وقد كانت هذه العقود تجري على النمط الاقتصادي الذي كانت تسير عليه الحياة قبل دخول الآلة في الإنتاج، وما ولدته من ثروات ضخمة، وما تبع ذلك من مشاريع كبرى. فتوجه الفقهاء المعاصرون إلى تلكم العقود وطوروها تطويراً يستجيب لواقع الحياة، وينسجم مع الاقتصاد العالمي في حركيته، مع الحرص الكامل على احترام أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.. فما كان مجمعاً عليه أو مستنداً إلى قطعي اعتبروه من الثوابت التي لا يقبل بأي وجه من الوجوه تجاوزها أو عدم احترامها أو التهاون في تطبيقها، وما كان مختلفاً فيه وتعددت في أنظار العلماء الذين يحرص كل واحد منهم على تفهم النصوص وإعمال قواعد الاستنباط منها منطوقاً ومفهوماً وقياساً كما واضح أثره داخل كل مذهب، وهو أوضح وأجلى بين مذهب ومذهب آخر.
    وإن التزام أي مذهب التزاماً كاملاً، هو من التزام ما لا يلزم، وتقديس لأقوال البشر الذين يجوز على كل واحد منهم الخطأ والصواب بدرجة متساوية، خذ لذلك مثلاً شركات المساهمة، فالشركة كما كانت في العهد النبوي وما تلاه من العهود، كانت تقوم بين اثنين في معظم الأحوال بينهما تعارف وتآلف، وقلما تجاوزت أو بلغت عدد أصابع اليد، أما اليوم فإن الشركاء قد يبلغ عددهم الآلاف، ولا يعرف الشريك شريكه، ولا يهمه إن كان صالحاً أو طالحاً، كما لا تتأثر الشركة لا بصلاحه ولا بفساده، ولا يمكن لأي دولة أن تسير اقتصادها بفاعلية ونجاح ما لم تنتشر فيها هذه الشركات.
    وكذلك تشريع الإجارة قد أفادت منه المؤسسات الإسلامية ، وذلك باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي الذي تقوم به كما قدمناه، وأصله الذي يهدي إليه ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر ، فأتاه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكل تمر خيبر هكذا؟ )) قال: لا والله يا رسول الله، لكنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً )) (1) ، إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يبيع تمره من الشخص الذي اشترى منه النوع الجيد أو أن يبيعه من غيره، وترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال، فلما كانت الصورة العملية صحيحة فيها بيع تمر بالدراهم وشراء تمر آخر بالدراهم فلا حرمة وإن تفاضلا كماً، ولو وقع ذلك مبادلة لحرم، كما جاء في الحديث –لا تفعل- مع أن الواقع في نتيجة المعاملة واحد.
    __________
    (1) فتح الباري: 5/304؛ وإكمال الإكمال: 4/276.
    (2/22404)
    --------------
    طرقة اعتماد التأجير كآلية من الآليات المعمول بها في المؤسسات الإسلامية:
    تريد بعض الدول إنشاء مصانع، أو ترغب في شراء طائرات أو بواخر لأسطولها التجاري الجوي أو البحري، ولكنها لا تمتلك السيولة المالية لتجهيزها بتلكم التجهيزات وما يتبعها.
    وهذا الأمر غير قاصر على الدول بل الأمر كذلك بالنسبة لكثير من النشطين في الميادين الاقتصادية أفراداً أو شركات، وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من الناس ممن يرغب في شراء سيارة أو منزل.
    وكل هؤلاء هم بين إمكانات متاحة في سوق التمويل في بلاد العالم الإسلامي: الاقتراض بالربا – الشراء بالتقسيط – الشراء على طريقة المرابحة للآمر بالشراء مع تأجيل الثمن – الإيجار المنتهي بالتمليك ...
    طريقة إنجاز العملية:
    الخطوة الأولى: يتراوض العميل مع المؤسسة المالية ، وهذه المراوضة تنجز على نوعين:
    1) أن تكون المؤسسة المالية مالكة للعين المرغوب فيها، كما إذا كانت تملك سيارات أو مساكن، يريد العميل أن يعقد عليها عقد إجارة منتهية بالتمليك.
    2) أن تكون المؤسسة لا تملك العين، فتقوم بشراء ما يرغب فيه العميل، ثم تعقد معه عقد إيجار منته بالتمليك.
    أما النوع الأول فلا إشكال فيه إذ تتصرف المؤسسة فيما تملك.
    وأما الصورة الثانية فقد صدر فيها قرار المجمع في المبدأ الأول (إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول).
    الخطوة الثانية: تملك المؤسسة المالية الإسلامية للعين المرغوب في استئجارها.
    لتحقيق ذلك توكل المؤسسة الإسلامية العميل الراغب في الاستئجار للقيام بجميع الإجراءات في حدود سقف معين من الثمن، وبذلك يتكفل العميل باختيار النوع والمواصفات الفنية مما يحقق له غرضه، باعتبار أن المؤسسة ليست لها خبرة فيما يرغب فيه العميل، ومن جهة أخرى لا ترغب بحال من الأحوال في تملك تلكم المعدات. وما سعت لتملكها إلا لأن العميل طلب منها استئجارها استئجاراً منتهياً بالتمليك، فالبنك الإسلامي للتنمية ليس له خبرة مثلاً في الأجهزة الباهظة الثمن للتنقيب عن النفط، وفوارق الأثمان والمواصفات متخلفة اختلافاً كبيراً والدولة الراغبة في استئجارها لها خبراؤها ومهندسوها الذين يعلمون طبيعة طبقات الأرض حسب الدراسات الفنية التي قاموا بها، وهم يعلمون جيداً ما يتلاءم معها وما لا يتلاءم، فنفياً لكل خطر في رضا العميل، يوكل البنك الإسلامي العميل (الدولة مثلاً) بشراء تلكم الأجهزة باسم البنك، ويتحمل الوكيل مسؤولية التقصير أو التهاون في أداء ما وكل عليه نوعاً ومطابقة للمواصفات المطلوبة.
    وهذا ما حسمه أيضاً قرار المجمع في المبدأ الثاني (إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك).
    __________
    (2/22405)
    --------------
    الخطوة الثالثة: إيجار المعدات بعد تسلمها من الوكيل إن كانت هناك وكالة.
    إنه بعد أن يتملك البنك الإسلامي المعدات ملكاً تاماً، وذلك بتولي الوكيل قبضها نيابة عنه وباسم البنك، يعقد البنك مع العميل عقد إيجار للمعدات أو العين، يحدد في هذا العقد ثمن الإيجار عن كل فترة زمنية، كما تحدد مدة الإيجار، وفي أغلب الأحوال يكون ما سيقبضه البنك من المستأجر مساوياً للثمن الذي دفعه البنك ومضافاً إليه الأرباح التي تم الاتفاق عليها في المراوضة السابقة بينه وبين العميل، والتي على أساسها وكل البنك العميل بإتمام صفقة الشراء .
    - الأسئلة المطروحة على هذه المرحلة:
    السؤال الأول: إذا كان هذا العقد الإيجاري مؤاده تملك السلعة المؤجرة مقابل دفع أقساط الإيجار؛ فلماذا لا يقع العقد من البداية على أساس بيع مؤجل ومقسط على نفس آجال الإيجار؟
    الجواب عن ذلك هو أن عقد الإيجار يختلف عن عقد البيع بالتقسيط ، ولا يحقق ما يمكن أن يرغب فيه المالك أو المستأجر.
    ففي عقد الإيجار المالك للمعدات أو المنزل أو السيارة، هو المؤسسة المالية ، يوضح هذا ما جاء في العقد النمطي للبنك الإسلامي للتنمية: أنه يجب أن يعلق على المعدات وفي مكان واضح، أنها ملك للبنك الإسلامي للتنمية، ويتبع ذلك أن ضمانها منه، عملاً بالقاعدة (الخراج بالضمان) بينما في البيع الآجل بالتقسيط تخرج الملكية عن البنك ويتحول الضمان إلى المشتري (الذي هو المستأجر في عقد الإيجار )، وما ينبني على ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة لا حق له إلا في المنفعة مقابل ما يدفعه من أقساط الإيجار، ويتنزل وارثه منزلته، ولا تقبل أية مخاصمة في حال إفلاس المستأجر من غرمائه؛ فالمؤجر يكتسب طمأنينة أكبر وأتم على استرداد نفقاته وأرباحه، إما من الأجرة وإما من الأعيان.
    __________
    (2/22406)
    --------------
    ومن ناحية أخرى فإن البيع بالتقسيط تنقطع صلة البائع بالسلعة المبيعة (المعدات) ويتعلق حقه بذمة المشتري فكل الظروف التي تعطل المشتري عن الانتفاع بالأعيان المشتراة لا أثر لها على صفقة البيع، بينما الإيجار فإنه تسقط فيه الأجرة عن المستأجر في كثير من الأحوال كحالة غصب الأعيان المكتراة أو غصب المنفعة.
    قال خليل في تعداد ما تسقط به الإجارة ويسقط تبعاً لذلك الأجرة وتنفسخ الإجارة: (ويغصب الدار، وغصب منفعتها)، قال ابن حبيب : وسواء غصبوا الدور من أصلها أو أخرجوا منها أهلها وسكنوها لا يريدون إلا السكنى حتى يرحلوا (وأمر السلطان بإغلاق الحوانيت)، ابن حبيب : وكذلك الحوانيت يأمر السلطان بغلقها لا كراء على مكتريها من ربها، ابن يونس : كلما منع المكتري من السكنى من أمر غالب لا يستطيع دفعه من سلطان أو غاصب فهو بمنزلة ما لو منعه أمر من الله كانهدام الدار وامتناع ماء السماء حتى منعه حرث الأرض، فلا كراء عليه في ذلك كله، لأنه لم يصل إلى ما اكترى، وقال أصبغ: من اكترى رحى سنة فأصاب أهل ذلك المكان فتنة جلوا بها عن منازلهم، وجلا معهم المكتري، أو بقي آمناً إلا أنه لا يأتيه الطعام لجلاء الناس فهو كبطلان الرحى بنقص الماء أو كثرته، ويوضع عنه قدر المدة التي جلوا فيها، وكذلك الفنادق التي تكرى لأيام الموسم (1) .
    والمشتري بالتقسيط إذا أخل بالوفاء بالتزاماته فإنه يعتبر مديناً ينطبق عليه قوله تعالى: { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } [البقرة: 280] أما المكتري فإنه يسقط حقه في البقاء إذا عجز عن دفع معلوم الإيجار.
    هذه بعض الوجوه التي يختلف فيها بيع التقسيط عن الإجارة المنتهية بالتمليك ؛ مما يدل على أن غرض المتعاملين لا يتساوى فيه بيع التقسيط والإجارة المنتهية بالتمليك.
    __________
    (1) التاج والإكليل: 5/433.
    (2/22407)
    --------------
    السؤال الثاني: كيف يتم انتقال المعدات إلى المستأجر؟
    الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، ذلك أن انتقال المعدات إلى المستأجر إما أن يتم بمقابل، وإما أن يتم بدون مقابل.
    القسم الأول- أن يتم بمقابل ويتصور ذلك بصور:
    الصورة الأولى: أن ينص في عقد الإجارة على أن المؤجر يبيع للمستأجر عند سداد آخر قسط المعدات بثمن رمزي.
    الصورة الثانية: أن يكون الثمن حقيقياً، إما بتعيينه أو بسعر السوق عند حلول الأجل .
    الصورة الثالثة: أن يعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه الأعيان المؤجرة بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
    الصورة الرابعة: أن يكون الوعد أو البيع غير مصاحب لعقد الإجارة بل لاحقاً به.
    القسم الثاني: أن يتم بدون مقابل، ويتصور ذلك بصور:
    الصورة الأولى: أن يهبه المعدات في عقد الإجارة هبة تنفذ عند سداد آخر قسط.
    الصورة الثانية: أن يعده بهبة المعدات في عقد الإجارة عند سداد آخر قسط.
    الصورة الثالثة: أن يتم الوعد أو الهبة بعد تمام عقد الإجارة.
    أما ما تم تصويره من أن عقد الإجارة ينتهي بتخيير المستأجر بين تمديد عقد الإيجار ، أو استرجاع العين المؤجرة ، أو بيعها له، فهذه ليست من الإجارة المنتهية بالتمليك في شيء، ولذا فهي خارجة عن نطاق البحث.
    للإجابة عن حكم هذه الصور لابد من تحقيق ما يلي:
    أولاً: هل يجوز أن يجتمع عقد الإجارة وعقد البيع ؟
    لما كان العقدان لا تنافي بينهما في الأحكام فإنه يجوز تبعاً لذلك أن يجتمعا، ذلك أن عقد الإجارة هو عقد على بيع منافع، ولذلك جعل ابن عرفة كلمة (بيع) جنساً في تعريف الإجارة.
    إن عقد البيع على العين وما يشترط فيه يشترط في عقد الإجارة، ولذا نجد الفقهاء يحيلون تفصيل شروط الإجارة وأركانها على ما سبق لهم أن قرروه في عقد البيع، إلا أنه إن كان محل البيع ومحل الإجارة واحداً فقد اختلف فقهاء المالكية في جواز اجتماعهما، وقد حصل ابن رشد : "إن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز بحال عند سحنون ، ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح : أنه إذا كان يعرف وجه خروجه كبيعه ثوباً على أن على البائع خياطته أو قمحاً على أن يطحنه، أو فيما لا يعرف وجه خروجه إلا أنه يمكن إعادته للعمل كبيعه صفراً على أن يعمل منه البائع قدحاً وما أشبه ذلك، فذلك جائز ، وأما ما لا يعرف وجه خروجه ولا يمكن إعادته كبيعه غزلاً على أن على البائع نسجه فلا يجوز باتفاق" (1) .
    إن ما حصله ابن رشد يبدو حسب الأمثلة التي مثل بها أن الخلاف يجري في الإجارة حسب إطلاق علماء المذهب المالكي الذين غلب عندهم إطلاق لفظ الإجارة في العقد على منافع ما يعقل، وهو الذي يتصور فيه الخطر الذي منع من أجله سحنون اجتماعهما، لما يحصل من عمل الأجير من تأثير في العين لو استحق الشيء المبيع مثلاً، أما في الكراء الذي هو على منافع ما لا يعقل، فلا يتصور فيه مثل هذا التأثير، فالظاهر أنه لا خلاف في جواز اجتماعهما في عقد واحد، وقد صرح بذلك في المدونة: "سحنون قلت أرأيت إن اشتريت عبداً و اشترط على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة ، أخذت العبد وكراء الراحلة جميعاً في صفقة واحدة بمائة دينار، أيجوز هذا الشراء والكراء ؟ وإن لم أشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم تشترط إن ماتت الراحلة أبدلها، وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد" (2) .
    __________
    (1) مواهب الجليل: 5/396.
    (2) المدونة: 3/422.
    (2/22408)
    --------------
    ثانياً: هل يجوز أن يبيع العين المكتراة إلى المستأجر؟
    جاء في المعونة: "يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الإجارة ما لا يكون غرراً يخاف تغيرها في مثله، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرة: 275]، ولأنه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر، لأن المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء مدة الإجارة، فكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع منه، ولأنه عقد على منفعة فلم يمنع العقد على الرقبة أصله إذا باع أمة قد زوجها" (1) .
    فالقاضي قد جعل بيعها للمستأجر أصلاً مقيساً عليه مما يومئ إلى أنه متفق عليه.
    وذكر ابن شاس أنه "إذا بيعت الدار المستأجرة من المستأجر صح البيع ولم تنفسخ الإجارة، واستوفى المبتاع المنفعة بحكم الإجارة، ولو باعها من غيره لصح أيضاً، واستمرت الإجارة إلى آخر المدة.
    وروي أيضاً تخصيص الصحة في ذلك بالمدة اليسيرة كالسنتين والثلاثة وما قارب ذلك، والكراهية في المدة الطويلة.
    وكذلك يصح بيع الرقبة واستثناء المنفعة مدة لا يتغير المبيع فيها، ويصح من المستأجر إجارة الدار للمالك، كما يصح منه للأجنبي" (2) .
    إنه بمجرد ما يتم عقد الإجارة بين الطرفين تنتقل المنافع إلى المستأجر وتكون ملكاً له يتصرف فيها كما يتصرف تصرف المالكين، فله أن ينتفع بنفسه، وله أن يبيع المنفعة لغيره سواء أكان المالك الأصلي أم لأجنبي، إلا أنه إذا باعها من المالك يراعى لجواز الصفقة أن لا تكون تحايلاً على الربا، كما إذا اكترى بمائة حالّة ثم أكرى العين المؤجرة إلى المالك بمائة وعشرين إلى أجل.
    وذكر ابن جزي ما يأتي: "يجوز بيع الرباع والأرض المكتراة خلافاً للشافعي، ولا ينفسخ الكراء ويكون واجب الكراء في بقية مدة الكراء للبائع، ولا يجوز أن يشترطه المشتري لأنه يؤول إلى الربا، إلا إن كان البيع بعرض، وإن لم يعلم المشتري أن الأرض مكتراة فذلك عيب له القيام به" (3) ، فابن جزي أطلق في المشتري سواء أكان المكتري أم غيره، لكن بشرط أن يكون البائع المؤجر ينتفع بثمن الإجارة في باقي المدة، وذكر ابن الجلاب: "من أكرى داراً أو أرضاً مدة معلومة فلا بأس أن يبيعها من مكتريها قبل تمام المدة، ولا بأس أن يبيعها من غيره إذا أعلمه بالإجارة، فان باعها ولم يعلم المشتري بالإجارة فهو عيب... والأجرة على كل حال للبائع دون المبتاع" (4) .
    قال التلمساني: "ولا يجوز أن يشترط المشتري الأجرة لنفسه لأنه يدخله الذهب بالذهب متفاضلاً، ثم قال: قال مالك : ( ومن ساقى حائطاً ثم باعه، فالبيع ماض والمساقاة ثابتة لا ينقضها البيع) ؛ الأبهري: لأن عقد المساقاة لازم كعقد الإجارة " (5) .
    __________
    (1) المعونة: 2/1106.
    (2) عقد الجواهر الثمينة: 2/836.
    (3) القوانين الفقهية، ص205.
    (4) التفريع: 2/188.
    (5) مواهب الجليل: 5/408.
    (2/22409)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:05 pm

    ثالثاً: هل يجوز أن يتم البيع بثمن رمزي؟
    إن البائع العالم بنوع ما يبيعه وبثمنه إذا كان رشيداً صحيحاً فإنه لا خلاف أن له أن يبيع ملكه بثمن المثل، وبأقل منه وبأغلى، وأن يهبه أو أن يتصدق به، وكل ما ذكره بعض الفقهاء أنه إذا باع العين وسماها بغير اسمها جهلاً منه بحقيقة المبيع، كمن باع ياقوته وسماها عند البيع أنه يبيع زجاجة، فإنه في مثل هذه الحالة له أن يقوم على المشتري وينقض البيع، وأما لو سمى المبيع باسم عام يتناوله؛ كمن سمى المبيع شيئاً أو حجراً في المثال المذكور، فهذا لا قيام له بالغبن، قال المتيطي: "ومن باع سلعة بثمن بخس لجهله بها أو بقيمتها مثل أن يبع حجراً بدرهمين فإذا هو ياقوت، فإن ذلك يلزمه عند مالك، قال: ولو شاء لاستبرأ لنفسه قبل البيع، قال ابن حبيب : "وكذا لو ظن المبتاع أنه ياقوت فلم يجده ياقوتاً فذلك لازم له.. وأما إن قال البائع: من يشتري مني هذه الزجاجة فباعها على ذلك فإذا هي ياقوتة فله نقض البيع، جهله المبتاع أو علمه، كما لو سمى ياقوتاً فألفي زجاجاً فللمبتاع رده، وأما لو سكت أو قال: حجراً، ولم يبين فلا كلام له" (1) .
    وقد نظم ابن عاصم ذلك فقال:
    وبيع ما يجهل ذاتاً بالرضا بالثمن البخس أو العالي مضى
    وما يباع أنه ياقوتة أو أنه زجاجة منحوتة
    ويظهر العكس بكل منهما جاز به قيام من تظلما

    وكذلك إذا غبن أحد المتبايعين عند من يرى القيام بالغبن الذي لا يعتبر إلا إذا توفرت شروطه، وهي التي أشار إليها ابن عاصم بقوله:
    ومن لغبن في مبيع قاما فشرطه أن لا يجوز العاما
    وأن يكون جاهلاً بما صنع والنقص بالثلث فما زاد وقع

    والقضية منصوص عليها، والحديث الذي رواه البخاري ومسلم من أن حبان ابن منقذ كان يخدع في البيوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة))، علق القاضي عياض على هذا الحديث فقال: غبن المسترسل، وهو المستسلم لبيعه ممنوع فله القيام إذا وقع ولا يلزم الغبن، والمسترسل هو الذي لا بصر له بالبيوع، وإن لم يسترسل بل ماكس فإن كان بصيراً بالقيمة عارفاً بها فلا قيام له لأنه كالواهب لما غبن فيه، وإن كان غير بصير بالقيمة فهذا موضع الخلاف، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي : لا قيام له بالغبن، وقال البغداديون من المالكية: له القيام بالغبن غير المعتاد... وعلق عليه الأبي: "قلت: لم يجعل له الخيار في الحديث إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن" (2) .
    إن الذي حملني على التوسع في تحرير هذا هو ما جاء في بحث "إن ثمن المبيع في الفقه الإسلامي لابد أن يكون مقارباً لقيمة السلعة الحقيقي" (3) .
    يظهر مما قدمناه:
    أولاً: إن اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة جائز لعدم التنافي بين العقدين، إن ما ذهب إليه سحنون من عدم الجواز محله إجارة الإنسان العاقل على عمل يدخله في المبيع، فتتأثر العين بعمل الأجير، وهذا غير متصور في الكراء الذي لا أثر لعمل المكتري فيه، فالصورة الأولى والثانية من هذه الناحية مقبولتان، وكذلك لا أثر لكون الثمن رمزياً أو حقيقياً، وأنه لا حجر على الرشيد العالم ما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة والبائع بنك له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصاً تسنده الخبرة والعلم بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط ولكن في العالم خصوصاً مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق.
    __________
    (1) حاشية المهدي الوزاني : 2/5، كراس 39.
    (2) إكمال الإكمال: 4/198-199.
    (3) انظر المجلة: العدد الخامس: 4/2645-2646.
    (2/22410)
    --------------
    إن الصفقة في تلكم الصورتين تمثل عقدين لا عقداً واحداً، عقد إجارة ، وعقد بيع، وليست الصفقة تمثل عقداً واحداً مع شرط فاسخ ، ذلك أن الذي وقع النص عليه في عقد البيع هو أن المؤجر بائع وأن المستأجر مشتر للعين المؤجرة، والثمن معلوم، وأجل تنفيذ الصفقة معلوم أيضاً هو وقت سداد آخر قسط، وهذا مضبوط باعتبار أن الأقساط التي التزم المستأجر بخلاصها معلومة الآجال، متفق بين الطرفين على بدايتها ونهايتها.
    إلا أن هذا العقد لا بد فيه من تقديم الثمن حتى لا يؤول إلى تعمير ذمتين الممنوع شرعاً، فعلى المشتري (المستأجر) أن يدفع الثمن الرمزي حالاً، أو أن يدفع الثمن المتفق عليه ناجزاً أيضاً، لتكون الصفقة في هذه الصورة حلالاً، وأما تركه لسعر السوق يوم التنفيذ فغير جائز لما بيناه، من أن ذمة البائع (المؤجر) عامرة وذمة المستأجر المشتري عامرة أيضاً، ولا يقال إن ذمة البائع قد فرغت بقبض المستأجر للعين، ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة لا يد ملك، وهي لا تتحمل الضمان وبالتالي لا تستحق الخراج .
    حكم الصورة الثالثة:
    أما الصورة الثالثة هي أن يعد المؤجر في صلب العقد أن يبيع للمستأجر المعدات بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
    الصورة الظاهرة هي صورة وعد، ولكن بإمضاء الطرفين على العقد يظهر أن المؤجر قد التزم بالبيع وأوجبه على نفسه عند إحضار المستأجر الثمن (باقي الأقساط) وأن الطرف الثاني المستأجر هو بالخيار في قبول الصفقة متى شاء أو عدم قبولها أثناء كامل مدة الإيجار ، وبيع الخيار لا يجوز إلا إذا كان الأجل مضبوطاً بمدة محددة مما يكون المشتري في حاجة إليه حسب العادة في المذهب المالكي ، ولذا فإن المدة تختلف باختلاف العين المؤجرة ، يقول ابن عاصم:
    بيع الخيار جائز الوقوع لأجل يليق بالمبيع
    كالشهر في الأصل وبالأيام في غيره كالعبد والطعام

    وقدرة الحنفية والشافعية بثلاثة أيام، فعلى رأي المالكية والحنفية والشافعية تكون الصورة الثالثة غير جائزة ، ورأى الإمام أحمد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن أن الخيار جائز لأي مدة اشترطت ورضى بها الطرفان، وذهب الثوري والحسن البصري وجماعة إلى أن الخيار مقبول مطلقاً ضرب له أجل أو لم يضرب (1) .
    وقد ذكر ابن قدامة قائلاً: "إنه إذا شرطا الخيار أبداً متى شاءا، أو قال أحدهما: ولي الخيار ولم يذكر مدته، أو شرطا إلى مدة مجهولة كقدوم مسافر، أو هبوب ريح، أو نزول مطر، أو مشاورة إنسان، ونحو ذلك؛ لم يصح في الصحيح من المذهب ، وهذا اختيار القاضي، وابن عقيل ، ومذهب الشافعي، وعن أحمد أنه يصح، وهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه أو تنتهي مدته، وهو قول ابن شبرمة" (2) .
    فعلى رأي أحمد والثوري والحسن وابن شبرمة تكون هذه الصورة الثالثة مقبولة أيضاً.
    الصورة الرابعة:
    أن يكون بيع المعدات من المؤجر للمستأجر بعقد منفرد بعد انبرام عقد الإجارة ، وهذه الصورة لا يختلف حكمها عما قرر في الصورة الأولى والثانية، مع التأكيد على وجوب تعجيل الثمن .
    وأما الصورة الثالثة فهي وعد من المؤجر للمستأجر، وهذا الوعد ملزم لأن المؤجر قد أدخل المستأجر في طريق وحوله إليه بموجب الوعد، لأنه لو لم يعده لما بذل المستأجر مجهوداً إضافياً أو دخل في التزامات مع أطراف آخرين ليفوز بما وعده المؤجر.
    نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين: "لو ذكر البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس ثم ذكر: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد" (3) .
    __________
    (1) بداية المجتهد: 2/206.
    (2) المغني: 6/43.
    (3) رد المحتار: 4/121.
    (2/22411)
    --------------
    القسم الثاني
    الصورة الأولى:
    وهي أن يقترن عقد الإجارة بهبة المعدات هبة معلقة على دفع آخر قسط من أقساط الإيجار ، هذه الصورة هي صورة جائزة ولازمة للواهب (المؤجر)، وقبض المستأجر للمعدات وبقاؤها تحت يده كاف في القبض الموجب لتنفيذ الهبة في أمدها المحدد في العقد، ويقدم المستأجر على الغرماء، ولا حق للورثة في الرجوع في الهبة لو مات الواهب قبل الأجل المحدد ، ذلك أن حوز المستأجر هو حوز تام معتبر، إنه لا يكون حوز المستأجر غير مجزئ إلا إذا كانت الهبة لغير المستأجر، ولم تصرف الإجارة للموهوب له.
    الصورة الثانية:
    أن يعد المؤجر المستأجر في صلب العقد بهبة المعدات عند سداد آخر قسط، والفرق بين هذه وما قبلها أن هذه الصورة هي التزام بالهبة عند الأجل المحدد، وما قبلها إيجاب للهبة من الآن، والذي يدل عليه كلام الحطاب في النوع الخامس من الالتزام المعلق الذي فيه منفعة للملتزم: أن هذا الوعد ملزم، وعلى المؤجر أن ينفذ وعده عند سداد آخر قسط (1) .
    بقي أني لم أظفر بنص صريح فيما لو مات المؤجر قبل بلوغ الأجل، فهل يكون هذا الوعد وعداً نافذاً، وعلى الورثة إذا سدد المستأجر آخر قسط تنفيذ الهبة، أو يكون لهم حق الاختيار في التنفيذ أو الامتناع؟ والراجح حسب قواعد النظر أن الورثة ملزمون أيضاً بتنفيذ الوعد باعتبار أنهم وارثون للمورث فيما له وفيما عليه من حقوق تسعها التركة، والعقد الذي تم به الإيجار وأمضاه الطرفان قد نص فيه على الوعد (الالتزام) إذ ما رضي كل طرف من المتعاملين بالعقد إلا بجميع ما اشتمل عليه.
    الصورة الثالثة:
    وهي أن يهبه المعدات بواسطة عقد أبرم بعد عقد الإجارة ، وقع التنصيص فيه على أن الهبة معلقة بسداد آخر قسط من أقساط الإجارة.
    هذه هي هبة، وهي كسابقتها جائزة ونافذة، ولا مقال للورثة فيها باعتبار أنها هبة تم حوزها في حياة الواهب وهي معلقة، فمتى حصل الأمر المعلق عليه استحق الموهوب له الهبة.
    وأما إن وعد بالهبة بعد عقد الإيجار ، فإن استمر الواهب حياً فهو ملزم قطعاً بتنفيذ وعده، وإن مات قبل ذلك فهل يكون الورثة غير ملزمين بتنفيذ الوعد نظراً إلى أنه لم يبن العقد الأول على الهبة؟
    أو يكونون ملزمين؛ لأن الواهب وعد بالهبة وعداً ملزماً لربطه بأمر له فيه حظ والموهوب له (المستأجر) قد قبل الهبة، وقد حصل الحوز، فجميع أركان لزوم الهبة قد تحققت؟
    __________
    (1) تحرير الكلام في مسائل الالتزام، ص199-203.
    (2/22412)
    --------------
    الخاتمة
    عملت في بحثي هذا على تتبع عقد الإيجار المنتهي بالتمليك ، وبيان أحكامه، وفي الورقة المقدمة من الأمانة العامة ثلاثة أسئلة لم أتعرض لها أثناء البحث لأنها حالات خاصة ليست من طبيعة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك.
    الأول: حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك:
    إن تصور الواقع كما جرى هو الذي يعطينا الضوء لضبط الحكم، والسؤال غامض ويحتمل وجوهاً، فهل يعني أن المعدات التي اشتراها المستأجر بتوكيل من المؤجر قد تم في فترة التراوض أن المستأجر يدفع نسبة من ثمن المعدات مقدماً، وأن المؤجر يدفع الباقي، ثم يستأجر كامل المعدات من البنك ، على أن أقساط الإيجار قد اتفق على أنها موزعة حسبما دفعه المؤجر، فإذا كان هذا هو المقصود، فإن المستأجر بعقده الصفقة عند شراء المعدات باسم المؤجر، وأن المؤجر هو الضامن، وعقد الضمان باسمه؛ فإن المستأجر يكون قد تنازل عن حقه في التملك للجزء الذي دفع ثمنه، وأن المؤجر هو المالك للجميع، وهذه تتخرج على أنها هبة فعلية نافذة، إذ أن المستأجر هو الذي تولى الصفقة وأسقط اسمه من وثائق التملك، وتظهر آثار ذلك إذا عجز عن السداد، فإن المؤجر هو الذي يفوز بجميع المعدات وليس للمستأجر حق فيها.
    وإن كان معنى ذلك أن المستأجر يدفع قسطاً من أقساط الإيجار مقدماً قبل أن ينتفع بالعين المؤجرة ؛ فقد ذكر الحطاب في تنبيهه على قول خليل : "إن ملك البقية"الثاني، قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه.. ابن يونس : وإن لم يكن شرط وكانت سنة البلد النقد قضي به (1) .
    الثاني: تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم:
    إن الفرار من الواجب على الشخص أو على المؤسسة بإظهار خلاف الواقع هو (التوليج) وهو كذب لا يحل أبداً، ذلك أن انتساب المؤجر والمستأجر إلى دولة من الدول واستفادتهما من مؤسساتها وأجهزتها في أمنهما وتعلمهما وصحتهما وحماية حياتهما وأرزاقهما، والدفاع عن حوزة الوطن الذي ينتسبان إليه، وغير ذلك من المكاسب التي لولاها لما استطاعا أن ينشطا اقتصادياً ولا أن يعقدا مثل هذا العقد، كل ذلك يفرض على كل واحد منهما أن يكون أميناً في التعامل مع الأنظمة المعمول بها، وأن لا يحاول التهرب من الرسوم أو التحايل على الإجراءات المعمول بها، فإن ضمان حقوقه إنما هو بالسلطة القضائية والتنفيذية، وهي ملجؤه، فكيف يحل له التمتع بالغنم والتهرب من الغرم؟
    الثالث: تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر:
    إن شأن العقود أنها لا تنقض ولا يعاد النظر فيها بعد انبرامها لظروف خاصة بأحد المتعاقدين، ولا أعلم استثناء لذلك إلا في الثمار إذا أصيبت بجائحة وذلك بالشروط المعتبرة شرعاً عند القائلين بوضع الجوائح (2) .
    ولما كان هذا العقد عقداً جديداً، فالذي يظهر كَحَلِّ اعتماداً على التوسع في فهم قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [النساء: 29] الحل هو أن ينص في عقود الإيجار المنتهي بالتمليك بأن مثل هذه الحالة تحال على لجنة المحكمين كبقية الخلافات التي تطرأ في مراحل تنفيذ العقد.
    والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    __________
    (1) مواهب الجليل: 5/440؛ المدونة: 3/435.
    (2) بداية المجتهد: 2/184-187.
    (2/22413)
    --------------
    صكوك التأجير المبنية على الإيجار المنتهي بالتمليك
    هذا هو الشق الثاني من موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك حسبما حددته الورقة التي اتصلت بها من الأمانة العامة. وقد عرفتها بأنها: أدوات مالية للاستثمار عن طريق تملك أعيان وتأجيرها. ثم تمثيلها في أوراق مالية، ونقل ملكية الأعيان المؤجرة إلى المستثمرين بحصولهم على الصكوك واستحقاقهم الأجرة بحسب حصص الملكية.
    إن بحث الموضوع على الطريقة التي قدم بها لا يستغني عن ضبط الأمور الآتية:
    1) إن تحويل هذه الأداة إلى صكوك يتصف فيها تصرف الصكوك من بيع وشراء وهبة ورهن... إلخ، يتوقف النظر في ذلك أولاً: على صدور القرار المجمع في التأجير المنتهي بالتمليك قراراً واضحاً ومستوفياً. أما قبل صدور هذا القرار- والمجمع لحد الآن حسب آخر قرار له يقدم البديل ولا يقر أصل التعامل – فإنه يكون تبعاً لذلك بحث هذا الشق غير مبني على الأساس الذي يعتمد عليه إذ النظر في أحكام هذه الصكوك لابد أن تكون تابعا للضوابط التي يضبط بها أصل التعامل.
    2) ما ذكر في تبرير القول بالتعامل بصكوك التأجير أن الحاجة داعية إليها، ولا غناء للحكومات ولا للمؤسسات المالية عن تحصيل الأموال بإصدار سندات الدين أو بالاقتراض الربوي المباشر.
    إن هذا التبرير لا يطمأن إليه إذا سبقه رصد لنماذج من الدول والمؤسسات لعملياتها المبنية على التأجير المنتهي بالتمليك، وعن دور هذا الإصدار لمساعدتها لحماية تعاملاتها من الطرق غير المشروعة، إذ إبراز أهمية ذلك ليكون في محل الحاجة لا يبنى على التصور المظنون ولكن على ما يظهره الواقع فعلاً.
    __________
    (2/22414)
    --------------
    3) لابد من مراعاة أمر خطير، وهو أثر تحويل الإيجار المنتهي بالتمليك إلى صكوك تتداول، إن هذه العملية لا تعدو أن تكون ضخاً لسيولة مالية لا تمثل إنتاجاً. فإذا اشترى البنك الإسلامي المعدات، ثم آجرها للعميل، فقلب تلكم المستحقات إلى صكوك إيجار وقبضه لقيمتها يكون ازدياداً في النقود دون مقابل. ومعلوم أن التضخم ظلم لكل من يملك سيولة مالية (ناض).
    4) قضية الضمان . وهي قضية هامة وأساس في إصدار الصكوك ليقبل عليها المستثمرون. وإن المتبع فيها في معظم الأحوال اختلاف شخصية الضامن عن شخصية المضارب باختلاف الشخصيات القانونية . وسؤال لابد من التعمق فيه وبحثه بحثاً مركزاً، هو أن اختلاف الشخصية القانونية هل يكون معتبراً شرعاً إذا كانت تلكم الشخصيات تنتهي إلى المؤسسة الأم، لتصب فيها جميع عائداتها ليتكون من جيمعها الموازنة العامة للمؤسسة الأم؟ ولذا فإن ضبط الضمان من الطرف الثالث بالضوابط المبني على النظر إلى الواقع لا إلى التسميات له أثره في بيان الحكم الشرعي.
    5) قضية قياس صكوك التأجير على صكوك المقارضة . لا غنى عن تقديم بحث مركز بين أيدي الفقهاء يحدد أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما في المنشأ والغرض والنهاية.
    الرأي
    أقترح أن يسبق عرض هذا الموضوع الذي جاء فيه قرار عام في الدورة الثامنة المنعقدة ببندر سري بجاون (بروناي دار السلام) 78/5/د8- ونصه:
    صكوك التأجير أو الإيجار المنتهي بالتمليك وقد صدر بخصوصها قرار المجمع رقم6/د5 – وبذلك تؤدي هذه الصكوك دوراً طيباً في سوق المال الإسلامية في نطاق المنافع.
    إن إعادة طرحه على المجمع قد يكون ناشئاً عن خلو القرار المذكور من الضوابط والتدقيقات الكاشفة عن هذا التحويل. وما فيه من صواب مقبول ومن صور غير مقبولة. فالرأي أن يقدم له بندوة متخصصة.
    والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
    محمد المختار السلامي
    __________
    (2/22415)
    --------------


    الإجارة المنتهية بالتمليك
    وصكوك الأعيان المؤجرة
    إعداد
    الدكتور منذر قحف

    مقدمة
    تتميز الإجارة –بين أدوات التمويل الأخرى- ببضع مزايا، من وجهة نظر كل من المؤجر، والمستأجر، فبالنسبة للمستأجر، أهم ما يميز الإجارة هو أنها تمويل من خارج الميزانية بمعنى أن إدارة المؤسسة المستأجرة ، التي هي في العادة مطالبة بتقديم تبرير تفصيلي لاستعمالات أموالها، لا تحتاج إلى ذلك فيما يتعلق بالأعيان المستأجرة، لأن شراء الأصل المستأجر يتم من قبل المؤجر، ولا يتعلق التزام المستأجر إلا بدفع الأجرة، التي تعتبر نفقة إيرادية، وليست رأسمالية.
    ثم إن الإجارة تقدم –في الأغلب- تمويلاً كاملاً لشراء الأصل الثابت المستأجر بخلاف الأدوات الأخرى، وبخاصة القرض الربوي ، التي تتطلب في العادة مشاركة المستفيد بنسبة معينة من ثمن الأصل الثابت المطلوب.
    وكذلك فإن الإجارة تساعد المستأجر على التخطيط والبرمجة لنفقاته، لأنه يعرف التزامه المالي مقدماً، وتعتبر وسيلة جيدة تحميه ضد التضخم ، خصوصاً إذا ارتبط بعقد إجارة ثابت الأجرة لوقت طويل، وهي تيسر الأعمال الإدارية والمحاسبية للمستأجر، بإعفائه من الخوض في مسائل احتياطيات الاستهلاكات، والتغير في قيمة الأصول الثابتة، وما لذلك من تأثير على تقدير الضرائب، والتقارير اللازمة لها، وهي لا تضغط على سيولة المستأجر النقدية أو رأس المال العامل لديه، بقدر ضغط شراء الأصل المرغوب في منافعه مما يتيح له استعمال السيولة للأغراض الأخرى للشركة.
    كما أن للإجارة مزايا أخرى بالمقارنة مع بعض الأدوات التمويلية الأخرى، كل على حدة، فهي مثلاً تحافظ على حصر ملكية الشركة بمالكيها الحاليين، إذا ما قورنت مع زيادة رأس المال عند الحاجة إلى تمويل لشراء أصول ثابتة جديدة، وهي أكثر ثباتاً وتأكيداً من السحب على المكشوف والتسهيلات الائتمانية المصرفية أو التجارية، كما أنها قد تتمتع بمزايا ضريبية، لأن الأجرة نفقة تنزل من الأرباح ، إذا ما قورنت بوسائل التمويل التي تقوم على توزيع الأرباح، كالمضاربة .
    __________
    (2/22416)
    --------------
    أما بالنسبة للممول (المؤجر)، فالإجارة تشكل صيغة أخرى من صيغ التمويل، مما يزيد في مجال اختياراته بين الصيغ المعتمدة، وهي أقل مخاطرة من القراض والمشاركة، لأن الممول يملك الأصل المؤجر من جهة، ويتمتع بإيراد مستقر وشبه ثابت، وسهل التوقع من جهة أخرى، وهي تدر إيراداً للممول (المؤجر) خلافاً للقرض الحسن، وفضلاً عن ذلك فإن بعض المزايا الضريبية، التي نالها المؤجر يمكن أن تنعكس على المستأجر على شكل تخفيض في الأجرة، مما يجعل الإجارة أكثر كفاءة من أشكال التمويل التي لا تحقق مزايا ضريبية، كما أن التمويل عن طريق الاستئجار أقل تعقيداً من حيث الإجراءات والشروط القانونية –في العادة من التمويل عن طريق زيادة رأس المال (1) ، يضاف إلى ذلك أن بقاء الملكية بيد المؤجر يعطيه ضماناً مفضلاً للتمويل الذي يقدمه، مما يجعله أكثر اطمئناناً من التمويل بالمرابحة الذي ينقل الملكية إلى المشتري من تاريخ العقد.
    ويلاحظ أن الإجارة كصيغة تمويلية لم تلفت نظر الباحثين في البنوك الإسلامية خلال العقد الأول من وجود هذه المصارف (2) ، ولعل من أوائل من كتب فيها تفصيلاً الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان باقتراح من كاتب هذه الأوراق، وقد نشر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بحثه في عام 1992م، تلا ذلك كتاب سندات الإجارة والأعيان المؤجرة لمنذر قحف الذي نشر عام 1995م.
    تحتوي هذه الأوراق على قسمين: أبحث في القسم الأول منهما في الإجارة المنتهية بالتمليك وأخصص القسم الثاني لصكوك التأجير.
    __________
    (1) tom Clark, ed., Leasing Finance, Euromoney Books, Essex, Great 1990 Britain.
    (2) فلم يرد للإجارة في كتابات المرحوم عيسى عبده إبراهيم ولا موسوعة البنوك الإسلامية ولا كتابات الدكتور سامي حمود المبكرة ولا في الرسائل الجامعية المبكرة حول أدوات التمويل الإسلامية مثل رسالة الدكتور محمد صلاح الصاوي ورسالة الدكتورة أميرة مشهور.
    (2/22417)



    --------------
    القسم الأول
    الإجارة المنتهية بالتمليك
    تعريف الإجارة ، ومشروعيتها ولزومها:
    ذكرت الموسوعة الفقهية تعريفاً للإجارة نسبته للفقهاء! هو أنها "عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض"، ونقل الدكتور أبو سليمان تعريفات عن كل من المذاهب الأربعة ورجح منها تعريف الحنابلة وهو "عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، من عين معلومة، أو موصوفة في الذمة، أو عمل، بعوض معلوم"، ونلاحظ التفصيل في هذا التعريف من إدخال شرطي العلم والإباحة ، وأنه يشمل مدة معلومة وإنجاز عمل معلوم، كخياطة ثوب أو نقل شخص مسافة معلومة، بغض النظر عن المدة التي يأخذها ذلك العمل.
    وإن هذا التعريف يصلح كمقدمة لبحث الإجارة المنتهية بالتمليك ، لأنها إجارة تتحدد في العادة بالزمن وليس بإنجاز عمل معلوم.
    أما حكمها التكليفي فهو الجواز أو المشروعية، وقد ثبت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والعقل (1) ، وهي عقد لازم عند المذاهب الأربعة (2) ، وحكى ابن رشد الجواز فيها، ويرى الحنفية أن للمستأجر فسخ الإجارة للعذر الطارئ (3) .
    __________
    (1) الموسوعة الفقهية: 1/245؛ وعقد الإجارة للدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، ص19-22.
    (2) أبو سليمان، ص33.
    (3) الموسوعة الفقهية، ص253.
    (2/22418)
    --------------
    تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك:
    قد يصعب وضع تعريف محدد للإجارة المنتهية بالتمليك قبل التعرف على صورها، فهي من جهة إجارة ينطبق عليها تعريف الإجارة المذكور، ولكن فيها تخصيصاً أضيق، لأنه يقصد منها أن يشتمل مجموع الأجرة خلال مدة العقد على ما يفي بسداد ثمن العين المؤجرة مع العائد الإيجاري المرغوب به، فحقيقتها أنها –في جميع صورها- إجارة وشراء معاً، مهما كان الشكل التعاقدي الذي يتخذه نقل الملكية ، سواء أكان ذلك عند انتهاء مدة الإجارة ، أم تنجيماً على أسهم أثناء مدة العقد.
    ولقد جاء في استفسار البنك الإسلامي للتنمية الموجه إلى مجمع الفقه الإسلامي؛ وصف هذا العقد بأنه عقد إجارة يتضمن التزاماً من المؤجر بهبة العين المستأجرة عقب وفاء جميع أقساط الأجرة، أما الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي فقد عرفت الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها: عقد على انتفاع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة موزعة على مدة معلومة على أن ينتهي العقد بملك المستأجر للمحل.
    أما هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية فقد آثرت تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك من خلال تعداد حالاتها العملية، وهي:
    (أ)الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة .
    (ب)الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع بثمن رمزي أو غير رمزي يحدد في العقد.
    (ج) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع قبل انتهاء مدة عقد الإجارة بثمن يعادل باقي أقساط الأجرة.
    (د) الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع التدريجي.
    ويمكن إضافة حالة خامسة هي:
    (هـ) الإجارة المبتدئة بالتمليك ، وتنتقل فيها ملكية العين بعقد بيع في أول مدة الإجارة مقابل الدفعة النقدية المقدمة مع استثناء منافع العين من البيع لمدة الإجارة، ثم تباع هذه المنافع لمشتري العين نفسه بعقد إجارة للمدة المعلومة.
    وفي جميع هذه الحالات يكون نقل الملكية ملزماً ومطلوباً للطرفين، فهو من مقصود العقد نفسه.
    __________
    (2/22419)
    --------------
    أما القسط الذي يدفعه المستأجر فيمكن أن يتخذ أياً من ثلاثة أشكال هي:
    1- مبلغ ثابت متساو لجميع الأقساط، محدد في العقد، يتألف كل قسط منه من جزء متزايد يقابل أصل ثمن العين المؤجرة ، ومن جزء متناقص يقابل أجرة محسوبة على أساس مجموع الأجزاء المتبقية من أصل الثمن.
    2- مبلغ متناقص بشكل تدريجي محدد في العقد، يتألف كل قسط منه من جزء ثابت يقابل نسبة من أصل الثمن (مثلاً 10 % إذا كانت الإجارة لعشر سنوات)، وجزء متناقص يقابل أجرة محسوبة على أساس مجموع الأجزاء المتبقية من أصل الثمن.
    3- مبلغ متناقص يتألف من جزأين: جزء ثابت مماثل للشكل رقم (2) وجزء متناقص غير محدد بذاته في العقد ولكن قد حدد العقد طريقة حسابه، كأن يكون معدل Libor + 2 % مثلاً، بحيث يعلم مقداره قبل بدء كل فترة إيجارية .
    وإلى جانب الإجارة المنتهية بالتمليك نجد نوعاً من الإجارة التمويلية الشائعة ، وبخاصة في السيارات، وهي إجارة منتهية بالتخيير، لا بالتمليك، ويكون التخيير فيها عادة للمستأجر بين إعادة العين المؤجرة إلى المالك أو شرائها بثمن يحدده العقد نفسه (1) .
    __________
    (1) من الواضح أن خيار تمديد عقد الإجارة بنفس الأجرة لمدة جديدة لا يرد هنا لأنه غير مقبول للمستأجر باعتبار النقص في عمر السيارة الاقتصادي وبالتالي ثمنها، وقد يرد في بعض العقود خيار بالاستئجار لمدة جديدة بأجرة يتفق عليها عند انتهاء مدة الإجارة، ولكن هذا الخيار يعتبر فرعاً من إعادة العين للمالك، لأن العين تعود له إذا لم يتفق على الأجرة.
    (2/22420)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:06 pm

    --------------
    التكييف الشرعي للإجارة المنتهية بالتمليك وصورها:
    يتنوع تكييف الإجارة المنتهية بالتمليك باختلاف صورها، لذلك سنستعرض هذه الصور الخمسة وتكييف كل منها، مع ملاحظة أن جميع هذه الصور تتضمن اجتماع عقدين مع بعضهما، أو إدخال شروط تمثل عقداً آخر في عقد الإجارة ، لذلك فإنه مما يعين في فهم هذه الصور العودة إلى مسألة اجتماع العقود، وقد نوقشت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي .
    فالأصل الشرعي في المعاملات حرية التعاقد وصحة الشروط إلا ما أبطله الشرع أو نهى عنه بنص أو قياس صحيح ، ولقد تبين من النصوص المتعددة أن الاجتماع يؤثر في الصحة والبطلان والإباحة والحرمة ، كما في البيع والسلف وزواج المرأة مع أختها أو عمتها ، ولقد فصل فضيلة الشيخ الدكتور حسن الشاذلي في آراء المذاهب في اجتماع العقود، فإذا كانت العقود متفقة الأحكام "يصح عند الحنفية أن تحتوي الصيغة على أكثر من عقد طالما توافر في ذلك ثلاثة شروط هي:
    1) صلاحية المحل لورود جميع العقود عليه، 2) انتفاء الجهالة، 3)أن يصدر القبول موافقاً للإيجاب" (1) .
    أما إذا كانت العقود مختلفة الأحكام فيطبق الحنفية على اجتماعها رأيهم المعروف في الشروط، فالشرط الذي لا يقتضيه العقد فاسد عندهم، ومفسد للعقد أيضاً.
    أما المالكية فيصح عندهم اجتماع الإجارة والبيع، والإجارة والهبة ، لعدم تضاد هذه العقود، ومنعوا اجتماع البيع مع الشركة أو مع الصرف لوجود التضاد بينها (2) .
    وقد فصل الدكتور الشيخ نزيه حماد في مبدأ التضاد هذا، وبين أن المقصود منه "ترتب التنافر في موجبات آثار كل من العقدين" (3) ، أو العقد والشرط، لا مجرد الاختلاف والتباين في وضع العقدين وأحكامهما، "وأن ذلك التضاد والتناقض إنما يكون إذا ورد العقدان على محل واحد مثل بيع عين وهبتها أو شراء أمة ونكاحها" (4)
    __________
    (1) أ.د. حسن الشاذلي "اجتماع العقود المتفقة أو المختلفة الأحكام في عقد واحد"ورقة قدمت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، نوفمبر 1998م، ص26.
    (2) المرجع السابق، ص30.
    (3) أ.د. نزيه حماد، (اجتماع العقود المتعددة في صفقة واحدة في الفقه الإسلامي)، ورقة قدمت في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، ص16-17.
    (4) المرجع السابق نفسه.
    (2/22421)
    --------------
    كما أوضح أن الاختلاف بين البيع والإجارة، وبين الإجارة والهبة ليس من باب التضاد والتناقض رغم ما بينهما من اختلاف في الحكم وفي الآثار (1) .
    أما مذهب الشافعية، فيخلص الدكتور الشيخ حسن الشاذلي إلى القول بجواز اجتماع العقود اللازمة المختلفة الأحكام ، كالبيع والإجارة، بعوض واحد، في الأظهر من قولي الشافعي، أما إذا حددت الصيغة عوضاً لكل عقد فيستظهر الصحة، على قواعد المذهب ، قولاً واحداً، وأما اجتماع عقد لازم مع عقد جائز في صيغة واحدة فيرى فيه الصحة أيضاً، ما لم يشترط قبض العوض في العقد اللازم في مجلس العقد (2) .
    وأما اجتماع عقدي الإجارة والبيع عند الحنابلة فيجعل الكل باطلاً، على قول القاضي، لأن ملك العين يقتضي ملك المنفعة فكيف يبيعها بعقد الإجارة ؟ ولكن الشيخ التقي يرى صحة ذلك لأنه يعني أن البيع قد استثنيت منه المنفعة لمدة محددة فجاز بيع ما استثني بعقد الإجارة ، وهذا ما يصححه الشيخ الشاذلي، سواء أكانت الإجارة للمشتري أم لغيره (3) .
    ويخلص الأستاذ الدكتور نزيه حماد في ورقته القيمة إلى ثلاثة ضوابط لحظر اجتماع العقود هي:
    أولاً: أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي.
    ثانياً: أن يترتب على الجمع بينهما توصل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.
    ثالثاً: أن يكون العقدان متضادين وضعاً ومتناقضين حكماً (4) .
    وقد انتهت الندوة إلى التوصية التالية: "يجوز اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد، سواء أكانت هذه العقود متفقة الأحكام أم مختلفة الأحكام طالما استوفى كل عقد منها أركانه وشروطه الشرعية، وسواء أكانت هذه العقود من العقود الجائزة أم من العقود اللازمة ، أم منهما معاً، وذلك بشرط ألا يكون الشرع قد نهى عن هذا الاجتماع، وألا يترتب على اجتماعها توصل إلى ما هو محرم شرعاً" (5) .
    __________
    (1) المرجع السابق نفسه.
    (2) أ.د. حسن الشاذلي، ص47-48.
    (3) المرجع السابق، ص53.
    (4) حماد، ص18.
    (5) توصيات الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، الكويت-أكتوبر 1998م.
    (2/22422)
    --------------
    وإذا عدنا إلى صور الإجارة المنتهية بالتمليك لتطبيق هذه الضوابط عليها فإنه من المفيد أن نبدأ بعقد الإجارة المنتهية بالتخيير (لا بالتمليك) لأن قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 44(6/5) في اجتماعه السنوي الخامس قد نص على جواز عقد الإجارة المنتهي بالتخيير باعتباره بديلاً مباحاً فقال في وصفه: " عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر، بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة، في واحد من الأمور التالية:
    • مد مدة الإجارة .
    • إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
    • شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة".
    وقد لاحظ فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي بأن هذا ليس في الحقيقة من باب الإجارة المنتهية بالتمليك وليس بديلاً حقيقياً عنها (1) ، لأنه لا انتهاء بالتمليك فيه، وأكد ذلك الدكتور محمد علي القري في بحثه المقدم في الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي بإشارته إلى المعنى التمويلي المتضمن في هذا العقد الذي يقتضي أن يحدد سعر البيع في العقد نفسه، لأن من مقصود العقد نفسه أن يتملك المستأجر العين المؤجرة عند انتهاء مدة الإجارة ، ولكننا ينبغي أن نؤكد هنا أيضاً بأن شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة يمكن أن يدل على الانتهاء بالتمليك فعلاً بمقتضى العقد نفسه (2) ، لأن تطبيق هذا الشرط يمكن أن يتخذ إحدى ثلاث حالات هي كالآتي:
    (أ)أن يلتزم الطرفان بعقد بيع على العين المأجورة عند انتهاء مدة الإجارة ، بسعر السوق ، وأن يحددا في العقد نفسه أسلوباً معيناً للتعرف على سعر السوق هذا، كأن ينص العقد مثلاً على لجنة من الخبراء تحدد السعر، أو على عرض العين في سوق معينة بالمزاد مثلاً، فيكون السعر الملزم للطرفين هو ما تحدده لجنة الخبراء أو ما ينتهي إليه المزاد.
    (ب)أن يلتزم واحد من الطرفين، البنك الإسلامي مثلاً، بالسعر السوقي المحدد كما في الصورة (أ) دون الطرف الآخر.
    (ج) أن لا يكون السعر ملزماً لكلا الطرفين معاً، فإن شاءا أمضيا العقد وإن لم يرغبا به أخذ المؤجر العين التي يملكها.
    ومن الواضح أن الحالة (أ) تنتهي بتمليك مؤكد، بعد مدة عقد الإجارة ، كما أن الحالة الثانية تنتهي بمثل ذلك أيضاً في الغالب، وبخاصة إذا كان الممول هو صاحب الخيار لأنه يرغب في العادة بالاحتفاظ بالسلعة، أما الحالة (ج) فإنها تتضمن أكبر قدر من المخاطرة بحيث تكون غير محببة لكل من المصرف الإسلامي والعميل معاً، فضلاً عن الموقف السلبي الذي يتوقع للمصرف المركزي أن يتخذه منها بسبب ارتفاع قدر المخاطرة فيها إلى حد يفوق ما يسمح به عادة من السلطة الرقابية النقدية .
    __________
    (1) انظر مناقشات أعضاء المجمع في العدد الخامس، ج4.
    (2) د. محمد علي القري (العقود المستجدة: ضوابطها ونماذج منها)، ورقة مقدمة إلى الندوة الفقهية الخامسة لبيت التمويل الكويتي، ص18-29.
    (2/22423)
    --------------
    أولاً- الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة :
    ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن الإجارة المنتهية بالتمليك هي عقد تمويلي يقصد منه تقديم بديل للتمويل القائم على أساس القرض الربوي ، وهو ظاهرة أثارتها على المستوى الشرعي البنوك الإسلامية في سعيها لتنويع البدائل عن الربا من عقود يستربح فيها بالمال بما يتوافق مع أحكام الشريعة الغراء، وهو أيضاً عقد لم يتم اختراعه من قبل الخبراء المسلمين كما هو الشأن بالنسبة للمرابحة، وإنما عرفته الأمم الغربية التي لم تعن به كبديل للربا، لذلك يمكن أن نجد في بعض صوره ظواهر ربوية أو مخالفات شرعية أخرى جاءت بحكم استعارته من الغرب، مما يجعله بحاجة إلى التنقية والتصفية الشرعيتين.
    ولكننا بنفس الوقت ينبغي ألا نندفع وراء التعريفات والتقسيمات الغربية لأنواعه، لأن هذه التعريفات ليست معياراً شرعياً عندنا، وإن كانت مفيدة في التعرف على خصائص كل صورة من صوره.
    والإجارة المنتهية بالتمليك –بصفتها عقداً تمويلياً- تطبق في العادة بأسلوب الإجارة للآمر بالشراء ، أي أنه عند إبداء العميل رغبته بالاستئجار لا تكون العين مملوكة للمصرف، فيأمره بشرائها ويَعِده باستئجارها بعد ذلك، وقد يسبق عقد الإجارة شراء المصرف للعين، فتكون عندئذ إجارة لعين موصوفة، على أنه عند تطبيق الإجارة المنتهية بالتمليك على عين كانت مملوكة للعميل، واشتراها البنك الإسلامي منه ليؤجرها له، يتتالى العقدان، بحيث يشتري البنك الإسلامي العين، ثم يؤجرها نفسه إلى البائع إجارة منتهية بالتمليك.
    فالإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة عقد إجارة تكون فيها الأقساط عالية بحيث تتيح للمصرف الإسلامي استرداد رأس ماله مضافاً إليه عائد متفق عليه، وبالتالي فإن ما يبرر الهبة هو كون المؤجر قد استرد فعلاً قيمة العين المؤجرة من خلال أقساط الأجرة، على أن العقد يسميها دائماً أقساط أجرة ويعاملها على أنها أجرة من حيث استحقاقها، واستمرار ملكية المؤجر للعين كاملة، وعدم نشوء أي حق على العين المؤجرة نتيجة دفع الأجرة عن المدة السابقة إذا طرأ ما يقتضي إلغاء العقد أو الإقالة منه، كما أن الواضح أن العمر الاستعمالي للعين المؤجرة يفوق مدة الإجارة بحيث يكون المستأجر راغباً بامتلاك العين بعد انقضاء عقد الإجارة ، وبمعنى آخر فإن قيمة العين المؤجرة في الإجارة المنتهية بالتمليك بجميع صورها تفوق –عند انتهاء عقد الإجارة- قيمة الخردة البحتة، وإلا لما رغب المستأجر في تملكها بعد عقد الإجارة.
    __________
    (2/22424)
    --------------
    وتتخذ الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق الهبة إحدى صورتين فرعيتين هما:
    1) إجارة مع وعد بالهبة –ويتم تنفيذ الوعد بعقد مستقل بعد الوفاء بجميع الأقساط الإيجارية .
    2) إجارة مع عقد هبة فوري ولكنه معلق على سداد جميع الأقساط الإيجارية.
    أما بالنسبة للصورة الفرعية الأولى –وهي ما يطبقه حالياً البنك الإسلامي للتنمية - فقد صدر قرار المجمع رقم (1) د3/70/86 في اجتماعه السنوي الثالث لعام 1407هـ، باعتماد المبادئ التالية لها:
    المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.
    المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
    المبدأ الثالث: أن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات، وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
    المبدأ الرابع: أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
    المبدأ الخامس: أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكاً للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذٍ عليه.
    ومن الواضح أن الوعد بالهبة يحتاج إنجازه إلى عقد جديد، ويرد عليه الخلاف المعروف حول لزوم الوعد، فمن يرى فيه الإلزام يستند إلى رأي المالكية في التبرعات إذا ترتب على الوعد بها دخول الموعود في التزامات مالية، يؤدي النكول بالوعد إلى الإضرار به بشأنها، وهذه الالتزامات هنا هي سداد أقساط أجرة أعلى من أجرة المثل أملاً بتنفيذ هذا الوعد.
    أما الصورة الفرعية الثانية فهي تخرج من الخلاف حول إلزامية الوعد، وتدخل في خلاف غيره آخر حول جواز تعليق الهبة على شرط ، ويرى الجواز المالكية والإباضية وبعض الحنابلة والحنفية، أما الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) فعلى عدم صحة تعليق الهبة على الشرط (1) .
    __________
    (1) معايير المحاسبة والمراجعة، طبعة 1997م، ص311-312.
    (2/22425)
    --------------
    ثانياً- الإجارة المنتهية بالتمليك عن طريق البيع بثمن رمزي أو غير رمزي يحدد في العقد:
    ويكون السعر الرمزي عادة دولاراً واحداً، وهو يقل كثيراً عن القيمة الحقيقية للعين المؤجرة عند انتهاء عقد الإجارة ، على اعتبار أن المؤجر (البائع) قد استوفى قيمة العين من خلال أقساط الأجرة، وبذلك فإن البيع بسعر رمزي عند نهاية أمد الإجارة لا يبعد عن هبة العين إلا من حيث الشكل فقط.
    ويلاحظ هنا أن البيع بسعر رمزي يحصل في البنوك الإسلامية تنفيذاً لوعد ملزم من طرف واحد هو المؤجر البنك الإسلامي ، ولا نحتاج إلى المواعدة لأنه ليس في غير صالح المستأجر اقتناء العين بالسعر الرمزي، حيث إنه قد دفع فعلاً ثمنها من خلال أقساط الإيجار .
    وينبغي أن نلاحظ في كل من البيع بسعر رمزي والهبة أن العقد لا يقدم حماية كافية للمستأجر، بما يحافظ على حقوقه المتمثلة بالزيادات في أقساط الأجرة الناشئة عن إدخال أجزاء الثمن ضمن هذه الأقساط، والتي قصد منها دفع ثمن العين تدريجياً، فإذا طرأ ما يمنع استمرار الإجارة إلى نهاية أجلها، فإن المؤجر يسترد العين وتضيع على المستأجر كل تلك المبالغ التي دفعها لقاء الثمن، يتضح ذلك من بنود صريحة في عقود الإيجار تجعل الأقساط مقابلة للمنافع وحدها بدلاً من المنافع وجزء من ثمن العين، فاتفاقية الإيجار للبنك الإسلامي للتنمية تنص في مادتها الثانية على أن "في مقابل إيجار المعدات للمستأجر يلتزم المستأجر بأن يؤدي للمؤجر أقساط الإيجار"، وأن الهبة يلتزم بها المؤجر فقط بعد سداد جميع الأقساط (المادة 12)، وأن المؤجر، يبقى مالكاً للعين حتى انتقال ملكيتها للمستأجر (المادة 3).
    وفي هذا ظلم وعدم توازن في التزامات الطرفين العقدية، ونرى أن السبب في ذلك هو أن هذه العقود قد عاملت الإجارة المنتهية بالتمليك ، التي هي بطبيعتها عقد تمويلي ، معاملة الإجارة البسيطة التي لا تؤول إلى التمليك، فطبقت عليها قاعدة أن الأجرة مقابل المنفعة في حين أن الطبيعة التمويلية للعقد تتضمن أن جزءاً من القسط الإيجاري يقابل المنفعة والجزء الباقي يتجه نحو سداد ثمن العين.
    من أجل ذلك ألزمت بعض القوانين (في أمريكا مثلاً) مؤجري السيارات إيجاراً تمويلياً أن يلتزم المؤجر ببيع السيارة إلى المستأجر بثمن محدد في العقد نفسه، كما أن المنافسة بين شركات التأجير التمويلي للسيارات في أمريكا اضطرتها إلى تخفيض القسط الإيجاري إلى الحد الذي يغطي فقط الاستهلاك الحقيقي الناشئ عن الاستعمال العادي للسيارة مضافاً إليه كلفة التمويل البديل المتاح هناك وهو التمويل الربوي البسيط.
    __________
    (2/22426)
    --------------
    ثالثاً- الإجارة المنتهية بالتمليك بالبيع التدريجي للعين المؤجرة:
    وتتألف هذه الصورة من عقود إجارة متتالية أو مترادفة للحصة التي يملكها الممول (المؤجر) من العين عند بدء كل فترة إيجارية ، فتكون الأجرة لقاء منفعة ذلك الجزء، ويترافق مع كل دفعة للأجرة دفع مبلغ إضافي لشراء أسهم أو أجزاء من العين نفسها وتملكها مع منافعها من تاريخ الدفع، ويستمر ذلك حتى دفع أصل ثمن العين بكامله، عندئذٍ ينتهي دفع الأجرة.
    وتطبق هذه الصورة بشكل خاص في التمويل العقاري ، فهي الصورة التي تطبقها الجمعية التعاونية (الإسلامية) السكنية في تورنتو – كندا ، والصيغة التي تستعملها هذه الجمعية فيها هي صيغة التعاقد – لا الوعد – على البيع والإجارة. فيكون كل طرف ملزماً –بالعقد- بالبيع للأسهم المعلومة عند كل دفعة وباستئجار الأسهم غير المملوكة من العين، ويتضمن هذا العقد عادة خياراً للمشتري بزيادة عدد الأسهم التي يشتريها عند كل دفعة أجرة.
    ولا يمكن فيها تطبيق الوعد الملزم لطرف واحد، لأن أحوال التمويل العقاري خاصة هي من التغير والتبدل، مع طول فترته في العادة، بحيث يحتاج كل طرف إلى إلزام الطرف الآخر بعلاقة عقدية محددة، لأنه قد توجد ظروف، في وقت أو آخر في المستقبل، تجعل من صالح أي طرف عدم تنفيذ بقية العقد، أي أن المخاطرة المتضمنة في وعد من طرف واحد هي دائماً أكبر مما يستطيع الطرف الآخر أن يتحمله.
    ومن الواضح أن هذه الصورة لا تحتوي على بيع ما لا يملك أو لم يقبض، لأن العين المؤجرة في ملك البائع وضمانه، وقد قبضها فعلاً ثم سلمها للمستأجر (المشتري) لاستخلاص منافعها، وإن القبض لكل سهم يباع عند دفع ثمنه حاصل حكماً لوجود العين في يد المشتري بصفته مستأجراً.
    أما المواعدة الملزمة من الطرفين فإنها تغني عن التعاقد على البيوع المتتالية في هذه الحالة عند من يراها ملزمة شرعاً وقضاءً، وقد اعتبر مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة (1409هـ) أن المواعدة الملزمة للطرفين "تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذٍ أن يكون البائع مالكاً للمبيع"، [القرار رقم 2، 3 للدورة الخامسة المنعقدة في الكويت ، ديسمبر 1988]، وفي هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك يحصل تجنب لهذا المحظور لأن البائع مالك للعين التي يبيعها، وإن كانت البيوع المترادفة معلقة على المستقبل، شأنها في ذلك شأن بيع التوريد.
    يضاف إلى ذلك أن هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك تتميز تميزاً واضحاً عن المعاملة الربوية، لوجود عين فعلية تباع وتشترى على أنجم، وتستأجر الأنجم غير المملوكة للمشتري عند بدء كل فترة إيجارية ، ، فهي تتألف من عقود إجارة مترادفة على الأجزاء غير المملوكة للمشتري تتقابل فيها الأجرة في كل فترة إيجارية مع المنافع المملوكة للمستأجر، وعقود بيع مترادفة أيضاً على أنجم من العين تتقابل فيها التزامات الطرفين بانتقال ملكية الثمن وملكية النجم المبيع إلى المشتري، أما المعاملة الربوية فهي زيادة في الدين لا يقابلها شيء.
    __________
    (2/22427)
    --------------
    رابعاً- الإجارة المنتهية بالتمليك مع تخيير المستأجر بالشراء قبل انتهاء مدة عقد الإجارة بثمن يعادل باقي أقساط الأجرة عدا ثمن المنفعة عن المدة الباقية:
    الواقع أن هذه ليست صورة مستقلة، وإنما هي شرط ، كثيراً ما يضاف في الصور الثلاث السابقة، وقد ذكرت سابقاً أن قسط الأجرة يشمل جزأين: جزءاً لقاء المنفعة خلال الفترة التي تقع بين القسطين، وجزءاً من أصل ثمن العين، ويساوي مجموع هذه الأجزاء أصل ثمن العين، الذي دفعه المصرف الإسلامي للحصول على العين المؤجرة .
    وهذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك تتضمن تخيير المستأجر بشراء العين بما تبقى من أصل ثمنها في أي وقت يشاء، ويكون ذلك بالنص على وجود إيجاب مفتوح من الممول (المؤجر) بالبيع بما تبقى من أصل الثمن في أي وقت، أو هو وعد ملزم من طرفه فقط، أما المستأجر (المشتري) فيستطيع أن يمارس هذا الحق في أي وقت يشاء خلال مدة العقد ، وإذا لم يمارس هذا الحق بالشراء، فإن استمرار عقد الإجارة إلى أجله يعني قيامه بسداد جميع أقساط الأجرة بجزأيها، وبالتالي استحقاقه للعين المؤجرة تنفيذاً للوعد بالبيع بسعر رمزي أو بالهبة ، أو بعد اكتمال البيوع التدريجية المتتالية.
    خامساً-الإجارة المنتهية بالتمليك:
    وتكون هذه الصورة ببيع العين إلى المستفيد من التمويل مع استثناء منافعها لمدة الإجارة ، بثمن يدفع عند العقد، ثم تباع المنافع المستثناة بعقد إجارة لمشتري العين نفسه، فتكون الدفعة النقدية الأولى لقاء ثمن العين، وتكون الدفعات الدورية التالية لقاء أجرتها عن مدة استثناء المنافع.
    وتبقى العين المؤجرة على ضمان البائع لأنها لم يتم تسليمها بيعاً، إذ إن التسليم حصل بموجب عقد الإجارة لا بموجب عقد البيع ، ولا يكون تسليم المبيع –في عقد البيع- إلا بعد انقضاء فترة الاستثناء، أي أن يد المستأجر (المشتري) على العين خلال فترة الإجارة هي يد أمانة بموجب عقد الإجارة وليست يد ضمان بموجب عقد البيع لأن التسليم لم يتم بعد، وعند انقضاء فترة الإجارة تصبح العين على ضمان المشتري دون حاجة إلى عقد جديد ولا إلى قبض جديد لأنها في يده.
    __________
    (2/22428)
    --------------
    وتمتاز هذه الصورة بأنها لا تحتاج إلى وعد –ملزم أو غير ملزم- بالهبة أو البيع، وهي لا تغير شيئاً يتعلق بالمسؤولية عن الصيانة والتأمين خلال فترة الإجارة، لأن العين المبيعة لم يتم تسليمها للمشتري، والمؤجر ما يزال مطالباً بتمكين المستأجر من استخلاص المنافع التي اشتراها، وإن كانت تُخَفِّض قليلاً من الضمانات التي توفرها للممول بالإجارة مع الوعد بالهبة أو بالبيع، لأن الارتباط بعقد البيع منذ بدء التمويل يجعل العين مملوكة للمشتري وإن لم تكن على ضمانه بسبب عدم القبض، فإذا لم يف المستأجر بجميع أقساط الأجرة فإنه ليس في يد المؤجر عدم نقل ملكية العين أو تأخير ذلك كما يحصل في حالة الوعد بالهبة أو بالبيع، وبالتالي فإن هذه الصورة –رغم أنها تبدو أوضح وأرجح من الناحية الفقهية- فإنها تتطلب من المؤجر الحصول على ضمانات أكثر قوة من تلك التي يحصل عليها في الصور الأربعة الأولى.
    وهذه الصورة قد قال بها الحنابلة وهي قول عند غيرهم أيضاً، كما رأينا في التمهيد الفقهي، وهي تتمتع بنفس المزايا التمويلية للمستفيد من التمويل ولمقدمه، التي أشرت إليها في مقدمة هذه الورقة، مثلها في ذلك مثل الصور الأخرى، ولا نجد مثلبة لهذه الصورة في مسألة ربط انتقال الملكية بوفاء جميع أقساط الأجرة، لأن هذا الربط قليل الفائدة في الصور الأخرى على كل حال، على اعتبار أن العين هي في يد المستأجر في جميع الأحوال، واهتمام الممول (المؤجر) ينصب في واقع الأمر على حصوله على أقساط الأجرة أكثر مما ينصب على تأخير نقل الملكية إلى المستأجر، والممول في هذا يحرص على تحصيل ضمانات كافية لسداد دين الأجرة أكثر من اهتمامه بالإمساك عن نقل ملكية العين نفسها، وهو يستطيع تحصيل تلك الضمانات في كلا الحالتين على السواء.
    ولكننا ينبغي أن نلاحظ أن استثناء المنافع لمدة معلومة يختلف عن الصور الأخرى للإجارة المنتهية بالتمليك من جانب آخر، هو حق المؤجر بأجرة عن المدة الإضافية الناتجة عن التأخير، لأن بقاء العين أو أية أجزاء منها على ملكه مدة إضافية يتيح له استحقاق أجرة لها عن هذه المدة المضافة، في حين لا يمكن زيادة مدة المنافع المستثناة من البيع، وهذا فرق مهم بين هذه الصورة والصورة السابقة مما يضيق من إمكان استعمال هذه الصورة في جميع الحالات التي لا تتوفر فيها ضمانات كافية لعدم التأخير.
    __________
    (2/22429)
    --------------
    نفقات الصيانة والتأمين :
    من الواضح أن المؤجر مطالب بإبقاء العين المؤجرة بحالة يستطيع معها المستأجر استخلاص منافعها المتعاقد عليها لذلك فقد أقر مجمع الفقه الإسلامي، أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك (المؤجر) بصفته مالكاً (1) ، ويبدو أن للعرف أثراً كبيراً في تحديد ما يقع على المؤجر من أعمال الصيانة (2) .
    ذلك لأن مسؤولية المؤجر تقتصر على الصيانة والإصلاح اللازمين لتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، أما إذا ما كانت الصيانة لاستيفاء المنافع مثل مراجعة معايير الحرارة، والمياه، والزيوت، وأعمال الصيانة الوقائية الدورية ، فإنها تقع على عاتق المستأجر (3) .
    __________
    (1) قرار المجمع رقم (1) في دورته الثالثة، 8-13/2/1407هـ(11-16/10/1986م).
    (2) أبو سليمان، ص68؛ وحسين حامد حسان: "المسؤولية عن أعمال الصيانة في إجارة المعدات"، بحث غير مطبوع: ص6-7.
    (3) حسن حامد حسان؛ المرجع السابق، ص2-5.
    (2/22430)
    --------------
    يضاف إلى ذلك أن كل ما كان معلوماً من نفقات الصيانة الجوهرية، التي تتعلق بتمكين المستأجر من الانتفاع، يمكن أيضاً تحميله بالشرط على المستأجر، لأنه يكون –عند الشرط- جزءاً من الأجرة.
    أما ما هو غير معلوم، نحو نفقات إصلاح جدار، أو سقف، انهدما، فإنه لا يصح اشتراطه على المستأجر لأنه يدخل جهالة في مقدار الأجرة مما يفسد العقد، وإن كان من الجائز توكيل المستأجر بالقيام به، على أن يعود على المؤجر بما يدفع (1) ، ويلاحظ أن معظم أعمال الصيانة غير المتوقعة، بل جميعها في المجتمعات المعاصرة، هو مما يخضع للتأمين في الوقت الحاضر.
    أما ما يتعلق بنفقة التأمين على العين المؤجرة، فإذا كانت معلومة، فهي مما يجوز –بالشرط في العقد- وضعه على عاتق المستأجر، واعتباره جزءاً من الأجرة، سواء أكان التأمين تجارياً عند من يرى جوازه بشروطه، أم تعاونياً عند من لا يبيح التأمين التجاري ويعتبر أن التأمين التعاوني القائم على التبرع هو وحده المقبول في الشريعة.
    يضاف إلى ذلك أن التأمين التعاوني، القائم على التبرع، يمكن اشتراط نفقته على المستأجر، لأنها اشتراط تبرع لطرف ثالث، حتى لو لم تكن معلومة عند العقد، لأن دفع القسط في هذا التأمين، يكون على سبيل التبرع، ولا بأس أن يتبرع غير المالك، وأن يشترط المتبرع لغيره الاشتراك معه في المنفعة (2) .
    على أنه لنا أن نلاحظ، أنه يمكن في جميع الأحوال أن يشترط في عقود الإجارة ، وبخاصة تلك التي تصدر بموجبها صكوك تأجير ، أن يقوم المستأجر بأعمال الصيانة والتأمين، فإذا كانت هذه الأعمال معلومة النفقة، واشترط قيام المستأجر بها، وكالة عن المالك، فإنها معتبرة عند حساب الأجرة الصافية، بمعنى أن ما يعود على حامل الصك هو الأجرة، منقوصاً منها المبلغ المعلوم للصيانة والتأمين، وطالما أنها معلومة فإنها لا تؤثر على مشروعية الإجارة المنتهية بالتمليك ، ولا صكوك التأجير، ولا تؤثر كذلك على مردود الإجارة للممول، سواء رجع فيها المستأجر على المؤجر أم لم يرجع، لأنه لو رغب المؤجر بعائد صاف محدد لضم هذه النفقة المعلومة إلى إجمالي الأجرة بحيث يبقى الصافي هو المقدار المرغوب فيه.
    __________
    (1) المرجع السابق، ص31-32.
    (2) المرجع السابق، ص28-30.
    (2/22431)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:08 pm

    --------------
    يضاف إلى ذلك أن كل ما كان معلوماً من نفقات الصيانة الجوهرية، التي تتعلق بتمكين المستأجر من الانتفاع، يمكن أيضاً تحميله بالشرط على المستأجر، لأنه يكون –عند الشرط- جزءاً من الأجرة.
    أما ما هو غير معلوم، نحو نفقات إصلاح جدار، أو سقف، انهدما، فإنه لا يصح اشتراطه على المستأجر لأنه يدخل جهالة في مقدار الأجرة مما يفسد العقد، وإن كان من الجائز توكيل المستأجر بالقيام به، على أن يعود على المؤجر بما يدفع (1) ، ويلاحظ أن معظم أعمال الصيانة غير المتوقعة، بل جميعها في المجتمعات المعاصرة، هو مما يخضع للتأمين في الوقت الحاضر.
    أما ما يتعلق بنفقة التأمين على العين المؤجرة، فإذا كانت معلومة، فهي مما يجوز –بالشرط في العقد- وضعه على عاتق المستأجر، واعتباره جزءاً من الأجرة، سواء أكان التأمين تجارياً عند من يرى جوازه بشروطه، أم تعاونياً عند من لا يبيح التأمين التجاري ويعتبر أن التأمين التعاوني القائم على التبرع هو وحده المقبول في الشريعة.
    يضاف إلى ذلك أن التأمين التعاوني، القائم على التبرع، يمكن اشتراط نفقته على المستأجر، لأنها اشتراط تبرع لطرف ثالث، حتى لو لم تكن معلومة عند العقد، لأن دفع القسط في هذا التأمين، يكون على سبيل التبرع، ولا بأس أن يتبرع غير المالك، وأن يشترط المتبرع لغيره الاشتراك معه في المنفعة (2) .
    على أنه لنا أن نلاحظ، أنه يمكن في جميع الأحوال أن يشترط في عقود الإجارة ، وبخاصة تلك التي تصدر بموجبها صكوك تأجير ، أن يقوم المستأجر بأعمال الصيانة والتأمين، فإذا كانت هذه الأعمال معلومة النفقة، واشترط قيام المستأجر بها، وكالة عن المالك، فإنها معتبرة عند حساب الأجرة الصافية، بمعنى أن ما يعود على حامل الصك هو الأجرة، منقوصاً منها المبلغ المعلوم للصيانة والتأمين، وطالما أنها معلومة فإنها لا تؤثر على مشروعية الإجارة المنتهية بالتمليك ، ولا صكوك التأجير، ولا تؤثر كذلك على مردود الإجارة للممول، سواء رجع فيها المستأجر على المؤجر أم لم يرجع، لأنه لو رغب المؤجر بعائد صاف محدد لضم هذه النفقة المعلومة إلى إجمالي الأجرة بحيث يبقى الصافي هو المقدار المرغوب فيه.
    __________
    (1) المرجع السابق، ص31-32.
    (2) المرجع السابق، ص28-30.
    (2/22431)
    --------------
    أما إذا كانت نفقة الصيانة والتأمين غير معلومة، وكانت مما لا يجوز أن يتحمله المستأجر بالشرط، فإن قيام المستأجر بها وكالة عن المالك يلقي على المؤجر عبئاً مالياً فقط، يتمثل بقدر من المخاطرة يتحمله المالك، ويؤثر بالتالي على العائد المتوقع للمؤجر.
    على أننا ينبغي أن نلاحظ أن كون الإجارة المنتهية بالتمليك عقداً تمويلياً يعني أن اهتمام الممول يتركز في الحصول على العائد المناسب بطريقة تبيحها الشريعة، لذلك فإن التأمين المناسب لهذا العقد ينبغي أن يشمل الهلاك والتعيب والعائد (الأجرة) الفائت نتيجة الهلاك والتعيب وخلال فترة التعطل بسبب الصيانة التي تقع على عاتق المؤجر.
    وهناك ملاحظتان لابد من إضافتهما في معرض الحديث عن نفقات الصيانة والتأمين غير المتوقعة.
    الملاحظة الأولى: تركز على إمكان تحميل المستأجر هذه النفقات بصفة يده يد أمانة بالشرط، على الرأي الذي يرى أن تضمين يد الأمانة بالشرط جائز طالما أنه ليس فيه توصل إلى محظور، وليس في تضمين المستأجر هلاك أو تعييب العين المؤجرة توصل إلى محظور، وبخاصة إذا اتضح في الذهن الفارق المميز بين التمويل الإسلامي المشروع والتمويل الربوي.
    فالتمويل المشروع يستند إلى وجود سلعة حقيقية تنتج أو تمتلك، ويتم تداولها أو تداول منافعها، وذلك من خلال المشاركات والبيوع والإجارات، أما التمويل الربوي فيقوم على الزيادة في الديون، سواء عند إنشائها بالإقراض الربوي ، أم عند إعادة جدولتها بـ "أَنْسيءْ وأَرْبِ".
    والإجارة بأشكالها تستند إلى وجود عين حقيقية تمتلك وتباع منافعها، فهي تختلف اختلافاً جوهرياً مؤثراً في الحكم عن المعاملة الربوية، فلا يكون في ضمان يد الأمانة فيها توصل لاستباحة محظور، وذلك لبقاء الفارق المميز منذ بدء المعاملة التمويلية الإيجارية إلى نهايتها.
    __________
    (2/22432)
    --------------
    أما الملاحظة الثانية: فتتعلق بخدمة التأمين نفسها، وهنا لابد من تأكيد أن الأخطار المؤمن عليها يمكن أن تشمل الهلاك التام والجزئي وكل تعيب يؤدي إلى فوات المنافع أو صعوبة كبيرة في تحصيلها، إضافة إلى بدل المنافع الفائتة أو ثمنها (الأجرة)، فهو يشمل إذن جميع أنواع الصيانة غير المعلومة عند عقد الإجارة فضلاً عن فوات الأجرة بسببها، وخدمة التأمين هذه هي مما يمكن وصفه وبيانه بدقة كبيرة بحيث تحدد جميع عناصر ومشمولات هذه الخدمة.
    وهذه المخاطر تتأثر كثيراً جداً بالأشخاص الذين يشغلون الآلات وغيرها من الأعيان المؤجرة ، مع تفاوت واضح في هذا التأثير بين الآلات الثابتة كالمولدات الكهربائية مثلاً، والآلات المتحركة كالسيارات والبواخر، والمباني كالمصانع والهكتارات، والأراضي، فكل نوع من الأعيان يتأثر بالمستأجر (المشغل) بدرجة تتفاوت عن الأنواع الأخرى، فاحتمالات حدوث المخاطر في السيارات مثلاً قد دلت التجارب المتكررة والمعلومات الإحصائية أنها تتأثر بعمر السائق، وحالته العائلية من متزوج أو أعزب أو مطلق أو أب لأطفال صغار أو كبار، وحالته الصحية، ومستواه التعليمي، وعاداته الاجتماعية، وما يتناوله عادة من مشروبات، وكونه مدخناً أو غير مدخن، وجده واجتهاده إن كان طالباً ثانوياً أو جامعياً، وطبيعة عمله وبعده أو قربه من سكنه، وأسلوبه في قيادة السيارة، وعدد وأعمار من يركبون معه عادة، وأغراض استعماله للسيارة للعمل أم للنزهة أم للأسرة وحاجاتها أو غير ذلك، وحالته النفسية وما يتعرض له عادة من ضغوط، ومدى توفر سيارات أخرى لدى الأسرة، والمنطقة التي يستعمل سيارته فيها أو يعيش فيها، وتوفر موقف خاص للسيارة في البيت أو العمل من عدم ذلك، وعوامل كثيرة أخرى، وكذلك التغيرات المتوقع حصولها في فترة التأمين على كل ذلك مقدرة من متغيرات الماضي، فالمطلق مثلاً غير صاحب الأسرة المستقرة والذي يكثر تبديل عمله غير صاحب العمل المستقر.
    ومثل ذلك قيادة الطائرات والبواخر وغيرها من الآلات المتحركة، كما ينطبق ذلك –إلى درجة أقل- على معظم أنواع الآلات الثابتة التي يشغلها أشخاص أو التي تعمل بصورة أوتوماتيكية متتالية، كما ينطبق إلى درجة أقل على المباني، ويضاف هنا أيضاً أساليب الشركة في تدريب ملاحيها وعمالها، ومعاملتهم، ونظام العمل وساعاته، وأساليبها في الصيانة والفحص الاحتياطي والدوري وغير ذلك من عناصر، مما لا يمكن ضبطه بالنظم القانونية وحدها، فلا تكتفي شركات التأمين بتوفر رخصة القيادة مثلاً ولا بالعمر القانوني للسائق.
    __________
    (2/22433)
    --------------
    وبعبارة أخرى فإن التأمين على الأعيان المؤجرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخص المستأجر، ومن البدهي أن كل هذه العناصر لا تؤثر فقط على نوع المخاطر التي يؤمن عليها، وإنما تؤثر أيضاً على أسعار التأمين، فتتفاوت أقساط التأمين تفاوتاً كبيراً حسب هذه العوامل والمؤثرات، ولا ينطبق ذلك على التأمين عن المخاطر التي تؤثر على الآخرين في أشخاصهم وأموالهم، أي المخاطر الناشئة عن المسؤولية التقصيرية Liability Insurance، بل تشمل المخاطر التي تتعرض لها العين نفسها، كالسيارة والطائرة والمبنى.
    ومعظم هذه العناصر هي مما لا يستطيع المؤجر التدقيق في معرفتها عند العقد لكثرتها وتنوعها وتغيرها المستمر، الأمر الذي يجعل القول بأن التأمين يقع على المؤجر شيئاً غير عملي عند التطبيق الفعلي في الحياة المعاصرة المعقدة.
    والبديل الذي يمكن تقديمه هو النظر إلى ما يهم المؤجر من خدمة التأمين، لأن هذا الجانب يمكن تحديده ومعرفته بدقة بالغة، فالمؤجر يهتم فقط بثلاث نقاط، هي:
    1- الهلاك الكامل للعين المؤجرة وهي معروفة القيمة.
    2- والتعيب الجزئي الذي لا يتجاوز حده الأقصى قيمة العين.
    3- وفوات ثمن المنافع الناشئ عن ذلك وهو ثمن محدد ومعروف في عقد الإجارة .
    أي أن جميع عناصر خدمة التأمين معروفة ومحددة عند عقد الإجارة بحيث يمكن إدخالها في الأجرة فتكون الأجرة مؤلفة من مبلغ نقدي وخدمة عينية هي خدمة التأمين المعروفة عند العقد، فإذا أمكن النظر إلى خدمات التأمين على أنها خدمات عينية، فإنه يمكن إذن إعادة النظر بعقود الإجارة المنتهية بالتمليك وتنقيتها من المخاطرة المتضمنة في عدم معلومية الصيانة الجوهرية بتحويل ذلك إلى خدمة تأمينية معلومة عند تاريخ عقد الإجارة .
    __________
    (2/22434)
    --------------
    القسم الثاني

    صكوك التأجير
    سنناقش في هذا القسم الصكوك التي تمثل ملكية أعيان مؤجرة، من حيث تكييفها الشرعي واستعمالاتها والحاجة إليها.
    تعريف صكوك التأجير:
    هي وثائق خطية تمثل أجزاء متساوية من أعيان مؤجرة.
    فالصك التأجيري لا يمثل مبلغاً معيناً من المال، ولا هو دين على جهة معينة أو شخص طبيعي أو اعتباري من حكومة أو غيرها، وإنما هو سند أو ورقة تمثل جزءاً من ألف جزء مثلاً من عقار أو طائرة أو جسر أو طريق، ويمتاز عن ورقة القيد العقاري لهذه الموجودات الثابتة في أن العين التي يمثل صك التأجير سهماً فيها مرتبطة بعقد إجارة ، وهذا الارتباط يجعل للصك عائداً هو حصته من الأجرة.
    ويمكن لهذه الصكوك أن تكون اسمية، يحمل الصك منها اسم مالكه، ويتم انتقال ملكيته بالقيد في سجل معين لذلك؛ أو تكون للحامل، بحيث تنتقل الملكية بالتسليم، كما هو الشأن في أسهم شركات المساهمة (1) .
    تمهيد فقهي:
    هناك بضعة مسائل فقهية تحتاج إليها صكوك التأجير ينبغي بيانها، رغم أنها من الأمور المعروفة الشائعة في باب الإجارة في كتب الفقه، وهي المسائل التالية:
    1 -توثيق عقد الإجارة خطياً:
    لا يختلف الفقهاء في إباحة توثيق ملكية العين المؤجرة بصك خطي، بل إن ذلك مما يقاس على كتابة الديون التي حث عليها القرآن الكريم، ثم إن كثيراً من الدول الإسلامية اليوم تشترط توثيق الملكية بصك خطي في العقار، وهو أمر اعتبره الفقهاء المعاصرون من المصالح العامة التي تحافظ على الحقوق.
    __________
    (1) إذا كان السهم لحامله جائزاً، وهو يمثل حصة معلومة من ملكية شركة، لا يعرف عند بيع السهم مقدار ولا أعيان أموالها، فإن جواز سند الإجارة للحامل يصبح من باب أولى، لأنه يعلم –في كل حين- ما يمثله السند من أعيان محددة، كما يعلم مقدار الأجرة الخاصة به.
    (2/22435)
    --------------
    وقد تعرض مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي لهذا الموضوع ضمناً عندما قرر: "إن المحل المتعاقد عليه في بيع الأسهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة" (1) ، بل إن المجمع قد اعتبر قبض شهادة السهم بمثابة قبض "للحصة الشائعة في أصول الشركة"عندما أباح "إصدار أسهم لحاملها وتداولها" (2) .
    2 -بيع العين المؤجرة :
    ليس من مقتضيات عقد الإجارة حرمان المالك المؤجر من التصرف بملكه، بما لا يضر بحق المستأجر في حصوله على المنفعة التي تملكها بالعقد؛ لذلك فإن تصرف المالك مقيد بحق المستأجر الذي تملك المنفعة بعقد الإجارة ، ولقد نص الحنفية على أن البيع يصح في حق المتبايعين ولا يصح في حق المستأجر (3) ، رغم أنهم يقولون بجواز فسخ الإجارة بعذر وبانفساخها بانتقال ملك العين إلى الوارث (4) .
    فإذا باع المالك عيناً مؤجرة، ولم يستثن منافعها لمدة الإجارة ، فإن الأجرة تستحق للمشتري من حين الشراء ، ولقد نص على ذلك الحنابلة، قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات: والأجرة من حين الشراء له (أي للمشتري) نصاً، "ورد على المعارض بأن ملك عوض المنفعة، وهو الأجرة، ولم يستقر بملك البائع بعد، حتى إنه إذا انفسخت الإجارة، رجعت المنافع إلى البائع"، فإذا باع العين، ولم يستثن شيئاً، لم تكن تلك المنافع، ولا عوضها مستحقاً له (أي للبائع) لشمول البيع للعين ومنافعها، فيقوم المشتري مقام البائع فيما كان يستحقه منها، وهو استحقاق عوض المنافع مع بقاء الإجارة إن كان المشتري غير المستأجر" (5) .
    __________
    (1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره السابع بجدة بتاريخ 7-12/11/1412هـ، القرار رقم 65/1/7.
    (2) المرجع السابق نفسه.
    (3) الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي: 4/762.
    (4) المرجع السابق، ص858.
    (5) شرح منتهى الإرادات للبهوتي، المطبعة السلفية بالمدينة المنورة، دون تاريخ: 2/376.
    (2/22436)
    --------------
    وقد ذكر القرافي أن "بيع الدار المستأجرة (من المستأجر) لا يوجب الفسخ، ويستوفي المبتاع المنافع بحكم الإجارة، ومن غيره يصح أيضاً، وتستمر الإجارة إلى آخر المدة" (1) ، كما ذكرت الموسوعة الفقهية (1/274) أن "لا تنفسخ الإجارة بالبيع"وهو رأي الحنفية والحنابلة والشافعية في الأظهر وقول للمالكية.
    ويمكن تأكيد هذه المسألة، بأن ينص عقد البيع ، صراحة، على بقاء الإجارة لمدتها، وقبول المشتري بذلك، وأنه يقبل بحلوله محل البائع في جميع حقوقه وواجباته التعاقدية فيما بينه وبين المستأجر.
    كما يمكن أن يتضمن عقد الإجارة ، نفسه تأكيد حق المالك المؤجر ببيع العين المؤجرة لمن يشاء وقبول المستأجر انتقال عقده –بكل شروطه- إلى المشتري.
    وبجعل هذين التوضيحين جزءاً من شروط العقد لا نخالف أي نص شرعي يتعلق بالإجارة أو البيع، وبخاصة أنها شروط لا تتنافى مع مقتضى العقد بل إنها تؤكده، وبذلك نكون قد مهدنا السبيل لظهور صكوك التأجير دون أن نقع في منطقة الخلاف بين الفقهاء فيما يتعلق بآثار انتقال الملك على عقد الإجارة.
    3 -هبة العين المؤجرة ووقفها:
    ومن جهة أخرى فإن الشريعة لا تمنع ورود بعض العقود الأخرى على الإجارة نحو الوصية والهبة ، فضلاً عن البيع، فيمكن للمالك أن يبيع أو يهب أو يقف العين المؤجرة، دون أن يؤثر ذلك على حقوق المستأجر.
    __________
    (1) الذخيرة للقرافي: 5/540، تحقيق محمد بوخبزه، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994م.
    (2/22437)
    --------------
    وكما يصح البيع لغير المستأجر، يصح للمستأجر أيضاً، دون أن يؤثر ذلك على الإجارة بفساد أو فسخ (1) .
    4 -إجارة المشاع:
    اختلف الفقهاء في إجارة المشاع (أي إذا كانت العين المتعاقد على منفعتها مملوكة مشاعاً) فقد أباحها أبو يوسف ، ومحمد، والشافعي، والمالكية، ولأنها تصرف المالك في ملكه، ويمكن فيها الاستيفاء بالمهايأة (2) ، ولم يجزها أبو حنيفة لعدم إمكان استيفاء المنفعة إلا بالتصرف في حصة شريكه، وليس له ذلك، ( وأبو حنيفة لا يقول بالمهايأة)، إلا إذا كانت الإجارة لشريكه فيمكن فيها الاستيفاء، أما الحنابلة، فأجازوها للشريك ومنعوها للغير (3) .
    ويتضح من خلافهم أن إمكان استيفاء المنفعة هو مدار الجواز، فحيثما أمكن للمستأجر استيفاء المنفعة –كالإجارة للشريك- جازت إجازة المشاع باتفاق الجميع، لذلك نجد الحنابلة قد نصوا أيضاً على جواز إجارة المشاع إذا أجر الشركاء كلهم معاً لآخر (4) ، فإذا كانت إجارة المشاع جائزة بعقد واحد، فمن باب أولى جواز الإجارة، دونما خلاف بين الفقهاء، بعقد واحد، مع تساوي حصص المالكين (أصحاب الصكوك ) وانطباق نفس الشروط التعاقدية عليهم جميعاً.
    __________
    (1) ينقل أبو سليمان: ص60-63، نصوص الفقهاء في ذلك، فلا داعي لتكرارها.
    (2) المغني لابن قدامه : 6/137؛ وبدائع الصنائع للكاساني: 4/187-188، والمهايأة أن تعطى العين المؤجرة بكاملها جزءاً من المدة فتعطى الدار نصف المدة، للمستأجر من الشريك دون شريكه، وتعطي النصف الآخر للشريك الذي لم يؤجر، إذا كانا متناصفين.
    (3) المرجعين السابقين نفسيهما؛ والإنصاف للعلاء المرداوي: 6/33.
    (4) المغني والإنصاف؛ المرجع السابق نفسه.
    (2/22438)
    --------------
    والمشهور عن أبي حنيفة أن الشيوع الطارئ بعد عقد الإجارة لا يفسدها، على خلاف الشيوع عند العقد، لأنه ليس كل ما يشترط في إنشاء العقد يشترط لبقائه (1) ، وهذا يعني أنه لو تمت إجارة العين ثم بيعت أسهماً مشاعاً، فإن ذلك لا يفسد عقد الإجارة عنده.
    5 -بيع المشاع:
    ويجوز بيع المشاع بلا خلاف، فقد قاس صاحب البدائع إجارة المشاع المختلف فيها على بيع المشاع غير المختلف فيه، كحجة من أجل بيان جوازها، وكذلك فقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي بيع الأسهم في الشركات، وهو بيع مشاع، وذلك بقراره رقم 65/1/7 المتخذ في مؤتمره السابع المنعقد بجدة في ذي القعدة 1412هـ.
    6 -وقت دفع الأجرة:
    لم يذكر الفقهاء وقتاً معيناً لوجوب دفع الأجرة، في إجارة العين، أو العمل، ولكنهم اتفقوا على أنه يجوز للمتعاقدين الاتفاق على تحديد وقت دفع الأجرة فيما بينهما، وقد خالف في ذلك الشافعية والحنابلة فقالوا بوجوب تعجيل الأجرة في حالة ما إذا كانت الإجارة إجارة في الذمة، قياساً على السلم ، ومنعاً لأن يكون العقد كالئاً بكالئ (2) ، ويقول غيرهم إن الإجارة ليست سلماً، إلا إذا استعمل فيها لفظ السلم ، فلا يشترط فيها على هذا القول تعجيل الأجرة.
    __________
    (1) البدائع؛ مرجع مذكور سابقاً؛ والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/742.
    (2) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/760-762.
    (2/22439)
    --------------
    7 -الإجارة الموصوفة في الذمة:
    اتفقت المذاهب الأربعة على جواز الإجارة الموصوفة في الذمة، ولم يشترطوا فيها وجود العين عند العقد، لأنها في هذا مثل السلم (1) ، على صحة تأجيل المنفعة فيها إلى وقت معلوم، كما اتفقت المذاهب الثلاثة (عدا الشافعية) على جواز إضافة إجارة العين المعينة إلى زمن مستقبل (2) .
    8-تأجير المستأجر:
    اتفق الفقهاء على جواز أن يبيع المستأجر ما ملكه، من منفعة بعقد الإجارة لثالث، لأن من موجبات الإجارة تملك المنفعة المعقود عليها، والناس مسلطون على ما يملكون (3) ، وبذلك فإن حق المستأجر في استيفاء المنافع المعقود عليها بعقد الإجارة هو حق قابل للتداول، بيعاً، وإعارة، وهبة، شريطة أن لا يخل ذلك بأي من شروط الإجارة، كأن لا يركب على الدابة المستأجرة للركوب من هو أثقل منه مثلاً (4) ، ولا يختلف الأمر بين ملك منفعة العين، ومنفعة العمل في ذلك.
    __________
    (1) المغني، تحقيق التركي والحلو، هجر للطباعة والنشر، الرياض 1989م: 8/9.
    (2) الزحيلي: 4/762-763؛ وأبو سليمان، ص53؛ وانظر أيضاً الفتاوي الهندية: 4/410؛ والمهذب: 1/399؛ وكشاف القناع: 3/561.
    (3) الزحيلي: 4/763؛ وأبو سليمان، ص34.
    (4) أبو سليمان؛ المرجع السابق نفسه.
    (2/22440)
    --------------
    9 -العمر الاقتصادي للعين المؤجرة:
    لم يتحدث الفقهاء عن العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، وإن كانوا تحدثوا عن اشتراط أن لا يؤدي استيفاء المنفعة المبيعة إلى استهلاك العين نفسها (1) ، وبالتالي فإنه من الممكن إجراء العقد لكامل العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، طالما أن أصلها يبقى دون أن يستهلك باستيفاء المنفعة، فالآلة، نحو الطائرة، أو قاطرة السكة الحديدية أو آلة الطباعة في مطبعة، أو غير ذلك من الآلات يقدر لها في العادة عمر اقتصادي، لا يكون من المربح اقتصادياً تشغيلها بعده، على الرغم من بقائها من الناحية المادية، وإمكان استعمالها أو الاستفادة منها أحياناً، غير أن هذه الإفادة –في نفس ما أعدت له الآلة- مثل النقل بالنسبة للطائرة، تصبح عملية غير اقتصادية، أي أن تكاليفها أكثر من عائداتها، وقد تبقى للعين قيمة بعد انقضاء عمرها الاقتصادي –وهو الغالب- فيكون لها ما يسمى بالقيمة المتبقية، بحيث تصلح لاستعمالات أخرى غير ما أعدت له أصلاً، نحو أن تؤخذ منها قطع التبديل فتباع منفصلة، أو أن تستعمل كمعدن، يذاب، وتعاد صناعته مرة ثانية، وفي بعض الأحيان تكون القيمة المتبقية ضئيلة جداً، بحيث يزهد مالكها بالانتفاع بها، أو قد يكون نقلها مكلفاً، أكثر من القيمة المتبقية، فيتركها للمستأجر.
    __________
    (1) أبو سليمان، ص27؛ والزحيلي: 4/733؛ والموسوعة الفقهية، إصدار وزارة أوقاف الكويت : 1/259.
    (2/22441)
    --------------
    ولم يضع معظم الفقهاء حداً لمدة الإجارة لا يجوز تجاوزه في العقد، وإن كانوا جميعاً اشترطوا أن تكون المدة معلومة في الإجارة، التي تتحدد فيها المنفعة بالمدة، كإجارة الدور للسكنى، وبالتالي فإن طول مدة الإجارة لا يضر، وقد اشترط الحنابلة –في قول- أن يغلب على الظن بقاء العين طيلة مدة الإجارة، وقال المالكية بتحديد المدة في بعض الإجارات، كالعمل لخمسة عشر عاماً، أما الدور –ونرى أن مثلها الآلات وسائر العقارات- فبحسب حالها (1) ، من ذلك يتضح أنه يمكن أن تكون الإجارة لجميع العمر الاقتصادي المتوقع للأصل الثابت المؤجر.
    10 - إجارة العين التي تنتج أعياناً استهلاكية غير ناضبة :
    اختلف الفقهاء في جواز إجارة العين التي تنتج أعياناً، لا منافع، نحو إجارة الشاة للبنها، والبئر لمائها، أي إذا كانت الإجارة تتضمن استيفاء أعيان نحو اللبن والماء واستهلاكه، فالجمهور على عدم الجواز، وقد فرق ابن تيمية بين نوعين من الأعيان: أعيان تحدث شيئاً بعد شيء مع بقاء أصلها نحو لبن الظئر وماء البئر، وأعيان ليست كذلك، فالأولى لها حكم المنافع تجوز فيها الإجارة، حسب رأي ابن تيمية، وبذلك فإنه يعتبر جواز إجارة الظئر للبنها أصلاً، يقاس عليه، لا استثناء من الأصل جاء على خلاف القياس (2) .
    11 -البيع مع استثناء بعض المنافع:
    أجاز الحنابلة استثناء بعض المنافع في البيع، نحو بيع الدار مع اشتراط سكناها سنة، للبائع أو لغيره. واشترطوا أن يكون الاستثناء معلوما لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن الثنيا -الاستثناء- إلا أن تعلم " وهذا الاستثناء لبعض منافع العين لمدة معلومة، كسكنى الدار المبيعة سنة مثلاً هو استثناء معلوم (3) ، ويؤيدهم المالكية في ذلك، إذا كان المنتفع من الاستثناء هو البائع نفسه (4) ، غير أن الحنابلة يؤكدون أن للمستثني أن يؤجر ما استثناه من منفعة، أو يعيرها لغيره، أي أن له التصرف بها تصرف المالك بملكه، لأنه يملك المنفعة المستثناة، كما يملك المستأجر منفعة الدار التي استأجرها (5) ، وفائدة هذا الرأي أنه يساعد على تخريج صورة بديلة للإجارة المنتهية بالتمليك ، كما رأينا في القسم الأول من هذه الأوراق.
    __________
    (1) الموسوعة الفقهية: 1/261-262؛ وأبو سليمان، ص64.
    (2) مجموع فتاوى ابن تيمية، المجلد العشرون، ص549-550؛ وتابعه في ذلك تلميذه ابن القيم ؛ انظر إعلام الموقعين: 1/15.
    (3) كشاف القناع: 3/190-191.
    (4) الموسوعة الفقهية: 2/20.
    (5) كشاف القناع: 3/190.
    (2/22442)
    --------------
    12 -اجتماع الإجارة والوكالة :
    يمكن للمؤجر أن يوكل المستأجر –في عقد إجارة عين موصوفة في الذمة- ليقوم بشراء العين، وقبضها من البائع وكالة عن المشتري، ثم يسلمها لنفسه بصفته مستأجراً، إذ لا يوجد في الشريعة ما يمنع توكيل المستأجر من قبل المؤجر، كما أن الجمع بين عقدي الإجارة في الذمة، والوكالة، لا يوجد ما يمنعه في الشريعة، فهما ليسا عقدين متعارضين، ولا يتضمن الواحد منهما أية شروط تؤثر على الآخر، وقد أكدت ذلك الأبحاث المقدمة في الندوة الفقهية لبيت التمويل الكويتي المشار إليها فيما سبق.
    13 -المخاطرة في الإجارة والشركة :
    أثار بعض المعاصرين (1) أن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، لأن الشركاء يتساوون في المغنم والمغرم، ويشتركون في الخوف والرجاء، فلا تقتصر المخاطرة في الشركة على طرف واحد، على عكس الإجارة التي يعتبرون المؤجر فيها أقل تحملاً للمخاطرة من المستأجر، حيث يحصل الأول على شيء مضمون، في حين يبقى الآخر معرضاً للمخاطرة، وقد استندوا في ذلك إلى أقوال نقلوها عن شيخ الإسلام ابن تيمية.
    __________
    (1) رفيق المصري، "مشاركة الأموال الاستعمالية في الناتج أو في الربح"، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، مجلد 3، 1405هـ؛ ونجاة الله صديقي Some Economic Aspects of Mudarabah”"في مجلة بحوث الاقتصاد الإسلامي مجلد 1، عدد2، 1991م.
    (2/22443)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:10 pm


    وهذا الاعتراض على الإجارة –في نظرنا- غير صحيح ؛ فليس من الصواب القول بأن المشاركة أكثر عدالة من الإجارة، من حيث تحمل المخاطرة، ذلك أن المقارنة بينهما ينبغي أن تنظر إلى طبيعة كل منهما والفترة الزمنية لمشروع المشاركة ومشروع الإجارة.
    فالإجارة بيع لمنافع عين. وهذه المنافع هي نفسها المنتوج النهائي لمشروع استثماري، ابتدأ بالحصول على العين، من أجل بيع منافعها، وقد تعرض صاحب هذا المشروع لجميع المخاطر المرتبطة بمشروعه، سواء منها تلك الناتجة عن عوامل الطبيعة، أم السوق ، أم التقدم العلمي.
    والمشاركة هي مشروع آخر، يبدأ بالحصول على العين، والإفادة من منافعها لإنتاج خدمة، أو سلعة، فلابد، من أجل المقارنة بينهما، من اختيار النقطة الزمنية التي تناسب طبيعة كل منهما، ولا تصح المقارنة بين مخاطر الإجارة عند نقطة من الزمن، هي نقطة عقدي الإجارة والشركة ، لأن هذه النقطة تقع عند بدء مشروع الشركة الاستثماري، في حين هي نقطة قريبة من نهاية مشروع الإجارة الاستثماري، وبحكم ذلك، فهي عند بدء جني ثماره، كالزارع عندما يبيع ثمرته، فلا يقال إن الزراعة ليس فيها مخاطرة لأن الزارع لا يتحمل مخاطر السلعة بعد عقد البيع ، وانتقال السلعة للمشتري، لأن زمن البيع بالنسبة له هو وقت انتهاء المخاطر ووقت تحصيل ثمرات الجهد، والمخاطرة قد كانت زمن الزراعة، فهي تبدأ عند بدء المشروع، وتنتهي عند جني الثمرة وبيعها.
    إن المقارنة الصحيحة –من حيث المخاطرة- ينبغي أن تشمل كل المدى الزمني الذي يعيشه المشروع، فمشروع الإجارة يبدأ عند شراء العين لتأجيرها، فهو إذن يتضمن مخاطر التملك، وضمان العين المملوكة، وتحمل مخاطر القرار الاستثماري السوقية، والتكنولوجية، مما يجعل معيار العدالة التبادلية متوافراً بتمامه عند مبادلة ثمرة مشروع الإجارة –وهي منافع العين المؤجرة - بعوضها، أي الأجرة، التي تحددها عوامل السوق بشروطها المعروفة، أي أن المؤجر، عند عقد الإجارة يكون قد تحمل كل أعباء المخاطر المعلقة بمشروعه الاستثماري، وهي ذات نوع المخاطر التي يتحملها الشريك في مشروع الشركة التي يساهم فيها.
    ولا ينكر أن المشروعات تتفاوت، فيما بينها، من حيث المخاطرة، فالمخاطرة في مشروع زراعي مثلاً تختلف عن المخاطرة في مشروع تملك عقار وتأجيره، والمخاطرة في تجارة العقارات تختلف عن المخاطرة في تجارة السلع الصناعية كالملابس، أو تجارة السلع الزراعية السريعة الفساد كالخضروات، وأسعار السوق تتضمن في العادة نصيباً من الربح يقابل المخاطرة، فكلما زادت المخاطرة في مشروع كانت أرباحه أكثر ارتفاعاً في الأحوال العادية.
    ولكن شكل العقد، بين المشاركة والإجارة، ليس عاملاً في تحديد مقدار المخاطرة التي يتحملها صاحب المشروع، والربح يكون على المشروع وليس على العقد، لذلك لا نرى مبرراً للحديث عن اعتبار المشاركة أفضل من الإجارة، من حيث المخاطرة، وبخاصة أن هذا التمييز قد يقصد منه أحيانا اعتبار الإجارة قريبة من الربا الذي تنعدم فيه المخاطرة، فالعائد في الربا هو زيادة على مال انشغلت به الذمة، في حين أن الأجرة في الإجارة هي ثمن منفعة العين المؤجرة ، وهذه المنفعة هي الثمرة النهائية لمشروع استثماري مادي حقيقي، يبدأ من شراء العين وينتهي عند قطف ثمارها بالتأجير.
    __________
    (2/22444)
    --------------
    14 - حق الشفعة :
    يقول بعض المذاهب بحق الشفعة للشريك، والأصل في الشفعة أنها في العقار، وما يلحق به، وعند من يقول بالشفعة في الشركة ، حتى في غير العقار، فإن الشفعة تسقط بالتسليم وترك المخاصمة عند بعضهم، وتسقط عند الجميع بالشرط، أي إذا تم التصريح في عقد الإجارة نفسه، أو في صكوك التأجير، بأن جميع الشركاء في الملك يتنازلون عن حقهم في الشفعة.
    لذلك نرى أن مثل هذا النص في العقد يقطع الخلاف، ويسمح بتداول السند، وبيعه لأي مشتر دون الوقوع في خلاف الفقهاء، وبخاصة أن مجمع الفقه الإسلامي قال بجواز بيع الأسهم ولم يقيد ذلك بحق شفعة لمالك أسهم أخرى.
    تحويل الإجارة إلى صكوك :
    تقوم فكرة صكوك التأجير على تحويل التمويل بالإجارة إلى شكل سندات تمويلية أو ما يسمى (Securitization of Lease) ويمكن تعريف التحويل إلى سندات (Securitization) بأنه "وضع موجودات دارة للدخل، كضمان، أو أساس، مقابل إصدار صكوك، تعتبر هي ذاتها أصولاً مالية" (1) .
    وعملية التحويل إلى سندات عملية عامة لا تتحدد فقط بالإجارة، فأي مجموعة من الموجودات يمكن وضعها أساساً لإصدار صكوك مالية، ويمكن لهذه الموجودات أن تكون أصولاً عينية، كمصنع يصدر مالكه صكوكاً، أو أسهماً، أو سندات بقيمته، أو تكون مجموعة من الأصول العينية ، والنقدية ، والديون في الذمة، والمنافع، تجمع بعضها مع بعض، وتصدر بها صكوك تمثل ملكيتها، وعندئذ، لابد لجواز تداول هذه السندات ، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، من توفر شرط غلبة الأعيان والمنافع ، كما بينت ذلك فتوى مجمع الفقه الإسلامي بقرار رقم 5 في مؤتمره الرابع المنعقد بجدة من 18 إلى 23 جمادى الآخرة 1408هـ 6-11/2/1988م).
    __________
    (1) Adrian Miles, "An Introduction to the Securitization of Lease"In Hornbrook, ed. Studies in Leasseing Law and Tax, Euromoney Publications, London 1993, p.15.
    (2/22445)
    --------------
    والذي يهمنا من هذه الفتوى –فيما يتعلق بفكرة صكوك التأجير- هو الأعيان (الأصول العينية) المعمرة والأعيان التي لا تستهلك باستيفاء منافعها.
    فإذا كانت هذه الأعيان المعمرة مؤجرة، فإنها تدر دخلاً هو الأجرة محسوماً منها ما يقع على عاتق المؤجر من أعباء ونفقات، وبالتالي فإن هذه الأعيان يمكن تمثيلها بصكوك، أي تحويلها إلى صيغة الأصول المالية، عن طريق إصدار صكوك، هي عبارة عن شهادات ملكية لهذه الأعيان المؤجرة ، وهذه الصكوك يمكن تداولها حسب الفتوى المذكورة.
    صور صكوك التأجير:
    يمكن لصكوك التأجير أن تتخذ صوراً عديدة، نقتصر على الصور الأكثر أهمية، والتي يمكن تفريع صور أخرى كثيرة عليها.
    الصورة الأولى:
    وهي الصورة المبسطة لهذه الصكوك، وهي تقوم على وجود عقار مملوك لشخص واحد، يحمل سنداً يمثل ملكيته للعقار، وهو مؤجر لطرف آخر هو المستأجر، الذي يدفع للمؤجر أجرة للعقار، بصورة دورية، غرة كل شهر مثلاً، فالسند هنا هو صك تأجير، ويمكن لهذا الصك أن يصدر عن إدارة حكومية معينة هي إدارة السجل العقاري، أو عن المستأجر الذي يحوز العقار ويستوفي منافعه، أو عن مالك العقار نفسه، ويتضمن هذا الصك وصفاً للعقار، بعينه، وأوصافه، واسم مالكه، وبياناً لشروط إجارته، مع اسم المستأجر، وسائر المعلومات الإجرائية اللازمة.
    ويمكن بيع هذا العقار دون المساس بحقوق المستأجر، ويكون انتقال ملكية الصك بإجراء القيد اللازم في السجل العقاري، أو كتابة اسم المالك الجديد على الصك نفسه، كما يمكن أن يكون بإجراء القيد في سجلات المستأجر، أو المالك الأول، إذا كان هو الذي أصدر الصك، وكما أن السهم يمكن أن يكون لحامله، حسب قرار مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره السابع المنعقد بجدة في شهر ذي القعدة 1412هـ، يمكن لصك التأجير أن يكون لحامله أيضاً، ولا يمنع ذلك من تداوله، ويكون قبض العقار أو الآلة بانتقال حيازة الصك للمالك الجديد.
    وكما يمكن أن يكون الصك لعقار مؤجر، يمكن أن يكون أيضاً لأي عين مؤجرة مما تتوافر فيها الشروط الشرعية اللازمة في العين المؤجرة ، فيمكن أن يمثل الصك ملكية طائرة مؤجرة، أو باخرة مؤجرة، أو خطوط سكة حديدية مؤجرة، أو شبكة أسلاك كهربائية مؤجرة، أو آلة صناعية مؤجرة، أو مصفاة بترول مؤجرة (إلخ.. ما دام يمكن تحديد العين المؤجرة تحديداً لا يترك للنزاع والخصومة مجالاً، ومادامت العين مما تتوافر فيها الشروط الشرعية المطلوبة في العين المؤجرة).
    __________
    (2/22446)
    --------------
    ويمكن كذلك أن تكون الأعيان التي يمثلها الصك شيئاً واحداً نحو طائرة أو آلة، ويمكن كذلك أن تكون مجموعة أشياء متماثلة مثل خمس طائرات، أو غير متماثلة نحو مجموعة آلات ومعدات لمستشفى، أو لشركة للهاتف، أو مبنى بنك إسلامي بأثاثه وأجهزته وآلاته، وفي كل ذلك يبقى أهم ما في الأمر أن الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية، وأن الأعيان مؤجرة، وتدر عائداً هو الأجرة منقوصاً منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤونة، وأن الصك قابل للبيع بثمن يتفق عليه، قد يزيد، أو قد ينقص عن ثمن شراء العين من قبل المالك المؤجر.
    الصورة الثانية:
    وهي مثل الأولى مع اختلاف بسيط هو أن مالك العين المؤجرة يحمل عدة صكوك تأجير بحصص متساوية شائعة من العين، ويبيعها متفرقة لأشخاص متعددين، فيكون كل صك ممثلاً لحصة شائعة محددة من ملكية العين، (1 % ) أو (10 % ) مثلاً، ويحصل مالك الصك على حصته من الأجرة، بالشكل، والميعاد، الذي ينص عليه عقد الإجارة ، وهو يستطيع بيع الصك في السوق لأي مشتر، بالسعر الذي يتفقان عليه، زاد أو نقص عن الثمن الذي دفعه البائع عند حصوله على الصك.
    الصورة الثالثة:
    أن تحتاج جهة من جهات القطاع الخاص ، مثل شركة طباعة، أو جهة حكومية، نحو وزارة العدل، إلى منافع عين، وترغب في الحصول عليها عن طريق إجارة تلك العين، ولتكن طائرة لشركة طيران، أو مبنى لمحكمة، فيلجأ الراغب بالحصول على العين إلى وسيط مالي، بنك إسلامي مثلاً، ليشتري العين ثم يؤجرها إلى الآمر بالشراء ، و تصدر صكوك تأجير تمثل أجزاء متساوية من العين، ويساوي مجموعها العين بكاملها، من جهة حكومية كالسجل العقاري، أو من المالك المؤجر، أو من المستأجر، وبعد ذلك يعمد البنك الإسلامي إلى بيع هذه الصكوك في السوق للمستثمرين الأفراد.
    الصورة الرابعة:
    وهي تشبه الصورة الثالثة، ولكن للوسيط المالي فيها –أي البنك الإسلامي دور أكبر، فهو يحتفظ ببعض الحقوق والواجبات ، بصفة الوكالة عن حملة الصكوك ، يمكن أن يشمل ذلك إدارة ما يتعلق بعقد الإجارة ، من تحصيل أجرة، وتوزيعها على مالكي الصكوك، وحفظ سجل الصكوك، ومتابعة ما ينشأ من قضايا وخلافات حول هذه الصكوك في المحاكم، أو خارجها، أو بين مالكيها والمستأجر، وقد تقوم بهذا العمل جهة حكومية متخصصة –بأجر أو بدون أجر- أو جهة من القطاع الخاص تتخصص بأعمال التعهد بترويج (Underwriting) صكوك التأجير، وتدير هذه الجهة الوكيلة كل مجموعة صكوك تصدر لعين واحدة، أو لمجموعة أعيان مرتبة مع بعضها بعقد إجارة واحد، على حدة، وتتقاضى على ذلك أجراً من المستأجر، أو من المؤجر، أو من كليهما محسوباً بمقدار محدد، أو بنسبة من الأجرة المترتبة لمالك الصك.
    __________
    (2/22447)
    --------------
    الصورة الخامسة:
    وهي تشبه الصورة الثالثة أيضاً، ولكن دون وجود الوسيط المالي، فتعمد الجهة الراغبة في استئجار العين إلى دعوة الجمهور إلى الاكتتاب بصكوك التأجير، وينص الاكتتاب على توكيل المستأجر بشراء العين، أو بنائها، وقبضها وكالة عن أصحاب الصكوك، ثم يعقد عقد الإجارة بعد القبض، بالشروط المتفق عليها في الدعوة للاكتتاب، وفي خطابات أو طلبات الاكتتاب، ويمكن أن يتم القبض وعقد الإجارة تحت رقابة طرف ثالث، نحو سلطة رقابية حكومية، أو أمين استثمار.
    ويمكن وجود صورة فرعية للصورة الخامسة هذه يتم فيها عقد الإجارة بالذمة منذ بدء الاكتتاب، ويبدأ استحقاق الأجر من تاريخ قبض العين من قبل المستأجر.
    ولكل من هذه الصور الخمسة أحوال متعددة حسب طبيعة العين المؤجرة وشروط عقد الإجارة، ونعرض فيما يلي أهم هذه الأحوال:
    الحالة الأولى: أن تكون العين المؤجرة مما يعمر أكثر من مدة عقد الإجارة ، كأن يكون عمر العقار خمسين سنة وقد أجر لعشرين، وهذه هي الحالة الأقرب إلى ما يسمى بالإيجار التشغيلي (Operating Lease) وعند الأجل، يترتب على أصحاب صكوك التأجير إما الدخول في عقد إجارة جديد، أو استرداد العين والتصرف بها بيعاً، أو هبة أو غير ذلك، ومن البدهي أن أصحاب الصكوك –إن كثروا- لا بد لهم من وسيلة للاجتماع واتخاذ القرار المناسب، مما لا يتوافر في الصورة الثانية والثالثة والخامسة، إلا إذا تضمنت عقودها نصوصاً بالتجديد التلقائي، أو ما يسميه فقهاء الحنفية، بالعقود المترادفة (1) ، أو نصت على تسمية جهة تكون موكلة من قبل أصحاب الصكوك باتخاذ هذه القرارات، كما في الصورة الرابعة، ويمكن لهذه الجهة أن تكون هي المستأجر نفسه بشروط خاصة ينص عليها عقد الوكالة المذكور في الصورة الخامسة.
    الحالة الثانية: هي مثل الحالة الأولى، ولكن مع إضافة وعد من أصحاب الصكوك ببيع العين المؤجرة للمستأجر عند انتهاء عقد الإجارة، بمبلغ محدد في العقد، وهذه الحالة تقوم على رغبة المستأجر بامتلاك العين المؤجرة بعد انقضاء الإجارة عادة على أساس المتبقي من العمر الإنتاجي للعين، ويدخل في المساومة بين المؤجر (أصحاب الصكوك) والمستأجر عوامل كثيرة، منها مقدار الدخل المتوقع للمالك من الإجارة ومدته ودخول الفرص البديلة، ودرجة المنافسة في سوق الطلب على الأموال، وغير ذلك.
    __________
    (1) عقد الإجارة لعبد الوهاب أبو سليمان، ص63-65.
    (2/22448)
    --------------
    ولقد قرر مجمع الفقه الإسلامي أن "الوعد يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب، ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد" (1) ، وكذلك، فإن رفض المجمع لقبول المواعدة الملزمة للطرفين دون خيار لأي منهما جاء معللاً بأن المواعدة في البيع "تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده" (2) ، ويبدو أن هذه العلة غير واردة في المواعدة على بيع العين المؤجرة عند انتهاء عقد الإجارة ، لأنها موجودة ومملوكة للمؤجر، وله أن يبيعها في أي وقت، سواء أباعها للمستأجر، أم لغيره، مع المحافظة على حقوق المستأجر، ما يدل على أن المواعدة على بيع العين المؤجرة للمستأجر، دون خيار لأي من الواعد بالبيع أو الواعد بالشراء ، قد تكون غير داخلة تحت الحظر الوارد بقرار المجمع المذكور، وإن كان ذلك لا يعني أنني أقول بجوازها، لذلك أرى أنها تحتاج إلى نظر مستقل من قبل مجمع الفقه الإسلامي.
    وتشبه هذه الحالة البيع بالتقسيط ، لأن المالك المؤجر يحصل على الأجرة الدورية، بالإضافة إلى مبلغ من المال، هو الثمن عند نهاية الإجارة، ويعادل مجموع هذه الدفعات كلها ثمن الآلة الذي دفعه عند شرائها، إضافة للعائد الذي ارتضاه، ولكن الفروق بين هذه الحالة والبيع بالتقسيط واضحة من حيث إن المواعدة على البيع لا تنقل الملكية في حين ينقلها البيع بالتقسيط، والواقع أن النظام الأمريكي للضرائب قد اعتبر هذا النوع من الإجارة معادلاً للبيع مع شرط تأجيل نقل الملكية، بالمعنى الرهني ، وأسماه البيع الشرطي (Conditional Sale)، وذلك من حيث المعاملة الضريبية، حيث أجاز للمستأجر تنزيل الاستهلاكات، وجزء الأجرة الذي يقابل الفائدة على قيمة العين، من الأرباح الخاضعة للضريبة ، ومنعه في الوقت نفسه من تنزيل الجزء من الأجر الذي يقابل سداد جزء من قيمة الآلة من أرباحه من أجل احتساب الضريبة، على اعتباره شراءً لأصل ثابت وليس نفقة عادية (3) .
    غير أنه ينبغي أن يذكر –من ناحية أخرى- أن مجمع الفقه الإسلامي نفسه، لم يقرر مبدأ الوعد بالبيع، بالنسبة لعقود الإجارة الخاصة بالبنك الإسلامي للتنمية (4) ، بل بدل شرط الوعد بالبيع بعقد وعد بالهبة منفصلة عن عقد الإجارة ، وفي كلتا الحالتين، سواء أقلنا بالوعد بالبيع عند من يرى ذلك، أم قلنا بالوعد بالهبة عند من لا يرى صحة الوعد بالبيع، فالوعد ملزم كما يبدو من مناقشة القرار المذكور بالنسبة للوعد بالهبة ، لأن المستأجر يكون قد أسس على ذلك ارتباطات مالية أخرى، وبالتالي، فإن العين المؤجرة تؤول إلى ملكية المستأجر، سواء أكان ذلك هبة، أم شراء.
    __________
    (1) قرار المجمع رقم 2 في دورته الخامسة المنعقدة في الكويت 1-6 جمادى الأولى 1409هـ؛ انظر قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي.
    (2) المرجع السابق نفسه.
    (3) انظر Ramesh K. S. Roa, Fundamentals of Financial, Management Macmillan, N-pp. 709-710.y. ويلاحظ أن نظام الضريبة الأمريكي قد وضع شروطاً خاصة لاعتبار هذا النوع من التأجير بيعاً شرطياً منها أن لا تزيد القيمة المتبقية عن (20 % ) من قيمة الأصل وأن تغطي مدة الإجارة (75 % ) على الأقل من العمر الاقتصادي للعين المؤجرة.
    (4) قرار رقم (1)/د 3/07/68 في المؤتمر الثالث لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في عمان –الأردن 8-13 صفر 1407هـ (11-16 تشرين الأول/ أكتوبر 1986م).
    (2/22449)
    --------------
    الحالة الثالثة: أن تكون العين مؤجرة بعقد لمدة محددة، يتجدد تلقائياً (أي بعقود مترادفة)، وتكون العين مما لا يفنى بطبيعته، أو مما يمكن تطبيق مبدأ التجديد المستمر عليه عن طريق حجز احتياطي الاستهلاك، فلو فرضنا أن العين المؤجرة هي بناء، فإنه يمكن حجز مبالغ من الأجرة لعمليات التجديد المستمر في البناء للمحافظة على منافعه كاملة، أو لبناء مبنى جديد مماثل بحيث يكتمل بناؤه عند انقطاع منافع البناء الأول، فينتقل العقد إلى البناء الجديد الذي حل محل القديم، وهكذا تصبح العين المؤجرة متجددة بسبب أسلوب الاستثمار الذي تبناه المالك، أي عن طريق حجز مبالغ من الإيرادات تستعمل في استبدال العين المؤجرة.
    أما العين التي تبقى منافعها بصورة مستمر، فمثالها الأرض المعدة للبناء عليها (ولم نقل الأرض الزراعية، لأن خصبها قد يزول، وإن كان من الممكن اتباع أسلوب في الزراعة، ومدخلاتها، ودورتها، بما يحافظ على الخصب مستمراً) وكذلك النبع ذو الماء المتجدد دائماً، على رأي من قال بجواز إجارته لمائه.
    وسواء أكان بقاء المنافع من طبيعة العين أم ناتجاً عن أسلوب الاستثمار فإن ذلك يجعل صكوك التأجير تمثل –في هذه الحالة- ملكية دائمة (إذا كانت العين المؤجرة مما لا يفنى، بطبيعته، كالأرض السكنية)، أو متجددة (إذا كانت العين مما يتجدد بمخصصات الاستهلاك)، ذات ريع متجدد (بسبب عقود الإجارة المترادفة)، مما يميزها عن الحالات الأخرى، وتنطبق هذه الحالة على أي من الصور الخمس المذكورة.
    الحالة الرابعة: أن تكون العين المؤجرة مما يبقى بعد انتهاء مدة الإجارة ، ولكن هذا البقاء مادي بحت، لا يشكل قيمة ذات بال، بحيث يأبه لها أي من مالك الصك، أو المستأجر، وبمعنى آخر أن تستوعب مدة الإجارة العمر الاقتصادي للعين، ومثال ذلك آلة تستأجر لكامل عمرها الاقتصادي، ولكنها تبقى كما هي من حيث مادتها عند نهاية العقد ، وقد تفوق كلفة استردادها ونقلها أي سعر لحديدها (الخردة) عند نهاية عقد الإجارة ، فلا مصلحة لأصحاب الصكوك باستردادها، وقد يتفضل المستأجر تبرعاً بكلفة رميها جانباً، أو التخلص منها، حتى تعرقل أعماله، وتشغل عنده حيزاً له عنده استعماله البديل، وقد يكون سبب انقضاء العمر الاقتصادي للآلة هو التغير التكنولوجي، بحيث إن الآلة ما تزال موجودة، وقابلة للتشغيل، ولكن لا توجد مصلحة اقتصادية بتشغيلها لظهور أساليب تكنولوجية جديدة، تحقق الغرض من الآلة القديمة بزيادة كبيرة في الكفاءة الإنتاجية.
    __________
    (2/22450)
    --------------
    ويلاحظ أن ملكية الآلة لا تؤول هنا إلى المستأجر، ولكن أياً من طرفي العقد ليس له بها حاجة، بعد انقضاء مدة الإجارة ، وقد تشبه في هذه الحالة بعض صيغ ما يسمى بالعرف المالي المعاصر بالإيجار التمويلي : (Financial Lease)، من حيث إن الإجارة تشمل مجموع العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، مع فارق عدم تملك المستأجر للعين المؤجرة عند نهاية العقد، وهي تشبه كذلك بيع التقسيط من حيث إن المالك يسترد قيمة الأصل مع أرباحه من خلال الدفعات الدورية للأجرة، مع فارق عدم انتقال الملكية إلى المستفيد، الذي يحصل في البيع بالتقسيط منذ تاريخ العقد، في حين لا ينتقل الملك في الإجارة إلى المستأجر.
    ويدخل ضمن الحالة الرابعة هذه أن تكون رقبة العين المؤجرة تستحق لطرف ثالث بعد انتهاء مدة الإجارة، كأن تكون العين المؤجرة جسراً بناه شخص على أرض له عليها إقطاع ارتفاق مؤقت بمدة عشرين سنة مثلاً من الدولة، وتشترط الدولة أن تؤول إليها ملكية ما على الأرض، بعد انتهاء مدة إقطاع الارتفاق، كجزء من الخراج المشروط عند الإقطاع، فهنا العين المؤجرة باقية بعد انتهاء الإجارة واستيفاء منافعها ولكنها على غير ملك المؤجر، كما لو باعها لثالث عند انتهاء الإجارة.
    الحالة الخامسة: وهي تشبه الحالة الثانية، حيث يرغب المستأجر بتملك العين المؤجرة عند نهاية الإجارة، فيعقد مع أصحاب الصكوك –منذ إصدارها- عقد استصناع يشتري به منهم عيناً موصوفة بالذمة لها نفس المواصفات المتوقعة للعين المؤجرة عند انتهاء الإجارة، وعند انتهاء مدة الإجارة ، يتم تسليم العين المؤجرة بالثمن المتفق عليه، وتبقى العين المؤجرة نفسها مملوكة لأصحاب الصكوك طيلة مدة الإجارة، وبالتالي فإن صكوكهم التي تمثل عيناً مادية مؤجرة، تكون قابلة للتداول بسعر سوقي يتفق عليه بين المتبايعين، قد يزيد، أو ينقص عن سعر الشراء .
    ومن الواضح أن عقد الاستصناع ملزم للطرفين ويمكن فيه تأجيل الثمن حسبما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة، عام 1412هـ، ولكن هذا العقد لا يصح لبعض الأعيان المؤجرة ، نحو الأرض مثلاً، التي ليس فيها من الصناعة شيء، غير أن هذا القيد قليل الأهمية التطبيقية، لأن معظم الأعيان المؤجرة ينطبق عليها مبدأ التصنيع مثل الآلة، والبناء، والجسر، والطائرة، ونحو ذلك.
    __________
    (2/22451)
    --------------
    وإذا كان عقد البيع لا ينافي عقد الإجارة ، فإن الاستصناع بيع، فهو بذلك لا ينافي الإجارة أيضاً، الأمر الذي يدل على أن هذه الحالة مقبولة من وجهة النظر الفقهية، على ضوء ما ورد في هذا البحث، مع ملاحظة أن عقد الإجارة وعقد الاستصناع لا يقعان على نفس العين عند التعاقد، لأن الاستصناع – كالسلم - بيع لموصوف في الذمة، في حين أن الإجارة تقع هنا على عين حاضرة، ولا يتنافى ذلك مع قيام الصانع بتقديم العين المأجورة نفسها للوفاء بالتزامه في عقد الاستصناع ما دامت تتحقق فيها الصفات المحددة للمبيع فيه.
    الحالة السادسة: وهي أن تكون الإجارة بأجرة متناقصة، أو متزايدة، ولكنها في جميع الأحوال معلومة، كأن تكون أجرة كل سنة أكثر (أو أقل) بعشرة في المائة من السنة التي قبلها، ويمكن تطبيق هذه الحالة بالزيادة مثلاً للحماية من التضخم المتوقع، فتجعل نسبة الزيادة المحددة في الأجرة السنوية، أو الشهرية، معادلة للنسبة المتوقعة للتضخم، أما حالة تناقص الأجرة، فيمكن تطبيقها عند توقع التناقص في منفعة العين مع الزمن لأسباب فنية، مثل السيارة التي تقل كفاءتها مع الاستعمال، أو لأسباب التقدم العلمي التكنولوجي، وبخاصة حيث تكون سرعة التطور التكنولوجي كبيرة، بحيث تفقد الآلة القديمة قيمتها بسرعة.
    وفي جميع حالات الأجرة المتناقصة، أو المتزايدة، فإن المتفق عليه بين المذاهب الإسلامية هو اشتراط أن تكون الأجرة معلومة، أو بمقادير أو نسب معلومة، كل ذلك في عقد الإجارة أي عند إصدار الصك نفسه.
    ويلاحظ هنا أن من الحنابلة من أجاز البيع بما ينقطع به السعر في المستقبل، بتاريخ معين، من غير تحديد الثمن وقت العقد (1) ، وهو بيع بسعر يمكن معرفته، لأنه معلق على أمر يعلم دونما نزاع، أو خلاف، فإذا جاز هذا في البيع، فإن الإجارة بأجرة متزايدة، أو متناقصة، غير محددة في العقد، ولكنها معلقة على أمر يعلم، ويعلن قبل بدء الفترة الإيجارية ، التي تحدث فيها الزيادة، أو النقصان، قد تكون جائزة أيضاً، لأن الإجارة بيع، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ العقود المترادفة، كما هو معروف عند الحنفية، حيث تنعقد الإجارة على الفترة اللاحقة عند انتهاء الفترة التي قبلها.
    __________
    (1) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 4/459.
    (2/22452)
    --------------
    الصورة السادسة:
    وهي صورة من صكوك التأجير تقوم على أساس الحكر . والحكر إجارة طويلة، تنطبق على أراضي الأوقاف في الأغلب، وقد تكون في الأملاك الخاصة أيضاً (1) . حيث يقصد منح المستأجر إجارة طويلة تمكنه من إقامة البناء أو غرس الأشجار، لأنه يطمئن إلى انتفاعه بالأرض خالياً من المنافسين لمدة الحكر. وقد اتفق الفقهاء أن البناء والغراس ملك للمستأجر، له أن يبيعه، أو يهبه، أو يوصي به، كما أنه يورث عنه (2) ويمكن في الحكر وصف البناء، ووصف صيانته وتأمينه خلال مدة الإجارة ، بدقة لا تترك مجالاً للنزاع، بحيث يعرف ما سيكون على الأرض من بناء عند انتهاء الحكر. كما يمكن بالشرط جعل البناء على الأرض- وهو معلوم – جزءاً من أجرة آخر سنة من سنوات الحكر.
    وصورة صكوك التأجير القائمة على الحكر هي أن يحكر ناظر الوقف ، المالك، الأرض إلى وسيط مالي، نحو مصرف إسلامي، أو شركة تأجير إسلامية . فيقوم الوسيط بالبناء والتأجير، ثم يصدر صكوك تأجير أعيان بملكية البناء وحده، دون الأرض، يبيعها للأفراد المستثمرين . وتمثل هذه الصكوك ملكية البناء المؤجر وهي ملكية آيلة إلى الانتهاء عند أجل الحكر لانتقال ملكية البناء إلى الوقف بعقد الحكر بصفته جزءاً من أجرة السنة الأخيرة. فنحن هنا أمام صكوك ذات عائد إيجاري لمدة محددة دون أن يكون للعين المؤجرة قيمة متبقية يملكها صاحب الصك.

    خصائص صكوك التأجير:
    تتميز صكوك التأجير بعدد من الخصائص، التي تجعل من الممكن لهذه الصكوك أن تكون أساساً مهماً في السوق التمويلية الإسلامية . وتقوم هذه الخصائص على طبيعة عقد الإجارة بشكله الشرعي، وطبيعة التكييف الشرعي للصكوك، باعتبارها تمثل ملكية أعيان مؤجرة. وقبل شرح هذه الخصائص لابد من كلمة حول أهمية الأوراق المالية عامة لأي دولة معاصرة.
    __________
    (1) الموسوعة الفقهية الكويتية: 18/ 54.
    (2) المرجع السابق، ص63.
    (2/22453)
    --------------
    فالحكومات المعاصرة تحتاج إلى أوراق مالية ذات استقرار نسبي في أسعارها في سياستها النقدية التي تهدف إلى تنظيم كمية النقود الموجودة في أيدي الناس، بحيث تستطيع أن تبيع هذه الأوراق عندما ترغب الحكومة بتقليل كمية النقود في السوق ، أو شراءها عندما ترغب بزيادة تلك الكمية. وقلما تستطيع الحكومات استعمال أسهم شركات المساهمة في هذا المجال بسبب التغيرات الكبيرة التي تطرأ على أسعار الأسهم في الأسواق المالية .
    يضاف إلى ذلك الحاجات التمويلية لبناء بعض المشاريع الكبيرة وبخاصة مشاريع البنية التحتية كالجسور والطرق الكبيرة والمطارات ومحطات السكة الحديد وشبكات الاتصالات مما يمكن تمويله بصكوك التأجير.
    وكذلك فإن السوقين المالية والنقدية تحتاجان دائماً إلى تنوع في الأوراق المالية ، وبشكل خاص إلى أوراق مالية ذات عائد منتظم ومخاطر قليلة ، بحيث تصلح لتكون علامة (Bench Mark) ترجع إليها السوق في تحديد عوائد الدرجات الكبيرة من المخاطر أو ما يسمى برأس المال المغامر (Venture Capital) الذي يتمثل عادة في الأسهم.
    ولنعد الآن إلى بيان أهم خصائص صكوك التأجير حيث يمكن تصنيفها تحت عنوانين هما خضوع الصكوك لعوامل السوق والمرونة الكبيرة التي تتمتع بها، وتفصيل ذلك فيما يلي:
    I) خضوع الصكوك لعوامل السوق :
    1- بما أن صكوك التأجير تمثل ملكية أعيان، فإنه تخضع لعوامل السوق في تقييم أثمان هذه الأعيان. فإذا ارتفعت القيمة السوقية لهذه الأعيان ترتفع قيمة الصكوك، وتهبط قيمتها إذا انخفضت القيمة السوقية للأعيان التي تمثلها.
    وهذه القيمة السوقية لما تمثله صكوك التأجير من ملكية تتأثر بعوامل العرض والطلب في السوق.
    __________
    (2/22454)
    --------------
    2- فمن جهة عرض صكوك التأجير، فإنه يرتبط بحاجة المشروعات والأعمال إلى الاستثمارات الجديدة، مما ترغب المؤسسات الاستثمارية العامة أو الخاصة بتمويله عن طريق الإجارة من جهة، وما يعرضه المستثمرون الماليون من صكوك تأجير موجودة في محافظهم الاستثمارية، يرغبون في بيعها، أي تسييلها، أو تحويلها إلى نقد جاهز. وذلك إما لإعادة استثمار أموالهم في مشروعات أخرى، أو لسداد الحاجات إلى السيولة الناشئة عن الطلب الاستهلاكي أو الطلب التربصي (Speculative) للنقود، من جهة أخرى، وبالتالي، فإن عرض الصكوك بعنصريه- العرض الجديد من جانب المشروعات، وعرض الصكوك القديمة من قبل أصحابها- يعتمد على ثلاثة أمور هي: فرص الاستثمار الأخرى المتاحة، وحجم الاستهلاك، وحجم المضاربات (Speculations) المتاحة. يضاف إلى ذلك المزايا التي تتمتع بها الإجارة بالمقارنة مع الصيغ التمويلية الأخرى، سواء من حيث الضريبة، أم من حيث شروط التمويل وظروفه، مما أشرنا إليه في مقدمة هذا البحث.
    3- ومن جهة الطلب على هذه الصكوك تعتمد على عدة عوامل منها ما ينطبق على جميع أنواع الصكوك ومنها ما يتعلق بنوع واحد منها فقط. ويمكن أن نناقش أهم هذه العوامل فيما يلي:
    فالمستثمر المطلق، أي الذي لا يهتم بغير هدف استثمار ماله، ينظر إلى صكوك التأجير من زاوية المخاطر التي تحيط بها، والعائد المتوقع عليها، ومدى القدرة على تحويلها إلى نقد جاهز – أي سيولتها – إذا لزم الأمر. وهذا العوامل الثلاثة تنطبق على جميع صكوك التأجير، بكل أنواعها، وصورها، كما تنطبق على الأدوات المالية الأخرى للاستثمار.
    ويتضمن عنصر المخاطرة خطر عدم قدرة المستأجر على دفع الأقساط الإيجارية ، والرأسمالية إن وجدت، إضافة إلى مخاطر تغير سعر صكوك التأجير في السوق ، لتغير أحوال العرض والطلب عليها، التي من أهمها عوائد الفرص البديلة. كما أن هنالك مخاطر سياسية أيضاً يتعرض لها حاملو صكوك التأجير إذا كانت صادرة عن الحكومة، سواء أكانت وطنية، أم أجنبية. ومخاطر التغير في أسعار صرف العملة الأجنبية بالنسبة للصكوك الصادرة بعملة أجنبية.
    __________
    (2/22455
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:11 pm

    --------------
    ومن الملاحظ أن هذه المخاطر مألوفة يتعرض لها حاملو سندات القرض الربوي ، أو غير الربوي. غير أن حاملي صكوك التأجير يتعرضون لنوع إضافي من المخاطر ينشأ عن عدم القدرة على التحديد المسبق للجزء من نفقات الصيانة، الذي يترتب على المالك. وذلك بالنسبة لمعظم صور صكوك التأجير المذكورة في هذا البحث.
    ولنا أن نتساءل هنا عما إذا كانت صكوك التأجير تتضمن – دائماً – أية مخاطرة تتعلق بتغير أسعار ما تمثله هذه الصكوك من أعيان، أو منافع مملوكة لأصحاب الصكوك ؟ وللجواب على ذلك، لابد من النظر الدقيق إلى الصور المتعددة للصكوك فهي لا تمثل مجرد أعيان، وإنما هي أعيان مرتبطة بعقود إجارة ملزمة. بالتالي، فإذا كانت الإجارة متجددة، أو كانت تشمل جميع العمر الاقتصادي للعين المؤجرة، أو كان المؤجر مرتبطاً بوعد ملزم ببيع العين ، أو هبتها عند انتهاء الإجارة،فإن التغير في الأسعار السوقية للأعيان المؤجرة ، لا يؤثر على إيراد الصك، ولا على قيمته الحالية. وهكذا فإن صاحب الصك لا يتحمل – في هذه الأحوال – المخاطر المتعلقة بانخفاض سعر العين المؤجرة ، كما أنه لا يتمتع بارتفاع ذلك السعر.
    4- أما العائد المتوقع للصكوك التأجير، فلابد في الحديث عنه من التمييز بين الصور المختلفة للصكوك.
    ذلك لأن الأجرة تتحدد فيها منذ تاريخ إصدار الصكوك. ويبقى غير معروف الجزء الذي لا يمكن معرفته، عند العقد، من المال الصيانة الجوهرية، وهو ما يقع على عاتق أصحاب الصكوك، إذا كان مما لا يقبل التأمين المباح شرعاً وبالتالي فإن إيراد أصحاب الصكوك هو المجموع الجبري لثلاثة عناصر هي:
    (أ) الأجرة الدورية الصافية المحددة في العقد. وهي تساوي الأجرة التعاقدية، منقوصاً منها ما يقع على المالك من تأمين وصيانة معلومين، مما يخصم من الأجر. وتكون الأجرة دائم، بالنسبة للأعيان المتجددة أو الدائمة كالأرض. ولنرمز للأجرة الدورية الصافية هذه بالحرف (ر).
    (ب) القيمة المتبقية – إن وجدت – وهي قيمة العين المؤجرة عند انتهاء صكوك التأجير. ويمكن لهذه القيمة أن تكون معلومة عند العقد، كما في الحالتين الثانية والخامسة. ولنرمز للقيمة المتبقية بالحرف (ق).
    (ج) نفقات الصيانة الجوهرية غير المعروفة عند العقد، ولنرمز لها بالحرف (ص). وهذه النفقات تترتب على صاحب الصك.
    __________
    (2/22456)
    --------------
    والعائد المتوقع للصك هو سعر الخصم، الذي يساوي بين سعر صك التأجير في السوق من جهة، ومجموع القيمة الحالية للأجرة الدورية والقيمة المتبقية مطروحاً منها القيمة الحالية لنفقات الصيانة المتوقعة من جهة أخرى. فإذا كان سعر الصك عند إصداره هو (س)، فإن العائد السنوي المتوقع للصك (ع) يحسب من المعادلة التالية:
    وذلك على فرض أن الأجرة ثابتة خلال مدة الصك، وأن هذه المدة هي (ن)، وأن (م) هي السنة التي توقع فيها حدوث صيانة جوهرية غير معلومة مسبقاً. ومن المعادلة رقم (1) يحسب المعدل المتوقع لعائد الصك. ولو فرضنا أن السند يمثل أعياناً متجددة (الحالة الثالثة)، وأن نفقات الصيانة الجوهرية غير المعروفة قليلة بحيث تهمل أو تصل إلى الصفر، فإن سعر الصك في هذه الحالة يصبح:
    ويلاحظ وجود علاقة عكسية بين سعر الصك في السوق وعائده المتوقع.
    فإذا طرح في السوق صك تأجير لعين متجددة معينة، يمثل 1/1000 من آلة معينة، بسعر 100 دينار مثلاً وبأجرة دورية صافية قدرها 11 ديناراً، فإن عائده المتوقع هو 11 % . أما إذا كان سعر طرح الصك 110 دينار، فإن عائده المتوقع سيكون 10 % فقط.
    وباستخدام المعادلة رقم (1) يمكن حساب سعر صك التأجير، إذا كان لدى المستثمر فكرة مسبقة عن العائد الذي يرغب به (عَ)، نحو أن يكون هنالك عائد لفرص البديلة (1) ، يقيس عليه. وبذلك يكون سعر الصك (س) هو:
    ويتضح من المعادلة رقم(4) أن سعر صك التأجير يرتفع كلما ارتفعت أية من الأجرة الدورية الصافية، أو القيمة المتبقية، وينخفض كلما زاد المقدار المتوقع لنفقات الصيانة الجوهرية غير المعلومة مسبقاً. كما أن هنالك علاقة عكسية بين سعر الصك والعائد المرغوب فيه مع ملاحظة معلومية الأجرة الدورية وثباتها. أما تأثير عمر الصك، فإن طول عمر الصك يزيد في عدد دفعات الأجرة الدورية الصافية، أي عدد الكوبونات، مما يزيد في سعر الصك، إلا أنه بنفس الوقت ينقص القيمة الحالية للقيمة المتبقية للعين، إن وجدت.
    __________
    (1) لعلها: فرض البديل.(المراجع).
    (2/22457)
    --------------
    ومن الواضح أن هذه هي نفس المعادلة التي تستعمل في تقييم الأوراق المالية التقليدية، من أسهم وسندات قرض ربوي ، مع فارق من حيث طبيعة ما يمثله السند، ومن حيث وجود عنصر الصيانة الجوهرية غير المتوقعة في صكوك التأجير ، وعدم وجود هذا العنصر في سندات القرض الربوي .
    5- أما عنصر السيولة ، فإن صكوك التأجير تحتوي على جميع العوامل، التي تجعلها قابلة للتحويل إلى نقد جاهز بأي وقت. فمن الوجهة الشرعية، تمثل الصكوك ملكية أعيان مؤجرة قابلة للبيع بأي سعر يتفق عليه المتبايعان. ومن الوجهة المالية، تتوافر فيها – من الناحية النظرية – جميع الشروط اللازمة لسندات القرض، أو للأسهم، من أجل قبول التداول بها في الأسواق المالية ، سواء منها المنظمة، أم غير المنظمة.
    ويمكن هنا الإشارة إلى عنصر من عناصر المخاطرة، التي توجد في بعض صور صكوك التأجير، وبيان قلة تأثيره على قابلية هذه الصكوك للتداول. حيث هنالك نوع من نفقات الصيانة الجوهرية، مما يتحمله المالك، لا يعلم عند العقد.
    ولكن معظم الصيانة الجوهرية، وبخاصة ذات المبالغ الكبيرة يعتبر خاضعاً للتأمين، وقسط التأمين يحول – في واقع الأمر- الكلفة غير المعروفة إلى كلفة مقدرة محسوبة منذ إنشاء عقد التأمين . وبالتالي فإن تأثير عامل عدم التوقع في نفقات الصيانة قليل، بحيث يمكن إخضاعه لمبادئ التوقع الطبيعي الاعتيادي، واحتساب سعر له، بمثابة هامش، يضاف إلى الإيراد المرغوب فيه للصك ليقابل عنصر المخاطرة المتعلق بالصيانة.
    __________
    (2/22458)
    --------------
    ب) مرونة صكوك التأجير:
    تتمتع صكوك التأجير بمرونة كبيرة، سواء من حيث المشروعات التي يمكن تمويلها بها، أم من حيث الجهات المستفيدة من التمويل، أم من حيث الوساطة المالية المتضمنة فيها، أم من حيث التنوع في الخيارات المتعددة التي تتاح لطالب التمويل، أم من حيث أنواع الأملاك والمشروعات التي يمكن تمويلها، أم من حيث التنوع في الصور والحالات التي يمكن فيها صياغة صكوك التأجير... إلخ.
    1) إصدار صكوك التأجير من كل من قبل القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الخيري:
    يمكن استخدام صكوك التأجير لتمويل مشروعات تقوم بها الحكومة، سواء أكانت مركزية، أم إقليمية، أم محلية. كما يمكن استخدامها من قبل كل من القطاع الخاص، والقطاع الخيري التبرعي. والسبب في ذلك أن العلاقة بين الجهة الممولة وأصحاب الصكوك يمكن أن تبدأ على أساس الوكالة ، إذا أصدرت الصكوك قبل اقتناء الأصل الثابت ثم تنقلب إلى علاقة إجارة بين المالك (أصحاب الصكوك) والمستأجر (مصدر الصكوك). وهاتان العلاقتان لا تتعارضان فقهاً، وبخاصة أن الوكيل لا يؤجر لنفسه، وإنما يؤجر له أصحاب الصكوك، فهو يقبض العين المؤجرة نيابة عنهم بحكم وكالته، ثم يتسلمها بصفته مستأجراً منهم.
    2) صلاحية صكوك التأجير للوساطة المالية:
    إن طبيعة صكوك التأجير يمكن معها إصدارها، إما مباشرة من قبل المستفيد من التمويل نفسه، وإما عن طريق وسيط مالي نحو البنوط الإسلامية، أو شركات تؤسس خصيصاً لأعمال التمويل بالإجارة.
    كما يمكن لدور الوسيط المالي أن يزداد أو ينقص، حسب المصلحة التي يراها المتعاملون، أو السلطة الرقابية. فيمكن للوسيط المالي أن يقوم بدور المروج فقط، لقاء أجر محدد، يحصل عليه إما من أصحاب الصكوك، وإما من الجهة المستفيدة بالإجارة، وإما من كليهما معاً. كما أنه من الممكن كذلك أن يتوسع دور الوسيط ليشمل الالتزام ببيع جميع الصكوك، وأن يشتري بنفسه الجزء الذي لا يباع منها. ويمكن كذلك – في معظم صور وحالات صكوك التأجير – أن يقوم الوسيط المالي بعقد الإجارة الأولي، وإصدار الصكوك ثم بيعها. ويمكن أيضاً أن يحتفظ بدور المدير، وكالة عن أصحاب الصكوك، في متابعة ما يتعلق بالعلاقة بين المستأجر وأصحاب الصكوك من أمور.
    __________
    (2/22459)
    --------------
    3) صلاحية صكوك التأجير لتلبية حاجات تمويلية متنوعة:
    تستطيع صكوك التأجير أن تمول مشروعاً يدر الربح. فيمكن مثلاً تمويل آلات مصنع للأجهزة الإلكترونية، أو أثاث متجر للمواد الغذائية، أو شاحنات شركة لنقل البضائع. ويمكن كذلك استخدام صكوك التأجير في تمويل أصول ثابتة لا يقصد الربح من استعمالها، سواء أكان استعمالها في قطاع الخدمات الحكومية مثل إقامة العدل، وتحقيق الأمن، ومراكز البحث العلمي ، أم في القطاع الخيري التبرعي، نحو تمويل سيارات إسعاف لجمعية خيرية.
    ويمكن كذلك إصدار صكوك التأجير لتمويل إقامة المشروعات ذات النفع العام، التي لا ترغب الحكومة في إقامتها على أساس الربح ، لمصلحة عامة تراها، نحو تمويل بناء الجسور، والمطارات، والطرق، والسدود، وسائر مشروعات البنية التحتية الصماء. وفي هذه الحالة تكون الحكومة هي المستأجر، من أصحاب الصكوك الذين يكونون هم المالكين لهذه الأعيان المؤجرة للدولة. ثم تقوم الحكومة – بصفتها مستأجراً – بإباحة الطريق لسير السيارات، والجسر للعابرين عليه، وباستعمال السد لحجز المياه، وتخزينها، وتوزيعها على المزارعين وسائر السكان.
    ويمكن لصكوك التأجير كذلك أن تمول المشروعات الإنتاجية الحكومية أو التابعة للقطاع العام الاقتصادي. فتمول شراء محطات توليد الكهرباء، والأصول الثابتة لشركات النقل العام، وآلات استخراج أو تصفية البترول والمعادن الأخرى.
    ويمكن أيضاً استخدام هذه الصكوك في تمويل عين واحدة، أو أصل ثابت واحد، نحو طائرة، أو مولد كهربائي . وكذلك يمكن استخدام هذا الأسلوب التمويلي لمجموعة من الأصول الثابتة، سواء أكانت ذات أعمار إنتاجية متساوية أم لا، وسواء أكانت ذات استخدام نوعي واحد أم لا، وساء أكانت لمستأجر واحد أم لعدة مستأجرين، وبعقود مختلفة. بحيث يمثل السند حصة معلومة محددة من ملكية كل من الأصول الثابتة المجموعة مع بعضها في حزمة (Bundle) واحدة. وبالتالي، فإن البنك الإسلامي يستطيع تحويل عدة عقود إيجار مجتمعة إلى صكوك (Securitization of Leases)، يطرحها للمدخرين كإصدار واحد ذي قسائم (كوبونات)، قيمة كل قسيمة هي مجموع الأجرة المستحقة بتاريخ القسيمة.
    __________
    (2/22460)
    --------------
    4) توفر بدائل متعددة من صكوك التأجير:
    أن الصور المتعددة لصكوك التأجير، والحالات المتنوعة لمعظم هذه الصور، وكذلك الشروط الكثيرة التي يمكن إضافتها، وبخاصة فيما يتعلق بالإجارة الموصوفة في الذمة، كل ذلك يتيح لكل من المدخر من جهة، والمؤسسة الاستثمارية من جهة أخرى، اختيار الصيغة التي تتناسب مع ظروف كل منهما، مما يوجد في سوق الأوراق المالية صكوك تأجير ذات نماذج عديدة، الأمر الذي يزيد من فرص الاختيار أمام المدخرين، كما يوسع دائرة الإصدار من وجهة نظر المستفيد من التمويل، ويزيد من مرونة السوق نفسها واستجابتها لجميع رغبات المستثمرين .
    5) الاستجابة للحاجات الخاصة لبعض زمر المحتاجين للتمويل:
    فمن الجهات التي تحتاج إلى التمويل من يرغب بالحصول على العين المؤجرة عند نهاية عقد الإجارة ، فيجد في صور صكوك التأجير ما يناسبه لذلك.
    ومن الجهات المستفيدة من التمويل من لا يستطيع، بسبب وضعه القانوني ، التصرف برقبة الأرض، أو العقار. مثال ذلك أراضي الأوقاف ، أو البلديات، أو بعض الأملاك العامة التي تمنع الأنظمة السارية بيع رقبتها. فتيسر بعض أنواع صكوك التأجير لهذه الجهات، الحصول على التمويل اللازم لعمارتها، دون التخلي عن ملكية رقبة الأرض أو العقار. ونحو ذلك من يرغب في الحصول على تمويل آني، مع الاحتفاظ بملكية رقبة الأرض، أو العقار لورثته مثلاً.
    6) المرونة في ميعاد دفع الأجرة:
    فقد رأينا أن جمهور الفقهاء لا يرى في تعجيل الأجرة، أو تأخيرها، أو تنجيمها بأساً، طالما أنها محددة ومعروفة، واتفقا العاقدان بالشرط على موعد دفعها (1) . وهذه المرونة في تحديد موعد دفع الأجرة تتيح فرصة توزيع الأجرة، على مجموع المدى الزمني للاستثمار، بغض النظر عن العمر الحقيقي للآلة، أو البناء الذي يتم تمويله بصكوك التأجير. فلو كانت فترة إنجاز البناء تتطلب سنتين مثلاً، وعمر البناء عشر سنوات، فيمكن مثلاً تنجيم الأجرة على اثنى عشر قسطاً سنوياً، يدفع أولها قبل سنة من استكمال البناء، مع ملاحظة أن الأقساط الاثني عشر تخص مدة إيجارية هي عشر سنوات فقط.
    __________
    (1) أبو سليمان، ص35-38، علماً بأن المالكية يقولون بضرورة التعجيل إذا كانت الإجارة موصوفة في الذمة، ويتابعهم الشافعية إذا عقدت بصيغة السلم.
    (2/22461)


    --------------



    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:14 pm

    الإيجار المنتهي بالتمليك
    وصكوك التأجير
    إعداد
    الشيخ محمد علي التسخيري
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قبل الدخول في بيان التكييف الشرعي في عنوان البحث وبيان الرأي في مشروعيته لابد من تقديم تعريف للإجارة وما يتوقف عليه العنوان ويرتبط به لسهولة تناول المقصود بذلك.
    1- تعريف الإجارة :
    قد شاع بين الفقهاء تعريف الإجارة بتمليك المنفعة بعوض، فتمتاز الإجارة بذلك عن البيع، لأن البيع تمليك العين بعوض، وإليك جملة من كلمات الفقهاء:
    قال المحقق في الشرائع: كتاب الإجارة وفيه فصول أربعة: في العقد وثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم، ويفتقر إلى إيجاب وقبول (1) .
    وقال المحدث البحراني: قد عرف بعض الأصحاب الإجارة بأنها: عقد ثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم، وعرفها آخر بأنها عبارة عن تمليك المنفعة الخاصة بعوض معلوم، ومرجعه إلى أنها عبارة عن نفس العقد الذي ثمرته ذلك أو عبارة عن التمليك الذي ثمرته ذلك أو عبارة عن التمليك الذي هو الثمرة (2) .
    وقال صاحب الجواهر [ عقد الإجارة : وهو اللفظ الإنشائي الدال عليها: وثمرته التي شرع لها تمليك المنفعة المعلومة بمقابلة تمليك عوض معلوم على وجه اللزوم، ويفتقر في تحقق مسماه إلى إيجاب وقبول، والعبارة الصريحة عن الإيجاب باعتبار وضعها للدلالة عليه: "آجرتك وأكريتك هذه الدار مثلاً"] (3) .
    وقال السيد اليزدي: "هي تمليك عمل أو منفعة بعوض، ويمكن أن يقال إن حقيقتها التسليط على عين للانتفاع منها بعوض" (4) .
    وقال السيد الخميني: "وهي إما متعلقة بأعيان مملوكة من حيوان أو دار أو عقار أو متاع أو ثياب ونحوها فتفيد تمليك منفعتها بالعوض، أو متعلقة بالنفس كإجارة الحر نفسه لعمل، فتفيد غالباً تمليك عمله للغير بأجرة مقررة، وقد تفيد تمليك منفعته دون عمله كإجارة المرضعة نفسها للرضاع لا الإرضاع " (5) .
    وقال السيد الخوئي : "وهي المعارضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة والثاني مثل إجارة الدار" (6) .
    __________
    (1) شرائع الإسلام، ص2112، طبعة مؤسسة المعارف الإسلامية إيران – قم.
    (2) الحدائق الناضرة: 21/532 طبع دار الأضواء – بيروت.
    (3) جواهر الكلام: 27/204.
    (4) العروة الوثقى: 2/574.
    (5) تحرير الوسيلة: 1/570.
    (6) منهاج الصالحين: 2/89 دار الغدير – بيروت.
    (2/22462)
    --------------
    2- وقوع الإجارة بالمعاطاة:
    قد اتضح مما تقدم افتقار عقد الإجارة إلى الإيجاب والقبول من المؤجر والمستأجر، ولا إشكال في وقوع الإجارة بالعقد اللفظي الذي هو الإيجاب والقبول، إنما الكلام في وقوعها بالمعاطاة، حيث إن الإجارات المتعارفة في عصرنا- غالباً – تقع بتعاطي العين المؤجرة من دون إجراء الصيغة المعهودة للإجارة، فذاك دافعنا إلى البحث عن وقوع المعاطاة في الإجارة.
    قال السيد الخميني: [ عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الإيجاب، الدال بالظهور العرفي على إيقاع إضافة خاصة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض والقبول الدال على الرضا به وتملكها بالعوض، والعبارة الصريحة في الإيجاب: "آجرتك أو أكريتك هذه الدار مثلاً بكذا "وتصح بمثل "ملكتك منفعة الدار"مريداً به الإجارة لكنه ليس من العبارة الصريحة في إفادتها].
    ولا يعتبر فيه العربية، بل يكفي لفظ المعنى المقصود بأي لغة كان، وتقوم مقام اللفظ الإشارة المفهمة من الأخرس ونحوه كعقد البيع، والظاهر جريان المعاطاة في القسم الأول منها، وهو ما تعلقت بأعيان مملوكة، وتتحقق بتسليط الغير على العين ذات المنفعة قاصداً تحقق معنى الإجارة، أي الإضافة الخاصة، وتسليم الغير لها بهذا العنوان، ولا يبعد تحققها في القسم الثاني أيضاً يجعل نفسه تحت اختيار الطرف بهذا العنوان أو بالشروع في العمل كذلك. (1)
    واستدل الإمام الخميني على صحة المعاطاة في كل عقد أو إيقاع يمكن إنشاؤه بالفعل بما يلي:
    "مقتضى القاعدة جريان المعاطاة في كل عقد أو إيقاع يمكن إنشاؤه بالفعل، فإن العقل، كالقول آلة للإيجار والإيقاع الاعتباري، ومع الإيقاع كذلك، يعتبر المنشأ مصداقاً للعناوين العامة والخاصة، ودليل صحتها ولزومها هو الأدلة الخاصة أو العامة" (2) .
    واستدل السيد البجنوردي في قواعده على صحة المعاطاة في الإجارة بوجهين.
    الأول: تحقق عنوان الإجارة بالمعاطاة فتشمله العمومات.
    الثاني: قيام السيرة المستمرة في جميع أنحاء العالم على تحقق الإجارة بالمعاطاة وبناء العقلاء من كافة الأمم على ذلك فإذا تحققت الإجارة بالمعاطاة فتشملها العمومات من الآيات والروايات التي تدل على إمضائها وترتيب الأثر عليها، فلا ينبغي أن يشك في صحة الإجارة المعاطاتية ولزوم ترتيب أثر الإجارة الصحيحة عليها، وجميع أدلة اللزوم خصوصاً أصالة اللزوم في الملك تجري، فالإجارة – مطلقاً – تحققت بالعقد أو المعاطاة معاملة لازمة لا تنفسح إلا بالتقايل أو شرط الخيار كسائر العقود اللازمة (3) .
    __________
    (1) تحرير الوسيلة: 1/571.
    (2) كتاب البيع للإمام الخميني: 1/180 مؤسسة النشر الإسلامي.
    (3) القواعد للبجنوردي: 7/59 مطبعة الخيام – قم.
    (2/22463)
    --------------
    3- عدم بطلان الإجارة بموت المؤجر والمستأجر:
    اتفق فقهاء الإمامية – في العصور المتأخرة – على عدم بطلان الإجارة بموت المؤجر والمستأجر.
    قال صاحب الجواهر: "لا تبطل بموت أحدهما، وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده، والأشهر بين المتأخرين، بل هو المشهور بينهم، بل في المسالك نسبته إليهم أجمع، ولعله كذلك" (1) .
    وقال السيد اليزدي: "لا تبطل الإجارة بموت المؤجرة ولا بموت المستأجر على الأقوى" (2) .
    وقد قرره على هذا الرأي جميع الفقهاء المعلقين عليها، وهم المعاصرون من الفقهاء.
    واستدل السيد البجنوردي على هذا الرأي بأن مقتضى القواعد الأولية هو دخول منافع العين المستأجرة في ملك المستأجر في المدة المضروبة وخروجها عن ملك المؤجر، وكذلك الأمر في الأجرة التي هي عوض تلك المنافع.
    مقتضى صحة العقد ونفوذه ووجوب الوفاء به وصفاً وتكليفاً دخولها في ملك المؤجر وخروجها عن ملك المستأجر، وقد فرغنا عن إثبات أن الإجارة عقد لازم لا تنفسخ إلا بالتقايل أو أحد الأسباب المقتضية للفسخ، فخروج كل واحد من العوضين عن ملك مالكه بعد وقوع العقد الصحيح ورجوعه إلى مالكه الأول يحتاج إلى دليل (3) .
    4- شروط صحة الإجارة:
    قال السيد الخميني: "يشترط في صحة الإجارة أمور، بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر وبعضها في العين المستأجرة وبعضها في المنفعة وبعضها في الأجرة.
    - أما المتعاقدان، فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما.
    - وأما العين المستأجرة، فيعتبر فيها أمور: منها التعيين، فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابتين لم تصح، ومنها المعلومية، فإن كانت عيناً خارجية فإما بالمشاهدة وإما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجازتها، وكذا لو كانت غائبة أو كانت كلية.
    ومنها: كونها مقدوراً على تسليمها، فلا يصح إجارة الدابة الشاردة ونحوها، ومنها: كونها مما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا يصح إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضاً للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه، وكذا ما لا يمكن الانتفاع بها إلا بإذهاب عينها كالخبز للأكل والشمع أو الحطب للإشعال.
    __________
    (1) جواهر الكلام: 27/207 دار الكتب الإسلامية.
    (2) العروة الوثقى: 2/584 المكتبة العلمية الإسلامية.
    (3) القواعد الفقهية للبجنوردي: 7/65، مطبعة الخيام – قم.
    (2/22464)
    --------------
    ومنها : كونها مملوكة أو مستأجرة فلا تصح إجارة مال الغير إلا بإذنه أو إجازته .
    ومنها: جواز الانتفاع بها، فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرة.
    - أما المنفعة فيعتبر فيها أمور، منها: كونها مباحة: فلا تصح إجارة الدكان لإحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنية للتغني ونحو ذلك.
    ومنها: كونها متمولة يبذل بإزائها المال عند العقلاء.
    ومنها: تعين نوعها إن كانت للعين منافع متعددة، فلو استأجر الدابة يعين أنها للحمل أو الركوب أو لإدارة الرحى وغيرها، نعم تصح إجارتها لجميع منافعها فيملك المستأجر جميعها.
    ومنها: معلوميتها، إما بتقديرها بالزمان المعلوم، كسكني الدار (شهراً)، أو الخياطة أو التعمير والبناء (يوماً)، وإما بتقدير العمل، كخياطة الثوب المعين خياطة كذائية.
    - وأما الأجرة : فيعتبر معلوميتها وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العد في (المكيل والموزون والمعدود) وبالمشاهدة أو التوصيف (في غيرها) ويجوز أن تكون عيناً خارجية، أو كلياً في الذمة، أو عملاً، أو منفعة، أو حقاً قابلاً للنقل مثل الثمن في البيع (1) .
    __________
    (1) تحرير الوسيلة: 1/571- 572.
    (2/22465)
    --------------
    5- قاعدة الشرط :
    ومما يرتبط بالبحث، بل يتوقف عليه، العنوان: (قاعدة الشرط) لتوقف تمليك المؤجر العين المستأجرة للمستأجر على صحة الشرط ونفوذه واشتراط ذلك في عقد الإجارة ، ويتم المقصود من البحث – في هذه القاعدة – في أمور:
    الأول: مدرك القاعدة.
    قاعدة الشرط من القواعد الفقهية المشهورة الثابتة بالإجماع والسنة وبناء العقلاء والكتاب العزيز.
    أما السنة فهي روايات منها ما رواه عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز وجل (1) .
    ومنها ما رواه عبد الله بن سنان أيضاً عن الإمام الصادق عليه السلام قال: المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز (2) .
    ومنها ما رواه إسحاق بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليف لها فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً (3) .
    ومنها ما رواه في غوالي اللآلي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (( المؤمنون عند شروطهم )) (4) .
    ومنها ما رواه في دعائم الإسلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله)) (5) .
    ومنها ما رواه يونس عن الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام قال قلت له: إن رجلاً من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل الله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بداله في الترويج بعد ذلك فكيف يصنع ؟ فقال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( المؤمنون عند شروطهم )) (6) ، وغير ذلك من الروايات.
    وأما الإجماع وبناء العقلاء والكتاب فقد استدل بها المحقق المراغي، فقال في وجوه لزوم العمل بالشروط:
    أحدها: ظهور الإجماع من الأصحاب على صحة الشرط ضمن العقد، فإنهم في سائر المقامات يحكمون بصحة الشرط ولزومها من دون نكير منهم في ذلك.
    __________
    (1) وسائل الشيعة كتاب التجارة، الباب 6 من أبواب الخيار.
    (2) المرجع السابق نفسه.
    (3) وسائل الشيعة كتاب التجارة، الباب 6 من أبواب الخيار.
    (4) مستدرك وسائل الشيعة كتاب التجارة، الباب 4 من أبواب الخيار.
    (5) المرجع السابق نفسه.
    (6) وسائل الشيعة كتاب النكاح، الباب 20من أبواب المهور.
    (2/22466)
    --------------
    وثانيها: الإجماعات المحكية على ذلك حد الاستفاضة.
    ثالثها: ما ذكرناه في إثبات صحة العقود من أن المعاملات ليست مبنية على التعبد والاختراع وإنما هي أمور مجعولة عند العقلاء على نحو يتم به النظام، والشارع قررهم على ذلك، فكل معاملة شائعة بين الناس يحكم بصحتها لكشفه عن تقرير الشارع، إلا ما ورد المنع عنه فنقول: لو كان ورد من الشارع عن أخذ الشروط في ضمن العقود بهذا العنوان لاشتهر وتواتر، كسائر المعاملات الفاسدة، لعموم البلوى وشدة الحاجة، مع أنه قد انعكس الأمر، وهذا يكشف عن رضا الشارع به وهو المدعى.
    ورابعها: أن ما دل على لزوم الوفاء بالعقود يدل على صحة الشرط الواقع ضمن العقد.
    إما أن ذلك كالجزء من العقد والقيد منه، فإذا وقع الارتباط بينه وبين العقد في قصد المتعاقدين فالوفاء بالعقد يقتضي الوفاء به، لأنه من كيفيات العقد؛ ولا فرق بين ما اعتبر في الأركان أو لوحظ من الخارج، بل هذا – في الحقيقة – يرجع إلى صفة في أركان العقد ، فلابد من الوفاء بالعقد.
    وإما لأن الشرط بنفسه عهد من العهود، وقد دلت الآية على لزوم الوفاء بالعهود، ولا يضر الانصراف إلى المتعارف – هنا – لأن الشرط ضمن العقد من العهود المتعارفة الشائعة، فكما يشمل العقد الأصلي يشمل الشرط، ولا يحتاج إلى إثبات كون الوفاء بالعقد مستلزماً للوفاء بالشرط (1) .
    وقال في معنى الشرط والتحقيق، إن الشرط في العقد إنما هو بمعنى الربط، وإحداث العلاقة بين العقد وما شرط، وهو المعنى اللغوي للشرط، ولا يطلق الشرط على الإلزام المستقل الذي لا ربط له بشيء آخر؛ والمراد من قولهم: بعتك وشرطت عليك كذا أني أنشأت البيع والتمليك وربطته بالأمر الفلاني أي جعلتهما مرتبطين في الإنشاء والإحداث بمعنى إرادة وقوعهما مرتبطين، فيصير الشرط كأجزاء العوض والمعوض؛ فمن قال: "بعتك السيف والفرس "يريد وقوع التمليك فيهما معاً، بمعنى تعلق الغرض بالمجموع المركب من حيث هو كذلك، ومثله الشرط، والغرض ارتباط الشرط والمشروط في المقصودية والإنشاء، لا أن ذلك تعليق لأصل العقد، بمعنى أني بعت إن كان كذلك، ولا تعليق للدوام بمعنى أني بعت ولكن إن وقع هذا الشرط، فدائماً وإلا فلا، ولا بمعنى أني بعت، ولكن لا أرضى باللزوم إلا بذلك الشرط، فإن كل ذلك غير صحيح ، إذا الأولان مبطلان، والأخير لا دخل له بالمتعاقدين، وإنما المقصود ما ذكرناه (2) .
    __________
    (1) العناوين للمراغي: 2/275- 276 مكتبة النشر الإسلامي.
    (2) العناوين للمراغي: 2/276 مكتبة النشر الإسلامي.
    (2/22467)
    --------------
    الثاني – الشروط:
    ثم إن لتنفيذ الشرط وصحة تأثيره شروطاً قد ذكرها الفقهاء.
    قال الشيخ الأنصاري : "الكلام في شروط صحة الشرط، وهي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف فيها.
    أحدها: أن يكون داخلاً تحت قدرة المكلف، فيخرج ما لا يقدر العاقد على تسليمه إلى صاحبه، سواء كان صفة لا يقدر العاقد على تسليم العين موصوفاً بها مثل صيرورة الزرع سنبلاً، وكون الأمة والدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا أو كان عملاً كجعل الزرع سنبلاً والبسر تمراً....
    الثاني: أن يكون الشرط سائغاً في نفسه، فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمراً ونحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم...
    الثالث: أن يكون ما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعاً، أو بالنظر إلى خصوص المشروط له....
    الرابع: أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة، فلو اشترط رقبة حر أو توريث أجنبي كان فاسداً، لأن مخالفة الكتاب والسنة لا يسوغها شيء...
    الخامس: أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد، وإلا لم يصح، لوجهين:
    أحدهما: وقوع التنافي في العقد المقيد بهذا الشرط، بين مقتضاه الذي لا يختلف عنه والشرط الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط.
    فلابد إما أن يحكم بتساقطهما، وإما أن يقدم جانب العقد، لأنه المتبوع المقصود بالذات والشرط تابع، وعلى كل تقدير لا يصح الشرط.
    الثاني: أن الشرط المنافي مخالف للكتاب والسنة الدالين على عدم تخلف العقد عن مقتضاه، فاشتراط تخلفه مخالف للكتاب...
    السادس: أن لا يكون الشرط مجهولاً جهالة توجب الغرر في البيع، لأن الشرط – في الحقيقة – كالجزء من العوضين.
    __________
    (2/22468)
    --------------
    السابع: أن لا يكون مستلزماً لمحال، كما لو شرط في البيع أن يبيعه على البايع، فإن العلامة قد ذكر هنا أنه مستلزم للدور، وقال في التذكرة: "لو باعه بشرط أن يبيعه إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدراً أو جنساً ووصفاً أو لا وإلا جاء الدور لأن بيعه إياه يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور...، سيأتي تقرير الدور مع جوابه في النقد والنسيئة...
    الثامن: أن يلتزم به في متن العقد فلو تواطيا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به، على المشهور بل لم يعلم فيه خلاف، عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف والمختلف، وسيأتي، لأن المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاماً ابتدائياً لا يجب الوفاء به قطعاً. وإن كان أثره مستمراً في نفس الملزم إلى حين العقد بل إلى حين حصول الوفاء وبعده، نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان إلى حين حصول المطلوب وإن وعده بإيقاع العقد مقروناً بالتزامه، فإذا ترك ذكره في العقد لم يحصل ملزم له (1) .
    الثالث – حكم الشرط الصحيح :
    قال الشيخ الأنصاري: إن الشرط إما أن يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي ككون العبد كاتباً والجارية حاملاً ونحوهما، وإما أن يتعلق بفعل من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما كاشتراط اعتاق العبد وخياطة الثوب، وإما أن يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل كاشتراط تملك عين خاصة وانعتاق مملوك خاص ونحوهما.
    ولا إشكال في أنه لا حكم للقسم الأول إلا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط، إذ لا يعقل تحصيله هنا، فلا معنى لوجوب الوفاء فيه، وعموم (المؤمنون عند شروطهم) مختص بغير هذا القسم، وأما الثالث فإن أريد باشتراطه الغاية- أعنى الملكية والزوجية ونحوهما – اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعية فيرجع إلى الثاني وهو اشتراط الفعل، وإن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فإن دل الدليل الشرعي على عدم تحقق ملك الغاية إلا بسببها الشرعي الخاص كالزوجية والطلاق والعبودية والانعتاق وكون المرهون مبيعاً عند انقضاء الأجل ونحو ذلك كان الشرط فاسداً لمخالفته للكتاب والسنة، كما أنه لو دل الدليل على كفاية الشرط كالوكالة والوصايا وكون مال العبد وحمل مال العبد وحمل الجارية وثمر الشجرة ملكاً للمشتري فلا إشكال.
    __________
    (1) مكاسب الأنصاري، ص 276- 283.
    (2/22469)
    --------------
    وأما لو لم يدل دليل على أحد الوجهين كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكاً لأحدهما أو صدقة وكون العبد الفلاني حراً ونحو ذلك، ففي صحة هذا الشرط إشكال، من أصالة عدم تحقق الغاية إلا بما علم كونه سبباً لها، وعموم (المؤمنون عند شروطهم) ونحوه لا يجري هنا، لعدم كون الشرط فعلاً ليجب الوفاء به، ومن أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط، بل يشمل ترتيب الآثار عليه نظير الوفاء بالعهد، ويشهد له تمسك الإمام عليه السلام بهذا العموم في موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها على أداء مال الكتابة مشترطاً عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق، مضافاً إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزءاً من العقد.
    وأما توقف الملك وشبهه على أسباب خاصة فهي دعوى غير مسموعة مع وجود أفراد اتفق على صحتها كما في حمل الجارية ومال العبد وغيرهما.
    __________
    (2/22470)
    --------------
    دعوى تسويغ ذلك لكونها من توابع المبيع مدفوعة لعدم صلاحية ذلك للفراق مع أنه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة في بيع أخرى، كما يظهر من المحقق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين) وكل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم إلى معلوم، وكيف كان فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه الغايات، بأن ينذر كون المال صدقة والشاة أضحية أو كون هذا المال لزيد، وحينئذٍ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتب الآثار.
    والقسم الثاني وهو ما يتعلق فيه الاشتراط بفعل.
    والكلام فيه يقع في مسائل:
    الأولى: في وجوب الوفاء من حيث الكليف الشرعي، والمشهور هو الوجوب لظاهر الحديث النبوي : (( المؤمنون عند شروطهم )) ، والحديث العلوي: ((من شرط لامرأته فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم... )).
    الثانية: لو قلنا بوجوب الوفاء من حيث التكليف فهل يجبر عليه لو امتنع؟ ظاهر جماعة ذلك...
    الثالثة: هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار فيكون مخيراً بينهما ؟ أم لا يجوز له الفسخ إلا مع تعذر الإجبار؟... المختار عدم الخيار إلا مع تعذر الإجبار.
    ثم لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذر إجباره ؟ الظاهر ذلك، لعموم ولاية السلطان على الممتنع، فيندفع ضرر المشروط له بذلك.
    الرابعة: لو تعذر الشرط فليس للمشتري إلا الخيار، لعدم وجود دليل على الأرش، فإن الشرط في حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفاً وشرعاً إنما هي بين المالين، والتقيد أمر معنوي لا يعد مالاً...
    الخامسة: لو تعذر الشرط وقد خرجت العين عن سلطة المشروط عليه بتلف أو رهن أو استيلاء فالظاهر عدم منع ذلك من الفسخ.
    السادسة: للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان مما يقبل الإسقاط....
    السابعة: تخلف الشرط لا يقدح في تملك كل منهما لتمام العوضين (1) .
    __________
    (1) مكاسب الأنصاري، ص 283- 286.
    (2/22471)
    --------------
    6 - الملكية:
    الملكية ماهية اعتبارية متقومة باعتبار العقلاء حدوثاً وبقاءً، وليس لها حقيقة سوى الاعتبار العقلاني، فإذا تحقق عقد البيع مثلاً يصير موضوعاً لاعتبار الملكية عند العقلاء، كما أن عقد النكاح إذا تحقق يصير موضوعاً لاعتبار الزوجية عندهم، وإذا تحققت الحيازة تصير موضوعاً لاعتبار الملكية؛ ولا يصير العقد علة لحصول الملكية ولا علة لاعتبار العقلاء، فلا علِّيَّة ولا سببية في العقود لإيجاد مضمونها، بل هي بعد تحققها تصير موضوعاً لاعتبار العقلاء، فالعقلاء يعتبرون ملكية العين عند تحقق عقد البيع ، وملكية المنافع عند تحقق عقد الإجارة .
    وبعبارة أخرى إن الاعتبار العقلاني له وجود لا يحصل إلا بالاعتبار، ولا يوجد باللفظ وغيره فاللفظ في العقود لا يمكن أن يكون علة لما هو خارج عن نطاقه وحوزته، والعلة في ذلك الاعتبار إنما هو إرادة العقلاء، لا اللفظ الصادر من اللافظ العاقد.
    ثم إن حقيقة هذه المبايعة الاعتبارية إضافة حاصلة بين المال ومالكه، وهي قد تكون ذاتية كالإضافة الحاصلة بين الإنسان وعمله فإن الإنسان مسلط على عمله ونفسه وما في ذمته، فله إجارة نفسه وبيع ما في ذمته، وقد أمضى الشارع أيضاً هذا النحو من الملكية، وقد تكون الإضافة عرضية، وهي قد تكون أولية وقد تكون ثانوية.
    والأولى: قد تكون أصلية استقلالية وقد تكون تبعية، أما الأولية الأصلية كالإضافة الحاصلة بالعمل أو بالحيازة أو بهما، أما الأولية التبعية كالإضافة بين المالك ونتاج أمواله، وأما الإضافة الثانوية قد تكون قهرية كالإضافة بين الوارث والميراث والموقوف عليه والوقف، وقد تكون اختياريه كالإضافة الحاصلة من المعاملات بين المالك ومملوكه، والمقصود منهما في المقام هو القسم الأخير من الملكية التي تحصل بالعقود والإيقاعات.
    __________
    (2/22472)
    --------------
    7 - عناوين المعاملات:
    إن عنوان البيع والإجارة والصلح وغيرها من عناوين المعاملات إنما هي فعل من أفعال المكلف، وليست من أفعال العرف ولا الشرع، فإذا صدر عنوان من هذه العناوين من المكلف فإن كان واجداً للشروط العرفية ينسب إلى العرف ويقال إنه عقد صحيح عرفي ، وإن كان فاقداً لأحدهما فيقال إنه بيع باطل عرفي، وكذلك النسبة إلى الشرع فالبيع الواجد للشروط الشرعية ينسب إلى الشرع ويقال بيع صحيح شرعي، والفاقد يقال له: البيع الباطل شرعاً، فعلا معنى لوضع هذه العناوين للصحيح الشرعي خاصة بل هي تطلق على البيوع غير المشروعة.
    وعلى ذلك، فإذا شك في تأثير العقد أثره الخاص لا مانع من التمسك بالإطلاق في صحته وتأثيره مع صدق البيع عرفاً، فيما إذا شك في اعتبار وجود شيء أو عدمه، لأن خطابات الشرع إنما تكون ملقاة إلى العرف فتحمل على المعنى العرفي، فإذا أحرز الصدق العرفي وشك في اعتبار الشارع أمراً زائداً على الصدق العرفي يتمسك في رفعه بالإطلاق، لأن الشارع بعدما كان في مقام إمضاء البيع فلا مناص عليه من ذكر كل ما له دخل في نظره ومن عدم البيان يكشف عدم اعتبار المشكوك شرعاً أيضاً كما أنه غير معتبر عرفاً.
    بل على تقدير كون الموضوع في المعاملات صحيح يصح أيضاً التمسك بإطلاق الأدلة، وذلك لأن الخطاب من الشارع ملقى إلى العرف ، فإذا أحرز الصدق العرفي وشك في ما يعتبر فيه شرعاً فيصبح التمسك بالإطلاق، لأن الشك في اعتبار أمر زائد، فيدفع بالإطلاق.
    __________
    (2/22473)
    --------------
    نتيجة البحث

    إذا وقعت إجارة بين شخصين أو شركة وشخص مستجمعة لشروط الصحة وشرط المستأجر على المؤجر تملك العين المستأجرة بعد انتهاء أجل الإجارة أو شرط المؤجر على نفسه ذلك في عقد الإجارة ، سواء كان بعنوان ( شرط الفعل ) بأن يملك المؤجر العين المؤجرة للمستأجر في نهاية الإجارة بعقد خصا وإنشاء الملكية بفعل مخصوص كإجراء عقد بيع أو هبة أو صلح أو نحو ذلك من أسباب العقود المملّكة، أو كان بعنوان (شرط الغاية) بأن يتملك المستأجر في ذلك الحين العين التي وقعت الإجارة عليها بلا إصدار فعل من المؤجر وإنشاء منه، بل تحصل الملكية بطبيعة الحال، ومن نتيجة الشرط الواقع في عقد الإجارة قبل ذلك، يصح عقد الإجارة، ويصح الشرط الواقع فيه، ويلزم العمل وفق الشرط، فإن كان على نحو (شرط الفعل) فيجب على المؤجر إعلان التمليك منه عند نهاية الإجارة ولو امتنع المشروط عليه من التمليك المشروط، يجير عليه، ويكون للمشروط له الخيار في الفسخ.
    وإن كان على نحو (شرط الغاية) فيحصل الملك للمستأجر حسب الشروط في نهاية عقد الإجارة ولا مانع من تنفيذ هذا الشرط وتأثيره لعدم توقف الملكية على سبب خاص – كما عرفت في كلام الشيخ الأنصاري – مع وجود أفراد منها متفقاً عليها كما في ملكية حمل الجارية ومال العبد وغيرها، بل قد عرفت أن المحقق الثاني جوز اشتراط ملك حمل دابة في بيع آخر، وقد نفى الخلاف في وجوب الوفاء بهذا النحو من الشرط، فقال الشيخ فيما تقدم نقله: إن الظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بمعنى ترتب الآثار في شرط الغاية.
    مضافاً إلى ما تقدم من أن الملكية أمر اعتباري متقومة باعتبار العقلاء حدوثاً وبقاءً، وليس لها حقيقة سوى الاعتبار العقلاني، فإذا تحقق عقد الإجارة يصير موضوعاً لاعتبار الملكية عند العقلاء في جميع مضمونها من نقل المنافع في مدة الإجارة ، ونقل العين في نهاية الإجارة.
    __________
    (2/22474)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:18 pm


    والاعتبار العقلاني له نحو وجود لا يحصل إلا بالاعتبار، ولا مانع من الاعتبار العقلاني في عقد الإجارة الذي وقع فيه شرط التمليك من اعتبار الملكية حسب الشرط الواقع فيها.
    أضف إليه أن المعاملة إذا وقعت صحيحة --------------
    في نظر العرف وصدق عليها الموضوع والعنوان المطلوب عرفاً فإن شك في تأثيرها وتنفيذها شرعاً للشك في اعتبار شيء خاص فيها فلا مانع من التمسك بالإطلاق في رفع هذا الشك، لأن خطاب الشرع موجه إلى العرف، ويكون المراد من العنوان في الخطاب هو العنوان العرفي، فالإجارة المشروطة بالتمليك إجارة عرفية صحيحة مملكة للمنفعة في مدة الإجارة وللعين بعد نهاية تلك المدة، فإن شك في اعتبار أمر زائد على الصحة العرفية –في صحتها ونفوذها- فلا مانع من التمسك بالإطلاق في رفع هذا الشك، لأن خطاب الشرع موجه إلى العرف، ويكون المراد من العنوان في الخطاب هو العنوان العرفي، فالإجارة المشروطة بالتمليك إجارة عرفية صحيحة مملكة للمنفعة في مدة الإجارة، وللعين بعد نهاية تلك المدة، فإن شك في اعتبار أمر زائد على الصحة العرفية –في صحتها ونفوذها- فلا مانع من التمسك بإطلاق دليل الإجارة في صحة هذه الإجارة وتنفيذها وتأثيرها في مضمونها ومفادها.
    فإن شك في حاجة حصول المالك للمستأجر إلى إيجاد سبب خاص، يتمسك في رفع الشك –في ذلك- إلى إطلاق الخطاب.
    ويمكن التمسك بإطلاق دليل اللزوم في المعاملات على ما تقدم، بأن كل معاملة شائعة بين الناس يحكم بصحتها لكشفها عن تقرير الشارع، إلا ما ورد المنع عنه، ولو ورد من الشرع نهي عن أخذ الشروط ضمن العقد بهذا العنوان لاشتهر وتواتر، كسائر المعاملات الفاسدة، لعموم البلوى وشدة الحاجة، مع أنه قد انعكس الأمر وهذا يكشف عن رضا الشارع به.
    مع أن ما دل على لزوم الوفاء بالعقود يدل على صحة الشرط الواقع ضمن العقد، إما لأن ذلك كالجزء من العقد والقيد منه، فإذا وقع الارتباط بينه وبين العقد في قصد المتعاقدين فالوفاء بالعقد يقتضي الوفاء بالشرط، لأنه من كيفيات العقد فلابد من الوفاء بالشرط حتى يحصل الوفاء بالعقد.
    وإما لأن الشرط بنفسه عهد من العهود وقد دلت الآية على لزوم الوفاء بالعهود، والشرط ضمن العقد من العهود المتعارفة الشائعة، فكما يشمل العقد الأصلي كذلك يشمل الشرط.
    وعلى ذلك، فلا مانع من قبل الشرع في صحة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك ولزومه، ويجب على كل من المؤجر والمستأجر الوفاء بعقد الإجارة والوفاء بالشرط الواقع في ضمنه، حسب ما قدمناه في أنواع الشروط ، من شرط الفعل أو شرط الغاية، والله العالم والسلام.
    __________
    (2/22475)
    --------------



    الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة
    ( الإجارة المنتهية بالتمليك )
    دراسة فقهية مقارنة

    إعداد
    أ.د. علي محيي الدين القره داغي
    أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة والقانون
    جامعة قطر
    والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فإن التطبيقات العملية لأحكام الفقه الإسلامي هي التي تدفع بالفقه نحو التقدم والتطور والازدهار، وكما قيل: "الحاجة أم الاختراع"، لذلك شهد عصره الذهبي عندما كانت أمور المسلمين (أئمتهم وعامتهم) تدور عليه، وتبحث في إطاره، ولا يسمح بالخروج عليه، فنشطت قرائح الفقهاء وتفكيراتهم لتوضيح الحلول الشرعية ولإيجاد البدائل والمخارج على ضوء القواعد الكلية والمبادئ العامة للشريعة ومقاصدها العامة، ثم رعاية العرف والحاجة، وما يقتضيه رفع الحرج عن المسلمين في تعبدهم وتعاملهم فازدانت تلك العصور بعدد كثير من المؤلفات الضخمة في الفقه وفي فقه النوازل والحوادث، والفتاوى العملية والأقضية والأحكام.
    ثم أتى على الفقه الإسلام حين من الدهر أصابه الجمود والتأخر بسبب جمود الأمة وتخلفها وبعدها عن الاجتهاد والتقدم والتحضر، وانشغالها بالبدع والخرافات، فاستغل ذلك الوضع الاستعمار فجاء بغزوه الفكري والتشريعي والسياسي والاقتصادي فاستخر (فاستعمرنا) وطبق علينا قوانينه وتشريعاته، فأبعد فقهنا الإسلامي عن الحياة، وغيبه عن الواقع وهمش دوره على مسرح الأمة، ولأول مرة في تاريخ هذه الأمة تفرض عليها قوانين بشرية أجنبية تأتي بها دول محتلة لأراضيها، ويقبل منها مثقفوها، وحينما صحت الأمة الإسلامية فرأت ما حولها من العوائق والمصائب والمشكلات، وأنها أحيط بها من كل جانب، بدأت تتحرك نحو إصلاح ما أصابه الفساد، وكان نصيب الفساد للجانب الاقتصادي أكبر، حيث كان البديل الوضعي عن الاقتصاد الإسلامي هو المطبق في كل بلاد المسلمين، وبلغ الأمر إلى أن حدا ببعض المنتسبين إلى الدين أن يصدروا فتاوى بحل آثار هذا النظام الرأسمالي اليهودي من الربا ونحوه، كما أن الإحباط من إيجاد البديل الإسلامي كاد أن يعم الجميع، وهذه الظروف الصعبة قامت القائمة على الأمة التي بدأت تحارب هذا الاستعمار وتعيد الأمة إلى كتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم فبذلت المحاولات الجادة في هذا المجال من خلال الكتب والندوات والمؤتمرات الفقهية والفتاوى الجماعية بخطورة النظام الربوي حتى استطاع الفكر الإسلامي في مجال الاقتصاد أن يظهر ويثبت أقدامه، ويخطو خطوة رائعة نحو التطبيق من خلال البنوك الإسلامية ، وشركات التأمين الإسلامي .
    __________
    (2/22476)
    --------------
    ومنذ ذلك الحين بدأ الفقه الإسلامي تدب فيه الحياة، ويعود إلى الحياة مرة أخرى، ويعاد إليه دوره المنشود في قيادة الأمة، وبدأ التفكير الجاد لإيجاد الحلول الشرعية لهذا الكم الهائل من النوازل والمستجدات المتراكمة، فانطلق الفقه انطلاقته الجديدة، وكثرت المؤلفات والبحوث الفقهية المعاصرة، وازدهر بالمؤتمرات والندوات والحلقات الفقهية التي أثرى بها كثير من القضايا المعاصرة، وساعد على وضوح الرؤية والاجتهادات الجماعية من خلال المجامع الفقهية بجانب الاجتهادات الفردية.
    ومن هذا المنطلق يأتي دور البنك الإسلامي للتنمية ومعاهده المتخصصة في خدمة الفقه الإسلامي وتجديده من خلال فقه العمل، وفقه الحاجة وفقه النوازل وبالأخص في الاقتصاد الإسلامي وفقه المعاملات المالية .
    ولذلك حينما طلب مني الأخ الكريم الدكتور عمر زهير حافظ مدير المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية: أن أكتب بحثاً عن: " الإجارة المنتهية بالتمليك "ليلقى في 14 رمضان 1418هـ ضمن الموسم الثقافي للمعهد، لم يسعني إلا الاستجابة لهذه الدعوة الكريمة، والعمل على تنفيذها بكل ما أستطيع بذله من جهد وفكر.
    وسوف يتناول بحثي: الإجارة في الكتاب والسنة، لاستنباط المبادئ الأساسية لها، ثم بحثها في كتبنا الفقهية، ثم ينتهي البحث بالتطبيقات المعاصرة التي تكون الإجارة المنتهية بالتمليك أهم تطبيقاتها، ثم يختم بخاتمة تتضمن تلخيصاً للبحث ونتائج البحث وتوصياته.
    والله أسأل أن يوفقنا لما فيه خير ديننا وأمتنا، ويسدد على طريق الحق خطانا، ويجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يعصمنا عن الخطأ والزلل في العقيدة والقول والعمل، إنه حسبنا ومولانا، فنعم المولى ونعم النصير.
    __________
    (2/22477)
    --------------
    القسم الأول
    • التعريف بالإجارة لغة واصطلاحاً.
    • الإجارة في الكتاب والسنة.
    • المبادئ والأحكام المستنبطة للإجارة من الكتاب والسنة.
    • مشروعيتها.

    التعريف بالإجارة في اللغة والاصطلاح

    الإجارة لغة:
    الأجرة على العمل، ويستعمل في العقد الذي يرد على المنافع بعوض (1) وقد قال بعض العلماء: إنه قد غلب وضع الفعالة (بالكسر) للصنائع نحو الصناعة والخياطة، والفعالة (بالفتح) لأخلاق النفوس الجبلية نحو السماحة والشجاعة، و(بالضم) للمحتقرات كالكناسة والنخالة (2) .
    والإيجار مصدر: آجره يؤاجره مؤاجرة وإيجاراً أي اكتراه منه، وأصله من أجر الشيء، أي أكراه، وأجر فلاناً على كذا، أي أعطاه أجراً، ومضارعه (يأجر) مضموم العين، ومنه قوله تعالى: { عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [القصص: 27]، أي تكون أجيراً لي، ويقال: أجر الله عبده أي أثابه، واستأجره أي اتخذه أجيراً، وائتجر أي طلب الثواب بصدقة ونحوها (3) .
    قال الإمام الرافعي : "الإجارة... وإن اشتهرت في العقد فهي في اللغة اسم للأجرة، وهي كراء الأجير" (4) .
    الإكراء:
    والإكراء بمعنى الإجارة، ويستعمله الفقهاء بمعناها وهو لغة من: أكريت الدار أي آجرها فهي مكراة، ويقال: اكتريت الدار وغيرها أي استأجرت، وكذا استكريت وتكاريت وأصله من كرى النهر –بفتح الراء- كرياً أي حفر فيه حفرة جديدة، وكري الرجل –بكسر الراء- أي نام فهو كرٍ، وكري (5) .
    __________
    (1) جاء في المعجم الوسيط، ط. قطر: 1/6 أنها بهذا المعنى (محدثة) أي استعملها المحدثون في العصر الحديث وشاع في لغة الحياة العامة ويراجع القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، ص436.
    (2) الذخيرة للقرافي، ط. دار الغرب الإسلامي ببيروت: 5/371.
    (3) يراجع لمزيد من التفصيل: لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط مادة (أجر).
    (4) فتح العزيز بهامش المجموع، ط. شركة علماء الأزهر بالقاهرة: 12/176.
    (5) يراجع: لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة (كرى).
    (2/22478)
    --------------
    الإجارة في اصطلاح الفقهاء:
    عرفها الحنفية: بأنها عقد على المنافع بعوض (1) ، وعرفها بعضهم بأنها: تمليك يقع بعوض (2) ، وجاء في الذخيرة: "هي بيع المنافع" (3) وقال الحطاب : "وقال في اللباب: حقيقتها تمليك منفعة معلومة زمناً معلوماً بعوض معلوم...، وقول القاضي: معاوضة على منافع الأعيان؛ لا يخفى بطلان طرده..." (4) .
    وقد فرق المالكية بين الإجارة والكراء فخصصوا تمليك منفعة الآدمي باسم الإجارة، ومنافع المتملكات باسم الكراء، لكن بعضهم قد يستعمل الإجارة بمعنى الكراء وبالعكس عن طريق المجاز (5) .
    قال الدردير : "وهي والكراء شيء واحد في المعنى: هو تمليك منافع شيء مباحة مدة معلومة بعوض، غير أنهم سموا العقد على منافع الآدمي وما ينقل غير السفن والحيوان إجارة، والعقد على منافع ما لا ينقل كالأرض والدور، وما ينقل من سفينة وحيوان كالرواحل كراء" (6) .
    وعرفها الشافعية بأنها تمليك المنفعة بعوض (7) .
    وعرفها الحنابلة بأنها بيع المنافع (Cool ، وجاء في منتهى الإرادات: "الإجارة شرعاً عقد على منفعة مباحة معلومة مدة معلومة من عين معينة، أو موصوفة في الذمة، أو على عمل معلوم بعوض معلوم... " (9) .
    ويفهم من كلام ابن حزم الظاهري أن الإجارة عقد وارد على منفعة كل شيء له منفعة ولا يستهلك عينه (10) .
    وهذه التعاريف متقاربة من حيث النتيجة، إلا أن التعريف الأخير مفصل أكثر من غيره، ومبين فيه عناصر الإجارة الأساسية.
    ولا يختلف معناها في القانون عما ذكرناه، فقد عرفت المادة (558) من القانون المدني المصري الإيجار بأنه: "عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم".
    بل استعمل القانون المدني العراقي التعريف الفقهي فنصت مادته (722) على أن: "الإيجار تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة، وبه يلتزم المؤجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بالمأجور".
    ويطابق تعريفه في القانون المدني السوري المادة (526) وفي القانون المدني الليبي في مادته (557) ما ذكره القانون المصري السابق (11) .
    __________
    (1) يراجع: الهداية مع تكملة فتح القدير وشرح العناية، ط. مصطفى الحلبي بالقاهرة: 9/58؛ والفتاوى الهندية، ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت، ط. رابعة 1406هـ: 4/409؛ وبدائع الصنائع، ط. الإمام بمصر: 5/2554.
    (2) حاشية ابن عابدين ، ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت عام 1407هـ: 5/2؛ ويراجع تحفة الفقهاء للسمرقندي، ط. قطر: 2/514.
    (3) هذا وقد وردت على التعريفين بعض الاعتراضات منها: أنهما غير مانعين من دخول النكاح، وقد أجاب صاحب تكملة فتح القدير: 9/58، بأن الإجارة عقد على المنافع بعوض، أو تمليك.. في حين أن النكاح عقد على العين نفسها فقال: "المملوك بالنكاح في حكم العين حتى لا ينعقد إلا مؤبداً...".
    (4) مواهب الجليل، ط. دار الكتب العلمية ببيروت عام 1417هـ: 7/493.
    (5) المرجع السابق نفسه.
    (6) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ، ط. عيسى الحلبي بالقاهرة: 4/2؛ ويراجع لمزيد من التفصيل: المدونة للإمام مالك، ط. السعادة بمصر عام 1323هـ؛ وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس ، ط. دار الغرب الإسلامي: 2/835؛ وشرح الخرشي، ط. بولاق بمصر 1317هـ: 7/2؛ وبلغة السالك، ط. عيسى الحلبي بالقاهرة: 3/117؛ والاستذكار لابن عبد البر ، ط. مؤسسة الرسالة: 21/245؛ والتمهيد لابن عبد البر، ط. مجموعة التحف والنفائس الدولية للنشر والتوزيع بالسعودية: 12/345.
    (7) الغاية القصوى في دراية الفتوى للبيضاوي، تحقيق د. علي القره داغي، ط. دار الإصلاح بالدمام: 2/619؛ ويراجع روضة الطالبين، ط. المكتب الإسلامي بدمشق: 5/173؛ والأم، ط. دار المعرفة: 4/14؛ وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى، ط. دار إحياء الكتب العربية بمصر: 3/67؛ وفتح العزيز بهامش المجموع: 12/175؛ و الحاوي الكبير، ط. دار الكتب العلمية ببيروت:7/388.
    (Cool المغني لابن قدامة، ط. الرياض الحديثة: 5/433؛ ويراجع المبدع في شرح المقنع، ط. المكتب الإسلامي: 5/82.
    (9) منتهى الإرادات، مع شرح البهوتي، ط. عالم الكتب العلمية ببيروت: 2/241.
    (10) المحلي لابن حزم ، ط. دار الاتحاد العربي للطباعة بمصر: 9/3.
    (11) الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور عبد الرزاق السنهوري، ط. دار النهضة العربية بالقاهرة: 6/3؛ وعقد الإيجار للدكتور سليمان مرقس الطبعة الثانية بالقاهرة، 1954م، ص5.
    (2/22479)
    --------------
    الإجارة في القرآن الكريم:
    ورد لفظ الأجر ومشتقاته في القرآن الكريم حوالي مائة وثماني مرات، منها الآيات الواردة في سورة القصص بخصوص قصة سيدنا موسى في مدين وأخذ أجرة سقيه، ثم جعله أجرته مهراً لزوجته حيث يقول الله تعالى: { فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [القصص: 24-28].
    فهذه الآيات تضمنت صورة عقد متكاملة للإيجاز كما تضمنت ضوابط وآداباً للإجارة ونحوها، فالعقد قد تم بين العاقدين وهما:
    سيدنا موسى عليه السلام والشيخ الكبير على أساس أن المعقود عليه هو العمل في الرعي ونحوه لمدة ثماني سنوات أو عشر سنوات في مقابل إنكاح ابنته ومهرها، والصيغة تتمثل في إيجاب الشيخ الكبير، وقبول موسى عليه السلام.
    ويستفاد منها أن الإيجاب (أو القبول ) يمكن أن يتحقق بفعل المضارع ما دامت القرائن تدل على الإنشاء دون الوعد، كما أن القبول قد يتم بأي صيغة تدل عليه مثل: "ذلك بيني وبينك"دون الالتزام بلفظ مخصوص، وهذا هو ما يسمى بمبدأ الرضائية في العقود.
    __________
    (2/22480)
    --------------
    كما يستفاد منها أن مدة عقد الإجارة يمكن أن تكون محددة بوقت واحد، ويمكن أن تكون على الخيار بين وقتين، حيث تم العقد في الإيجاب على أساس ثماني سنوات، أو عشر، وكان قبول موسى عليه السلام أيضاً غير محدد حيث قال: { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } [ القصص : 28 ].
    ويقاس على ذلك ما إذا كان الخيار بين أكثر من وقتين مادام ذلك لا يؤدي إلى النزاع (1) .
    ودلت هذه الآيات الكريمة على جواز الجمع بين عقدين في صفقة واحدة، وهما النكاح والأجرة والربط بينهما قال أبو بكر ابن العربي : "في هذا الاجتماع إجارة ونكاح، وقد اختلف علماؤنا في ذلك على أربعة أقوال: القول الأول: يكره ابتداء، فإن وقع مضى.
    الثاني: قال مالك وابن القاسم في المشهور: لا يجوز.
    والثالث: قال ابن الماجشون : إن بقي من القيمة ربع دينار جاز، وإلا فلا.
    قال أبو بكر: " والصحيح جوازه وعليه تدل الآية" (2) .
    وتضمنت الآيات إرشادات في غاية من الأهمية لاختيار الأجير، والوكيل، والموظف، والمدير ونحوهم، حيث قالت: { إن خير من استئجرت القوي الأمين } [ القصص : 26]، فهاتان الصفتان: القوة والأمانة إذا تحققتا فيمن يوكل عليه العمل فإن النجاح يكون متحققاً بإذن الله تعالى.
    فالقوة تعني القوة البدنية والفكرية والعقدية وتدخل فيها الخبرة والمعرفة والفطنة والكياسة، والمهارة، وأما الأمانة فتعني الإخلاص والغيرة والإحساس بالمسؤولية، ووجود رقابة داخلية تمنع الشخص من الخيانة والاعتداء، ومن التفريط والتقصير، والمقصود أن يتوافر في الشخص الإخلاص والاختصاص وهما جامع الخير كله.
    واستعمل القرآن الكريم الأجور بدل المهور في أكثر من آية، فقال تعالى: { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [النساء: 25]، كما استعملها في أجور المرضعات فقال تعالى: { فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الطلاق: 6]، كما استعمل القرآن الكريم الأجر والأجور بمعنى الثواب في الآخرة في آيات كثيرة، وبمعنى الأجر الدنيوي في مقابل العمل كما في قوله تعالى في قصة موسى والخضر: { لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا } [الكهف: 77].
    __________
    (1) قال الرازي في التفسير الكبير، ط. دار إحياء التراث العربي ببيروت 24/242: "إن عقد النكاح وقع على أقل الأجلين فكانت الزيادة كالتبرع"كما ذكر أن ذلك من شرع من قبلنا، وتدل الآيات على أن عقد النكاح لا يفسده الشروط التي لا يوجبها العقد. والراجح: هو أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ كما هو معروف في علم الأصول.
    (2) أحكام القرآن لابن العربي، ط. دار المعرفة ببيروت: 3/1476.
    (2/22481)
    --------------
    الإيجار في السنة المطهرة:
    تكفلت السنة النبوية المشرفة بتفصيل الإجارة وكثير من أحكامها وآدابها، فقد خصص البخاري أحكامها بكتاب خاص سماه: كتاب الإجارة، وذكر فيه اثنين وعشرين باباً، واشتمل على ثلاثين حديثاً، المعلق منها خمسة، والبقية موصولة، ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث، وفيه من الآثار ثمانية عشر أثراً (1) .
    وكذلك فعل أبو داود في جامع سننه وقد ذكر باب استئجار الرجل الصالح، ثم باب رعي الغنم على قراريط وذكر فيه حديثاً بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم))، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )) (2) .
    ثم ذكر باب استئجار المشركين عند الضرورة ، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام فأورد بسنده عن عائشة رضي الله عنها : "استأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل، ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً" . –الخريت الماهر بالهداية-.
    ثم ترجم باب: إذا استأجر أجيراً ليعمل له بعد ثلاثة أيام –أو بعد شهر أو بعد سنة- جاز، وأورد الحديث السابق للدلالة على ذلك "ثم ترجم باب الأجير في الغزو، وباب: إذا استأجر أجيراً فبين له الأجل ولم يبين العمل واستدل في ذلك بقوله تعالى: { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } إلى قوله تعالى: { وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } حيث مال البخاري إلى جواز ذلك، قال الحافظ ابن حجر: "ووجه الدلالة منه أنه لم يقع في سياق القصة المذكورة بيان العمل، وإنما فيه أن موسى أجر نفسه من والد المرأتين"ثم قال: "قال المهلب: ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة ، لأن ذلك كان معلوماً بينهم، وإنما حذف ذكره للعلم به، وتعقبه ابن المنير بأن البخاري لم يرد جوازاً أن يكون العمل مجهولاً، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطاً، وأن المتبع المقاصد، لا الألفاظ (3) .
    __________
    (1) فتح الباري: 4/463.
    (2) صحيح البخاري مع فتح الباري، ط. السلفية: 4/439-441.
    (3) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 4/444.
    (2/22482)
    --------------
    ثم أورد أبواباً أخرى منها باب إثم من منع أجر الأجير، فروى فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة... ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)).
    ومنها باب من استأجر أجيراً فترك أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره فاستفضل، فروى فيه قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار (1) .
    ومنها باب أجرة السمسرة: ولم ير ابن سيرين وعطاء ، وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأساً، وقال ابن عباس : لا بأس أن يقول بع هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك، وقال ابن سيرين: إذا قال: بعه بكذا، فما كان من ربح فلك، أو بيني وبينك فلا بأس به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) (2)
    ومنها باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟ فأورد فيه حديث خباب قال: كنت رجلاً قيناً، فعملت للعاص بن وائل..... ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك وأقره، قال المهلب: (كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين :
    أحدهما: أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله.
    والآخر: أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين ) .
    وقال ابن المنير: (استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة، ولا يعد ذلك من الذلة، بخلاف أن يخدمه في منزله، وبطريق التبعية له) (3) .
    ومنها باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب، وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله))، قال الحافظ ابن حجر : "حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصله المؤلف رحمه الله في الطب واستدل به للجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم، وأجازوه في الرقي كالدواء" (4) .
    __________
    (1) صحيح البخاري مع الفتح: 4/449.
    (2) صحيح البخاري مع الفتح: 4/451.
    (3) فتح الباري: 4/452.
    (4) فتح الباري: 4/453.
    (2/22483)
    --------------
    ومنها باب كسب البغي والإماء، وكره إبراهيم النخعي أجر النائحة والمغنية، ثم أورد فيه حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن.
    ومنها باب عسب الفحل حيث أورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى عن عسب الفحل –أي أجرة نزوه-.
    وختم البخاري بباب: إذا استأجر أرضاً فمات أحدهما، وقال ابن سيرين: ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم والحسن وإياس بن معاوية: تمضي الإجارة إلى أجلها.
    وقال ابن عمر: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعدما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ثم أورد أحاديث في الباب (1) .
    قال الحافظ ابن حجر: "الجمهور على عدم الفسخ –أي فسخ الإجارة بموت أحد العاقدين- وذهب الكوفيون، والليث بن سعد إلى الفسخ..." (2) .
    وأورد أبو داود في كتاب الإجارة في سننه عدة أبواب منها باب كسب المعلم، فأورد حديث عبادة بن الصامت الدال على حرمة الأجرة على تعليم القرآن، حيث قال: علمت أناساً من أهل الصفة القرآن والكتاب، فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها (عنها) في سبيل الله، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته، فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها (عليها) في سبيل الله؟ قال: ((إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها)) (3) .
    __________
    (1) يراجع صحيح البخاري مع الفتح: 4/439-463.
    (2) فتح الباري: 4/462.
    (3) سنن أبي داود مع عون المعبود، ط. مطابع المجد بالقاهرة: 9/282.
    (2/22484)
    --------------
    قال الخطابي : "اختلف قوم من العلماء في معنى هذا الحديث وتأويله، فذهب بعضهم إلى ظاهره، فرأوا أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن غير مباح، وإليه ذهب الزهري ، وأبو حنيفة ، وإسحاق بن راهويه ، وقالت طائفة: لا بأس به ما لم يشترط وهو قول الحسن البصري وابن سيرين والشعبي، وأباح ذلك الآخرون وهو مذهب عطاء ومالك والشافعي وأبي ثور واحتجوا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة فلم يجد لها مهراً: ((زوجتكها على ما معك من القرآن)) وتأولوا حديث عبادة على أنه كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه، ولم يكن قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه، وكان سبيل عبادة في هذا سبيل من رد ضالة لرجل أو استخرج له متاعاً قد غرق في بحر تبرعاً وحسبة فليس له أن يأخذ عليه عوضاً، ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزاً وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس، فأخذ المال منهم مكروه ، ودفعه إليهم مستحب " (1) .
    وقد رجح الحافظ البيهقي حديث ابن عباس وهو: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله))، وحديث سهل بن سعد على حديث عبادة لأنهما أصح إسناداً، أما حديث عبادة ففيه الأسود بن ثعلبة ، قال البيهقي: "فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث، وهو حديث مختلف فيه على عبادة..." (2) .
    ومنها باب في كسب الأطباء، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري في أخذه الجعل على رقيته (3) .
    ومنها باب في كسب الحجام، فأورد فيه حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث....)) ثم أورد حديث ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره ((أن اعلفه ناضحك، ورقيقك))، ثم روى حديثاً آخر عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو علمه خبيثاً لم يعطه. (4)
    وهذا الحديث الأخير دليل واضح على إباحة كسبه، ويحمل الخبيث في الحديث على الرذيل، كما في قوله تعالى: { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } [البقرة: 267].
    وأورد البيهقي في كتاب الإجارة عدة أبواب منها جواز الإجارة فذكر فيه عدداً كبيراً من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك.
    __________
    (1) عون المعبود: 9/283.
    (2) السنن الكبرى، ط. العثمانية بحيدر آباد: 6/125.
    (3) سنن أبي داود مع عون المعبود: 9/289.
    (4) المصدر السابق: 9/290.
    (2/22485)
    --------------
    ومنها باب: لا تجوز الإجارة حتى تكون الأجرة معلومة، فذكر فيه الاستدلال بحديث النهي عن بيع الغرر ، من حيث إن الإجارات صنف من البيوع، ثم أورد حديثاً بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يساوم الرجل على سوم أخيه... ومن استأجر أجيراً فليعلمه أجره)) (1) .
    ومنها باب إثم من منع الأجير أجره، فأورد فيه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً استوفى منه ولم يوفه)) قال البيهقي : ورواه البخاري في الصحيح عن يوسف بن محمد، ثم أورد حديث أبي هريرة بلفظ: ((أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) (2) .
    ومنها باب: ما يستحب من تأخير الأحمال ليكون أسهل على الجمال وغيرها، فأورد فيه قول عمر رضي الله عنه: ينادي: أخروا الأحمال ؛ فإن الأيدي معلقة، والأرجل موثقة . ثم رواه مرفوعاً بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حملتم فأخروا، فإن اليد معلقة والرجل موثقة)) (3) .
    ومنها باب كسب الرجل وعمله بيده، فأورد فيه حديث معدي كرب الذي رواه البخاري أيضاً، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أكل أحد من بني آدم طعاماً خيراً له من أن يأكل من عمل يديه، إن نبي الله داود كان يأكل من كسب يديه))، ثم أورده بسنده قول عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً عمال أنفسهم. وفي رواية: كانوا يعالجون أرضيهم بأيديهم (4) .
    __________
    (1) السنن الكبرى: 6/116-120.
    (2) المصدر السابق: 6/121.
    (3) المصدر السابق: 6/121-122.
    (4) السنن الكبرى: 6/127.
    (2/22486)
    --------------
    المبادئ والقيم التي تستفاد من هذه الآيات والأحاديث:
    أولاً: مشروعية الإجارة، بل إثبات فضلها حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل أحد من بني آدم طعاماً خيراً له من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من كسب يديه)) كما ورد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤجرون أنفسهم، وأنه ما من نبي إلا رعى الغنم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط.
    وهذا المبدأ يؤكد أن العبادة (أو الأجر والثواب) لا تنحصر دائرتها في باب الشعائر والمناسك، بل هي تشمل كل عمل نافع يراد به تعمير الكون على ضوء منهج الله، ولذلك تعتبر الإجارات في مجموعها من فروض الكفايات التي لا ينبغي تركها.
    ثانياً: رعاية الحقوق المتبادلة والتركيز على حق الأجير، وذلك من خلال الأحاديث الدالة على أن يبذل الأجير ما يسعه جهده حتى يعرق، وعلى أن يعطى حقه قبل أن يجف عرقه، حيث شدد الإسلام في ذلك حتى إن الله تعالى يكون خصم ذلك الرجل الذي يأخذ حقه من الأجير، ولكن لا يعطيه حقه في الأجرة المتفق عليها.
    ثالثاً: استئجار الرجل الصالح القوي القادر الأمين الماهر الخريت.
    رابعاً: عدم اشتراط ذكر العمل في إجارة الأشخاص حيث ترجم البخاري باب: إذا استأجر أجيراً فبين له الأجل ولم يبين له العمل حيث إن موسى عليه السلام أجر نفسه دون ذكر العمل.
    خامساً: الاستثمار في أجرة الأجير التي تركها ، حيث يكون المال كله له، وهذا من قمة الأخلاق الإسلامية.
    سادساً: عدم البأس بأجرة السمسار .
    سابعاً: عدم البأس من الاستئجار للكافر كقاعدة عامة.
    ثامناً: جواز أخذ الأجرة على الرقية والتطبيب.
    تاسعاً: عدم جواز الاستئجار في المحرمات والخبائث والشبهات.
    عاشراً: الموت لا يؤثر في عقد الإجارة ومدتها ماضية حتى تنتهي.
    الحادي عشر: الجمع بين الأحاديث الدالة على جواز الأجرة على تعليم القرآن والأحاديث الدالة على المنع، أو بترجيح أحاديث الجواز على المنع لأنها أصح إسناداً.
    __________
    (2/22487)
    --------------
    الثاني عشر: عدم جواز الغرر والجهالة في الإجارة.
    الثالث عشر: آداب إسلامية رائعة في تأجير الدواب تدل على منتهى الرفق بالحيوان، بل تدخل السلطة لأجل عدم وقوع الظلم عليه، وهناك أحكام أخرى لا يسع المجال لذكرها.
    الرابع عشر: جواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته، ويدل على ذلك حديث عتبة بن المنذر، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ طسم، حتى بلغ قصة موسى عليه السلام، فقال: ((إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه، وطعام بطنه))، رواه أحمد وابن ماجه (1) .
    الخامس عشر: ضرورة الحرص على أداء العمل بإخلاص وإتقان وبعلم، بحيث إذا لم يكن عالماً بمهنته فإنه يكون ضامناً للآثار التي تترتب على عمله، لما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بسندهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) (2) .
    مشروعية الإجارة :
    الإجارة مشروعة، بل مطلوبة في الإسلام كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث التي ذكرناها.
    وقد أجمعت الأمة على جوازها، ولكن يحكى عن أبي بكر عبد الرحمن بن الأصم أنه لا يجيزها، بناء على أن الإجارة بيع المنافع، وهي معدومة في الحال، والمعدوم لا يجوز بيعه، وأنها غرر (3) ، وكلامه هذا متعارض مع النصوص السابقة ومع الإجماع فلا يعتد به، قال ابن قدامة: "وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار، وسار في الأمصار، والعبرة أيضاً دالة عليها، فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان، فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع" (4) ، وقال الكاساني : "إن الأمة أجمعت على ذلك قبل وجود الأصم حيث يعقدون عقد الإجارة من زمن الصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير، فلا يعبأ بخلافه، إذ هو خلاف الإجماع" (5) .
    وذكر ابن رشد أن ابن علية مع الأصم في هذا الرأي بناء على شبهة واهية، وهي: أن المعاوضات إنما يستحق فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في الأعيان المحسوسة، والمنافع في الإجارات في وقت العقد معدومة فكان ذلك غرراً، ومن بيع ما لم يخلق.
    ولكن الرد عليها جلي وهو أن طبيعة عقد الإجارة تختلف عن البيع لأنها قائمة على تحقيق المنفعة التي تستوفى في المستقبل، كما هو الحال في السلم ، حيث هو عقد قائم على تسليم شيء في المستقبل (6) .
    __________
    (1) رواه ابن ماجه في سننه كتاب الرهن: 2/817؛ وجاء في الزوائد: إسناده ضعيف، ورواه أحمد؛ ويراجع نيل الأوطار، ط. الطباعة الفنية بالقاهرة 1398هـ: 7/42.
    (2) سنن أبي داود مع العون، كتاب الديات: 12/329؛ وابن ماجه، كتاب الطب: 2/1148؛ وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.
    (3) المغني لابن قدامة: 5/433؛ وبدائع الصنائع: 5/2554.
    (4) المغني لابن قدامة: 5/433؛ ويراجع الروضة للنووي: 5/173.
    (5) بدائع الصنائع: 5/2556.
    (6) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط. دار الجيل ببيروت: 2/395-360؛ ويراجع المحلى لابن حزم : 9/3، حيث أسند الخلاف إلى إبراهيم بن علية فقط وقال: "وهذا باطل من قوله".
    (2/22488)
    --------------
    القسم الثاني
    • الإجارة في الفقه الإسلامي.
    • طبيعتها وأنواعها، وأركانها، وشروطها، وأحكامها.
    • وسائلها واشتراط الشروط فيها.
    • آثارها.
    • كيفية فسخها.
    طبيعة عقد الإجارة وصفته
    عقد الإجارة من عقود المعاوضات المسماة، وهو عقد لازم عند جمهور الفقهاء حيث لا يكون لأحد الطرفين فسخها دون رضا الآخر إلا لحق خيار الشرط ، أو العيب، أو نحوهما، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة (1) .
    ونقل عن شريح : أنها غير لازمة ، وتفسخ بلا عذر لأنها إباحة المنفعة فأشبهت الإعارة، ورد بأنه القياس مع الفارق ، لأن الإعارة بدون عوض، فهي تطوع وإحسان، في حين أن الإجارة معاوضة من الطرفين.
    وذهب الحنفية إلى أنها عقد لازم، ولكن تفسخ بعذر طارئ، قال الكاساني : "وأما صفة الإجارة فالإجارة عقد لازم إذا وقعت صحيحة عرية عن خيار الشرط، والعيب والرؤية عند عامة العلماء، فلا تفسخ من غير عذر" (2) ، وقال أيضاً: "وأما شرط اللزوم فنوعان: نوع هو شرط انعقاد لازم، ونوع هو شرط بقائه على اللزوم، أما الأول: فأنواع: منها أن يكون العقد صحيحاً ، لأن العقد الفاسد غير لازم بل هو مستحق النقض والفسخ رفعاً للفساد حقاً للشرع، فضلاً عن الجواز.
    ومنها: أن لا يكون بالمستأجر عيب في وقت العقد، أو وقت القبض يخل بالانتفاع، فإن كان لم يلزم العقد، حتى قالوا في العبد المستأجر للخدمة إذا ظهر أنه سارق له أن يفسخ الإجارة، لأن السلامة مشروطة فتكون كالمشروط نصاً كما في بيع العين .
    ومنها: أن يكون المستأجر مرئياً للمستأجر، حتى لو استأجر داراً لم يرها ثم رآها فلم يرض بها أنه يردها، لأن الإجارة بيع المنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما في بيع العين.
    وأما الثاني فنوعان:
    أحدهما: سلامة المستأجر عن حدوث عيب به يخل بالانتفاع به (مثل استئجار دابة ثم تعرج، أو بيت فينهدم بعضه، أو شخص فيمرض) فالمستأجر بالخيار إن شاء مضى على الإجارة وإن شاء فسخ، بخلاف البيع إذا حدث بالمبيع عيب بعد القبض فليس للمشتري أن يرده... فإن لم يفسخ... فعليه كمال الأجرة، لأنه رضي بالمعقود عليه مع العيب فيلزمه جميع البدل.. وإن زال العيب قبل أن يفسخ..، بطل خيار المستأجر، لأن الموجب للخيار قد زال والعقد قائم فيزول الخيار.
    __________
    (1) يراجع: عقد الجواهر الثمينة: 2/859؛ والذخيرة: 5/531؛ وبداية المجتهد: 2/359-374؛ وروضة الطالبين: 5/239؛ والمغني لابن قدامة: 5/433؛ والكافي، ط. المكتب الإسلامي بدمشق: 2/315.
    (2) بدائع الصنائع: 6/2623.
    (2/22489)
    --------------
    هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر، فإن كان لا يضر به بقي العقد لازماً ولا خيار للمستأجر كالعبد (الشخص) المستأجر إذا ذهبت إحدى عينيه، وذلك لا يضر بالخدمة، أو سقط شعره، أو سقط من الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به في سكناها، لأن العقد ورد على المنفعة لا على العين..
    والثاني عدم حدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجر، فإن حدث بأحدهما، أو بالمستأجر عذر لا يبقى العقد لازماً، وله أن يفسخ، وهذا عند أصحابنا، وعند الشافعي : هذا ليس بشرط بقاء العقد لازماً، ولقب المسألة أن الإجارة تفسخ بالأعذار عندنا خلافاً له... لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر، لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد.. فكان الفسخ في الحقيقة امتناعاً من التزام الضرر، وله ولاية ذلك.
    ثم بين الكاساني تفاصيل الأعذار التي يفسخ بها العقد فقال: إن العذر قد يكون من جانب المستأجِر، وقد يكون في جانب المؤاجر، وقد يكون في جانب المستأجَر:
    أما الذي في جانب المستأجر: "فنحو أن يفلس فيقوم من السوق ، أو يريد سفراً، أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة، أو من الزراعة إلى التجارة، أو ينتقل من حرفة إلى حرفة، لأن المفلس لا ينتفع بالحانوت فكان في إبقاء العقد من غير استبقاء المنفعة إضرار به ضرراً لم يلتزمه العقد فلا يجبر على عمله".
    وأما الذي هو في جانب المؤاجرة فنحو أن يلحقه دين فادح لا يجد قضاءه إلا من ثمن العين المؤجرة ، وأما الذي هو في جانب المستأجر فمنه بلوغ الصبي الذي أجره أبوه أو جده، أو وصيهما، ومنها أن لا يأخذ الصبي من ثدي الظئر.
    ولكن الحنفية لم يجعلوا الرخص أو التوسع من الأعذار، لأنه زيادة منفعة فلا يؤثر في العقد، فلا يجوز له أن يفسخ العقد لأجل أن أجرة الحانوت الذي أجره أغلى من غيره أو أضيق (1) ، غير أنهم قالوا: إذا كانت الأجرة لأموال اليتيم، أو الوقف أقل من أجرة المثل تكون الإجارة فاسدة، وتلزم أجرة المثل (2) .
    ويظهر أن الحنفية مع الجمهور في لزوم عقد الإجارة غير أن الأعذار الطارئة عندهم بمثابة العيوب التي تعطي حق الفسخ وسيأتي لذلك مزيد من التفصيل عند الحديث على فسخ الإجارة.
    والأدلة من الكتاب والسنة تدل على وجوب الوفاء بالعقود، فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]، ولأن عقد الإجارة من عقود المعاوضات كالبيع فيجب أن يكون ملزماً، بل إن الإجارة –كما قالوا- هي بيع المنافع.
    __________
    (1) بدائع الصنائع: 5/2611-2622.
    (2) انظر المادة (441) من مجلة الأحكام العدلية.
    (2/22490)
    --------------
    علاقة الإجارة بالعقود الأخرى:
    1-مع البيع:
    فهي تشبه البيع من حيث إن فيها نقلاً لملكية المنفعة إلى الآخرة، لكنها تختلف عنه كثيراً لأن نقل الملكية في الإجارة خاص بالمنفعة فقط، وأنه نقل مؤقت بزمن محدد في حين أن البيع نقل لملكية المنفعة والرقبة معاً، أو لإحداهما على سبيل التأبيد ، ومن جانب آخر فإن البيع لا يجوز إلا أن يكون منجزاً في حين أن الإجارة تقبل الإضافة حتى التعليق –كما سيأتي-.
    ومن جانب ثالث فإن البيع يقتضي استيفاء المبيع دفعة واحدة، في حين أن الإجارة تقتضي استيفاء المنفعة خلال الزمن المحدد.
    وأيضاً إنه ليس هناك تلازم بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز وبين ما تجوز إجارته وما لا تجوز، فالإنسان لا يباع، ولكنه يؤجر، والطعام لا يؤجر، ولكنه يباع (1) .
    قال ابن حزم : "الإجارة ليست بيعاً.. ولو كانت بيعاً لما جازت إجارة الحر.. ولا يختلفون في أن الإجارة إنما هي الانتفاع بمنافع الشيء المؤاجرة التي لم تخلق بعد، ولا يحل بيع ما لم يخلق" (2) .
    2-مع الإعارة :
    تتفق الإجارة مع الإعارة في أن كلاً منهما تمليك منفعة ولكنها تختلف معها في أن الإجارة تمليك لها بعوض، وهي بدون عوض، وفرق البعض بينهما فرقاً آخر، وهو أن الإعارة ليست تمليكاً، وإنما هي إباحة، ويترتب على ذلك آثار كثيرة (3) .
    3-مع الجعالة :
    تتفق الإجارة معها في أن الجعالة عقد قائم على المنفعة أيضاً، ولكنها تختلف عنها في أنها عقد على منفعة مظنون حصولها وأن الجاعل لا ينتفع بجزء من عمل العامل، وإنما بتمام العمل، إضافة إلى أن الجعالة عقد غير لازم قبل إتمام العمل (4) .
    4-مع الاستصناع :
    تتفق الإجارة مع الاستصناع في أنه أيضاً وارد على منفعة ولكنه يختلف معها في أنه عقد قائم على العمل والعين الموصوفة في الذمة (5) إضافة إلى أن دائرة الإجارة أوسع بكثير منه حيث الإجارة تكون للأعيان والأشخاص.
    __________
    (1) يراجع كتاب البيع في الكتب الفقهية، والموسوعة الفقهية: 1/253، ومصطلح الإعارة منها.
    (2) المحلى لابن حزم: 9/3-4.
    (3) يراجع كتاب الإعارة في كتب الفقه، والموسوعة الفقهية: 1/253.
    (4) يراجع كتاب الجعالة في كتب الفقه، ومصطلح الجعالة في الموسوعة الفقهية.
    (5) يراجع لمزيد من التفصيل: عقد الاستصناع بين اللزوم والجواز، وبين الاستقلال والاتباع، للدكتور علي القره داغي المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي بجدة في دورته السابعة.
    (2/22491)
    --------------
    والخلاصة:
    إن عقد الإجارة عقد مستقل له خصائصه وآثاره وأحكامه الخاصة، وإن هذا التشابه لا يرقى إلى درجة أن تنصهر الإجارة في بوتقة أي عقد آخر.
    أنواع عقد الإجارة:
    للإجارة تقسيمات باعتبارات مختلفة حيث تتفرع على كل تقسيم عدة أنواع:
    التقسيم الأول- باعتبار المحل (المعقود عليه):
    1- إجارة على الأعيان (أي غير الإنسان).
    2- إجارة الأشخاص .
    • والإجارة على الأشخاص نوعان:
    1- إجارة خاصة (أي الأجير الخاص ) وهو ما كان يحصر عمله لخدمة المؤجر، بحيث لا يجوز له أن يعمل سوى عمله، وهذا قد يحدد له زمن في كل يوم كما هو الحال بالنسبة للموظفين، والعمال المستأجرين للعمل في منشأة خاصة أو لشخص وقد لا يحدد له زمن يومي مثل الخدم الذي يقع عليهم العقد لخدمة مخدوميهم لسنة أو أكثر أو أقل، لكن دون تحديد زمن يومي، فيكون كل أوقاتهم بحسب العرف لهم.
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:25 pm


    2- إجارة مشتركة ( الأجير المشترك ) وهو الذي لا يكون عمله خاصاً بأحد، بل يتقبل الأعمال في ذمته من غير واحد، قال الكاساني : "وهو الذي يعمل لعامة الناس" (1) .
    التقسيم الثاني-باعتبار كون العقد صحيحاً أم لا:
    فالإجارة بهذا الاعتبار تقسم عند الجمهور إلى قسمين وهما:
    1- إجارة صحيحة وهي التي توافرت فيها: الأركان والشروط وانعدمت فيها الموانع والمفسدات بحيث يترتب عليها أثرها الشرعي من حق الانتفاع ونحو ذلك.
    2- إجارة باطلة وفاسدة وهي التي لم تتوافر فيها الأركان والشروط معاً، أو أحدهما، أو وجدت فيها الموانع والمفسدات.
    __________
    (1) البدائع: 5/2557.
    (2/22492)
    --------------
    وعند الحنفية تقسم إلى ثلاثة أقسام:
    1- إجارة صحيحة –مثل تعريف الجمهور.
    2- إجارة باطلة: وهي التي لم تتوافر فيها الأركان والشروط، أو الأركان فقط، فالمعيار في الباطل عند الحنفية هو ما كان الخلل في الركن، وهذا النوع لا يترتب عليه أي أثر شرعي من آثار العقد.
    3- إجارة فاسدة وهي التي لم تتوافر فيها الشروط، أو وجدت فيها الموانع والمفسدات من الشروط، فالمعيار للفاسد عند الحنفية هو ما كان الخلل في الشرط ، وهذا قد ترتب عليه بعض الآثار في بعض الأحوال (1) .
    وهذا التقسيم له آثاره وأحكامه، نتحدث عنها عند الحديث عن أحكام الإجارة بإذن الله.
    التقسيم الثالث-باعتبار كون المحل معيناً، أو موصوفاً في الذمة:
    والإجارة بهذا الاعتبار سواء كانت إجارة الأعيان أم الأشخاص نوعان:
    1- إجارة واقعة على منفعة عين معينة، أو شخص معين، مثل أجرتك هذه الدار المعينة بكذا، أو يقول لشخص: أجرتك نفسي بكذا، أو يقول مدير شركة الخدمات مثلاً أجرتك هذا الشخص المشاهد لعمل كذا بكذا.
    2- إجارة واقعة على منفعة عين موصوفة في الذمة مثل أن يقول الرجل: أجرتك سيارة مواصفاتها كذا وكذا بكذا، على منفعة شخص غير معين أي موصوف في الذمة، بأن يقول مدير شركة الخدمات مثلاً: أجرتك لعمل كذا شخصاً مواصفاته ومؤهلاته وخبراته كذا بكذا.
    __________
    (1) يراجع لمزيد من التفصيل حول هذا الخلاف: مبدأ الرضا في العقود، للدكتور علي القره داغي: 1/151 وما بعدها.
    (2/22493)
    --------------
    جاء في الروضة: "والإجارة قسمان: واردة على العين كمن استأجر دابة بعينها ليركبها، أو يحمل عليها، أو شخصاً بعينه لخياطة ثوب، وواردة على الذمة كمن استأجر دابة موصوفة للركوب، أو الحمل، أو قال: ألزمت ذمتك خياطة هذا الثوب، أو بناء الحائط فقبل، وفي قوله: استأجرتك لكذا، أو لتفعل كذا وجهان، أصحهما: أن الحاصل به إجارة عين للإضافة إلى المخاطب.. والثاني إجارة الذمة ، وعلى هذا إنما تكون إجارة عين إذا زاد فقال: "استأجرت عينك، أو نفسك لكذا، أو لتعمل بنفسك كذا" (1) .
    التقسيم الرابع-باعتبار اشتراط الزمن أو عدمه:
    فالإجارة بهذا الاعتبار على ضربين:
    1- أن يعقدها على مدة.
    2- أن يعقدها على عمل معلوم كبناء حائط، وخياطة قميص.
    وقد وضع ابن قدامة لذلك ضابطاً وهو أنه: "إذا كان المستأجر مما له عمل كالحيوان جاز فيه الوجهان، لأن له عملاً تتقدر منافعه به، وإن لم يكن له عمل كالدار والأرض لم يجز إلا على مدة، ومتى تقدرت المدة لم يجز تقدير العمل، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي ، لأن الجمع بينهما يزيدها غرراً، لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء المدة، فإن استعمل في بقية المدة فقد زاد على ما وقع عليه العقد، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في بعض المدة وقد لا يفرغ من العمل في المدة فإن أتمه عمل في غير المدة، وإن لم يعمله لم يأت بما وقع عليه العقد، وهذا غرر أمكن التحرز عنه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه" (2) .
    وذهب أبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية إلى جواز الجمع بين المدة والعمل، قال ابن قدامة: "وروي عن أحمد فيمن اكترى دابة إلى موضع على أنه يدخله في ثلاث فدخله في ست، فقال: قد أضر به، فقيل: يرجع عليه بالقيمة؟ قال: لا، يصالحه، وهذا يدل على جواز تقديرهما جميعاً، وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن ، لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة مذكورة للتعجيل، فلا يمتنع ذلك، فعلى هذا إذا فرغ من العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها، لأنه وفى ما عليه قبل مدته فلم يلزمه شيء آخر كما لو قضى الدين قبل أجله، وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر فسخ الإجارة، لأن الأجير لم يف له بشرطه ، وإن رضي بالبقاء عليه لم يملك الأجير الفسخ، لأن الإخلال بالشرط منه فلا يكون ذلك وسيلة له إلى الفسخ كما لو تعذر أداء المسلم فيه في وقته لم يملك المسلم إليه الفسخ، ويملكه المسلم، فإن اختار إمضاء العقد طالبه بالعمل لا غير كالمسلم إذا صبر عند تعذر أداء المسلم فيه إلى حين وجوده لم يكن له أكثر من المسلم فيه، وإن فسخ العقد قبل عمل شيء من العمل سقط الأجر والعمل، وإن كان بعد عمل شيء منه فله أجر مثله، لأن العقد قد انفسخ فسقط المسمى ورجع أجر المثل " (3) .
    __________
    (1) الروضة: 5/173-174؛ وحاشية القليوبي وعميرة: 3/68.
    (2) المغني: 5/438-439.
    (3) المرجع السابق نفسه.
    (2/22494)
    --------------
    وقسم بعض فقهاء الحنفية الإجارة إلى قسمين:
    1- إجارة على المنافع.
    2- إجارة على الأعمال.
    قال الكاساني : "وهي في الحقيقة نوع واحد، لأنها بيع المنفعة، فكان المعقود عليه المنفعة في النوعين جميعاً، إلا أن المنفعة تختلف باختلاف محل المنفعة فيختلف استيفاؤها باستيفاء منافع المنازل بالسكنى والأراضي الزراعية، وعبيد الخدمة بالخدمة والدواب بالركوب والحمل، والأواني والظروف بالاستعمال، والصناع بالعمل من الخياطة والقصارة ونحوهما، وقد يقام فيه تسليم النفس مقام الاستيفاء كما في أجير الواحد حتى لو سلم نفسه في المدة ولم يعمل استحق الأجر" (1) .
    أركان عقد الإجارة وشروطها:
    للإجارة ثلاثة أركان وهي:
    العاقدان (المؤجر والمستأجر)، الصيغة ( الإيجاب والقبول )، والمعقود عليه (الأجرة والمنفعة).
    والحنفية حصروا أركانها في الإيجاب والقبول (2) .
    فبالنسبة للعاقدين يشترط فيهما: العقل بلا خلاف، و البلوغ على خلاف وتفصيل ليس هذا محله، وخلاصته: أن الجمهور أجازوا للصغير المميز إنشاء عقد الإجارة بإذن وليه أو وصيه على تفصيل بينهم خلافاً للشافعية والظاهرية وأن الراجح قول الجمهور (3) ، وكذلك اشترط الجمهور عدم إكراه أحد العاقدين واشترط الحنفية للنفاذ ألا يكون العاقد مرتداً (4) ، لكن من له الولاية على المحجور عليه ينفذ تصرفه عليه بالتأجير، أو على ماله لوجود الإنابة من الشرع، وإذا بلغ الصبي قبل انتهاء المدة ففي لزوم العقد رأيان:
    الأول: يبقى لازماً، أنه عقد لازم عقد بحق الولاية فلا يبطل.
    والثاني: له الحق في إلغائه (5) .
    __________
    (1) بدائع الصنائع: 5/2557.
    (2) هذا هو منهج الحنفية مع بقية العقود، ومع أنهم لم ينكروا بقية الأركان، لكنهم عند الذكر ذكروهما فقط، باعتبار أن الإيجاب يلزم منه وجود الموجب، والقبول وجود القابل، وأن الإيجاب والقبول لابد من تعلقهما بشيء وهو المعقود عليه، لكن هذا المنهج كما حققناه في مبدأ الرضا في العقود: 1/129 وما بعدها له دلالة على أهمية العبارة حتى تكاد تكون هي الوحيدة، وترتبت على ذلك آثار معنوية، ولم يكن الخلاف مجرد خلاف لفظي أو اصطلاحي حتى لا يكون فيه مشاحة.
    (3) يراجع للتفصيل: مبدأ الرضا في العقود للدكتور علي القره داغي، ط. دار البشائر ببيروت، ومصادره المعتمدة: 1/274-285. ويراجع في باب الإجارة: بدائع الصنائع: 5/2657؛ وشرح الخرشي: 7/2؛ والروضة: 5/173؛ والمغني لابن قدامة: 5/434؛ وحاشية الدسوقي : 4/2؛ وعقد الجواهر الثمينة: 2/835.
    (4) المغني لابن قدامة: 5/434؛ والروضة: 5/173.
    (5) يراجع: بدائع الصنائع: 5/2564؛ والشرح الصغير: 4/181-182؛ والمهذب: 1/407؛ والمغني لابن قدامة: 5/470-471.
    (2/22495)
    --------------
    الركن الثاني-الصيغة:
    عرف صاحب اللباب صيغة الإجارة فقال: "هي لفظ، أو ما يقوم مقامه، يدل على تمليك المنفعة بعوض" (1) ، وقد أطال الفقهاء النفس فيها ولاسيما في الألفاظ التي تنعقد بها الإجارة مثل لفظ الإجارة والكراء، حيث تنعقد بهما دون خلاف، وهل تنعقد بلفظ البيع؟ فيه خلاف (2) .
    فجمهور الفقهاء على أن الإجارة تنعقد بأي لفظ دال على المقصود بالإجارة، لأن العبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني، ولذلك تنعقد بـ (وهبت منافعها لك شهراً بألف درهم)، و(بعتها لك لمدة شهر بمائة درهم)، أو نحو ذلك مما يفهم منه بوضوح حسب العرف السائد معنى الإجارة ومقاصدها (3) .
    وكذلك تنعقد بالكتابة، وبالإشارة المفهومة بالنسبة للأخرس بالاتفاق، ولغيره على الراجح ، وكذلك تنعقد بالبذل، والمعاطاة عند الجمهور، مثل لو دفع ثوبه إلى خياط ليخيطه، ففعل، ولم يتكلم أحدهما بشيء، فالإجارة صحيحة مادام ذلك معروفاً بالعرف، ويكون له أجرة المثل عند البعض، أما لو تكلم أحدهما فذكر الصيغة الدالة على المطلوب وسكت الآخر فإن العقد صحيح، ويكون له المسمى (4) .
    ثم إن الصيغة يعبر عنها بالإيجاب والقبول ، فالإيجاب عند الجمهور هو التعبير الصادر عن المؤجر، وعند الحنفية هو الصادر عن الأول، والقبول هو التعبير الصادر عن المستأجر، وعند الحنفية هو الصادر عن الثاني (5) .
    __________
    (1) مواهب الجليل: 7/494.
    (2) يراجع: الفتاوى الهندية: 4/410؛ والموسوعة الفقهية الكويتية: 1/258؛ ويراجع لموضع الإكراه: مبدأ الرضا في العقود: 1/410 وما بعدها.
    (3) يراجع لمزيد من التفصيل في الألفاظ ومبانيها: مبدأ الرضا في العقود: 2/837-916.
    (4) الفتاوى الهندية: 4/409؛ ومواهب الجليل: 5/390؛ والروضة: 5/173؛ والمغني: 5/434؛ ويراجع لتفصيل ذلك: مبدأ الرضا في العقود: 2/917-994.
    (5) يراجع: فتح القدير مع شرح العناية: 5/74؛ والفتاوى الهندية: 3 /4؛ ومواهب الجليل: 4/228؛ و الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي : 3/ 4؛ والمجموع للنووي: 9/162؛ والغاية القصوى: 1/457؛ والإنصاف: 4/260؛ ومبدأ الرضا في العقود: 1/126.
    (2/22496)
    --------------
    شروط صيغة الإجارة:
    1-تَنَجُّز الإجارة (عدم التعليق أو الإضافة):
    الأصل في الإجارة أن تكون منجزة وأنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الإجارة لا تصح مع التعليق على مستقبل مجهول، مثل أن يقول: إن جاء فلان فقد أجرتك بيتي، أو إن حصلت على كذا فقد أجرتك بيتي، أو نحو ذلك.
    أما إذا كان التعليق من قبيل تعليق الحط من الأجر على عمل معين فلا يضر عند الكثير من الفقهاء، مثل أن يقول لخياط: إن خطت هذا الثوب اليوم فأجرتك درهم، أو غداً فنصف درهم فهذا جائز عندهم (1) .
    وأما إضافة العقد إلى المستقبل فيختلف من إجارة واردة على العين إلى إجارة واردة على الذمة، فالإجارة الواردة على العين يجوز إضافتها إلى المستقبل بأن يقول: أجرتك هذه الدار في بداية الشهر القادم، فهذا جائز عند جماهير الفقهاء خلافاً للشافعية إلا إذا كانت يسيرة جداً كأن تعقد الإجارة ليلاً لمنفعة النهار التالي فيجوز، أو كانت مستأجرة ممن هي في إجارته، على أحد القولين (2) .
    وأما الإجارة الواردة على الذمة فيجوز إضافتها إلى المستقبل حتى عند الشافعية.
    جاء في روضة الطالبين: "أما إجارة العين فلا يصح إيرادها على المستقبل كإجارة الدار السنة المستقبلة، والشهر الآتي، وكذا إذا قال: أجرتك سنة أولها من غد، ولو قال: أجرتك سنة، فإذا انقضت أجرتك سنة أخرى فالعقد الثاني باطل على الصحيح كما لو قال: إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك شهراً.
    وأما الواردة على الذمة فيحتمل فيها التأجيل والتأخير كما إذا قال: ألزمت ذمتك حملي إلى موضع كذا على دابة صفتها كذا غداً أو غرة شهر كذا... وإن أطلق كانت حالة" (3) .
    وهذه التفرقة من الشافعية ليس لها ما يبررها، لأن إجارة الذمة أيضاً واردة على العين أي على منفعتها، فكلتا الإجارتين واردة على المنفعة.
    وجاء في المغني: "ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد، بل لو أجره سنة خمس وهما في سنة ثلاث، أو شهر رجب في المحرم صح" (4) .
    ومنتهى دليل الشافعية القياس على البيع، وهو منقوض بجواز التأجيل في الإجارة الواردة على الذمة، كما أنه قياس مع الفارق حيث إن البيع نقل للملكية بالكامل في حين أن الإجارة لا تؤدي إلى ذلك بل تبقى الرقبة ملكاً للمؤجر فلا تقاس عليه.
    واستدل الجمهور بقوله تعالى في قصة استئجار موسى عليه السلام:
    { عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [القصص: 27]، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، ولأن هذه مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة مع عموم الناس، كالتي تلي العقد، وإنما يشترط القدرة على التسليم عند وجوب التسليم كالمسلم فيه (5) .
    وذلك لأن طبيعة عقد الإجارة تختلف عن البيع من حيث الآثار –كما ذكرنا- حيث هي مرتبة بزمن محدد، لذلك لا تتعارض مع تأخير بدء الاستيفاء عن إجراء العقد.
    __________
    (1) الكافي: 2/292؛ ومطالب أولي النهي: 3/77؛ ونهاية المحتاج: 5/259؛ وبدائع الصنائع: 5/2586.
    (2) الروضة: 5/182؛ وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى: 3/71، حيث جاء فيه: "ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة إلى مكة أول شهر كذا، ولا تجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة، فلو أجر الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز في الأصح".
    (3) الروضة: 5/182.
    (4) المغني لابن قدامة: 5/436؛ والفتاوى الهندية: 4/410؛ والشرح الصغير: 4/30.
    (5) المغني لابن قدامة: 5/436.
    (2/22497)
    --------------
    2-موافقة القبول للإيجاب في جميع جزئياته بأن يقبل ما أوجبه الطرف الأول، وإلا فإن غير فيعتبر إيجاباً جديداً يحتاج إلى قبول الآخر، فلو قال: أجرتك شهرياً بألف، فقال المستأجر: قبلته بخمسمائة، لم ينعقد العقد إلا إذا كان داخلاً في قوله وراضياً به بطريق أولى، مثل أن يقول: أجرتك بألف، فقال: قلت بألف وخمسمائة أو نحو ذلك فهذا جائز ، لأن الألف داخل في الألف وخمسمائة، ولأنه راض به بطريق أولى (1) .
    3-اتصال القبول بالإيجاب في مجلس العقد ، لأنه جامع المتفرعات إذا كانا حاضرين، أو في مجلس العلم إن كانا غائبين، وهناك تفاصيل حول هذه المسألة تذكر في نظرية العقد (2)
    والإجارة تنعقد بالكتابة، وبإشارة المعذور كما تنعقد باللفظ الدال على المطلوب، وكذلك تنعقد بالبذل والطاعة كالركوب في باخرة المسافرين، وسيارات الأجرة دون تلفظ من أحد العاقدين، فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت وإلا فأجرة المثل (3) .
    وكذلك تنعقد بالسكوت كأن يقول المؤجر: أجرتك داري بمائة فسكت المستأجر سكوتاً يفهم منه الموافقة أو قال: لا بل بثمانين ديناراً فسكت المؤجر تم العقد (4) .
    وتنعقد كذلك إجارة الفضولي عند من يجيز عقوده موقوفة على إجازة من بيده حق التصرف (5) .
    الركن الثالث- المعقود عليه:
    ورد عن بعض فقهاء الشافعية أن محل الإجارة : الأعيان المعينة، أو الموصوفة في الذمة أو الأشخاص (6) ، وذلك لبيان مرجع المنفعة وإلا فإن الإجارة لا تقع إلا على المنفعة، فهي هدفها الأساسي ومقصدها الأصلي، ولكن بما أن هذه المنفعة لابد لها من محل يتعلق به من عين معينة، أو موصوفة في الذمة، أو الشخص فقد يعبر عنها بمحلها ومتعلقها، ولذلك فما يقال من أن محل الإجارة على الأشخاص العمل لا يتعارض مع ما ذكرنا، لأن العمل أيضاً هو المنفعة والأثر الناتج عن الشخص، ومن هنا فالمنفعة هي المقصود الأساسي من العقد، وهي مع الأجرة التي هي عوض عن المنفعة طرفا المعقود عليه، جاء في حاشية القليوبي تعليقاً على قول النووي: واردة على عين: أي على منفعة متعلقة بعين، كما ذكره بعده فمورد الإجارة المنفعة مطلقاً، وقيل: موردها في المعين: العين، قال الشيخان: "والخلاف لفظي..." (7) .
    __________
    (1) يراجع للتفصيل في ذلك: مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة: 2/1021، 1075، 1095.
    (2) مبدأ الرضا في العقود: 2/1076.
    (3) انظر المادة (437) من مجلة الأحكام العدلية ط. شعاركو، ص84.
    (4) انظر المادة (438) من المجلة؛ ويراجع: مبدأ الرضا في العقود: 2/965 وما بعدها.
    (5) المادة (461) من المجلة، ويراجع: مبدأ الرضا في العقود: 1/152.
    (6) قال في المغني 5/434: "إن المعقود عليه المنافع، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم: مالك وأبو حنيفة ، وأكثر أصحاب الشافعي، وذكر بعضهم أن المعقود عليه العين، لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فيقول: أجرتك داري كما يقول بعتكها".
    (7) حاشية القليوبي على شرح المحلى على المنهاج: 3/68.
    (2/22498)
    --------------
    ونحن هنا نتحدث بإيجاز عما يتعلق بالأجرة والمنفعة من حيث الشروط وغيرها في مبحثين:
    المبحث الأول
    الأجرة
    القاعدة العامة هنا هي: أن كل ما صح أن يكون ثمناً في البيع صح أن يكون أجرة في الإجارات (1) ، سواء كان نقداً (دراهم، ودنانير) أو عيناً، أو منفعة، ولذلك اشترط الجمهور في الأجرة ما اشترط في الثمن (2) .
    قال الرافعي والنووي: "يجوز أن تكون الأجرة منفعة سواء اتفق الجنس كما إذا أجر داراً بمنفعة دار، أو اختلف بأن أجرها بمنفعة شخص، ولا ربا في المنافع أصلاً حتى لو أجر داراً بمنفعة دارين، أو أجر حلي ذهب بذهب جاز، ولا يشترط القبض في المجلس" (3) ، ومنع الحنفية أن تكون الأجرة منافع (4) .
    وقد أجاز المالكية أن تكون الأجرة من نفس الشيء الذي يعمل فيه الأجير مثل أن يستأجره لطحن إردب بدرهم وقفيز من دقيقه، ولعصر الزيتون بنصف الناتج، لأنهما لا يختلفان بعد العصر، ولجواز بيع نصفها كذلك، فإن كان يختلف امتنع، قال القرافي : "وتمتنع الإجارة على سلم الشاة بشيء من لحمها لأنه مجهول قبل السلخ.."وعن أبي الحسن : إذا دبغ جلوداً بنصفها قبل الدباغ على أن يدفعها كلها، فإن فاتت بالدباغ فعلى الدباغ نصف قيمتها يوم قبضها، وله أجرة المثل في النصف الآخر لحصول العمل، وإن دبغها بنصفها بعد الدباغ فدبغت فهي كلها لربها، لفساد العقد بسبب الجهالة بحال المدبوغ، وللدباغ أجرة مثله..
    ويجوز على قول أشهب الإجارة على الذبح، أو السلخ برطل لحم، لأنه يجوز بيع ذلك اعتماداً على الجنس (5) .
    __________
    (1) الذخيرة حيث ذكر هذه الكلية وأسندها إلى الأئمة دون خلاف: 5/376؛ والروضة: 5/176؛ والمغني لابن قدامة: 5/441؛ والبدائع: 6/2606.
    (2) التاج والإكليل لمختصر خليل بهامش موهب الجليل، ط. دار الكتب العلمية ببيروت: 7/494؛ والفتاوى الهندية: 4/412؛ وبدائع الصنائع: 6/2606؛ ونهاية المحتاج: 5/322؛ والمغني لابن قدامة: 5/440-441.
    (3) الروضة: 5/176.
    (4) بدائع الصنائع: 6/2608.
    (5) الذخيرة للقرافي: 5/376-377.
    (2/22499)
    --------------
    تعليق الإجارة على أحد الأمرين، أو النسبة:
    وأجاز بعض الحنفية بعض صورها مثل أن يدفع إلى الحائك غزلاً ينسجه بالنصف حيث أجازه مشايخ بلخ (1) ، وتوسع الحنابلة في ذلك إذا كان بجزء شائع (2) ، ومنعه الشافعية وجمهور الحنفية (3) .
    ومنع المالكية أن تكون الأجرة مترددة بين أمرين بأن يقول إن خطته اليوم فبدرهم، أو غداً فبنصف درهم، أو خياطة رومية فبدرهم، أو عربية فنصف درهم، لأنه كبيعتين في بيعة، فإن خاط فله أجرة مثله لفساد العقد، وقيد بعضهم بأن لا تزيد على المسمى، وعن مالك في أجراء يخيطون مشاهرة فيدفع لأحدهم الثوب على إن خاطه اليوم فله بقية يومه، وإلا فعليه تمامه في يوم آخر، ولا يحسب له في الشهر: يجوز في اليسير الذي لو اجتهد فيه لأتمه، ويمتنع في الكثير، ولو استأجره على تبليغ كتابه إلى بلده ثم قال بعد الإجارة: إن بلغته في يوم كذا فلك زيادة كذا، فكرهه، واستحسنه في الخياطة بعد العقد، قال ابن مسعدة: هما سواء، وقد أجازهما سحنون وكرههما غيره.
    وأما الحنفية فلديهم خلاف وتفصيل في هذه المسألة، حيث ذهب أبو حنيفة –رحمه الله- إلى أن الشرط الأول (اليوم) صحيح ، والثاني (غداً) فاسد حتى لو خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غداً فله أجر مثله، وقال أبو يوسف : الشرطان جائزان، وقال زفر : الشرطان باطلان (4) .
    إذن ففي المسألة أربعة مذاهب:
    المذهب الأول: العقد فاسد، والشرط باطل وهو رأي المالكية –على التفصيل السابق- والشافعية، وزفر (5) .
    المذهب الثاني: العقد صحيح ، والشرطان صحيحان، وهو رأي الصاحبين وأحمد في رواية (6) .
    المذهب الثالث: الشرط الأول صحيح، والثاني فاسد، وله أجر مثله، وهو رأي أبي حنيفة في ظاهر الرواية (7) .
    المذهب الرابع: مثل الرأي الثالث، ولكن في اليوم الثاني له أجر مثله لا يزداد على نصف درهم، وهو إحدى روايتي ابن سماعة في نوادره، عن أبي يوسف ، وأبي حنيفة (Cool .
    __________
    (1) الفتاوى الهندية: 4/445.
    (2) المغني لابن قدامة: 5/442.
    (3) الروضة: 5/176؛ والفتاوى الهندية: 4/445.
    (4) بدائع الصنائع: 5/2584.
    (5) الذخيرة: 5/377؛ والروضة: 5/175؛ والبدائع: 5/2585.
    (6) بدائع الصنائع: 5/2585.
    (7) البدائع: 5/2584؛ والكافي لابن قدامة: 2/392؛ والمغني لابن قدامة.
    (Cool المصدر السابق نفسه.
    (2/22500)
    --------------
    وحجة القائلين بفساد العقد تكمن في أن ذلك يدخل في اجتماع شرطين في العقد، أو صفقتين في صفقة واحدة، وهذا منهي عنه.
    ولكن التحقيق أن المراد بهما هو اجتماع السلف مع البيع أو الإجارة (1) .
    وأما حجة القائلين بالجواز هو أن هذا الشرط، أو الشرطين ليس فيه، أو فيهما مخالفة لنص من الكتاب والسنة، ولا لمقتضى العقد، ولا يؤدي ذلك إلى غرر، وجهالة تؤدي إلى نزاع، لذلك؛ فالراجح هو المذهب الثاني، لما ذكرنا، ولأن الأصل في الشروط الصحة إلا إذا دل دليل على فسادها، ولا دليل هنا على ذلك، بل يحقق غرضاً مشروعاً، وقد ذكر الكاساني أن العاقد سمي في اليوم الأول عملاً معلوماً، وبدلاً معلوماً، وكذلك في اليوم الثاني، فلا معنى إذن لفساد الشرط فضلاً عن فساد العقد (2) ، ولأنه سمى لكل عمل عوضاً معلوماً كما لو قال: كل دلو بثمر، إضافة إلى أن التعجيل والتأخير مقصودان فينزل منزلة اختلاف النوعين (3) .
    وأجاز مالك أن تكون الأجرة الكسوة بأن يستأجره على أن يكسوه أجلاً معلوماً، وبالمقايضة بأن يدفع خمسين جلداً على أن تدبغ خمسين أخرى مثلاً، ولم يجيزوا الكراء بمثل ما يتكارى الناس للجهالة، ولا إكراء الدابة بنصف الكراء، وإذا عمل فله أجرة مثله، وأجازه يحيى بن سعيد ، وكذلك أجاز أن يقول: احتطب على الدابة، ولي نصف الحطب، أو لي نقلة، ولك نقلة (والأخيرة أجازها الجميع لأن مقدار النقلة معلوم عادة، ومقدار الحطب يختلف)، وجوز ابن القاسم : اعمل عليها اليوم لي، وغداً لك، وأجاز أشهب : احمل طعاماً إلى موضع كذا ولك نصفه، وأجازوا كذلك أن تختلف الأجرة من شهر أو يوم إلى آخر بأن تكون أجرته في الشهر الأول خمسة، وفي الثاني ستة أو بالعكس (4) .
    عدم تسمية الأجرة، ثم التراضي:
    أجاز مالك في رواية لابن يونس عنه عدم ذكر الأجرة في العقد، ثم إرضاء الأجير (5) ، وهذا مبني على العرف ، وعلى أن الأساس هو التراضي.
    والخلاصة: أن الشرط الأساسي في الأجرة هو أن تكون معلومة علماً يدرأ جهالة مؤدية إلى النزاع من خلال التعيين، أو الوصف ببيان الجنس، والنوع، والقدر، وذلك للأحاديث الواردة في نفي الغرر والجهالة (6) .
    __________
    (1) يراجع للتفصيل في معاني الأحاديث الواردة في هذا المجال بحثنا المنشور في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة بعنوان: أحاديث النهي عن صفقتين في صفقة واحدة فقهها وتخريجها.
    (2) البدائع: 5/2585.
    (3) العناية شرح الهداية: 7/131.
    (4) الذخيرة: 5/385.
    (5) الذخيرة: 5/378؛ ومواهب الجليل: 7/494.
    (6) يراجع السنن الكبرى للبيهقي: 6/120-121.
    (2/22501)
    --------------
    المبحث الثاني
    المنفعة
    ويشترط في المنفعة التي تكون محلاً للإجارة الشروط التالية:
    1-أن تكون معلومة علماً تندفع به الجهالة المؤدية إلى النزاع، وذلك ببيان محل المنفعة، وبيان مدتها إلا إذا كانت الإجارة مرتبطة بإنهاء عمل، وببيان العمل في استئجار الصناع والعمال، وهناك تفاصيل تخص إجارة الأعيان والمنافع لا يسع البحث لذكرها (1) هنا.
    إجارة المجهول للحاجة (أو الإجارة بالنسبة المئوية):
    ذكر ابن رشد أن طائفة من السلف، وأهل الظاهر ذهبوا إلى جواز إجارة المجهولات مثل أن يعطي دابته لمن يسقي عليها بنصف ما يعود عليه قياساً على المضاربة (2) ، وهذا مذهب أحمد وابن سيرين، وإليه مال البخاري (3) .
    2-أن تكون المنفعة متقومة أي أن تكون لها قيمة مقصودة حسب العرف ، فلا تصح إجارة التافه الحقير الذي لا يقابل بالمال، وذكر بعض الفقهاء من أمثلتها استجار تفاحة للشم (4) .
    3-أن تكون مباحة الاستيفاء، فلا تكون معصية ممنوعة ولا طاعة واجبة، وهذا الشرط فيه تفصيل وخلاف (5) .
    4-أن تكون مقدورة الاستيفاء حقيقة وشرعاً، فلا تصح إجارة المغصوب من غير الغاصب (6) .
    5-أن لا تستهلك العين المؤجرة بالإجارة مثل الطعام (7) .
    بطلان عقد الإجارة وفساده:
    من المعلوم فقهاً أن الحنفية فرقوا بين الباطل والفاسد، فقالوا: الباطل ما كان الخلل في أصله (أي ركنه) والفاسد ما كان الخلل في وصفه (أي شرطه)، لكن الجمهور لم يفرقوا بينهما فإذا اختلت الأركان أو الشروط، أو كلاهما فإن الإجارة تصبح باطلة أو فاسدة (Cool .
    __________
    (1) يراجع للمزيد: بدائع الصنائع: 5/2569؛ والذخيرة: 5/415؛ والروضة: 5/188؛ والمغني: 5/462.
    (2) بداية المجتهد: 2/371.
    (3) المغني لابن قدامة: 5/446؛ وصحيح البخاري-مع الفتح: 4/451.
    (4) يراجع: الفتاوى الهندية: 4/411؛ والذخيرة: 5/400؛ والروضة: 5/177؛ والمغني لابن قدامة: 5/433.
    (5) يراجع: بدائع الصنائع: 5/2561؛ ومواهب الجليل: 7/548؛ والذخيرة: 5/396؛ وروضة الطالبين: 5/184؛ والمغني: 5/549.
    (6) المصادر السابقة نفسها.
    (7) الفتاوى الهندية: 4/411؛ ومواهب الجليل: 7/448؛ والروضة: 5/184؛ والمغني: 5/552.
    (Cool يراجع لمزيد من التفصيل: مبدأ الرضا في العقود للدكتور علي القره داغي: 1/155-177 ومصادره المعتمدة.
    (2/22502)
    --------------
    الخيارات في عقد الإجارة :
    بما أن عقد الإجارات من المعاوضات المالية الملزمة للطرفين فَيَرِدُ عليها عدد من الخيارات مثل خيار المجلس عند الشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية والمالكية (1) .
    ومنها خيار الشرط لزمن اختلف فيه الفقهاء بين محدد بثلاثة أيام، أو شهرين أو أكثر بحيث يكون للشارط حق الخيار في المدة المتفق عليها ويكون العقد غير ملزم بالنسبة له خلال تلك المدة، ثم إذا لم يفسخ العقد يصبح العقد باتاً ملزماً (2) .
    ومنها خيار العيب ، حيث يكون للعاقد الحق في الفسخ إذا وجد في المأجور عيباً تنتقص به المنفعة المقصودة في الإجارة (3) .
    ومنه خيار الرؤية ، وهو يثبت لمن لم يرد الشيء المعقود عليه عند من يقول به (وهم جمهور الفقهاء) وعند بعضهم إذا وصفه بأوصافه ثم وجد عليها فلا خيار له (4) .
    إيجار المستأجر العين المستأجرة لآخر بعد القبض وقبله:
    هناك تفصيل وخلاف، ولكن الجمهور على جواز ذلك سواء أكانت الأجرة في العقد الثاني أكثر من الأجرة في العقد الأول أم أقل مادامت العين المؤجرة قد قبضت (5) .
    وأجاز المالكية، ووجه للشافعية، ووجه للحنابلة، جواز التصرف في العين المستأجرة قبل القبض بإيجارها لآخر مطلقاً، وقيد الحنفية ذلك بالعقار دون المنقول (6) .
    الضمان في الإجارة :
    يكاد الفقهاء يتفقون على أن يد المستأجر على العين المستأجرة في إجارة الأعيان يد أمانة، لا يد ضمان، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير، أو مخالفة الشروط، أو العرف (7) .
    وأما الإجارة على الأعمال فالأجير المشترك ضامن عند جماعة من الفقهاء، والأجير الخاص غير ضامن عند الجمهور إلا في حالات التعدي أو التقصير أو المخالفة (Cool .
    __________
    (1) يراجع: فتح القدير: 5/81؛ وشرح الخرشي: 4/109؛ والمجموع: 9/184؛ والمغني: 3/563.
    (2) يراجع: فتح القدير: 5/110؛ وشرح الخرشي: 4/19؛ والمجموع: 9/225؛ والمغني: 4/520.
    (3) يراجع: الفتاوى الهندية: 4/72-73؛ وتكملة المجموع: 12/175؛ والمبسوط: 13/105؛ وبداية المجتهد: 2/175؛ ويراجع للتفصيل: الخيار وأثره في العقود للدكتور عبد الستار أبو غدة، ط. دلة البركة، ص192؛ وتراجع المجلة في موادها (497-506).
    (4) يراجع: فتح القدير: 5/137؛ وحاشية الدسوقي : 3/27؛ والمجموع: 9/330؛ والمغني: 3/494؛ ود. عبد الستار أبو غدة، المرجع السابق، ص493.
    (5) الفتاوى الهندية: 4/425؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/7؛ والمهذب: 1/403؛ والمغني: 5/478.
    (6) حاشية ابن عابدين : 5/56؛ وحاشية الدسوقي: 4/807؛ والمصادر السابقة.
    (7) بدائع الصنائع: 6/2644؛ و الذخيرة: 5/502؛ والروضة: 5/226؛ والمغني لابن قدامة: 5/525.
    (Cool يراجع للتفصيل والخلاف: بدائع الصنائع: 6/2644؛ والدسوقي على الشرح الكبير: 4/81؛ والروضة: 5/228؛ والمغني: 5/527؛ والفتاوى الهندية: 4/410؛ والذخيرة: 5/502.
    (2/22503)
    --------------
    القسم الثاني
    الإجارة المنتهية بالتمليك
    الإيجار المنتهي بالتمليك
    يستعمل هذا المصطلح وكذلك مصطلح: (الإجارة المنتهية بالتمليك) و(الإجارة التمليكية) و(التأجير المنتهي بالتمليك) فالكل بمعنى واحد وهو أن يتفق الطرفان على إجارة شيء لمدة معينة بأجرة معلومة قد تزيد على أجرة المثل ، على أن تنتهي بتمليك العين المؤجرة للمستأجر.
    وهو كما ترى يشبه بيع التقسيط من حيث المقصد الخاص للمتعاقدين ولكنه مختلف عنه تماماً، لأنه يتكون من عقدين عقد الإجارة وعقد البيع أو الوعد بالبيع أو الهبة ، كما أنه لا يلاحظ في بيع التقسيط أي تناسب مع قيمة الإيجار، وإنما ينظر إلى توزيع الثمن على الوقت المحدد، كما أنه يختلف عن الإجارة العادية (التشغيلية) التي لا يقصد منها التملك ولكنه متفق معها في الأسس العامة وتطويرها (1) ، وهي صيغة استثمارية معاصرة تتلاءم مع التطوير الاقتصادي في العالم، وطورتها البنوك الإسلامية ، وبالأخص بنك التنمية الإسلامي في تعامله مع الدول الإسلامية ، واقتضاها التنوع في التمويل الاستثماري لتلبية حاجات المتعاملين مع البنوك الإسلامية من المستثمرين والأفراد الراغبين في التملك وغير القادرين على الشراء مباشرة مع الحفاظ على حقوق البنوك الإسلامية.
    وهو صيغة لا يقصد بها الاستمرار في عقد الإجارة، أو عودة العين المؤجرة إلى المؤجر بعد انتهاء المدة المتفق عليها –كما هو الحال في عقد الإجارة العادية- وإنما يراد من خلالها تملك المستأجر العين المؤجرة بعد مدة الإجارة مباشرة، أو من خلال تملكه نسبة شائعة منها شهرياً أو سنوياً (بالتدرج) فتطفأ الحصص في آخر المدة المتفق عليها، ويصاغ ذلك من خلال اتفاقية مسبقة تتضمن هذا العقد مع وعد بالبيع، أو الهبة في آخر المدة.
    ونحن هنا نذكر جميع الصور المتاحة لنا واحدة واحدة مع تكييفها الشرعي، والقانوني، ثم ما يرد عليها من إشكالات أو شبهات لمناقشتها، للوصول إلى الرأي الراجح الذي يدعمه الدليل، ثم نذكر بعض العقود المطبقة في بعض البنوك الإسلامية، ثم نختم هذا المبحث بالبدائل الممكنة المحققة لمثل هذه الأغراض المنشودة بعقد الإجارة المنتهية بالتمليك (2) .
    __________
    (1) ذكر القانونيون باسم (الإيجار الساتر للبيع) أو البيع التجاري أو الإيجار المملك، ويراجع لتفصيل ذلك: الوسيط للدكتور السنهوري: 4/177؛ والبيع بالتقسيط والبيوت الائتمانية الأخرى للدكتور إبراهيم دسوقي أبو الليل، ط. جامعة الكويت 1984م، ص303 وما بعدها؛ وبحوث مجمع الفقه في دورته الخامسة المطبوعة في مجلته، العدد الخامس: 4/2595 وما بعدها.
    (2) عز الدين خوجة: أدوات الاستثمار الإسلامي، ط. دلة البركة، ص84؛ ود. محمد عثمان شبير: مرجع سابق، ص280؛ ود. حسن الشاذلي: الإيجار المنتهي بالتمليك، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة، 1409هـ.
    (2/22504)
    --------------
    نبذة تاريخية:
    تعود فكرة البيع الإيجاري (الإيجار المنتهي بالتمليك) إلى القانون الإنجليزي حيث لجأ أحد التجار بإنجلترا إلى هذه الطريقة المعروفة في القانون الإنلجو أمريكي باسم (Hir-Pur Chass) قاصداً رواج مبيعاته بتشجيع عملائه على الشراء بالتقسيط مع وجود ضمان كاف للتاجر نفسه حيث تبقى ملكيته للعين، ثم ما لبثت هذه الطريقة أن انتشرت نتيجة إنتاج الصناعات الكثيرة فلجأ إليها العديد من المصانع الكبيرة لتسويق مصنوعاتها مثل مصنع سنجر حيث كان يتعامل مع عملائه عن طريق عقد إيجار يتضمن إمكانية تملك الآلات المؤجرة بعد تمام سداد مبلغ معين يمثل في حقيقته ثمناً لها، ثم تطور هذا العقد عن طريق مؤسسات السكك الحديدية التي كانت تشتري مكائن خاصة لمناجم الفحم من خلال البيع الإيجاري (1) ، ثم تزايد انتشار هذا العقد مما دفع بالمشرعين إلى تنظيمه بنصوص قانونية، وذلك منذ بداية هذا القرن.
    فقد تناوله فقهاء القانون تحت مسميات الإيجار الساتر للبيع، أو البيع الإيجاري، أو الإيجار المملك، وذلك عند شرحهم للمواد القانونية الخاصة به مثل المادة (430) من القانون المدني المصري ، والمادة (398) من القانون المدني السوري، والمادة (419) من القانون المدني الليبي، والمادة (534) من القانون المدني العراقي، والمادة (140) من القانون المدني الكويتي (2) .
    عقد الليزنج:
    وقد تطور الإيجار الساتر، أو البيع الإيجاري في القانون الأنجلو أمريكي عندما دخلت المؤسسات المالية كوسيط بين العاقدين، وقامت بتمويل عملياتها التي سميت بعقد الليزنج (Leasing) أو ما يسمى في القانون الفرنسي بهذا المسمى؛ وبمسمى الإيجار الائتماني (Credit Boil)، بل سميت هذه المؤسسات نفسها بمؤسسات الليزنج، وكانت بداية هذا العقد في أمريكا عام 1953م، ثم في فرنسا عام 1962م، ولم يظهر في القانون المصري إلى اليوم (3) .
    __________
    (1) د. إبراهيم دسوقي أبو الليل: البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى، ط. جامعة الكويت ، 1984م، ص304.
    (2) د. السنهوري: الوسيط، ط. دار النشر للجامعات المصرية: 4/177.
    (3) د. إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص307.
    (2/22505)
    --------------
    وقد امتازت هذه الصورة بتدخل طرف ثالث وهي المؤسسات المالية التي تقوم بشراء الأشياء التي هي في الغالب تجهيزات وصناعات كالطائرات، والقطارات، والسفن، والدور، ونحو ذلك ولكنها لا تريدها لنفسها، بل تشتريها لهذا الغرض، حيث تقوم بتأجيرها لمن يتعاقد معها لفترة مناسبة للطرفين طويلة –في الغالب) وقد يجددها لفترة أخرى، ثم يقوم المستأجر بإعادة الشيء المستأجر إلى المؤسسة، أو بتملكه مقابل ثمن يراعي في تحديده المبالغ التي دفعها كأقساط إيجار ، فليس في عقد الليزنج إلزام بشراء العين المؤجرة ، وكذلك تظل مملوكة للمؤسسة.
    والجديد في الليزنج هو تدخل مؤسسة الليزنج التي لا تريد شراء هذه المعدات، وإنما تريد تحقيق الأرباح من خلال هذه العملية، ولذلك يقوم المستأجر نفسه بتحديد الأشياء التي يريدها، ومواصفاتها، بل قد توكله المؤسسة للقيام بشراء هذه الأشياء باسمها، فهو وكيل فمستأجر، لذلك يوجد بجانب عقد التأجير عقد التوريد طرفاه الصانع، أو المورد، ومؤسسة الليزنج التي تحتفظ بملكية هذه الأشياء، وهي تنظر إلى كيفية استرجاع رأسمالها مع أرباحها، آخذة بنظر الاعتبار نوعية هذه الآلات والمعدات وعمرها الافتراضي والأقساط التي تتسلمها، مع قيمتها بعد انتهاء مدة الإيجار مع إتاحة حق الشراء الاختياري للمستأجر في نهاية العقد بأسعار تحدد بعد منذ البداية، أو بأسعار السوق السائدة ، وتحميله تكاليف الصيانة والإصلاح والتأمين وغيرها (1) .
    ولذلك عرف القانون الفرنسي الصادر في 2 يوليو 1966م عقد الليزنج بأنه عمليات تأجير المعدات والتجهيزات والآلات والعقارات ذات الاستعمال الصناعي، والمشتراة خاصة بقصد هذا التأجير من قبل شركات تبقى محتفظة بملكية هذه التجهيزات، ويكون من شأن هذه العمليات أن تخول المستأجر الحق في شراء التجهيزات (2) .
    __________
    (1) د. إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص318.
    (2) المرجع السابق، ص320.
    (2/22506)
    --------------
    مزايا الليزنج (البيع الإيجاري):
    أصبح الليزنج وسيلة جيدة لتمويل التجهيزات ساعدت على تنشيط المشروعات الصناعية، والتجارية، وتدوير السيولة وتحققت له مكانة مرموقة في الأسواق العالمية حيث حقق معدل نمو مرتفع للغاية، فقد بلغ معدل نموه في أوروبا الغربية وحدها على سبيل المثال (800 % ) خلال الفترة من عام 1970 إلى عام 1979م، وتقدر الاستثمارات الأوروبية التي تتم حالياً عن طريقه (8 % ) من إجمالي الاستثمارات، وفي عام 1981م بلغ رأس مال الشركات العاملة في مجال التأجير في الدول الصناعية (55) مليار دولار (1) ، وبذلك قد فاق كل وسائل التمويل الأخرى، وذلك لما يتمتع به من مزايا مقارنة بوسائل التمويل التقليدية الأخرى، وهذه المزايا هي:
    1- يهتم نشاط الليزنج بالدرجة الأولى بمقدرة التدفقات النقدية للمستأجر على السداد دون التركيز على حجم أصوله ومقدار رأس ماله.
    2- احتفاظ شركات الليزنج بملكية الأصل موضوع الإيجار يجعلها تتغاضى عن كثير من الضمانات التي تطلب في حالة التمويل النقدي.
    3- تكون شروطه في الغالب أفضل وسائل التمويل المتاحة حيث تقدم المؤسسة (الطرف الثالث) في الغالب ما يقرب من (100 % ) من التمويل المطلوب في حين أن التمويل التقليدي لا يتجاوز في أغلب الأحيان (70 % ) مما يدفع المقترض المستفيد أن يبحث عن السيولة لتغطية الباقي (30 % ).
    4- يحقق مرونة أكثر في تقدير أقساط الأجرة مقارنة بأقساط سداد القروض في حالة التمويل التقليدي، وذلك لأن شركات الليزنج تركز على تحليل قدرة التدفقات النقدية على الوفاء بالتزامات المستأجر.
    5- يقوم المستأجر في إطار نشاط الليزنج بتزييل كافة مدفوعاته مقابل استقلال الأصل محل الإيجار من حسابات الأرباح والخسائر الخاصة بشروطه.
    __________
    (1) وأما بالنسبة لتوزيع هذه الشركات في نفس العام 1981م كالآتي: (35) شركة في هونج كونج، و(18) شركة في أندونيسيا و(9) في كوريا، و(53) في ماليزيا، و(16) في الفلبين ، و(33) في سنغافورة، و(50) في تايوان... وهكذا.
    (2/22507)
    --------------
    6- لا تؤثر الاستفادة من الليزنج على قدرة المستأجر على الاستفادة من وسائل التمويل الأخرى، وذلك لأن التزاماته الناشئة عن عقد الليزنج تكيف على أساس كونها أحد مصروفات التشغيل، ولا تدخل عند حساب معدلات المديونية، وبالتالي لا تؤثر على القدرة الائتمانية للمستأجر.
    7- تفادي القيود التي تلتزم بها البنوك في تمويلها للمشروعات، أو إقراضها حيث جعلتها عاجزة عن إشباع حاجة الائتمان في مختلف صوره.
    8- يدفع عجلة التنمية إلى الإمام لما يتمتع به من تسهيلات كبيرة تؤدي إلى تذليل مشكلات التشييد والمرافق التي ترجع أساساً إلى ضعف إمكانيات أجهزة المقاولات الحالية (1) .
    وقد نشرت الأهرام في أغسطس 1983م، أن هيئة سوق المال بالاشتراك مع بنك مصر إيران للتنمية تعتزم إدخال نظام الليزنج كوسيلة تمويلية فعالة مستحدثة في مصر فقالت:
    "ذلك أنه بالرغم من أن صدور قانون الاستثمار والمناطق الحرة كان إيذاناً بتحرك قوي على مدارج النمو الاقتصادي ، وهو تحرك يستهدف مسايرة التقدم التكنولوجي العالمي واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية لكي تسهم بدور فعال في دفع عجلة التنمية ودعم الصرح الاقتصادي لمصر المستقبل، ومع أن البنوك المصرية والمشتركة قامت بدور فعال في تمويل الكثير من المشروعات الجديدة، إلا أن طبيعة القيود التي تلتزم بها البنوك التجارية قد جعلتها عاجزة عن إشباع حاجة الائتمان في مختلف صوره، فبدت فجوة واسعة لم تستطع أن تسدها في مختلف الدول النامية إلا نوعية من شركات توظيف الأموال، التي تقوم بمزاولة نشاط الليزنج أو التأجير المالي للعقارات والمنقولات المختلفة التي يستهدف سد احتياجات كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية من الآلات والمعدات والمنشآت والتي عادة ما تعجز وسائل التمويل التقليدية عن مقابلتها".
    "وبناء على ما سبق فقد قامت هيئة سوق المال بالاشتراك مع بنك مصر إيران للتنمية بدراسة كافة الجوانب القانونية والمالية والمحاسبية والتسويقية المتعلقة بمثل هذا النشاط، وذلك بالاستعانة بهيئة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير نظراً لخبرتها في تقديم هذا النشاط في العديد من البلدان النامية، وعلى أثر النتائج الإيجابية للدراسات العديدة التي تم الانتهاء منها في هذا الشأن، يقوم حالياً بنك مصر إيران للتنمية بالاشتراك مع هيئة التمويل الدولية وشركة مانوفاكتشورز ليسنج الأمريكية إحدى كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا النشاط بالاضطلاع بمسؤولية تأسيس أول شركة تأجير مالي في مصر للمساهمة في سد النقص الملموس في هيكل ووسائل التمويل المتوسط والطويل الأجل المتاحة في مصر حالياً" (2) .
    __________
    (1) جريدة الأهرام أغسطس 1983م، بصدد مؤتمر المصريين المغتربين الذي عقد بالقاهرة خلال شهر أغسطس 1983م حيث ناقش موضوع شركات تأجير المعدات، والتأجير عموماً.
    (2) جريدة الأهرام المصرية في أغسطس 1983م تحت عنوان: الليزنج: التأجير المالي كأداة تمويلية مستحدثة في مصر؛ ويراجع د. أبو الليل، المرجع السابق، ص320-321.
    (2/22508)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:29 pm

    --------------
    صور الإيجار البيعي في القانون ( الإيجار المنتهي بالتمليك ):
    ذكر الأستاذ السنهوري صورتين، تتفرع من الثانية صورتان فأصبحت ثلاثاً، وهي:
    1-الإيجار الساتر للبيع: وهذا يتحقق فيما إذا كان قصد العاقدين هو البيع بالتقسيط ، ولكن البائع يخاف من عدم استطاعة المشتري من دفع الأقساط فيعمد إلى تسميته بالإيجار ولا يذكر البيع مطلقاً في العقد حتى لا تنتقل ملكية العين المؤجرة إليه، ولكنهما يتفقان على أنه إذا وفى المشتري بالأقساط المطلوبة انقلب الإيجار بيعاً، ولذلك قضت الفقرة الرابعة من المادة (430) من القانون المدني المصري بأن أحكام البيع بالتقسيط تسري على هذا العقد: (ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً) ويترتب على ذلك أن الإيجار الساتر للبيع يعتبر بيعاً محضاً وتسري عليه أحكام البيع بالتقسيط من انتقال ملكية المبيع إلى المشتري معلقة على شرط واقف منذ إبرام العقد ، وأنه إذا أفلس المشتري لم يستطع البائع أن يسترد المبيع من التفليسة، لكن إذا حجز دائنو المشتري على العين فإن البائع يستطيع أن يفسخ البيع، كما له حق امتياز على العين يتقدم به على دائني المشتري (1) .
    2-الإيجار المقترن بوعد بالبيع، ولكن النية واضحة في أنه بيع بالتقسيط، وذلك بأن يكون المتعاقدان يريدان في الحقيقة بيعاً بالتقسيط منذ البداية، وآية ذلك أن يجعل المؤجر الوعد بالبيع الصادر منه معلقاً على شرط وفاء المستأجر بأقساط الإيجار في مواعيدها، وأن يجعل الثمن في حالة ظهور رغبة المستأجر في الشراء هو أقساط الإيجار، وقد يضاف إليها مبلغ رمزي، ففي هذا الفرض يكون العقد بيعاً بالتقسيط لا إيجاراً، ويعتبر المشتري مالكاً تحت شرط واقف، فلا يكون مبدداً إذا هو تصرف في المبيع قبل الوفاء بالثمن، ولا يستطيع البائع استرداده من تفليسة المشتري.
    3-الإيجار الجدي المقترن بوعد بالبيع، بحيث تكون الأجرة مناسبة للعين المستأجرة، وأن يكون الثمن الموعود به عند البيع ثمناً حقيقياً جدياً مستقلاً عن أقساط الأجرة ومتناسباً مع قيمة العين، ففي هذا الفرض يكون العقد إيجاراً، لا بيعاً بالتقسيط، ولا يتم البيع تلقائياً بنهاية المدة المحددة، وإنما بعقد جديد (2)
    4-عقد الليزنج –كما سبق شرحه.
    __________
    (1) د. السنهوري، الوسيط: 4/177-182؛ ويراجع كذلك د. سليمان مرقس، شرع عقد الإيجار، ط. القاهرة، عام 1984م، ص74.
    (2) المرجع السابق نفسه.
    (2/22509)
    --------------
    التكييف القانوني للإيجار البيعي وحكمه:
    اعتبر القانون المصري الصورة الأولى بيعاً بالتقسيط (كما في الفقرة 430م.م) حيث قضت بأن أحكام البيع بالتقسيط تسوى على العقد (ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً) فلم يحتفل بهذا التذرع وذلك لأن الغرض الذي يرمي إليه العاقدان واضح وإن لم يذكرا عقد البيع ، حيث قصدا أن يكون الإيجار عقداً صورياً يستر به العقد الحقيقي وهو البيع بالتقسيط، وأن الثمن الحقيقي الذي يسميانه أجرة إن هو إلا أقساط، فتسري عليه أحكام البيع بالتقسيط التي سبق أن ذكرنا بعضها (1)
    وكذلك الأمر في الصورة الثانية حيث يعتبر العقد بيعاً بالتقسيط لا إيجاراً حتى ولو أضيف إليه مبلغ رمزي، ويعتبر المشتري مالكاً تحت شرط واقف، فلا يكون مبدداً إذا هو تصرف في المبيع قبل الوفاء بالثمن، ولا يستطيع البائع (المؤجر) استرداد المبيع من تفليسة المشتري (2) .
    ومن هنا عوقب البائع (المؤجر) بنقيض قصده وانطبقت عليه القاعدة الفقهية: "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه" (3) ، وذلك لأن البائع قد ظن أنه حصن نفسه من أن يتصرف المشتري في العين، ومن شر إفلاسه، حيث لا تزال العين في ملكه ولم تنتقل إليه، ولكنه لم يستفد منه.
    وأما الصورة الثالثة فتعتبر إيجاراً ، لا بيعاً بالتقسيط، فلا تنتقل الملكية إلى المستأجر، وإذا تصرف المستأجر في العين المؤجرة كان مبدداً وإذا أفلس استرد المؤجر السيارة من تفليسته، فإذا ما أظهر المستأجر رغبته في شراء العين انتهى عقد الإيجار ، وتم عقد بيع بنقل الملكية إلى المشتري من وقت ظهور الرغبة، ولا يستند بأثر رجعي إلى وقت الإيجار، وزال التزام المستأجر بدفع أقساط الأجرة، وحل محله التزام المشتري بدفع الثمن المتفق عليه، ويكون الثمن مضموناً بحق امتياز على المبيع (4) .
    وقد كان فقهاء القانون والقضاة في مصر مختلفين قبل صدور القانون المدني الجديد، فكان بعضهم يذهب إلى أن البيع الإيجاري إيجاد مقترن بشرط فاسخ ومصحوب ببيع معلق على شرط فاسخ (5) .
    في حين ذهب بعضهم إلى اعتبار العقد مركباً يهدف إلى غرضين مختلفين في وقت واحد، لا يمكن الفصل بينهما، ومن ثم يكون عقداً غير مسمى (6) ، وقضت محكمة الاستئناف المختلطة في 11/12/1929م بأن حقيقة العقد بيع لا إيجار، وذهبت محكمة النقض في 21/6/1934م إلى أن تكييف العقد هل هو بيع أو إيجار يتبع فيه قصد العاقدين وأن المحكمة تستهدي في ذلك بنصوص العقد، والظروف التي تحيط به (7) .
    __________
    (1) د. السنهوري، الوسيط: 4/174،178.
    (2) المرجع السابق نفسه.
    (3) شرح القواعد الفقهية للزرقا: 1/403-406، دار الغرب الإسلامي.
    (4) د. السنهوري، الوسيط: 4/181-182.
    (5) استئناف مختلط في 30/4/1913م.
    (6) رسالة الأستاذ الشيني، فقرة 65 المشار إليها في الوسيط: 4/179.
    (7) الأستاذ السنهوري، الوسيط: 4/179.
    (2/22510)
    --------------
    وأما النظام الإنجليزي فلم يعتبر الإيجار البيعي إيجاراً بالمعنى الدقيق، لأنه يتضمن عناصر للبيع، ولا بيعاً، لأنه لا يؤدي إلى إلزام المؤجر أو المستأجر بعقد البيع، بل تظل ملكية الشيء للمؤجر، ولا تنتقل إلى المستأجر (المشتري) ولذلك فرق القانون الإنجليزي بين العمليتين الآتيتين:
    1- اتفاق بين عاقدين يظهران كمؤجر ومستأجر يحصل بمقتضاه المستأجر على حق التملك في نهاية مدة الإيجار، مقابل دفع مبلغ إضافي، رمزي في العادة، وفي هذه الحالة يقرب الإيجار البيعي من عقد الإيجار .
    2- عقد بينهما على الإيجار في الظاهر لكنه يتضمن تملك المستأجر للعين المستأجرة بمجرد دفع القسط الأخير دون حاجة إلى إبرام عقد جديد، وفي هذه الحالة يقترب من عقد البيع (1) .
    وقد حاول الفقه الفرنسي تحديد طبيعة هذا العقد، ولكنه لم يتفق على ذلك، فقد ذهب الاتجاه السائد إلى تكييفه بأنه عقد إيجار مقرون بوعد منفرد بالبيع، وأما القضاء الفرنسي فقد اعتبره متضمناً عمليتين قانونيتين في وقت واحد وهما: إيجار يليه بيع، وكل منهما مستقل عن الآخر، إذا تبين استقلال الإيجار عن البيع، وحينئذ يخضع كل منهما لأحكامه الخاصة، وفيما عدا ذلك يعتبر عملية قانونية واحدة، وقرر القضاء في هذا الصدد أنه بمجرد سداد جزء معين من الثمن فإن عقد البيع الإيجاري يتحول إلى بيع ائتماني (2) .
    __________
    (1) د. أبو الليل، المرجع السابق، ص305.
    (2) د. السنهوري، الوسيط: 4/180-181؛ ود. أبو الليل، ص306؛ ويراجع كذلك بلانيول، وريبير هامل: الفقرة 219 المشار إليه في الوسيط: 4/180.
    (2/22511)
    --------------
    وبما أن العبرة في تكييف الاتفاق هو ما اتجهت إليه نية العاقدين، فإن للقضاء سلطة واسعة في إعطاء هذا الاتفاق تكييفه الصحيح ، فإذا ظهر له أن نيتهما كانت متجهة إلى إبرام عقد بيع فإنه يكيف على أنه بيع، ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:
    1-الظروف المحيطة بالتعاقد والأمور التي التزم بها العاقدان.
    2-والنشاط المهني الذي يمارسه المؤجر.
    3-ووجود اتفاق ملحق بالعقد.
    4-والسلطات الكبيرة المخولة للمستأجر على العين المؤجرة من حيث التصرف.
    5-وكيفية سداد الثمن من حيث القدر والتناسب مع الأجرة، أو الأقساط، بل قد يعطي المستأجر جزءاً كبيراً من الثمن قبل تحقق البيع، فإن هذا يدل بوضوح على أنه بيع، وما دفعه أقساط حتى ولو تحايل فسمى المبلغ المقدم عربوناً، أو باسم الضمان ، أو التأمين (1) اعتبر القضاء ذلك الاتفاق بيعاً وليس إيجاراً.
    6-وقلة المبلغ الذي يباع به الشيء في الأخير وضآلته حيث يستشف منها أن العملية كلها بيع وإن ستر بلفظ الإيجار (2)
    ففي هذه الحالات التي تظهر منها نية العاقدين أنها متجهة في حقيقتها إلى بيع بالتقسيط في صورة عقد الإيجار اعتبرت المحاكم هذه النية، وجعلت العقد بيعاً بالتقسيط مع الاحتفاظ بالملكية، ولم تول عناية بهذا الظاهر المتمثل في العقد بأنه إيجار، وقررت نتيجة ذلك عدم الاحتجاج باحتفاظ البائع بالملكية، في مواجهة تفليسة المشتري، أما إذا كانت النية متجهة للتحايل على الأحكام التي يفرضها المشرع للبيع الائتماني فقد أعلن القضاء الفرنسي بطلان مثل هذا الاتفاق لعدم مشروعيته (3) .
    __________
    (1) وقد قضت محكمة باريس في 19 يناير 1966م أن العقد إيجار بحت، آخذة في الاعتبار بحرية التعاقد مع الاعتداد بعقد البيع حتى يظل العقدان مرتبطين معاً، وذلك في قضية كان البائع قد أخذ دفعة كتأمين يرد إلى العميل بعد خصم مستحقات الإيجار إذا لم يرغب في شراء الجهاز محل العقد.
    (2) د. أبو الليل: المرجع السابق، ص308.
    (3) المرجع السابق، ص 310، حيث عرض في هذا الصدد مجموعة من قرارات محاكم النقض بفرنسا.
    (2/22512)
    --------------
    الخلاصة:
    إن البيع الإيجاري ليس له تكييف واحد، بل يتردد تكييفه وتحديد طبيعته القانونية بين البيع مع الاحتفاظ بالملكية لحين استيفاء كامل الثمن، وبين الإيجار المقترن بوعد بالبيع، ففي الحالة التي تنطبق على الصورتين الأولى والثانية اللتين ذكرناهما فإن القضاء الفرنسي يخضع البيع الإيجاري من حيث الأصل لأحكام عقد البيع ، والتشريعات التي تنظم البيع الائتماني من حيث وضع القيود المتعلقة بمدة الائتمان وأقساط الثمن ، ولا يطبق عليه قواعد الإيجار إلا استثناء، ولذلك فإذا تضمن العقد وعداً فلابد أن يكون ثمن البيع محدداً، أو قابلاً للتحديد، وإلا لما وجد العقد، كما أن الأجل الممنوح للمشتري (المستأجر) يسقط في حالة تصرف المشتري في المبيع بإعادة بيعه إذا كان البائع قد اشترط ذلك، كما تطبق عليه قواعد الغبن في حالة بيع العقار، وتكون العبرة في تقدير الغبن بوقت إبرام العقد (1) .
    وفيما يخص نقل ملكية الشيء المؤجر، فله اعتباران حيث إنه بالنسبة للعاقدين لا يتم ذلك، وفي مقابل دائني المستأجر (المشتري) قرر القضاء الفرنسي – ورغبة منه في وأد كل محاولة للتحايل على دائني المستأجر – أنه بمثابة البيع النهائي بالنسبة لهم، لذلك لا يسمح للمؤجر بالاحتجاج باحتفاظه بالملكية إلى حين تمام سداد الثمن على تفليسة المشتري، وحينئذٍ فلا يمكن استرداد المبيع من التفليسة، ولكن في غير حالة الإفلاس يبدو أن القضاء الفرنسي يسمح بالاحتجاج بالبيع الإيجاري على دائني المشتري (2) ومع كل ذلك فإن بعض الشراح لا يعتبرون البيع الإيجاري بيعاً ائتمانياً بالمعنى الدقيق، لأن الملكية فيه تظل للبائع حتى تمام سداد الثمن (3) وفي هذا النطاق يتشابه البيع الإيجاري مع البيع بالتقسيط المشترط فيه الاحتفاظ بالملكية (4) .
    __________
    (1) د. إبراهيم أبو الليل، ص314؛ وبلانيول وريبير: 10/ فقرة 178.
    (2) داللوز 1886 –1- 57؛ ود. إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق.
    (3) سوماد: البيع الائتماني فقرة 362 حيث يرى أن البيع الإيجاري يختلف عن البيع الائتماني في أن الأول يكون كالشرط الواقف، أما الائتماني فكالشرط الفاسخ، ولم يقبل د. أبو الليل، ص 315 بهذه التفرقة.
    (4) د. أبو الليل، المرجع السابق، ص 315.
    (2/22513)
    --------------
    وأما ما يخضع هذا العقد لأحكام الإيجار فهو فيما يخص العلاقة الداخلية بين طرفيه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى الإضرار بالغير، وأنه إذا تصرف المستأجر في العين المؤجرة قبل تملكه بتمام سداد الأقساط المستحقة فإنه يعاقب بجريمة خيانة الأمانة، لأنه تطبق حينئذٍ قواعد الإجارة بهذا الصدد (1) .
    والفقه والقضاء في مصر في ظل القانون المدني المصري الجديد على أن الصورتين اللتين ذكرتهما تخضعان لأحكام البيع بالتقسيط مع الاحتفاظ بالملكية لحين استيفاء الثمن إعمالاً لنص الفقرة الرابعة من المادة (430م م) (2) ، وهكذا الأمر في القانون الكويتي حيث نصت المادة (410) من قانون التجارة رقم (68) لسنة 1980م بسريان أحكام البيع بالتقسيط ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً .
    وأما الحالة الثانية المتمثلة في الصورة الثالثة السابقة التي يقترن فيها الإيجار الحقيقي بوعد، فإن أحكام الإجارة هي التي تطبق على هذا العقد، ولا تخضع لأحكام البيع، ولا للفقرة الرابعة من المادة (430م م) التي نظمت البيع الائتماني ، فلا تنتقل الملكية إلى المستأجر، وإذا تصرف في العين المستأجرة كان مبددا، وإذا أفلس استردها المؤجر من تفليسته، وإذا ما أظهر المستأجر رغبته في شرائها انتهى عقد الإيجار ، وبدأ عقد البيع منذ تلاقي الإرادتين عليه دون الاستناد إلى أثر رجعي وقت الإيجار وزال التزام المستأجر بدفع الأجرة، وحل محله التزام المشتري بدفع الثمن المتفق عليه، ويكون الثمن مضموناً بحق امتياز على المبيع (3) .
    وأما التكييف القانوني لعقد الليزنج فهو عبارة عن عملية مركبة من عدة عمليات قانونية تختلط وتندمج لتصبح عملاً قانونياً واحداً غير قابل للانقسام، لكن مكوناته تتكون من ثلاثة عمليات قانونية وهي الشراء بقصد التأجير ، وعقد الإيجار، ثم إمكانية الشراء أو التملك في الأخير (4) ، ويرى بعض الفقهاء في فرنسا أنه يتكون من خمس عمليات قانونية هي: وعد تبادلي بالإيجار يقيد المؤجر بشراء مال معين، ووكالة ممنوحة من المؤجر إلى المستأجر المستفيد من عقد الليزنج باختيار الأموال التي يرد علها، ثم عقد التأجير، ووعد منفرد بالبيع بتحقق في نهاية مدة الإيجار، وأخيراً البيع (5) ، وعقد الليزنج وإن كان تطويراً للبيع الإيجاري إلا أنه عقد مستقل بذاته له خصائصه الخاصة، ويختلف معه في بقاء المؤجر في عقد الليزنج مالكاً للتجهيزات المؤجرة إلى حين انتهاء العقد وإنشاء عقد البيع إن أرادا، ومن ثم يكون له الحق في استردادها من تفليسة المستأجر وأنه إذا قام المستأجر بتبديد الأعيان المسلمة إليه قبل تمليكها يعتبر مرتكباً جريمة الخيانة، وهذا ما لم يقبله القضاء بالنسبة للبيع الإيجاري (6) .
    __________
    (1) المرجع السابق، ص 313.
    (2) د. السنهوري، الوسيط 4/177-178 ود. أبو الليل، المرجع السابق، ص 316.
    (3) د. السنهوري، الوسيط: 4/171 –182.
    (4) ميشيل كابرلاك: مووسعة داللوز، بحث بعنوان (Leasing) رقم (10).
    (5) وهذا رأي شامبوا الأسبوع القانوني عام 1966 م المنشور في داللوز رقم (3)؛ ويراجع د. أبو الليل، ص 320.
    (6) د. أبو الليل، المرجع السابق، ص 322.
    (2/22514)
    --------------
    الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي:
    يقصد بالإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي: اتفاقية إيجار يلتزم فيها المستأجر بشراء الشيء المؤجر في الوقت المتفق عليه خلال مدة الإيجار أو بعدها بسعر يتفق عليه مسبقاً أو فيما بعد –كما سبق-.
    فوائد هذا العقد ومقاصده:
    للإجارة المنتهية بالتمليك فوائد ومقاصد قد لا تتحقق بغيرها من العقود القريبة منها مثل البيع، أو حتى البيع بالتقسيط ، وذلك لأن البيع بجميع صوره يقتضي نقل ملكية المبيع إلى المشتري، في حين أن البنك –مثلاً- قد لا يريد ذلك حفاظاً على حقه في العين المؤجرة بحيث إذا لم يتمكن المستأجر من دفع الإجارة ، فإن ملكيتها لم تنتقل إلى أحد، وحقه محفوظ، إضافة إلى أن البنك يريد أن يكون له مرونة في زيادة أرباحه ولاسيما في مثل العقود الطويلة الأجل، أو أن المتعامل معه يخاف على هبوط الأرباح عن معيار (لايبور) فيعطي له عقد الإجارة المنتهية بالتمليك مرونة لا تتوافر في البيع بالتقسيط الذي يقسط الثمن على فترات محددة لا يجوز له أن يزيد شيئاً، أو ينقص، إضافة إلى أمور أخرى تعود إلى الضمانات ونقل الملكية كما سبق.
    ومن جانب آخر فقد تشتري بعض الشركات سيارات –مثلاً- للأجرة ثم تتعاقد مع السائقين بأجور شهرية لها، مع وعد بأنه بعد عشرة سنوات –مثلاً- تهبها لهم، أو تبيعها لهم بسعر رمزي، فالشركة تستفيد من الأجرة والسائق يستفيد مرتين: مرة من خلال ما يوفره للإنفاق على نفسه وعلى أسرته، ومرة أخرى حيث تعود إليه ملكية السيارة، وحينئذٍ يحافظ عليها أكثر مما لو كان أجيراً، وهكذا الأمر في الدور والمساكن، في حين أن المستأجر ليس لديه المال الكافي للشراء، وبذلك تتحقق أهداف اجتماعية وتنمية اقتصادية جيدة، فالإيجار المنتهي بالتمليك يفيد صغار الموظفين، وقليلي الدخول والمرتبات حيث لا يمكنهم شراء الدور، أو الشقق بسبب عدم الوفر، فيلجأون إلى الإيجار المنتهي بالتمليك الذي يحافظ أيضاً على حقوق البنوك أو الشركات، كما يفيد أصحاب المصانع والشركات الذين ليس لديهم السيولة الكافية، فيكون الأمثل للطرفين، هو الإيجار المنتهي بالتمليك.
    وبنك التنمية الإسلامي وجد في هذا العقد مع الدول الإسلامية منافع كثيرة حيث مكنها من الإفادة من المعدات التي اشتراها البنك وملكها، كما أن تفكيك هذه المعدات وإرجاعها إلى البنك يكلفه الكثير، فكان الحل الأمثل هو تمليكها هذه المعدات بأسعار رمزية، أو حقيقية.
    وقد ذكرنا فيما مضى عدة مميزات للإيجار المنتهي بالتمليك بالأخص لعقد الليزنج فتلاحظ هنا بناءً على أن "الحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها أنى وجدها"وقصدي من ذلك أن مقاصد الشريعة في تشريع العقود تتحقق في ذلك.
    __________
    (2/22515)
    --------------
    صور الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي
    للإيجار المنتهي بالتمليك صور حسبما ذكرها المعاصرون من أهمها:
    الصورة الأولى: أن يتم الإيجار بين الطرفين، ثم يلحق هذا العقد بوعد بيع العين المستأجرة مقابل مبلغ (حقيقي، أو رمزي) يدفعه المستأجر في نهاية المدة بعد سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق عليها.
    الصورة الثانية: أن يتعاقد الطرفان على تأجير العين (الدار، السفينة، أو نحوهما) ويلحق به وعد بالهبة في عقد منفصل، أي أن المؤجر يهبها للمستأجر بعد انتهاء زمن محدد يدفع فيه جميع الأقساط الإيجارية المستحقة.
    وكون الوعد ملزماً مختلف فيه (1) سيأتي تفصيله.
    الصورة الثالثة: أن يتضمن صلب العقد الإجارة والبيع سواء كان الثمن رمزياً أم حقيقياً، وذلك بأن يصاغ على عقد البيع معلقاً على شرط سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق على سدادها خلال المدة المعينة.
    وهذه الصورة مختلف فيها قديماً وحديثاً:
    وتدخل قديماً: في باب تعليق عقد البيع على شرط حيث منعه الجمهور وأجازه أحمد في رواية، ورجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه بعض المعاصرين (2) ، قال الشيخ ابن بيه: وهو "أن يبيعه بشرط ألا يمضي البيع إلا بدفع الثمن، فيكون البيع معلقاً على دفع آخر الثمن، وحسبما يفيده الزرقاني عن أبي الحسن على المدونة هذه الصيغة جائزة معمول بها وسلمه البناني الدسوقي " (3) .
    __________
    (1) يراجع للتفصيل: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار الثائر 1985: 2/1032.
    (2) منهم أستاذنا الدكتور حسن الشاذلي. وانظر كتابه نظرية الشرط، ط. القاهرة من 132؛ وبحث عن الإيجار المنتهي بالتملك، ص 42.
    (3) بحثه المقدم بعنوان: الإيجار الذي ينتهي بالتملك، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409 هـ، ص 12.
    (2/22516)
    --------------
    الصورة الرابعة: ذكرها بعض الباحثين، فقال: "أن يكون إيجاراً حقيقياً، ومعه بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ويكون مؤجراً إلى أجل طويل (وهو آخر مدة عقد الإيجار ) عند من يجيز الخيار المؤجل إلى أجل طويل كالإمام أحمد ، ومحمد بن الحسن ، وأبي يوسف وابن المنذر ، وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور بشرط أن تكون المدة معلومة محددة، واجتماع البيع مع الإجارة جائز في عقد واحد بشرط أن يكون لكل منهم موضوع خاص به" (1) .
    الصورة الخامسة: أن يصاغ العقد على أساس عقد الإجارة ، ولكن يكون للمستأجر الحق في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته، بعقد جديد تراعى فيه قيمة العين المؤجرة، أو حسب الاتفاق في وقته.
    وهذه الصورة جائزة لا غبار عليها وهذا يتدخل في قرار المجمع الآتي ذكره، وهذا الشرط الموجود فيه لا يؤثر في العقد، لأنه شرط ليس فيه أي تعارض مع نص من الكتاب والسنة والإجماع ولا مع مقتضى عقد الإجارة.
    الصورة السادسة: أن يصاغ العقد على أساس الإجارة كما في الصورة الخامسة، ولكن يعطى حق الخيار للمستأجر في ثلاثة أمور:
    1-شراء العين المؤجرة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
    2-مد مدة الإجارة لفترة أو لفترات أخرى.
    3-إعادة العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة إلى صاحبها، ولا مانع من أن يعطى له حق إنهاء عقد الإجارة.
    وهذه الصورة جائزة بقرار من مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409هـ.
    ويلحق بهذه الصورة ما ذكرناه في عقد الليزنج من أن الثمن يراعى في تحديده المبالغ التي سبق له دفعها كأقساط إيجار .
    الصورة السابعة: أن يقوم شخص أو (مؤسسة) ببيع الدار، أو الطائرة، أو الباخرة للبنك ، ثم بعد الشراء يقوم البنك بتأجيرها للبائع الأول مع وعد بالبيع، أو الهبة .
    وهذه الصورة لا تختلف عن الأولى والثانية إلا في شيء واحد، وهو أن المستأجر هنا كان هو البائع للعين المؤجرة في حين أن المستأجر في الصور السابقة لم يكن له علاقة بها، وهل في ذلك ضير؟
    وهذا الاختلاف قد يزيد الأمر تعقيداً من الناحية الشرعية حيث يزيد من احتمال الحيلة، ومجرد التمويل بالمرابحة ، والتغطية لعملية ربوية تحت هذا المسمى حيث هو أقرب ما يكون إلى بيع العينة (2) من حيث المآل والمقاصد، وقد أفتت ندوة البركة الأولى (الفتوى رقم 14، وهيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي بجواز ذلك بشرط أن يكون عقد البيع منفصلاً عن عقد الإجارة (3) .
    وقد صدرت بخصوص الإيجار المنتهي بالتمليك فتوى عن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي عام 1981م هذا نصها:
    إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدد معلومة، على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل فإن هذا العقد يصح إذ روعي فيه ما يأتي:
    أ-ضبط مدة الإجارة ، وتطبيق أحكامها طيلة تلك المدة.
    ب-تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة.
    جـ- نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه تنفيذاً لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر.
    __________
    (1) الشيخ ابن بيه: بحثه السابق؛ ويراجع: الخيار وأثره في العقود للدكتور عبد الستار أبو غدة، ط. دلة البركة، ص 221.
    (2) يراجع للتفصيل في بيع العينة: مبدأ الرضا في العقود: 2/1225...
    (3) الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي: 4/20؛ والفتاوى الشرعية في الاقتصاد الصادرة عن ندوة البركة، 1403هـ – 1980م، ص 47.
    (2/22517)
    --------------
    كما صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409 هـ هذا نصه:
    أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:
    الأول: البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية .
    الثاني: عقد الإجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
    -مد مدة الإجارة .
    -إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
    -شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.
    ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة بعد تقديم نماذج لعقودها، وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية لدراستها وإصدار القرار في شأنها.
    البنوك الإسلامية والإيجار المنتهي بالتمليك :
    أولت البنوك الإسلامية أهمية بهذا العقد لتنشيط استثماراتها، وإفادة المصانع والشركات المتعامل معها، حيث تدخل كطرف ثالث ممول كما شرحناه في عقد الليزنج، غير أن هناك اختلافاً بين ما تقوم به البنوك الإسلامية، وبين البيع الإيجاري السائد في القانون –كما سبق- يتمثل في أنه يجوز للعميل أن ينهي اتفاقية الإيجار مع البنوك الإسلامية في أي وقت شاء بشراء الأصل بالسعر المحدد مسبقاً في الاتفاقية، في حين أنه في ظل البيع الإيجاري في القانون لا يجوز للعميل أن ينهي الاتفاقية من جانب واحد، وعليه أن يؤدي كافة المدفوعات قبل أن تنتقل ملكية الأصل من المؤسسة المالية إليه.
    والذي يجري عليه العمل في بعض البنوك الإسلامية هو الخطوات العملية الآتية:
    1-اتفاق مبدئي يكيف على أساس الوعد أو المواعدة يتضمن بحث كافة العمليات من شراء البنك ، إلى شراء العميل وما يتضمنه من شروط.
    2-قيام البنك الإسلامي بشراء الشيء المطلوب (طيارة، باخرة، بيت...)
    3-ثم قيام البنك بتأجير الشيء المطلوب للعميل حسب الأجرة المتفق عليها.
    4- التأمين على المعدات والأشياء المؤجرة.
    5-وعد في ملحق منفصل يتعهد فيه المستأجر بشراء العين المؤجرة .
    وهذا الوعد قد يتضمن السعر المتفق عليه للشراء، سواء أكان رمزياً أم حقيقياً، وهو الغالب، وقد يكون مجرد وعد بالشراء بالسعر المتفق عليه عند إرادة الشراء، أو حسب سعر السوق ، وهذا هو الأفضل.
    6-بعد انتهاء مدة الإجارة ووفاء المستأجر بكافة الشروط الواردة في العقد، يتم نقل ملكية الشيء المؤجر إلى المستأجر بموجب عقد جديد، وإذا رغب المستأجر أن ينهي عقد الإجارة في أي وقت شاء ليشتري العين المؤجرة ووافق على ذلك المؤجر (البنك) فلا مانع من ذلك شرعاً وقانوناً، والبنوك الإسلامية حريصة على عدم الربط بين العقدين: عقد الإجارة، وعقد البيع، بل يكون الوعد، أو ما يسمى بالعقد الابتدائي في ملحق منفصل، وهي حريصة كذلك على أن يتم تحديد سعر العين المستأجرة وفق الأسس الآتية:
    أ- القيمة السوقية المعروفة في السوق، أو حسب ما يقيمها الخبراء.
    ب-تحقيق العدالة من حيث النظر إلى الأقساط المدفوعة للإجارة، وإلى قيمة الشيء ملاحظاً فيه الاستهلاك ونحو ذلك.
    __________
    (2/22518)
    --------------
    وهذا النوع لا غبار عليه من الناحية الشرعية، حيث هو عقد إجارة ، تم بعد انتهاء مدتها أو إنهائها تم عقد البيع للمعدات التي اشتراها البنك بنفسه وقبضها كمالك لها، ثم أجرها لعميله لمدة معلومة، ثم باعها إياه.
    طريقة أخرى: ولكن إذا قام البنك بإجراء عقد مع العميل قبل تملكه الشيء المؤجر، وذلك بأن يؤجر معدات ليس مالكاً لها وقت التعاقد، ثم يشتريها من الموردين باسم عميله المستأجر، ويجعله وكيلاً له في قبضها وتسلمها، والقيام بالإشراف على تركيبها، ثم يؤجرها للعميل من فترة معينة يتوقع أن يتم تركيبها فيها، فإذا انتهت مدة الإجارة واستوفى البنك كل ما يجب له على العميل اعتبرت المعدات مبيعة له بثمن رمزي.
    فهذه الطريقة بهذه الصورة عليها ملاحظات من أهمها أنها تدخل في إجارة ما لا يملك وهي لا تجوز، لأنها شبيهة ببيع ما لا يملك المنهي عنه (1) .
    وحل هذه المشكلة يمكن بإحدى الطريقتين الآتيتين:
    الأولى: أن يكون عقد الإجارة وارداً على الذمة، وليس على العين، وذلك بأن يتعهد البنك بترتيب الشيء الذي يريده المستأجر حسب المواصفات بأن يقول: عليّ بأن آتي لك بطيارة (باخرة، دار...) على المواصفات المتفق عليها خلال شهر (أقل أو أكثر) وبذلك أصبح العقد وارداً على الذمة، وليس على العين، وبذلك صح العقد، ولزم، ثم يقوم البنك بترتيب الشيء المتفق عليه بشرائه، وتركيبه بنفسه، أو عن طريق وكيله ويجوز أن يوكل المستأجر بضوابط من أهمها أن تكون الفواتير باسم البنك، وأن تكون جميع الأمور المتعلقة بالشراء والتركيب معلومة محددة للبنك.
    الطريقة الثانية: أن يقوم البنك بوعد، أو تعهد بالشراء، بحيث لا يتم التعاقد بينه وبين العميل على الإجارة إلا بعد الشراء والتركيب، وفي هذه الحالة لا مانع أيضاً من توكيل العميل بالضوابط السابقة.
    __________
    (1) ورد النهي عنه بلفظ ((لا تبع ما ليس عندك)) رواه أبو داود في سننه، الحديث رقم 3486؛ وعون المعبود: 9/401 والترمذي في سننه مع تحفة الأحوذي: 4/430؛ والنسائي، الحديث رقم 4612؛ وابن ماجة، الحديث رقم 2188؛ وأحمد في مسنده: 3/402؛ وغيرهم؛ ويراجع بحثنا حول: حديث: ((لا تبع ما ليس عندك)) سنده وفقهه.
    (2/22519)
    --------------
    والمقصود في هاتين الطريقتين أن المعدات تكون في ضمان البنك بحيث إن هلكت هلكت في ماله وليس في مال المستأجر، ويكون قبض العميل –في حالة التوكيل - لتلك المعدات قبض أمانة لا يضمن إلا عند التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط.
    وهناك ملاحظة ثانية أن هذا العقد يتضمن شرط البيع في صلبه وهذا يفسده.
    للإجابة عن ذلك إن هذه المسألة خلافية –كما سيأتي- ولكن ترد الشبهة من جانب آخر أن عقد البيع الذي تضمنه العقد مشروط بانتهاء مدة الإجارة، وفراغ ذمة المستأجر من كل ما يجب عليه وهذا لا يصح شرعاً، لأن البيع من العقود التي لا تقبل التعليق، ولا تصح إضافتها إلى المستقبل (1) .
    وهناك بديل لهذه الحالة يتمثل في صياغة هذه الاتفاقية بين البنك وعميله بطريقة الوعد، أو المواعدة لإنشاء الإجارة أولاً، ولإنشاء البيع ثانياً، ثم تعقد الإجارة وقتها من غير أن يذكر فيه شروط البيع، ويعقد البيع في وقته من غير شرط فيكون العقدان خاليين عن شرط فتتكون الاتفاقية من:
    1-توكيل البنك للعميل بشراء المعدات.
    2-وعد العميل باستئجارها بعد التسلم والتركيب.
    3-وعد البنك للعميل ببيعها بعد انتهاء مدة الإجارة (2) .
    __________
    (1) شرح المجلة العدلية لخالد الأتاسي: 1/234؛ ويراجع: بحوث قضايا فقهية معاصرة للشيخ تقي العثماني، ط. دار العلوم، كراتشي، ص 211.
    (2) المراجع السابقة.
    (2/22520)
    --------------
    الإجارة مع شراء تدريجي للعين المؤجرة:
    قد يتفق البنك في الاتفاق المبدئي (الوعد، أو المواعدة) على أن العميل يشتري مباشرة من البنك (الممول المؤجر) 50 % من الشيء المستأجر، أو أية نسبة منه بمبلغ نقدي أو مؤجل عن طريق المرابحة ، ثم يؤجر البنك ما يملكه للمستأجر على أن ينتهي بالتمليك حسب الصور التي ذكرناها.
    وقد يتم التوافق على أن يكون تمليك النصف، مثلاً بعد سنة، ثم بعد سنتين يتم تمليك نصف الباقي (أي ربع الكل)، ثم في السنة الثالثة تمليك الكل، ويبقى البنك مالكاً مؤجراً لحصته، وكلما قلت نسبته من العين المؤجرة قلت أجرته لحصته، وتوزع حسب النسب منها.
    كل هذه الصور لا مانع منها شرعاً إذا توافرت الشروط المطلوبة من أهمها:
    1-أن تتم عملية التمليك الجزئي بعقد مستقل في وقته ولا يتضمن عقد الإيجار نفسه ذلك، ولكن لا مانع أن يصاغ ذلك عن طريق الوعد، أو المواعدة، منفصلاً عن عقد الإجارة.
    2-إبرام عقد جديد مع المستأجر السابق عند شراء المستأجر نسبة من الشيء المستأجر تحدد فيه الأجرة الجديدة على ضوء تغير نسبة الملكية.
    والبنوك الإسلامية تلاحظ في الإجارة المنتهية بالتمليك نوعية السلع من حيث إنها هل هي من السلع التي تتحسن قيمتها بل تزداد مع مرور الزمن كما في العقارات، أو السلع التي تقل قيمتها مع مرور الزمن كما في السيارات والطائرات ونحوها؟ ففي النوع الأخير تحتاط لعدم استرجاعها إليها أكثر من النوع الأول الذي حتى لو استرجع لا تتضرر بل قد تربح.
    المبادئ الأساسية للإيجار المنتهي بالتمليك:
    وقد صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي في دورته الثالثة بخصوص ما يجري في البنك الإسلامي للتنمية وهذا نصه:
    بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه،
    __________
    (2/22521)
    --------------
    قرار رقم (1)
    بشأن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية
    إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ/11 إلى 16 أكتوبر 1986.
    -بعد دراسة مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الاستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع، انتهى إلى ما يلي:
    ب-بخصوص عمليات الإيجار :
    قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
    -المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.
    -المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
    -المبدأ الثالث: أن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
    -المبدأ الرابع: أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل.
    -المبدأ الخامس: أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكاً للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعية عندئذٍ عليه.
    -المبدأ السادس: أن نفقات التأمين لدى الشركات الإسلامية كلما أمكن ذلك، يتحملها البنك.
    جـ-بخصوص عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن :
    قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
    المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعاً.
    المبدأ الثاني: أن توكيل البنك أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يبيعه البنك تلك الأشياء بعد وصلها وحصولها في يد الوكيل، وهو توكيل مقبول شرعاً. والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
    المبدأ الثالث: أن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض لها، وأن يبرم بعقد منفصل.
    __________
    (2/22522)
    --------------
    فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي ، ص640:
    السؤال: يقوم بيت التمويل الكويتي بشراء أصول مثل السيارات والطائرات والسفن، وعند تملكها يؤجرها لشركات محلية ودولية، مقابل أجرة شهرية أو ربع سنوية، وفي هذه الحالة هناك أسلوبان متبعان في تحديد أسلوب التسجيل المحاسبي، الأول التأجير التشغيلي، والثاني التأجير التمويلي، فيرجى إفادتنا عن الجانب الشرعي لهذا الموضوع؟
    نص المذكرة المقدمة لهيئة التفوى:
    السيد أمين سر هيئة الفتوى والرقابة الشرعية المحترم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
    برجاء عرضه على الهيئة الشرعية.
    مقدمة: تعتبر المحاسبة شرحاً رقمياً لأعمال المؤسسات، بحيث تظهر رأسمال الشركة وأصولها وخصومها وإيرادها ومصروفها وصافي الناتج من أعمالها.
    ويحرص محاسبو الشركات والمدققون الخارجيون على أن تكون حسابات الشركة تشرح بصورة واقعية أعمال الشركة، حيث إن هذه الحسابات ( الميزانية السنوية ) تعتبر من أهم وسائل معرفة ملاك الشركة (المساهمين) والمشاركين (أصحاب الودائع الاستثمارية ) والدائنين لحقيقة أوضاع الشركة من حيث المتانة الاقتصادية ونوعية الاستثمارات ودرجة المخاطر التي تتعرض لها هذه الشركة.
    وتوجد معايير محاسبية لإظهار العمليات الاستثمارية بصورة تبين واقعها والتي يجب الالتزام بها ما أمكن ذلك، بما لا يخالف الشريعة بالنسبة للمؤسسات الإسلامية.
    يقوم بيت التمويل الكويتي بشراء أصول مثل السيارات والطائرات والسفن وبعد تملكها يؤجرها على شركات محلية ودولية مقابل أجرة شهرية أو ربع سنوية، وفي هذه الحالة هناك أسلوبان متبعان في تحديد أسلوب التسجيل المحاسبي.
    الأسلوب الأول: (التأجير التشغيلي):
    في هذه الحالة يكون المؤجر متحملاً لمخاطر الملكية، ومسؤولاً عن الأصل، والتسجيل المحاسبي في هذه الحالة يكون بقيد الاستثمار كأصل ثابت، مثل (سيارات –سفن) ويقوم بتسجيل الإيجار كإيجار محصل (عائد إيجار) كما يحتاط لتناقص قيمة الأصل بمرور السنين بتكوين مخصص استهلاك.
    إن هذا الأسلوب ممكن من الناحية الشرعية والعملية، إلا أنه لا يمكن اتباعه في جميع أنواع عقود الإجارة ، حيث إنه لا يطبق في عقود الإجارة التي تتضمن اتفاقاً بنقل ملكية الأصل في نهاية فترة العقد ، أو تحمل المستأجر لكل المخاطر المترتبة على استخدام الأصل، سواء كانت بسبب المستأجر أو كوارث عامة.
    __________
    (2/22523)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:31 pm

    الأسلوب الثاني: (التأجير التمويلي):
    في حالة تحمل المستأجر لجميع المخاطر والمنافع الناتجة من ملكية الموجود، سواء انتقلت الملكية فعلاً في نهاية المدة أم لا، فإن الأصل المؤجر لا يظهر في دفاتر المالك (المؤجر) وإنما يسجل مديونية على المستأجر، وتشمل هذه المديونية تكلفة الأصل والعوائد.
    وعند تسلم الإيجار الشهري، يتم تخفيض قيمة الدين بالجزء المسلم، بينما يظهر الأصل المستأجر في دفاتر المستأجر، وهذا الأسلوب في التسجيل يجب اتباعه إذا كان هنالك ترتيب بنقل الملكية في نهاية عقد الإيجار وذلك وفقاً لمعايير المحاسبة الدولية.
    إن اتباع هذه الطريقة في التسجيل ينتج عنه معالجة عملية التأجير بأسلوب مشابه إلى حد كبير لعقود البيع، حيث يختفي الأصل من الدفاتر وتنشأ مديونية على المستأجر، وقد رأينا أن نعرض هذا الموضوع على هيئة الرقابة الشرعية الموقرة، لإفادتنا عن الجانب الشرعي حيث إن هذا الأسلوب قد لا يتفق وطبيعة أو حقيقة العقد كعقد إجارة ، كما أن مدقق الحسابات الخارجي يلزمنا باتباع هذا الأسلوب ما لم يكن هنالك فتوى شرعية بعدم استخدام هذه الطريقة في التسجيل.
    جزاكم الله خيراً. والله ولي التوفيق.
    الجواب: بعد أن اطلعت الهيئة على المذكرة المقدمة من الإدارة المعنية توضح بها الطريقتين (التأجير التشغيلي والتأجير التمويلي) ترى الهيئة أن الطريقتين كلتيهما صحيحتان، وتعتبران عقد إجارة، ولهما أحكام الإجارة ولا يجوز العدول عن التسجيل المطابق لواقع العقود، إذ أن الأعيان المؤجرة لم تزل على ملك بيت التمويل الكويتي ، والواقع يقتضي أن تسجل أصولها لبيت التمويل الكويتي، أما إذا سجلت للمستأجر (وكالة) فإن بدل الإيجار الذي يتقاضاه المؤجر سيكون فائدة ربوية وأكل لأموال الناس بالباطل.
    __________
    (2/22524)
    --------------
    التأصيل الفقهي للإجارة المنتهية بالتمليك
    القسم الأول: أسئلة وملاحظات وشبهات مع محاولة الإجابة عنها:
    يثور حول عقد الإجارة المنتهي بالتمليك من حيث الجملة عدة أسئلة وملاحظات ينبغي الإجابة عنها، وتوضيحها حتى تكون الصورة واضحة من الناحية الفقهية.
    ومن هذه الملاحظات ما يأتي:
    أولاً: أليس هذا العقد جديداً أم أنه تطوير لعقد الإجارة ؟
    ثانياً: أليس هذا العقد داخلاً في العناية بالألفاظ والعبارات؟ وبعبارة أخرى: ما علاقته بقاعدة: العبرة في العقود بالقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني؟ وهل الغالب في الفقه الإسلامي العناية بالدلالات وما يفهم من العبارة أو بظاهر الألفاظ؟
    ثالثاً: وما حكم الشرع في الجمع بين صفقتين في صفقة واحدة، ألم يرد فيه نهي؟
    رابعاً: إن هذا العقد يتضمن الوعد فهل هو ملزم أم لا؟
    خامساً: إن هذا العقد في معظم حالاته يتضمن التأمين على الأشياء والمعدات المستأجرة؟
    سادساً: إن هذا العقد يتضمن شروطاً قد تفسد العقد منها اشتراط البيع في الأخير بعد انتهاء عقد الإجارة؟ أي اشتراط البيع في الإجارة في بعض صوره.
    سابعاً: إن في بعض صوره إجارة قبل التملك وإجارة قبل القبض؟
    ثامناً: ما الحكم في أن الثمن الذي يحدد في بعض صوره يكون رمزياً، أو هبة؟
    وكل هذه الأسئلة لها علاقة بهذا العقد، فإذا أجيب عنها بأجوبة مقنعة فإن التأصيل الفقهي له يكون ميسوراً.
    1-الإجابة عن السؤال الأول:
    إن الإيجار المنتهي بالتمليك ليس عقداً جديداً في حقيقته، وإنما هو نوع من التطوير الذي اهتدت إليه المؤسسات المالية للاستفادة منه كوسيلة مربحة وأقل مخاطر لتمويل المشروعات والصناعات والمعدات يستفيد منها المتعاملون معها لشراء تلك المعدات في المستقبل عبر عقد الإجارة – كما سبق.
    __________
    (2/22525)
    --------------
    ثم إنه حتى لو كان عقداً جديداً فلا مانع منه شرعاً ما دام لا يصطدم مع نص شرعي من الكتاب والسنة والإجماع ، وذلك لأن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة ، وليس هناك مانع شرعي من إحداث أي عقد جديد بشرط واحد وهو أن لا يخالف نصاً من الكتاب والسنة أو الإجماع (1) .
    2-للإجابة عن السؤال الثاني، نقول: إن المقصود بالقاعدة هو أنه ينظر في العقود إلى المعنى العام المفهوم من الجملة، ولا يقتصر النظر على كلمة واحدة منها، وإلى المقصد العام منها، فلو قال شخص وهبتك هذه الدار بألف دينار مثلاً فهل ينظر إلى لفظ الهبة التي يتناقض معناها مع تقييدها بألف دينار، حيث إن معناها العطاء دون مقابل، وحينئذ يلغى تماماً العقد، أو يلغى القيد فتكون هبة، أو ينظر إلى المعنى المفهوم من الجملة وهو الدفع في مقابل شيء فيكون بيعاً لأن البيع هو مبادلة المال بالمال، وحينئذٍ لا قيمة لمعنى لفظ مجرد، وإنما العبرة بالمعنى العام المفهوم من الجملة بكاملها، وبالقصد العام منها، وهو البيع (2) .
    وأما القصد من الشيء فهو معتبر عند الجميع لحديث: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) (3) ، وقد انبثقت منه القاعدة المعروفة: "الأمور بمقاصدها" (4) .
    قال ابن القيم : "ومن تدبر مصادر الشرع تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم بها معانيها، بل جرت على غير قصد منه، ومن قواعد الشرع التي لا يجوز هدمها أو هدرها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات، ودلائل هذه تفوق الحصر..." (5) .
    لكن هذه القاعدة بهذا المعنى لا تنطبق على موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك ، إذ إن عقدها لا يذكر فيها ألفاظ البيع، وإنما يذكر منفصلاً ومستقلاً عن العقد الوعد بالبيع، أو حتى العقد كملحق، ولكن الذي تنطبق على الإجارة المنتهية بالتمليك هو مدى رعاية القصود والنيات أم رعاية الألفاظ والعبارات، فهذا العقد وإن كان قد صيغ بصياغة الإيجار وشروطه لكن مقصود العاقدين هو التملك والتمليك، فالمؤجر لا يريد أن يحتفظ بالعين المؤجرة إلا لفترة زمنية محددة يسترجع فيه ثمنها مع الأرباح ، والمستأجر لا يريد الإجارة لذاتها وإنما يريد تملكها ولكن بما أنه لا يمتلك السيولة الكافية أو لأي سبب آخر يختار الإجارة المنتهية بالتمليك، وحتى هذه النية ليست مما يمكن الاستدلال عليها بل تدل عليها الظروف المحيطة بالعقد، ونوعية أقساط الإجارة – حيث تكون أكثر من الأجرة العادية – وبيع العين المستأجرة الذي يتم بثمن رمزي في الغالب لا يمثل قيمتها السوقية .
    فقد ثار خلاف بين الفقهاء حول تغليب النيات والقصود على الألفاظ والعبارات ودلالاتها على رأيين:
    الرأي الأول: هو الاعتناء بالألفاظ والعبارات، ولذلك صححوا – بيع العينة ونحوه، وهذا رأي الشافعية وأبي يوسف من الحنفية، في حين ذهب الجمهور إلى عدم صحة بيع العينة (6) ، والجميع متفقون على حرمتها إذا أراد عاقدها التحايل على الربا، وإنما الخلاف فيما عدا ذلك وفي الصحة والبطلان.
    وقد استدل المجيزون بالكتاب والسنة والآثار والقياس:
    أما الكتاب فهو الآيات الواردة بخصوص وجوب الوفاء بالعقود، وهي ليست إلا الإيجاب والقبول مع توافر بقية الأركان والشروط، وليس في هذه الآيات ما يشير إلى وجوب الكشف عن نية العاقد، وغرضه ما دام الظاهر مشروعاً.
    وأما السنة فمنها ما رواه الشيخان في صحيحيهما بسنديهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم)) (7) ، والحديث واضح في دلالته على أن المعتبر هو القول، أو الفعل، قال الشافعي : إن الله تعالى أمره –أي النبي محمداً صلى الله عليه وسلم- أن يحكم على الظاهر.. (Cool .
    __________
    (1) يراجع للتفصيل في هذه المسألة والتحقيق فيها: مبدأ الرضا في العقود، ط. دار البشائر، 1985: 2/1164.
    (2) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص207.
    (3) الحديث صحيح متفق عليه انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري: 1/12؛ ومسلم: 3/1515؛ وسنن أبي داود مع عون المعبود: 6/284؛ والنسائي: 1/51.
    (4) الأشباه والنظائر للسيوطي، ط. دار الكتاب العربي ببيروت، ص 38.
    (5) إعلام الموقعين: 3/109 – 112.
    (6) بيع العينة هو: أن يبيع شخص شيئاً لآخر بمبلغ ألف دينار مثلاً مؤجلاً، ثم يشتريه منه بتسعمائة حالاً، فأصبح في ذمة المشتري الأول ألف دينار بينما لم يستلم إلا تسعمائة دينار فقط. يراجع في تفصيل مسألة العينة: فتح القدير مع شرح العناية: 5/208؛ والفتاوى الهندية: 3/208؛ وبداية المجتهد: 2/140؛ وشرح الكبير مع الدسوقي : 3/76؛ والخرشي على المختصر: 5/105؛ والأم: 3/34؛ والروضة: 3/374؛ والمغني لابن قدامة: 4/62، 193؛ ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام: 29/30؛ وإعلام الموقعين: 3/128.
    (7) صحيح البخاري –مع الفتح- كتاب الطلاق: 9/388؛ ومسلم، كتاب الإيمان: 1/116؛ ومسند أحمد : 2/255.
    (Cool الأم: 5/113 –114.
    (2/22526)
    --------------
    وأما الآثار فهي مروية عن زيد بن أرقم حيث يرى جواز ذلك (1) .
    وأما القياس فهو يقتضي صحة هذا العقد لأنه تتوافر فيه الشروط والأركان، وأيضاً لو فتح باب الباطن لأدى إلى الفوضى والاضطراب.
    واستدل المانعون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم)) (2) . كما استدلوا بأحاديث أخرى تدل بوضوح على بطلان بيع العينة ونحوها مما فيه نوع من التحايل، وهي بمجموعها تخصص الآيات والأحاديث التي استدل بها الشافعية ومن معهم، ولذلك فالراجح هو قول الجمهور (3) في أن القصد معتبر في المعاملات أيضاً ولاسيما إذا ظهر ذلك من خلال القرائن والظروف المحيطة به، وكلام الشافعي –رحمه الله – محمول على النية الكامنة في النفس التي لا يدل عليها دليل، أما إذا كانت الظروف والقرائن كلها تدل بشكل واضح على أن البائع لم يرد البيع، وإنما جعله وسيطاً للحصول على الزيادة، ووسيلة إلى الربا فهو بلا شك ينبغي القول ببطلانه وحرمته.
    لكن علاقة هذه القاعدة بالإجارة المنتهية بالتمليك يمكن أن تكون محل نظر من حيث إن النية في بيع العينة نية سيئة، يراد من خلالها الوصول إلى الربا، أما القصد وراء الإجارة المنتهية بالتمليك فهو البيع وهو مشروع كالإجارة، -إذن- لا يبقى حرج في هذا المجال، وذلك قد يقال إن في ذلك حيلة لأن العلماء قالوا في باب الحيل إنما تكون محرمة إذا كانت وسيلة إلى محرم، أو إلى التخلص عن مقتضيات نص شرعي، أما إذا كانت الغاية مشروعة، والوسيلة مشروعة فإن ذلك جائز وقد ذكر ابن القيم أنواعاً كثيرة من الحيل المشروعة فقال:
    "القسم الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق، أو على دفع الظلم بطريقة مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقاً إلى هذا المقصود الصحيح .. ونذكر لذلك أمثلة منها: إذا استأجر منه داراً مدة سنتين بأجرة معلومة فخاف أن يغدر به المكري في آخر المدة ويتسبب إلى فسخ الإجارة بأن يظهر أنه لم تكن له ولاية الإيجار ، أو أنه كان مؤجراً قبل إيجاره.. فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة أن يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له، أو لغيره، فإذا استحقت، أو ظهرت الإجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه، أو يأخذ إقرار من يخاف منه بأنه لاحق في العين، وأن كل دعوى يدعيها بسببها فهي باطلة ، أو يستأجرها منه بمائة دينار مثلاً، ثم يصارفه كل دينار بعشرة دراهم، فإذا طالبه بأجرة المثل طالبه هو بالدنانير التي وقع عليها العقد...
    ومنها أنه لا يجوز استئجار الشمع ليشعله لذهاب عين المستأجر، والحيلة في تجويز هذا العقد أن يبيعه من الشمعة أواقي معلومة، ثم يؤجرها إياها فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر، وإلا احتسب له بما أذهبه منها، قال ابن القيم: "وأحسن هذه الحيلة أن يقول: بعتك من هذه الشمعة كل أوقية منها بدرهم، قل المأخوذ منها أو كثر، وهذا جائز على أحد القولين في مذهب الإمام أحمد ، واختاره شيخنا، وهو الصواب...، بل عمل الناس في أكثر بيوعاتهم عليه، ولا يضر كمية المعقود عليه عند البيع، لأن الجهالة المانعة من صحة العقد هي التي تؤدي إلى القمار والغرر، ولا يدري العاقد على أي شيء يدخل، وهذه لا تؤدي إلى شيء من ذلك، بل إن أراد قليلاً أخذ، والبائع راض، وإن أراد كثيراً أخذ والبائع راض، والشريعة لا تحرم مثل هذا ولا تمنع منه، بل هي أسمح من ذلك وأحكم".
    ثم صرح ابن القيم بأنه لا محذور في الجمع بين الإجارة والبيع، فقال: فإن قيل لكن في العقد على هذا الوجه محذوران:
    أحدهما: تضمنه للجمع بين البيع والإجارة، والثاني أن مورد عقد الإجارة يذهب عينه، أو بعضه بالإشعال.
    قيل: لا محذور في الجمع بين عقدين كل منهما جائز بمفرده كما لو باعه سلعة وأجره داره شهراً بمائة درهم، وأما ذهاب أجزاء المستأجر بالانتفاع فإنما لم يجز، لأنه لم يتعوض عنه المؤجر، وعقد الإجارة يقتضي رد العين بعد الانتفاع، أما هذا العقد فهو عقد بيع يقتضي ضمان المتلف بثمنه الذي قدر له وأجره وانتفاعه بالعين قبل الإتلاف، فالأجرة في مقابلة انتفاعه بها مدة بقائها، والثمن في مقابلة ما أذهب منها، فدعونا من تقليد آراء الرجال، ما الذي حرم هذا؟ وأين هو من كتاب الله وسنة رسوله، وأقوال الصحابة أو القياس الصحيح " (4) .
    __________
    (1) المصدر السابق: 3/68.
    (2) مسند أحمد: 2/84؛ وأبو داود –مع العون- البيوع: 9/355.
    (3) ويراجع لمزيد من التفصيل والمناقشة: مبدأ الرضا في العقود دراسة مقارنة: 2/ 1227 – 1238.
    (4) إعلام الموقعين، ط. الأزهرية: 4/337 – 342.
    (2/22527)
    --------------
    ولكن تبقى علاقتها بهذه القاعدة من حيث إنه إذا اعتمدنا على القصد فيعتبر العقد من حيث القصد والمآل عقد بيع وحينئذٍ تطبق عليه أحكام البيع، كما هو الحال في القانون ، وإذا اعتمدنا على الألفاظ فيعتبر العقد عقد إجارة فتطبق عليه أحكام الإجارة، غير أنه مما يجدر التنبيه عليه أن الفقه الإسلامي يشترط بجانب القصد الصيغة الدالة على العقد، فإذا لم توجد فلا يمكن أن يتحقق العقد لعدم توافر أركانه الأساسية، ومن هنا فلا يعتبر ما ذكرناه عقد بيع تطبق عليه أحكامه. هذا والله أعلم.
    3-والجواب عن الإجارة المنتهية بالتمليك تدخل في باب صفقتين في صفقة واحدة وهي منهي عنها حيث ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفقتين في صفقة واحدة . (1) .
    والجواب عن ذلك من وجوه:
    الوجه الأول: أن هذا إنما ينطبق في صورة واحدة يذكر في الإجارة المنتهية البيع والإجارة معاً، وفي حين أن معظم صورها لا يذكر في نفس العقد إلا الإجارة فقط.
    الوجه الثاني: أن هذا الحديث مرفوعاً بهذا اللفظ ضعيف (2) ، وإنما الثابت هو الموقوف على ابن مسعود رضي الله عنه ، كما ثبت أيضاً حديث ((لا يحل بيع وسلف)) (3) ، وحديث "النهي عن بيعتين في بيعه" (4) ، وعلى ضوء ذلك لا يدخل عقد الإجارة في الموضوع لأن النهي عن البيع، والسلف، أو عن البيعتين، فلا يشمل الإجارة والبيع.
    __________
    (1) رواه بهذا اللفظ مرفوعاً: أحمد في مسنده: 1/398؛ ورواه موقوفاً على ابن مسعود: 1/393 بلفظ "لا تصلح صفقتان في صفقة واحدة".
    (2) يراجع: إرواء الغليل للشيخ الألباني: 5/149 – 151.
    (3) رواه الحاكم في المستدرك وصححه: 2/17؛ والنسائي في سننه: 5/295؛ وأحمد في مسنده: 2/179؛ والبيهقي في السنن الكبرى: 5/343؛ والترمذي وقال: "حسن صحيح"؛ تحفة الأحوذي: 4/433؛ والمستدرك: 2/17.
    (4) رواه الترمذي وصححه في سننه –مع تحفة الأحوذي -: 4/427-429؛ ومالك في الموطأ، ص 414؛ والنسائي في سننه: 7/295 – 296؛ والحاكم في المستدرك: 2/17؛ وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
    (2/22528)
    --------------
    الوجه الثالث: أن التفسير الراجح لهذا الحديث هو ما ذكره راوي الحديث نفسه، وهو ابن مسعود رضي الله عنه حيث ثبت أنه قال: "لا تصلح الصفقتان في الصفقة: أن يقول هو بالنسيئة بكذا وكذا، وبالنقد بكذا وكذا" (1) ، وهذا التفسير أيضاً مروي عن سفيان الثوري ، وسماك.
    وعبد الوهاب بن عطاء ، وأبي عبيد وابن سيرين، والنسائي، وابن حبان، ومالك ، وبعض أهل العلم حسب تعبير الترمذي (2) .
    وقد حققنا في بحث لنا أن المراد بهذه الأحاديث هو ذلك التفسير السابق إضافة إلى النهي عن الجمع بين السلف والبيع في عقد واحد وذلك لأنه يؤدي إلى السريان، وإلى استغلال عقد القرض ، أو السلم للوصول إلى زيادة لم تكن تتحقق لولاه، فحرم الإسلام ذلك قطعاً لكل وسيلة تحايل تؤدي إلى المحرمات من ربا وغيره (3) .
    قال ابن القيم : "هذا الحديث أصل من أصول المعاملات، وهو نص في تحريم الحيل الربوية"، ثم قال: "وأما السلف والبيع، فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة، ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة فقد جعل البيع ذريعة إلى الزيادة في القرض الذي موجبه رداً لمثل، ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك..." (4) ، ويلحق في الحرمة بما سبق كل عقد من عقود المعاوضات المالية كالإجارة إذا اقترن بالسلف، بأن يجمعهما عقد واحد (5) .
    والخلاصة أن الجمع بين الإجارة والبيع جائز ، لا يدخل في هذه الأحاديث الواردة في النهي عن الصفقتين في صفقة واحدة، لما ذكرناه، ومن هنا فلو تضمنهما العقد لما كان عقداً منهياً عنه ولا عقداً فاسداً أو رباً باطلاً، وقد نص جماعة من الفقهاء منهم المالكية على جواز الجمع بين الإجارة والبيع في صفقة واحدة (6) ، ومنهم الشافعية (7) ، والحنابلة (Cool .
    4-الإجابة عن مدى إلزامية الوعد والمواعدة:
    فالوعد (أو العدة) هو الإخبار عن إنشاء المخبر معروفاً في المستقبل (9) ، فهو تصرف شرعي قولي يتم بإرادة منفردة.
    وأما المواعدة –فهي المشاركة في الوعد من شخصين، وذلك بأن يعلنا عن رغبتهما في إنشاء عقد في المستقبل تعود آثاره عليهما، وقد ذكر الفقهاء المواعدة في عدة أماكن منها المواعدة على بيع النكاح في العدة، والمواعدة في الصرف، والمواعدة على بيع الطعام قبل قبضه، والمواعدة على بيع الإنسان ما ليس عنده وغير ذلك (10) .
    __________
    (1) رواه عبد الرزاق في مصنفه: 8/138.
    (2) مصنف عبد الرزاق: 8/138؛ والسنن الكبرى للبيهقي: 5/343؛ والترمذي مع تحفة الأحوذي: 4/428؛ ونيل الأوطار للشوكاني: 6/287 – 288.
    (3) يراجع لمزيد من التفصيل: بحث د. علي القرداغي حول: أحاديث النهي عن صفقتين في صفقة واحدة، دراسة تحليلية، المنشور في مجلة بحوث السنة والسيرة العدد 15، ص 295 – 340.
    (4) شرح ابن القيم على سنن أبي داود بهامش عون المعبود: 9/405 – 407.
    (5) يراجع د. علي القرداغي: بحثه المستقل.
    (6) الذخيرة للقرافي: 5/415.
    (7) مغني المحتاج: 2/41.
    (Cool منتهى الإرادات: 2/21.
    (9) فتح العلي المالك: 1/254؛ وتحرير الكلام في مسائل الالتزام، ص 153.
    (10) يراجع مواهب الجليل: 3/413؛ وشرح الخرشي: 5/38؛ والمحلي لابن حزم : 8/513.
    (2/22529)
    --------------
    والمواعدة تختلف عن العقد الذي هو إنشاء للالتزام في الحال في حين أن المواعدة عبارة عن وعد بين طرفين بإنشاء العقد في المستقبل.
    وقد ثار الخلاف بين الفقهاء في إلزامية الوعد على عدة آراء:
    1-منها رأي الجمهور القاضي بعدم إلزامية الوعد.
    2-ومنها رأي ابن شبرمة وبعض المالكية الذين يقولون بأن الوعد كله لازم، وهو رأي القاضي سعيد بن أشوع الكوفي الهمذاني، قال البخاري : "وقضى ابن الأشوع بالوعد، وذكر ذلك عن سمرة بن جندب "وأن ابن راهويه يقول به (1) .
    3-ومنها القول المشهور والراجح في مذهب مالك الذي عزاه القرافي إلى مالك، وابن القاسم ، وسحنون حيث يقولون بأن الوعد ملزم قضاء وديانة إذا كان مرتبطاً بسبب، ودخل الموعود في السبب، قال سحنون: "الذي يلزم من الوعد قوله: اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به، أو اخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو اشتر سلعة، أو تزوج امرأة وأنا أسلفك، لأنك أخلفته بوعدك في ذلك، أما مجرد الوعد فلا يلزم به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق.."ثم قال القرافي: "بذلك قضى عمر بن عبد العزيز " (2) .
    بل إن هذا الرأي التجأ إليه متأخرو الحنفية على الرغم من أن قدماءهم لا يقولون بذلك فقد جعل متأخروهم عدة مواعيد لازمة، جاء في حاشية ابن عابدين في مطلب الشرط الفاسد : "قلت وفي جامع الفصولين: لو ذكر البيع بلا شرط، ثم ذكر الشرط على وجه العقد جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازماً لحاجة الناس.."ثم نقل عن الفتاوى الخيرية للرملي أن علماء الحنفية صرحوا بأن العاقدين لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد (3) . وأيد ذلك العلامة خالد الأتاسي في شرح المجلة وعلل ذلك بحاجة الناس (4) .
    ونحن هنا لا نريد الخوض في تفاصيل ذلك، لكن الذي يظهر لنا رجحانه هو القول بإلزامية الوعد ديانة مطلقاً إلا لعذر مشروع، وبإلزامية الوعد قضاءً أيضاً إذا ارتبط بسبب أو ترتب عليه ضرر
    فهذا هو المناسب مع مقاصد الشريعة ، وأدلتها الكثيرة في الكتاب والسنة القاضية بوجوب الوفاء بالعهود والوعد والعقود، وأن مخالفة الوعد من علامات النفاق، ولذلك استشكل الحافظ ابن حجر قول جماعة من الفقهاء حينما قالوا: "يجب الوفاء بالوعد ديانة لا قضاء، وقول بعضهم: إنه يجب الوفاء بالوعد ديانة لا قضاء"، وقول بعضهم: "إنه يجب الوفاء تحقيقاً للصدق وعدم الإخلاف"فقال الحافظ: "وينظر: هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف، ولا يجب الوفاء، أي يأثم الخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك" (5) أي في القضاء.
    وقد صدرت عدة فتاوى جماعية بهذا الصدد: منها فتوى المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي الذي عقد بدبي عام 1399هـ مفادها أن وعد عميل المصرف بشراء البضاعة بعد شرائها، ووعد المصرف بإتمام هذا البيع ملزم للطرفين.
    ومنها فتوى المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي عام 1403هـ مفادها "وأما بالنسبة للوعد وكونه ملزماً للآمر، أو المصرف، أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام هو الأحفظ لمصلحة التعامل واستقرار المعاملات، وفيه مراعاة لمصلحة المصرف والعميل، وإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول شرعاً، وكل مصرف مخير في أخذ ما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه هيئة الرقابة الشرعية لديه.
    وأخيراً صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة هذا نصه:
    __________
    (1) صحيح البخاري –مع الفتح – ط. السلفية: 5/289.
    (2) الفروق: 4/24 – 25؛ ويراجع: فتح العلي المالك: 1/254، وتحرير الكلام للحطاب، ص 153؛ والبيان والتحصيل: 8/18؛ وفتح الباري: 5/290؛ وشرح العيني على البخاري: 1/258؛ والمحلى لابن حزم: 8/377؛ ويراجع لمزيد من التفصيل: مبدأ الرضا في العقود: 2/1032؛ وبحث د. نزيه حماد: الوفاء بالوعد، المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجده، العدد الخامس: 2/825.
    (3) حاشية ابن عابدين: 4/135.
    (4) شرح مجلة الأحكام العدلية: 2/415.
    (5) فتح الباري: 5/290.
    (2/22530)
    --------------
    قرار رقم 40 –41 (2/5و3/5)
    بشأن الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء
    إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1 إلى 6 جمادى الأول 1409هـ/ 1 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
    بعد اطّلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي (الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء ) واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما.
    قرر:
    أولاً: أن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعاً، هو بيع جائز طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.
    ثانياً: الوعد (وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزماً للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقاً على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض على الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.
    ثالثاً: المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذٍ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده.
    5-الإجابة عن التأمين على الأشياء والمعدات المستأجرة:
    لا مانع شرعاً من التأمين على هذه الأشياء المستأجرة إذا كان عن طريق شركات التأمين الإسلامية ، وأجاز بعض المعاصرين وبعض هيئات الرقابة الشرعية على التأمين التجاري إذا لم يتمكن من التأمين عن طريق التأمين الإسلامي، وكان هناك حاجة إلى ذلك، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة ذلك، وإنما نناقش هنا هو أن الذي يجري العمل عليه في بعض البنوك أن العميل هو الذي يقوم بالتأمين على العين المؤجرة لصالح البنك حفاظاً على أموال البنك وضماناً لرأس ماله، والذي نراه أن التأمين ليس من أعمال المستأجر بمقتضى عقد الإجارة ، ولا يجب عليه، ولذلك ينبغي أن يقوم البنك نفسه به، أو يوكل العميل للقيام به، ثم يخصم المبلغ من الأجرة، ولا مانع هنا من زيادة الأجرة لتغطي ذلك أيضاً، وإذا قام المستأجر بعد العقد بذلك بأمر من البنك أو بموافقته فإنه يرجع عليه بما أنفقه، أما إذا قام بذلك دون إذن أو موافقة، فإنه يعتبر متبرعاً.
    __________
    (2/22531)
    --------------
    وهنا يثور التساؤل فيما لو اشترطه البنك على العميل؟
    فالذي يظهر لنا رجحانه هو جواز ذلك (1) ، لأنه شرط لا يخالف نصاً من الكتاب والسنة والإجماع ، فيعتبر العميل متبرعاً بحمله لتحقيق مصالحه في عقد الإجارة ، يقول العلامة ابن القيم : "وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط أمر قد يدعو إليه الضرورة ، أو الحاجة، أو المصلحة فلا يستغنى عنه المكلف، وههنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم.
    إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطل كائناً ما كان.
    والثانية: أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه –وهو ما يجوز تركه وفعله، بدون الشرط – فهو لازم بالشرط..." (2) وسيأتي لذلك مزيد من التفصيل.
    ولكن الأفضل والأحرى هو أن يخصم المبلغ من الإجارة أو يضم أساساً إلى الإجارة، ثم يخصم خروجاً من الخلاف، ودرءاً للشبهات، وقد أفتت هيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي بجواز أن يلزم البنك المستأجر بالتأمين لصالح البنك (المؤجر) وفق النظام التعاوني (3) .
    6-الإجابة عن وجود شرط البيع في عقد الإجارة تم من خلال ما يأتي:
    أ-أنه يمكن فصل الوعد بالبيع عن عقد الإجارة، ويكون وعداً مستقلاً غير مشروط، وهذا أولى وأحوط.
    ب-أن اشتراط البيع في الإجارة غير مفسد للعقد عند جماعة من الفقهاء منهم المالكية، قال العلامة الخرشي: "إن الإجارة إذا وقعت مع الجعل في صفقة واحدة، فإنها تكون فاسدة لتنافر الأحكام بينهما، لأن الإجارة لا يجوز فيها الغرر وتلزم بالعقد، ويجوز فيه الأجل ولا يجوز شيء من ذلك في الجعل... بخلاف اجتماع الإجارة مع البيع في صفقة واحدة فيجوز سواء كانت الإجارة في نفس المبيع، كما لو باع له جلوداً على أن يخرزها البائع للمشتري نعالاً، أو كانت الإجارة في غير المبيع كما لو باع له ثوباً بدراهم معلومة على أن ينسج له ثوباً آخر" (4) .
    __________
    (1) رأيت بعد ذلك فتوى هيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي. انظر الفتاوى الشرعية: 4/103.
    (2) إعلام الموقعين ط. النهضة الجديدة القاهرة: 3/389 –390.
    (3) الفتاوى الشرعية ط. بيت التمويل الكويتي: 4/103.
    (4) شرح الخرشي على مختصر خليل: 7/4.
    (2/22532)
    --------------
    جـ- إن اشتراط الشروط التي لا تخالف نصاً من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع ليس هناك دليل صريح مقبول يمنع ذلك، فقد فصلنا القول في رسالتنا الدكتوراه ووصلنا إلى أن الأصل في ذلك الإباحة وليس الحظر (1) .
    وقد أطال شيخ الإسلام (2) وتلميذه ابن القيم النفس فيه، نذكر هنا بعض ما قاله العلامة ابن القيم: "وقد شرع الله تعالى لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج إليه العبد حتى بينه وبين ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم –لضباعة بنت الزبير- وقد شكت إليه وقت الإحرام، فقال: ((حجي واشترطي على ربك فقولي: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإن لك ما اشترطت على ربك)) (3) .
    فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه، ويفيد شيئين: جواز التملك وسقوط الهدي .
    وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط أمر قد تدعو إليه الضرورة ، أو الحاجة، أو المصلحة، فلا يستغني عنه المكلف، وقد صح تعليق النظر بالشرط بالإجماع ونص الكتاب، وتعليق الضمان بالشرط بنص القرآن، وتعليق النكاح بالشرط في تزويج موسى بابنة صاحب مدين وهو من أصح نكاح على وجه الأرض، ولم يأتِ في شريعتنا ما ينسخه بل أتت مقررة له.. ثم بعد أن ذكر أدلة من الكتاب والسنة وأثار الصحابة الكرام –رضي الله عنهم- قال: "والمقصود أن للشروط عند الشارع شأناً ليس عند كثير من الفقهاء، فإنهم يلغون شروطاً لم يلغها الشارع، ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضي فساده، وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود ومما لا يقبله، فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل؛ فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل، وما لم يخالف حكمه فهو لازم.
    يوضحه أن الالتزام بالشرط كالالتزام بالنذر، والنذر لا يبطل منه إلا ما خالف حكم الله وكتابه، بل الشروط في حقوق العباد أوسع من النذر في حق الله تعالى، والالتزام به أوفى من الالتزام بالنذر.
    وإنما بسطت القول في هذا لأن باب الشرط يدفع حيل أكثر المتحيلين ويجعل للرجل مخرجاً مما يخاف منه، ومما يضيق عليه؛ فالشرط الجائز بمنزلة العقد، بل هو عقد وعهد، وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة: 1]، { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } [البقرة: 177].
    وههنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، إحداهما: أن كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطل كائناً ما كان، والثانية أن كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه –وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط- فهو لازم بالشرط، ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الصحابة، ولا تعبأ بالنقض بالمسائل المذهبية والأقوال الآرائية فإنها لا تهدم قاعدة من قواعد الشرع، فالشروط في حق المكلفين كالنذر في حقوق رب العالمين، فكل طاعة جاز فعلها قبل النذر لزمت بالنذر، وكذلك كل شرط قد جاز بدله بدون الاشتراط لزم بالشرط، فمقاطع الحقوق عند الشروط، وإذا كان من علامات النفاق إخلاف الوعد وليس بمشروط فكيف الوعد المؤكد بالشرط؟ ترك الوفاء بالشرط يدخل في الكذب والخلف والخيانة والغدر، وبالله التوفيق (4) .
    __________
    (1) يراجع للتفصيل في ذلك: مبدأ الرضا في العقود: 2/1164-1196.
    (2) القواعد النورانية، ص184؛ ومجموع الفتاوى: 29/126.
    (3) رواه البخاري في صحيحه: 3/417؛ ومسلم: 4/26.
    (4) إعلام الموقعين: 3/389-390.
    (2/22533)
    --------------
    ولا أعتقد بعد هذا القول الرائع المؤصل أننا نحتاج إلى المزيد، فالمعيار في عدم شرعية الشروط المقترنة بالعقد هو المخالفة لنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمل من هذا ما أوجزه الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه حيث قال: " مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت" (1) وقال تلميذه القاضي شريح : "من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه" (2) .
    وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه كتاب الشروط وترجم باب ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام والمبايعة، ثم أورد حديث شروط الصلح في الحديبية وفيها "كان فيما اشترط (سهيل بن عمرو) على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يأتيك منا أحد- وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه" فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه، وأبى (سهيل) ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ثم بين البخاري التزامه صلى الله عليه وسلم بهذا الشرط التزاماً دقيقاً حيث رد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً (3) .
    ثم ترجم البخاري باب الشروط في البيع، وباب الشروط في المعاملة، وباب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، وباب الشروط في المزارعة ، وباب الشروط في الطلاق، وباب الشروط مع الناس بالقول، وباب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط، وباب الشروط في القرض ، وباب الشروط في الوقف (4) .
    7-الإجابة عن الإجارة قبل التملك، أو القبض:
    فالموضوع الأول أن يتفق البنك مع عميله على تأجير المعدات قبل شرائها، وهذا شبيه ببيع ما لا يملك المنهي عنه.
    وقد أجبنا عن ذلك مع ذكر الحلول المناسبة له فيما سبق.
    والموضوع الثاني هو أن يشتري البنك فعلاً المعدات المطلوبة (طائرة، باخرة، عقاراً...) ولكن قبل تسلمها وتركيبها يؤجرها للعميل فهذا يحتاج إلى تفصيل:
    أ-أن يؤجرها بعد الشراء مباشرة وقبل التسليم والتركيب، وذلك بأن يحسب الأجرة من يوم العقد مباشرة، فهذا لا يجوز، لعدم التسلم والقبض وعدم تمكن المستأجر من الانتفاع، ومن المعلوم أن الإجارة تمليك المنفعة، وهذا لم يتحقق، ومن جانب آخر فهذا يدخل في باب النهي عن ربح ما لم يضمن (5) .
    __________
    (1) صحيح البخاري -مع الفتح-: 9/217؛ رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم وقال الحافظ وصله سعيد بن منصور وذكر أن سبب قوله هذا أن رجلاً قال له: تزوجت هذه وشرطت لها دارها، وإني لأجمع أمري أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا، فقال: ((لها شرطها...)).
    (2) المصدر السابق: 5/354.
    (3) صحيح البخاري –مع الفتح- كتاب الشروط: 5/312.
    (4) المصدر السابق: 5/312-354.
    (5) ورد حديث صحيح في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، رواه أحمد في مسنده: 2/174، 175، 179، 205؛ ومالك في الموطأ، ص407، 408؛ والنسائي في سننه: 7/295، 300؛ والبيهقي في السنن الكبرى: 5/340 وغيرهم؛ ويراجع المغني لابن قدامة: 5/478.
    (2/22534)
    --------------
    وذلك لأن المؤجر (المشتري) لم تدخل المعدات في ضمانه بعد، فكيف يربح بالأجرة التي يحصل عليها، قال أبو الخطاب : "الأجر يملك بالعقد، ويستحق بالتسليم ويستقر بمضي المدة" (1) .
    ب-أن يؤجرها على أن يبدأ عقد الإجارة بعد شهر، أو شهرين أو سنة مثلاً يتوقع أن كل الإجراءات تكتمل خلال تلك المدة فهذا جائز عند جمهور الفقهاء ما عدا الشافعية (2) ، جاء في الذخيرة: "يجوز كراؤها –أي الأرض- قابلاً وفيها زرع الآن لربها ولغيره، وكراء الدار على أن لا يقبضها إلا بعد سنة، ولا يشترط في مدة الإجارة أن تلي العقد.. واشترطه الشافعي حتى يتمكن من التسليم في الحال، ونحن نقول: تكفي القدرة على التسليم في الجملة" (3) .
    جـ-أن يؤجر شيئاً يمكن الاستفادة منه بعد القبض ولا يحتاج إلى التركيب مثل الدار، والسيارة، والطيارة ونحوها، فهذا يكفي فيه بالقبض الحكمي أي التمكن من التسلم ولا يحتاج إلى القبض الحقيقي (4) ، أما إذا لم يمكن الاستفادة منه إلا بعد التركيب فإن عقد الإجارة إنما يصح إذا كان مراعىً فيه الوقت الذي يحتاج إليه للتركيب، وذلك بأن تحسب الأجرة بعد التركيب، وإن كان العقد صحيحاً قبل ذلك كما ذكرنا في فقرة (ب).
    8-الإجابة عن الثمن الرمزي، أو الهبة :
    من الناحية الفقهية المحضة فإن ذلك جائز لأن الإنسان حر في تصرفاته فيجوز أن يبيع بثمن رمزي، أو يهب ما يشاء ما لم يكن مريضاً مرض الموت حيث تحدد تبرعاته بالثلث (5) ، غير أن العدالة مطلوبة في العقود وهي تتحقق بالتساوي بين الثمن والمثمن، ولذلك شرع الله تعالى الخيارات في العقد لدفع الغبن، وتحقيق العدل.
    __________
    (1) المغني: 5/444.
    (2) بدائع الصنائع: 6/2629؛ والذخيرة: 5/413؛ والروضة: 5/196؛ والمغني: 5/446.
    (3) الذخيرة: 5/413.
    (4) يراجع بحثنا: القبض وصوره المعاصرة المنشور في مجلة مجمع الفقه، العدد السادس: 1/555، وما بعدها، حيث وصل البحث إلى ترجيح ذلك، وأن القبض الحقيقي لا يشترط إلا في بيع الشيء الربوي بجنسه كالطعام.
    (5) يراجع للتفصيل: مبدأ الرضا في العقود: 1/573.
    (2/22535)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:33 pm


    هذا إذا كان المؤجر شخصاً طبيعياً يتصرف في ماله، أما بخصوص إدارة البنوك والشركات (الشخصية المعنوية) فهل لها الحق في التبرع أو الثمن الرمزي؟
    للإجابة عن ذلك نقول إن مجلس الإدارة (أو الإدارة) هو يمثل المساهمين ويعبر عن آرائهم فهو وكيل عنهم فيجوز له أن يتصرف أي تصرف مشروع يحقق المصلحة لهم أو لا يضرهم، والتصرفات التي في ظاهرها ضرر كهذا يعرضها على الجمعية العمومية لإقرارها.
    هذا إذا كانت المعدات قد اشتريت من أموال المساهمين، أما إذا اشتريت من خلال صناديق خاصة بها ونص نظامها الخاص على ذلك أو حصلت موافقة أصحابها على ذلك فلا مانع شرعاً من ذلك.
    هذا وقد أفتت هيئة الرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي بمثل هذا حيث قالت: "وليس لبيت التمويل الكويتي أن يهب من أموال المؤسسين والمستثمرين إلا بإذنهم ولا أن يبيع السيارة بسعر رمزي، ثم يشتريها بيت التمويل بسعر السوق حتى ولو كان ذلك مراعى في ثمنها عند العقد الأول وذلك سياسة دفعاً للشكوك والريبة" (1) .
    وأما مقاصد العاقدين في هذه الحالة فهي: أنهما يريدان إظهار الاتفاق في البداية على أنه عقد إيجار ، وفي النهاية عقد بيع ، حيث يستفيدان من هذا التكييف، فالمؤجر (البائع) يستفيد من خلال الحفاظ على العين، حيث لا تنتقل ملكيتها إلى المستأجر على خلاف ما لو كان عقد بيع، وفي ذلك مصلحة معتبرة له، والمستأجر (المشتري) لا يملك السيولة الكافية للشراء فيستفيد من هذه العملية، غير أنه يثور التساؤل حول تكييف العقد في حالة كون الثمن رمزياً هل يظل إجارة، أم يتحول إلى بيع مقسط؟
    فقد قال الفقهاء: إن الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة الأصيل كفالة، وأنه لو قال: وهبتك هذا بدينار فهو بيع، ولو قال: ملكتك هذه الدار كل شهر بكذا كان إجارة وهكذا، فعلى ضوء ذلك هل يعتبر هذا العقد بيعاً مقسطاً؟
    لهذه الاعتبارات جعله القانون بيعاً مقسطاً –كما سبق- أما في الفقه الإسلامي فالذي يحول بينه وبين اعتباره بيعاً هو عدم وجود صيغة دالة على البيع داخل العقد، أو في صلب العقد، وأن العاقدين لم يريدا حقاً البيع ابتداء، وإنما إجارة ابتداء وبيعاً انتهاء.
    __________
    (1) الفتاوى الشرعية لبيت التمويل الكويتي: 4/102.
    (2/22536)
    --------------
    ولذلك يظل تكييف هذه الصور التي فيها وعود بالبيع، وأن الثمن رمزي على أساس الإجارة ابتداء والبيع انتهاءً.
    9-إشكال آخر:
    قد يثور التساؤل حول الثمن العادل، أو الأجرة العادلة في الإجارة المنتهية بالتمليك ، حيث إن الأجرة فيها ليست أجرة المثل ، وإنما يلاحظ فيها قيمة العين المستأجرة مع الأرباح الخاصة بالممول أو المؤجر، وهي تختلف باختلاف قصر المدة، أو طولها، في حين أن العدالة مطلوبة وأن الزيادة الخارجة عن العرف عن أجرة المثل تدخل في الغبن المنهي عنه، هذا من جانب، ومن جانب آخر أنه في هذه الحالة لم يقم المستأجر بشراء العين المؤجرة فإن الظلم الواقع عليه واضح جداً، والضرر الذي وقع عليه بين، فكيف الخروج عن ذلك؟
    للإجابة عن ذلك نقول إنه في الحالة الأولى –أي تمام عملية الشراء فيما بعد- لم يعد هناك ظلم، وأن الضرر قد زال، كما أن الأجرة وإن كانت أكثر قد تم الاتفاق عليها بين الطرفين، أو بعبارة أخرى: أن التراضي قد تحقق، وقد قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء:29].
    وأما الحالة الثانية –أي عدم إتمام عملية الشراء - فإن العدالة تقتضي أن يرد المؤجر على المستأجر مقدار ما يدفع عنه الضرر الواقع عليه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا ضرر ولا ضرار )) (1) ، بل إنه إذا وجد وعد فإن آثار القول بإلزاميته تكمن في إجبار المخلف وعده إما بإتمام عملية العقد، أو بتحمل الأضرار التي ترتبت على ذلك.
    ولكننا نرجح عدم اللجوء إلى هذه الصور، وإنما الاكتفاء بالصور التي يتم فيها التعاقد على أساس الإجارة الحقيقية من حيث الأجرة وبقية شروط الإجارة، ثم إعطاء الحق، أو الخيار للمستأجر بشراء العين المستأجرة بسعر السوق ، أو بالسعر المتفق عليه.
    __________
    (1) حديث صحيح رواه أحمد في مسنده: 1/313، 5/327؛ وابن ماجه في سننه، كتاب الأحكام: 2/785؛ ومالك في الموطأ كتاب الأقضية، ص464؛ وقال الألباني في الإرواء: صحيح.
    (2/22537)
    --------------
    القسم الثاني- التكييف الفقهي :
    بعد الرد على تلكم الشبهات، والملاحظات التي أثيرت حول الإجارة المنتهية بالتمليك نستطيع القول بأنها عقد صحيح من حيث المبدأ، ولكن حكمها يختلف حسب صورها، وقد رأينا أنه في القانون الوضعي يختلف تكييفه عن الفقه الإسلامي لا من حيث الصحة، وإنما من حيث تكييفه بأنه عقد بيع نظراً إلى المآل والقصد، إلا في صورة واحدة كما ذكرنا فيما سبق.
    وأعتقد إن إجابتنا عن الأسئلة والملاحظات والشبهات الثماني قد ساهمت في إعطاء صورة لهذا النوع من الإيجار ، لكن تكييفه الكامل يتحقق من خلال النظر والتحليل لكل صورة بحد ذاتها، ولا يسع المجال لذكرها مفصلة ونكتفي بما ذكرناه عند حديثنا عن صور الإجارة المنتهية بالتمليك ، ولكن نعلق على:
    فالصورة الأولى: تعتبر عقد إجارة صحيحاً ، لما أنه لم يذكر في صلب العقد شيء يخص البيع، وكون الوعد ملزماً أم لا؟ سبق ذكره في جواب السؤال الرابع، وهكذا الحكم في الصورة الثانية.
    والصورة الثالثة: يتضمن صلب العقد فيها البيع في النهاية فكأن العاقدين أرادا الإجارة ابتداء، والبيع انتهاء لتحقيق مصالحهما المعتبرة التي ذكرناها في جواب السؤال الثامن، فالمؤجر أراد أن يكون العقد إجارة ابتداء ضماناً لحقوقه، وبيعاً في النهاية لأنه يريد أن يحتفظ بالعين المؤجرة ، وليس بحاجة إليها، وقد قضى وطره من خلال ما تحقق له من أرباح، والمستأجر يريده أن يكون عقد إجارة في الابتداء حتى لا يظهر أنه مدين أو بعبارة أخرى حتى لا تظهر مديونيته في ميزانيته، أو أنه ليس له المال الكافي لشرائه، أو أنه ليس مطمئناً في قدرته على الشراء فيضع لنفسه هذه الفرصة، ويريده أن يكون بيعاً في الأخير، لأنه بحاجة إليه ويريد أن يكون مالكاً للعين المستأجرة.
    وكون العقد إجارة ابتداءً وبيعاً انتهاءً لا مانع منه في الشريعة الإسلامية، وله نظائره في الفقه الإسلامي منها ما ذكره الفقهاء في المضاربة أنها إذا دفع المال إلى المضارب فهو في حكم الوديعة ، لأنه قبضه بأمر المالك، لا على طريق البدل والوثيقة، فإذا اشترى به فهو وكالة، لأنه تصرف في مال الغير بإذنه، فإذا ربح صار شركة ، لأنه ملك جزءاً من المال، فإذا فسدت المضاربة صارت إجارة يجب فيها أجر المثل ، وإن خالف المضارب صار غاصباً (1) .
    غير أن هذا التصرف قد احتوى على عقدين عقد إجارة ناجز اقترن به شرط فاسخ، وعقد بيع معلق على شرط (2) ، ولذلك لابد من بيان حكم تعليق البيع على شرط ، وجمع صفقتين في صفقة واحدة، فبخصوص الجمع بين البيع والإجارة فإن جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية في القول الراجح ، والحنابلة) أجازوا الجمع بين الإجارة والبيع، جاء في شرح الخرشي: "بخلاف اجتماع الإجارة مع البيع في صفقة واحدة، فيجوز سواء كانت الإجارة في نفس المبيع كما لو باع له جلوداً على أن يخرزها البائع للمشتري نعالاً، أو كانت الإجارة في غير المبيع كما لو باع له ثوباً بدراهم معلومة على أن ينسج له ثوباً آخر، وما أشبه ذلك على المشهور" (3) .
    __________
    (1) تحفة الفقهاء للسمرقندي، ط. قطر: 3/25-26.
    (2) يراجع بحث: أ.د. الشاذلي-السابق-في مجلة المجمع: 4/2615.
    (3) شرح الخرشي على مختصر خليل: 7/4؛ ويراجع الذخيرة: 5/415؛ ومواهب الجليل: 7/503.
    (2/22538)
    --------------
    قال الخطيب الشربيني الشافعي: "ولو جمع في صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع كأن يقول: أجرتك داري شهراً وبعتك ثوبي هذا بدينار؛ أو إجارة وسلم كأن يقول: أجرتك داري شهراً أو بعتك صاع قمح في ذمتي سلماً بكذا صحاً في الأظهر ، ويوزع المسمى على قيمتهما أي قيمة المؤجر من حيث الأجرة، وقيمة المبيع أو المسلم فيه" (1) .
    والمقصود بمختلفي الحكم هو أن حكم البيع مختلف عن الإجارة من حيث التأبيد فيه، فالإجارة تقوم على التأقيت، ومن حيث إن المعقود عليه (المبيع) في البيع تنتهي علاقته بالبائع، في حين أن العين المؤجرة تبقى مملوكة للمؤجر، فالبيع ينقل ملكية الرقبة والمنفعة، والإجارة تنقل ملكية المنفعة لمدة زمنية فقط.
    وجاء في المغني: "وإذا جمع بين عقدين مختلفي القيمة بعوض واحد كالصرف وبيع ما يجوز التفرق فيه قبل القبض، والبيع، والنكاح، أو الإجارة نحو أن يقول: بعتك هذه الدار وأجرتك الأخرى بألف.. صح العقد فيهما، لأنهما عينان يجوز أخذ العوض عن كل واحدة منهما منفردة، فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين.." (2) .
    وحتى الحنفية قالوا: وإن شرطا شرطاً لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولأحدهما فيه منفعة إلا أنه متعارف بأن اشترى نعلاً وشراكاً على أن يحذوه البائع جاز استحساناً.. لتعارف الناس كما في الاستصناع ، لكنهم قالوا في هذا النوع إذا لم يكن متعارفاً عليه بين الناس لا يجوز (3) ، فالمثال المتعارف عليه الذي ذكره يجمع بين البيع والإجارة فأجازوه لكنهم اشترطوا أن يكون متعارفاً عليه.
    فعلى ضوء ذلك فالجمع بين الإجارة والبيع جائز من حيث المبدأ، والسبب الذي ذكره الفقهاء يصلح لإجارة هذه الصورة من الإجارة المنتهية بالتمليك ، وذلك لأنهم قالوا: إن كل تصرف من الإجارة والبيع جائز على الانفراد فلا يمنع من الجمع بينهما، ولاسيما أنه لا يترتب عليه محظور شرعي من الربا وشبهته كما في الجمع بين البيع والسلف، ولأن محل العقد هنا يجوز بيعه، كما يجوز إجارته.
    وإذا صحح هذا الجمع بصورته الحالية فإنه من الضروري لصحة كل من العقدين أن يتوافر فيه أركانه وشروطه، فإذا توافر ذلك كله بأن كان الشيء المستأجر، أو المبيع مملوكاً مقبوضاً والعاقدان على أهليتهما الشرعية ولم يوجد مانع شرعي في ذلك فإن العقدين صحيحان عند بعض المعاصرين (4) .
    وأما ما يتضمنه هذا العقد من تعليق البيع على شرط دفع الأقساط فهو محل خلاف كبير بين الفقهاء؛ فجمهور الفقهاء لم يجيزوه في حين أن الإمام مالكاً أجازه في قول (5) ، وكذلك الإمام أحمد أجازه في رواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية ودافع عنها (6) .
    وما يقال في هذه الصورة يمكن أن يجري على الصورة الرابعة.
    __________
    (1) مغني المحتاج: 2/41.
    (2) المغني لابن قدامة: 4/260؛ ومنتهى الإرادات: 2/21.
    (3) تحفة الفقهاء: 2/74.
    (4) د. حسن الشاذلي: بحثه السابق –ص2632- وابن بيه: بحثه السابق، ص12.
    (5) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/175-176.
    (6) مجموع الفتاوى: 29/350؛ ويراجع لتفصيل ذلك نظرية الشرط للدكتور حسن الشاذلي، ص531.
    (2/22539)
    --------------
    وأما الصورة السادسة فتدخل في قرار مجمع الفقه، وكذلك الصورة الخامسة وهما تكيفان على أساس عقد الإجارة الحقيقية ثم يتم البيع بعقد مستقل.
    ومن الجدير بالتنبيه عليه هو أن وجود وعد بالبيع، أو حتى اشتراط البيع في العقد لا يحول العقد إلى بيع كما هو الحال في القانون ، لأن العاقدين أرادا الإجارة فعلاً، لا البيع في الأول، ولأن الأجرة دفعت شهرياً كأجرة وليست كقسط لبيع فكيف تتحول الأجرة إلى ثمن؟ لذلك فتكييف العقد بأنه بيع بثمن مقسط تكتنفه صعوبات كثيرة في إطار الفقه الإسلامي (1) ، ولهذا النوع صور في الفقه الإسلامي منها الهبة بشرط العوض حيث لم يجعلها الجمهور بيعاً لأن مآلها إلى البيع كما سيأتي.
    وكل ما يمكن قوله في التكييف الفقهي لهذه الصورة هو أن هذا العقد إجارة ابتداء وبيع انتهاء، وهذا التكييف له نظائر في الفقه الإسلامي كما سبق.
    إصدار صكوك الإجارة المنتهية بالتمليك :
    إن من أفضل العقود وأكثرها ملاءمة لإصدار الصكوك عليها هو عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، حيث إن أقساط الإجارة تحدد تماماً نسبة الربح فتكون معلومة لمشتري هذه الصكوك، فمصدر الصكوك الخاصة بالإجارة المنتهية بالتمليك يستطيع أن يعلن عن نسبة الربح المتوقع في العملية كلها، فمثلاً لو أن المؤسسة المالية اشترت طائرات أو مصانع بمائة مليون دولار وأجرتها لمدة عشر سنوات مثلاً مع ملاحظة قيمتها التي تباع بها من خلال الوعد، وظهر من خلال ذلك أن الربح هو (10 % ) فإن الصكوك يمكن أن تصدر بها (2) .
    بدائل عن الإجارة المنتهية بالتمليك:
    1-ذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الخامسة عام 1409 هـ بديلاً عن الإجارة المنتهية بالتمليك وهو البيع بالتقسيط مع الحصول على الضمانات الكافية.
    ولكن هناك بدائل أخرى منها:
    2- عقد بيع مع اشتراط عدم نقل الملكية أو عدم التصرف في المبيع إلا بعد سداد جميع الثمن المؤجل.
    __________
    (1) د. الشاذلي، المرجع السابق، ص2639.
    (2) يراجع لمزيد من التفصيل حول الصكوك الإسلامية: بحثنا حول التطبيقات العلمية لإقامة السوق الإسلامية، المقدم إلى دورة المجمع الثامنة ببروناي.
    (2/22540)
    --------------
    وفي هذا البديل معظم المقاصد التي يتوخاها العاقدان في الإجارة المنتهية بالتمليك .
    وهذا البديل أجازه بعض الفقهاء حيث نص المالكية على أنه يجوز بيع شيء مع اشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة بأي نوع من أنواع التصرفات –معاوضة أو تبرعاً- حتى يؤدي المشتري الثمن كاملاً، وإلا انفسخ العقد، واعتبروه بمثابة الرهن (1) ، وهذا الرأي هو رأي ابن شبرمه ، وابن تيمية ، وابن القيم (2) الذين يصححون كل شرط إلا شرطاً خالف نصاً من الكتاب والسنة.
    3-عقد بيع بالتقسيط مع إعطاء الخيار (أي خيار الشرط ) للبائع، أو المشتري، أو لكليهما وذلك بأن يقول: بعت لك هذه الطيارة بمبلغ كذا على أن تقسط المبلغ على عشرين شهراً كل شهر تدفع كذا، ولي الخيار لمدة عشرين شهراً.
    وهذا العقد بهذه الصورة جائز عند من أجاز أن تكون مدة الخيار مدة طويلة معلومة وهو مذهب أحمد ، ومحمد بن الحسن الشيباني ، وأبي يوسف ، صاحبي أبي حنيفة ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمه، والثوري ، وابن المنذر ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، حيث ذهبوا إلى تفويض مدة الخيار إلى العاقدين (3) .
    4-صيغة العقد على أساس الهبة بثواب (أي بعوض) بأن يقول صاحب الدار، أو المعدات: "وهبتك هذه الدار على أن تعطيني أو بشرط أن تعطيني في كل شهر مبلغ كذا لمدة عشرين شهراً مثلاً".
    وهذه أيضاً جائزة عند الفقهاء، فقد ذكر صاحب الدر المختار أن البيع لا يشمل الهبة بعوض ، وعلق على ذلك ابن عابدين بقوله: "فإنه: (أي المذكور أي الهبة بعوض) ليس ببيع ابتداءً وإن كان في حكمه بقاءً.. وكذا لو وهبه شيئاً على أن يعوضه عنه شيئاً معيناً فهو هبة ابتداءً مع وجود المبادلة المشروطة" (4) .
    ثم ذكر أن الهبة بشرط العوض وإن كانت في معنى البيع، لكنه يشترط فيها شروط الهبة وليست البيع، فقال صاحب الدر المختار: "ولذا يشترط فيه شرائط الهبة كقبض، وإفراز، وعدم شيوع"ولو كان العوض يسيراً كما أن العوض يمنع جواز رجوع الواهب عن هبته (5) .
    وقال الحطاب المالكي : "إذا قال: وإن أعطيتني.. دارك فقد التزمت لك بكذا، أو ملك بكذا.. فهذا من باب الهبة" (6) ، وجاء في الشرح الكبير: "وجاز للواهب شرط الثواب أي العوض على هبته.. نحو وهبتك هذا بمائة، أو على أن تثيبني، ولزم الثواب بتعيينه إن قبل الموهوب له فيلزمه دفع ما عين، وأما عقد الهبة المشروط فيها الثواب فلازم للواهب بالقبض عين الثواب أم لا"، وعلق عليه الدسوقي فقال: وأما الموهوب له فلا يلزمه إلا بالفوات، وما ذكره الشارح من لزومها بالقبض للواهب عين الثواب، أم لا غير ظاهر، فإن توقف لزوم العقد على القبض وإنما هو إذا كان الثواب غير معين، وأما إذا عين الثواب عند عقد الهبة ورضي الموهوب له فلا يتوقف اللزوم على قبض بل يلزم العقد كلاً منهما بسبب تعيينه كالبيع...، ولذا قال البساطي: "ولزم العقد بتعيينه أي الثواب" (7) .
    __________
    (1) يراجع فتح العلي المالك: 1/364؛ ود. الشاذلي: نظرية الشرط، ص217،365.
    (2) مجموع الفتاوى: 29/350؛ وإعلام الموقعين: 3/389.
    (3) المغني لابن قدامة: 3/498؛ ومطالب أولي النهي: 3/89؛ والمبسوط: 13/41؛ و الفتاوى الهندية: 3/38؛ والمجموع: 9/190؛ والمحلى لابن حزم : 8/373؛ ويراجع: الخيار وأثره في العقود للدكتور عبد الستار أبو غدة، ط. دلة البركة، ص221.
    (4) حاشية ابن عابدين: 4/5.
    (5) المصدر السابق: 4/517.
    (6) الالتزامات للحطاب، ص211.
    (7) الشرح الكبير مع الدسوقي: 4/114.
    (2/22541)
    --------------
    وذكر النووي أن الهبة المقيدة بالثواب –أي بالعوض- إما أن يكون الثواب معلوماً، أو مجهولاً.
    فالحالة الأولى: المعلوم، فيصح العقد على الأظهر ، ويبطل على قول، فإن صححنا فهو بيع على الصحيح ، وقيل: هبة، فإن قلنا: هبة لم يثبت الخيار والشفعة، و لم يلزم قبل القبض، وإن قلنا: بيع ثبتت هذه الأحكام.
    الحالة الثانية: إذا كان الثواب مجهولاً، فإن قلنا: الهبة لا تقتضي ثواباً بطل العقد، لتعذر تصحيحه بيعاً وهبة، وإن قلنا: تقتضيه صح، وهو تصريح بمقتضى العقد، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور..." (1) .
    وجاء في المنهاج وشرحه للمحلى: "ولو وهب بشرط ثواب معلوم فالأظهر صحة العقد ويكون بيعاً على الصحيح نظراً إلى المعنى، والثاني يكون هبة نظراً إلى اللفظ فلا يلزم قبض" (2) .
    وجاء في المغني: "فإن شرط في الهبة ثواباً معلوماً صح نص عليه أحمد ، لأنه تمليك بعوض معلوم فهو كالبيع، وحكمها حكم البيع في ضمان الدرك وثبوت الخيار والشفعة وبهذا قال أصحاب الرأي" وقال أبو الخطاب : "وقد روى عن أحمد ما يقتضي أن يغلب في هذا حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به" (3) .
    __________
    (1) روضة الطالبين: 5/386-387.
    (2) شرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي القليوبي، وعميرة: 3/114.
    (3) المغني لابن قدامة: 5/685.
    (2/22542)
    --------------
    والخلاصة:
    أن هذا العقد صحيح وهل يعتبر بيعاً أو بمثابة البيع نظراً إلى المعنى والمؤدى، أم هل يعتبر هبة نظراً للفظ والتعبير على خلاف بين الفقهاء، وإذا اعتبر بيعاً تطبق عليه أحكام البيع وضوابطه، في حين إذا اعتبر هبة تطبق عليه أحكام الهبة وضوابطها، وهذا النوع أقرب شيء إلى الإيجار المنتهي بالتمليك .
    ونلاحظ أن جماهير الفقهاء لم يقولوا ببطلان الهبة بشرط العوض بسبب أنها في حقيقتها ومآلها بيع لكنها صيغت بصياغة الهبة، وألبست لباسها، كما أنهم لم يقولوا: إنها داخلة في الحيل، وذلك لأن كلا العقدين صحيح، وأن العاقدين أرادا هذه الصياغة لمصلحة يريدانها.
    5-صياغة العقد على أساس الهبة المعلقة:
    إذا علق الهبة على شرط سداد جميع الأقساط المتفق عليها خلال مدة يتفق عليها بأن يقول: إذا قمت بسداد جميع الأقساط المتفق عليها خلال عشرين شهراً مثلاً فإني وهبتك هذه الدار، ووافق عليها الطرف الآخر، فهذا مجال خلاف كبير بين الفقهاء، حيث أجازه بعض الفقهاء منهم المالكية وقول في المذهب الحنفي بناء على صحة تعليق الهبة على شيء في المستقبل، في حين لم يصححها الأكثرون بناء على عدم صحة ذلك (1) .
    وقد دل على صحة تعليق الهبة ما رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أم كلثوم بنت أبي سلمة، قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال: ((إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواني مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة علي، فإن ردت فهي لك))، قالت: "فكان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة" (2) .
    فهذا الحديث يدل على صحة تعليق الهبة على شيء قد يتحقق في المستقبل، وهو نص في الموضوع.
    __________
    (1) يراجع: الالتزامات للخطاب: 1/180؛ ونظرية الشرط، ص135.
    (2) مسند أحمد: 6/404؛ وصحيح ابن حبان، الحديث رقم (1144)، والحديث وإن كان فيه مقال لكنه ينهض حجة على هذا الحكم لما له من شواهد ومتابعات.
    (2/22543)
    --------------
    تلف العين المؤجرة ، وحدوث عيب فيها، وصيانتها:
    تلف العين المؤجرة (1) .
    إذا تلفت العين المؤجرة فترد عليها عدة مسائل نذكرها هنا لأهميتها وهي:
    1-التلف قبل القبض، أو بعده:
    أ-إذا تلفت العين المؤجرة تلفاً كلياً قبل القبض وبعد العقد فإن الإجارة تنفسخ بغير خلاف نعلمه كما قال ابن قدمة (2) .
    ب-إذا تلفت بعد القبض مباشرة وقبل استيفاء المنفعة فإن الإجارة تنفسخ على ضوء التفصيل الذي يذكر آنفاً، قال ابن قدامة في هذه الحالة: "إن الإجارة تنفسخ، ويسقط الأجر، في قول عامة الفقهاء إلا أبا ثور حكي عنه أنه قال: يستقر الأجر لأن المعقود عليه أتلف بعد قبضه أشبه المبيع، وهذا غلط، لأن المعقود عليه المنافع، وقبضها باستيفائها، أو التمكن من استيفائها، ولم يحصل ذلك فأشبه تلفها قبل قبض العين" (3) .
    جـ-أن تتلف بعد مضي شيء من المدة فتنفسخ فيما بقي من المدة دون ما مضى فيستحق المستأجر الأجرة بقدر ما استوفى من المنفعة، وإذا حدث نزاع فالمرجع في تقويم المقدار هو أهل الخبرة، جاء في الروضة: "وفي الماضي طريقان: أحدهما القول بالفسخ في الماضي وحينئذٍ يسقط المسمى وتجب أجرة المثل ، والطريق الثاني: أنه لا ينفسخ فيه، وحينئذٍ فهل له خيار الفسخ؟ وجهان أصحهما عند الإمام والبغوي: لا، لأن منافعه استهلكت، والثاني: نعم وبه قطع ابن الصباغ وآخرون، لأن جميع المعقود عليه لم يسلم، وحينئذٍ وجب قسط ما مضى من المسمى والتوزيع على قيمة المنفعة وهي أجرة المثل، لا على نفس الزمان وذلك يختلف فربما تزيد أجرة شهر على أجرة شهرين لكثرة الرغبات في ذلك الشهر، فإن كانت مدة الإجارة سنة ومضى نصفها، وأجرة المثل فيه مثلا أجرة المثل في النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه، وإن كانت بالعكس فثلثه" (4) .
    __________
    (1) يراجع في موضوع التلف: بدائع الصنائع للكاساني: 6/2675؛ والمبسوط للسرخسي: 1/137؛ والذخيرة للقرافي: 5/476؛ ومواهب الجليل مع التاج والإكليل: 7/561-562؛ والمغني لابن قدامة: 5/455؛ الروضة: 5/240؛ والمحلى لابن حزم : 9/5-12.
    (2) المغني لابن قدامة: 5/453؛ والروضة: 5/240.
    (3) المرجع السابق نفسه.
    (4) الروضة: 5/241 مع تصرف قليل في بعض العبارات.
    (2/22544)
    --------------
    2 -أثر التلف في العقد:
    لاشك أن محل عقد الإجارة هو المنفعة، فمادامت المنفعة باقية، فالعقد باقٍ ومستمر إلى مدته أو الاتفاق على إنهائه.
    أما إذا لم يكن الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب تلفها أو هلاكها فإن الفقهاء ذكروا تفصيلات حول أثر ذلك على فسخ العقد :
    أ-إذا كانت الإجارة واردة على الذمة وليست على عين معينة فإن العقد يظل صحيحاً ، ولا يؤثر تلف العين المؤجرة أو هلاكها بإنهاء العقد، وذلك لأن على المؤجر القيام بالبديل المضاهي للعين المستأجرة التي هلكت ليحل محلها، وعلى المستأجر قبول ذلك (1) .
    ب-أما إذا كانت الإجارة واردة على عين معينة مثل الدار الفلانية، أو تلك السيارة المعينة، أو نحو ذلك فإن العقد ينفسخ إذا لم يبق هناك مجال للفائدة مطلقاً، وذلك مثل أن تموت الدابة المستأجرة، أو تحترق السيارة فلا تبقى إمكانية الانتفاع حتى بأجزائها، أما إذا بقي احتمال الانتفاع بها فقد اختلف الفقهاء في تقدير إمكانية المنفعة مع تلف العين المؤجرة .
    فمثلاً اختلف الفقهاء في انهدام الدار المؤجرة هل يؤدي إلى فسخ العقد أم لا؟
    فذهب جمهور الفقهاء –الحنفية في الرأي المرجوح عندهم، والمالكية، والشافعية، في القول الراجح، والحنابلة على الوجه الراجح عندهم، والظاهرية (2) – إلى أن عقد الإجارة ينفسخ مباشرة بالانهدام، لأن محل العقد لم يعد صالحاً لتحقيق المنفعة المنشودة وهي السكنى.
    __________
    (1) المصادر السابقة نفسها.
    (2) المبسوط: 15/136؛ والتاج والإكليل على مختصر خليل: 7/562؛ والروضة: 5/341-342؛ والمغني لابن قدامة: 5/454؛ وشرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة: 3/84؛ والمحلى: 9/5-12.
    (2/22545)
    --------------
    وذهب الحنفية في الأصح عندهم، والشافعية في قول مرجوح، والحنابلة في وجه، إلى عدم الانفساخ، وذلك لأنه يمكن الانتفاع بالعرصة بعد انهدام الدار بنصب خيمة، أو جمع حطب، أو بيع الأشياء فيها، أو نحو ذلك فلم تبطل المنفعة جملة، ولذلك يكون المستأجر بالخيار بين الفسخ والإمضاء، فإن فسخ كان عليه أجرة ما مضى على ضوء ما سبق، وإن أمضاه ورضي به فعليه جميع الأجر، لأن ذلك بمثابة عيب رضي به فسقط حكمه (1) ، والأول أرجح لعدم بقاء المعقود عليه الذي أراده العاقدان، قال ابن قدامة في ترجيح رأي الجمهور: "لأنه زال اسمها –أي الدار- بهدمها وذهبت المنفعة التي تقصد منها، ولذلك لا يستأجر أحد عرصة دار يسكنها" (2) .
    غصب العين المؤجرة:
    إذا غصبت فقد ثبت للمستأجر حق الفسخ ، لأن فيه تأخير حقه، فإن فسخ فالحكم فيه كحكم الفسخ عند هلاك العين من حيث احتساب الأجرة لما مضى.
    وإن لم يفسخ حتى مضت مدة الإجارة فله الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى، وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل، لأن المعقود عليه لم يفت مطلقاً بل إلى بدل، وهو القيمة فأشبه ما لو أتلف آدمي الثمرة المبيعة قبل قطعها، ويتخرج انفساخ العقد بكل حال على الرواية التي تقول: إن منافع الغصب لا تضمن وهو قول الحنفية (3) .
    عدم الانتفاع بالعين المستأجرة لظروف قاهرة أي خارجة عن إرادة العاقدين، وذلك كحدوث حرب في منطقة خاف أهلها من البقاء فيها فتركوها، وبينهم المستأجرون، فقد ذكر ابن قدامة أن هذا يثبت للمستأجر خيار الفسخ، لأنه –أي الخوف العام- أمر غالب يمنع المستأجر استيفاء المنفعة فأثبت الخيار كغصب العين، ولذلك لا يستوجب الخوف الخاص الخيار، فلو أن المستأجر يخاف من السكنى في الدار لخوف خاص به مثل أن يخاف وحده لقرب أعدائه من منزله المستأجر، أو حلولهم في طريقه لم يملك الفسخ، لأنه عذر يختص به لا يمنع استيفاء المنفعة بالكلية، حيث يستطيع تأجيره لغيره (4) .
    __________
    (1) المصادر السابقة نفسها.
    (2) المغني: 5/455.
    (3) المصدر السابق: 5/455-456؛ والروضة: 5/342؛ والذخيرة: 5/537.
    (4) المغني: 5/456؛ وشرح منتهى الإرادات: 2/264.
    (2/22546)
    --------------
    العيب في العين المستأجرة:
    إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً (1) لم يكن يعلم به أثناء العقد، فإن العقد لا ينفسخ، وإنما يكون للمستأجر حق الفسخ "بغير خلاف نعلمه"كما قال ابن قدامة (2) فهو بالخيار إن شاء فسخ العقد وإن شاء قبل بالعقد كما هو الحال في العيب في البيوع، لكن جماعة من الفقهاء قالوا: لو بادر المؤجر بإصلاح العيب سقط الخيار (3) .
    وكذلك الحكم إذا وجد عيباً فيها بعد العقد، وحتى بعد القبض –خلافاً لما في البيع- وذلك لأن الإجارة عقد على المنافع، وهي تتجدد، ويحتاج إليها طوال فترة الإجارة، كما أنها لا يحصل قبضها إلا شيئاً فشيئاً، فإذا حدث العيب فهو خلل يسبق البقية الباقية من المنافع المطلوبة إلا إذا قام بإصلاحه فوراً فلا يحق له الفسخ.
    وإن اختلفا في كون الشيء عيباً أم لا، فالمرجع في ذلك أهل الخبرة.
    وفي كلتا الحالتين فالمستأجر إذا فسخ فالحاكم فيه كحكم ما سبق من الانفساخ بتلف العين.
    وإذا رضي بالعين المؤجرة مع وجود العيب فما الذي يلزمه من الأجرة، هل كلها؟ أم ينقص منها بقدر العيب؟
    هذا ما ثار فيه الخلاف بين الفقهاء:
    فذهب جمهور الفقهاء (منهم الحنفية، والشافعية في وجه، والحنابلة) (4) إلى أنه إذا رضي بالعين المؤجرة فتجب عليه الأجرة كاملة، لأنه رضي به ناقصاً فأشبه لو رضي بالمبيع معيباً حيث ليس له إلا الثمن.
    __________
    (1) المراد بالعيب هنا هو ما ينقص الانتفاع المقصود بالعين المؤجرة مثل هدم حائط للدار، أما ما لا يفوت شيئاً من الانتفاع على المستأجر مثل انهدام جزء يسير منها لا يضر بالمنفعة المقصودة له من الدار وهو السكنى فإن ذلك لا يثبت الخيار وحق الفسخ. انظر: المغني: 5/457؛ والروضة: 5/239؛ والمبسوط: 15/136.
    (2) المغني: 5/457.
    (3) الروضة: 5/239؛ والمغني: 5/457.
    (4) يراجع: المبسوط: 15/136؛ والروضة: 5/239؛ والمهذب: 1/405؛ والمغني: 5/457؛ ويراجع الوسيط في عقد الإجارة للدكتور عبد الرحمن محمد عبد القادر، ط. دار النهضة العربية بالقاهرة ، ص238.
    (2/22547)
    --------------
    وذهب المالكية، والشافعية في وجه (1) ، إلى أن جميع الأجرة لا تجب عليه، لأنه لم يستوف جميع ما استحقه من المنفعة المقصودة بمقدار العيب، فلو أن العيب قد أثر في الانتفاع بالعين المؤجرة بنسبة (10 % ) مثلاً فإن هذه النسبة تحسم من الأجرة.
    والذي يظهر رجحانه هو رأي الجمهور، إذ أن الرأي الثاني قد يؤدي إلى الإجحاف بحق المؤجر، إذ أنه قد يجد مستأجراً لبيته مثلاً يدفع له مثل الأجرة السابقة، كما أن إعطاء حق الخيار للمستأجر يفسح له المجال للنظر فيما هو يحقق مصلحته، ويدرأ عنه المفسدة والمضرة، فهو إما أن يرد العين المؤجرة، أو يقبلها كما تم الاتفاق عليه، أما أن يرضى بالعين المؤجرة ويطالب بتقليل الأجرة فهذا فيه شيء من الإجحاف بحق المؤجر، كما أن الأجرة عقد رضائي لا يمكن لأحد العاقدين أن يفرض شيئاً على الآخر إلا برضاه، ورضا المؤجر تم على الأجرة كلها وليست على بعضها، والعيب أثبت له حق الفسخ فقط وليس حقاً آخر كما هو الميزان في البيع ونحوه.
    ثم إن هذه الأحكام خاصة بما إذا كان عقد الإجارة واقعاً على شيء معين، أما إذا كان وارداً على العين الموصوفة في الذمة فإن عقد الإجارة لا ينفسخ بالعيب مطلقاً، بل يجب على المؤجر أن يأتي بما تم الاتفاق عليه سليماً، وبعبارة أخرى يغيرها إلى الشيء المتكامل فيه الأوصاف المتفق عليها (2) ، قال ابن قدامة: "هذا إذا كان العقد يتعلق بعينها، فأما إن كانت موصوفة في الذمة لم ينفسخ العقد، وعلى المكري إبدالها لأن العقد لم يتعلق بعينها فأشبه المسلم فيه إذا سلمه على غير صفته، فإن عجز عن إبدالها أو امتنع عنه ولم يمكن إجباره عليه فللمكتري الفسخ أيضاً" (3) .
    على من تقع تبعة الهلاك؟ وهل يمكن أن يتحملها المستأجر؟
    اتفق الفقهاء –من حيث المبدأ- على أن المستأجر يده يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدي والإتلاف، والتقصير والإهمال، ومخالفة الشروط المتفق عليها في العقد، ومخالفة العرف السائد في إجارة كل شيء، بحيث يكون استعماله استعمال الرجل الحريص على أموال الآخرين فلا يزيد على ما يتحمله الشيء فوق طاقته وإلا أصبح ضامناً (4) .
    __________
    (1) الذخيرة: 5/532؛ والكافي، ص369؛ والروضة: 5/239.
    (2) المبسوط للسرخسي: 15/136؛ والتاج والإكليل: 7/566؛ والذخيرة: 5/476؛ والمغني لابن قدامة: 5/457.
    (3) المغني: 5/457-458.
    (4) يراجع بحثنا حول مدى مسؤولية مجلس الإدارة عن الخسائر، المقدم إلى الدورة 14 للمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
    (2/22548)
    --------------
    وفي المذهب المالكي رأي مرجوح أنه ضامن، قال القرافي : "وقيل ضامن" (1) ، ونحن هنا لا ندخل في تفاصيل هذا المبحث، ولكنه بلا شك يعتبر هذه المسألة من أهم القضايا التي تفكر فيها المصارف الإسلامية وتسعى جاهدة لإيجاد ضمانات كافية من خلال الشروط، والتأمين ونحو ذلك.
    والخلاصة أن تبعة الهلاك تقع من حيث المبدأ على المؤجر ( البنك ) ما دام العقد قد صيغ صياغة عقد الإجارة ، حتى القانون المدني يحمله تبعة الهلاك على الرغم من أنه يكيفه على أساس البيع بالتقسيط –كما سبق- وأما الأجير بشقيه (الخاص والمشترك) فقد سبق أن الأجير العام أو المشترك ضامن على الراجح ، أما الأجير الخاص فغير ضامن.
    هل يمكن أن يتحملها المستأجر؟
    لتحمل المستأجر تبعة الهلاك في الإجارة بصورة عامة وفي الإجارة المنتهية بالتمليك بصورة خاصة طريقتان:
    الطريقة الأولى: أن يتحملها طوعاً دون أن يذكر ذلك في العقد، وذلك بأن يتعهد تعهداً مستقلاً عن عقد الإجارة –مكتوباً أو شفهياً- بأنه يتحمل تبعة الهلاك فيما لو هلكت العين المستأجرة، أو تلفت تلفاً كلياً أو جزئياً، وهذا يدخل في الوعد من طرف واحد اعتبره جماعة من الفقهاء منهم المالكية في قول لهم، وابن شبرمة وغيرهم كما سبق.
    الطريقة الثانية: أن يكتب ذلك في العقد كشرط من الشروط المقترنة بالعقد، وهذا غير جائز عند جمهور الفقهاء، لأنه شرط يخالف مقتضى العقد ، غير أنه يفهم من كلام ابن رشد في المقدمات والممهدات ومن كلام القرافي في الذخيرة أنه على قول أشهب يجوز اشتراط ما يخالف مقتضى العقد ، فمثلاً يد الأجير المشترك على سلعة يؤثر فيها يد ضمان في بيته أو حانوته، ومع ذلك لو اشترط عدم الضمان ففيه ثلاثة أقوال.. قال أشهب: ينفع، لأن الأصل اعتبار العقود –أي الشروط-، ولأنه كان قادراً على عدم التزامه، وإنما رضي المسمى أي من الأجر لسقوط الضمان عليه، وكذلك ينفع شرط عدم الضمان في المستعير والمرتهن، لأن هذا الشرط زيادة معروف، ولكن القول المشهور هو أن هذا الشرط لا ينفعه "لأنه خلاف مقتضى العقد" (2) .
    بل أكثر من ذلك، فقد رأيت أن الإمام أحمد يرى في أحد قوليه جواز اشتراط الضمان على المستأجر، جاء في المغني: "فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد، وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم، وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه ووجوبه بشرطه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم)) (3) وهذا القول للإمام أحمد في غاية من الأهمية، إذ أنه يحقق الأمن والأمان للبنوك الإسلامية حيث لا تخاف من ضياع رأسمالها على أقل تقدير، وهذا رأي وجيه مستند على حديث صحيح ممكن الاعتماد عليه في الظروف الحالية التي نعيشها من حيث انعدام الثقة ونحوها.
    ومن جانب آخر يمكن التخفيف من آثار ذلك على البنوك الإسلامية وغيرها، من خلال اشتراط أن يكون عبء الإثبات لحالات عدم الضمان على المستأجر، وتوضيح ذلك هو أنه غير ضامن إلا في حالات التعدي والتقصير ومخالفة الشروط والعرف –كما سبق- وأن عبء الإثبات لهذه الحالات يقع على المؤجر عند جمهور الفقهاء، وبعبارة أخرى أن الأصل هو عدم الضمان، وإذا ادعى المؤجر الضمان بسبب التعدي أو التقصير فإن عبء الإثبات يقع عليه وهو ليس بأمر هين ولا سيما أنه غائب عن العين المستأجرة، وبالأخص في تأجير السيارات والطائرات والبواخر، فلو اشترط المؤجر على المستأجر بأنه في حالة التلف أو الهلاك الكلي، أو الجزئي فإن عبء الإثبات يقع عليه وبعبارة أخرى إذا لم يثبت أنه غير متعد، وغير مقصر، وغير مخالف للشروط والعرف فإنه يجب عليه الضمان.
    __________
    (1) الذخيرة: 5/502؛ والتعبير بقيل يدل على الضعف الشديد.
    (2) يقرأ بدقة: الذخيرة: 5/505؛ والمقدمات والممهدات: 3/151-252.
    (3) المغني لابن قدامة: 8/114-115، والحديث رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم –مع فتح الباري-: 4/451، ورواه غيره.
    (2/22549)
    --------------
    فهذا الشرط إن صح يحقق العدالة للطرفين، ويتوافق مع عصرنا الحاضر، وطبيعته القائمة على فساد معظم الذمم وعدم تقوى الله تعالى إلا ما رحم ربي، وهو موافق لمذهب بعض الصحابة الكرام الذين قالوا بضمان الأجير المشترك وقالوا: "لا يصلح الناس إلا ذلك" (1) ، وقد روى البيهقي عن الشافعي أنه قال:
    قد ذهب إلى تضمين القصار شريح ، فضمن قصاراً احترق بيته، فقال: "تضمنني وقد احترق بيتي" ؟ فقال شريح: "أرأيت لو احترق بيته كنت تترك له أجرك؟ " وروى أيضاً بسنده عن أبي هيثم أنه قدم دهن له من البصرة وأنه استأجر حمالاً يحمله، والقارورة ثمنها ثلاثمائة، أو أربعمائة، فوقعت القارورة وانكسرت فأردت أن يصالحني فأبى فخاصمته إلى شريح، فقال له شريح: "إنما أعطى الأجر لتضمن فضمنه شريح، ثم لم يزل الناس حتى صالحته" (2) .
    والمقصود أن الفقهاء كيف غيروا فتاواهم السابقة من عدم الضمان إلى الضمان لسوء أخلاق البعض، وللحفاظ على الأموال وعدم الاستهانة بها.
    ومن جانب آخر فإن هناك شبهاً بين المستأجر وبين الأجير المشترك بجامع الإجارة ، فلو قلنا بأن عبء الإثبات يقع عليه لما أخطأنا الهدف وهو أقل بكثير من القول بالضمان الواقع على الأجير المشترك، حتى ولو لم يكن له دخل وأثر في التلف والهلاك.
    وأيضاً فإن قياس المستأجر على المضارب والشريك قياس مع الفارق حيث إن المستأجر لا يخسر شيئاً بتلف العين المؤجرة إذا انفسخ العقد، بل قد يستفيد فيما لو كانت الأجرة مرتفعة في وقت التلف لأي سبب من الأسباب، وحينئذٍ إذا انفسخ العقد بتلف العين المؤجرة فإنه يستفيد من خلال تأجير عين أخرى من نفس الجنس وبأقل من الأجرة التي كان يدفعها.
    أما المضارب، أو الشريك فإنه في حالة الخسارة فقد خسر الجهد، كما خسر رب المال ماله، فهناك نوع من التعادل، كما أن الربح يعود على الطرفين، أما المستأجر فلا يخسر شيئاً بل قد يستفيد من هذا التلف –كما سبق-.
    __________
    (1) السنن الكبرى للبيهقي: 5/122.
    (2) السنن الكبرى للبيهقي: 5/122-123.
    (2/22550)
    --------------
    وفي الإجارة المنتهية بالتمليك يكون الأمر أكثر تعقيداً وذلك لأن المستأجر قد لا يريد تنفيذ جميع بنود الإجارة بسبب أن الأجرة حسب السوق الحالية مرتفعة، وإن كانت عند العقد غير مرتفعة، أو أنه لا يريد أن يلتزم بشراء هذه الطائرة، أو الباخرة لأي سبب معقول أو غير معقول، ومن هنا يرد احتمال التهمة، وقد قال جماعة من الفقهاء بأن الوكيل ونحوه لا يصدقون إذا كان هناك مجال للتهمة (1) .
    ولذلك فالذي يظهر لي رجحانه أنه في الإجارة بصورة عامة، وفي الإجارة المنتهية بالتمليك بصورة خاصة، لا يصدق المستأجر في تلف العين المستأجرة، ولا في إدعاء عدم التعدي والتقصير ومخالفة الشروط والعرف إلا ببينة مقنعة، فإذا لم يأت بها فيجب عليه الضمان ، ولا أرى أي مانع من تثبيت هذا الشرط من الشروط المقترنة بالعقد للأسباب التي ذكرناها آنفاً.
    وسيلة أخرى لحماية المؤجر:
    يستطيع المؤجر ( البنك أو نحوه) أن يطلب من المستأجر بأن يهيئ له طرفاً ثالثاً يضمن العين المؤجرة، وهذا أجازه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة ، وبقراره رقم (5) في 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 6-11 فبراير 1988م حيث نص على أنه "ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار، أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين على أن يكون التزاماً مستقلاً".
    __________
    (1) المغني لابن قدامة: 5/102.
    (2/22551)
    --------------
    الهلاك الكلي والجزئي للعين المستأجرة في القانون :
    وتتفق القوانين المدنية على أن هلاك العين المستأجرة هلاكاً كلياً يترتب عليه انفساخ العقد تلقائياً، أما هلاك العين جزئياً، أو إذا أصبحت العين في حالة لا تصلح معها للانتفاع الذي أجرت لأجله، أو نقص هذا الانتفاع نقصاً كبيراً ولم يكن للمستأجر يد في شيء من ذلك، فيجوز له –إذا لم يقم المؤجر في ميعاد مناسب بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها- أن يطلب تبعاً للظروف إما إنقاص الأجرة أو فسخ الإيجار ذاته دون إخلال بما له من حق في أن يقوم بنفسه بتنفيذ التزام المؤجر وفقاً لأحكام المادة السابقة (أي المادة 568م م) وفي هاتين الحالتين لا يجوز للمستأجر أن يطلب تعويضاً إذا كان الهلاك أو التلف يرجع إلى سبب لا يد للمؤجر فيه (1) .
    ونصت المادة 11 من قانون (2) لسنة 1975م في شأن إيجار الأماكن والمباني بقطر على أنه "إذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً انفسخ العقد من تلقاء نفسه.
    أما إذا كان هلاك العين المؤجرة جزئياً، أو أصبحت في حالة غير صالحة للانتفاع، أو نقص هذا الانتفاع نقصاً كبيراً، أو كان من شأنها أن تعرض صحة المستأجر، أو من يعيشون معه أو يعملون لديه لخطر جسيم ولم يكن للمستأجر يد في شيء من ذلك كله جاز للمستأجر أن يطلب فسخ العقد ".
    وهذه الأحكام كما ترى لا تجد فيها مخالفة لما ذكرناه سابقاً، ويلاحظ في هذا المقام أن معظم القوانين العربية ألزمت المهندس المعماري والمقاول متضامنين بضمان ما يحدث خلال السنوات العشر اللاحقة لتسلم العمل من تهدم كلي، أو جزئي فيما شيدوه من مبان، أو أقاموه من منشآت ثابتة أخرى، ولو كان التهدم ناشئاً عن عيب في الأرض ذاتها، أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشآت المعيبة ما لم يكن المتعاقدان في هذه الحالة قد أرادا أن تبقى هذه المنشآت مدة أقل من عشر سنوات (المادة 651م م) وإذا كان المالك هو الذي أقام البناء ولم يعهد به إلى مقاول فإن مدة الضمان تبدأ من تاريخ إنهاء جميع الأعمال اللازمة لإقامة المبنى وإعداده صالحاً للاستعمال (2) .
    __________
    (1) هذا هو مقتضى نص المادة (569) من القانون المدني المصري، والمادة (537) من القانون المدني السوري، والمادة (751) من القانون المدني العراقي، والمادة (568) من القانون المدني الليبي، ويراجع د. السنهوري (المرجع السابق: 6/1/282).
    (2) ينظر: موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية، ط. القاهرة 1955م، ص439.
    (2/22552)
    --------------
    صيانة العين المؤجرة:
    إن من أهم المسائل التي تثار في موضوع الإجارة بصورة عامة، وفي موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك بصورة خاصة، موضوع الصيانة للعين المؤجرة على من تكون هذه الصيانة؟ وهل يمكن تحميلها للمستأجر برضاه؟
    قبل الإجابة عن ذلك أرى أنه من الأفضل أن نذكر بإيجاز موقف القانون من ذلك.
    فالقانونان المدني المصري والفرنسي يلزمان المؤجر بتعهد العين المؤجرة بالصيانة وبالقيام بجميع الترميمات الضرورية حتى يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين طيلة فترة الإجارة.
    فقد قرر القانون المدني المصري في مادته 567 الفقرة (1) التزام المؤجر بتعهد العين بالصيانة لتبقى على الحالة التي سلمت بها، وأن يقوم في أثناء الإجارة بجميع الترميمات الضرورية، دون الترميمات التأجيرية.
    ونصت الفقرة 2 على أنه: "عليه أن يجري الأعمال اللازمة للأسطح من تجصيص، أو بياض، وأن يقوم بنزح الآبار والمراحيض ومصارف المياه".
    وفي الفقرة 3 نص على أنه: "يتحمل المؤجر التكاليف والضرائب المستحقة على العين المؤجرة...".
    وفي الفقرة 4 على أن: "كل هذا ما لم يقض الاتفاق بغيره".
    فالفقرة الأخيرة أعطت الحق للعاقدين على الاتفاق على خلاف ذلك بأن تكون جميع أعمال الصيانة على المستأجر، أو عليهما (1) ومعظم التقنينات العربية على هذا المنوال (2) .
    والصيانة والترميم على ثلاثة أنواع:
    1-ترميمات ضرورية لحفظ العين المؤجرة، مثل إصلاح الحائط الذي يريد أن ينقض، وترميم الطوابق السفلية إذا غمرتها مياه فأوهنتها، وترميم الأسقف التي توشك على الانهيار، كل ذلك من الترميمات الضرورية للانتفاع بالعين، وكما أن المؤجر ملزم بإجرائها فإن له كذلك الحق في إجرائها ولو عارض المستأجر ذلك (م 570 م م).
    2-ترميمات تأجيرية مثل إصلاح البلاط، والنوافذ، والأبواب، والمفاتيح، ونحو ذلك، مما يقتضي به العرف ، وهذا النوع يلتزم بها المستأجر ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك (م 582 م م).
    3-ترميمات ضرورية للانتفاع بالعين على الوجه المطلوب، مثل إصلاح السلم ، أو المصعد أو دورة المياه، أو نحو ذلك مما هو مطلوب للانتفاع بالعين على الوجه المطلوب وهذا النوع يقع على عاتق المؤجر إلا إذا وجد اتفاق على خلاف ذلك (3) .
    __________
    (1) د. السنهوري الوسيط: 6/1/257.
    (2) مثل القانون المدني العراقي في مادته (750)، والقانون المدني السوري في مادته (535) واللبناني في مادته (547).
    (3) الوسيط: 6/1/260؛ ومجموعة الأعمال التحضيرية: 4/495.
    (2/22553)
    --------------
    جزاء الإخلال بالصيانة:
    إذا لم يقم المؤجر بالصيانة اللازمة في النوعين الأول والثالث فإن المادة (568 م م) نصت على أن المستأجر له الحق في أن يحصل على ترخيص من القضاء في إجراء ذلك بنفسه، وفي استيفاء ما أنفقه خصماً من الأجرة، وهذا دون إخلال بحقه في طلب الفسخ، أو إنقاص الأجرة، بل إن له الحق في القيام بإجراء الترميمات المستعجلة، أو البسيطة مما يلتزم به المؤجر دون الحاجة إلى ترخيص من القضاء وذلك إذا لم يقم المؤجر بعد إعذاره بتنفيذ هذا الالتزام في ميعاد مناسب على أن يستوفي المستأجر ما أنفقه خصماً من الأجرة، ويقابل هذا النص في القانون المدني العراقي المادة (750 م م) وفي السوري المادة (536 م س) (1) .
    حق الفسخ أو إنقاص الأجرة بسبب عدم الصيانة:
    وإذا لم يشأ المستأجر التنفيذ العيني على النحو السابق جاز له أن يطلب فسخ الإيجار إذا كان حرمانه من الانتفاع بالعين المؤجرة بسبب حاجتها إلى الترميمات حرماناً جسيماً يبرر الفسخ، وللمحكمة حق التقدير طبقاً للقواعد العامة، كما أن له الحق في طلب إنقاص الأجرة، وللمحكمة أن تجيبه فتنقص الأجرة بالقدر المناسب إذا رأت أن هناك مبررات لذلك (المادة 568م م).
    __________
    (1) د. السنهوري: الوسيط: 6/1/267-268.
    (2/22554)
    --------------
    وفي جميع الأحوال أعطى القانون المصري الحق للمستأجر بأن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب نقص الانتفاع بالعين المؤجرة، والتعويض عما أصابه من ضرر في شخصه أو ماله بسبب ذلك، كل ذلك بشرط إعذار المستأجر المؤجر بإجراء الترميمات الضرورية، إذ المسؤولية هنا مسؤولية عقدية وليست مسؤولية تقصيرية (1) .
    غير أنه صدرت عدة قوانين في مصر تنظم بعض أمور الإجارة منها القانون رقم (136) لسنة 1981م حيث ألغى التفرقة بين أعمال الإصلاح المعتاد، وأعمال الصيانة المعتادة وغير المعتادة، وجعلها كلها موزعة بين المالك وشاغل المبنى، فهي تشمل إصلاح درج السلم المكسور، أو المتآكلة، وكسوة الأرضية في السلالم والمداخل، وأعمال البياض والدهانات لواجهات المبنى والشبابيك من الخارج وكذلك الأعمال التي تتطلبها إعادة الحال إلى ما كانت عليه في الأجزاء التي تناولها الترميم والصيانة، واستبدال الزجاج المكسور للسل
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:35 pm

    المكسور للسلم والمناور والمداخل، ونزح الآبار والبيارات ومصارف المياه.
    وقد اعتبر القانون المصري أن نفقات الترميم والصيانة إذا التزم بها المستأجر تعتبر في حكم الأجرة، ولذلك يستطيع المؤجر رفع دعوى الإخلاء على المستأجر عند عدم الوفاء بهذه النفقات (2) .
    __________
    (1) د. السنهوري، الوسيط: 6/1/272.
    (2) الموسوعة في الإجارة المشار إليها، ص445-446.
    (2/22555)
    --------------
    أسئلة بنك التنمية تحدد المشكلة:
    وجه البنك الإسلامي للتنمية بجدة خطاباً أوضح فيه العقبات التي تتطلب حلاً جذرياً بخصوص الصيانة وطالب مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في شهر المحرم عام 1407هـ بالإجابة عن أسئلته موضحاً له أن أنواع الصيانة ثلاثة هي:
    النوع الأول: التشغيل السليم، ويشمل قراءة معدات قياس الحرارة، والمياه، والزيوت، ومتابعة ذلك للتأكد من سلامتها طوال فترات التشغيل.
    النوع الثاني: الصيانة الوقائية ، وتتمثل في أعمال محددة تتم في آجال معلومة يحدث فيها تغيير بعض الأجزاء وضبط البعض الآخر.
    النوع الثالث: الصيانة الطارئة ، وهي أعمال يجب القيام بها عند حدوث عطل فني غير متوقع مما قد يترتب عليه تغيير أجزاء هامة، وتتطلب مهارة فنية فائقة، وهذا النوع من الصيانة يمكن التقليل منه بالتشغيل السليم والصيانة الوقائية.
    وقد طلب البنك في خطابه هذا الإجابة عن أسئلته حول الإيجار المنتهي بالتمليك وكيفية الصيانة فيه، وصدر عن المجمع في دورة مؤتمره الثالث عدة مبادئ بهذا الصدد منها: "أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكاً للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد، أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذٍ عليه".
    ومنها: "أن نفقات التأمين لدى الشركات الإسلامية كلما أمكن ذلك يتحملها البنك".
    ثم عرض البنك هذا الموضوع على مجموعة من الفقهاء الذين استشارهم البنك في بيان أفضل وسيلة لوضع المبادئ الستة التي أقرها المجمع موضع التنفيذ فأشارت عليه بما يأتي:
    1-يجوز للبنك أن يبرم عقداً مع المستأجر يقوم بموجبه المستأجر بصيانة العين المؤجرة مقابل مبلغ مقطوع.
    2-لا مانع شرعاً من توكيل البنك للجهة المراد تأجير المعدات لها بإجراء التأمين على المعدات محل الإيجار على نفقة البنك.
    غير أن بنك التنمية –وهو حريص على عدم مخالفة الشريعة في جميع عملياته- أوضح بأنه يواجه بعض الصعوبات العملية في تطبيق تلك المبادئ السابقة على أسلوب الإيجار المنتهي بالتمليك مبيناً بأن البنك مؤسسة تمويلية تمتد عملياته إلى أربع وأربعين دولة، وأن المعدات والآلات والأجهزة التي يقوم بتأجيرها تختلف مواصفاتها وتتعدد بأنواعها وتتباين أغراضها مما يجعل التزام البنك بصيانتها أمراً عسيراً إن لم يكن مستحيلاً.
    __________
    (2/22556)
    --------------
    وأضاف البنك قائلاً: إن طبيعة الصيانة المطلوبة تختلف من شيء إلى آخر، فبالنسبة للعقارات –مثلاً –فإن أعمال الصيانة واضحة محددة وتتسم بالطابع الموسمي، وتتم في فترات محددة ما عدا الأضرار التي تنجم عن الحوادث الطارئة، أما المعدات والآلات فإن صيانتها تتسم بالاستمرارية، ويصعب لذلك تقديرها مسبقاً لارتباطها بطبيعة التشغيل ونوعه وكفاءة الكوادر الفنية التي تقوم بهذا النوع الفني الشائك من الصيانة الذي يتطلب أن يكون لدى البنك فريق كامل من الخبراء والفنيين في كافة التخصصات وهو أمر يفوق طاقة مؤسسات التمويل الإسلامية، ويضعف مركزها في مواجهة مؤسسات التمويل غير الإسلامية (1) ، وقد طلب البنك البحث عن صيغة تحقق مصالحه، وتتفق مع أحكام الشريعة ومقاصدها، وتجيب بصفة خاصة عن الأسئلة الثلاثة الآتية:
    1-هل يمكن تصنيف أعمال الصيانة المختلفة، كما تقدم وصفها، لمعرفة ما يمكن أن يتحمله المستأجر منها، دون أن يتعارض ذلك مع مقتضى عقد الإيجار ؟
    2-وإذا بقي من أنواع الصيانة ما يقضي الفقه بإلزام مالك العين به، فهل لذلك المالك أن يتفق مع المستأجر على أن يقوم المستأجر بتلك الصيانة مقابل تخفيض الأجرة؟
    3-هل بالإمكان من الناحية الشرعية أن يتم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على أن يقوم الأخير بإجراء التأمين على العين موضوع الإيجار تأميناً شاملاً على نفقته؟
    هذا وقد أجابت الفتاوى الصادرة عن الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي عن بعض ما تتضمنه هذه الأسئلة الثلاثة، وهذا نصها:
    صيانة العين المأجورة:
    أولاً: لا يلزم المؤجر القيام بشيء من الإصلاحات الإنشائية، أو التحسينية إلا بشرط في العقد.
    ثانياً: يلزم المؤجر القيام بالإصلاحات الضرورية لتمكين المستأجر من الانتفاع، إذا حدث الخلل بعد التعاقد، أو كان موجوداً عند التعاقد ولم يطلع عليه المستأجر، أما إذا كان موجوداً قبل التعاقد واطلع عليه المستأجر فلا يلزم المؤجر القيام بإصلاحه إلا بشرط في العقد، فإذا قام المؤجر بالإصلاحات التي تلزمه بمقتضى البند السابق لم يكن للمستأجر حق فسخ العقد .
    __________
    (1) يراجع بحث: أ.د. حسين حامد حسان عن المسؤولية عن أعمال الصيانة في إجارة المعدات المنشور ضمن أعمال الندوة الفقهية الثانية لبيت التمويل الكويتي المنعقد في الكويت 4-7 ذي القعدة 1410هـ/ 28-31مايو 1990م.
    (2/22557)
    --------------
    ثالثاً: الأصل أنه لا يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر صيانة العين مما قد يحصل بها من الخلل، فإن وقع العقد بهذا الشرط فسد، للجهالة.
    ويستثنى من ذلك الحالات التالية:
    1-الصيانة التشغيلية وهي ما يستلزمه استعمال العين المستأجرة لاستمرارية استخدامها (كالزيوت المطلوبة للآلات والمعدات).
    2-الصيانة الدورية، وهي ما يتطلبه استمرار قدرة العين على تقديم المنفعة.
    3-الصيانة المعلومة، بالوصف والمقدار في العقد، أو العرف ، سواء كانت الصيانة مجرد عمل أو مع استخدام مواد أو قطع غيار معلومة، لأن ما كان من هذا القبيل فإنه بمثابة أجرة مأخوذة في الاعتبار.
    رابعاً: إن أذن المؤجر للمستأجر في العقد أو بعده أن يقوم بإصلاحات معينة في العين فله أن يفعل ذلك ثم يكون له أن يرجع على المؤجر بما أنفقه عنه، ما لم يكن المؤجر قد اشترط أن لا رجوع عليه، أما إن قام المستأجر بعمل صيانة للعين المستأجرة بدون إذن المؤجر فليس له أن يرجع عليه بشيء، بل يكون متبرعاً. "انتهى نص القررا".
    الصيانة في الفقه الإسلامي:
    تدخل هذه المسألة ضمن ما يلزم به شرعاً المؤجر، أو المستأجر، ولذلك تحدث الفقهاء عن التزامات المؤجر، والمستأجر، فقالوا على المؤجر ما يتمكن به من الانتفاع كتسليم المفتاح، وعليه بناء حائط إن سقط، وإبدال خشبه إن انكسر، وعليه تبليط الحمام وعمل الأبواب ومجرى الماء، لأنه بذلك يتمكن من الانتفاع.
    وأما ما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة في إجارة البئر فعلى المكتري (1) .
    وقال النووي : "ما تحتاج إليه الدار المكراة من العمارة ثلاث أضرب:
    أحدها: مرمة لا تحتاج إلى عين جديدة كإقامة جدار مائل وإصلاح منكسر، وإغلاق مفتوحة.
    الثاني: ما يحوج إلى عين جديدة كبناء، وجذع جديد، وتطيين سطح.
    الثالث: عمارة يحتاج إليها لخلل قارن العقد بأن أجر داراً ليس لها باب ولا ميزاب.
    ولا يجب شيء من هذه الأضرب على المستأجر، بل هي من وظيفة المؤجر، فإن بادر إلى الإصلاح فلا خيار للمستأجر، وإلا فله الخيار إذا نقصت المنفعة.. وإنما يثبت الخيار في الضرب الثالث" (2) .
    وجاء في الذخيرة "على رب الدار كنس المرحاض، وإصلاح الواهي حتى يتمكن من المنفعة" (3) .
    وجاء في الدر المختار: "وعمارة الدار المستأجرة وتطيينها (أي تطيين سطحها) وإصلاح الميزاب، وما كان من البناء على رب الدار، وكذا كل ما يخل بالسكنى، فإن أبي صاحبها أن يفعل كان للمستأجر أن يخرج منها إلا أن يكون المستأجر استأجرها وهي كذلك وقد رآها لرضاه بالعيب، وإصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على صاحب الدار" (4) .
    __________
    (1) يراجع: المغني لابن قدامة: 5/458؛ والروضة: 5/211.
    (2) الروضة: 5/210.
    (3) الذخيرة: 5/493.
    (4) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين : 5/49.
    (2/22558)
    --------------
    وذكر ابن عابدين أنه جاء في البزازية "أن تسييل ماء الحمام وتفريغه على المستأجر وإن شرط نقل الرماد والسرقين رب الحمام على المستأجر لا يفسد العقد" (1) .
    والمعيار عند الفقهاء في هذه المسألة هو أن ما كان يخص تحقيق الهدف من الإجارة فعلى المؤجر، أو بعبارة أخرى "ما يتمكن به من الانتفاع بالعين المؤجرة ، فعلى المؤجر، وما كان لاستيفاء المنافع فهو على عاتق المستأجر، فالواجب على المؤجر أن يزيل كل العقبات أمام المستأجر لتمكينه من الانتفاع بما أجره على الوجه الذي هو مقصوده (2) ، أما ما يخص استيفاء المنفعة فهو على المستأجر".
    وأعتقد أن هذا الميزان والمعيار الفقهي يفتح أمامنا مجالاً للنظر والاجتهاد في مسائل الصيانة اليوم، حيث إن ما يلزم لاستيفاء منافع العين المؤجرة يقع على عاتق المستأجر، وعلى ضوء ذلك فالصيانة اللازمة لتشغيل المحركات ونحوها مثل تبديل الزيت والفلتر والعجلات ونحوها مما يحتاج إليها العمل، وتستهلكه العين المؤجرة تكون على المستأجر (3) ، لأن هذه الأمور بمثابة العلف للدابة المستأجرة حيث يقع على المستأجر.
    وكذلك الصيانة التي تكون للأجزاء الصغيرة غير الجوهرية التي تستهلك أو تتلف في فترات دورية معينة بسبب التشغيل فهذه أيضاً تقع على عاتق المستأجر لأنها تلزم لاستيفاء المنافع وهي أشبه ما تكون بآلات رفع الماء من البئر التي تقع على المستأجر، وقد قال ابن قدامة: "وما كان لاستيفاء المنافع كالحبل والدلو والبكرة (في إجارة البئر) فعلى المكتري" (4) أي المستأجر، وجاء في الروضة: "إذا اكترى للركوب قال الأكثرون: على المؤجر الإكاف والبرذعة.. وفي السرج إذا اكترى الفرس أوجه، ثالثها اتباع العادة، قلت: صحح الرافعي في المحرر اتباع العادة، والله أعلم. وقال أبو الحسن العبادي في (الرقم) لا يلزم مكري الدابة إلا تسليمها عارية، والآلات كلها على المستأجر" (5) .
    __________
    (1) المرجع السابق نفسه.
    (2) يراجع: المبسوط: 15/157؛ والمغني: 5/458.
    (3) د. حسين حامد، بحثه المنشور حول الصيانة في أعمال ندوة بيت التمويل الثالثة، ص454.
    (4) المغني: 5/458.
    (5) الروضة: 5/219؛ وحاشية القليوبي وعميرة على المحلى: 3/79.
    (2/22559)
    --------------
    دور العرف في هذا الباب:
    للعرف في تحديد التزامات المؤجر، والمستأجر دور كبير، فقد رأينا أن الشافعية الذين لا يعتبرون العرف دليلاً أو مصدراً من مصادر الفقه يولون هنا عناية به ويصححون اتباع العادة والعرف فيما يلزم المؤجر والمستأجر (1) ، ويقول ابن قدامة: "يلزم المكري كل ما جرت العادة أن يوطأ به المركوب للراكب" (2) ، وقال السرخسي : "ولأن المرجع في هذا إلى العرف" (3) .
    فعلى ضوء ذلك يمكن الاعتماد على العرف الجاري السائد.
    اشتراط الصيانة على المستأجر:
    لا خلاف بين الفقهاء –من حيث المبدأ- بأن الأشياء التي لا تجب على المؤجر لو اشترطها على المستأجر ووافق عليها فإن هذا الشرط ملزم ما دام لا يخالف نصاً من نصوص الكتاب والسنة.
    وإنما الحديث هنا عن اشتراط المؤجر ما يجب عليه من أعمال الصيانة، ثم يشترطها على المستأجر ويوافق عليها، فهل يعد هذا الشرط باطلاً أو صحيحاً ؟
    وللإجابة عن ذلك نحتاج إلى تحديد نوعية هذا الشرط هل هو مما خالف نصاً من نصوص الكتاب والسنة؟ أو هو يخالف مقتضى العقد ؟
    إنه من خلال التقصي لا نجد نصاً شرعياً ثابتاً يمنع هذا الشرط هنا، وإذا لم يثبت ذلك فإن الأصل –على الراجح عند المحققين كما سبق- هو الإباحة في العقود والشروط كما أثبت ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره (4) .
    وهل هو مخالف لمقتضى عقد الإجارة ؟
    للإجابة عن ذلك نقول: إن مقتضى عقد الإجارة هو تملك المستأجر للمنفعة، وتملك المؤجر للأجرة، وتسليم محل المنفعة بشكل يستطيع المستأجر أن ينتفع به، ويحقق غرضه المنشود من الإجارة، أما القيام بأعمال الصيانة التي يقتضيها استيفاء المنفعة فليس من مقتضى العقد .
    __________
    (1) المصادر السابقة أنفسها.
    (2) المغني: 5/415.
    (3) المبسوط: 15/157.
    (4) يراجع: مجموع الفتاوى: 29/126...؛ والقواعد النورانية، ص184؛ وللتفصيل مبدأ الرضا في العقود: 2/1186.
    (2/22560)
    --------------
    ويدل على ذلك أن الفقهاء ذكروا أن الواجب على المؤجر أن يسلم مع الدابة المستأجرة حزامها وإكافها ونحو ذلك، ومع ذلك أجازوا اشتراط نفي ذلك، قال النووي: "هذا إذا أطلقا العقد، أما إذا قال: أكريتك هذه الدابة العارية بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما فلا يلزمه شيء من الآلات" (1) .
    ثم إن هناك فرقاً بين تسليم العين المؤجرة سليمة وصالحة، وهذا بلا شك واجب على المؤجر إلا إذا اتفقا على عين معيبة وهذا أيضاً جائز ، وبين أن يفرض على المؤجر الصيانات التي تحتاج إليها العين المؤجرة بسبب العمل، فالذي يظهر لي رجحانه أن جميع أنواع الصيانات التي يعود سببها إلى العمل والتشغيل ليست من مقتضيات العقد، بل هي مما يجوز فيها الاشتراط والاتفاق.
    قد يقال: إن بعض انواع الصيانة يتوقف عليها تشغيل المعدات؟
    نقول: لا ضير في ذلك فهي مثل العلف للدابة المستأجرة، حيث لا تستطيع بدونه أن تعمل، أو تحمل، بل قد تموت، ومع ذلك فهو على المستأجر، لأنه يتعلق باستيفاء المنفعة، وليس بالتمكن من الانتفاع، وكذلك الحال في المعدات حيث إن المهم فيها هو أن يسلمها طبقاً للأوصاف المتفق عليها، أو برضا المستأجر بعد رؤيتها، أما ما تحتاج إليه هذه الآلة أو الطائرة من صيانة فيما بعد بسبب طبيعة العمل والاستهلاك فهذا يعود إلى العرف الجاري، أو الاشتراط.
    بل إن بعض الفقهاء أجازوا ضمان العين المستأجرة كلها، وهذا مروي عن أحمد ، وقول مرجوح للمالكية.
    جاء في المغني: "فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد.. ولأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضموناً، وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه، وعن أحمد أنه سئل عن ذلك فقال: المسلمون على شروطهم، وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه، ووجوبه بشرطه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) (2) .
    وذكر الإمام القرافي قولاً مرجوحاً للمالكية بأن يد المستأجر يد ضمان على العين المستأجرة كما في الأجير المشترك (3) .
    __________
    (1) الروضة: 5/219.
    (2) رواه البخاري في صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم، فتح الباري: 4/451؛ ورواه الحاكم في المستدرك: 2/49؛ وأبو داود في سننه –مع العون-: 9/516؛ وابن حبان، الحديث رقم 1199؛ وقال الألباني في الإرواء: صحيح الحديث 1303.
    (3) الذخيرة: 5/502.
    (2/22561)
    --------------
    شروط المرمة على المستأجر:
    وقد أجاز جماعة من الفقهاء منهم المالكية اشتراط الترميم (الصيانة) من الأجرة نفسها (1) ، وأجازوا كذلك أن تكون أعمال المرمة زيادة على الأجرة إذا كانت معلومة علماً يرفع الجهالة المؤدية إلى النزاع، جاء في الشرح الكبير: "وجاز شرط مرمة على المكتري، أي إصلاح ما تحتاج إليه الدار أو الحمام مثلاً من كراء وجب، وشرط تطيين الدار أي جعل الطين على سطحها إن احتاجت على المكتري من كراء وجب.."وعلق عليه الدسوقي بقوله: "اعلم أنهما –أي المرمة والتطيين- إن كانا مجهولين فلا يجوز اشتراطهما على المكتري إلا من الكراء لا من عند نفسه كأن يقول كلما احتاجت لمرمة، أو تطيين فرمها أو طينها من الكراء، وأما إن كانا معلومين كأن يعين للمكتري ما يرمه، أو يشترط عليه التطيين مرتين، أو ثلاثاً في السنة فيجوز مطلقاً سواء كان من عند المكتري، أو من الكراء بعد وجوبه، أو قبله وهذا النص يساعدنا في مجال الصيانة على أن تحمل على المستأجر" (2) .
    وهذا النص الفقهي يدل بوضوح على جواز اشتراط الصيانة المعهودة في عصرهم على المستأجر ما دامت معلومة علماً لا يؤدي إلى النزاع، ويقاس عليها الصيانة المعهودة في عصرنا للآلات والمعدات والدور ونحوها، ولكن ينظم ذلك عن طريق المرات المطلوبة أو للأجزاء المحدودة.
    والمرمة تعني إصلاح التالف، فيجوز على ضوء ما سبق أن تكون على المستأجر وهي تشمل الصيانة الضرورية لاستيفاء المنفعة، وتشمل إصلاح الآلات التالفة بسبب التشغيل، أو استبدالها، لأن المرمة قد تتطلب شراء الجص ومواد البناء، وقد أجاز الفقهاء أن تكون على المستأجر إذا اشترط عليه، وهكذا الأمر في إصلاح العطل وتبديل ما تحتاج إليه المعدات من أدوات وآلات تستبدل في كل فترة، والشرط الوحيد في ذلك هو أن تحدد المرمة، أو الصيانة بفترات محددة، أو بأي وسيلة ترفع الجهالة المؤدية إلى النزاع.
    ويقرب من هذا ما أجازه جماعة من الفقهاء من المالكية من شرط تكريب الأرض الزراعية وتزبيلها (3) على المستأجر، مع أنه من مسؤولية المؤجر عند إطلاق العقد، فقد جاء في المدونة: "قلت أرأيت إن أكريتك أرضي هذه السنة بعشرين ديناراً وشرطت عليك أن لا تزرعها حتى تكريها ثلاث مرات فتزرعها في الكراب الرابع، وفي هذا منفعة لرب الأرض، لأن أرضه تصلح على هذا؟ قال: نعم هذا جائز ، قلت: أرأيت إن أكريته أرضي وشرطت عليه أن يزبلها؟ قال: إذا كان الذي يزبلها به شيئاً معروفاً فلا بأس بذلك، لأن مالكاً قال: لا بأس بالكراء والبيع أن يجمعا في صفقة واحدة، قلت: أرأيت إن استأجرت منك أرضاً بكذا وكذا على أن على رب الأرض حرثها أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: يجوز" (4) .
    __________
    (1) المدونة: 5/508.
    (2) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/47.
    (3) هو حرث الأرض، وتقليب تربتها، وتزبيلها أي وضع الزبل والسماد فيها، انظر: هامش المدونة: 4/555.
    (4) المدونة: 4/554-555.
    (2/22562)
    --------------
    فهذه النصوص تدل بوضوح أن باب الشروط في الإجارة واسع، وأن اشتراط الصيانة على المستأجر من ماله، أو من الأجرة جائز.
    مخرج عند من لا يجيز ذلك:
    بعض الفقهاء منهم الحنفية لم يجيزوا اشتراط المرمة على المستأجر، حتى لو اشترطها عليه فسدت الإجارة وقالوا: إن هذا شرط مخالف لمقتضى العقد، وأنه يؤدي إلى الجهالة (1) ، وهكذا الشافعية حيث لم يجيزوا اشتراط العمارة على المستأجر (2) ، ولكنهم أجازوا أن يشترط المؤجر مبلغاً زائداً على الأجرة للترميم بأن يقول: أجرتك داري كل شهر بعشرين ديناراً، وعشرة دراهم للترميم، وأذن له أن ينفقها عليه فهو جائز، لأنه معلوم المقدار ووكله في ذلك، جاء في الفتاوى: قال محمد: الأصل أن شرط المرمة على المستأجر يجعل الإجارة فاسدة ، لأن قدر المرمة يصير أجراً وأنه مجهول، وإن أراد الحيلة فالحيلة أن ينظر إلى قدر ما يحتاج إليه في المرمة، ويضم ذلك إلى الأجرة، ثم يأمر صاحب الحمام المستأجر بصرف ما ضم إلى الأجر للمرمة إلى المرمة حتى إذا كان الأجر عشرة والقدر المحتاج إليه للمرمة أيضاً عشرة فصاحب الحمام يؤجر منه بعشرين ويأمره بصرف العشرة إلى المرمة فيصير المستأجر وكيلاً من جهة صاحب الحمام بالإنفاق عليه من ماله، وأنه معلوم فيجوز" (3) .
    إذن دون اشتراط:
    ذكر بعض الفقهاء أن المؤجر لو أذن للمستأجر أن يقوم بالصيانة على نفقته، بأن يقول: أجرتك هذه الطائرة، أو السيارة، أو الباخرة، وأذنت لك بصيانتها كلما احتاجت إلى ذلك على حسابك الخاص دون أن ترجع علي بشيء، لصح ذلك، وأصبح المستأجر متبرعاً بما ينفقه عليها فلا يكون له حق الرجوع على المؤجر، وذكر البهوتي أن شرط التعمير لا يجوز للجهالة لكن الإذن بذلك جائز (4) .
    قيام المستأجر بالصيانة دون إذن المؤجر:
    إذا قام المستأجر دون إذن ولا اشتراط بأعمال الصيانة والإصلاح فإن فقهاء المذاهب الأربعة –ما عدا وجهاً مخرجاً ضعيفاً للحنابلة- على أنه لا يرجع بنفقات الصيانة على المؤجر، لأنه بمثابة المتبرع بها (5) .
    __________
    (1) المبسوط: 15/157، 159؛ والفتاوى الهندية: 6/413.
    (2) فتح العزيز شرح الوجيز بهامش المجموع: 12/200.
    (3) الفتاوى الهندية: 6/413.
    (4) شرح منتهى الإرادات: 2/264، 370؛ ود. سليمان الأشقر: صيانة الأعيان المؤجرة، بحث مقدم إلى الندوة الفقهية الثالثة بالكويت، ص 12.
    (5) مجمع الأنهار: 2/399؛ والفواكه الدواني: 2/164؛ وحاشية الخرشي: 7/50؛ والإنصاف: 6/67؛ وحاشية ابن عابدين : 5/49؛ وبحث الدكتور محمد شبير عن صيانة العين المؤجرة في الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي.
    (2/22563)
    --------------
    وحل آخر ذكروه وهو أن يقول رب الدار، أو الحمام للمستأجر: قد تركت لك أجر شهرين لمرمة الحمام، أو الدار، فهذا لا يفسد الإجارة (1) .
    ويفهم من هذه النصوص أن المدار هو الجهالة، ومن هنا فلو أمكن عن طريق العرف أو الوصف تحديد أعمال الصيانة للزم القول بالجواز.
    أما كون ذلك مخالفاً لمقتضى العقد فهذا غير مسلم، وذلك لأن مقتضى عقد الإجارة هو التسليم والتسلم وتملك المنفعة والأجرة، أما هذه الالتزامات فهي ليست على المؤجر بمقتضى العقد بدليل أن جماعة من الفقهاء أجازوا اشتراطها على المستأجر كما سبق، كما أنها من الشروط التي لم يرد فيها نص خاص فتبقى على الإباحة ، وحينئذ يجوز تحديدها بمقتضى الشروط.
    وقد أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية الفرق بين العقد المطلق، وبين المعنى المطلق من العقود فقال: "فإذا قيل: هذا شرط ينافي مقتضى العقد، فإن أريد به ينافي العقد المطلق فكذلك كل شرط زائد وهذا لا يضر، وإن أريد ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد احتاج إلى دليل على ذلك، وإنما يصح هذا إذا نافى مقصود العقد، فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره" (2) .
    فعلى ضوء ذلك نجد أن مقتضى العقد هو مقصوده الأساسي، وهو في الإجارة تملك المنفعة، والأجرة، وأن المراد بالشرط المخالف لمقتضى العقد هو الذي يتناقض مع مقصوده فيبطل، لأنه يؤدي إلى الجمع بين المتناقضين بين إثبات المقصود ونفيه، ومن هنا فاشتراط الصيانة ليس من هذا القبيل.
    والخلاصة أن جميع أنواع الصيانة التي يتطلبها استيفاء المنفعة من الصيانة التشغيلية، ومن إصلاح الخلل للأجزاء التي تتلف بسبب التشغيل يجوز اشتراطها على المستأجر، لأن القاعدة العامة هي أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل الدليل على خلافه بأن يكون مخالفاً لنص من الكتاب والسنة (3) .
    __________
    (1) المبسوط: 15/ 157 – 159.
    (2) القواعد النورانية، ص 211...؛ ويراجع مجموع الفتاوى: 29/346.
    (3) يراجع: مجموع الفتاوى 29/346؛ ويراجع: د. حسين حامد، بحثه السابق، ص 485.
    (2/22564)
    --------------
    الصيانة وتحمل تبعة الهلاك للعين المستأجرة:
    لاشك أن تبعة هلاك العين المؤجرة تقع على عاتق المؤجر –كما سبق- فلماذا لا يقاس عليها أعمال الصيانة في عدم جواز اشتراطها على المستأجر؟
    للجواب عن ذلك نقول:
    أولاً: إن الإمام أحمد في رواية –كما سبق- أجاز أن يكون ضمان العين المستأجرة على المستأجر بالاشتراط، واستنبط منه ابن قدامة ضابطة فقهية وهي: جواز نفي الضمان بشرطه، ووجوبه بشرطه.
    ثانياً: إن الصيانة تختلف من هلاك العين المستأجرة، إذ أن هلاكها يؤدي إلى عدم إمكانية الانتفاع بها، في حين أن الصيانة في معظم أحوالها للتشغيل، والوقاية، وأما ما فيها من إصلاح لتلف بعض الأجزاء فهو بمثابة الترميم (المرمة) ولذلك لا يجوز اشتراط أن تكون هلكة الأجزاء الكبيرة الجوهرية على عاتق المستأجر إلا على رواية لأحمد ، وقول مرجوح في المذهب المالكي –كما سبق-.
    ونستطيع القول بعد هذا العرض للموضوع بأن الصيانة بأنواعها الثلاثة التي طرحها البنك الإسلامي للتنمية ليست من مقتضى عقد الإجارة ، وبالتالي يجوز للمؤجر أن يشترطه على المستأجر، فإذا وافق على ذلك فقد التزم به (1) ، ولكن يلزم أن تكون هذه الصيانة معلومة بالوصف، أو المرات، أو بالعرف أو حسب الخبرة القائمة على الدراسات الفنية التي قاموا بها، أو بعبارة أخرى تكون معلومة علماً يرفع الجهالة الفاحشة الموجبة للنزاع.
    فأعمال الصيانة وإن كانت واجبة على المؤجر باعتبارها من أحكام العقد ، لكنه لا يلزم أن تكون من مقتضى العقد الأساسي الذي لا يجوز مخالفته، وبالتالي يجوز شرطها على المستأجر.
    والثاني: لا يقبل، لأنه قبضه لنفع نفسه، أشبه المستعير" (2) .
    __________
    (1) وهذا هو رأي الدكتور حسين حسان في بحثه السابق الإشارة إليه حيث قال في ص485: "إن الصيانة بأنواعها الثلاثة المتقدم بيانها ليست من مقتضى عقد إجارة الآلات والمعدات، فكان شرطها على المستأجر غير مناف لمقتضى العقد بمعنى مقصود الشارع منه، كما أنها لا تخالف نصاً شرعياً من كتاب وسنة فجاز شرطها على المستأجر بناء على الأصل المتقدم الذي أكده شيخ الإسلام".
    (2) الكافي: 2/154.
    (2/22565)
    --------------
    ثالثاً: أن نظرة الفقهاء إلى الأجير تختلف عن نظرتهم إلى المضارب والوكيل، والشريك، حيث إن جمهورهم يرون تضمين الأجير المشترك ، وبعضهم يضمنون حتى الأجير الخاص –كما سبق- وأن تعليلهم لذلك يفهم منه نوع الخصوصية للإجارة، فلنذكر ما قاله الإمام القرافي في هذا المجال في رده على من قال بعدم تضمين الأجراء (كالخياط ونحوه) فقال: "والجواب عن الأول –أي حديث ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه)) (1) المعارضة بقوله عليه السلام ((على اليد ما أخذت حتى ترده)) (2) .
    وعن الثاني (أي القبض لمنفعة الغير) بأننا لا نسلم أنه لم يقبض لحق نفسه بل لمستحق الأجرة، فوجب أن يضمن كالفرض (3) .
    ثم رد القرافي على قياس الأجير على المضارب والمساقي والمودع والوكيل فقال: "سلمنا صحة القياس لكن المودع لم يؤثر في العين تأثيراً يوجب التخمة على أخذ بسبب التغيير، وهو الفرق في الوكيل، وأما المساقي فكذلك أيضاً، لأن الله تعالى هو منمي الثمار، وأما المقارض فلو ضمن مع أن المال بصدد الذهاب والخسارة في الأسفار لامتنع الناس منه فتتعطل مصلحته بخلاف السلع عند الصناع فظهر الفرق، ثم يتأكد ما ذكرناه أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قضوا بتضمينهم وإن لم يتعدوا.. ولأنه من المصالح فوجب أن يكون مشروعاً" (4) .
    وهذا النص يدل بوضوح على أن نظرة الفقهاء إلى الإجارة –بصورة عامة- تختلف عن غيرها من العقود التي لا تقوم على مبنى الضمان ، فالإجارة لها طبيعة خاصة تختلف عن غيرها حتى في كيفية استفادة المستأجر من العين المؤجرة ، ولذلك فإذا سلمها المؤجر بالشكل الذي يحقق الغرض المنشود من الإجارة، أو حسب الاتفاق فإنه قد أدى ما عليه، ثم إذا احتاجت بعد ذلك إلى أية صيانة تخص جانب التشغيل، أو ما سماه الفقهاء باستيفاء المنفعة، فإنها يمكن أن تشترط على المستأجر حسب مواصفات معلومة بالعرف أو المرات أو نحو ذلك مما يؤدي إلى رفع جهالة فاحشة عنه.
    يقول القرافي : "يجوز كراء الدابة على أن عليك رحلها أو نقلها، أو علفها وطعام ربها، أو على أن عليه طعامك ذاهباً وراجعاً، وإن لم توصف النفقة، لأنه معلوم عادة" (5) ، فهذا النص وغيره من النصوص الفقهية تسعفنا في عدم التشدد في موضوع العلم بالصيانة، وإرجاعها إلى العرف والعادة وأن المعيار في ذلك هو أن لا تكون الجهالة مؤدية إلى النزاع.
    __________
    (1) رواه أحمد في مسنده: 5/72؛ والبيهقي في السنن الكبرى: 6/100؛ والدارقطني في السنن رقم (300)، وهو حديث صححه عدد من الأئمة.
    (2) رواه الخمسة والحاكم وصححه. انظر: مسند أحمد: 5/8، 12، 13)؛ وأبو داود، الحديث (3561)؛ والترمذي: 1/239؛ وابن ماجه، الحديث (2400)؛ والحاكم: 2/47؛ والبيهقي: 6/90.
    (3) لعلها: كالقراض.
    (4) الذخيرة: 5/503.
    (5) الذخيرة: 5/378.
    (2/22566)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:37 pm


    آثار عدم قيام المؤجر بالصيانة:
    ذكرنا السابق أن جمهور الفقهاء في العقد المطلق على أن الصيانة الضرورية لحفظ العين، ولتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة تقع على كاهل المؤجر، ولكنهم اتفقوا على أنه لا يجبر على ذلك، لأن الإنسان لا يجبر على إصلاح ملكه (1) ولكن المستأجر له الحق في فسخ العقد بشرط أن يكون هذا قد وجد بعد العقد، أو كان موجوداً ولم يعلم به، أما إذا كان قديماً وعلم به أو حادثاً فأصلحه فوراً فليس له حق الفسخ ، جاء في الدر المختار: "فإن لم يخل العيب به –أي بالنفع – أو أزاله المؤجر، أو انتفع بالمخل –أن يرضى به- سقط خياره لزوال السبب.. فإن أبي صاحبها أن يفعل كان للمستأجر أن يخرج منها إلا أن يكون المستأجر استأجرها وهي كذلك وقد رآها، لرضاه بالعيب، وإصلاح بئر الماء والبالوعة، والمخرج على صاحب الدار لكن بلا جبر عليه، لأنه لا يجبر على إصلاح ملكه، فإن فعله المستأجر فهو متبرع، لكن لو كانت وقفاً يجبر الناظر على ذلك حماية لأموال الوقف" (2) .
    إذن الجزاء على الإخلال بذلك هو حق الفسخ والخروج من العين المستأجرة دون الإجبار قضاء، وهذا ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية في مادتها (529) ومرشد الحيران في مادته (645)، وذهب بعض الفقهاء ( ابن حبيب من المالكية والغزالي من الشافعية) إلى أن المؤجر يجبر على ما يطيقه من الصيانة، وإصلاح العيوب اليسيرة (3) .
    لكن القوانين الوضعية ذهبت إلى أن الصيانة على المؤجر مطلقاً وأنه ملزم بها قضاء، كما في المادة (576) من القانون المدني المصري ، والمادة (572) من القانون المدني الكويتي، بل للمستأجر الحق في التنفيذ العيني –كما سبق-.
    ورأي الجمهور هو الراجح لأنه يحقق العدالة للطرفين، ولا يؤدي إلى تعسف بحق المؤجر الذي يجحف بحقه إلزامه بالإصلاحات التي قد تكلفه مبالغ باهظة، إضافة إلى أن هذا التشدد في حق المؤجر يؤدي بالنهاية إلى الإضرار بالقطاع التأجيري، لأنه يترتب عليه امتناع الكثيرين من الولوج في الاستثمار التأجيري خوفاً من تعسف يطالهم في هذا المجال.
    ثم إن هذا الرأي لم يغفل حق المستأجر حيث له الخيار في فسخ العقد والخروج من العين المؤجرة (4) .
    __________
    (1) حاشية ابن عابدين : 5/49؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/54؛ وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المحلى على المنهاج: 3/78؛ وكشاف القناع: 4/21.
    (2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين : 5/49.
    (3) شرح الخرشي: 7/52؛ وحاشية الجمل على شرح المنهج: 3/550.
    (4) د. محمد الأشقر: بحثه السابق، ص 7.
    (2/22567)
    --------------
    وهل للمستأجر الحق في إنقاص الأجرة؟
    ذهب جماعة من الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة في قول) (1) إلى جواز إنقاص الأجرة في مقابل حدوث خلل في العين المؤجرة وعدم قيام المؤجر بالإصلاح، أو بعبارة أخرى إذا لم يقم بالصيانة اللازمة وبقي الخلل فإن للمستأجر الحق في إنقاص الأجرة، والمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة.
    وذهب الحنفية، والحنابلة على المذهب إلى عدم جواز إنقاص الأجرة، وإنما له حق الفسخ فقط (2) .
    وقد أخذت القوانين العربية بحق إنقاص الأجرة بحكم من المحكمة –كما سبق-.
    والذي يظهر لي رجحانه هو الرأي الأخير، وذلك لما يأتي:
    أولاً: إن عقد الإجارة من عقود الرضا، وهذا يقتضي أن لا يجبر أحد العاقدين إلا برضاهما ولما يترتب على رضاهما، ومن هنا فإجبار المؤجر على القبول بإنقاص الأجرة دون رضاه إجبار على شيء لم يذكر في العقد، ولا اقتضاه العقد فيكون أكلاً لأموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29].
    ثانياً: بالقياس على البيع حيث يكون المشتري بالخيار عند العيب بين الفسخ والقبول بالمبيع بثمنه المتفق عليه –كمبدأ-.
    ثالثاً: إن هذا يحقق العدالة للعاقدين، إذ أن إجبار المؤجر على القبول بإنقاص الأجرة لا يخلو من ظلم وتعسف يفرض عليه، في حين أن حق الفسخ وحده يحقق المطلوب للطرفين، فإن شاء المستأجر فسخ، وإن شاء بقي على الأجرة المتفق عليها، وإذا أراد الطرفان إنقاص الأجرة فيكون ذلك برضى جديد من الطرفين.
    هذا والله أعلم بالصواب.
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العاملين.
    __________
    (1) شرح الخرشي: 7/51؛ وشرح المحلى مع حاشية القليوبي وعميرة: 3/78؛ والإنصاف: 6/66.
    (2) الفتاوى الهندية: 4/458؛ الإنصاف: 6/66؛ ويراجع بحث د. محمد عثمان شبير.
    (2/22568)
    --------------








    الإجارة المنتهية بالتمليك
    دراسة اقتصادية وفقهية

    إعداد الدكتور شوقي أحمد دنيا
    أستاذ الاقتصاد – جامعة الأزهر
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الإجارة أداة من أدوات التمويل المعتد بها في الاقتصاد الوضعي وفي الاقتصاد الإسلامي ، وهي أداة ذات مقومات وخصائص تميزها عما عداها من أدوات التمويل الأخرى (1) ، وقد تعرضت هذه الأداة القديمة إلى الكثير من التعديلات كي تتلاءم ومتطلبات الحياة المعاصرة، وحتى تتمكن من تلبية أكبر قدر ممكن من احتياجات المؤجر في المقام الأول والمستأجر في المقام الثاني.
    وقد وصلت هذه التعديلات إلى درجة جعلت من صيغة الإجارة صيغتين، الصيغة القديمة أو التقليدية المعروفة، والصيغة الحديثة التي هي من حيث الجوهر قد لا تمت للإجارة بصلة، أو بعبارة أخرى لا تأخذ من الإجارة إلا اسمها، والتطبيق المعاصر (2) أصبح يعرف جيداً مصطلحين متمايزين تماماً، مصطلح الإجارة التشغيلية operating lease ومصطلح الإجارة المالية Financial lease.
    وبحثنا هنا منصب على الإجارة المالية، والتي من فصيلتها الإجارة المنتهية بالتمليك ، بحكم أنها الصيغة الأحدث من جهة، والتي تداعب مصالح أجهزة التمويل المعاصرة من جهة ثانية.
    لكننا لن نغفل التعرض السريع للإجارة التشغيلية، لعوامل عديدة، من أهمها:
    أنها أمكن من الناحية الشرعية، ثم إنها لم تفقد صلاحيتها بل وفعاليتها التمويلية حتى في عصرنا هذا، خاصة إذا ما طورت من ناحية التصكيك (Securitization) بمعنى إيجاد (سندات) أو صكوك لها قابلة للتداول (3) ، ومن ناحية استخدامها من خلال صيغ أخرى كالوكالة والمضاربة ... الخ. وبغض النظر عن ذلك فإنها في ظل البيئة الإسلامية المعاصرة ومالها من خصائص اقتصادية، ما زالت لها مكانتها التمويلية.
    __________
    (1) د. عبد الوهاب أبو سليمان، عقد الإجارة مصدر من مصادر التمويل الإسلامي دراسة فقهية مقارنة، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، بحث رقم (19) لسنة 1413هـ؛ محمد عبد العزيز حسن، التأجير التمويلي، المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية، القاهرة 1998، ص 7 وما بعدها.
    (2) د. سعود الربيعة: 2/410 وما بعدها.
    (3) لمزيد من المعرفة يراجع د. منذر قحف، سندات الإجارة.
    (2/22569)
    --------------
    أما بالنسبة للإجارة المالية فلنا معها وقفات طوال نغطي فيها بقدر الإمكان أهم محاورها، والتي منها قضية المفاهيم والمصطلحات والصور المتعددة التي تتبدى فيها، والتي تضفي على الموضوع قدراً كبيراً من الغموض، بل واللبس، ثم تبريرات ظهور هذه الصور المتعددة، والدوافع وراءها، وهل كان وراء ذلك عجز الإجارة التشغيلية عن تلبية متطلبات جديدة؟ أم عجز صيغ أخرى جعلت الفكر المالي يلجأ إلى الإجارة مستخدماً لها، لكن مع خروج بها عن مألوفها؟ ثم ما هي الفوائد التي تحققها هذه الصيغة أو هذه الأداة لكل من المؤجر والمستأجر والاقتصاد القومي عموماً؟
    وما هي الثغرات أو المشكلات التي تثيرها هذه الأداة من الناحية العملية؟ ثم ما هو موقعها على خريطة التمويل لمصارف الإسلامية؟ وأخيراً موقف الفقه الإسلامي منها.
    1 - الإجارة التشغيلية – مفهومها وأهمية التمويل بها:
    أ-مفهومها: لو نظرنا لها من الناحية الشرعية والقانونية فهي عقد بين طرفين على تمليك منفعة (1) . يستوي في ذلك أن تكون المنفعة منفعة أصل مالي مثل الآلة والعقار... الخ، وأن تكون منفعة إنسان ما.
    والمهم في الموضوع أن تكون المنفعة مباحة شرعاً، وأن تكون قابلة للانفصال عن الأصل دون هلاكه مباشرة، وأن تكون معروفة محددة بشكل يمنع الجهالة المفضية إلى النزاع، إلى آخر ما هنالك من اشتراطات شرعية تستهدف جميعها قيام هذا العقد بإنتاج آثاره وتحقيق مقصوده على الوجه الأمثل.
    ولو نظرنا لها من الناحية الأقتصادية فهي نشاط اقتصادي تبادلي قد يدخل في نطاق التجارة إذ هي قرينة البيع أو أحد فروعه.
    ولو نظرنا لها من الناحية المالية فهي نشاط تمويلي، وإن كان البعض يتحفظ على ذلك ناظراً لها على أنها نشاط تجاري (2) ، لكنها عند التحقيق لا تخلو من عناصر تمويلية بارزة، إذا ما فهمنا التمويل بمعناه الواسع ويزداد بروز الجانب التمويلي فيها بتأجيل الأجرة أو الأجر، وكذلك بإيجاد صكوك لها.
    __________
    (1) لم نقصد تقديم تعريف علمي دقيق لها، ومن أجل ذلك يمكن الرجوع إلى المدونات الفقهية في المذاهب المختلفة.
    (2) على أساس أنها في معظم حالاتها لا تتطلب وسيطاً مالياً كما أنها قد لا تؤدي إلى شغل ذمة المستأجر بقيمة مالية آجلة لمؤجر، لكن ذلك كله يمكن التغاضي عنه إذا ما فهمنا التمويل بمضمونه الواسع.
    (2/22570)
    --------------
    وبخصوص مدة الإجارة لم يضع الفقه في ذلك شروطاً حاسمة، اللهم إلا شرطاً واحداً هو أن تظل العين خلالها صالحة لتقديم هذه المنفعة طالت المدة أو قصرت (1) ، ومن الواضح أن هذا الأمر ظني، متوقف على غلبة الظن والتوقع، وإلا فهناك عوامل متعددة لا يمكن التأكد منها، لها دورها الحاسم في تحديد العمر الإنتاجي للأصل المنتج، إذن هي قابلة لامتداد المدة امتداداً طويلاً بطول عمر الأصل المنتج للمنفعة، وهذه قضية مهمة نتعرف عليها بعد استعراضنا للإجارة المالية.
    ومن الجوانب الفقهية أو الشرعية ذات الأهمية هنا ما يتعلق باللزوم والجواز في عقد الإجارة . فهل الإجارة عقد لازم أم عقد جائز ؟ أم هي عقد لازم .
    لطرف جائز للطرف الثاني؟ (2) وأيضاً فإن لهذه الزاوية أهمية كبرى في عصرنا الحاضر، كما سنرى عند دراستنا للإجارة المالية.
    وأخيراً فإن مسألة الصيانة والنفقة والضمان من المسائل بالغة الأهمية في ضوء التطور الحديث الذي جاء لنا بالإجارة المالية. والمدون في فقه الإجارة أنه لا ضمان على المستأجر إلا بالتفريط أو التعدي، وما عدا ذلك فاشتراطه منافٍ لمقتضى العقد، ومن ثم فلا يصح. والمعروف كذلك لدى جميع الفقهاء أن صيانة الأصل المؤجر على المؤجر وليس على المستأجر، ولو اشترطه على المستأجر فهو شرط فاسد لا أثر له، لكن حقيقة الصيانة وبنودها كل ذلك راجع إلى العرف السائد، والتأمين على سلامة الأصل مسؤولية المؤجر، لكن من حقه أن يوكل المستأجر في القيام بذلك، على أساس أنه أصبح جزءاً من الأجرة المقررة (3) ، والمهم في الأمر كله ألا يؤدي شيء من ذلك إلى جهالة الأجرة، ومن ثم الغرر والإفضاء إلى النزاع، وبالتالي عدم قيام عقد الإجارة بتحقيق المقصد منه.
    __________
    (1) ابن قدامة، المغني، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1981: 5/437، وزارة الأوقاف، الكويت، الموسوعة الفقهية: 1/261 وما بعدها؛ د. عبد الوهاب أبو سليمان، مرجع سابق، ص 64.
    (2) هي عقد لازم لكلا الطرفين، وقد فسر ذلك الإمام العز بقوله: "وأما البيع والإجارة فلو كانا جائزين لما وثق كل واحد من المتعاقدين بالانتفاع بما صار إليه، ولبطلت فائدة شرعيتهما، إذ لا يأمن من فسخ صاحبه"، قواعد الأحكام، المكتبة التجارية، القاهرة: 2/125 وهذا متفق عليه بين الفقهاء. انظر الموسوعة الفقهية: 1/253؛ د. عبد الوهاب أبو سليمان، مرجع سابق، ص 33.
    (3) الموسوعة الفقهية: 1/286، د. أبو سليمان، ص 69.
    (2/22571)
    --------------
    ب-أهمية التمويل بالإجارة : يوفر التمويل بالإجارة للحياة الاقتصادية خدمات عديدة لا ينهض التمويل بغيرها بتوفيرها لما هنالك من تمايز في الخصائص والطبائع بين كل أداة تمويلية وأخرى، فليس كل فرد في حاجة إلى منفعة ما قادر على تملك الأصل المنتج لهذه المنفعة، ومن ثم يقف عاجزاً عن إشباع هذه الحاجة، مما قد يرتب المزيد من المضار الاقتصادية. فهل كل مزارع لديه المقدرة على امتلاك جرار زراعي أو طلمبة مياه أو محراث؟ وهل كل صانع لديه المقدرة على امتلاك محل لصناعته؟ وكذلك الحال في التاجر، وفي الطبيب وغيرها، بل هل كل فرد قادر على أن يؤمن بنفسه ولنفسه كل الخدمات المحتاج إليها من علاج وغيره مما يحتاجه من حلاجات غير محدودة في أنواعها ونوعياتها؟ من هنا تظهر أهمية الإجارة على مستوى المستأجر، وعلى مستوى الاقتصاد القومي، ولا تقل أهميتها على مستوى المؤجر عن هذه الأهمية. فليس كل صاحب مال بقادر على استغلال ماله وتوظيفه بنفسه أو براغب في ذلك، وهو في الوقت ذاته غير مستغني عنه. فلا هو بقادر أو راغب في تشغيله، ولا هو براغب في نفس الوقت في التخلص منه بالبيع، وبذلك يبقى المال معطلاً من جهة، ويبقى صاحبه محروماً من عائده من جهة أخرى، ونفس الكلام ينطبق على صاحب الخبرة والصنعة والحرفة. وهنا تجيء الإجارة لتواجه هذه الوضعية (1) ، ومما هو جدير بالإشارة أن فقهاءنا القدامى قد أشاروا إلى ذلك ونبهوا إليه في تراثنا الفقهي العريق، يقول ابن قدامة:
    "إن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز العقد على الأعيان وجب أن تجوز الإجارة على المنافع، ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعاً وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر، ولا يمكن كل أحد عمل ذلك، ولا يجد متطوعاً به، فلابد من الإجارة لذلك، بل ذلك مما جعله الله طريقاً للرزق حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع" (2) ويقول الكاساني : "إن الله تعالى إنما شرع العقود لحوائج العباد، وحاجتهم إلى الإجارة ماسة، لأن كل واحد لا يكون له دار مملوكة يسكنها أو أرض مملوكة يزرعها أو دابة مملوكة يركبها، وقد لا يمكنه تملكها بالشراء لعدم الثمن ولا بالهبة والإعارة، لأن نفس كل واحد لا تسمح بذلك فيحتاج إلى الإجارة فجوزت لحاجة الناس كالسلم ونحوه" (3) .
    __________
    (1) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، مرجع سابق: 2/59.
    (2) ابن قدامة، مرجع سابق: 5/433.
    (3) الكاساني، بدائع الصنائع، دار الكتاب العربي، بيروت، 1864: 4/174.
    (2/22572)
    --------------
    وقد يكون من المفيد صياغة أهمية التمويل بالإجارة صياغة فنية مالية وذلك على النحو التالي (1) :
    أولاً – بالنسبة للمستأجر:
    1-الاستفادة من الأصول الرأسمالية في نشاطه دون الحاجة إلى تخصيص جزء من سيولته لشرائها، مما يتيح له فرصة أوسع في توظيف أمواله واستخدامها في تحقيق مقصوده، فهي كما يقال تمويل من خارج الميزانية ، وتظهر أهمية ذلك بشكل بارز كلما كبر ثمن هذه الأصول وكلما غلبت حالة الكساد .
    2-الحماية من آثار التضخم ، ويبدو ذلك جلياً كلما كانت مدة الإجارة طويلة وكانت الأجرة محددة وشاعت حالة التضخم.
    3-تتيح له التمويل بنسبة 100? حيث لا يتحمل عادة بأية نسبة من قيمة الأصول، عكس ما هو عليه الحال في العديد من أدوات التمويل الأخرى.
    4-تحقيق إمكانية التوسع في مشروعه وسرعة الحصول على المعدات المطلوبة والمتطورة دون الاضطرار إلى التوسع في عدد الملاك أو طرح أسهم جديدة، وما قد ينجم عن ذلك من مشكلات.
    5-تهيئ للمشروع فرصة جيدة لبرمجة نفقاته في المستقبل، والتعرف عليها سلفاً، مع عدم تحميله لمشكلات الاستهلاك والمخصصات.
    6-الاستفادة من ميزات ضريبية، حيث إن الأجرة تخصم من الأرباح قبل فرض الضريبة عليها، عكس ما لو كانت حصة مشاركة فهي توزيع للربح وليست عبئاً عليه، ومن ثم فلا يستفيد من تخفيض الضرائب، مما يجعل التمويل بهذه الأداة غالباً أقل كلفة من غيره، خاصة وأن المؤجر، نظراً لما يتمتع به من ميزات ضريبية فإنه يعرض معداته بسعر منخفض.
    7-ثم هي في النهاية تعد أداة مغايرة لغيرها من الأدوات التمويلية، ما يتيح لطالب التمويل الحصول على احتياجاته تحت أفضل الشروط.
    __________
    (1) د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/515 وما بعدها؛ د. منذر قحف، سندات الإجارة، مرجع سابق، ص 15 وما بعدها.
    (2/22573)
    --------------
    ثانياً- بالنسبة للمؤجر:
    1-تتيح له فرصة توظيف ماله مع عدم التعرض لقيود الائتمان الداخلي.
    2-وجود ضمان قوي، عكس ما لو تم التمويل من خلال البيع الآجل أو المنجم، حيث إن الأصل المؤجر ما زال على ملكيته، ومن ثم يستطيع استرداده عند الحاجة دون قدرة المستأجر على التصرف فيه، أو مشاركة الغرماء له عند إفلاس المستأجر.
    3-الاستفادة من بعض الميزات الضريبية التي يوفرها له الكثير من القوانين السائدة.
    4-تتيح له إمكانية تخطيط إيراداته المستقبلية، وفي بعض صور التأجير يضمن المؤجر استمرارية التأجير إلى نهاية العمر الإنتاجي للأصل، وكذلك تحميل المستأجر بعض الضمانات والمخاطر.
    5-يمكن التمويل بهذا الأسلوب المؤسسات الإسلامية من الاشتراك مع المؤسسات المالية التقليدية في تقديم التمويل المطلوب، مثل اشتراك شركة الراجحي مع بنك (تشيز مانهاتن) في تقديم تمويل لتأجير طائرات لشركة طيران الإمارات، مما يحقق للمؤسسات المالية مجالات أرحب وفرصاً أوسع للاستفادة من خبرات الغير.
    6-في بعض الحالات تكون مخرجاً جيداً لتوظيف الأموال دون التفريط في ملكيتها مثل أموال الوقف وبضع الأموال الحكومية.
    ثالثاً- بالنسبة للاقتصاد الدولي:
    1-تسهم بفاعلية في توظيف ما لدى المجتمع من موارد وطاقات وخبرات.
    2-تسهم في إقامة المشروعات دون تباطؤ كبير في انتظار الحصول على التمويل اللازم، ومن ثم عدم التعرض للتضخم والارتفاع المستمر في أسعار المعدات، كما أنه يتيح للمشروعات الوطنية فرصة الاستفادة من المعدات الحديثة.
    3-كما يعمل على المزيد من تراكم رؤوس الأموال .
    4-لا يتسبب في إرهاق الميزان التجاري للدولة إذا ما كان القائم بالتمويل شركة أجنبية، حيث لا يضطر المستثمر الوطني إلى شراء هذه المعدات من الخارج.
    __________
    (2/22574)
    --------------
    2 - الإجارة المالية – صور ومفاهيم:
    بداية تجدر الإشارة إلى أن التطبيق المعاصر لأداة الإجارة قد استحدثت صوراً وأساليب متعددة، ومن ثم فقد ظهر في القاموس التجاري الحديث وكذلك القاموس المالي العديد من المصطلحات والتي تحمل مفاهيم متغايرة بدرجة أو بأخرى، فكثيراً ما نطالع مصطلحات: التأجير التمويلي، التأجير الساتر للبيع، التأجير الشرائي، التأجير المنتهي بالتمليك، الإجارة والاقتناء، التمويل الإيجاري ... إلخ.
    هذا التعدد الواسع في المصطلحات هو في حد ذاته مدعاة للغموض، خاصة إذا ما علمنا أننا إذا بحثنا في مفاهيم ومضامين هذه المصطلحات، وهل هي مفاهيم واحدة وبالتالي تكون هذه المصطلحات معبرة عن صور عديدة متنوعة الخصائص، إذا ما أردنا ذلك فإننا لا نستطيع الحسم في المسألة، مما يزيد الموقف غموضاً، حيث نجدها –أو بالأحرى بعضها- يعامل عند البعض على أنها مترادفات، بينما لا يراها البعض الآخر كذلك.
    ثم إننا لا نملك اتفاقاً بين الكتاب والتطبيقات حول ماهية كل صورة وخصائصها. وهكذا يجد القارئ لهذا الموضوع قدراً كبيراً من العناء في البحث والتحري وتجلية موضوعه ومقصوده، وربما كان مرجع ذلك كله أن هذه الاستحداثات الجدية في استخدام صيغة أو أداة الإجارة التقليدية التي يعرفها الإنسان حق المعرفة منذ آماد وعصور بعيدة قد نشأت في ظل أنظمة وقوانين وضعية مختلفة ومتغايرة في نظراتها وتوجيهاتها، كما أنها جاءت بهدف تلبية رغبات متنوعة من مكان لآخر، فبعض القوانين الوضعية تعطي حقوقاً للمؤجر والمستأجر لم تعطها لهما قوانين وضعية أخرى، وبعض القوانين تشترط في بعض الصور شروطاً لم تر اشتراطها قوانين أخرى وربما تمنعها، وبعضها اهتم أكثر بعنصر التأجير، بينما الآخر اهتم بعنصر التمويل أكثر... إلخ (1) .
    __________
    (1) د. منير سالم وآخرون، التأجير التمويلي، طبعة 1997، القاهرة، ص 1237 وما بعدها؛ محمد عبد العزيز حسن، مرجع سابق، ص 23 وما بعدها؛ د. سعود الربيعة، مرجع سابق 2/464؛ د. إبراهيم دسوقي، البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى، مطبوعات جامعة الكويت، 1984، ص 303 وما بعدها؛ د. سليمان مرقس، شرح عقد الإجارة عالم الكتب، 1984، ص 74 وما بعدها؛ د. محمد القري بن عيد، العقود المستجدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر الجزء الثاني 1418 هـ، ص 541 وما بعدها (Howard Rosen – Leasing Law In European Community – London: Euromoney Pablications – 1991 – PP – 5.19.43,84.
    (2/22575)
    --------------
    وفي ضوء هذا الغبش الفكري نجد من أنسب المناهج التي يمكن استخدامها في دراسة الموضوع جمع كل هذه الصور المستحدثة تحت مصطلح كبير جامع هو الإجارة المالية ليكون في مقابلة المصطلح الآخر المعروف بالإجارة التشغيلية، وعلى أساس أنه يندرج تحته كل الصور المستجدة وكل هذه المصطلحات المستحدثة، والتي سلفت الإشارة إليها (1) وربما كان أفضل تعريف للإجارة المالية هو تعريف لجنة الأصول المحاسبية الدولة، والذي يذهب إلى أنها: " عقد الإجارة الذي تتحول من خلاله كل مخاطر ونفقات ملكية الأصل من المؤجر إلى المستأجر، سواء تحولت ملكية الأصل للمستأجر في النهاية أم لا" (2) وفيما يلي نعرض بعض الصور المشهورة للإجارة المالية (3) .
    1-الإجارة بدون خيار الشراء أو تجديد الإجارة: معنى ذلك أنه في نهاية مدة الإجارة يكون للمؤجر الحق الكامل في التصرف في الأصل المؤجر والاستفادة منه، وهذه الصورة ليس بها رصيد واقعي كبير، لأنها غالباً ما لا تشبع للمؤجر رغباته، خاصة إذا كانت مدة الإجارة لا تقل عن العمر الإنتاجي المفترض للأصل المالي، كما أنها لا تحقق للمستأجر ميزة على الإجارة التشغيلية مع تحميلها إياه لعبء النفقات والصيانة ومخاطر الملكية.
    ب-الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر بنص العقد الأصل المؤجر دون أي ثمن، بمعنى أنه بسداد القسط الأخير يصبح الأصل موضع الإجارة ملكاً للمستأجر دون الحاجة إلى أية إجراءات جديدة ودون الالتزام بدفع أي شيء جديد، وهذه الصورة لها أكثر من مصطلح، فهي تسمى التأجير الشرائي أو البيعي، كما تسمى البيع عن طريق التأجير، وكذلك التأجير الساتر للبيع، وأيضاً البيع الإيجاري .
    وأياً كان المصطلح فهو مترجم عن (Hire – Purchase) ومن الواضح أن هذه الصورة هي من حيث الجوهر والحقيقة بيع وليست إجارة، فهو بيع مقسط تؤول الملكية فيه إلى المشتري (المستأجر) بسداده لأقساط الثمن (الأجرة) (4) ، ومن الواضح أن قسط الإيجار مراعى فيه سداد جزء من ثمن الأصل وتحقيق قدر من العائد (5) وصياغة العقد تحت بند الإجارة وليس البيع مرجعه تحقيق العديد من المزايا للمؤجر، ومن ذلك ما يتعلق بالضرائب، والاحتفاظ بحق الملكية أياً كانت الظروف. وهذه الصورة من الإجارة غالباً ما تكون ثنائية الطرفين، ولا تتطلب طرفاً ثالثاً، كما هو الحال في بعض الصور الأخرى.
    __________
    (1) د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/462.
    (2) لجنة الأصول المحاسبية الدولية، الأصول المحاسبية الدولية، ترجمة سابا وشركاهم، دار العلم للملايين، بيروت 1983، ص 173.
    (3) د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/468 وما بعدها. (TOM Clork, Leasing Finance, London; Euromoney Pieh iicayions, ltd, 1985, PP, 13- 18.).
    (4) د. حسن الشاذلي، الإيجار المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، 1409، ص2638.
    (5) محمد سمير إبراهيم، المشاركة المنتهية بالتمليك والبيع بطريق التأجير، مجلة البنوك الإسلامية، العدد (37)، 1404هـ.
    (2/22576)
    --------------
    ج-الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر الأصل في نهاية المدة بثمن رمزي.
    ويعني ذلك أن ينص في العقد على أن المستأجر إذا سدد ما عليه دون تأخير فله حق تملك السلعة ملكية تامة بثمن رمزي مقداره كذا، وبالتأمل في هذه الصورة نلاحظ أن الأقساط الإيجارية هنا تعادل ثمن الأصل مع هامش ربح ارتضاه المؤجر، وإنما وضع هذا الثمن الرمزي الذي لا يمثل ثمن الأصل، بل ولا جزءاً ذا بال منه ليظهر العقد في صورة عقد إجارة ، وليس عقد بيع ، حتى يتحقق للمؤجر ما يصبو إليه من ضمان لحقوقه في الأصل كاملة، وحتى يسدد المستأجر كل ما عليه من أقساط.
    د-الإجارة مع تملك المستأجر للأصل بعد سداد القسط الأخير ودفع ثمن حقيقي، والفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة أن الثمن هنا ثمن حقيقي، ومن الواضح أننا هنا أمام عقد إجارة حقيقي وليس عقداً صورياً قد اقترن به عقد بيع حقيقي، وهذا الثمن المتفق عليه قد يجري تحديده عند إبرام عقد الإجارة أو يتفق على أن يحدد عند انتهاء عقد الإجارة، ومما يترتب على ذلك اختلاف واضح قي مقدار القسط الإيجاري في الصورة عنها في الصورة السابقة.
    هـ-الإجارة ذات الوعد بالبيع في حالة سداد القسط الأخير، وهنا احتمالات عديدة وقد يكون البيع بغير ثمن بعد دفع الأقساط، وقد يكون الثمن رمزياً، وقد يكون الثمن حقيقياً، وتكييف هذه الصورة من الناحية القانونية يتوقف على نوعية الثمن، فهل هو ثمن حقيقي أم هو رمزي أم هو بغير ثمن كلية؟ وكل حالة من هذا تلحق بالصورة المتفقة معها السالفة، غاية الأمر أن هنا (وعداً بالبيع) وفي الصور السابقة كان هناك (عقد بيع).
    و-الإجارة ذات الخيار المتعدد للمستأجر حيث يبرم عقد الإجارة على أساس أن للمستأجر في نهاية مدة الإجارة الحق في أحد ثلاثة أمور:
    -إما مد مدة الإجارة.
    -وإما إعادة الأصل للمؤجر.
    -وإما تملك الأصل من خلال ثمن محدد عند بداية التعاقد أو ثمن يحدد عند نهاية مدة الإجارة في ضوء الأسعار السائدة في ذلك الحين.
    ويلاحظ أن هذه الصيغة تعتبر عملياً أحدث تطوير طرأ على صيغة الإجارة وتسمى عادة لدى القانونيين بـ(عقد الليزنج) (Leasing) الذي يعني عربياً: عقد تمويل المشروعات أو عقد التمويل الائتماني، وهو عقد ثلاثي الأطراف، فهناك المؤجر، وهناك المستأجر، وهناك المورد أو البائع، معنى ذلك أن هذه الصورة تقوم على أطراف ثلاثة وليس على طرفين، كما هو المعتاد، والملاحظ كذلك أن هنا عدة عقود مقرونة بعدة وعود، ويشيع إطلاق مصطلح التأجير التمويلي على هذه الصورة، وهناك خلاف شديد بين القانونيين على تكييف هذا العقد (1) .
    وأبسط تصوير لعقد التأجير ثلاثي الأطراف، أن هناك المستأجر الذي يطلب الأصل الإنتاجي وهو عادة يطلبه من المؤجر، الذي هو في تلك الحالة قد يكون إحدى شركات التأجير المتخصصة أو أحد المصارف أو غير ذلك، ومهمة هذا الطرف هنا تمويلية محضة، بمعنى أن يلجأ إلى طرف ثالث يسمى المورد أو البائع والذي مهمته تصنيع الأصل للمؤجر أو بيعه له، وبالتالي فإن الاتفاق يبدأ بين المؤجر والمستأجر على أن يقوم المؤجر بتملك الأصل المعين المحدد من قبل جهة ما قد تكون محددة معينة على أن يقوم بتأجيره المستأجر مدة كذا بإيجار كذا وأقساط كذا واتفاق بينهما على ما يؤول إليه الحال في نهاية مدة الإجارة ، وعادة فإن الذي يمارس المفاوضة مع المورد هو المستأجر، بتوكيل وتفويض من المؤجر.
    __________
    (1) د. إبراهيم دسوقي، مرجع سابق، ص317 وما بعدها.
    (2/22577)
    --------------
    3 -الإجارة التشغيلية والإجارة المالية- مقارنة:
    من خلال هذا العرض السريع للعديد من صور الإجارة المالية، بالإضافة إلى التعرف على مفهومها لدى الفكر الوضعي، وما هو معروف عن الإجارة التقليدية، أو بالتعبير الحديث الإجارة التشغيلية فإنه يمكن التعرف على أهم الفروق القائمة بين الصيغتين، ويمكن القول إن هناك العديد من الفروق بينهما، بعضها تعد فروقاً جوهرية وأخرى أقل جوهرية، وبعضها لا يختلف في أي صورة من صور الإجارة المالية مخالفاً بذلك الإجارة التشغيلية، وبعضها يظهر في بعض صورها دون البعض الآخر، وقد تعرض الكثير من الكتاب لهذه المقارنة الأمر الذي يجعلنا هنا في غير حاجة ملحة إلى التعرف المفصل لها (1) .
    وقد يكون من أهم الفروق بينهما ما يتعلق بمسألة المخاطر وتحمل النفقات، فهي في التشغيلية مسؤولية المؤجر بغير خلاف، لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها، وقد كان ذلك من أهم الدوافع وراء ظهور الإجارة المالية بصورها المختلفة.
    كذلك نلاحظ أنه في معظم صور الإجارة المالية أنها تنتهي بالتمليك، مهما كانت الصورة، سواء من خلال الوعد أو العقد، وسواء كان ذلك بغير ثمن محدد بعد أقساط الإجارة أو بثمن محدد، رمزياً أو حقيقياً، أو بثمن يحدد حسب سعر السوق عند انتهاء الإجارة، وسواء كان من خلال منح الحق للمستأجر في اختيار خيار الشراء عند انتهاء الإجارة، وبالتالي فإنه في غالب الحالات نجد المآل انتقال ملكية الأصل إلى المستأجر.
    ونجد البداية هو القصد إلى ذلك، فكل منهما في غالب الأمر يدخل على التعاقد بنية انتهاء الإجارة بالتمليك العيني للأصل، أي بالبيع بعبارة أخرى، بينما لا مجال لذلك في الإجارة التشغيلية، يضاف إلى ذلك أنه في غالب الأمر نجد أن مدة الإجارة المالية من الطول بمكان بحيث تصل أو تقارب العمر الإنتاجي للأصل المؤجر، بينما الحال في الإجارة التشغيلية هو إمكانية قصر المدة إلى حد كبير عن العمر الإنتاجي للأصل، وكذلك إمكانية تطويلها بحيث تصل إلى عمر الأصل.
    كما نجد أن الإجارة المالية طابعها الإلزام وعدم إمكانية الإنهاء قبل المدة المتفق عليها لا من قبل المؤجر ولا من قبل المستأجر، وإلا تحمل الشرط الجزائي ، حيث إن ذلك يتنافى ومقصود وطبيعة هذه الإجارة، بينما في الإجارة التشغيلية وإن كانت لازمة شرعاً إلا أنه من الممكن إنهاؤها في بعض الحالات دون تحمل شروط جزائية.
    __________
    (1) محمد عبد العزيز حسن، مرجع سابق، ص30 وما بعدها.
    (2/22578)
    --------------
    4 -الإجارة المالية واحتياجات المؤجر والمستأجر (1) :
    بعد استعراضنا لصيغتي الإجارة بصورها المختلفة يطرح علينا تساؤل له أهميته: ما الذي حققته الإجارة المالية من ميزات للمؤجر؟ أو بعبارة أخرى ما هو الجديد في الإجارة المالية من وجهة نظر المؤجر؟
    أ-سبق أن أشرنا إلى أن التطوير الذي أدخله التطبيق المعاصر على صيغة أو عقد الإجارة كان وراءه في المقام الأول رغبات واحتياجات للمؤجر لا ينهض بتلبيتها عقد البيع الآجل من جهة ولا عقد الإجارة التشغيلية من جهة أخرى، فما هي هذه الرغبات التي تلبيها الإجارة المالية؟
    إن التمويل من خلال التأجير له ميزاته وخصائصه، وله كذلك سلبياته، وبدراسة الإجارة المالية نجد أنها من وجهة نظر المؤجر تحقق له أموراً ما كان للإجارة التشغيلية أن تحققها، ومن ذلك قضية نقل مخاطر وأعباء الملكية إلى المستأجر، فهو المسؤول عن أي خطر يلحق بالأصل، فنياً كان أو غير فني، وهو المسؤول عن صيانته والإنفاق عليه بحيث يظل صالحاً لتقديم المنفعة.
    ولا شك أن ذلك يمثل أهمية كبرى لدى المؤجر لما يرفع عن كاهله من مخاطر قد تكون جسيمة ومن نفقات قد تكون كبيرة، وبالتالي تجعله يقدم بقوة على القيام بهذا النشاط ذي الأهمية التجارية من جهة والتمويلية من جهة أخرى، عكس ما هو عليه الحال لو كانت الصيغة المستخدمة هي الإجارة التشغيلية، ثم إنها تضمن له في غالب الصور التأجير إلى نهاية عمر الأصل، وبالتالي يكون التوظيف والتشغيل مستمراً غير منقطع ولا متوقف، كما أنها تحقق له التخلص من ملكية الأصل في النهاية، ومعنى ذلك أنه قد وظف ماله توظيفاً مستمراً محققاً له العائد الذي يرجوه، مع عدم تحمل مخاطره ونفقاته.
    كذلك فإن الأنظمة الضريبية في بعض الدول الغربية تقدم ميزات جيدة للاستثمار في الأصول الثابتة جعلت الشركات تقوم على الاستثمار في هذه الأصول، فتقل الضرائب عليها من جهة وتستفيد من تأجيرها للغير من جهة ثانية، مع الاحتفاظ بحق الملكية إلى أن يتم سداد الثمن.
    ب-إلى أي مدى راعت الإجارة المالية احتياجات ومطالب ومصالح المستأجر؟ من الواضح أن الإجارة المالية ظهرت في الأساس لتلبية رغبات المؤجر، ومن المعروف أن رغبات المؤجر قد لا تتمشى مع رغبات واحتياجات المستأجر، فهما طرفان متقابلان، ولذلك لا نعجب إن وجدنا أن الإجارة المالية لم تحقق للمستأجر حاجات ورغبات بقدر ما سلبت منه من ميزات قدمتها له الإجارة التشغيلية، مثل تحمل المخاطر والنفقات، وكذلك إلزامه بالتأجير لفترات طويلة، قد لا يكون في حاجة ملحة إليها، وأيضاً فقد لا يكون من مصلحته تملك الأصل في النهاية إضافة إلى ما قد يكون هناك من مغالاة في قيمة الأقساط حيث لا تخضع للسعر السائد في السوق للأصول المناظرة، ومع ذلك فلم تعدم الإجارة المالية أن تقدم بعض الميزات للمستأجر حتى وإن كان من خلال ما تقدمه من ميزات للمؤجر، وبالتالي يجد المستأجر بسهولة سوقاً متاحة للتأجير، عكس ما لو لم تكن هناك ميزات فيها للمؤجر، ومع ذلك فهي توفر للمستأجر فرصة التملك للأصل بثمن مقسط يستطيع تحمله من خلال ما يحققه من إيراد من تشغيل هذا الأصل، كما أنها تتيح له فرصة الحصول على احتياجاته المحددة بسرعة وبدون الاضطرار إلى البحث عمن لديه هذه الأصول ويرغب في تأجيرها.
    __________
    (1) د. محمد القري، مرجع سابق، ص542 وما بعدها، محمود فهمي، نظام التأجير التمويلي، مجلة مصر المعاصرة، السنة السابعة والثمانون، العددان (241-242) لعام 1996، ص95 وما بعدها؛ محمد عبد العزيز حسن، ص25 وما بعدها.
    (2/22579)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:39 pm


    5 -الإجارة المالية والمصارف الإسلامية :
    رغم ما للتمويل بالإجارة من أهمية لما يحققه لكل من طالب التمويل ومقدمه من فوائد ومنافع، فإن استخدام المصارف الإسلامية له لم يكن على الوجه الذي يتفق وهذه الأهمية، ومرجع ذلك اعتبارات عديدة، منها ضعف الوعي بهذه الأداة وما تحققه من مزايا، إضافة إلى الانبهار ببعض الأدوات التمويلية الأخرى وخاصة أداة المرابحة ، وأيضاً ما هناك من قيود وعقبات قانونية ومؤسسية، وعدم انتشار المؤسسات المتخصصة في هذا النشاط، هذا كله مع ما للتمويل بالإجارة من خصائص قد لا تتمشى غالباً وطبيعة العمل المصرفي والقائم أساساً وحتى في ظل المصارف الإسلامية على إبداعات قصيرة الأجل مع أن التأجير عادة ما يكون متوسط أو طويل الأجل، يضاف إلى ذلك عدم توفر الخبرة الكافية لدى المصارف في شراء المعدات والأصول الإنتاجية وكذلك ما تتطلبه من صيانة وتخزين إضافة إلى ما تتعرض له من مخاطر الركود وعدم التشغيل، وما تستدعيه من استهلاكات ومخصصات، وما تتعرض له من مخاطر سوء استخدام المستأجر لهذه المعدات واحتمالات التوقف عن سداد الأقساط، وغير ذلك.
    ومن الواضح أن الإجارة المالية تزيل الكثير من هذه العقبات، فترفع عن المصارف المخاطر والأعباء والنفقات، كما أنها لا تحملها مؤونة الشراء والتخزين، حيث يتولى ذلك نيابة عنها المستأجر، وتقيها مخاطر التعطل، ولا تمكن المستأجر من المماطلة أو إنهاء العقد لأن ذلك في غير صالحه، وبرغم هذا فلم تخل من مشكلات وتحديات، منها ما يرجع إلى طول مدة التأجير، ومن ثم فإن هناك احتمالية تغير الأسعار والذي قد يغري المودعين بسحب إيداعاتهم مما قد يسبب أزمة للمصارف، وقد حاولت المصارف التغلب على ذلك بالاتفاق على تغيير القسط الإيجاري كل فترة محددة من الزمن مع وضع شروط جزائية تجعل من العسير على أي من الطرفين الإقدام على فسخ العقد (1) .
    ومن الناحية العملية فإن هناك من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من مارس التمويل بهذه الصيغة وقد ظهر ذلك بوضوح لدى مصرف فيصل – البحرين ، وشركة الراجحي والتي قامت باستخدامه في تمويل صفقات عديدة من الطائرات والسفن والعقارات، وطبقاً لصيغ بعض العقود التي أبرمتها الشركة في هذا الصدد نجد أنها من أقرب التطبيقات المعاصرة إلى القبول الشرعي ، وكل ما لوحظ عليها أنها تتعامل بالوعد الملزم بالبيع (2) .
    ولم يصرح البنك المركزي للمصارف الإسلامية في مصر بممارسة هذا النشاط.
    __________
    (1) د. محمد القري، مرجع سابق، ص 548.
    (2) د. راشد العليوي، المعاملات الاقتصادية في شركة الراجحي من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه أشرفنا عليها، قسم الاقتصاد الإسلامي، كلية الشريعة، جامعة أم القرى 1996: 2/502 وما بعدها.
    (2/22580)
    --------------
    6 -الإجارة المالية من نظرة شرعية:
    الإجارة التشغيلية سواء نظرنا لها كنشاط تجاري أو كنشاط تمويلي هي أداة تجارية تمويلية مقبولة شرعاً طالما التزمت بالشروط والأحكام الشرعية المعروفة.
    أما الإجارة المالية فهي موضع خلاف كبير بين الفقهاء المعاصرين، ولا ينجو من ذلك معظم صورها، وقد عقد لها مجمع الفقه الإسلامي جزءاً من دوراته السابقة وقدمت فيها أبحاث عديدة لم تكن نتائجها متفقة إلى حد كبير (1) ، وقد توصل إلى القول بجواز بعض الصور ورفض بعضها وتأجيل الحكم على بعضها الآخر لمزيد من الدراسة والبحث، وهذا نص قراره في دورته الخامسة (2) :
    أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى منها البديلان التاليان:
    1- البيع بالتقسيط مع الحصول على الضمانات الكافية.
    2- عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
    -مد مدة الإجارة .
    -إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
    -شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
    ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة.
    ولنا ملاحظات عديدة على هذا القرار من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، فهو في (أولاً) يقول (الأولى) وليس في ذلك حسم للمسألة إذ معناه أن صور الإيجار المنتهي بالتمليك مقبولة شرعاً لكنها ليست الأولى، ثم إن البديل الثاني هو داخل في عرف الاقتصاديين والماليين في صور الإجارة المنتهية بالتمليك ، فكيف يكون بديلاً عنها؟ وثالثاً: فإن (أولاً) قد غطت كل صور الإجارة المنتهية بالتمليك كما هو نص الصياغة ثم تجيء (ثانياً) فتعارض ذلك وتقرر لها حكماً أو موقفاً مغايراً.
    وبالنظر في صور الإجارة المالية نجد أن مواطن النظر الفقهي قد انصرفت في معظمها إلى النواحي التالية:
    1-مسألة الصيانة وتحمل المخاطر، فمن الملاحظ أن كل الصور فيها تقوم على تحميل ذلك على المستأجر، وهذا مغاير للأصل القائمة عليه الإجارة التشغيلية الذي يحملها على المؤجر، طالما أن الأصل المالي ملكه، وطالما أنه قد أجر منفعته لطرف آخر، فهو مسؤول عن تأمين هذه المنفعة، وقد خرجت الإجارة المالية على هذا الأصل، وعموماً فإن أعمال الصيانة المعلومة يمكن قيام التأمين على العين المؤجرة ، وتحميله للمستأجر بضوابط معينة (3) .
    __________
    (1) د. حسن الشاذلي مرجع سابق، عبد الله بن بيه، الإيجار المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2660 وما بعدها، وهناك أبحاث أخرى في الموضوع منشورة في نفس العدد.
    (2) مجمع الفقه الإسلامي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس الجزء الرابع، 1409، ص2761.
    (3) الموسوعة الفقهية: 1/286؛ د. أبو سليمان، ص 69.
    (2/22581)
    --------------
    وبالتالي فإن هذه الشبهة قد لا تقف حائلاً أمام شرعية هذا البند في الإجارة المالية.
    2-مسألة تأجير ما ليس عندك، ففي كثير من الحالات يبرم عقد الإجارة بين المؤجر والمستأجر دون أن يكون المؤجر قد امتلك الأصل المؤجر بعد، والمعروف أن هناك نهياً عن بيع ما ليس عندك، والإجارة نوع من البيوع، وإذن فلا مجال شرعاً لقيام مثل ذلك، وقد حاول بعض الفقهاء الخروج من ذلك بإيجاد وعد بالتأجير وليس عقداً للتأجير، لكن ذلك يدخلنا في مشكلة هل الوعد ملزم أم غير ملزم؟
    فإن كان ملزماً فهو بمثابة العقد، وإن لم يكن ملزماً فقيمته قليلة وأثره في إغراء المؤجر يكاد يكون معدوماً، وقدم بعض الباحثين مخرجاً قد يكون قبوله والعمل به أكبر بكثير من فكرة الوعد، وهو الشراء مع الخيار لمدة محددة، فإذا أنجز المستأجر ما وعد وإلا رد البيع على صاحبه (1) .
    3-مسألة اجتماع أكثر من عقد، فهناك على الأقل في بعض الصور عقد تأجير وعقد بيع وقد يضاف عليهما عقود أخرى، وجمهور الفقهاء على جواز اجتماع عقد الإجارة مع عقد البيع (2) ، وبالتالي فلا تقف هذه الشبهة عائقاً حيال القبول الشرعي لبعض صور الإجارة المالية، طالما أن كل عقد منهما قد استوفى أركانه وشروطه.
    4-مسألة وجود شروط في عقد الإجارة المالية، مثل اشتراط عدم تصرف المؤجر في السلعة طوال فترة الإجارة بما يضر بمصلحة المستأجر، وأن يبيع المؤجر للمستأجر السلعة في نهاية المدة، وأن يكون للمستأجر الخيار بين كذا أو كذا، وقد اختلف الفقهاء في تقرير شرعية ذلك، فمنهم من ذهب إلى جوازه ومنهم من رفض (3) .
    __________
    (1) محمد علي التسخيري، الإجارة بشرط التمليك، الوفاء بالوعد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2681 وما بعدها؛ د. سعود الربيعة، مرجع سابق: 2/492.
    (2) لمعرفة موسعة يراجع د. حسن الشاذلي، مرجع سابق؛ د. نزيه حماد؛ العقود المستجدة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد العاشر، الجزء الثاني، ص 473 وما بعدها.
    (3) لمزيد من المعرفة يراجع، الموسوعة الفقهية: 1/257؛ د. حسن الشاذلي، مرجع سابق؛ د. نزيه حماد، مرجع سابق، محمد علي التسخيري، مرجع سابق، عبد الله بن بيه، مرجع سابق.
    (2/22582)
    --------------
    5-مسألة تعليق البيع ، في صورة ما إذا كان تملك المستأجر يتم بعد سداد القسط الأخير دون دفع أي ثمن، فمعنى ذلك أن الأقساط الإيجارية هي في الحقيقة أقساط ثمن الأصل. وقد كيف القانون الوضعي هذه الصورة بأنها بيع بالتقسيط دون الالتفات إلى الصيغة المدونة. لكن قبول ذلك شرعاً تحول دونه صعاب عديدة، فالأقساط التي دفعت: دفعت على أنها أقساط إيجارية بحكم صيغة العقد، وبالتالي فهي أجرة، فكيف تحول إلى ثمن للأصل بعقد لاحق؟ إن ذلك لا يتماشى والأصول والقواعد الحاكمة والضابطة للعقود في الفقه الإسلامي. والمخرج من ذلك هو التحول من عقد الإجارة إلى عقد بيع مقسط ، مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد لجميع الأقساط، وفي تلك الحالة لو توقف المشتري عن سداد بعض الأقساط فإن العقد يفسخ يأخذ البائع الأصل. وما سبق أن دفعه المستأجر يسوى من خلال القيمة الإيجارية الحقيقية وما قد يكون هنالك من تعويض نتيجة الإخلال بالشروط (1) . وتعليق عقود المعاوضات على بعض الشروط –كما هو واضح في الإجارة المالية حيث إن عقد البيع معلق على الوفاء بجميع الأقساط- قال بعض الفقهاء بجوازه، وقال بعضهم بمنعه. وبالتالي فيمكن الأخذ برأي من قال بالجواز (2) .
    6-مسألة الثمن الرمزي: سبق أن رأينا أن بعض صور الإجارة المالية ينص في عقدها على تملك المستأجر للأصل المالي بثمن رمزي. فهل يصح البيع بثمن رمزي؟ من حيث الأصل: لا مانع على الطرفين، البائع والمشتري في تحديد ما يريانه من ثمن للسلعة. لكن المسألة هنا ليست هكذا بوضوح، فهي مرتبطة بإجارة وبأقساط سبق دفعها، وهي في الغالب أكبر بكثير من الأقساط الإيجارية الحقيقية.
    ومعنى ذلك أن الثمن الرمزي المحدد ليس هو الثمن في الحقيقة بل هو جزء تافه من الثمن وبقيته ممثلة في الأقساط الإيجارية. وإذن فنحن كما لو كنا أمام انتقال الملك بمجرد سداد الأقساط. وقد رأينا سلفاً أن الصواب في ذلك هو الابتعاد عن عقد الإجارة إلى عقد بيع منجم مشروط بعدم التصرف إلا بعد السداد لجميع الأقساط. وبعض المصارف واجهت ذلك عن طريق ( الهبة ) حيث ينص في عقد الإجارة أنه بسداد جميع الأقساط يهب المصرف الأصل الإنتاجي للشريك، ومن المعروف أن اجتماع عقد الإجارة مع عقد (الهبة) لا غبار عليه شرعاً عند الكثير من الفقهاء. والمشكلة هنا أن عقد الهبة غير لازم في الكثير من القوانين الوضعية ، ومعنى ذلك تعرض المصرف لمخاطر قد تكون جسيمة فيما لو أخل المستأجر بالاتفاق، ومع ذلك فهي من الناحية الشرعية محل تحفظ، حيث إن حقيقتها ليست بهبة خالصة، وإنما هي عملية معاوضة (3) . يضاف إلى ذلك أن حالة السلعة محل البيع عند إبرام عقد الإجارة –والذي هو في حقيقته عقد بيع - لا تعرف لدى المتعاقدين عند انتهاء مدة الإجارة ، ومن شروط صحة البيع المعرفة الجيدة بالسلعة محل التعاقد.
    __________
    (1) د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص 2640 وما بعدها.
    (2) د. حسن الشاذلي، مرجع سابق، ص 2644 وما بعدها، الموسوعة الفقهية: 1/256، مرجع سابق؛ عبدا لله بن بيه، مرجع سابق، ص 2666 وما بعدها، د. أحمد ريان، فقه البيوع المنهي عنها، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، 1995، ص 65.
    (3) د. محمد القرى، مرجع سابق، ص 551، محمد المختار السلامي، الدكتور صديق الضرير، مناقشة البحوث المقدمة في موضوع التأجير المنتهي بالتمليك، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس، الجزء الرابع، ص 2730 وما بعدها.
    (2/22583)
    --------------
    7 -الإجارة المالية- تقويم ختامي:
    مما سبق يمكن القول بإيجاز إن الإجارة التشغيلية مقبولة شرعاً طالما استوفت أركانها وشروطها وهذه لا إشكال فيها، لكن المشكلة أنها في كثير من الحالات قد لا تشبع رغبة المؤجر أساساً، وكذلك رغبة المستأجر في أحيان قليلة، كما إذا كان له رغبة في تملك الأصل وليس معه ثمنه كاملاً، ولا يجد من يبيعه إياه بالتقسيط، لما قد يواجهه من مخاطر وأعباء.
    والإجارة المالية قد كفلت للمؤجر تلبية رغباته التي لم توفرها الإجارة التشغيلية، وكذلك البيع بالتقسيط . لكنها مع هذا كله تواجه بصعوبات شرعية تتطلب الحلول والمخارج، بعضها ممكن وبعضها غير ممكن إلا بالتحايل. كما أنها في التطبيق العملي ورغم مزاياها المتعددة فإنها تولد الكثير من المشكلات، مما جعل القانون الوضعي منقسماً على نفسه في تكييفها من جهة، وفي إجازة العمل بها من جهة ثانية. وكما يلاحظ فإن المصارف الإسلامية لم تمارس التمويل من خلالها إلا بنسب متواضعة وبعضها لم يمارسها على الإطلاق وبعضها محظور عليه ممارستها قانوناً.
    وفي ضوء ذلك كله فإننا نرى التوسع في استخدام الإجارة التشغيلية والعمل على تطويرها بكل ما يمكن مع المحافظة وعلى أصولها الشرعية وذلك مثل إيجاد سندات إيجارية . وكذلك فك الارتباط بينها وبين المصارف الإسلامية، بمعنى الترويج لها كوسيلة تمويلية مباشرة، لا تتطلب –أو بالأحرى- لا تتوقف في معظم مجالاتها على قيام وسيط مصرفي، بل تقوم بذلك شركات تأجير متخصصة، وهي أقدر على ذلك من المصارف. إضافة إلى التعرف على النماذج المختلفة التي يمكن من خلالها ممارسة عملية التمويل، مثل الإجارة من خلال الوكالة ، والإجارة من خلال المضاربة ، والإجارة بطريقة المشاركة ، وغير ذلك ما يمكن التعرف عليه واستخدامه. وقد تناول هذه النماذج بقدر من التفصيل الدكتور سعود الربيعة. مع ملاحظة قد تكون لها أهميتها، وهي أن استخدام صيغة الإجارة المالية بصورها المختلفة حدث أولا في المجتمعات الغربية بدافع أساسي يتمثل في علاج مشكلات في التعامل بالبيع بالتقسيط، ولم يكن الدافع بصفة عامة هو تطوير الإجارة التقليدية لتواجه ظروفاً مستجدة.
    وليس معنى ذلك إغلاق الباب أمام استخدام الإجارة المالية بكل صورها.
    فهذا أمر غير مقبول شرعاً كما أنه قد يكون غير مقبول عملياً، حيث إن السوق المالي في حاجة إليها. وإنما معناه أن نتحرى جيداً ما يمكن قبوله شرعاً من صورها العديدة، وما كان له رصيد عملي كبير في الحياة الاقتصادية حيث لا يثير من القضايا والمشكلات ما يجب ما لها من فوائد. وتجدر الإشارة إلى أن التعامل بالتأجير التمويلي أخذ في التناقص في الفترة الأخيرة لما يثيره من مشكلات عملية وقانونية.
    __________
    (2/22584)
    --------------

    الإيجار المنتهي بالتمليك
    وصكوك التأجير
    إعداد
    الدكتور محمد جبر الألفي
    أستاذ الفقه المقارن ونائب عميد كلية الشريعة والقانون جامعة اليرموك – الأردن
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة

    " الإيجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم" (1) .
    وعقد الإيجار من أكثر العقود أهمية "ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك – الإجارة - فإنه ليس لكل أحد دار يملكها، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعاً... فلابد من الإجارة" (2) .
    وقد أصبح عقد الإيجار –في عصرنا الراهن- عصب الحياة الاقتصادية، ويؤدي إلى إشباع الحاجات المتزايدة، فهو –بالنسبة للمستأجر- يجعل منفعة الأعيان في متناول يده إذا كان في حاجة إليها ولا يمكنه شراؤها أو لا يرغب في ذلك لاستثمار رأس ماله فيما يعود عليه بنفع أكبر.
    وهو بالنسبة للمؤجر يعتبر من المجالات الاستثمارية للأعيان المملوكة له مع احتفاظه بملكية هذه الأعيان. ولهذا أقبل المستثمرون على شراء المعدات الصناعية والأجهزة المتنوعة ووسائل النقل البري والبحري والجوي والأراضي والوحدات المعدة للسكنى أو الاستثمار، وتأجيرها للغير لقاء أجر مناسب مما جعلها من أحدث الوسائل الاستثمارية وأكثرها ربحاً (3) .
    وكلامنا عن الإيجار المنتهي بالتمليك يتناول –في مطلب أول- بيان ماهية هذا العقد وصوره التي أفرزها التطبيق العملي. ثم نبحث –في مطلب ثان- موقف القانون الأردني من الإيجار المنتهي بالتمليك . وفي المطلب الثالث والأخير نحاول استخلاص حكم الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي.
    المطلب الأول
    ماهية عقد الإيجار المنتهي بالتمليك وصوره
    الإيجار المنتهي بالتمليك:
    لا يختلف الفقه ولا القضاء في تحديد ماهية العقد إذا اتفق المتعاقدان على نقل ملكية شيء معين مقابل أقساط محددة تدفع خلال مدة معلومة، فهذا هو البيع بالتقسيط (Ventea Temperament)، الذي أجازه الفقه الإسلامي واعتبره أحد صور بيع النسيئة (4) ، ولكن يقع اللبس في تحديد ماهية العقد الذي يسميه الطرفان (عقد إيجار)، مع أن نيتهما تكون قد انصرفت إلى حقيقة البيع، ليتمكن البائع من ترويج بضاعته حيث يبيعها بأقساط يسهل على المشتري دفعها، وفي نفس الوقت يحتفظ بملكية المبيع، حتى يحصل على القسط الأخير من ثمنه. وقد اتخذ هذا العقد عدة صور في الحياة العملية، نكتفي منها بثلاثة نماذج: البيع الإيجاري، والإيجار المقترن بوعد بالبيع، والتمويل الإيجاري .
    أ-البيع الإيجاري (5) (Hire – Purchase) أو (Location – Vente):
    تتلخص فكرة (البيع الإيجاري) في التعاقد على شيء، يتفق الطرفان على أنه مؤجر لمدة معلومة لقاء أجر دوري محدد، بحيث إذا دفع المستأجر هذا الأجر كله أصبح الشيء مملوكاً له في نهاية المدة، أما إذا أخل بشروط التعاقد فإن العقد ينفسخ، ويعود الشيء إلى المؤجر، ولا يسترد المستأجر شيئاً مما دفعه.
    __________
    (1) المادة (658) من القانون المدني الأردني. نقابة المحامين – عمان، المذكرات الإيضاحية للقانون المدني الأردني، إعداد المكتب الفني، بإدارة المحامي إبراهيم أبو رحمة: 2/551.
    (2) ابن قدامة، المغني المطبوع مع الشرح الكبير: 6/3.
    (3) محمد الألفي، عقد الإيجار في ضوء قانون المعاملات المدنية وأحكام الفقه الإسلامي، العين: 1994 –1995، ص 7.
    (4) الشافعي، الأم: 3/86 وما بعدها؛ ابن قدامة، المغنى والشرح الكبير: 4/219؛ وانظر رفيق يونس المصري، بيع التقسيط، دمشق – بيروت 1410 / 1990؛ إبراهيم أبو الليل، البيع بالتقسيط، الكويت 1984.
    (5) إبراهيم أبو الليل المرجع السابق، ص 303 – 310؛ وانظر أيضاً: L. Aynes Location Vente. In Jur. Cl. Com. Distribution, Fasc, 760, 1984, R.M Goode Here – Purchase. Law and Practic. London. 1962.
    (2/22585)
    --------------
    وقد ظهر هذا العقد في إنجلترا عام 1846م، ولما زادت أهميته في الحياة العملية تدخل المشرع لتنظيمه عام 1938م ثم عام 1954م و1957م. وفي ظل هذه التشريعات ظهر اتجاهان في تحليل هذا العقد:
    يرى الاتجاه الأول أن هذا العقد أقرب إلى الإيجار منه إلى البيع، لأن الحائز يحصل على الشيء باعتباره مستأجراً له، وله الحق في أن يتملكه بعد انتهاء مدة الإيجار مقابل دفع ثمن إضافي، ويرى الاتجاه الآخر أن هذا العقد أقرب إلى البيع منه إلى الإيجار، لأنه ينتهي بتملك الشيء، إذا رغب المشتري، مقابل ثمن يدفع على أقساط، بمجرد دفع القسط الأخير، ودون حاجة إلى إبرام عقد جديد (1) .
    فلما انتقلت فكرة ( البيع الإيجاري ) إلى فرنسا ، برزت في العمل تفرقة بين التعاقد على المنقول والتعاقد على العقار (2) : ذلك أن الانتفاع بالمنقول لمدة طويلة –وخاصة إذا كان من الأجهزة والمعدات – يفقده كثيراً من قيمته الاقتصادية ويقربه من نهاية عمره الافتراضي، مما يجعل المنتفع يزهد في تملكه بعد طول الاستعمال. لذا تدخل المشرع في 10/1/1978م لتنظيم هذا التعامل لحماية المستهلكين، وإبطال بعض شروط العقد باعتبارها شروطاً تعسفية.
    أما القضاء فقد أكد أن البيع الإيجاري الوارد على المنقول يتضمن عملية قانونية لا تقبل التجزئة، تتكون من البيع والإيجار معاً وكذلك المقابل الموحد، فتكييف العقد –إذن- يجعله ذا طبيعة تعاقبية: يبدأ إيجاراً وينتهي بيعاً، ولا يجوز اعتباره بيعاً منذ انعقاده لأن المؤجر –البائع- يظل مالكاً للعين، ويتحمل تبعة هلاكها طوال مدة الإيجار، إلا إذا كان هناك اتفاق مخالف (3) .
    والأمر يختلف إذا كان محل (البيع الإيجاري) عقاراً، فمع أنه يسمح (للمستأجر –المتملك) بالحصول على عقار مقابل دفعات منجمة، ودون دفع تقدمة مالية، إلا أنه يحرمه من كافة الضمانات إذا أعسر (المؤجر – المالك) أو أفلس، ثم إنه لا يملك أي سلطة لإدارة هذا العقار، على الرغم من أن التزاماته تتجاوز التزامات المستأجر العادي، بل يمكن اعتباره (المالك المستتر). أما طبيعة العقد فتظل كما هي في المنقول: العقد مختلط، ومحله على التعاقب: الانتفاع بالشيء مدة محددة، يعقبها تملك هذا العقار. وقد تدخل المشرع بقانون: 12/7/1984م، لتنظيم العلاقة بين المتعاقدين، فأنشأ عقداً جديداً أسماه – (location – accession) أي: الإيجار المقترن بوعد بالبيع.
    __________
    (1) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق: 304 – 306، والمراجع التي أشار إليها.
    (2) مالوري وإيني، القانون المدني، العقود الخاصة، باريس 1992، ص 431 – 433، والمراجع التي أشار إليها.
    (3) Com. 7.2 1977, B, IV. n38:D..78. 702.n.Nguyer phu Duc.
    (2/22586)
    --------------
    ب-الإيجار المقترن بوعد بالبيع (1) (location – accession):
    العقد المسمى بالإيجار المقترن بوعد بالبيع ، ومن ثم يخضع لأحكام قانون 12/7/1984م، هو العقد الذي تتوافر فيه ثلاثة عناصر:
    1-وعد بالبيع يلتزم به (المؤجر – المالك) لصالح (المستأجر – المتملك) إذا أبدى هذا الأخير رغبته في شراء العقار خلال مدة معينة.
    2-الانتفاع بالعقار –مقابل عوض- لمدة سابقة على انتقال الملكية.
    3-الوفاء –حتى وقت مزاولة حق الخيار - بالأجرة ومقابل (الحق الشخصي لنقل ملكية المال).
    فإذا تخلف أحد هذه العناصر الثلاثة، فإن العقد لا يخضع لأحكام قانون 12/7/1984، بل يعتبر مجرد بيع إيجاري، أو إيجاراً مقترناً بوعد بالتمليك، تطبق عليه أحكام قانون: 13/7/1979م، السابق الإشارة إليه. أما إذا توافرت هذه العناصر الثلاثة، فإن قانون 1984م يمنح (المستأجر – المشتري) سلطة إدارة العقار طوال مدة الانتفاع، وإذا لم يبد رغبته في شرائه خلال المدة المعينة يلتزم (المؤجر – البائع) برد المبالغ المستحقة له، ولا يحتفظ إلا بتعويض يساوي 1? من ثمن المبيع (2) .
    جـ- التمويل الإيجاري (leasing) أو (3) (credit – bail):
    ظهر هذا العقد في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي عام 1953م تحت اسم (leasing)، ثم انتقلت فكرته إلى فرنسا حوالي عام 1962م، تحت اسم (credit – bail) وبعد ذلك ظهر في مصر تحت اسم (التأجير المالي) (4) . وتتلخص فكرة هذا العقد في وجود علاقة ذات أطراف ثلاثة: الطرف الأول يسعى لاستئجار معدات وتجهيزات وآلات وعقارات لاستخدامها في مشروع إنتاجي.
    والطرف الثاني يتمثل في الشركات المتخصصة في إنتاج وبيع هذه الأجهزة.
    أما الطرف الثالث فهو مؤسسة ائتمان لتمويل المشروعات، تشتري هذه الأجهزة أو العقارات من الشركات المتخصصة، وتؤجرها لصاحب المشروع الإنتاجي لمدة تقارب العمر الافتراضي لهذه الأجهزة بأجر مرتفع يضمن لها استرداد ثمن الأجهزة أو العقارات مع هامش ربح مناسب، وبانتهاء مدة الإيجار يستطيع المستأجر: إما إنهاء العقد ورد الأشياء المؤجرة، وإما تملك العقار والأجهزة، نتيجة وعد انفرادي سابق وبثمن غالباً ما يتفق عليه عند بداية التعاقد، وإما تجديد عقد الإيجار لمدة أخرى بأجر أقل (5) .
    وإزاء انتشار هذا العقد بصورة مذهلة، تدخل المشرع الفرنسي لتنظيمه في: 2/7/1966م ثم في 6/1/1986م، وراقبت محكمة النقض بدقة تطبيقاته المختلفة، حتى إنها حكمت في 19/11/1991م بأن التمويل الإيجاري لا يمكن أن يمارسه بصفة معتادة إلا المؤسسات الائتمانية، وإلا اعتبر العقد باطلاً (6) ، أما تكييف هذا العقد فلا يزال الفقه القانوني مختلفاً عليه نظراً لطبيعته المركبة، ولو أن القضاء قد اعتبره إيجاراً يتضمن كثيراً من الشروط الجزائية ، وليس بيعاً ائتمانياً (7) .
    __________
    (1) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 28 – 31؛ مالوري واين، المرجع السابق، ص 432 – 434؛ وانظر كذلك: Thirio. Le bail avec Promesse de vene. Th. Nancy 1930. Lancereau, Les contrats de location –vente et de la location as – sortis d. une promesse de vente et la loi du 13. 7. 1979. Rev. dr imm. 1980. N @ 1. P.22. f. Benac – Schmidt. Le Contrat de Promesse \ unilaterale de vente. Paris 1983. M. Dagot et D. lepeitier. La location – accession. litec 1985. P. Walet et A. Durance. La location, accession, Masson 1988.
    (2) وقد يصل في بعض الحالات الاستثنائية إلى (3?) كما ورد في المادة (1).
    (3) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق ص31 – 40، ص 317 – 324؛ مالوري وايني، المرجع السابق، ص 434 – 442؛ وانظر كذلك: J. Coillot. Initition au leasing ou credit – bail, 2e de 1979. M. Giovanoli, le credit – bail (leasing) en Europe, litec 1980.
    (4) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 317-320، والمراجع التي ذكرها فايز نعيم رضوان، عقد الائتمان الإيجاري. القاهرة : 1985. هاني دويدار. النظام القانوني للتأجير التمويلي. الإسكندرية: 1993م.
    (5) إبراهيم أبو الليل، المرجع السابق، ص 34/35، والمراجع التي أشار إليها.
    (6) com. 19.11.1991. B. Iv.n 347:D.. 91. I.R.. 33. J. C. P. 92. IV, 276.
    (7) انظر على سبيل المثال: حكم محكمة (لاروشيل) التجارية في 26/6/1964: (J.CP.. 65.II. 14331. N. J. m. Leloup).
    (2/22587)
    --------------
    المطلب الثاني
    موقف القانون الأردني من الإيجار المنتهي بالتمليك
    الفرع الأول: القانون المدني .
    لم يتعرض القانون المدني الأردني لحكم الإيجار المنتهي بالتمليك لا في النظرية العامة للعقد، ولا في عقد البيع أو عقد الإيجار ، إلا ما جاء في المادة (487) من أنه:
    1-يجوز للبائع إذا كان الثمن مؤجلاً أو مقسطاً أن يشترط تعليق نقل الملكية إلى المشتري حتى يؤدي جميع الثمن ولو تم تسليم المبيع .
    2-وإذا تم استيفاء الثمن تعتبر ملكية المشتري مستندة إلى وقت البيع.
    وقد جاء في المذكرات الإيضاحية – تعليقاً على هذه المادة – (هذا الحكم يعرف من مراجعة المواد (187 – 188) من المجلة وشرحها لعلي حيدر، و(454- 455) من مرشد الحيران، وهي تقابل المواد (397) مشروع أردني، و(398) سوري، و(534) عراقي) (1) .
    أما الإحالة إلى المواد (187 –188) مجلة، (454 – 455) مرشد الحيران، فهي محل شك، لأن اشتراط البائع تعليق نقل الملكية إلى المشتري حتى يؤدي جميع الثمن لم يكن جائزاً في ظل مجلة الأحكام العدلية، ولأن المادتين (454-455) من مرشد الحيران تتعلقان بحق البائع في حبس المبيع لاستيفاء جميع الثمن ولو قدم المشتري رهناً أو كفيلاً.
    __________
    (1) المذكرات الإيضاحية، مرجع سابق: 2/501.
    (2/22588)
    --------------
    وأما أن هذه المادة تقابل المادة (398) سوري، والمادة (534) عراقي، فالأمر مختلف، ذلك أن المشرع في كل من مصر وسورية والعراق واجه بحزم موضوع البيع الإيجاري الذي قصد به حقيقة البيع بالتقسيط ولكن تم إظهاره في صورة عقد إيجار، فنص في المواد المذكورة على ما يلي (1) :
    1-إذا كان البيع مؤجل الثمن، جاز للبائع أن يشترط أن يكون نقل الملكية إلى المشتري موقوفاً على استيفاء الثمن كله، ولو تم تسليم المبيع.
    2-فإذا كان الثمن يدفع أقساطاً، جاز للمتعاقدين أن يتفقا على أن يستبقي البائع جزءاً منه تعويضاً له عن فسخ البيع، إذا لم توف الأقساط، ومع ذلك يجوز للقاضي تبعاً للظروف أن يخفض التعويض المتفق عليه وفقاً للفقرة الثانية من المادة (224) (2) .
    3-وإذا وفيت الأقساط جميعاً، فإن انتقال الملكية إلى المشتري يعتبر مستنداً إلى وقت البيع.
    4-وتسري أحكام الفقرات الثلاثة السابقة ولو سمى المتعاقدان البيع إيجاراً .
    أما إذا اتجهت نية المتعاقدين إلى إبرام عقد إيجار مقترن بوعد بالبيع، فإنه يخضع لأحكام الإيجار ولا تنتقل الملكية إلى المستأجر ، إذ أبدى رغبته في ذلك، إلا بعد انتهاء عقد الإيجار ، ولا يكون لانتقال الملكية أثر رجعي . وهذا ما جرى عليه القضاء في مصر ، حيث قرر أن تكييف البيع الإيجاري وتقرير ما إذا كان بيعاً أم إيجاراً يرجع إلى قصد المتعاقدين الذي تستخلصه محكمة الموضوع مستهدية بنصوص العقد (3) . وهو ما نرى الأخذ به في ظل القانون المدني الأردني ، تطبيقاً لنص المادة (214/1): "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني" (4) ، ونص المادة (239/2) "إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات" (5) .
    __________
    (1) المادة (430) من القانون المدني المصري، وتطابقها المادة (398) مدني سوري والمادة (534) مدني عراقي.
    (2) ونصها: ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.
    (3) نقض جنائي: 21/5/1934، المجموعة الرسمية: رقم 206.
    (4) المذكرات الإيضاحية، مرجع سابق: 1/241.
    (5) المرجع السابق، ص 243.
    (2/22589)
    --------------
    الفرع الثاني- مشروع قانون التأجير التمويلي :
    تضمن مشروع قانون التأجير التمويلي الأردني لسنة 1997م إحدى وثلاثين مادة تتعلق بتحديد النشاط الخاضع لمشروع القانون، وتبين الأحكام الواجب تطبيقها على هذا النشاط، وأرفقت بهذا المشروع (الأسباب الموجبة لقانون التأجير التمويلي).
    فالمادة الثالثة من المشروع تضع تعريفاً مفصلاً لعقد التأجير التمويلي وتأخذ بعين الاعتبار عدة أمور للدلالة على كون عقد الإيجار عقد تمويل تأجيري تمييزاً له عن عقد التأجير التشغيلي.
    والمادة الخامسة تخضع عقود التأجير التمويلي إلى أحكام المشروع، وإلى أحكام القانون المدني وقانون التجارة في كل ما لا يتعارض مع أحكامه.
    أما المادة السادسة فإنها تقرر تنظيم هذا العقد بموافقة المؤجر والمستأجر، مع مراعاة عدة عناصر ينبغي أن يتضمنها العقد.
    وتخضع المادة السابعة من المشروع عمليات التأجير التمويلي للتسجيل والقيد في السجل الخاص الذي تعده وزارة الصناعة والتجارة لهذه الغاية.
    وتجيز المادة العاشرة لشركات التأجير التمويلي أن تتولى عمليات التأجير مباشرة مع المستأجر، أو أن تسمح له بالتفاوض مع المورد أو المقاول في المسائل التي تحددها للتفاوض.
    وفي المواد (من 11 إلى 20) ينظم المشروع أحكام استلام الأصل المأجور، وصيانته، وتبعة هلاكه، والتزام المستأجر بأداء الأجرة، وحق كل من المؤجر والمستأجر في التنازل عن العقد، وحالات الفسخ، وما يترتب على انقضاء عقد التأجير التمويلي .
    وتتناول المواد (من 21 إلى 23) أحكاماً تتعلق بالرسوم الجمركية والضرائب وتأجير المركبات وتضع المواد (من 24 إلى 26) القواعد المحاسبية والمعاملة الضريبية.
    وتنظم المادتان (27-28) حق المؤجر في الحفاظ على ملكية الأصل والتأكد من حالته، وأثر التصاق الأصل بأي عقار آخر.
    وتنص المواد (من 29 إلى 31) على بعض الأحكام الختامية.
    __________
    (2/22590)
    --------------
    المطلب الثالث
    حكم الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي
    تمهيد:
    تلجأ البنوك الإسلامية إلى الائتمان الإيجاري أو التمويل التأجيري للاستثمارات الإنتاجية ، لامتصاص زيادة المدخرات والودائع لديها، نتيجة زيادة الوعي الديني والاجتماعي، ورغبة في التعامل على أسس اقتصادية جديدة. ومما ساعد على نجاح هذه العمليات أن المبادئ التي تحكم الائتمان الإيجاري تتفق تماماً مع أغراض المؤسسات المالية الإسلامية .
    فالقاعدة التي تقرر أن (مدة الائتمان تعادل العمر الاقتصادي) تتناسب مع مبدأ ( المشاركة المؤقتة في التوظيف أو الاستثمار ).
    والقاعدة التي تقرر أن (الآلة تدفع قيمتها من دخولها وعوائد استغلالها) تؤكد مبدأ ( المشاركة في الأرباح ) واتخاذ العوائد المتغيرة ثمناً للائتمان بدلاً من سعر الفائدة الثابت .
    والقاعدة التي تقرر مبدأ (الاحتفاظ بالملكية طوال مدة الائتمان) تقر مبدأ (المشاركة في الاستغلال).
    والقاعدة التي تقرر مبدأ (التلازم الزمني بين النفقة والعائد) تنسجم مع مبدأ ( السيولة الدائمة والاستثمار المتكرر ) (1) .
    الحكم الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك:
    القاعدة الفقهية التي يمكن تكييف صور هذا العقد على أساسها أن (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني) (2) . بمعنى أن ينبغي استقراء ملابسات التعاقد للوصول إلى النية المشتركة لطرفيه، فإذا كشفت هذه النية عن عقد بيع بالتقسيط عد العقد بيعاً ولو سماه المتعاقدان إجارة. وبناء على ذلك:
    أ-البيع الإيجاري (hire – purhase) أو (location – vent) الذي يتفق فيه الطرفان على أن الشيء المؤجر لمدة معلومة لقاء أجر دوري محدد بحيث إن المستأجر إذا دفع الأجرة كلها يصبح مالكاً له في نهاية المدة، يعتبر بيعاً ساتراً لعقد إيجار، وتعتبر (الأجرة) ثمناً للمبيع يدفع على أقساط محددة. ويترتب على هذا التكييف الفقهي للعقد انتقال ملكية الشيء من (المؤجر – البائع) إلى (المستأجر –المشتري) بمجرد العقد – على رأي جمهور الفقهاء- لأن حكم العقد ثبت بجعل الشارع ولا دخل لإرادة العاقدين في تعديله (3) . أما على رأي غير الجمهور – كالقاضي شريح وابن شبرمة وابن سيرين وبعض المالكية وكثير من الحنابلة – فإنه يمكن تكييف هذا العقد على أنه بيع أدرج فيه شرط جزائي مؤداه عدم انتقال الملكية إلى المشتري إلا بعد الوفاء بكافة الأقساط، حينئذ يصبح مالكاً بأثر رجعي (4) .
    __________
    (1) مصطفى رشدي، الاقتصادي النقدي والمصرفي، الإسكندرية: 1985، ص 475 – 476.
    (2) المادة (3) من مجلة الأحكام العدلية، والمادة (214/1) من القانون المدني الأردني. انظر في شرحها بصفة خاصة: أحمد الزرقا، شرح القواعد الفقهية، الطبعة الثالثة، دار القلم، دمشق: 1414هـ – 1993، من ص 55 إلى ص 78.
    (3) ابن الهمام، فتح القدير: 6/76- 77؛ الدسوقي والدردير: 3/73؛ الشربيني، مغني المحتاج: 2/34؛ البهوتي، كشاف القناع: 3/188.
    (4) محمد يوسف موسى، الأموال ونظرية العقد في الفقه الإسلامي، القاهرة 1987، ص 426 وما بعدها؛ مصطفى أحمد الزرقاء، المدخل الفقهي العام، دمشق 67/1968، ص 495 وما بعدها، وص 717 – 718 وهبة الزحيلي، العقود المسماة في قانون المعاملات المدنية الإماراتي والقانون المدني الأردني، دمشق 1987، ص 53-55.
    (2/22591)
    --------------
    ب- الإيجار المقترن بوعد بالبيع (location – accession) يلزم المؤجر بتمليك العين للمستأجر إذا رغب في ذلك خلال فترة محددة، يمكن تكييفه على أنه عقد بيع بالتقسيط إذا ثبت أن الأقساط المدفوعة لا تتناسب وأجر المثل وكانت نية الطرفين منصرفة إلى انتقال الملكية إلى المستأجر بأثر رجعي. أما إذ كانت الأقساط المدفوعة تتناسب وأجر المثل وكانت نية الطرفين منصرفة إلى انتقال الملكية للمستأجر بعد انتهاء الإيجار، فإنه يكون عقد إيجار مصحوب بوعد بالبيع، وهذا الوعد لا يلزم البائع قضاء – على رأي جمهور الفقهاء –ولكن يستحب الوفاء به.
    أما على رأي ابن شبرمة، الذي يرى أن (الوعد كله لازم ويقضي به على الواعد ويجبر) (1) ، فإن عقد الإيجار يستمر حتى نهاية مدته، ثم يبدأ عقد بيع بالشروط التي تضمنها الوعد (2) .
    جـ- التمويل الإيجاري (leasing) أو (credit – bail) يمكن تكييفه، من حيث العلاقة بين مؤسسة الائتمان المالكة للأشياء المؤجرة والمستأجر صاحب المشروع الإنتاجي، بأنه عقد إيجار يتضمن كثيراً من الشروط غير المألوفة في الإيجارات ولكن ارتضاها الطرفان ليحقق كل منهما منفعة مشروعة، وخاصة أن المستأجر لا يلتزم بشيء بعد انتهاء مدة الإجارة ، بل هو مخير بين رد ما استأجره إلى مؤسسة الائتمان لتؤجره لآخرين أو لتبيعه، أو تجديد عقد الإيجار لمدة أخرى بشروط جديدة، أو تملك الأشياء المستأجرة نتيجة وعد سابق التزمت به المؤسسة المالكة وتحددت شروطه من قبل، ويكون انتقال الملكية بدون أثر رجعي (3) .
    أما حقيقة هذا العقد من الناحية الاقتصادية فإنها تتمثل في أن الشركات الخاصة بإنتاج وبيع هذه الأجهزة أو ملاك العقارات، يبيعونها لصاحب المشروع الإنتاجي بالتقسيط، وتقوم مؤسسة الائتمان المالي بدفع ثمنها واعتباره قرضاً، على أن تمثل تلك الأجهزة أو العقارات تأمينات عينية لصالح هذه المؤسسة، إلى أن يتم سداد القرض (4) .
    وقد لجأت بعض البنوك الإسلامية إلى (حيلة شرعية) تسوغ بها جواز عمليات (التأجير المنتهي بالتمليك) فقالت: "إذا وقع التعاقد بين مالك ومستأجر على أن ينتفع المستأجر بمحل العقد بأجرة محددة بأقساط موزعة على مدد معلومة، على أن ينتهي هذا العقد بملك المستأجر للمحل، فإن هذا العقد يصح إذا روعي فيه ما يأتي:
    أ-ضبط مدة الإجارة ، وتطبيق أحكامها طيل تلك المدة.
    ب-تحديد مبلغ كل قسط من أقساط الأجرة.
    جـ- نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة هبتها إليه، تنفيذاً لوعد سابق بذلك بين المالك والمستأجر (5) .
    __________
    (1) المذكرة الإيضاحية لقانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة في تعليقها على المادة (133).
    (2) ويرى بعض العلماء عدم جوز البيع إذا كان الوعد ملزماً، لأن الوعد الملزم في حكم العقد، لابد فيه أن يكون الثمن معلوماً (رفيق المصري، بيع التقسيط، ص 29). ويرى البعض الآخر أن الوعد غير ملزم في كافة الأحوال (محمد الأشقر، ضمن بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، دار النفائس – عمان: 1418هـ 1998م، ص 75 وما بعدها).
    (3) وهناك رأي آخر لا يجيز هذا العقد، لأنه يتضمن وعداً بالإجارة قبل أن تعقد ووعداً آخر بالبيع في نهاية الإجارة، وفي كل من الحالتين يكون الوعد ملزماً (رفيق المصري، المرجع السابق، ص 31)
    (4) مالوري وإيني، المرجع السابق، ص 437.
    (5) توصيات وفتاوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي ، الكويت 1407هـ- 1987م، ص13؛ وانظر نقد هذه الحيلة في: بيع التقسيط لرفيق المصري، ص 39؛ وقارن: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس: 4/2589 –2764، 1409هـ – 1988م.
    (2/22592)
    --------------
    موقف مجمع الفقه الإسلامي الدولي
    قرار رقم: 44 (6/5) (1) بشأن
    الإيجار المنتهي بالتمليك
    إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
    بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
    وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 13 (3/1) في الدورة الثالثة، بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية ، فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار.
    قرر ما يلي:
    أولاً: الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى، منها البديلان التاليان:
    (الأول): البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية .
    (الثاني): عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
    -مد مدة الإجارة .
    -إنهاء عقد الإجارة ورد العين المأجورة إلى صاحبها.
    -شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
    ثانياً: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة، بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود بالتعاون مع المصارف الإسلامية لدراستها وإصدار القرار في شأنها.
    __________
    (1) مجلة المجمع (العدد الخامس : 4/2593 ) .
    (2/22593)
    --------------
    العرض – التعقيب والمناقشة
    العرض
    الشيخ محمد المختار السلامي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
    أفتتح كلمتي بتهنئتي المجددة لمعالي الرئيس وقد حظيت بأن كنت أول مقدم للبحوث في ولايته الجديدة.
    والبحوث التي عملت على التأمل فيها والاطمئنان أكثر ما يمكن على الوفاء بما جاء فيها هي ستة بحوث بلغت صفحاتها سبعاً وستين ومائتي صفحة، وهي في طولها ما بين أربع عشرة صفحة، وخمس عشرة صفحة ومائة. ولذا أرجو من سادة الرئيس أن يتسع صدره إذا ما اضطررت إلى شيء من أخذ الوقت، أو أقل ما يمكن من الوقت لأكون أميناً في إبلاغكم ما توصلت إليه وأنا أنظر في هذه البحوث المقدمة والجهود الكبيرة التي قام بها السادة الباحثون، وأريد قبل أن أدخل في الموضوع أن أذكر بالموضوع وعناصره كما جاء من الأمانة العامة:
    * الإيجار المنتهي بالتمليك وصكوك التأجير حسب العناصر التالية:
    -تعريف الإجارة المنتهية بالتمليك .
    -صور الإيجار المنتهي بالتمليك.
    - التكييف الشرعي للإيجار المنتهي بالتمليك.
    -حالات الوعد بالتمليك.
    -البيع بالقيمة المتبقية للعين المؤجرة.
    -البيع بثمن رمزي أو حقيقي.
    - الهبة بعقد هبة عند انتهاء الإجارة.
    -حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك.
    -توكيل المستأجر بشراء العين.
    -تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم.
    -تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك.
    فهذه أحد عشر عنصراً هدتنا الأمانة العامة للنظر فيها.
    والبحوث المقدمة بعضها قد عُني بمعظم هذه، وبعضها قد أهمل بعضها.
    __________
    (2/22594)
    --------------
    أبدأ على حسب الترتيب الذي جاء في برنامج العمل فأؤخر نفسي وأقدم الشخصية الثانية التي هي شخصية سماحة الشيخ محمد علي التسخيري. بحثه أولا ابتدأ بتعريف الإجارة، ثم قرر بأن الإجارة تتم باللفظ المفهم وبالإشارة من الأخرس، والمعاطاة، وأن الإجارة عقد لازم ، لا تنفسخ إلا بالتقايل ولا تبطل بموت أحدهما. ثم ذكر شروط الإجارة المعلومة بما ينفي الجهالة والغرر. في الشروط: قاعدة قبول الشرط : ألا يحل حراماً وألا يحرم حلالاً، ثم استدل لوجوب الوفاء بالشرط بأدلة من المعقول والمنقول. ثم ذكر أنه يشترط لصحة الشرط شروط هي: أن يكون داخلاً تحت قدرة المكلف وأن يكون حلالاً، وأن يتعلق به غرض صحيح ، وألا يكون مخالفاً للكتاب والسنة، وألا ينافي متقضى العقد وأن تنتفي الجهالة، وألا يستلزم محالاً، وأن يكون في صلب العقد لا سابقاً عليه.
    ثم تحدث عن حكم الشرط الصحيح ، وحكم الشرط بالعقل ، وأنه واجب الوفاء به ويجبر عليه من أبى، ثم إنه هل للمشروط له الفسخ عند الامتناع أو لا يجوز له الفسخ إلا مع التعذر؟ وعند تعذر تنفيذ الشرط فليس للمشروط له إلا الخيار إذا تعذر الشرط الظاهر جواز الفسخ للمشروط له بإسقاط شرطه. ثم تعرض للملكية ومفهومها، وأنها ماهية اعتبارية متقومة باعتبار العقلاء.
    ونتيجة البحث أن الإيجار المقرون بشرط تملك المستأجر العين أياً كان المشترط المستأجر أو الأجير ويصح عقد الإجارة ويصح الشرط ، إلا أنه إذا كان التملك اشترط بتمليك المؤجر فإنه يجب على المؤجر الوفاء بالشرط. وذكَّر بالقواعد التي جاءت بالبحث، ويستدل على أنه لو لم يقبل ذلك شرعاً لنص عليه الشارع ونقل، لأنه مما تعم به البلوى، وعموم أمر آية الوفاء بالعقود يدل على صحة الشرط الداخل في العقد.
    __________
    (2/22595)
    --------------
    البحث التالي هو بحث فضيلة الشيخ علي محيي الدين القره داغي. وسماحته كان بحثه طويلاً، تابع بدقة الإجارة ، طبيعتها، وأركانها، وشروطها، وأنواعها. ثم بعد ذلك تحدث عن الإيجار المنتهي بالتمليك في القوانين الإنكليزية والفرنسية وعقد الليزنج . وعرف الإجارة المنتهية بالتمليك بأنها: اتفاقية إيجار يلتزم فيها المستأجر بشراء الشيء المؤجر في الوقت المتفق عليه خلال مدة الإيجار أو بعدها بسعر يتفق عليه مسبقاً أو فيما بعد.
    ثم تولى بالعناية إبراز منافع الإجارة المنتهية بالتمليك، أما بالنسبة للمؤجر فهي ضمان للعين، كما تعطيه مرونة لزيادة أرباحه، وبالنسبة للمستأجر أنه يجد ويحافظ ليحصل على ملكية العين على أفضل الوجوه. وأن للإجارة المنتهية بالتمليك أهداف اجتماعية منها ملكية الناس لمنازلهم.
    وصور الإيجار بالتمليك سبعة:
    1-أن تعقد الإجارة ويلحق بالعقد وعد بيع للعين بثمن حقيقي أو رمزي.
    2-أن تعقد الإجارة ويلحق بالعقد وعد الهبة .
    3-أن يبني العقد على الجمع بين الإجارة والبيع. وهذه مختلف فيها بين الفقهاء.
    4- إيجار حقيقي يصحبه بيع بخيار شرط مؤجل إلى نهاية عقد الإجارة . وهذا مختلف فيه أيضاً.
    5- ضمان العقد على الإجارة مع تمكين المستأجر من شراء العين في أي وقت يشاء.
    6-صياغة العقد كالصورة الخامسة إلا أنه يعطي المستأجر حق الخيار بين ثلاثة أشياء: إما شراء العين، أو الاستمرار في الإجارة، أو إعادة العين المؤجرة .
    7-أن يبيع صاحب العين إلى مؤسسة مالية ، يبيع العين، ثم يؤجرها منها مع وعد بالبيع.
    وبين أنه عقد مستورد، وإن صدر بذلك فتوى عن ندوة البركة وهيئة الرقابة الشرعية بالكويت .
    __________
    (2/22596)
    --------------
    ذكر بقرارات مجمع الفقه الإسلامي، وبقرار الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي . ثم ذكر الطرق التي تم بها التأجير في البنوك الإسلامية وبين أن منها ما هو جائز لا شبهة فيه، ومنها ما يجب تصحيحه كما إذا تم عقد الإجارة قبل تملك العين، ومن ذلك المشاركة المتناقصة ، وبين ما يتعلق بهذا الموضوع.
    ثم انتقل إلى عنصر هام وهو التأصيل الفقهي للإجارة المنتهية بالتمليك . وتحدث عن ثمانية عناصر كبرى:
    1-هل هذا عقد جديد أو هو تطوير للعقد المعروف؟ وأجاب بأنه عقد متطور وليس جديداً.
    2-هل إن هذا العقد هو من التخريج التعبيري؟ وبسط القول في ذلك وبين اختلاف أوجه النظر، ورجح أن الحيلة لا تكون محرمة إلا إذا كانت وسيلة لمحرم.
    3-هل في ذلك جمع بين صفقتين؟ وأكد أن الجمع بين الإجارة والبيع ليس جمعاً بين صفقتين.
    4-هل الوعد ملزم؟ وبعد أن بين الاختلاف في هذا ذكر بقرار المجمع الفقهي.
    5-ضمان المعدات، هل هي من المؤجر؟ ولو اشترط ذلك على المستأجر فالباحث يرى جواز ذلك وإن كان الأولى أن يكون المؤجر هو الذي يقوم بالضمان .
    6-هل إن هذا العقد يتضمن شروطاً تؤثر في صحة العقد ؟ وقد أجاد في تفصيل الشروط وتأثيرها واختلاف العلماء فيها.
    7-في بعض صوره أجاز إجارة قبل التملك وقبل القبض، وذكر بما تقدم في بحثه، وأن ابتداء عقد الإجارة لا يجوز إلا بعد التمكن من الانتفاع بالعين.
    8-حكم الثمن الرمزي أو الهبة . وفصل فيه القول من ناحية جوازه من حيث المبدأ، وناحية تصرف إدارة المؤسسة
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:41 pm

    إدارة المؤسسة الممثلة لأصحابها، ثم أثار إشكالات وتولى الإجابة عنها.
    العنصر الثالث هو التكييف الفقهي ، وينتهي إلى أن الإجارة المنتهية بالتمليك عقد صحيح من حيث المبدأ، وحكمها يختلف حسب صورها. ثم عاد إلى الصور مؤكداً ما سبق في البحث.
    ثم تعرض للعنصر التالي وهو: إصدار صكوك التأجير . واختصر الكلام عليها، فيرى أن صكوك التأجير هي أفضل الصكوك ، لأن المشتري يعلم من الأول مقدار ما ستدره عليه هذه العملية من أرباح.
    وختم بحثه بعرض بدائل عن الإجارة المنتهية بالتمليك وقد أطال في ذلك، وهي فيما أظن خارجة عما طلبته الأمانة العامة.
    __________
    (2/22597)
    --------------
    الباحث التالي هو الأستاذ شوقي دنيا.
    تحدث عن الإجارة المعروفة سابقاً وأنها غير الإجارة المصطلح عليها والمعمول بها حديثاً فالأولى هي الإجارة التشغيلية، والثانية هي الإجارة التمويلية . والإجارة التشغيلية لم ينته دورها، بل ما يزال لها دورها. وعرف الإجارة التشغيلية وذكر بعض شروطها وقومها اقتصادياً وبين أنها لا تخلو من نشاط تمويلي، كما ألمح إلى بعض خصائص وأحكام الإجارة. ثم ذكر أهمية التمويل للإجارة وبين حاجة المستأجر للإجارة أياً كان نشاطه، كما بين حاجة المؤجر لذلك، وفصل منافع المستأجر، منها تجميد سيولته المالية من شراء المعدات الباهظة الثمن، والحماية من آثار التضخم ، وتتيح له التمويل بنسبة 100 % ، وتمكنه من التوسع في المشروع دون الاضطرار إلى إدخال مساهمين جدد، وتهيئ للمشروع ضبط نفقاته المستقبلية بدقة، والاستفادة من الميزات الضريبية.
    أما في حالة المؤجر فهي:
    1-تتيح له فرصة توظيف ماله مع عدم التعرض لقيود الائتمان الداخلي .
    2-قوة الضمان على العين المؤجرة ببقائها تحت ملكه.
    3-الاستفادة من بعض المزايا الضريبية.
    4-تضبط إيراداته المستقبلية.
    5-تمكن المؤسسات الإسلامية من دخول ميادين التمويل مع المؤسسات التقليدية الأخرى.
    6-هي مخرج جيد في الأموال التي لا يمكن التفريط فيها.
    أما بالنسبة للاقتصاد القومي فهي:
    1-تسهم في توظيف ما لدى المجتمع من سيولة مالية وخيرات.
    2-تسهم في إقامة المشروعات دون تباطؤ.
    3- تعفي ميزانية الدولة من الإرهاق.
    __________
    (2/22598)
    --------------
    ملاحظة:
    يقرر الباحث أن مصطلح هذا العقد مختلف ويتعدد، وغير شاف عن معنى محدد إذ هو وليد أنظمة متعددة تعطي كل واحدة منها لأحد طرفي العقد حقوقاً وضمانات، ويقترح أن تكون ( الإجارة المالية ) عوض الإجارة المنتهية بالتمليك .
    وعرف الإجارة المالية بالتعريف الذي رضيته لجنة الأصول المحاسبية بأنه: عقد إجارة تتحول من خلاله كل مخاطر ونفقات ملكية الأصل من المؤجر إلى المستأجر، سواء تحولت ملكية الأصل للمستأجر أو لا.
    وهذا التعريف الذي ذكره هو تعريف رضيته لجنة الأصول المحاسبية إلا أنه تعريف لا تقره الشريعة الإسلامية.
    صور الإجارة:
    1-أن يكون للمؤجر في نهاية عقد الإجارة الحق في التصرف في العين المؤجرة .
    2-أن ينتقل المؤجر للمستأجر مع آخر قسط، وهذا في الحقيقة بيع تقسيط.
    3-امتلاك العين بثمن رمزي بعد دفع آخر قسط، وهذه تعادل ثمن العين مع هامش الربح ، ويتحقق للمؤجر الضمانات التي يرغب فيها.
    4-أن يملك المستأجر العين في نهاية الأجل بثمن حقيقي يجري تحديده عند إبرام العقد.
    5-الإجارة مع الوعد بالبيع. ومن الاحتمالات التي أوردها أن يكون انتقال الملك بدون ثمن. وهذا في الحقيقة هبة لا بيع.
    6-الإجارة المنتهية بتخيير المستأجر بين الاستمرار على الإجارة أو إرجاعه أو شرائه بثمن محدد من البداية أو يتحدد بسعر السوق . ويعتبر هذا عقد ليزنج، وهو أحدث صورة، وذكر الطرف الثالث.
    أهم الفروق:
    -الفرق بين التشغيلية والمالية أن المخاطر يتحملها المؤجر في التشغيلية، وفي المالية مسؤولية المستأجر.
    -الإجارة التشغيلية لا يقصد منها تمليك العين عكس الإجارة التمويلية .
    -قِصَرُ الأولى وطول الثانية بما يقارب العمر التشغيلي.
    __________
    (2/22599)
    --------------
    الجديد في الإجارة المالية (المؤجر):
    -الإجارة المالية تنقل المخاطر والمتابعة للمستأجر.
    -تضمن التأجير إلى ما يقارب العمر التشغيلي وتحقق التخلص من ملكية الأصل في النهاية.
    -المستأجر يجد سوقاً متاحة.
    -فرصة التملك للعين بثمن مقسط.
    لم تنتشر بعد الإجارة التمويلية في المصارف الإسلامية ، وكشف عن أسباب ذلك.
    نظرة شرعية للإجارة:
    ذكر أنها محل خلاف، ثم ذكر بقرارات مجمع الفقه الإسلامي، وعقب على القرار بنقده.
    المشاكل التي اهتم بها الناظرون من الفقهاء هي:
    1-مسألة الصيانة، وتحمل المخاطر. ولا يرى أن يتحملها المستأجر.
    2-التأجير قبل التملك للعين، والمخرج بالوعد الملزم أو الشراء مع الخيار. وهذا ذكره بصورة لم أفهمها جيداً.
    3-الشروط التي تصحب العقد.
    4-قضية التملك مع دفع آخر قسط مما يقلب العقد إلى بيع بالتقسيط، وفي انقلاب العقد والأقساط للتحول من إيجار إلى بيع وما يتبعه من مشاكل، والمخرج هو التحول من عقد الإجارة إلى عقد بيع مقسط مع اشتراط عدم نقل الملكية إلا بعد السداد.
    البيع بالثمن الرمزي:
    يرى أنه لا يختلف عن بيع التقسيط وأدمج في هذا إنهاء عقد الإجارة بالهبة ، وأن المصرف يتعرض للمخاطر لو أخل المستأجر بالاتفاق.
    __________
    (2/22600)
    --------------
    البحث التالي للأستاذ منذر قحف، حيث ذكر بالمسائل العديدة للإجارة بالنسبة للمستأجر التي تحدد التزاماته المالية، وآثارها إيجابياً لصالح المستأجر على الضرائب ، ولا تفتح باب الشركة لدخول أعضاء جدد وصيغ التمويل أقل مخاطرة من القراض والمشاركة، وكذلك مزايا ضريبية. أول من كتب فيها الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
    ثم عرف الإجارة وحكمها. أما الإجارة المنتهية بالتمليك فهي إجارة وشراء في آن واحد، ولها صور خمس: انتهاؤها بالهبة، أو بثمن رمزي، أو البيع قبل انتهاء مدة الإجارة ، أو البيع التدريجي، أو البيع الناجز واستثناء المنفعة.
    وتعرض إلى أشكال احتساب الأجرة.
    التكييف الشرعي :
    تكلم على اجتماع عقدين في عقد وعلى الشروط الواردة على العقد، وتتبع حاصل ما بسطه الدكتور حسن الشاذلي والدكتور نزيه حماد، ثم طبق ما وصلا إليه على الإجارة المنتهية بالتخيير .
    الدافع للإجارة: اعتماد الإجارة المنتهية بالتمليك هي إحدى البدائل للتمويل عن القرض الربوي ، وهي مع ذلك أداة استعملها النظام الربوي، فهي ليست كالمرابحة ، ولذا فإنه يختلف فيها من شوائب غير مشروعة يقتضي ذلك أن تتخلص منها.
    أولاً – المنتهية بالهبة :
    الأقساط تكون عالية بحيث تضمن اشتراك رأس المال والربح ولا تخرج العين في كامل المدة عن ملكية المؤجر. وعمر العين يفوق مدة الإجارة مما يجعل المستأجر راغباً في تملك العين. ولها صورتان:
    1-إجارة مع وعد بالهبة، ينفذ بعد تمام خلاص الأقساط بعقد مستقل.
    2-إجارة مع عقد هبة معلق على سداد جميع الأقساط.
    والنوع الأول مضبوط بقرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة، والنوع الثاني هو جائز على القول بصحة تعليق الهبة.
    __________
    (2/22601)
    --------------
    ثانياً – الإجارة المنتهية بثمن رمزي:
    المؤجر قد استوفى ثمن العين، والثمن الرمزي قريب من حقيقته من الهبة. ما يلاحظ على هذين أن المستأجر إذا لم يصل إلى النهاية يكون قد ظلم، إذ الأقساط التي دفعها تمثل قسطاً مقابل المنفعة، وقسطاً مقابل العين، فإذا لم يصل العقد إلى أمده ضاع ما قدمه من ثمن العين.
    ثالثاً – البيع التدريجي:
    أي أنه في كل فترة يدفع المستأجر أجرة العين ناقصاً منها الأسهم التي يمتلكها، فإذا دفع كامل الأسهم انقلب مالكاً.
    وما ذكره من المخاطر غير واضح عندي وهي في نظري شركة وإجارة، يشترك المستأجر مع المؤجر في الملكية بمقدار الأقساط التي دفعها ويكون مستأجراً في النسبة التي لم يدفع ثمنها.
    رابعاً – الشراء قبل انتهاء المدة:
    يقول: هذه صورة من الإيجاب المفتوح، فمتى اختار المستأجر دفع بقية الثمن استقل بالعين وانقطع العقد.
    خامساً: التمليك الحال مع استثناء المنافع:
    وذلك بأن يدفع المستأجر ثمن العين على ما يتفقان عليه وتستثنى المنافع التي يدفع إيجارها حسب ما يتم عليه الاتفاق من الأقساط. ويقول: إن العين تبقى في ضمان المؤجر لأنه لم يتم تسليمها بيعاً. وهذا فيه نظر، لأن ضمان العين المقومة في البيع هي على المشتري بمجرد العقد.
    نفقات الصيانة والتأمين :
    يرى أنه يجوز أن يتحمل المستأجر نفقة التأمين على العين المؤجرة إذا كانت معلومة.
    وفي هذا نظر، لأنه لا يجوز اشتراطها بوصف التأمين على المستأجر ولكن يجوز إضافة قيمتها في الإجارة، وتوكيل المستأجر بدفعها نيابة عن المؤجر، وما اعتمده من الرأي المرجوح في جواز تحمل المستأجر بالشرط مما لا ينبغي أن يعتمد في نظري وإن قال به بعضهم.
    __________
    (2/22602)
    --------------
    يرى بناء على الأسس التي تراعيها شركات التأمين ما يعود للمستأجر من خصائص والذي به تختلف قيمة الضمان التأميني . كل ذلك يجعل من الأفضل مراعاةً للناحية العملية أن يتحمل المستأجر المستخدم للعين المؤجرة التأمين.
    ويرى في النهاية أن جميع عناصر خدمة التأمين معروفة ومحددة فيمكن إدخالها في قيمة التأجير.
    والملاحظ أن منشأ تحمل المالك للضمان منشؤه استحقاقه للأجرة فلا يقبل أن يستحق الأجرة ويتولى المستأجر ضمان بقاء العين.
    ثم انتقل إلى القسم الثاني وهو الذي تفرد به وببيانه من بين سائر الباحثين وهو: ( صكوك التأجير )، الذي طلبت الأمانة العامة أن يُدرس.
    عرف الصك التأجيري بأنه يمثل نسبة من مجموع المؤجر يستحق حامله الأجرة تبعاً لقيمة حصته من المجموع.
    وبناه على أربعة عشر مبدأ:
    1-توثيق ملكية العين المؤجرة موزعة على أسهم.
    2-للمالك المؤجر الحق في التصرف في ملكه بالبيع بما لا يضر بالمستأجر.
    3- التبرع بالعين المؤجرة .
    4-إجارة المشاع.
    5-بيع المشاع.
    6-وقت دفع الأجرة، ورجح أنه على ما يتفقان عليه.
    7-جواز الإجارة الموصوفة في الذمة وإن لم توجد العين عند العقد.
    8-يجوز تأجير المستأجر إن لم يضر بالعين.
    9-العمر الاقتصادي. الآلة وعمرها الاقتصادي الذي يصبح استخدامها بعد ذلك غير مربح.
    10- إجارة العين التي تنتج أعياناً استهلاكية متجددة . والجمهور على عدم الجواز، ويرى ابن تيمية جواز ذلك.
    11-البيع مع استثناء بعض المنافع.
    12-جواز توكيل المستأجر لشراء العين، ثم بعد تسلمها باسم المؤجر يحولها لنفسه.
    13-ينفي أن تكون الإجارة أقل خطراً من المشاركة .
    14-النص في صكوك التأجير بتنازل جميع الشركاء عن حق الشفعة .
    __________
    (2/22603)
    --------------
    تحويل الإجارة إلى صكوك:
    الشرط الأول: أن تكون الصكوك ممثلة لموجودات غالبها أعيان لا نقود .
    وصور ذلك:
    أولاً: أن يكون المؤجر عقاراً أو أي عين أخرى مؤجرة فتصدر إدارة حكومية معينة هي إدارة السجل العقاري مثلاً (صكوكاً) تمثل تلك العقار ولها عائد والإيجار الذي يستحقه مشتري الصك، وجعل المستأجر يمكن له أن يصدر صكوكاً. وهذا تصوره فيه صعوبة.
    ثانياً: عوض أن يكون التأجير مساوياً للمؤجر يكون قسطاً من المؤجل.
    ثالثاً: أن يطلب الراغب في التحصيل على العين بطريق التأجير، وبعد تأجيرها تصدر صكوك تأجير متساوية يمثل مجموعها العين المؤجرة وتباع للأفراد بوساطة البنك الإسلامي .
    رابعاً: الصورة الرابعة كالثالثة، إلا أن دور البنك الإسلامي يستمر لقبض الإيجار وتوزيعه ومتابعة العملية.
    خامساً: أن يكون الاكتتاب في هذه الصكوك بدون وسيط مالي، وينص الاكتتاب على توكيل المستأجر لإنجاز ما يراد إنجازه.
    تختلف هذه الصور الخمسة حسب طبيعة المؤجر:
    1-أن يكون المؤجر يعمر أكثر من عمر الإيجار ويبقى الحق لأصحابه، ولذلك صور.
    2-مثل الأول، إلا أنه ينص على وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر. وهذه فيها إشكالات نتناولها اعتماداً على فهم قرار المجمع وتخصيصه ذلك بالهبة دون البيع، ورأيه أن الوعد ملزم.
    3-أن تكون العين المؤجرة مما لا ينقطع إيرادها كالأرض المعدة للبناء، أو العين التي يقتطع كل سنة من ريعها إما بحفظ بقاء إيرادها أو بتجديد عينها.
    4-أن تستوعب مدة الإجارة منافع العين بحيث يكون إيرادها بعد انتهاء مدة الإجارة صفراً، ومثل ذلك المنشأة المقامة على ملك ينتفع المؤجر به مدة الإجارة ثم يعود للمالك الأصلي.
    5-عقد استصناع مع إصدار الكوك وعند انتهاء مدة الإجارة يتم تسليم العين للمستأجر.
    __________
    (2/22604)
    --------------
    6-إجارة متناقصة أو متزايدة تبعاً لموجبات تقتضي الزيادة أو النقصان معلومة منذ بداية. ويرى أنه من الأفضل اعتماد المذهب الحنبلي بضبط السعر في المستقبل بزمن محدد.
    البحث التالي هو بحث الدكتور محمد جبر الألفي، الذي وصلني متأخراً وذلك قبل ساعات من الآن.
    وجه عنايته إلى تتبع هذا العقد من تاريخ ظهوره في الساحة الاقتصادية الغربية إلى التقنين الذي ظهر في الأردن . ثم ذكر أن العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. ولذا فإذا كان المقصود هو البيع فالعقد عقد بيع وإن سمي إجارة . والبيع الإيجاري هو عند الجهور عقد إيجار ساتر للبيع. فتقسيم الأجر أقساطاً للثمن، على رأي جمهور الفقهاء، وعلى رأي بعضهم أنه بيع أدرج فيه شرط جزائي . والإيجار المقترن بوعد بالبيع يلزم المؤجر أن يمكن المستأجر من العين، وهو عقد بيع بالتقسيط إذا كانت الأقساط أكثر من إجارة المثل. وأما إذا كانت الأجرة هي بأجر المثل فإنه عقد إجارة مقرون بشروط ولا يجب الوفاء به على رأي الجمهور.
    ثم ذكر التمويل الإيجاري (ليزنج)، وبين أنه عقد يتضمن كثيراً من الشروط غير المألوفة وإن حقيقة هذا العقد اقتصادياً أنه بيع لصاحب المشروع الإنتاجي بالتقسيط، وتقوم مؤسسة الائتمان المالي بدفع الثمن واعتباره قرضاً على أن العين تعتبر تأميناً. ويرى أن بعض المؤسسات الإسلامية قد لجأت إلى حيلة شرعية بفرض ضوابط وشروط، وهي:
    1-ضبط مدة الإجارة .
    2-تحديد مبلغ كل قسط.
    3- نقل الملكية للمستأجر.
    وانتقل بعد ذلك إلى موقف مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
    البحث الأخير هو بحث العارض، وسوف اقتصر على بعض النقاط لأن البحث بين أيديكم.
    فأقول: إن تشريع الإجارة قد أفادت منه المؤسسات الإسلامية ، وذلك باتخاذه كآلية من آليات النشاط الاقتصادي الذي تقوم به. وأصله الذي يهدي إليه ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستعمله على خيبر ، فأتاه بتمر جنيب.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكل تمر خيبر هكذا؟)) قال: لا والله يا رسول الله، لكنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفصل بين أن يبيع تمره من الشخص الذي اشترى منه النوع الجيد أو أن يبيعه من غيره وترك الاستفصال في حكايات الأحوال يقوم مقام العموم في المقال. فلما كانت الصورة العملية صحيحة فيها بيع تمر بالدراهم وشراء تمر آخر بالدراهم فلا حرمة وإن تفاضلا كماً. ولو وقع ذلك مبادلة لحرم، كما جاء في الحديث ((لا تفعل)) مع أن الواقع في نتيجة المعاملة واحد غير مختلف.
    __________
    (2/22605)
    --------------
    طريقة إنجاز العملية:
    -الخطوة الأولى: يتراوض العميل مع المؤسسة المالية . وهذه المراوضة تنجز على نوعين:
    1-أن تكون المؤسسة المالية مالكة للعين المرغوب فيها. كما إذا كانت تملك سيارات أو مساكن، يريد العميل أن يعقد عليها عقد إجارة منتهية بالتمليك.
    2-أن تكون المؤسسة لا تملك العين، فتقوم بشراء ما يرغب فيه العميل، ثم تعقد معه عقد إيجار منته بالتمليك .
    أما النوع الأول فلا إشكال فيه إذ تتصرف المؤسسة فيما تملك.
    وأما الصورة الثانية فقد صدر فيها قرار المجمع في المبدأ الأول (إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول).
    الخطوة الثانية: تملك المؤسسة المالية الإسلامية للعين المرغوب في استئجارها لتحقيق ذلك توكل المؤسسة المالية الإسلامية العميل الراغب في الاستئجار للقيام بجميع الإجراءات في حدود سقف معين من الثمن. وبذلك يتكفل العميل باختيار النوع والمواصفات الفنية مما يحقق له غرضه، باعتبار أن المؤسسة ليست لها خبرة فيما يرغب فيه العميل، ومن جهة أخرى هي لا ترغب بحال من الأحوال في تملك تلكم المعدات. وما سعت لتملكها إلا لأن العميل طلب منها استئجارها استئجاراً منتهياً بالتمليك. فالبنك الإسلامي للتنمية –مثلاً- ليست له خبرة في الأجهزة الباهظة الثمن للتنقيب عن النفط. وفوارق الأثمان والمواصفات مختلفة اختلافاً كبيراً. والدولة الراغبة في استئجارها لها خبراؤها ومهندسوها الذين يعلمون طبيعة طبقات الأرض حسب الدراسات الفنية التي قاموا بها، وهم يعلمون جيداً ما يتلاءم معها وما لا. فنفياً لكل خطر في رضا العميل، يوكل البنك الإسلامي العميل (الدولة مثلاً) بشراء تلكم الأجهزة باسم البنك، ويتحمل الوكيل مسؤولية التقصير أو التهاون في اداء ما وكل عليه نوعاً ومطابقة للمواصفات المطلوبة.
    وهذا ما حسمه أيضاً قرار المجمع في المبدأ الثاني (إن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حيازة الوكيل لها هو توكيل مقبول شرعاً، والأفضل أن يكون الوكيل غير العميل).
    __________
    (2/22606)
    --------------
    الأسئلة المطروحة على هذا التعامل:
    السؤال الأول: إذا كان هذا العقد الإيجاري مؤداه تملك السلعة المؤجرة مقابل دفع أقسام الإيجار؛ فلماذا لا يقع العقد من البداية على أساس بيع مؤجل ومقسط على نفس آجال الإيجار؟.
    الجواب عن ذلك: هو أن عقد الإيجار يختلف عن عقد البيع بالتقسيط ، ولا يحقق ما يمكن أن يرغب فيه المالك أو المستأجر.
    ففي عقد الإيجار المالك للمعدات أو المنزل أو السيارة، هو المؤسسة المالية . يوضح هذا ما جاء في العقد النمطي للبنك الإسلامي للتنمية: أنه يجب أن يعلق على المعدات وفي مكان واضح، أنها ملك للبنك الإسلامي للتنمية، ويتبع ذلك أن ضمانها منه عملاً بالقاعدة ( الخراج بالضمان ). ومما ينبني على ذلك أن يد المستأجر هي يد أمانة، لا حق له إلا في المنفعة مقابل ما يدفعه من أقساط الإيجار ويتنزل وارثه منزلته ولا تقبل أية مخاصمة في حال إفلاس المستأجر من غرمائه؛ فالمؤجر يكتسب طمأنينة أكبر وأتم على استرداد نفقاته وأرباحه، إما من الأجرة وإما من الأعيان.
    ومن ناحية أخرى فإن البيع بالتقسيط تنقطع صلة البائع بالسلعة المبيعة (المعدات) ويتعلق حقه بذمة المشتري. فكل الظروف التي تعطل المشتري عن الانتفاع بالأعيان المشتراة لا أثر لها على صفقة البيع، في حين أن الإيجار تسقط فيه الأجرة عن المستأجر في كثير من الأحوال فصلها الفقهاء وتجدونها مفصلة في البحث.
    السؤال الثاني: كيف يتم انتقال المعدات إلى المستأجر؟.
    الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل. ذلك أن انتقال المعدات إلى المستأجر إما أن يتم بمقابل، وإما أن يتم بدون مقابل.
    القسم الأول: أن يتم بمقابل، ويتصور ذلك بصور:
    الصورة الأولى: أن ينص في عقد الإجارة على أن المؤجر يبيع للمستأجر عند سداد آخر قسط المعدات بثمن رمزي.
    الصورة الثاني: أن يكون الثمن حقيقياً إما بتعيينه أو بسعر السوق عند حلول الأجل .
    الصورة الثالثة: أن يعد المؤجر المستأجر بأن يبيعه الأعيان المؤجرة بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
    الصورة الرابعة: أن يكون الوعد أو البيع غير مصاحب لعقد الإجارة بل لاحقاً به.
    __________
    (2/22607)
    --------------
    القسم الثاني: أن يتم بدون مقابل ويتصور ذلك بصور:
    الصورة الأولى أن يهبه المعدات في عقد الإجارة هبة تنفذ عند سداد آخر قسط.
    الصورة الثانية: أن يعده بهبة المعدات في عقد الإجارة عند سداد آخر قسط.
    الصورة الثالثة: أن يتم الوعد أو الهبة بعد تمام عقد الإجارة.
    وللإجابة عن حكم هذه الصور لا بد من تحقيق ما يلي:
    أولاً: هل يجوز أن يجتمع عقد الإجارة وعقد البيع؟.
    لما كان العقدان لا تنافي بينهما في الأحكام فإنه يجوز تبعاً لذلك أن يجتمعا، ذلك أن عقد الإجارة هو عقد على بيع منافع، ولذلك جعل ابن عرفة كلمة (بيع) جنساً في تعريف الإجارة.
    إن عقد البيع على العين وما يشترط فيه يشترط في عقد الإجارة، ولذا نجد الفقهاء يحيلون تفصيل شروط الإجارة وأركانها على ما سبق لهم أن قرروه في عقد البيع. إلا أنه إن كان محل البيع ومحل الإجارة واحداً فقد اختلف فقهاء المالكية في جواز اجتماعهما. وقد حصل ابن رشد : (إن البيع والإجارة في الشيء المبيع لا يجوز بحال عند سحنون . ومذهب ابن القاسم وروايته عن مالك وهو الصحيح ".
    وقد صرح بذلك في المدونة: (قلت أرأيت إن اشتريت عبداً واشترط على بائعه ركوب راحلة بعينها إلى مكة . أخذت العبد وكراء الراحلة جميعاً في صفقة واحدة بمائة دينار. أيجوز هذا الشراء والكراء وإن لم أشترط إن ماتت الراحلة أبدلها لي؟ قال: الشراء جائز إذا لم تشترط إن ماتت الراحلة أبدلها. وإن اشترط إن ماتت الراحلة أبدلها فالشراء فاسد).
    ثانياً: هل يجوز أن يبيع العين المكتراة إلى المستأجر؟.
    جاء في المدونة: (يجوز للمؤاجر أن يبيع العين المستأجرة من المستأجر وغيره إن بقي من مدة الإجارة ما لا يكون غرراً يخاف تغيرها في مثله، خلافاً لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي لقوله تعالى: { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } . ولأنه ليس في بيعها إبطال حق المستأجر. لأن المشتري إنما يتسلمها بعد انقضاء مدة الإجارة . فكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يمنع منه. ولأنه عقد على منفعة فلم يمنع العقد على الرقبة، أصله إذا باع أمة قد زوجها).
    __________
    (2/22608)
    --------------
    ثالثاً: هل يجوز أن يتم البيع بثمن رمزي؟.
    إن البائع العالم بنوع ما يبيعه وبثمنه إذا كان رشيداً صحيحاً فإنه لا خلاف أن له أن يبيع ملكه بثمن المثل، وبأقل منه وبأغلى، وأن يهبه أو أن يتصدق به. وكل ما ذكره بعض الفقهاء أنه إذا باع العين وسماها بغير اسمها جهلاً منه بحقيقة المبيع، فإن له حق الفسخ كما بينه الفقهاء.
    يظهر مما قدمناه:
    أولاً: إن اجتماع البيع والإجارة في صفقة واحدة جائز لعدم التنافي بين العقدين. وإن ما ذهب إليه سحنون من عدم الجواز محله إجارة الإنسان العاقل على عمل يدخله في المبيع، فتتأثر العين بعمل الأجير. وهذا غير متصور في الكراء الذي لا أثر لعمل المكتري فيه، فالصورة الأولى والثانية من هذه الناحية مقبولتان، وكذلك لا أثر لكون الثمن رمزياً أو حقيقياً. وأنه لا حجر على الرشيد العالم بما يفعل في الثمن الذي يرضى به في البيع، خاصة والبائع بنك له خبراؤه، وهو حريص على ما ينفعه حرصاً تسنده الخبرة والعلم بمسار الاقتصاد لا في الدولة التي ينتسب إليها فقط ولكن في العالم خصوصاً مع وسائل الاتصال الحديثة والنشرات المتتابعة عما يجري في الأسواق.
    إن الصفقة في تلكم الصورتين تمثل عقدين لا عقداً واحداً. عقد إجارة وعقد بيع. وليست الصفقة تمثل عقداً واحداً مع شرط فاسخ . ذلك أن الذي وقع النص عليه في عقد البيع هو أن المؤجر بائع وأن المستأجر مشتر للعين المؤجرة.
    والثمن معلوم، وأجل تنفيذ الصفقة معلوم أيضاً هو وقت سداد آخر قسط. وهذا مضبوط باعتبار أن الأقساط التي التزم المستأجر بخلاصها معلومة الآجال، متفق بين الطرفين على بدايتها ونهايتها.
    حكم الصورة الثالثة:
    الصورة الثالثة: هي أن يعد المؤجر في صلب العقد أن يبيع للمستأجر المعدات بقيمة الأقساط المتبقية في أثناء المدة متى أحضر الثمن.
    الصورة الظاهرة هي صورة وعد، ولكن بإمضاء الطرفين على العقد يظهر أن المؤجر قد التزم بالبيع وأوجبه على نفسه عند إحضار المستأجر الثمن (باقي الأقساط)، وأن الطرف الثاني (المستأجر) هو بالخيار في قبول الصفقة متى شاء أو عدم قبولها أثناء كامل مدة الإيجار ، وبيع الخيار لا يجوز إلا إذا كان الأجل مضبوطاً بمدة محددة مما يكون المشتري في حاجة إليه حسب العادة في المذهب المالكي . ولذا فإن المدة تختلف باختلاف العين المؤجرة .
    الصورة الرابعة: أن يكون بيع المعدات من المؤجر للمستأجر بعقد منفرد بعد انبرام عقد الإجارة . وهذه الصورة لا يختلف حكمها عما قرر في الصورة الأولى والثانية. مع التأكيد على وجوب تعجيل الثمن .
    وأما الصورة الثالثة فهي وعد من المؤجر للمستأجر. وهذا الوعد ملزم لأن المؤجر قد أدخل المستأجر في طريق وحوله إليه بموجب الوعد. لأنه لو لم يعده لما بذل المستأجر مجهوداً إضافياً أو دخل في التزامات مع أطراف آخرين ليفوز بما وعده المؤجر. نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين: (لو ذكر البيع بلا شرط ، ثم ذكر الشرط على وجه العدة جاز البيع، ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة، فتجعل لازمة لحاجة الناس، ثم ذكر: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد) رد المحتار.
    __________
    (2/22609)
    --------------
    الصورة الأولى: وهي أن يقترن عقد الإجارة بهبة المعدات هبة معلقة على دفع آخر قسط من أقساط الإيجار . هذه الصورة هي صورة جائزة ولازمة للواهب (المؤجر).
    الصورة الثانية: أن يعد المؤجر المستأجر في صلب العقد بهبة المعدات عند سداد آخر قسط. والفرق بين هذه وما قبلها أن هذه الصورة هي التزام بالهبة عند الأجل المحدد وما قبلها إيجاب الهبة من الآن.
    الصورة الثالثة: وهي أن يهبه المعدات بواسطة عقد أبرم بعد عقد الإجارة، وقع التنصيص فيه على أن الهبة معلقة بسداد آخر قسط من أقساط الإجارة.
    الخاتمة:
    عملت في بحثي هذا على تتبع عقد الإيجار المنتهي بالتمليك ، وبيان أحكامه وفي الورقة المقدمة من الأمانة العامة ثلاثة أسئلة لم أتعرض لها أثناء البحث. لأنها حالات خاصة ليست من طبيعة عقد الإيجار المنتهي بالتمليك .
    السؤال الأول: حكم الدفعة المقدمة في الإيجار المنتهي بالتمليك؟
    إن تصور الواقع كما جرى هو الذي يعطينا الضوء لضبط الحكم. والسؤال غامض ويحتمل وجوهاً: فهل يعني أن المعدات التي اشتراها المستأجر بتوكيل من المؤجر قد تم في فترة التراوض أن المستأجر يدفع نسبة من ثمن المعدات مقدماً، وأن المؤجر يدفع الباقي، ثم يستأجر كامل المعدات من البنك ؟ على أن أقساط الإيجار قد اتفق على أنها موزعة حسب ما دفعه المؤجر. فإذا كان هذا هو المقصود فإن المستأجر بعقده عند شراء المعدات الصفقة باسم المؤجر، وأن المؤجر هو الضامن، وعَقَدَ الضمان باسمه، فإن المستأجر يكون قد تنازل عن حقه في التملك للجزء الذي دفع ثمنه، وأن المؤجر هو المالك للجميع. وهذه تتخرج على أنها هبة فعلية نافذة إذ أن المستأجر هو الذي تولى الصفقة وأسقط اسمه من وثائق التملك. وتظهر آثار ذلك إذا عجز عن السداد، فإن المؤجر هو الذي يفوز بجميع المعدات وليس للمستأجر حق فيها وفي هذا ظلم.
    وإن كان معنى ذلك أن المستأجر يدفع قسطاً من أقساط الإيجار مقدماً قبل أن ينتفع بالعين المؤجرة ، فقد ذكر الحطاب في تنبيهه على قول خليل : "إن ملك البقية الثاني". قال في المدونة: وللكري أن يأخذ كراء كل يوم يمضي إلا أن يكون بينهما شرط فيحملان عليه.. ابن يونس : وإن لم يكن شرط وكانت سنة البلد النقد قضي به.
    __________
    (2/22610)
    --------------
    السؤال الثاني: تسجيل العين المؤجرة صورياً باسم المستأجر لتفادي الإجراءات والرسوم:
    إن الفرار من الواجب على الشخص أو على المؤسسة بإظهار خلاف الواقع هو (التوليج) وهو كذب لا يحل أبداً، ذلك أن انتساب المؤجر والمستأجر إلى دولة من الدول واستفادتهما من مؤسساتها وأجهزتها في أمنهما وتعلمهما وصحتهما وحماية حياتهما وأرزاقهما، والدفاع عن حوزة الوطن الذي ينتسبان إليه، وغير ذلك من المكاسب التي لولاها لما استطاعا أن ينشطا اقتصادياً ولا أن يعقدا مثل هذا العقد. كل ذلك يفرض على كل واحد منهما أن يكون أميناً في التعامل مع الأنظمة المعمول بها، وأن لا يحاول التهرب من الرسوم أو التحايل على الإجراءات المعمول بها، فإن ضمان حقوقه إنما هو بالسلطة القضائية والتنفيذية، وهي ملجؤه فكيف يحل له التمتع بالغنم والتهرب من الغرم؟
    السؤال الثالث: تعديل أقساط الإجارة في حالة فوات التملك بسبب لا يرجع إلى المستأجر:
    إن شأن العقود أنها لا تنقض ولا يعاد النظر فيها بعد انبرامها لظروف خاصة بأحد المتعاقدين، ولا أعلم استثناء لذلك إلا في الثمار إذا أصيبت بجائحة وذلك بالشروط المعتبرة شرعاً عند القائلين بوضع الجوائح.
    ولما كان هذا العقد عقداً جديداً، فالذي يظهر لي كحل اعتماداً على التوسع في فهم قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } [النساء: 29] الحل هو أن ينص في عقود الإيجار المنتهي بالتمليك بأن مثل هذه الحالة تحال على لجنة المحكمين كبقية الخلافات التي تطرأ في مراحل تنفيذ العقد .
    والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل.
    والقسم الثاني: هو صكوك التأجير المبنية على الإيجار المنتهي بالتمليك .
    وقد وصلت في هذه إلى أن صكوك التأجير المبنية على الإيجار المنتهي بالتمليك أن فيها إشكالات كثيرة، وأول إشكال هو أخذ قرار في التأجير المنتهي بالتمليك، لأن هذا مبني عليه، فلا بد إذن من تأخير هذا، اقترح أن يسبق عرض هذا الموضوع الذي جاء فيه قرار عام في الدورة الثامنة صكوك التأجير أو الإيجار المنتهي بالتمليك إعادة طرحه على المجمع ليكون ناشئاً عن خلو القرار المذكور من الضوابط والتدقيقات الكاشفة عن هذا التحول، وما فيه من صواب مقبول ومن صور غير مقبولة، فالرأي أن يقدم له بندوة متخصصة.
    والله أعلم وأحكم وهو حسبي ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
    __________
    (2/22611)
    --------------
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:43 pm

    --------------

    التعقيب والمناقشة
    الشيخ محمد تقي العثماني:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، وال
    التعقيب والمناقشة صلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
    في الواقع أنني أشكر أولا الأساتذة الباحثين الذين قدموا بحوثاً قيمة في هذا الموضوع الجاد الشائك، كما أشكر شيخنا العلامة الجليل محمد المختار السلامي –حفظه الله تعالى- فبالرغم من كثرة هذه البحوث وضخامتها استطاع أن يعطينا فكرة إجمالية عما وقع في هذه البحوث، وإني لا أريد أن أطيل كثيراً في الموضوع ولكن عندي بعض النقاط التي أريد أن أمر عليها سريعاً، ربما تكون ملحوظة عند اتخاذ القرار في هذا الموضوع.
    إن اسم الإجارة المنتهية بالتمليك قد شاع وذاع، وربما يحكم على هذا العقد بصفة عامة دون الخوض في عدة أقسام يشملها هذا الاسم، وفي نظري الإجارة المنتهية بالتمليك ينبغي أن نقسمها إلى قسمين: القسم الأول: الإجارة المنتهية بالتمليك، كما هو معروف في القوانين الوضعية إما بصورة البيع الإيجاري الذي يسمى Hire Purchase أو بصورة الإجارة التمويلية التقليدية التي تسمى Financial Lease والفرق بينهما أن البيع الإيجاري تكون إجارة في البداية ولكنها تنقلب إلى البيع بصفة تلقائية إذا سدد المستأجر جميع الأقساط.
    بمعنى أن جميع ما أدى المستأجر من الأجرة تصبح أقساطاً للبيع في نهاية مدة الإجارة فيجري مفعول البيع من أول العقد، وإن هذه الصورة ليست جائزة فيما أرى، لأن حقيقة العقد فيها مبهمة هل هو بيع أم إجارة؟ ولذا فقد ثارت هناك خلافات كبيرة بين أصحاب الحقوق المدنية واختلفت فيها أحكام المحاكم الغربية، فمن محكمة تحكم عليه بأنه بيع ومن محكمة أخرى تحكم بكونه إجارة.
    ومن الظاهر أن الجهالة في حقيقة العقد مما لا تحتمله الشريعة الإسلامية أبداً، إن الشريعة الإسلامية التي لا تحتمل الجهالة في المعقود عليه ولا في الثمن فضلاً عن أن تكون هذه الجهالة في حقيقة العقد.
    __________
    (2/22612)
    --------------
    القسم الثاني: المعروف في الألفاظ التقليدية هي الإجارة التمويلية، فإنها إجارة ولا تنقلب إلى البيع بصفة تلقائية في آخر مدتها ولكن يتق الطرفان بأن العين المؤجرة تباع للمستأجر بثمن رمزي، وإن هذا الشرط موجود في صلب عقد الإجارة وإن هذا القسم أيضاً لا يجوز في نظري لأسباب، وهي:
    الأول: أن البيع بثمن رمزي مشروط في صلب عقد الإجارة فتكون عقداً في عقد، ولا يجوز ذلك في قول أكثر الفقهاء.
    الثاني: أن البيع بثمن رمزي بيع صورة وبعيدة عن الحقيقة.
    الثالث: أنه إجارة صورية لأن المؤجر يبرئ نفسه من جميع تبعات الملكية ومن الهلاك والنقصان وما إلى ذلك، وإنهم يحسبون الأجرة من حين دفعهم للمال لشراء العين سواء تسلمه المستأجر أو لم يتسلمه، وتستمر الأجرة حتى في مدة بطالة العين بحيث لم تبق له منفعة، ففي الواقع إنه حيلة، بمعنى أنه ذكر اسم الإجارة للهروب والفرار من الضرائب، وفي حقيقتها هي تمويل على أساس الفائدة .
    هذا بالنسبة للإجارة المنتهية بالتمليك كما هو معروف في الأعراف المدنية التقليدية.
    أما الإجارة المنتهية بالتمليك التي أجازتها كثير من الندوات الفقهية وعدة هيئات للرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية فإن هذه الإجارة ليست عين البيع الإيجاري أو التأجير التمويلي الذي هو معروف في القوانين الوضعية وإنما قبلته هذه الندوات أو الهيئات باستبعاد ما هو معارض للمبادئ الشرعية الفقهية حتى غيره بعضهم وغير اسمه من الإجارة المنتهية بالتمليك إلى إجارة واقتناء، ويتميز هذا العقد من البيع الإيجاري التقليدي ومن الإجارة التمويلية المعروفة بفروق كثيرة، وهي:
    -الفرق الأول: أن عقد الإجارة يكون خالياً من أي شرط أو التزام بالبيع في نهاية مدة الإجارة .
    -الثاني: التمليك إنما يقع بوعد منفصل عن العقد إما بهبة أو بيع، فالإجارة إجارة بحتة، ويتحمل فيه المؤجر جميع مسؤوليات الملكية طوال مدة الإجارة من تبعة الهلاك، ومسؤولية الصيانة، والتأمين إن حصل عليه بطريق شرعي مقبول، ولا يتحمل المستأجر الأجرة إلا للمدة التي تسلم فيها المبيع فعلاً وهي صالحة للانتفاع، ولا تجب عليه الأجرة في المدة التي لم يتسلم فيها العين المؤجرة ولا في الزمن الذي اعترض العين المبيعة خلل جوهري أوقف منفعتها للمستأجر بغير تعد منه أو تقصير حتى يرمم على نفقة المؤجر وتصلح للانتفاع مرة أخرى.
    وإن جميع هذه الأحكام لا تطبق في الإجارة التمويلية التقليدية، فالفوارق بين الإجارة التمويلية التقليدية وبين الإجارة المنتهية بالتمليك الذي أجازته الهيئات الشرعية والندوات والذي قد يسمى إجارة واقتناء بينهما فوارق جوهرية يتغير بها الحكم وليس فيها محذور شرعي، ولذلك صدر فيه قرار لمجمعنا الموقر في دورته الثالثة بجوازه إذا كانت مع الإجارة وعد منفصل بالهبة .
    __________
    (2/22613)
    --------------
    النقطة الثانية التي أريد الإشارة إليها هي موضوع ( صكوك الإجارة )، وإن موضوع صكوك الإجارة موضوع مهم جداً، وإذا أصدرت هذه الصكوك بطريقة شرعية مقبولة فإنها في الواقع تفي بحاجة حقيقية للبنوك الإسلامية في إيجاد السوق الثانوية للأوراق المالية ، وهو طريق مشروع يفيد الحكومات في مواجهة عجز ميزانياتها والذي يغنيها عن إصدار سندات ربوية، ولكن إصدار هذه الصكوك يجب أن يكون على أساس صكوك تمثل حصة شائعة في ملكية الأعيان المؤجرة بجميع مسؤولياتها وتبعاتها والتزاماتها وأخطارها.
    أما إذا كانت الصكوك لا تمثل ملكية في الأعيان المؤجرة كما هو حاصل في كثير من الإيجارات التمويلية وإنما يستحق حاملها على حصول حصة من الأجرة فقط وليس له حصة شائعة في الملكية دون أن تكون عليه مسؤوليات الملكية في حصته الشائعة فإن ذلك في الواقع بيع للدين وهو لا يجوز، وقد صدر بحرمته قرار من المجمع الموقر في دورته السابقة الحادية عشرة في البحرين .
    والنقطة الثالثة: ففي الواقع أني استفدت كثيراً من بعض البحوث التي قدمت وخاصة أنني استفدت كثيراً من البحث الذي قدمه فضيلة أخينا الحبيب الدكتور علي محيي الدين القره داغي فإنه استفاض في هذا الموضوع وجاء بطرق شتى لهذا العقد، ولكن لي بعض الملاحظات على ما ذكره فضيلته في هذا البحث وكذلك ما جاء به بعض الإخوة الآخرين الذين بحثوا هذا الموضوع في البحوث المطروحة بين أيدينا، وهي:
    أولاً: إن فضيلته أجاز أن يشترط التأمين على المستأجر، وكذلك أجاز أن تشترط الصيانة على المستأجر من قبل المؤجر، وقد جاء لذلك ببعض الأدلة من النصوص الفقهية التي ذكرها الفقهاء، ولكن بالرغم من هذه النصوص، أرى أن هذه الإجارة المنتهية بالتمليك كما تجريها البنوك الإسلامية لو فتحنا هذا الباب –وهو أن يشترط التأمين على المستأجر أو تشترط الصيانة على المستأجر- فإنه لا يبقى هناك فرق كبير بين الإجارة المنتهية بالتمليك المشروعة وبين الإجارة التمويلية، لأن الفارق بينهما –كما أتصور- هو أن المؤجر في الإجارة المنتهية بالتمليك التي أجازتها الهيئات الشرعية هو أن المؤجر يتحمل جميع مسؤوليات العين المؤجرة ، فإذا اشترط التأمين على المستأجر أو الصيانة على المستأجر فإن هذا يبطل هذا الفارق الكبير بين هذه التمويلات والذي يجعلها مشابهة للتمويلات الربوية، فينبغي أن يكون هناك صيانة، وتقسم الصيانة إلى قسمين: قسم تشغيلي (صيانة تشغيلية) ويمكن أن يحمله المستأجر، أما (الصيانة الجوهرية) فإنها يجب أن تكون على المؤجر ليتحمل مسؤولية الملكية وإلا لا يكون هناك أي مسؤولية على المؤجر وأنه يدفع المال فقط ويحصل على أجرة ومال بما يجعله مشابهاً للربا.
    وكذلك ذكر فضيلتة البيع مع اشتراط عدم الملكية، وأجازه كبديل لهذا العقد، ولكن الواقع أنه إذا اشترط في البيع عدم انتقال الملكية للمشتري فإن هذا شرط مناقض للعقد، وقد اختلف الفقهاء في الشروط التي هي مخالفة لمقتضى العقد، ولكن لم يقل أحد –فيما أرى- جواز اشتراط شرط يناقض مقتضى العقد، فمقتضى العقد هو أن تنتقل الملكية من البائع إلى المشتري، فمتى شرطنا أنه يقع هناك بيع ولا تنتقل الملكية للمشتري فهذا مناقض صراحة لعقد البيع ولا ينبغي أن نأخذ بمثل هذه الأشياء.
    __________
    (2/22614)
    --------------
    هناك أمور جزئية أخرى قد تعرض لها الباحثون ولكني أرى أن المقصود المهم في هذه الجلسة هو الحكم على جواز أو عدم جواز الإجارة المنتهية بالتمليك كما أجازته بعض الهيئات، فإذا توصلنا إلى هذا يمكن أن نتطرق إلى تلك الجزئيات، وليس هذا موضع بسطها والتعليق عليها.
    هذا ما كنت أريد أن أعلق به على هذه البحوث، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    الشيخ عبد السلام العبادي:
    بسم الله الرحمن الرحيم .
    تعليقي ينصب على ثلاثة محاور:
    المحور الأول: يجب أن نميز بين أنواع الإجارة المنتهية بالتمليك، كما أشار الإخوة الباحثون وفضيلة الشيخ محمد تقي العثماني.
    فيما يتعلق بالإجارة المنتهية بالتمليك التي تستخدم كوسيلة من وسائل التمويل في البنوك الإسلامية ، هذه قضية عالجها المجمع بشكل واضح في قراره في الدورة الثالثة –كما أذكر- التي عقدت في عمان عندما نظر في معاملات البنك الإسلامي للتنمية ، وكان القرار واضحاً في إجازة هذه الصورة، قد يقول البعض: إنها كانت إجازة متعلقة بأعمال البنك الإسلامي للتنمية، لكن واضح أن القضية لا علاقة لها بذات البنك الإسلامي للتنمية إنما هي كأداة تمويل إسلامي.
    أهم ما يجب أن ينتبه إليه في إقرار هذه الصيغة حتى عندما أقرها المجمع في دورته المشار إليها هو الحرص على ألا تنقلب هذه الوسيلة من وسائل التمويل إلى وسيلة تمويل ربوي، بمعنى أن توضع الشروط والضوابط والأسس التي تضمن أن تكون وسيلة تمويل قائمة على قدر من المخاطرة تمارسها الجهة التمويلية بحيث من المحتمل أن تتعرض للخسارة في هذا التمويل وليس مبلغاً مقروضاً أو معطى للجهة الراغبة في التمويل بحيث يعود رأس المال وفوائده لهذه الجهة، لأن عملية الحساب للأقساط يلحظ فيها البنك في حسبته لاسترداد رأس المال مضافاً إليها أرباحه، فإذا كان الأمر قد رتب بطريقة لا تكون عليه أي مسؤولية فهذا يعني أنه أقرض مبلغاً من المال واسترده بزيادة على رأس المال مما هو عين الربا، ولذلك كان هنالك حرص في معالجة هذه القضية على ضمان استمرار ملكية الجهة الممولة للادوات المؤجرة طيلة فترة التأجير وهذا يعني تحمل الجهة الممولة لنفقات الإصلاح، نعم قد تستثنى عمليات الإصلاح والصيانة التشغيلية لكن صيانة الأصول والمحافظة على أعيانها وإبقائها صالحة للاستئجار هذه مسؤولية المؤجر.
    فإذا في اللحظة التي لم نوفر ذلك سينقلب الأمر إلى عملية قرض ربوي دون أي نقاش بصرف النظر عن التسميات المطلقة، وهذا أيضاً يقود إلى قضية في غاية الأهمية وهي قضية الهلاك، يعني إذا هلكت هذه الأعيان يجب أن تهلك على حساب المؤجر ( الجهة التمويلية )، وهذا هو العنصر الذي كان أساس إجازة هذه الصيغة باعتبار أنها صيغة قائمة على التمويل غير الربوي وقائمة على أن الجهة الممولة تتحمل المسؤولية والمخاطرة في هذه الصيغة المقدمة، وكان هذا هو أساس الإجازة كصيغة مستحدثة للتمويل الإسلامي المعاصر، ومن هنا كان الموضوع موضوع إعطاء مبلغ من المال يوكل به المستأجر أو هو يقوم بذلك بشراء العين المؤجرة ، فالقضية تبدأ بإعطاء مبلغ من المال يتفق عليه أثناء المراوضة كما عبر أستاذنا، وبالتالي واضح أن القضية قضية قرض إذا لم نضع من الضمانات ما يحوله إلى تمويل إسلامي يقوم على المخاطرة واحتمالات التعرض للخسارة.
    __________
    (2/22615)
    --------------
    أما كون جهة من الجهات تملك أعياناً كما تفعل مؤسسات الإسكان فهي تبني شققاً سكنية وتقوم بتأجيرها تأجيراً منتهياً بالتمليك، واضح أن الهدف هناك ليس هدفاً تمويلياً إنما الهدف ضمان تسديد الأقساط، يوعد المستأجر بأنه إذا سدد الأقساط في مواعيدها والتزم بذلك فإن هذه الشقة سوف تصبح ملكاً له، وبالتالي تحليلنا لهذه الصورة –وهذا هو المحور الثاني- يجب أن يقوم على أساس فهم طبيعة العقد من خلال الشروط الموضوعة، هل هو بيع وأجلت عملية نقل الملكية فيه؟ أم أنه تأجير مع وعد بالتمليك في نهاية المدة؟
    يجب أن نضمن في تفصيلات العقد في أي الصيغتين اخترنا والتي تضمن سلامة الاختيار وإلا في النهاية العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ، فإما أن نعتبره بيعاً على ضوء تفصيلات الشروط مؤجل فيه عملية نقل الملكية، أو نعتبره إجارة قد تم اشتراط أن يكون هنالك نقل للملكية في نهايته، وبصرف النظر أكان ثمن المبيع في النهاية رمزياً أم له قيمة، فالمسألة لا تختلف.
    أما المحور الثالث وهو صكوك الإجارة ، حقيقة الهدف من التفكير فيما يسمى بـ (صكوك الإجارة) هو استحداث أدوات تمويل إسلامي يسهل تبادلها في الأسواق المالية تسهل عملية التقاء رؤوس الأموال وتدفع خطط التنمية في البلاد الإسلامية، فهذا هو هدفها يعني ليس القضية قضية تعبير عن صيغ نظرية دون أن نلاحظ أين ستمارس وأين سيجري الاستفادة منها، فهذه الصكوك لابد في الواقع أن تكون حصص شائعة في الأعيان المؤجرة وإلا كما هو واضح سيصبح تبادلها في النهاية ديناً بدين وهذا لا يجوز، وهذا الذي اشترطناه كما نعلم جميعاً في صكوك المقارضة .
    فعملية القياس في هذا الأمر عملية واردة، ولا بد في الواقع أن نفكر في أدوات تمويل إسلامية جديدة كما فكرنا في موضوع سندات المقارضة وليكون هنالك صكوك في السلم وصكوك في الإجارة ، لكن واضح أن هنالك شروط شرعية لابد من ملاحظتها في تفصيلات وأحوال هذه الصكوك .
    __________
    (2/22616)
    --------------
    أحب أن أنبه تنبيهاً أخيراً: في بحوثنا قد نقع في أخطاء التنظير الفقهي البحت بعيداً عن فهم الصورة الشمولية لأداة التمويل كما وقع في بيع المرابحة للآمر بالشراء ، قام بعض العلماء بالاستدلال بجزئيات فقهية واردة في البيع أو واردة في تفاصيل عمليات المرابحة دون ملاحظة أننا نستخدمها في البنوك الإسلامية كأداة تمويل، وبالتالي كان اشتراط التسلم والتسليم في عقود المرابحة بهدف ألا تنقلب كأداة تمويل ربوية، كذلك الحال هنا في الإجارة، بمعنى أنه لا يصح أن نأخذ ببعض الفروع الفقهية في الإجارة التي تجيز مثلاً أن يشترط المؤجر على المستأجر إصلاح العين المؤجرة ، وبالتالي نقول ما دام الفقهاء قالوا بذلك فإذن هذا يجوز، أصل المسألة أن نستخدم هذه الأداة كإجارة منتهية بالتمليك نستخدمها باعتبارها أداة تمويل وبالتالي نريد أن نضمن ألا تنقلب إلى تمويل ربوي، وبالتالي لا يصح مثل هذا الشرط أصلاً إذا فهمنا العقد بهذه الصورة الشمولية.
    شكراً، والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
    الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، أشكر لمن سبقني وما تفضلوا به من علم وفضل، وأرى –والله أعلم- أن هذا الموضوع كله يجب علينا إعادة دراسته من جديد لنتعرف على نقضه، وذلك بعد الدراسة والاستقراء، فهذا العقد –عقد الإجارة المنتهية بالتمليك - مرفوض شكلاً وموضوعاً، جملة وتفصيلاً، لأسباب:
    السبب الأول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صفقتين في صفقة واحدة، وهاتان صفقتان في صفقة، وهذا عقد فاسد، والشرط مفسد للعقد لأنه مضاد لتكوينه، فالإجارة شيء والبيع شيء آخر، وكلاً منهما مختلف التكوين عن الآخر، وكذلك أيضاً هو حيلة للربا، وكل حيلة للربا فهي مردودة اعتباراً بمآلات الأعمال وسد الذرائع الفاسدة، وكذلك فهو ليس له أصل شرعي مطلقاً بل هو عقد مستورد بشكل تام.
    ولذلك فإن الذي يظهر لي والله أعلم وليس هذا حكم الله في الحادثة بل هو مجرد رأي كما علمنا ذلك أئمتنا العظماء –رضي الله عنهم- علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه، هذا عقد فاسد يجب تصحيحه وذلك قبل إنفاذه إما بإلغاء الإيجار نهائياً وجعله بيعاً بالتقسيط فقط، أو أن نجعله إجارة محضة، ولا مانع من وعد منفصل عن العقد بهبة أو ببيع، هذا وعد غير ملزم عند الجمهور، لذلك فعند الجمهور الصفقتان في صفقة عقد فاسد ويجب فسخه، والقابض والآخذ والمقبض آثمان إلا أن يفسخاه أو يصححاه، وهذه العقود الصورية كمشد المسكه وإيجار دين ذكرها العلامة ابن عابدين في حاشيته وقال: إنها كانت وبالاً على المسلمين في تاريخهم الطويل، وأنها كانت سبباً لاختلاس الأوقاف واختلاس الأموال العامة، فكيف بالأموال الخاصة؟! من باب أولى، وهذا ما ذكره أستاذنا الزرقا كذلك في (المدخل الفقهي العام) وفي (نظرية الالتزامات العامة في الشريعة الإسلامية).
    __________
    (2/22617)
    --------------
    فهذا العقد من جهة القواعد العامة للشريعة الإسلامية عقد مرفوض ومردود بجميع صوره وأشكاله إلا أن يصحح على القاعدة العامة التي ذكرتها، ومخالف شكلاً وموضوعاً لأصول التشريع الإسلامي ، وللحديث وللمعقول والمنقول، ولا يصح اعتماده إلا إذا رأى مجمعنا الموقر بفقهائه حاجة أو ضرورة، وما أرى ذلك، فحينئذ يصحح استحساناً كما صحح فقهاء الحنفية عقد الاستصناع ، وكما صححت عقود أخرى بحجة استحسان الضرورة ، والحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات، إن رأى مجمعنا الموقر بفقهائه الأجلاء ذلك فأنا معهم وإذا لم ير حاجة أو ضرورة فينبغي أن نرجع إلى القواعد العامة وإلا فما الداعي إلى أن نأتي بهذه العقود المستوردة التي فصلت لغيرنا وعلى مقاس غيرنا ونستوردها ونبحث عن حكم الله تعالى فيها وما هي بذاك؟ فإنها في الأصل قائمة على مقاس قانوني اقتصادي غربي لا علاقة له بنا أبداً، وحين نضطر إلى عقد مشابه لهذا فإننا لا نقول إجارة منتهية بالتمليك أو ما شاكل ذلك، نأتي إلى شريعتنا فنقول بيع بالتقسيط أو إجارة محضة، ولا مانع أن يكون بعد هذا كله وعد من المؤجر –وعد غير ملزم طبعاً- للمستأجر أن يبيعه أو أن يهبه كما تفضل فضيلة الشيخ العثماني بذلك، وهذا هو تصحيح العقد، وإلا فإن الأمر خطير، والله سبحانه وتعالى يؤاخذنا يوم القيامة { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران: 187]، ونعوذ بالله تعالى أن نكون من أولئك، فكلنا ولله الحمد يبتغي مرضاة الله –عز وجل- وكلنا يبتغي رضوان الله، وليس لواحد منا أبداً مصلحة في أي قول يخالف الشريعة الغراء.
    لذلك فإنني أعذر كل من اتفقت معه أو اختلفت معه في الرأي لصحة النية والعقيدة وسلامة الطوية، وأن العلم بين أهله نسب، فجزى الله خيراً جميع من تفضل وأسهم في هذه الأبحاث وفي هذا العرض وفي هذه الجهود المشكورة سواء اتفقت معهم أم اختلفت معهم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وشكراً.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    الشيخ عجيل النشمي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أعتقد أن هذا الموضوع من المواضيع الهامة، وكل مواضيع المجلس هامة، لكن هذا الموضوع في الحقيقة له تعلق مباشر بالواقع العملي، لكن أرجو أن يؤخذ بالاعتبار الخلاف الفقهي في هذا الموضوع حيث منعت بعض هيئات الفتوى العمل بالإجارة المنتهية بالتمليك ، في الوقت ذاته سبق للمجمع أن أجاز هذا العقد من حيث الأصل وأجاز بعض الصور منه، وبناء على ذلك جرى العمل في كثير من المؤسسات والشركات والبنوك الإسلامية بهذا العقد مستندة في الحقيقة إلى قرارات المجمع وإلى قرارات الهيئات والندوات التي عقدت لهذا الغرض، بل نشأت شركات متخصصة في الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك، لأنه ثبت من الواقع والتطبيق أنه ليس من مصلحة الشركات والبنوك الإسلامية أن تحتفظ لمدد طويلة بأجهزة لا تعنيها كالسفن والطائرات ونحوها، بناء على هذا العقد دخلت المصارف والشركات الإسلامية وبدأت تشتري هذه المعدات، لا تملكها على الدوام، إنما تؤجرها لفترة محددة للراغب فيها ثم يتملكها وبعقد جديد، وفي هذه الفترة يقوم هو بصيانتها والمحافظة عليها، ربما القضية التي أثيرت أن بعض الشركات في الحقيقة تحمل المستأجر تبعة الهلاك الجزئي والتأمين ، وهذا ما يخالف قرار المجمع في استفسارات البنك الإسلامي للتنمية .
    __________
    (2/22618)
    --------------
    هذا العقد في الحقيقة أفاد المصارف الإسلامية فائدة كبيرة جداً بملكيتها للأعيان المؤجرة مع زيادة أرباحها لطول مدة هذه العقود في العادة، وبعد استرجاعها لرأس المال تقوم ببيع هذه السلعة للطرف الثالث الذي يرغب في هذه السلعة.
    من جانب آخر قد تدخل الشركات الإسلامية طرفاً ثالثاً ممولاً في هذا الموضوع، وهذا ما يحتاج إلى القيود التي أشار إليها الإخوة، هي في الوقت ذاته يسرت في الحقيقة على أصحاب الأموال ويسرت على أصحاب الدخول المحدودة أيضاً تملك الأشياء الضرورية.
    من الواقع يتبين أن هذا العقد من أكبر أدوات الاستثمار الإسلامي ، وتجربة البنك الإسلامي للتنمية في الدول الإسلامية النامية خير شاهد.
    فلا شك أن هذا العقد إذا أحسن تطبيقه فإنه يحقق مقاصد ومصالح معتبرة وما كان كذلك فثم شرع الله عنده.
    بعد هذه المقدمة أبدأ ببيان بعض الصور التي وردت في الأبحاث ويمكن بحث الدكتور علي القره داغي حيث ذكر أكثر الصور أوصلها إلى سبع صور.00
    القول بمنع الإيجار المنتهي بالتمليك مطلقاً أعتقد أنه قول يجانب الصواب، وكذلك القول بأن الإيجار المنتهي بالتمليك جائز مطلقاً أيضاً يجانبه الصواب، لا بد من القيود، وهذا المنهج الذي سار عليه المجمع.
    هناك صور أعتقد أنه ينبغي أن ننتهي من البت فيها في هذا الاجتماع:
    الصورة الأولى: إذا كان الإيجار حقيقياً وبثمن المثل، ومالكه وعد بالبيع ويكون البيع بثمن المبيع حقيقة، فهذه صيغة عقد إيجار حقيقي لا ريب وليست بيعاً بالتقسيط وتطبق عليها أحكام الإجارة ، وهذا ما ينبغي أن لا يكون محل خلاف.
    الصورة الثانية: صياغة عقد إيجار وللمستأجر الخيار في تملك العين في أي وقت أثناء مدة الإجارة بسعر السوق وبعقد جديد، أو صورة عقد إيجار مع وعد بالهبة ، وهاتان الصورتان أجازهما المجمع ليس في باب الإيجار المنتهي بالتمليك وإنما في إجاباته على استفسارات البنك الإسلامي للتنمية .
    هناك صورتان أعتقد أنهما محل خلاف والبت فيهما يفتح باباً واسعاً بضوابطه للمؤسسات والشركات والمصارف الإسلامية :
    الصورة الأولى: هو أن يكون عقد الإيجار والبيع في عقد واحد فيكون البيع معلقاً على شرط الوفاء بجميع الأقساط في المدة المحددة، هذا من واقع الأبحاث التي قرأناها.
    __________
    (2/22619)
    --------------
    هذه الصيغة منعها الجمهور كما أشارت الأبحاث وأجازها مالك في قول، وأحمد في رواية، كما أجازها ابن تيمية ، والتحقيق جوازها.
    الصورة الثانية: التي يحتاج أن يقع النظر أيضاً فيها هو ما إذا اشترى المصرف أو الشركة الإسلامية عقاراً مثلاً ثم قام المصرف بتأجيره لبائع نفسه إيجاراً ينتهي بالتمليك إما بوعد أو بهبة. هذه أيضاً صيغة في الحقيقة جرى عليها العمل في بعض المؤسسات بناءً على فتاوى من هيئات الرقابة فيها.
    أخيراً أقترح على المجمع الكريم بعد الفصل في هذه الصور الجائزة أن يعزز قراره وخاصة في هذا الموضوع بذكر الأدلة لا لذاتها وإنما للرد.. عقدين مختلفين في الحكم على عين واحدة. وهذا طبعاً ما ورد النهي عنه. وهذا في تقديري إنما يصح أو هذه الشبهة تصح لو ورد البيع والإيجار في عقد واحد. وأعتقد أن الصورة لم تكن واضحة عند البعض. الواقع أن العقد ورد على الإجارة وتطبق أحكام الإجارة لا أحكام البيع، وإنما يأتي البيع بعد انتهاء أمد الإجارة بعقد مستقل بشروطه. ولو سلم أن العقد جمع بين الإجارة والبيع في صفقة واحدة فليس هذا بعقد باطل بالإجماع حتى ينكر وإنما قال -كما ورد في الأبحاث- بجوازه المالكية والشافعية والحنابلة.
    أقول قولي هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    الرئيس:
    أرى أن الشيخ عجيل قد بت في الموضوع على لسان المجمع. والواقع أن بحث الإيجار المنتهي بالتمليك أتى في ثلاث دورات: في دورة عمان في قراره الثالث عشر أتى تبعاً في بعض جزئياته، وهو الذي تكلم عنه الشيخ عبد السلام العبادي وغيره من الإخوان. في الدورة الرابعة، المؤتمر الرابع المعقود في جدة أجل النظر فيه لمزيد من البحث والدراسة وعقد ندوة إلى آخر ذلك. في مؤتمره الخامس في الكويت خطى خطوات وقرر ما يلي:
    الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى. ثم ساق بعض البدائل.
    وفي آخره قال: هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة. فيعني جمع ما قرره المجلس مع تشخيص حقيقة هذا العقد وأنه عقد على عين واحدة ورد عليه عقدان غير مستقر على أحدهما. ثم إن مستلزمات العقد تحولت من جهة إلى أخرى على خلاف مقتضى العقود. هذا مما دعا إلى إعادة البحث والنظر فيه.
    هذا ما أحببت التنبيه إليه فقط.
    __________
    (2/22620)
    --------------
    الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
    ملحوظات معدودات على بعض ما ورد في البحوث:
    أولاً: جاء في بحث الدكتور شوقي دنيا: (وقد يكون من أهم الفروق بينهما – الإجارة التشغيلية والإجارة المالية - ما يتعلق بمسألة المخاطر وتحمل النفقات، فهي في التشغيلية مسؤولية المؤجر بغير خلاف لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها).
    كونها مسؤولية المؤجر بغير خلاف، هذا في الفقه لا خلاف فيه. العبارة الثانية (لكنها في المالية مسؤولية المستأجر في كل صورها) وهذا تقرير للواقع بالنسبة لهذه المعاملة، إذا صح هذا القول فإن جميع صور الإجارة المنتهية بالتمليك التي عرضت علينا تكون ممنوعة. وهذه العبارة أيده فيها الدكتور منذر قحف أيضاً.
    ثانياً: في بحث الدكتور منذر قحف. وردت ملاحظتي في مكانين من بحثه. (حقيقتها –والتي هي الإجارة المالية- أنها في جميع صورها إجارة وشراء معاً مهما كان الشكل التعاقدي الذي يتخذه نقل الملكية ). أيضاً إذا صحت هذه العبارة بالنسبة لصور الإجارة المنتهية بالتمليك فإنها جميعها تكون ممنوعة لأن الإيجار والشراء لا يجتمعان على عقد واحد، وهذه المسألة أثيرت في أكثر من بحث. اجتماع الإجارة والبيع أو الشراء الذي أجازه المالكية ومن معهم ومنعه بعضهم ليست واقعة على عين واحدة. اشتريت منك هذه الدار وأجرتك هذه السيارة، إجارة وبيع بثمن واحد. اشتريت منك هذا الثوب على أن تخيطه. هذه هي الصور التي تذكر في اجتماع البيع والإجارة التي وقع الخلاف فيها. أما اجتماع البيع والإجارة في عين واحدة لم أر من أجازه.
    ثالثاً: الشيخ التسخيري يقول في بحثه: (الملكية لا تتوقف على سبب خاص) ومن هناك أجاز الإجارة المنتهية بالتمليك في صورتها الإنكليزية، تنتقل الملكية بمجرد الانتهاء من دفع الأقساط ولا تحتاج إلى شيء ناقل للملكية سوى الشرط الذي اشترطه. فيبدو أن إخواننا الشيعة يجعلون الشرط كأنه سبب ناقل للملكية.
    أيضاً أود أن أرجع قليلاً إلى تحمل النفقات. هذا جاء في البحثين من ضمن الشروط، فكأن هذا حقيقة في الإجارة المنتهية بالتمليك يجب أن ننتبه إليه.
    __________
    (2/22621)
    --------------
    رابعاً: ورد في عدد من البحوث شراء العين بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة .
    البيع بسعر السوق في زمن مستقبل بعد شهر أو شهرين كما هو معمول به في الأسواق المالية لم أر أحداً من الفقهاء أجازه.
    الخلاف الذي هو واقع في البيع بسعر السوق والذي أجازه ابن تيمية وابن القيم هو في سعر السوق عند إنشاء العقد، وهذا جمهور الفقهاء منعوه، وهو مثل بعتك بسعر السوق ويذهبان إلى السوق ليعرفان السعر، هذا ممنوع عند جميع الفقهاء، وهذا هو الذي أجازه ابن تيمية وابن القيم، لكن بعض إخواننا الفقهاء جعلوا جواز ابن القيم مطلقاً، بيع بسعر السوق في أي وقت. جهالة الثمن واضحة إذا كنت سوف أبيعه بسعر السوق بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة، فهذا غرر واضح لا يمكن أن يقول به فقيه. لكن يمكن أن يجوز هذا –وهذا ورد أيضاً في بعض البحوث- إذا كان جعل الخيار للمشتري أو حتى لأحد المتعاقدين، لكن في الغالب يجعل للمشتري. إذا جعل البائع الخيار للمشتري هذا يجوز.
    اجتماع البيع والإجارة تكلمت عنه ويحتاج إلى تحقيق في بعض البحوث التي ذكرت هذه المسألة.
    خامساً: هنالك صورة وردت على أنها جائزة وهي في بحث الدكتور القره داغي وفي بحث الدكتور منذر، وهي أن يشتري البنك السلعة ويؤجرها لمن اشتراها منه إجارة منتهية بالتمليك. هذا بيع عينة واضح لا يجوز أن نقول بجوازه.
    سادساً: اقترح بعض الإخوة عقد بيع بالتقسيط مع اشتراط عدم نقل الملكية ، ومنهم الدكتور شوقي في بحثه، وقد عارض هذا الشيخ القاضي العثماني. ولا أرى وجهاً لهذه المعارضة، فجواز البيع بالتقسيط مع اشتراط عدم نقل الملكية قال به بعض الفقهاء، وإن كان الجمهور يمنعونه بناء على القاعدة التي قالها القاضي العثماني وهي أنه يخالف مقتضى العقد . مقتضى العقد يعني نقل الملكية. لكن هذا الرأي له سند من أقوال الفقهاء وقد أخذ به القانون الأردني والقانون السوداني وأظن أيضاً القانون المدني الموحد ، فهذا يجوز أن يكون بديلاً للإجارة المنتهية بالتمليك إذا انتهى المجمع إلى منع جميع صورها.
    سابعاً: الهبة المعلقة ، وهذه جاءت في كلام الشيخ السلامي، والإشكال الذي ورد فيها أورده الشيخ السلامي فيما إذا مات المؤجر –المفروض أنه ليس بنكاً وإنما فرداً- وكان مبنياً على هبة معلقة ، وهذه مما أجازتها بعض الندوات، السؤال هنا: الشيخ السلامي رأيه أن العقد يمضي فهو سليم وليس للورثة الاعتراض، الإشكال هو في البيع المعلق متى ينعقد؟ هل ينعقد عند إصداره أو ينعقد عند الحصول على ما علق عليه؟ هذا هو ما أعرفه. البيع المعلق لا ينعقد في الحال، لابد أن يأتي الأمر المعلق عليه عكس العقد المضاف. العقد المضاف ينعقد سبباً في الحال.
    اكتفى بهذه الملحوظات، شكراً.
    __________
    (2/22622)
    --------------
    الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
    أود أن أشكر شكراً جزيلاً كل الإخوة الباحثين الذين استفدنا من بحوثهم وكذلك نخص بالشكر فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي على تلخيصه الجيد حيث أفاد وأجاد، جزاه الله عنا خيراً.
    في الحقيقة أود التعليق على ما أثير وكذلك على ما يجري العمل به في البنوك الإسلامية حتى تكون الصورة واضحة. وقد ذكرت في بحثي تحت عنوان (البنوك الإسلامية والإيجار المنتهي بالتمليك ) الخطوات العملية حتى نميز الفرق الأساسي بين ما يجري العمل به وبين ما هو موجود كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني.
    البنوك الإسلامية تختلف فيها الإجارة المنتهية بالتمليك ، وأنا أفضل تغيير هذا الاسم. هذا الاسم ظلم هذا العقد، مثلاً نقول: الإجارة مع الوعد بالتمليك، حتى لا يفهم من الاسم مباشرة أن الاشتراط داخل العقد أو ينتهي أوتوماتيكياً إلى التمليك. فاستعمال كلمة (الإجارة مع الوعد بالتمليك) ربما كان أدعى للقبول بالنسبة لما يجري عليه العمل في البنوك الإسلامية الخطوات العملية الآتية:
    1-اتفاق مبدئي يكيف على أساس الوعد يتضمن بحث كافة العمليات من شراء البنك إلى شراء العميل وما يتضمنه من شروط.
    2-قيام البنك الإسلامي بشراء الشيء المطلوب.
    3-ثم قيام البنك بتأجير الشيء المطلوب للعميل حسب الأجرة المتفق عليها.
    4- التأمين على المعدات والأشياء المؤجرة.
    5-وعد في ملحق منفصل يتعهد فيه المستأجر بشراء العين المؤجرة . وهذا الوعد قد يتضمن السعر المتفق عليه للشراء، وفي الغالب قد لا يتضمن، سواء أكان رمزياً أم حقيقياً، وهو الغالب. وقد يكون مجرد وعد بالشراء بالسعر المتفق عليه عند إرادة الشراء، أو حسب سعر السوق ، وهذا هو الأفضل.
    6-بعد انتهاء مدة الإجارة ووفاء المستأجر بكافة الشروط الواردة في العقد يتم نقل ملكية الشيء المؤجر إلى المستأجر بموجب عقد جديد، وإذا رغب المستأجر أن ينهي عقد الإجارة في أي وقت شاء ليشتري العين المؤجرة ووافق على ذلك المؤجر (البنك) فلا مانع من ذلك شرعاً وقانوناً. والبنوك الإسلامية حريصة على عدم الربط بين العقدين: عقد الإجارة، وعقد البيع. بل يكون الوعد منفصلاً حتى الوعد بالبيع يكون منفصلاً أو ما يسميه بعض البنوك بالعقد الابتدائي في ملحق منفصل، وهي حريصة كذلك على أن يتم تحديد سعر العين المستأجرة وفق الأسس التالية:
    أ-القيمة السوقية المعروفة في السوق، أو حسب ما يقيمها الخبراء.
    __________
    (2/22623)
    --------------
    ب-تحقيق العدالة من حيث النظر إلى الأقساط المدفوعة للإجارة. وهذا النوع في اعتقادي لا غبار عليه.
    وأثيرت في الحقيقة مسألة أخرى وهي مسألة الجمع بين الصفقتين، أو نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة. فإذا سمح لي السيد الرئيس أن أبين هذه المسألة لأنني في الحقيقة كتبت فيها بحثاً ونشر في مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر، وبذلت فيه جهوداً أرجو إن شاء الله أن تكون خالصة.
    والجواب أن الإجارة المنتهية بالتمليك تدخل في باب الصفقتين في صفقة واحدة وهي منهي عنها، حيث ورد في حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفقتين في صفقة واحدة. الجواب عن ذلك من وجوه:
    الوجه الأول: أن هذا إنما ينطبق في صورة واحدة حينما يذكر في الإجارة المنتهية، البيع والإجارة معاً، في حين أن معظم صورها وخاصة الصور التي يجري العمل بها في البنوك الإسلامية لا يذكر في نفس العقد إلا الإجارة.
    الوجه الثاني: أن هذا الحديث مرفوعاً بهذا اللفظ ضعيف، وإنما الثابت هو الموقوف على ابن مسعود –رضي الله عنه- كما ثبت أيضاً حديث ((لا يحل بيع وسلف)) وحديث (النهي عن بيعتين في بيعة). وعلى ضوء ذلك لا يدخل عقد الإجارة في الموضوع لأن النهي عن البيع والسلف، أو عن البيعتين، فلا يشمل الإجارة والبيع.
    الوجه الثالث: أن التفسير الراجح لهذا الحديث هو ما ذكره راوي الحديث نفسه وهو ابن مسعود –رضي الله عنه- حيث ثبت أنه قال: (لا تصلح الصفقتان في الصفقة، أن يقول هو بالنسيئة بكذا وكذا، وبالنقد بكذا وكذا)، وهذا التفسير أيضاً مروي عن سفيان الثوري ، وسماك ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وأبي عبيد ، وابن سيرين ، والنسائي ، وابن حبان، ومالك ، وبعض أهل العلم حسب تعبير الترمذي .
    وقد حققنا كذلك تفسير آخر رجحه ابن القيم وهو أن المقصود بهذا الحديث هو النهي عن الجمع بين السلف والبيع في عقد واحد. فهذا هو المنهي عنه في الموضوع.
    ما أثاره فضيلة الشيخ محمد تقي العثماني بخصوص تبعة الهلاك والصيانة فالذي انتهيت إليه أن الصيانة الذاتية لا بد أن تكون على المؤجرة، والصيانة التشغيلية هي ممكن أن تكون على المستأجر، خاصة في الإجارة مع الوعد بالتمليك أو الإجارة المنتهية بالتمليك . وكلامي هذا استعراض لآراء الفقهاء وليس هذا رأي وإنما عرض لهذا.
    كذلك ما ذكرته بخصوص تبعة الهلاك ذكرت هذا رواية عن الإمام أحمد لأنه يقول: يجوز أن يشترط الضمان على المستأجر، وقاسه على الأجير الخاص ، وهذا موجود في المغنى لابن قدامة، والنص موجود في النسخة لكن هذا ليس رأياً لي وإنما رأيي أن تبعة الهلاك أو الضمان يكون على المؤجر. فأنا متفق مع هذا ولكن أردت استعراض هذه الآراء لاستبيان أن فقهنا الإسلامي فيه من السعة ما يسع حتى هذه الحالات النادرة. وبخصوص الإجارة المنتهية بالتمليك يجب علينا فعلاً أن نضبطها بضوابط حتى تخرج تماماً عن مسألة التمويل أو ما يكون في شبهة الربا .
    بالنسبة للتأمين فقد ذكرت أنه لصالح المؤجر وقلت: إن الذي يجري عليه العمل في بعض البنوك أن العميل هو الذي يقوم بالتأمين على العين المؤجرة لصالح البنك حفاظاً على أموال البنك وضماناً لرأس ماله. والذي نراه هنا هو أن التأمين ليس من أعمال المستأجر بمقتضى عقد الإجارة ولا يجب عليه، ولذلك ينبغي أن يقوم البنك نفسه به، أو يوكل العميل للقيام به، ثم يخصم المبلغ من الأجرة، ولا مانع هنا من زيادة الأجرة لتغطي ذلك أيضاً، وإذا قام المستأجر بعد العقد بذلك بأمر من البنك أو بموافقته فإنه يرجع عليه بما أنفقه، أما إذا قام بذلك دون إذن أو موافقة، فإنه يعتبر متبرعاً.
    __________
    (2/22624)
    --------------
    هذا ما قلته في هذا المجال.
    ما أثاره فضيلته قال: إن البيع بشرط عدم نقل الملكية .. فهذا الموضوع هو ليس اشتراط عدم نقل الملكية بالمعنى الفقهي وإنما عقد بيع مع اشتراط عدم نقل الملكية رسمياً. فمثلاً إذا اشتريت عقاراً وتم العقد شرعياً ولكن البائع قال لي: لا أنقل لك الإجراء الرسمي إلا بعد أن تدفع لي المبلغ. وهذا البديل أجازه بعض الفقهاء حيث نص المالكية على أنه يجوز بيع شيء مع اشتراط منع المشتري من التصرف في العين المبيعة بأي نوع من أنواع التصرفات –معاوضة أو تبرعاً- حتى يؤدي المشتري الثمن كاملاً وإلا انفسخ العقد واعتبروه بمثابة الرهن . وهذا الرأي هو رأي ابن شبرمة، وابن تيمية وابن القيم والذين يصححون كل شرط إلا شرطاً خالف نصاً من الكتاب والسنة.
    فأنا أبيع لك بيعاً صحيحاً ولكن لا أقوم بإجراءات نقل الملكية وأمنعك من أي تصرف ناقل للملكية. هذا هو المقصود. ولذلك أنا أضفت هذه الكلمة لما قرأت: عقد بيع مع اشتراط عدم نقل الملكية رسمياً أو عدم تصرف الناقل للملكية في المبيع إلا بعد سداد جميع الثمن المؤجل. وهناك لا يخفى على حضراتكم حتى عند الحنفية ما يسمى بخيار النقل.
    ما قاله فضيلة شيخنا العلامة الشيخ الضرير في مسألة الصورة السابعة، قال إن هذا بيع العينة . أنا أود أن أقرأ على فضيلته وأنا لم أقر هذه الصورة وإنما انتقدتها انتقاداً شديداً. هذه الصورة السابعة وهي أن يقوم شخص أو مؤسسة كذا وكذا ثم كذا. قلت بالنص: وهذه الصورة لا تختلف عن الأولى والثانية إلا في شيء واحد وهو أن المستأجر هنا كان هو البائع للعين المؤجرة في حين أن المستأجر في الصور السابقة لم يكن له علاقة بها، وهل في ذلك ضير؟ وهذا الاختلاف قد يزيد الأمر تعقيداً من الناحية الشرعية، حيث يزيد من احتمال الحيلة، ومجرد التمويل بالمرابحة والتغطية لعملية ربوية تحت هذا المسمى، حيث هو أقرب ما يكون لبيع العينة من حيث المآل والمقاصد، رغم أن ندوة البركة أتت بجواز هذه الصورة لكن هذه الصورة صورة ربوية لا يجوز الرجوع إليها.
    أكتفي بهذا القدر، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    __________
    (2/22625)
    --------------
    الرئيس:
    نظراً لأهمية الموضوع وكثرة الذين طلبوا التعليق وانتهاء الوقت فأرى أن نستكمل المناقشة في هذا الموضوع في الجلسة الصباحية.
    وبهذا ترفع الجلسة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    الشيخ عبد الستار أبو غدة:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
    لقد كفاني الإخوة الذين تكلموا فيما قبل كثيراً من النقاط التي كنت قد أثبتها للمداخلة فيها ولكنني أريد أن أبين بأن هناك علاقة وثيقة بين الإجارة المنتهية بالتمليك وبين صكوك التأجير .
    ولعل الغرض من طرح هذا البحث أصالة هو تسليط الضوء على صكوك التأجير لأنها كما بين الإخوان صيغة مهمة جداً في الاستثمار الإسلامي تمكن الإنسان من استثمار أمواله لأي فترة يريدها في أنشطة كبيرة عظيمة الربح حيث يوجد ما يتيح له الاسترداد والتخارج والتداول. وصكوك التأجير لا تقوم إلا على أساس الإجارة المنتهية بالتمليك، لأن الصكوك من شأنها أن يضرب موعد لإنهائها أو كما يسمى لإطفائها. وهذا الإطفاء لا يتم إلا إذا كانت العين المؤجرة ستنتهي من حيث الإجارة وتصبح مملوكة للمستأجر حتى تنتهي هذه الصكوك. ولذلك فإنه من اللافت للنظر أن صكوك التأجير لم تحظ بما ينبغي لها في هذه الأبحاث حيث لم يهتم بها اهتماماً جيداً إلا الدكتور منذر قحف، وما جاء في بعض الأوراق الأخرى مثل فضيلة الشيخ المختار السلامي حيث إنه نوه بأهميتها ولكنه لم يخض فيها. ولذلك لابد من أن تكون هذه الصكوك محل عناية لأنها تشكل رديفاً لصكوك المضاربة التي عني بها المجمع وأصدر فيها قراراً جدياً كثير النفع انتفعت به المؤسسات المالية لأنه نظم ما يتعلق بالمشاركة والمضاربة والضمان وتوزيع الربح ، والتنضيض الحكمي وغيرها من الأبحاث التي جاءت في هذا القرار رقم (5) للدورة الرابعة في صكوك المضاربة’. فإذا كان هناك اهتمام بصكوك التأجير سيكتمل نوعان من أهم صيغ الاستثمار الإسلامي . صيغة تقوم على الدوام، وصيغة تقوم على التأقيت والتحديد لموعد الاستثمار من حيث الدخول فيه والخروج منه نهائياً.
    إن التكييف القانوني الذي تعرضت له الأبحاث للتأجير المنتهي بالتمليك بشتى صوره مملوء بالشوائب التي تخرجه عن مضمونه وتجعل هناك تداخلاً عجيباً بين أحكام البيع وأحكام الإجارة. وهذا التكييف القانوني لا يلزمنا نحن الشرعيين لأننا نواجه كثيراً من الصيغ التقليدية فنزيل منها ما كان مخلاً بقواعد الشريعة ونلحق بها ما كان مطلوباً وجوده فيها من الضوابط الشرعية، فمثلاً هناك عمليات التسهيلات كانت تتم في البنوك التقليدية بالإقراض الربوي وحده، فلما أخذت البنوك الإسلامية هذه الصيغة جردتها من هذا المفهوم الربوي المحرم، وجعلت التسهيلات تقوم على البيوع المؤجلة والتأجير المؤجل الأجرة أو المقسط الأجرة وغير ذلك.
    كذلك خطابات الضمان (الاعتمادات المستندية) كان فيها كثير من الشوائب، فالمؤسسات المالية الإسلامية من خلال هيئاتها الرقابية الشرعية لم تلتزم أو لم تلزم بالتكييف القانوني الذي فيه كثير من المخالفات.
    __________
    (2/22626)
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:45 pm


    أيضاً التأجير المنتهي بالتمليك حينما استخدمته المؤسسات التقليدية استخدمته ذريعة للفرار من الإلزام الضريبي، لأن الضرائب في التأجير أخف من هذا في المملوكات لأن المستأجر يدفع أجرة، وهذه الأجرة تعتبر عبئاً عليه فيحظى بتخفيف ضريبي، فبدأت المؤسسات التقليدية تفر من البيع بالتقسيط إلى التأجير المنتهي بالتمليك، لذلك حصل التردد بين البيع والإجارة، والسلطات الضريبية وضعت كثيراً من الضوابط لإزالة هذا التحايل أو هذا التملص من العبء الضريبي. هذا الأمر أيضاً لا مجال له ليؤثر على التكييف الشرعي بأن التأجير المنتهي بالتمليك يظل إجارة وتطبق عليه جميع أحكام الإجارة من التزام المؤجر بتقديم المنفعة وبقاء هذه المنفعة صالحة للاستخدام من خلال التزامه بالصيانة الأساسية، وإذا كان هناك تأمين فهو يتحمل تكلفة التأمين ، ولا مانع من أن يراعي ذلك أو هذين الأمرين في تحديد الأجرة لأنه يحصل عليها بصفتها أجرة وليس بصفتها تحولاً عن التزاماته وإلقاءً بها إلى الطرف الآخر لأن المستأجر يدفع الأجرة والمؤجر يلتزم بالمنفعة، فإذا حمل الصيانة للمستأجر كأنه جمع بين العوض والمعوض لم يقدم شيئاً وأخذ كل شيء.
    أيضاً ما يثار على وجود البيع والإجارة، البيع ليس هو الطريقة الوحيدة لإنهاء الإجارة فإنها قد تنتهي بالهبة سواء كان بوعد يتلوه إبرام عقد هبة ، أو كان بهبة معلقة يقع أثرها بعد حدوث ما علقت عليه. فإذن التأجير المنتهي بالتمليك ليس بالضرورة أن يجتمع مع البيع، وحتى لو كان هناك البيع فإنه يكون وعداً ولا يكون بيعاً مضافاً للمستقبل ولا بيعاً مزاحماً لعقد الإجارة .
    تساءل فضيلة الشيخ المختار عن مدى أهمية الصكوك . الحقيقة أن الصكوك مهمة جداً وقد حصل تطبيقها في بعض البلاد الإسلامية، في ماليزيا استحدثت كثير من الصكوك لتأمين استمرارية المرافق وإيجاد السيولة المالية التي تحتاج إليها، وفي دولة البحرين أيضاً هناك محاولات جادة برعاية الأمانة العامة للمجمع لإيجاد شتى أنواع الصكوك لتأمين الموارد والمرافق الأساسية وتمكين المستثمرين من توظيف أموالهم في استثمار مرن يتيح لهم الحصول على السيولة عند الحاجة.
    طرحت بعض الأفكار لتصحيح التأجير المنتهي بالتمليك بأنه ينبغي أن تراعى أجرة المثل وأن يراعى في البيع ثمن المثل . هذه المراعاة ليس عليها إلزام شرعي وإنما قد تكون من باب الرفق بالمستأجر أو الرفق بالمشتري، ولكن ليس هناك إلزام لمن يؤجر أو لمن يستأجر بأن يراعي أجرة المثل. أجرة المثل يرجع إليها حين فساد تحديد الأجرة، أو حين التغرير والتدليس، أو في مجال الأوقاف حتى لا تضار الأوقاف من تصرفات بعض النظار بأن يؤجروا مستغلات الوقف بأجرة زهيدة لمن يحابونهم.
    وإن في طبيعة التأجير المنتهي بالتمليك أن تكون الأجرة أكثر من أجرة المثل لأن هذا يتلاقى مع رغبة المستأجر في التملك، فإذا رغب أن يتملك هذه العين المؤجرة في سنتين فإن الأجرة قد تكون كبيرة أكثر مما لو رغبت أن يتملكها في أربع سنين أو خمس سنين. فهذا شيء دخل عليه المستأجر برضاه وله أمل وتوقع بأن يتملك في وقت محدود وقصير ولكن إذا حصل ضير على هذا المستأجر بأنه فات عليه التملك لأمر لا تدخل له فيه لسبب سماوي هذا ما يسمى (مسألة فوات التملك) فإن هناك حلاً انتهت إليه اللجنة الشرعية لهيئة المحاسبة استئناساً بمبدأ الجوائح بأنه إذا فات تملك المستأجر للعين المؤجرة بسبب لا يد له فيه فإنه يعاد النظر في الأجرة التي دفعها والتي تكون غالباً أكثر من أجرة المثل فترد إلى أجرة المثل تحقيقاً للعدالة ومراعاة للظروف الطارئة التي صدر فيها بعض القرارات الشرعية.
    __________
    (2/22627)
    --------------
    أخيراً أريد أن أنوه بما جرى التنويه به أكثر من مرة بأن هذا الموضوع بحث في المجمع وصدرت فيه قرارات مؤكدة ومؤيدة، ويبدو أن إعادة طرحه ما هي إلا للتوطئة لصكوك التأجير التي هي المطلب الأساسي والملح والذي كما قلت هناك تلازم بينه وبين التأجير المنتهي بالتمليك، فكان لابد من استعراض أحكام الإجارة لترشح هذه الأحكام في صكوك التأجير ويستفاد منها في تنفيذها وتطبيقها وتوزيع عائدها إلى آخر ما هناك ومن هذه الأمور المهمة.
    في موضوع شراء العين من العميل وتأجيرها إليه كيف تكون هذه عينة؟! العينة لا تكون إلا في البيع بأجل والشراء بثمن حال حيث تكون السلعة رجعت إلى مالكها فوراً وكما قال ابن عباس : (أرى دراهم بدراهم بينهما حريرة)، لكن هنا إذا كان العميل لديه عين يستخدمها واحتاج إلى السيولة فبدلاً من أن يستقرض بالفوائد الربوية يتخلى عن هذه العين ويلجأ إلى الإيجار ، لأن الإيجار يكلفه بعبء أقل من الثمن الباهظ الذي هو كامن في هذه السلعة فيحصل على هذه السيولة ثم يستأجر هذه العين إيجاراً يكون فيه سنوات فكيف تتحقق العينة؟ والهيئات الشرعية التي أجازت هذا النوع من التأجير المنتهي بالتمليك اشترطت مرور فترة لا تقل عن سنة، وهذا مما يفقد العينة مفهومها وجوهرها وهذا ما عبر عنه الفقهاء بأنه حوالة الأسواق إذا تخلل بين البيعتين في سلعة واحدة بين طرفين فترة تحصل فيها حوالة الأسواق أو تتغير فيها العين، فهنا العينة من هذه الصورة.
    هذا ما أردت إضافته، والله أعلم.
    الرئيس:
    يعني تكون عينة بلا حريرة.
    __________
    (2/22628)
    --------------
    الشيخ أحمد بن سعود:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    شكراً سماحة الرئيس شكراً مقرونا بالتهنئة على تجديد العهد لكم، والشكر للعلماء الباحثين على بحوثهم القيمة المعمقة في هذا الموضوع المهم والحساس.
    من المعلوم أن التأجير من الأمور المهمة في حياة الناس اليوم حيث إن حركة الحياة قائمة ومعتمدة إلى حد كبير على عملية التأجير دوراً وآلات. ولكن كيف تنقلب العملية التأجيرية إلى ملك؟ طبعاً لا يتصور ذلك إلا أن يكون ذلك بيعاً أو هبة، والبيع سواء كان بيعاً مساوياً أو رمزياً فالجميع بيع. بيد أنه لا بد من تأصيل الإجارة ، هل هي بيع أم غير بيع؟ فإذا كانت الإجارة بيعاً فإن العقد يكون مشتملاً على بيعتين في بيعة وهو منهي عنه طبعاً. وإما أن تكون الإجارة ليست ببيع عقد مستقل. وإذا كان عقد البيع قبل انتهاء مدة الإجارة فلا يؤمن من أن تدخله الجهالة ويدخله الغرر أيضاً، بل إن الجهالة لازمة ومتحققة في المبيع نظراً لعدم التيقن من الصفة التي سيؤول إليها المبيع بعد انتهاء مدة الإجارة. أما إذا كان البيع بعد الإجارة فإنه بيع مستقل ولا يمكن أن يعبر عنه بالتأجير المنتهي بالتمليك، وإن كان هناك قول بتردد الإجارة بين المضاربة والبيع كما هو عند الإمام ابن بركة العماني في كتابه (الجامع) حيث ذكر بأن فيها شبهاً بالمضاربة وشبهاً بالبيع. وهذا القول لم أجده لغيره في كتب المذهب عندنا ولا أدري هل هو موجود عند علماء المذاهب الأخرى أم لا؟ بالقول بتردد الإجارة بين المضاربة والبيع.
    الظاهر أنه ليس هناك عقد يمكن أن ينزل عليه عقد التأجير المنتهي بالتمليك اللهم إلا أن يقال بأنه عقد جديد وبالتالي ينظر في إنشاء حكم له.
    هذا ما أردت أن أقوله، وشكراً لكم، والسلام عليكم.
    __________
    (2/22629)
    --------------
    الدكتور محمد علي القري بن عيد:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله نحمده ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه.
    لعلي أبدأ أولا بتقديم الشكر للباحثين الأفاضل على هذه البحوث المتميزة، والثناء على عرض فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي الذي جاء جامعاً لآراء الباحثين ومقترحاتهم وأفكارهم. ثم أقول: إن العقد المسمى ( الإيجار المنتهي بالتمليك ) هو اجتماع البيع والإجارة لاشك في ذلك، ولا طائل من وراء السعي لإثبات أنه إجارة فحسب تضمنت وعداً بالبيع أو خياراً بالشراء أو ما إلى ذلك، إذ لا يمكن أن نفسر حقيقة أن هذا المستأجر –في العقد- يدفع مبلغ أجرة يعلم تمام العلم أنها تزيد كثيراً على أجرة المثل وأجرة السوق ، إنما يفعل ذلك لعلمه أن الزيادة فيها هي دفعات مقدمة من الثمن، ولا يمكن أن نفسر حقيقة أن أصلين متماثلين يؤجران بأجرة شهرية مختلفة إلا إذا عرفنا أن مدة الإجارة بينهما مختلفة فنعلم أن تلك المدة هي أجل دفع الثمن ، فاختلفت الأجرة الشهرية بناء على ذلك لأنها تتضمن قسطاً من الثمن. كل ذلك يدل على انعقاد البيع والإجارة في اتفاقية واحدة. هذه هي مشكلة هذا العقد، وما خلا ذلك من تفاصيل يمكن أن يقوم العقد بدونها ويبقى إجارة منتهية بالتمليك.
    والجمع بين البيع والإجارة يختلف عما نهي عنه من بيع وسلف، لأن البيع متضاد متناقض مع السلف، أحدهما يجوز فيه الربح والآخر لا يجوز، فإذا اجتمعا أفضى اجتماعهما إلى الربا حيث تكون الزيادة في القرض جزءاً من ربح البيع. أما ما نحن بصدده فليس بين هذين العقدين –أي البيع والإجارة- تناف أو تضاد، والاسترباح في كليهما جائز ، فإذا وقع على محلين مختلفين لم يعد للقول بالمنع وجه. ومعلوم أن البيع واقع على الرقبة. وأن الإجارة واقعة على المنافع، فإن قيل: إذا كان بيعاً حقيقياً لم يستحق المؤجر الأجرة بل هي للمشتري الذي انتقل إليه الملك بالبيع وهو المستأجر في هذا العقد. فلماذا يستمر المؤجر في قبض الأجرة؟ فالجواب عن ذلك أنه بيع مضاف إلى المستقبل، وقد أجاز بعض الفقهاء كابن تيمية –رحمه الله- هذا البيع. ونحن نعلم أنه يجوز لمؤجر عين أن يبيعها إلى طرف ثالث لأن محل عقد الإجارة هو المنافع التي وقع بيعها للمستأجر، ومحل عقد البيع هو الرقبة التي لم تزل ملكاً له. عندئذ يستحق المالك الجديد الأجرة إذا كان عقد بيع ناجز وليس في ذلك تناف أو تضاد بين العقدين. فإذا باع الرجل منافع الأصل لآخر في عقد إجارة ثم باع الرقبة إليه في عقد بيع مضاف لزم أن يكون ذلك جائزاً لعدم التضاد، واستحق المؤجر الأجرة في المدة.
    والعقود التي يتعامل بها الناس اليوم لا تكاد تخلو من التركيب واجتماع العقود، وأكثر ما يجتمع في معاملات الناس البيع والإجارة، إذ قليلاً ما يكون العقد بيع محض أو إجارة محضة. يأتي الرجل ليسكن في فندق كهذا الذي نحن فيه فتراه يوقع على عقد جامع لإجارة الغرفة ولبيع الطعام وما إلى ذلك. ويشتري الواحد منا جهاز الكمبيوتر فيدفع مبلغاً من المال جزء منه ثمن الجهاز وجزء منه أجرة لدورة تدريبية عليه، ويدخل الفرد المستشفى فإذا هو يدفع أجرة الطبيب وثمن الأدوية على عقد بيع ، وهذا هو أمر اشتراك الناس في الكهرباء والهاتف وعقود الصيانة وما إلى ذلك. وفي كل الأحوال فإن مقدار الأجرة معروف ومستقل عن أثمان الأشياء وإن اجتمع العقدان في اتفاقية واحدة، وهذا ما يجب أن يكون عليه عقد الإيجار المنتهي بالتمليك لأن قواعد العدل تقتضي أن تترتب للمستأجر حقوق خاصة بالمنافع بناء على عقد الإجارة وحقوق خاصة بملكية الأصل مستمدة من عقد البيع المضاف مادام أن يدفعه شهرياً يتضمن أجرة ويتضمن قسطاً من الثمن لأن الملك لم يتحقق. وليس مقبولاً أن يقال بأن تلك كانت أجرة تراضى عليها الطرفان مع العلم باختلافها عن أجرة المثل .
    والله أعلم، وشكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    __________
    (2/22630)
    --------------
    الشيخ وهبة الزحيلي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
    فمما لاشك فيه أن الإجارة المنتهية بالتمليك والأصح أن يفصل كل واحد منهما عن الآخر وإن اشتركا في التسمية عملاً بأصل النشأة عن القواعد والأنظمة الغربية، وقد نشأ هذا العقد في بريطانيا قبل غيرها من البلدان. هذا التعاقد في الحقيقة أصبح أداة استثمارية ناجحة طويلة الأمد في المصارف الإسلامية ، وجرى العمل به ولم يعد هناك أي إشكال –في تقديري- حول تكييف هذا العقد.
    أما الذين يمنعونه فإنهم يتأثرون بالصورة الأصلية التي نحن نكاد نتفق على منعها وهي أن ينضم البيع إلى الإجارة ويكون هناك عقدان في عقد واحد.
    ينبغي أن نفصل بين هذه الصورة الممنوعة وبين التكييف، والتعديل الذي أدخلناه على هذه الصيغة من الناحية الإسلامية.
    نتيجة البحث في هذا الموضوع يتبين أن للإجارة التمليكية تسع صور ثلاثة منها ممنوعة، وستة منها غير ممنوعة بل هي جائزة بالتأكيد. فالممنوع منها: أن ينضم عقد البيع إلى الإجارة، وهذا في الحقيقة لا يخالف فيه أحد. وكذلك يمنع حالة البيع المعلق على شرط أو البيع المضاف إلى وقت في المستقبل في رأي جمهور العلماء. والصورة الثالثة الممنوعة هي ما ذكره أخيراً الدكتور عبد الستار أبو غدة وهي قضية بيع الشيء للمؤجر الأصلي بعد مدة من الزمان، فهل هذا من قبيل العينة أم لا؟ الغالب في الدراسات أن مثل هذا العقد يكون ممنوعاً تحاشياً من الوقوع في النهي عن بيع العينة .
    فهذه الصور الثلاث هي الممنوعة. وأما ما عدا ذلك في الصور الستة الباقية فهي في الواقع جائزة خصوصاً أن عقد الإيجار يبدأ بشكل واضح كامل المعالم ومستقل سواء بأجر المثل أو بأكثر من أجر المثل فهذا متفق عليه، وسواء أكان البيع في نهاية الأمر بثمن رمزي أم بسعر السوق أم بهبة كل ذلك أيضاً لا مانع منه.
    __________
    (2/22631)
    --------------
    حينئذٍ ينبغي أن نصل إلى نتيجة في هذا الموضوع وهو أن هذه الإجارة انضم إليها وعد، ونحن لنا قرار سابق في أن الوعد المنضم إلى المرابحة لا مانع منه وأنه وعد ملزم، كذلك هنا أيضاً لماذا هذا التخوف ونحن لنا قرار سابق في قضية الوعد الذي ينضم إلى عقد آخر مقرراً وهو من العقود المعروفة؟.
    إذن كل الصور التي لا تتصادم مع النصوص الشرعية أو مقتضى العقد أو الأصول التي رجحها جمهور العلماء فهذه لا مانع منها. أؤيد إذن ما تفضل به الإخوة الكرام والقضية ليست أن كل متحدث ينبغي أن يضيف جديداً لأن المهم أيضاً أن تتكاثر الأصوات وتبين أرجحية الاتجاه والميل إلى التكييف والجواز أو المنع منه، فأنا أؤيد كل ما ذكره فضية الشيخ محمد تقي العثماني من قسمة هذا العقد إلى قسمين: ممنوع وجائز، وهذا هو رأيي، ولي بحث في هذا الموضوع.
    ثم أضيف إلى ذلك أنه ما دام العقد جائزاً في الصور التي ذكرتها فيكون حينئذ قضية تحمل الضمان وقضية التزامات الصيانة هي على المؤجر وليست على المستأجر. فأنا أستغرب أن بعض الإخوة جنحوا إلى أن هذه الالتزامات تكون على المستأجر، فبأي حق؟ القواعد الشرعية كلها تتنافى مع هذا الاتجاه، وحينئذٍ إذا ضمت مثل هذه الشروط تفسد العقد بدون شك وتجعل العقد حينئذ داخلاً في دائرة الحظر وليس في دائرة الجواز.
    ما يتعلق بصكوك الإجارة ، الحقيقة هذا الذي أريد أن أضيفه وهو أن صكوك الإجارة ينبغي أن نذكر كون هذا الصك ينبغي أن يعمل به فيما يملكه المؤجر وذلك ما دامت مدة الإجارة باقية، فإن انتهت مدة الإجارة فحينئذٍ تكون هذه الصكوك غير مشروعة ولا يصح الاعتماد عليها. وأخشى من كون جعل الأجور داخلة في صفة صكوك أن تتداول بغض النظر عن انتهاء المدة أو بقائها، وحينئذ نقع في المحظور بالتأكيد.
    أيضاً قضية البيع الرمزي أو الهبة في نهاية العقد هذه داخلة تحت مبدأ التراضي الذي تقوم عليه كل العقود في الفقه الإسلامي، وأن الأصل تراضي الطرفين ما لم يكن هناك مانع أو تصادم مع أصول الشريعة من النصوص أو مقتضى العقد أو أنه يؤدي إلى مساس بالربا أو بالغرر.
    فيما يتعلق بموضوع الإجارة بأجر المثل أو بأكثر من أجر المثل هذا داخل تحت قاعدة التراضي، وما دام المتعاقدان قد اتفقا على هذا النحو فينبغي ألا يكون هناك أي حظر أو تشكك في هذا الموضوع.
    إذن خلاصة الأمر أن الذين اتجهوا إلى منع هذا العقد إنما هم يتجهون إلى ما نتفق عليه أو اتفقنا عليه من الصور الممنوعة، وأما الصور التي لا تدخل في دائرة الحظر أو دائرة المنع فهذا هو الذي ينبغي أن يضاف في هذه الدورة، وحينئذٍ القرارات السابقة في هذا الموضوع هي في الحقيقة قرارات ضعيفة لا تدل على الجواز بالصورة التي ينبغي أن يصدر عنها القرار في هذه الدورة.
    وشكراً، والله أعلم.
    __________
    (2/22632)
    --------------
    الشيخ ناجي شفيق عجم:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سبقني بعض الإخوة إلى بعض ما كنت أريد أن أقوله ومع ذلك أرى أن هذا العقد أشد على المتمول من المرابحة . ففي المرابحة الآمر بالشراء يملك السلعة رقبة ومنفعة، ملكية تامة، والمستأجر هنا ملكيته ناقصة يملك المنفعة فقط فضلاً عن أن المستأجر قد يعجز عن دفع بقية الأقساط، وهذه الأقساط في الغالب الشائع أكثر من أجرة المثل . أقول: المقصود من اللجوء إلى هذا العقد – الإيجار المنتهي بالتمليك الذي هو بدل للبيع بالتقسيط- المقصود هو حماية رأس المال للممول وحماية ربحه.
    هناك بدائل شرعية كثيرة تحمي حق الممول وربحه، وكذلك حق المتمول، ويتحقق هدف الطرفين منها أخذ الرهن من المشتري، أو رهن نفس العين المباعة عند البائع، أو أخذ كفالة، أو الشركة المنتهية بالتمليك ، أو يؤخر البائع نقل الملكية الرسمية للعقار مثلاً، ريثما يتم دفع جميع الأقساط. هذا العقد أراه مفضلاً لحماية أحد طرفي العقد ، وهو المؤجر أو المؤجر (الممول)، من المخاطرة. والمستأجر هو الذي يتحمل المخاطرة أكثر من الطرف الآخر، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن. فأرى أن العدل هو من مقاصد هذه الشريعة. والغبن والظلم على أحد طرفي العقد.
    والله الموفق.

    الشيخ صالح المرزوقي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    بعد شكر الله سبحانه وتعالى أشكر رئاسة المجلس وأمانته كما أشكر الباحثين على بحوثهم.
    موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك اطلعت على ما عرضه فضيلة الشيخ السلام في بحثه القيم ونقل فيه رأي بعض المشايخ الأفاضل منهم فضيلة الدكتور حسن الشاذلي، حيث ذكر أن له تصورات خمسة أو أن له صوراً خمسة، أحدها أن ينتهي عقد الإيجار بتملك العين المستأجرة مع آخر قسط ولم يرتض هذه الصورة، وقدم لها بديلاً وهو بيع العين المؤجرة مع تقسيط الثمن والحجر على المشتري في التفويت في المبيع قبل سداد جميع الأقساط. وفي نظري أن هذه الصورة مقبولة شرعاً. ثم قال فضيلته –والكلام للشيخ حسن الشاذلي-: أو أن تتم صياغة العقد على أساس أن ينتقل التملك للعين بهبتها للمستأجر هبة معلقة على سداد آخر قسط أو على أن يعده بالهبة ، والوعد بالهبة ملزم.
    أقول: إن اللجوء إلى تسويغ العقد بالهبة لا يستقيم لأن القول بالهبة هو أسلوب من أساليب التحايل على تسويغ عقود غير جائزة ، فصاحب العين المؤجرة لا يقصد هبتها، والهبة لا تكون هبة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله الكريم أو تكون هبة بعوض وهذه تأخذ أحكام عقد البيع . ومن أين لرجال الأعمال والمصارف الإسلامية أو غير إسلامية أن يهبوا أعيانهم؟.
    الصورة الثالثة: أن ينتهي عقد الإيجار ببيع العين المؤجرة بثمن حقيقي، وهذه يرى جوازها. وهذه الصورة إذا لم يكن متفقاً عليها عند عقد الإيجار فلا بأس بها شرعاً، ولكنها لا تحل مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك .
    الصورة الأخرى: أن ينتهي عقد الإجارة بتخيير المستأجر بين مدة الإجارة أو شراء العين أو ردها على صاحبها. وهذه الصورة لم يظهر لي معالجتها لمسألة الإجارة المنتهية بالتمليك، فهذه واضحة الصحة.
    __________
    (2/22633)
    --------------
    ونقل الشيخ السلامي رأي فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، وملخصه أن هذه المعاملة على الصورة التي تتم بها لا تشبه العقود الجائزة ولا يمكن أن تكون جائزة إلا إذا تمت على أساس أن يكون عقد الإيجار حقيقياً ومعه بيع بالخيار مؤجلاً. وهذا القول أجدني أوافقه عليه.
    ثم عقب على قوله السابق فقال: أو أن يلحق عقد الإجارة ، يعني إجارة مع الوعد بالبيع. وهنا لم يوضح فضيلته حكم البيع من حيث لزومه أو عدم لزومه، وهل هذا الوعد ملزماً أم لا؟. وأقول: إذا كان ملزماً فهو عقد بيع مع إجارة فوقعنا في الصورة التي منعها فضيلته.
    أما الشيخ التسخيري فقد صور المعاملة بصورتين:
    الأولى: أن تقوم المؤسسة ببناء مساكن ثم تؤجرها على أن تنتهي الإجارة بتمليك المستأجر للمسكن بمجرد أن يتم دفع أقساط الإيجار . والسؤال هنا: ما هو محل العقد في هذه المعاملة؟ لأنه كما لا يخفى على فضيلته أن كل عقد من العقود له أركان وشروط. فمحل عقد البيع العين المبيعة والثمن، فهل يصح أن يقع البيع والإجارة وهما عقدان على محل واحد؟ هذا لا يصح فيما يظهر لي، فالمعاملة إما أن تكون بيعاً مستوفياً لأركانه وشروطه، وإما أن تكون إجارة مستوفية كذلك لأركانها وشروطها، ولا يمكن أن يقع العقدان على عين واحدة في وقت واحد.
    والصورة الثانية التي ذكرها الشيخ التسخيري: أن يعجز عن إتمام بناء بيته فيبيعه للبنك شريطة أن يتم البنك بناءه ثم يؤجره له، وعند تمام الأقساط التي هي ما أنفقه البنك على إتمام البناء مضافاً إليها أرباحه يعود البيت ملكاً للمستأجر. وهذه الطريقة مملوءة بالمشاكل فهل يصح أن يبيعه بيته ويشترط أن يؤجره له، إلى آخره؟.
    أورد الشيخ السلامي حديث بيع الجمع بالدراهم ولم يبين لنا وجه الدلالة من الحديث المذكور في موضوع الإجارة المنتهية بالتمليك ، ولم يظهر لي وجه الدلالة.
    ومما ذكره الشيخ السلامي أن يهبه بعد تمام عقد الإجارة ، وقال: يجوز أن يجتمع عقد البيع والإجارة، واستشهد بما نقله عن المدونة، فقال: أرأيت إن اشتريت عبداً واستأجر راحلة؟ أقول له: إن هذا الاستشهاد أو هذا النقل عن المدونة لا يحقق المراد لأن هذه الصورة عينان، والعقد وقع على عينين، عين مبيعة وعين مستأجرة، ولم يقع العقدان على عين واحدة.
    وفي الختام أرى أن يصدر المجمع قراراً" في هذه الدورة في عدم جواز الإجارة المنتهية بالتمليك في صورة الجمع بينهما أو في حالة تعليق البيع على أجل أو هبة العين المؤجرة .
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
    __________
    (2/22634)
    --------------
    الشيخ عبد الله بن بيه:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
    من الصعب أن يأتي المرء بجديد بعد كل ما قيل في هذه القضية.
    أعتقد أن الإشكال واضح وهو وقوع العقد على جهالة تتمثل في التردد بين أن يستطيع المستأجر الوفاء فتكون العين مملوكة له، أو لا يستطيع الوفاء فتفوت عليه الملكية وتضيع الأقساط التي هي في حقيقتها أقسام بيع وليست أقساط إجارة. هذه العقدة هي المشكلة في الحقيقة. إننا أمام تردد في حالة الجمع بين عقد البيع والإجارة.
    أتفق مع الدكتور الصديق بأن البيع والإجارة لا يتواردان في نفس الوقت على عين واحدة ولكن البيع قد يرد على الإجارة. بمعنى أن الإجارة إذا تمت فيمكن بيع العين المؤجرة على خلاف بين العلماء، هل بمجرد البيع تنفسخ الإجارة أو لا تنفسخ؟ وإذا بيعت العين إلى المستأجر هل يتمتع بالأجرة أو يرد الأجرة إلى بائع على القول بالثنيا التي يقول بها المالكية في الدار السنة والسنتين؟ وذكر كل ذلك (المعيار) للونشريسي. إذن هذه العقد يجب أن نتجاوزها سواء بإجارة حقيقية ثم بيع خيار لاحق، وهذا أعتقد أنه ممكن.
    نقطة أخرى وهي أن نوصي المستثمرين أو المتعاملين بهذه المعاملة ألا يستغلوا الناس استغلالاً بشعاً، فقد استغلوا ذوي الحاجات فكثرت الديون وكثرت الخصومات، والجانب الآخر الاجتماعي لهذه المشكلة أيضاً.
    بالنسبة للنقطة الأخيرة وهي التي تهمني، لأن قضية الإجارة المنتهية بالتمليك قيل فيها الكثير، ولم يترك الشعراء من متردم كما قال الشاعر القديم. صكوك التأجير . صكوك التأجير كما فهمتها، ومثال ذلك: إذا باع بائع عيناً لشخص ودفع هذا الشخص الثمن ثم استأجرها منه، وظل هذا البائع كما كان واضعاً يده على هذه العين يستغلها، ويدفع أقساط إيجار ثم في نهاية المدة رد ذلك الثمن الذي كان قد دفعه على ذلك الشخص واسترد الملكية التي لم تخرج من ملكيته أصلاً. فهذه الصورة واضح جداً أنها ربا. وهي في الحقيقة دفع مالٍ ليسترد أقساطاً هي الأرباح المعروفة في البنوك التقليدية لا أكثر ولا أقل، فبعد ذلك رد إليه الثمن وبقي الأمر كما كان. وقد أريت الإخوة أن الزرقاني نص على هذه الصورة بعينها وقال: هذا هو الربا الذي لا خلاف فيه. ولعل الدكتور عبد الوهاب يشهد لي ويشهد على هذا. فهذه قضية صكوك الإيجار التي سقطت، وكأنها سقطت من السماء حل جديد وحل إسلامي، ليست إسلامية، هي قضية البنوك التقليدية كمثل مسألة جبر الأضرار بالنسبة للمدين المماطل. إتباع هذه البنوك حذو القذة بالقذة.
    فأرجو أن نراجع أنفسنا، هناك وسائل كثيرة للتمويل في الحقيقة نعتقد أنها متاحة ويمكن أن نلجأ إليها وألا نحاول دائماً بجبر أنفسنا للدخول في مضائق لا نستطيع أن ندخلها. وشكراً.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    __________
    (2/22635)
    --------------
    الشيخ سعود الثبيتي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
    شكراً معالي الشيخ لإتاحة الفرصة ثم الشكر للباحثين الذين قدموا هذه الأبحاث، ولسماحة الشيخ السلامي على عرضه المميز الذي أوضح كثيراً مما يتعلق بموضوع البحث في عرضه.
    وفي الحقيقة عندي بعض الأسئلة لعل الإجابة عليها تزيل ما علق بذهني من التشوش من بعض البحوث التي قدمت والتي يسعى كاتبوها إلى تحليل صور الإجارة المنتهية بالتمليك . وهذه الإشكالات التي وجدت عندي بعد قراءة هذه البحوث هي إشكالات متعلقة ومقترنة باقتران عقد الإجارة المنتهية بأمور منها. فالإجارة المنتهية بالتمليك يقترن بها أمور خارجة عن العقد:
    أمر التأمين ، وأمر التأمين فيه ما فيه مما صدر عن مجمع الفقه سابقاً، وهو التأمين التجاري .
    ثم أمر الدفعة الأولى التي تدفع في أول عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، فكيف تكون الدفعة الأولى والأمر إجارة؟
    ثم أمر الصيانة. نحن نعلم أن صيانة الملك على مالكه وتلفه إذا تلف عليه، فكيف يكلف المستأجر بالصيانة؟ إلا إذا كانت الصيانة التشغيلية البسيطة مثل تغيير المصابيح أو أشياء بسيطة يسيرة تذهب بالاستعمال هذا أمر آخر.
    بودي أن نميز بين الصور التي ذكرت. فصورة الإجارة المنتهية بالتمليك التي جعلت من الصور وهي أن يخير المستأجر بين تمديد الإجارة وبين البيع وبين فسخ العقد ، هذه لا تدخل في صور الإجارة المنتهية بالتمليك لأن كل عقد إجارة يتطبق عليه هذا ولا سيما إذا كانت الأجرة بأجرة المثل، شريطة أن تكون الأجرة بأجرة المثل.
    وأما بقية الصور فهي مشتركة في هذه الأمور التي اقترنت بها. أما ما هو داخل في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك فعدة أمور ومحظورات منها:
    الأمر الأول: الزيادة في الأجرة عن أجرة مثل العين المؤجرة ، وفي هذا غبن إذا لم يتم التمليك والبيع لسبب من الأسباب إما تلف العين المؤجرة بآفة سماوية أو بأثر من المستأجر أو بتغير صفاتها تغيراً لا يجعلها قابلة للبيع.
    الأمر الثاني: إذا تم عقد البيع عند أول المعاملة –وأرجو أن نركز على هذا الجانب- فهل صفة المبيع معلومة عند نهاية مدة الإجارة ؟ لاشك أن الاستعمال مؤثر في الصفة، ونحن نرى أن كثيراً من الأشياء التي تستأجر وخصوصاً في السيارات، فالموديل الواحد قد تتغير صفته بسبب الاستعمال من شخص إلى شخص، فشخص تبقى معه السيارة لمدة عشرين سنة وشخص آخر لا تستمر معه أكثر من سنة أو سنتين، وهذا مؤد لجهالة المبيع، وجهالة المبيع سبب في فساد البيع، إذ أن شرط البيع أن يكون معلوماً للمشتري وللبائع إما برؤية وقت العقد أو بصفة متقدمة على الرؤيا بزمن لا يتغير فيه المبيع غالباً ولاشك أن مدة الاستعمال تغير المبيع غالباً وفي هذا الأمر غرر وجهالة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر والجهالة. فللاستعمال أثر في صفة العين وتغيرها بل في تلفها أحياناً.
    __________
    (2/22636)
    --------------
    لو رجعنا إلى مقتضى العقود والشروط المصاحبة للعقود، نحن نعلم أن الشروط التي تشترط في العقود تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    -شرط من مقتضى العقد ، وهذا لا أثر له.
    -وشرط ليس من مقتضى العقد ولكنه من مصلحة أحد العاقدين، وإذا كان من مصلحة أحد العاقدين وهو لا يخالف مقتضى العقد فهو صحيح ومشروع.
    الشرط الثالث ما كان كافياً لمقتضى العقد، وهذا الشرط إما مبطل للعقد أوباطل في ذاته والعقد صحيح عند البعض.
    فلو تعرضنا لعقد الإجارة ومقتضاها، مقتضى الإجارة ثبوت الأجرة واستحقاقها للمؤجر بعد مضي المدة، وإذا تلفت العين المؤجرة أو لم يمكن الانتفاع بها أو نقصت منفعتها نقصاً بيناً تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدة ويرد المؤجر قسط الإجارة الذي لا يستحقه على المستأجر، وصيانة العين المؤجرة على المالك، وتلفها من ضمان المالك إلا إذا كان بسبب تعد أو تقصير من المستأجر.
    ومقتضى عقد البيع انتقال ملك المبيع للمشتري، وانتقال الثمن إلى ملك البائع، ومن ملك شيئاً وقبضه ضمنه وله التصرف فيه تصرف الملاك لا يمنعه من ذلك شرط يخالف مقتضى العقد، إلا إذا جعلا لمبيع رهناً في الأقساط المتبقية فليس له بيعه والتصرف فيه بتصرف ناقل للملكية وهذا هو الحل المناسب في مثل هذه الصورة.
    إذا جعل الخيار للمستأجر في بعض الصور برد العين أو استئجارها أو شرائها كما قلت سابقاً حسب سعر السوق ، فهذه ليست من الإجارة المنتهية بالتمليك إذا كانت الأجرة بأجرة المثل حيث لا تمليك وإنما خيار في أمور مثل إيجار جديد أو بيع أو فسخ العقد .
    إذا كان ثمن العين محدداً حين عقد الإجارة أو عند العقد فهذا فيه غرر حيث إن صفة المبيع غير معلومة عند انتهاء المدة كما قلت سابقاً. أما الذين لم يحدد الثمن عند أول عقد الإجارة بل عند آخرها فلا يكون بيعاً إلا بشرط العلم بالثمن والمثمن وهذا فقد للعلم بالأمرين. والحل أن يجعل وعداً بالبيع حين انتهاء مدة الإجارة بسعر السوق أو ما يتفق عليه المتعاقدان.
    فكل من عقدي البيع والإجارة له آثار ومقتضى لا يصح اشتراط ما يخالفها، فإن كان شرط يخالف مقتضى العقد بطل.
    هناك عدة أمور يمكن أن تكون بدائل، وبدائل مباحة لهذه الصورة الملفقة، وأول هذه البدائل: البيع بالتقسيط ، وانتقال ملكية المبيع للمشتري، ورهن المبيع في ثمنه عند البائع حتى يتم السداد. أو أمر الضمان والكفالة في الثمن، أو تأجيل عقد البيع حتى نهاية عقد الإجارة والمواعدة على ذلك بثمن المثل يوم البيع شريطة ألا يزاد في الإجارة عن أجرة المثل وإلا كان غبناً بيناً وأكلاً لأموال الناس بالباطل. وكثيراً ما يلجأ في بعض الهيئات أو غيرها إلى محاولات تحليل بعض الأمور وإضافة أشياء تضاف إلى العقود ليست من مقتضياتها بل تخالف مقتضى العقود.
    وأكتفي بهذا القدر، وشكراً.
    __________
    (2/22637)
    --------------
    الشيخ حسن الشاذلي:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن نهج نهجه وسار على هديه إلى يوم الدين.
    أولاً شكراً للسيد الرئيس على إتاحة الفرصة لي للكلمة، وشكراً للسادة الباحثين، وشكراً لفضيلة الشيخ السلامي على عرضه القيم وأمانته التامة فيما نقله من جميع الآراء.
    في البداية أود أن أضع نقاطاً متعددة:
    أولاً: الإجارة المنتهية بالتمليك لا شك أنها تصرف أو عقد جديد يحقق أهدافاً ومصالح ننظر فيه فيما يجوز وما لا يجوز.
    ثانياً: وهذا يقتضى أن نحصر الصور التي يتحقق فيها الإيجار المنتهي بالتمليك صورة صورة، ثم نضع لكل صورة حكمها ولا نعمم الحكم. وبالتالي يسهل علينا الانتقال إلى بيان الرأي في هذا الموضوع.
    ثالثاً: أود أن أشير إلى أني حينما قدمت بحثي منذ ثلاثة عشر سنة الذي أشار إليه السادة الباحثون دخلت إلى الموضوع بعدة مداخل حول بيان آراء العلماء في كون السلعة مملوكة للبائع وفي كونها مقبوضة له، وفي رأي العلماء في جواز اجتماع عقدين في عقد، وفي جواز تعليق عقود التمليكات على شرط أو إضافتها إلى شرط، ثم الرأي في كون الوعد ملزماً أو غير ملزم. لأنه على ضوء هذه القواعد يمكن الانتقال بسهولة بين الصور الموجودة أمامنا. وقد أوردت في هذا الوقت صوراً ست تتفرع إلى إحدى عشرة صورة وبينت حكم كل صورة من هذه الصورة في موضعه، ولا أرى داعياً إلى الكلام فيها فقد كفاني الكلام عنها السادة الباحثون.
    رابعاً: ما أود الإشارة إليه هو موضوع البيع بثمن رمزي، الذي أنا لم أوافق عليه لسبب. حقاً إن البائع له الحرية في أن يبيع بثمن رمزي أو حقيقي ولكن علينا ألا ننسى أنه إذا كان ثمناً رمزياً فهناك مجالات لمثل هذا الشخص، وهو أن مثل هذا البيع لو تم من غير هذا الإنسان يمكن أن يترتب عليه خيارات معينة تفسد البيع، ويمكن أن يترتب عليه حجر على هذا الإنسان. لاشك أن الأصل في المعاملات أو المعاوضات أن يتساوى العوضان بقدر الإمكان مع التجاوز عن بعض الأمور اليسيرة. ولذلك حينما شكا حبان بن منقذ من أنه كان يُغبن في البياعات أتيح له الخيار.
    لذلك أقول إن البيع بثمن رمزي لا نستطيع أن نقول به وبخاصة أن ما سبقه من دفع إيجار هذا الإيجار ليس إيجاراً فقط، هو ثمن للمنفعة وجزء من ثمن العين نفسها، فإذا هلكت العين في الطريق ضاع عليه ما دفع، إذا لم يستطع السداد ضاع عليه ما دفع. لم يفقد إيجاراً فقط لكنه فقد إيجاراً وفقد أيضاً جزءاً من العين التي كان يستأجرها تحت هذا المسمى.
    فلذلك القول بأنه بيع صحيح يجعل العقد صورياً (بيع صوري)، وهذا لا يصح في نظري ولا يصح أن نقول به.
    هناك نقطة أثيرت حول تعليق العقد: هل التعليق يدخل على السبب والحكم معاً كما أشار إليه فضيلة الشيخ الضرير، أم يدخل على الحكم فقط؟ وهذا خلاف فقهي، البعض يرى أن التعليق يدخل على الصيغة وعلى الحكم، كله يعلقه إلى وقت حدوث المعلق عليه، والبعض الآخر يجعل السبب يوجد ولكن يظل الحكم معلقاً كما هو في حالة الخيار.
    كذلك اجتماع عقدين على عين واحدة، كفاني الحديث عن ذلك فضيلة الشيخ ابن بيه حينما قال: إنه يمكن أن يؤجر الإنسان العين ثم يبيعها لشخص ثلاث أو لذات الشخص نفسه.
    أخيراً أرى أنه يجب أن ننظر إلى الصور المعروضة صورة صورة ونبين الحكم فيها حتى ننتهي من هذا الموضوع.
    أما الصكوك فأرجو أن يتاح وقت لمزيد من دراستها، وشكراً.
    __________
    (2/22638)
    --------------
    الشيخ علي السالوس:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
    كنت في الحقيقة أريد أن أكتفي بما ذكره الشيخان الجليلان محمد تقي العثماني والدكتور الصديق الضرير مع التحفظ فقط على القول بأن البديل هو الاحتفاظ بالملكية، لأن احتفاظ البائع بملكية المبيع هذا يتعارض مع أهم آثار عقد البيع ، ولذلك هنا قرار للمجمع بأن هذا غير جائز . لكن في الحقيقة ما ذكره فضيلة الأخ الأستاذ عبد الستار أبو غدة وما ثنى عليه الأستاذ الدكتور محمد علي القري يبين أن ما ذكر في الأبحاث من الناحية النظرية أو العلمية في الخارج، وقيل بأنها ممنوعة بالنسبة للإخوة الأعزاء الكرام، وقالوا بأنها ممنوعة لأن الإجارة شيء والبيع شيء آخر ولا يمكن أن يجتمعا في عقد واحد -كما بين الإخوة الكرام- على عين واحدة، يمكن أن يجتمعا على عينين كالأمثلة التي ذكرها الأخ الدكتور القري، فيمكن أن أستأجر الغرفة في الفندق وأن أشتري طعاماً من الفندق لكن لا يمكن أن أستأجر الغرفة وأن أشتري الغرفة في نفس الوقت، فلا يمكن أن يجتمعا في عين واحدة.
    وهذا يبين أن اتجاه بعض المنشآت الإسلامية وهيئاتها الشرعية تتجه إلى إباحة الإجارة المنتهية بالتمليك التي فيها الإجارة الساترة للبيع أو الإجارة مع البيع في عين واحدة، إجارة وبيع. ولذلك يمكن أن يسترد المستأجر بعض الأقساط التي دفعها، كيف تكون إجارة ويسترد؟ يمكن هنا أن يتحمل تبعة الهلاك، يمكن أن يتحمل كل ما يتحمله المالك.
    لذلك –كما تفضل الأستاذ الدكتور حسن- لابد من أن ننظر في كل حالة وأن نبين ما يجوز وما لا يجوز، وأن نتطرق إلى ما ذكره فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الستار، لأن هذا واقع عملي. فإذا انتهينا إلى المنع فإنني أقترح أن يوجه المجمع الموقر توصية إلى المنشآت الإسلامية وهيئاتها الشرعية إلى الالتزام بقرارات المجمع وأن من عنده ما يخالف هذا فليقدمه ويناقش. فإذا انتهى المجمع إلى عدم الجواز فأرى توجيه توصية إلى الإخوة الكرام بأن يلتزموا بهذا لأنه لا يجوز أن نجد من يجيز كذا في منشأة إسلامية ثم نجد المجمع يقول هذا لا يجوز. إذا المسلم في هذه الحالة ماذا يفعل؟ وشكراً.
    __________
    (2/22639)
    --------------
    الشيخ محمد علي التسخيري:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    شكراً سيادة الرئيس، وشكراً للشيخ السلامي على عرضه الشيق الجميل الأمين.
    سيادة الرئيس أعتقد أن البعض عقدوا البحث وشققوه فتاهوا في الشقوق. ما نحتاجه في دراسة كل عقد هو التأكد من وجود مقتضى الصحة وفقدان المانع من هذه الصحة. وما لدي من القواعد وما نستأنس ونعرفه منها أن هناك في هذا العقد مقتضى الصحة موجوداً. فهذا العقد عقد عرفي يكون مورداً لقوله تعالى: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } ، وكونه مشروطاً يجعله مورداً لـ ((المؤمنون عند شروطهم)) . مقتضى الصحة في هذا العقد بمختلف شقوقه موجود، أما الموانع المذكورة من كون انتقال الملكية لا يمكن أن يتم إلا بلفظ معين أو بسب معين، أو من كونه مصداقاً لصفقتين في صفقة أو بيع وشراء، فقد ثبت لنا أنها لا تشكل مانعاً في هذا المورد.
    بقي أن نعرف أن الشرط –كما قلت في حديثي- قد يكون فعلاً، بمعنى أن يشترط البائع على المشتري أن يفعل فعلاً وقد يكون غاية أو نتيجة كالملكية، ولا مانع من ذلك ما نعرفه من القواعد. وهذا نص كلام لأحد كبار فقهائنا الشيخ الأنصاري في المكاسب، يقول: (وكيف كان فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذرك مثل هذه الغايات بأن ينذر كون المال صدقة والشاة أضحية، أو كون هذا المال لزيد، وحينئذٍ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها، بمعنى ترتيب الآثار). فهنا كما أعتقد المقتضى للصحة موجود والموانع مفقودة.
    بقي التساؤل عن أي الأحكام تطبق؟، هل أحكام الإجارة أم أحكام البيع الصحيح ؟ لأن أحكام الإجارة هي التي تطبق بوفق العقد، فإذا انتهت الإجارة حل البيع ودخلت أحكامه، وبشكل واضح ليس هناك تعارض بين هذه الأحكام لاختلاف الزمان. فمثلاً لو تلف المال بلا تفريط تلف من مال المؤجر، وربما تمت الرأفة بعد ذلك بالمستأجر فأعيد له ما زاد عن أجرة المثل كما أشار الدكتور عبد الستار.
    إشكال وحدة المحل في هذين الأمرين أعتقد أنه لا محل له، فالمحل متعدد. أولا بتعدد الزمان، ومتعدد بالفرق بين الرقبة والمنفعة. أما إشكال الغرر بعلة الجهالة عند التنفيذ فجوابه أن الغرر ليس هو كل جهل مهما كان، بل هو كما رأينا وكما ذكره المرحوم الزرقا والآخرون، والحنفية، بل هو الجهالة المفضية للنزاع كما تم تحقيقه وكما يوحي به لفظ الغرر. ولتقريب هذا المعنى للأذهان ما نجده من قبول عرفي بعدم الضرر هنا فلا يتذرع بهذه الحجة أي ذهن عرفي.
    أعتقد أننا إذا لم نعقد التشقيق نصل إلى النتيجة، فمقتضى الصحة في هذا العقد موجود ولا أجد أي مانع يقف عقبة أمام تنفيذ ذلك.
    وشكراً جزيلاً، وحياكم الله.
    __________
    (2/22640)
    --------------
    الطيب سلامة:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    شكراً سيادة الرئيس، وشكري كذلك للسادة الباحثين على ما بذلوه من جهد في هذا الموضوع الشائك، وشكراً لفضيلة العلامة الأخ محمد المختار السلامي على ما قدمه من تلخيص وافٍ لجميع الأبحاث، ويتميز هذا التلخيص بإعطاء كل ذي حق حقه، وعلى بحثه كذلك الذي استوفى فيه جوانب هذا الموضوع.
    ما أريد أن أقوله باختصار هو أن مؤسستنا الإسلامية تحاشياً من الوقوع فيما تقع فيه المؤسسات المالية التقليدية من السلف الذي جر نفعاً وهو ربا بدون شك، أرادت أن يكون لها منهجاً إسلامياً يبعدها عن الوقوع في الربا، فالمقصد الذي يدفعنا للبحث في هذا الموضوع هو كيف نخرج مؤسساتنا الإسلامية من الوقوع في الربا وهي عبارة عن رؤوس أموال تريد أن تستخدم أموالها في التنمية ويريد العلماء أن يستفيدوا من هذه الأموال؟.
    فهناك حينئذٍ طرفان: رأس مال وعامل. وعندنا في الفقه الإسلامي العقد الذي يستوعب هذه الغاية هو القراض وليس القرض . والفرق كبير بين القرض والقراض، ولكل من العقدين محله، فالقرض هو عمل بر، ولذلك جاءت حرمة الربا لئلا يكون البر وسيلة إلى امتلاك أموال الناس وابتزازها. كان الربا حراماً ، لأن في الإسلام هناك أعمالاً يقوم بها الإنسان مجانية، ولكنها في الواقع ليست مجانية وإنما هي قربى لله سبحانه وتعالى، وهذا مغاير للقراض الذي يقدم فيه صاحب رأس المال ماله للعامل ليعمل ثم ليتقاسم الطرفان الربح. فلماذا نترك القراض ونذهب إلى هذا الإيجار والبيع وهذه الصور التسعة ولم أجد صورة إلا صورة وحيدة سأذكرها تخلو من موانع شرعية؟ يقول قائل ربما القراض فيه أيضاً بعض الشروط التي تعسر المسألة على أصحاب رؤوس الأموال وعلى العملاء. الواقع أن المعاملات هي معقولة المعنى ليست كالعبادات.
    الأحكام في العبادات نقول هي تعبدية حيث أمرنا أن نصلي الصلاة أربع ركعات فلا نبحث فيها لماذا أربعة؟ أما في المعاملات فليس عمل من الأعمال إلا وهو معلل إما لدفع مضرة أو لجلب مصلحة إذا كان جائزاً .
    الصور التسعة باستثناء واحدة فيها محظورات. ثم الموضوع كله إذا أخذناه بعنوانه الإيجار المنتهي بالتمليك هذا ليس مقصوداً أصلاً لا للمؤسسة ولا للعميل. المؤسسة تعطي مالاً تستثمره والعميل يأخذ مالاً يستعمله ويربح ويعطي قسطاً من هذا الربح يتفق عليه مع المؤسسة. فلماذا ندخل في هذه التركيبات وهذه التعقيدات؟ ولماذا نترك القراض ونذهب إلى كل هذه التعقيدات؟.
    ثم إذا كان لابد من تحاشي القراض لأنه لا يكفل للمؤسسات الإسلامية وللبنوك كل ما ترغب فيه من ضمانات ومن جعل الملك تحت يدها ومن عدم اعتبار مصلحة العميل إذا كنا نمشي في هذا الطريق فلنأخذ العصا من الوسط ولنأخذ صور البيع المقسط وليس فيه تعقيداً، ولنترك الإيجار ونترك كل شيء، حينئذٍ يكون العقد مبنياً على بيع، وآنذاك يخرج المصرف المالي عن حدوده ويصبح تاجراً يشتري ويبيع، وهذا غير موجود في الواقع لأن المصارف الموجودة ولو سميت بأسماء مهن فيقال المصرف التجاري أو المصرف الفلاحي هي في الواقع لا تمارس لا تجارة ولا فلاحة ولا شيء من هذا وإنما تتعامل مع التجار والفلاحين والصناع، أما دور المصرف فهو أنه يدفع الأموال ويقبض ماله (رأس المال) مع نصيب من الأرباح .
    __________
    (2/22641)
    --------------
    فليكن حينئذٍ المصرف بائعاً وليبع العين بالتقسيط، ثم بقية الأسهم التي لم يبعها المصرف تكون على وجه الإجارة ، ولضمان حقوق المصرف فلتكن بقية الأسهم التي لم تخرج عن ملكه إلى ملك العميل رهناً للمصرف حتى يتم البيع الكامل.
    في الواقع هنالك حالة الآن هي أشبه بالقلقة والاضطراب بين أصحاب المصارف وبين رجال الأعمال، وكثيراً ما وجه لي السؤال التالي: ما تتعامل به المصارف الإسلامية وما تتعامل به المصارف التقليدية في بذل رؤوس الأموال للاستثمار أي فارق سوى بعض الحيل الشرعية أو سوى بعض التلبيسات والصور.
    فالمصرف التقليدي يمد الأموال عيناً للعميل ليتصرف فيها بعد دراسة الموضوع وبعد إجراء ما يجري لإيجاد كل الضمانات في حين أن المصرف الإسلامي هو أيضاً يمد الأموال للعميل ولكن على وجه الوكالة والعميل لم يأت للمصرف ليكون له وكيلاً هو أتى للمصرف ليأخذ قسطاً من المال لينتفع به فلنقل أخذ مالاً على وجه القراض ، وإذا كانت هنالك بعض الشروط فلنبحث في شروط القراض ونرى معقوليتها ولنجعل التعامل بين المؤسسة المالية وبين العميل على هذا المنهج الذي هو منهج إسلامي ليس فيه تعقيد وليس تركيباً، وشكراً.

    الدكتور منذر قحف:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أشكر السيد الرئيس لإتاحة هذه الفرصة لي للحديث، هناك عدد من النقاط الصغيرة أريد أن أذكرها لعلها تساعد على فهم الموضوع.
    أولاً: موضوع صكوك الإجارة : صكوك الإجارة في الحقيقة لا ترتبط أبداً بمسألة أن شراء عين من شخص وإعادة تأجيرها له تأجيراً منتهياً بالتمليك، هذا أمر آخر لا علاقة له بصكوك الإجارة.
    صكوك الإجارة في تقديري لها أهمية بالغة في تمويل المشروعات الحكومية في تمويل الطرق، والمطارات، والمنافع العامة، والخدمات العامة، كل هذا يمكن أن يستعمل فيه وخاصة في هذا الوقت بعد صدور قرار المحكمة العليا في باكستان بضرورة الالتزام بالأحكام الشرعية في هذا، تقدم نوعاً من الأداة التمويلية التي تتميز بمسائل مهمة جداً –أرجو أن تلاحظ- ويمكن أن تلخص بقضيتين: خضوع هذه الصكوك لعوامل السوق في تسعيرها وفي تداولها، وقضية مرونة هذه الصكوك بحيث يمكن إصدارها من شخصيات متعددة معنوية أو طبيعية، والأصل أنها معنوية، وأيضاً بأشكال متعددة جداً وبشروط خاصة متعددة.
    فأرجو أن تلحظ أهمية هذه الصكوك في النقاش والحوار.
    __________
    (2/22642)
    --------------
    ثانياً: أهمية موضوع الضريبة: هناك بعض الدول الإسلامية ليس فيها ضرائب، وهذه قلة في الحقيقة بين البلدان الإسلامية، البلدان الإسلامية معظمها فيها ضرائب وبعضها فيها ضرائب باهظة أيضاً على الأعمال،
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق Empty رد: الايجار المنتهى بالتمليك اعداد الشيخ محمد المختار السلامى مفتى تونس السابق

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أبريل 26, 2012 3:52 pm

    فمسألة الضريبة لا تهمل عند النظر في الاختيارات المناسبة للتمويل الإسلامي، إذا كان اختيار ما يساعد المتعاملين على تجنب الضريبة في مقابل أن اختياراً آخراً لا يساعدهم على ذلك فلا شك ينبغي أن ننظر لذلك الذي يعين طالما أن كليهما مشروعان من الناحية الإسلامية.
    ثالثاً: الميزة الأساسية في الإجارة هي احتفاظ الممول بملكية العين المؤجرة ، هذا الاحتفاظ أمر أساسي في مسألة التمويل بالإجارة ولا يغني عن هذا القول بالبيع والرهن ، لأن الرهن في جميع البلدان له إجراءات، أو بيع الرهن وتصفية الشيء المرهون له إجراءات قانونية كثيرة ومعقدة، بينما أن يتصرف المؤجر بما يملكه أمر أهون بكثير، وأيضاً لا يغني عنها الاحتفاظ بالملكية الرسمية بأن لا تنقل الملكية رسمياً إلى المشتري في بيع التقسيط لأن هذه الشكلية مخالفة للقانون، إن كان بيعاً فينبغي أن يسجل إذا اشترط القانون تسجيله، فأن نقول لا يسجل يعني يستطيع أن يفعل ذلك أي شخص ذو علاقة بالموضوع فيطلب تسجيله من محكمة القضايا السريعة، فلا يغني عنه ذلك، إذن الاحتفاظ بالملكية مسألة مهمة، وتأتي هنا قضية أشار إليها عدد من الإخوان وذكرتها بالتفصيل في بحثي وهي قضية عدم توازن الالتزامات بين المؤجر والمستأجر في الإجارة المنتهية بالتمليك إذا كانت تنتهي بالبيع بسعر رمزي أو بالهبة في آخر عقد الإجارة ، لأنه في هذه الحالة عقد الإجارة هو عقد تمويلي مقصود منه التمويل والقسط في حقيقته وفي واقعه يتألف من جزأين: جزء مقابل الإجارة، والجزء الآخر مقابل التملك، فينبغي أن تتوازن حقوق والتزامات الطرفين بما يعبر عن هذه الحقيقة، ولا يصح أن تهمل هذه الحقيقة من أجل شكليات وهي أنه يمكن أن نحدد الإجارة بتراضي الطرفين كيف ما شئنا ولكنها في حقيقتها هي إجارة وثمن، فينبغي أن يلاحظ هذا وأن يعبر عنه في العلاقة القانونية نفسها.
    رابعاً: إن إثارة قضايا لا علاقة لها بأصل ما نناقشه أظن أنها على أهميتها ينبغي ألا تكون هي العقدة، فالتأمين مثلاً، هنالك تأمين تجاري وهناك تأمين تعاوني، وقد أقرت المجامع العلمية التأمين التعاوني على أساس التبرع وبررته، وفي التأمين التعاوني يمكن أن يكون دافع القسط هو المستأجر، ويمكن أن يكون المنتفع –طالما أنه تبرع هو يتبرع بالدفع- من التأمين المؤجر، طالما أن ذلك ممكن وجائز شرعاً، فلا ندخل مسائل جانبية في هذه المسألة، وبالتالي نخرج عن القضية الأساسية.
    خامساً: أمر الدفعة الأولى: الدفعة الأولى هي جزء من الأجرة، ولا يشترط في الأجرة أن تكون كلها منجمة على أشهر أو سنوات أو غير ذلك، فهي إما أنها جزء من الأجرة أو أنهما يشتركان في الشراء في الأول، فيكون عقد الإجارة منصباً على الجزء الذي لا يملكه المستأجر، فأمرها هين في الحقيقة.
    سادساً: مسألة البيع مع استثناء المنافع: هذه مسألة مهمة ما لاحظت أن كثيراً من الإخوان قد علقوا عليها، قال بذلك الفقهاء في عدد من المذاهب، وقد أشرت إلى ذلك في ورقتي، فيمكن أن تكون الإجارة المنتهية بالتمليك بدلاً من ذلك أن تكون إجارة مبتدئة بالتمليك، فتملك العين ثم تؤجر للمستأجر، فتكون الدفعة الأولى هي ثمن العين والدفعات التالية هي أجرة المنافع المستثناة لمدة الإجارة ، فتملك ثم تؤجر مع هذا استثناء المنافع.
    أنا أعتقد أنه ليس في هذا النوع من المعاملة ضير أو مشكلة، ليس فيها غرر، وليس فيها جهالة، وقيمة العين بعد عشر سنوات –مثلاً- معلومة لدى المتعاقدين الآن بشكل واضح إذا أدركنا خاصية مهمة لهذا العقد وهي أنه عقد تمويلي وليس عقد إجارة بسيط، والحمد لله رب العالمين.
    __________
    (2/22643)
    --------------
    الشيخ عبد الله بن منيع:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    شكراً لسماحة الرئيس لإتاحة هذه الفرصة، وأكرر ما ذكره الإخوة من تهنئة سماحته بتجديد رئاسته، والواقع أنني أرى أن قول الله سبحانه وتعالى: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ينطبق على سماحته، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقه وأن يهديه إلى ما فيه الخير والصلاح وإلى ما فيه صلاح هذا المجمع.
    الواقع –حفظكم الله- فيما يتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك لا شك أنه حصل فيه من الإشكال الشيء الكثير ولعل مرد ذلك إلى هذه التسمية.
    فأولاً: القول بالإيجار المنتهي بالتمليك هذا في الواقع خطأ، فالإيجار لا ينتهي بالتمليك وإنما ينتهي بانتهاء مدته، والتعبير الصحيح أو التسمية الصحيحة لهذا النوع من التعاقد هو: الإيجار مع الوعد بالتمليك، ولعل من أسباب الإشكال في ذلك أولا هذه التسمية: الإيجار المنتهي بالتمليك، فليس هناك إيجار منتهٍ بالتمليك.
    الأمر الثاني: ما صاحب هذا العقد من شروط ليست من خصائص الإجارة ، فالقول باشتراط دفعة مقدمة ودفعة مؤخرة، وكذلك تأمين من قبل المستأجر وضمان مطلق من قبل المستأجر، هذا في الواقع ليس من خصائص الإجارة، خصائص الإجارة ما يتعلق بالدفعة المقدمة، إن قيل دفعة مقدمة ضماناً للأجور المستقبلة فهذا ممكن أن يقبل، أما أن تكون دفعة مقدمة يستحقها المؤجر فبأي حق يستأجرها؟ أنا مستأجر ليس لك في ذمتي أيها المؤجر شيئاً أدفع لك دفعة مقدمة أو دفعة مؤخرة.
    ما يتعلق بالتأمين فعلى افتراض صحته ففي الواقع على كل حال ليس من مستلزمات المستأجر، العين خاصة للمؤجر، فإن هو الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه العين.
    ما يتعلق بالضمان فكذلك الضمان مطلق، هذا ليس من خصائص الإجارة، فالعين المؤجرة هي أمانة في يد المستأجر لا يتحمل ضماناً في حال تلفها أو تلف بعضها إلا إذا كان ذلك مبنياً على تعد أو تقصير أو إهمال في الحفاظ على هذه العين.
    ما قيل في رد هذا النوع والقول بأنه لا يجوز لأنه محل يتوارد عليه عقدان: عقد إجارة وعقد تمليك، هذا في الواقع غير صحيح ، فالعقد لا يتوارد، أو كان بقيمة رمزية أو كان بقيمة ما يساويه في السوق ، والوعد معروف أنه ليس عقداً وإنما يقتضي أحد أمرين: إما الوفاء به أو تحمل الضرر الناتج عن النكول في الوفاء بهذا العقد، وهذا على القول بأن العقد ملزم.
    ما قيل بأن هذا ليس من قبيل الإجارة، لأن الأجرة مرتفعة، صحيح أنها مرتفعة وليست أجرة المثل لكن في الواقع كذلك ينبغي أن نعرف بأن هذه الأجرة المرتفعة هي في مقابلة الأجرة زائد قيمة الوعد، وقد يستشكل بعض الإخوة أن يكون للوعد قيمة، والواقع أنه يجب أن يكون له قيمة لأنه التزام، الآن العربون أليس له قيمة؟ حبس السلعة عن عرضها لصالح مشتيريها ما ثمنه؟ ثمنه هذا العربون الذي قدم، فإذن الأمور المعنوية المبنية على الالتزام لا شك أن لها قيم.
    __________
    (2/22644)
    --------------
    من آكد ما يدل على أن الإيجار مع الوعد بالتمليك إجارة جائزة أولا رجوع العين إلى مؤجرها في حال تلفها أو في أي حال من الأحوال الموجبة لانفساخ الإجارة، هل هذا من خصائص البيع؟ لو كان بيعاً لكانت العين مملوكة لما يسمى مستأجر وهو مشتر، وليس كذلك، بل العين ترجع بكاملها إلى مالكها.
    كذلك فيما يتعلق لو حصل على العين أي تلف أثناء مدة الإجارة ، ما هي الطريقة؟ معنى ذلك أنه لو كان بيعاً لكانت هذه العين مملوكة للمستأجر نفسه أو للمشتري، وفي نفس الأمر هو يتولى بيعها إذا كان فيها ما يمكن أن تباع ولكنها ترجع إلى مستأجرها، وفي نفس الأمر إذا كان سبب الفسخ جاء عن غير طريق المستأجر فينبغي للمؤجر أن يرد ما زاد عن قيمة المثل لفوات الوعد، لأنها قيمة أخذت للوعد، والوعد فات وقته، فإذن ما أخذ قيمة له والحال أن وقته فائت، هذا غير صحيح ، هذه الشروط التي تشترط في عقد التأجير مع الوعد بالتمليك، الدفعة الأولى والدفعة الثانية والتأمين والصيانة العامة ونحو ذلك إلى آخره، نستطيع أن نقول بأنها شروط باطلة والعقد صحيح، ونستأنس بحديث بريرة : ((اشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط وصحح العقد، فلماذا لا نقول بهذا؟ في الواقع على كل حال هذه الشروط ليست من خصائص الإجارة وليست من مقتضي الإجارة وليست من مصلحة الإجارة، فإذا كان كذلك وهي خارجة عن ذلك فهي شروط باطلة والعقد صحيح.
    القول بأن الإيجار مبني على أجرة هي أجرة المثل وعلى جزء من الثمن هو الثمن الزائد عن أجرة المثل، هذا قول في الواقع غير صحيح لأن القضية الآن لم يكن هناك بيع وإنما هو وعد، وهذا الوعد في الواقع لا يلزم بالوفاء به وإنما يلزم بأحد أمرين: إما الوفاء به، أو تحمل الضرر الناتج عن النكول عن الوفاء به.
    فإذن ليست هذه الزيادة هي جزء من الثمن وإنما هي ثمن الوعد.
    أحببت التنبيه لذلك، حفظكم الله، وشكر الله لكم.

    الشيخ أحمد محيي الدين:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، أود الحديث عن قضية تكييف عقد الإجارة المنتهية بالتمليك بحسب ما يجري عليه العمل في تطبيقات بعض البنوك الإسلامية وليس احتكاماً للصور التسع النظرية الموجودة في كثير من البحوث وقيلت كثيراً أثناء المداولات.
    وتعليقي هذا يعم إذا ما كان الوعد ملزماً أو غير ملزم، مقارناً للعقد أو منفصلاً عنه، سواء تم الوعد بهبة أو بيع بثمن حقيقي أو رمزي، فالحقيقة الواضحة حتى الآن أنه لا يمكن القول وباطمئنان تام أن نصف العقد بأنه بيع، خاصة وأن ملكية المبيع لا تنتقل للمشتري، وفي نفس الوقت لا يمكن القول بأنه إجارة مطلقاً، لعدم وجود أجرة المثل وهي أهم عنصر وعوض، ولكن في نفس الوقت وكنت أتمنى أن توزع بعض العقود المطبقة فعلياً في بعض البنوك على السادة الحضور حتى يكون الحكم صادراً عن شيء عملي وليس عن تصور وبالتالي ما يتبع ذلك من تعميم كثير.
    هذه العقود وما حوت من بنود ليس فيها ربا صريح أو شبهة ربا، وليس فيها غرر مؤثر في صحة العقد ، وليس فيها جهالة مفضية إلى التنازع ، ولا تصادم نصاً صريحاً، ولا دلالة سواء كانت قطيعة أو ظنية، قد تكون هناك بعض الشروط غير الصحيحة والاتفاق على أن مثل هذه الشروط إما أن تهمل أو تصحح، فإذا كان الأمر كذلك وأن هذا العقد مفيد للبنوك الإسلامية لأن فيه درجة كبيرة من الضمان ويحل محل المرابحة ويساعد في ابتكار وإصدار وتداول أدوات مالية وهو ما ينقص الصناعة المصرفية الإسلامية فيمكن أن نركن إلى أن الأصل في العقود الإباحة ، وأن هذا العقد من العقود غير المسماة أو العقود ذات الخصائص المشتركة وبالتالي هذا العقد ليس فيه مخالفة شرعية، والقول بضرورة تكييفه على أنه عقد إجارة أو عقد بيع وبالتالي ننقض العقد وتضيع المصلحة، فأنا أميل إلى أن هذا العقد –كما قال الشيخ التسخيري والشيخ عبد الله بن منيع، والدكتور منذر قحف- عقد صحيح ويمكن العمل به، ويمكن أن نبحث له عن تسمية باعتباره من زمرة العقود المستحدثة أو العقود غير المسماة .
    __________
    (2/22645)
    --------------
    الشيء الآخر هو صكوك الإجارة ، يعني جرى تعميم كثير وكلام غير دقيق عن تعريف صكوك الإجارة، ما هي؟ ثم بعد ذلك تم تناول حكمها.
    فصكوك الإجارة تنقسم إلى قسمين:
    القسم الأول: صكوك الأعيان المؤجرة . مثال ذلك: شخص يمتلك عيناً وهذه العين مؤجرة وله الحق في أن يبيع هذه العين مجزأة إلى شهادات وصكوك، وكل من يشتري هذه الشهادة أو هذا الصك له حق في الأجرة المتفق عليها، ولا أعتقد أن هناك أي مشكلة في هذا الأمر، لا في الإصدار ولا في التداول.
    لكن القضية تأتي في شهادات المنافع وهي القسم الثاني. وشهادات المنافع وهي شهادات إجارة هي عبارة عن أجرة لاحقة، كثير من الفتاوى صدرت بأنه يجوز للمستأجر أن يعيد تأجير العين المؤجرة –أي يبيع المنفعة- إلى غيره بأجرة أعلى، وبالتالي يمكن أن يشهد غيره في هذه الإجارة الثانية، والحديث هنا لا يتناول أصل القضية وإنما إذا كانت هناك موانع شرعية تأتي على التداول والبعض يقول إنها دين مع أن البعض يؤكد بأن المنفعة تملك في المستقبل يوماً بعد يوم والأجرة تستحق في المستقبل يوماً بعد يوم، فبالتالي حتى الحديث عن الديون هنا حديث دقيق، أو حديث قابل للنقاش، هذا ما أردت أن أبينه، وشكراً.
    الشيخ عبد الله الزبير:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، وأصلي وأسلم على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
    فأنا لا أريد أن أدخل في الحكم الشرعي بالنسبة لهذا العقد ولكن أريد أن أؤكد أنه من العقود والأدوات التي أفادت المصارف الإسلامية إفادة كبيرة وحققت مصالح للطرفين، ولكن أريد أن أوضح طبيعة هذا العقد، وحقيقته في السوق ، لا يمكن أن نتصور أن هذا العقد هو عقد إجارة لأن المستأجر أو الداخل في هذا العقد راغب في الحصول على ملكية رقبة هذه العين، فالعبرة بالمعاني والمقاصد، مقصد الشخص الداخل في هذا العقد هو امتلاك رقبة هذا العقد ولم يدخل لأجل المنفعة أو تحقيق المنفعة فقط، والأدل على ذلك أن هناك في السوق مؤسسات موجودة الآن تؤجر إجارة بحتة وتؤجر أيضاً ما يسمى بالإجارة المنتهية بالتمليك . يدخل الفرد لمؤسسة لاستئجار سيارة للحصول على منافعها، فهناك أجرة محددة معلومة ، نفس هذه المؤسسة تقدم إجارة منتهية بالتمليك لهذا الشخص بأجرة أو بقسط فيه إضافة كبيرة جداً، فليس من المعقول إطلاقاً أن هذا الشخص إلا أن يكون مغفلاً أن يدخل ليستأجر إجارة منتهية بالتمليك ويدفع هذه الأقساط وقصده الحقيقي مجرد الإجارة. فإذن هذا العقد في طبيعته –والله أعلم- أنه عقد بيع في الأصل والداخل فيه هو لأجل امتلاك رقبة هذه العين. لا أريد أن أدخل في الحكم الشرعي وإنما أريد أن أبين وأوضح طبيعة هذا العقد، فطبيعته –والله أعلم- أنه ليس إجارة وإنما المصدر الحقيقي هو الامتلاك،والقصد البيع في ذلك. الحكم الشرعي متروك للسادة العلماء لحددوه. والله أعلم.
    __________
    (2/22646)
    --------------
    الرئيس:
    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما صكوك التأجير فإنه لم يتوفر من المداولات والمناقشات ما يجعل حصيلة لتكوين رأي فيها. والأمر كما ذكره عدد من الذين تكلموا من أنه بحاجة إلى مزيد من البحث، وربما يعقد له ندوة.
    أما الإيجار المنتهي بالتمليك فما جاء على لسان بعض المناقشين من أن المجمع قد بت فيه هذا غير صحيح وإنما قرارات المجمع التي صدرت في جزئية متعلقة بالموضوع، أما الموضوع الأم فإنهم اقترحوا البدائل ولم يبتوا في الحكم ولو بت في الحكم لما احتيج إلى عرضه مرة أخرى.
    وغير خافٍ أن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أصدرت قرارها بالمنع على صورته الشائعة المتداولة.
    وقد ترون مناسباً أنه بالإضافة إلى العارض والمقرر تكون اللجنة من: الشيخ حسن الشاذلي، الشيخ محمد تقي العثماني، الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ سعود الثبيتي، الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    __________
    (2/22647)
    --------------
    القرار
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قرار رقم: 110 (4/12)
    بشأن موضوع
    الإيجار المنتهي بالتمليك ، وصكوك التأجير
    إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية ، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ إلى غرة رجب 1421 هـ (23-28 سبتمبر 2000م).
    بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (الإيجار المنتهي بالتمليك، وصكوك التأجير). وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.
    قرر ما يلي:
    -الإيجار المنتهي بالتمليك:
    أولا: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:
    أ-ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.
    ب-ضابط الجواز:
    1-وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زماناً بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة ، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة ، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
    2-أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.
    3-أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعد المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.
    4-إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.
    5-يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.
    6-تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة .
    __________
    (2/22648)
    --------------
    ثانياً- من صور العقد الممنوعة:
    أ- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً.
    ب-إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.
    جـ -عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلاً إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار ).
    وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .
    ثالثاً- من صور العقد الجائزة :
    أ-عقد إجارة يمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقاً على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، (وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم 13/1/3 في دورته الثالثة).
    ب-عقد

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 4:30 am