مبدأ الثبوت بالكتابة
تعد شهادة الشهود أحد طرق الإثبات الهامة والتي تستخدم في إثبات الأعمال المادية والتصرفات القانونية التي لا تزيد قيمتها عن نصاب معين.
وقد نظم أحكامها الموضوعية في قانون الإثبات في المواد من 60 : 98
والحالات التي تقبل فيها شهادة الشهود كدليل بحسب الأصل، هي:
- الوقائع المادية.
- التصرفات التجارية.
- التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه.
والحالات التي لا تقبل فيها شهادة الشهود إلا على سبيل الاستثناء، وهي:
- وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
- وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي.
- فقد السند الكتابي لسبب أجنبي لا يد للدائن فيه.
ومعني جواز الإثبات بشهادة الشهود "استثناءاً" أننا بصدد حالات الأصل فيها أن يكون إثباتها بالكتابة، سواء لأن قيمتها أزيد من النصاب القانوني للإثبات، أو لكون المراد إثباته يُخالف الثابت بالكتابة أو يجاوزها, ولكن من قبيل الاستثناء أجيز إثبات تلك الحالات بشهادة الشهود. ولقد وردت هذه الحالات الاستثنائية في المادتين 62 , 63 من قانون الإثبات، وأولها: وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
فقد عرف قانون الإثبات مبدأ الثبوت بالكتابة في مادته 62 على أنه: "
1- يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت الكتابة.
3- وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة".
على هذا يتضح لنا أن تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة هو عبارة عن "كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده، ليست سندا كاملا بما يراد إثباته، وإنما تجعله قريب الاحتمال". فهو في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون "دليل كتابي" ولكنه دليل كتابي "ناقص" لا يتوافر فيه شروط الدليل الكتابي "الكامل" على النحو الذي يتطلبه القانون.
ومفاد ذلك النص، أنه إذا توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز في هذه الحالة إثبات التصرف القانوني بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً، أي أن الإثبات بتلك الوسائل يساند ويعاضد الدليل الكتابي الناقص فيكمله، بحيث يرقى به إلى مرتبة الدليل الكامل في إثبات ما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة، سواء كان تصرف قانوني تزيد قيمته على نصاب معين، أو إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها، أو في إثبات تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن تكون وسيلة إثباته هي الكتابة من قبيل عقد الصلح وعقد الكفالة.
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "نص المادة 62 من قانون الإثبات يدل – وعلى ما جرى به قضاء النقض – على أن المُشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة، ما للكتابة من قوة في الإثبات، حين أكمله الخصوم بشهادة الشهود أو القرائن، واشترط لتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة أن تكون هناك ورقة مكتوبة، صادرة من الخصم المُراد إقامة الدليل عليه أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، وأن يكون من شأنها أن تجعل الالتزام المدعى به أو الواقعة المُراد إثباتها قريبة الاحتمال. وأن تقرير ما إذا كانت الورقة المُراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من جهة كونها تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال من عدمه، يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بشرط أن يكون ما استخلصه وبنى عليه قضاءه سائغاً". (نقض مدني في الطعن رقم 493 لسنة 49 قضائية – جلسة 28/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – جـ 1 – صـ 581).
وشروط مبدأ الثبوت بالكتابة، وهي:
أ- وجود كتابة.
ب- صدور الكتابة من الخصم الذي يحتج عليه بها أو ممن يمثله قانوناً.
ج- أن يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعي به قريب الاحتمال.
الشرط الأول- وجود الكتابة:
هذا الشرط عام الدلالة, فلفظ الكتابة هنا يفسر بأوسع معانية, فهو يشتمل على كل كتابة دون اشتراط أي شكل فيها ودون اشتراط وجود توقيع عليها, فقد تكون الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للاسم أو توقيعاً أو غير ذلك.
ولكن لأنه لابد من وجود كتابة, لذلك لا تكفي القرائن لتكون مبدأ الثبوت بالكتابة.
إلا أنه لا يلزم أن تكون ثمة ورقة واحدة, فقد يتكون مبدأ الثبوت الكتابي من مجموعة أوراق متميزة ومُستقلة.
ويلاحظ أنه يجب ألا تكون الكتابة معتبرة دليلاً كاملاً لأنها في هذه الحالة لا تكون بداية للثبوت, بل يعتبر الثبوت بها تاماً, فمبدأ الثبوت إذن هو دليل كتابي "ناقص".
على أنه قد يكون ثمة دليل كتابي كامل ويعتبر مبدأ ثبوت كتابي بالنسبة لواقعة أخري غير التي يعتبر دليلاً كاملاً عليها.
ومن البديهي استلزام وجود الورقة بالفعل وأن يقوم صاحب المصلحة بتقديمها إلى المحكمة، فلا يصح إثبات مضمون هذه الورقة بشهادة الشهود أو القرائن وإلا لكان الإثبات كله يتم بهذه الأدلة. على أنه إذا اعترف الخصم في ورقة مكتوبة أنه سبق وقام بتحرير ورقة تتضمن تصرفاً معيناً بحيث تجعل هذه الكتابة الحق المدعى به والمراد إثباته قريب الاحتمال، فإن هذا الاعتراف المكتوب يقوم مقام وجود الورقة المشار إليها فيه ويتيح الإثبات بالشهود والقرائن، ومثال ذلك كما إذا أرسل شخص خطابا يقر فيه بتحرير "ورقة ضد" وضياعها.
وإذن فمبدأ الثبوت هو ورقة مكتوبة تعتبر بالنسبة للواقعة المراد إثباتها دليلاً كتابياً ناقصاً, أو بداية للثبوت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "متى كان الحكم الابتدائي قد قضى بإلزام الطاعن بمبلغ مقابل ثمن أطيان كلف ببيعها من مورث المطعون عليهم، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأنه أوفى ثمن هذه الأطيان للمورث المذكور مستنداً إلى محضري صلح موقعاً عليهما من المورث باعتبارهما ورقتين صادرتين من خصمه في تاريخ لاحق لتاريخ بيع الأطيان، لم ينص فيهما على مديونيته للمورث بأي التزام لا بصفته الشخصية ولا بصفته وكيلاً عنه، وأنهما يصلحان لأن يكونا مبدأ ثبوت بالكتابة ويجعلان دفاعه بعدم مديونيته بثمن الأطيان قريب الاحتمال وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الطلب يكون قد عاره قصور مبطل له بما يستوجب نقضه". (نقض مدني في الطعن رقم 314 لسنة 20 قضائية – جلسة 9/4/1953).
الشرط الثاني- صدور الكتابة من الخصم:
يجب أن تكون الكتابة صادرة من الخصم، أي من الشخص الذي يراد التمسك عليه بها.
وصدور الكتابة من الخصم له معني خاص: وهو أن تكون الكتابة منسوبة إليه. وفي ذلك ورد قضاء محكمة النقض بأن: "مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابه تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال". (نقض مدني في الطعن رقم 2515 لسنة 52 قضائية، جلسة 27/5/1986).
هذا ولا يشترط أن تكون الكتابة صادرة من الخصم شخصياً، فإن أصدرها نائبه – أي وكيله أو الوصي عليه مثلاً – كان ذلك كافياً.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لقانون المدني في هذا الصدد ما يأتي "والشرط الثاني هو صدور المحرر من الخصم الذي يُحتج عليه به، لا من أحد الأغيار. بيد أن المحرر يُعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادراً من غيره، متى كان هذا الغير مُستخلفاً تسري التزاماته على ما يخلفونه خلافة عامة (كالوراثة) وفقاً للقواعد العامة، أو نائباً قانونياً أو اتفاقياً يعمل في حدود نيابته لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل وبالعكس". (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 3 – صـ 407).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: "يجب، لكي يُعتبر المُحرر - الصادر ممن ينوب عن الخصم المطلوب الإثبات عليه، كوكيل أو ولي أو وصي - مبدأ ثبوت بالكتابة، أن يكون قد صدر منه في حدود نيابته، فإذا كان الحكم قد اقتصر في اعتباره الإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة مع كونه صادراً من جد القُصر والوكيل عن الوصية، دون أن يُبين ما إذا كان هذا الإقرار قد صدر في حدود وكالة الجد عن الوصية من ناحية، وفي حدود سلطتها كوصية على القُصر من ناحية أخرى، فإنه يكون قاصر البيان قصوراً يستوجب نقضه". (نقض مدني جلسة 1/12/1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 17 صـ 62).
وقد قضت محكمة النقض بأن: "الفاتورة الصادرة من أحد المحلات التي تعامل الشركة والتي وقعها أحد الشريكين تعتبر بلا شك مبدأ ثبوت بالكتابة في إثبات الشركة ما دام من شأنها أن تجعل ثبوت قيامها في حقه قريب الاحتمال. فإذا أكملت هذه الفاتورة بشهادة الشهود والقرائن فإن شركة التضامن يثبت قيامها بين الشريكين". (نقض مدني في الطعن رقم 74 لسنة 13 قضائية، جلسة 27/4/1994).
وفي ذات السياق فإن أقوال المحامي أثناء المرافعة والثابتة بمحضر الجلسة أو في مذكراته المكتوبة يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة أن لم تكن واضحة الدلالة على التصرف المدعى به، إلى حد اعتبارها إقراراً أي دليلا كاملاً.
كذلك فإن الكتابة الصادرة من السلف تقيد الخلف، فالورقة الصادرة من المورث تقيد الوارث.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نتصور صوراً أربعة للورقة التي تعد مبدءاً للثبوت بالكتابة:
الأولي: أن تكون الورقة مكتوبة بخطه بلا توقيع.
الثانية: أن تكون الورقة موقعاً عليها منه فحسب.
الثالثة: أن تكون الورقة بخطه وتوقيعه.
الرابعة: ألا تكون بخطه ولا تكون بتوقيعه.
الصورة الأولي- أن تكون الورقة مكتوبة بخط الخصم بلا توقيع:
ومثالها أن يكتب الشخص بخطه مسودة عقد أو مشروع عقد أو بياناً بحساب دون أن يوقع عليه, وحين تكون الورقة المتضمنة لذلك في حوزة خصمه فيقدمها في الدعوى ضده تكون قرينة على صدق ادعائه بحصول ذلك العقد.
الصورة الثانية- أن تكون الورقة موقعاً عليها من الخصم فحسب:
وهي صورة تفيد قيام الشخص بالتوقيع المنفرد بما ينشئ مبدأ ثبوت الكتابة لأنه إذا وقع شخص على ورقة وكانت مكتوبة بغير خطه فإن توقيعه يجعلها مع ذلك حجة كاملة عليه ولا تعتبر فقط مبدأ ثبوت كتابي, وإذا وقع شخص على ورقة لا تحمل كتابة فمن العسير أن نتصور أن لهذا التوقيع دلالة.
ومع ذلك فمن الممكن أن تعرض حالات تكون الورقة فيها موقعاً عليها من لشخص دون وجود أية كتابة وتكون لها دلالة تجعل منها في مجال الإثبات مبدأ ثبوت الكتابة. ومن أمثلة ذلك: أن يدعي شخصاً أنه كان وكيلاً عن آخر في أمر ويقدم للدلالة على ذلك ورقة موقعاً عليها من ذلك الآخر على بياض, فيدعي من وقع عليها أنه إنما كان يجرب قلماً أو حاول تحسين خطه فوقعت هذه الورقة في يد خصمه, أو أنه وقع على الورقة وسلمها له ليصنع له ختماً (كليشيه) بهذا التوقيع. فهنا يكون كل من التفسيرين محتمل التصديق, فتحال الدعوى إلى التحقيق ليستكمل المدعي بالبينة هذا الدليل الكتابي الناقص, أو ليبين المدعي عليه – بالبينة أيضاً – صدق ما يدعيه في خصوص توقيعه هذا.
ومن المتصور من ناحية أخري – أن تكون الورقة مكتوبة بخط شخص آخر وموقعاً عليها منه, ومع ذلك لا تعتبر دليلاً كتابياً بل يعتبر توقيعه عليها بداية للثبوت, كما لو كان التوقيع غير كامل, أو كما لو كان باسمه دون لقبه أو بمجرد الحروف الأولي, وكذا الحال لو وقع "زيد" سندا لمديونية "عمر" إلي جانب توقيع المدين دون أن يذكر بجوار توقيعه ما إذا كان يوقع بصفته شاهداً أو كفيلاً للمدين.
الصورة الثالثة- أن تكون الورقة بخط الخصم وتوقيعه:
وهي حالة الورقة التي تكون بخط الشخص وتوقيعه ومع ذلك لا تعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة, فمثالها أن يرسل شخص لآخر خطاباً بخطه وتوقيعه يطلب منه مهلة للوفاء دون أن يبين ماهية الدين أو مقداره فيكون هذا الخطاب مبدأ ثبوت كتابي على وجود الدين.
أو أن يكون السند خاصاً بشخص فيكتبه آخر بخطه ثم يوقع عليه إلى جانب توقيع الشخص الذي يخصه السند دون أن يبين غرضه من التوقيع.
وكما لو وجدت ورقة مكتوبة بخط شخص وتوقيعه ولكنها متآكلة أو ممزقة وقد جمعت بعضها وألصقت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا قدمت في الدعوى قصاصات ورق مجموعة بعضها إلى بعض بطريق اللصق على أنها تضمنت شروط استرداد العين المبيعة فأسدلت المحكمة منها ومن ترتيب العبارات الواردة بها وخصوصاً ما يتعلق بالعين ومقدارها وحق استردادها، مع اتحاد الخط والحبر والورقة ووجود توقيع بصمة ختم المشتري على إحداها، استدلت من ذلك على أن هذه البقايا هي أجزاء لأصل واحد، فاعتبرتها – لا ورقة ضد كاملة – بل مبدأ ثبوت بالكتابة أكملته بما استخلصته من شهادة الشهود والقرائن التي أوردتها، وبناء على ذلك قضت بأن العقد وإن كتب في صورة بيع بات هو في حقيقته يخفي رهناً، فذلك ليس فيه خطأ في تطبيق القانون". (نقض مدني في الطعن رقم 197 لسنة 19 قضائية – جلسة 22/11/1951).
ويقاس على ذلك حالة الورقة التي يكون مظهرها مثيراً للشبهة كما لو قدم شخص ورقة يدل شكلها على أنه قد انسكب عليها ماء مثلاً, أو ادعى أنه نسيها في جيب ثوبه فغسلت معه. فإن الخصم لو عارض – وأدعى مثلاً أنه ألقي بها في مجري ماء بعد أن استنفذت أغراضها فألتقطها غريمة ورفع بها دعوى – فإنه ينبغي اعتبارها حينئذ مجرد بداية للثبوت ويتم استكمالها بالبينة.
الصورة الرابعة- ألا تكون الورقة بخط الخصم ولا تكون بتوقيعه:
وهي حالة ألا تكون الورقة محررة بخط الشخص ولا ممهورة بتوقيعه. وتعتبر هذه الورقة (رغم ذلك) في بعض الأحيان مبدأ ثبوت كتابي, وذلك متصور في الأقوال الواردة على لسان الشخص في محاضر التحقيق المدنية أو الجنائية أو محاضر الجلسات سواء كان متهماً أو أحد الخصوم. ومن هذا نري أن "صدور الورقة من الخصم" له معني خاص هو: كون ما ذكر منسوباً إليه, سواء أكانت أو لم تكن بخطه أو بتوقيعه.
لذلك أيضاً تعتبر الورقة صادرة من الخصم – حتى لو لم تكن بخطه ولا توقيعه، ما دامت عرفية ومنسوباً إليه فيها قول – وذلك في حالة ما إذا كانت مقدمة منه في دعوى أو حتى لو كانت مقدمه من خصمه ولكنه استند إليها واتخذها دليلاً لنفسه, لأن ذلك يعتبر قبولاً منه لها فيحتج بها عليه.
ولو وقع شخص كشاهد على ورقة تضمنت أموراً تضر بمصلحته جاز اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي ضده في صدد هذه الأمور عند رفع الدعوى بشأنها عليه.
ومن أمثلة ذلك أن تحضر أثناء حصر تركة شخص متوفى فلا تذكر إنك تداينه بدين وتوقع كشاهد على محضر حصر التركة المتضمن بيان الديون التي على المدين المتوفى والذي لم يُذكر فيه دينك, ثم ترفع بعد ذلك دعوى على الورثة بأنك تداين مورثهم فيدفعون دعواك بأن الدين قد سدد وإلا لما سكت عن إثباته في محضر حصر التركة فيعتبر سكوتك وعدم إثبات دينك في محضر حصر التركة وتوقيعك عليه مبدأ ثبوت كتابي في خصوص واقعة سداد الدين. وهنا يكون مبدأ الثبوت بالكتابة سلبياً.
ومن البديهي أن الورقة لا تعتبر صادرة من الخصم، ولا تعتبر بالتالي مبدأ ثبوت بالكتابة، إلا إذا كان هذا الخصم يسلم بها، فإذا جحدها أو طعن عليها، فإنه لا يعتد بها إلا بعد أن تثبت صحتها ونسبتها إلى الخصم بالطرق المقررة لذلك.
ويترتب على ذلك أيضاً أن الطرف الذي يتمسك بالورقة الصادرة من خصمه، في حالة إنكار الخصم لتلك الورقة، وكان الطرف المتمسك بها قد فقد تلك الورقة بسبب أجنبي لا يد له فيه؛ يترتب على ذلك أن هذا الطرف لا يستطيع أن يقيم الدليل على سبق وجود تلك الورقة لديه وفقدها منه، بالبينة، مستنداً في ذلك إلى ما تقضي به المادة 63/ب من قانون الإثبات، لأن هذه المادة تقتصر على الحالة التي يكون المفقود فيها سنداً كتابياً كاملاً. أما إذا اعترف بها الخصم المتمسك بها ضده، قام اعترافه مقام وجودها وتقديمها في الدعوى.
الشرط الثالث- احتمال تصديق الادعاء (جعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال):
يشترط أخيراً أن يكون من شأن الكتابة جعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال، وليس فقط ممكن أو مُحتمل الحدوث.
وهذا شرط جوهري, لأنه هو حلقة الاتصال بين الكتابة المشار إليها وبين الالتزام المدعي به, إذ يدل على أن الإدعاء ليس مجرد من الأساس تجريداً تاماً بل أن هناك مظنة كتابية على صحته, أو بعبارة أخري دليل كتابي ناقص عليه. فيجوز بهذه المثابة تكملة هذا الدليل الناقص, وتكون هذه التكملة بسماع الشهود أو بالقرائن القضائية، حيث يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود (المادة 100 إثبات). وبعبارة أخرى (وبأسلوب حسابي) فإن:
مبدأ الثبوت الكتابي + شهادة الشهود = دليل كتابي كامل.
ومسألة جعل التصرف قريب الاحتمال أو محتمل التصديق مسألة موضوعية موكولة للقاضي ولا رقابة فيها لمحكمة النقض عليه: لأن قرب الاحتمال بوجود التصرف أو احتمال وجود التصرف أو احتمال تصديق الادعاء هو قرينة يستخلصها القاضي من الأوراق التي تقدم إليه في كل دعوى على حدة.
ولا سبيل إلى وضع قاعدة أو معيار عاماً في هذا الشأن, ولذلك فإن هذا الشرط الثالث لا يتضح إلا باستعراض الأمثلة, وقد ذكرنا العديد منها آنفاً.
أما الشرط الأول المتعلق بوجود "ورقة مكتوبة" قد تحقق في مبدأ الثبوت بالكتابة، أو لم يتحقق، هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. وكذلك الشرط الثاني المتعلق بصدور تلك الورقة المكتوبة من الخصم، أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، هو أيضاً من مسائل القانون ومن ثم يخضع لرقابة محكمة النقض.
بينما الشرط الثالث والمتعلق بكون التصرف المدعى به قريب الاحتمال فهو من مسائل الواقع فتستقل به محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض شريطة أن يكون استخلاصها سائغاً، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض: "إن القانون لا يتطلب بيانات مُعينة في الورقة لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، ويكفي أن تكون صادرة من الخصم الذي يُحتج عليه بها، وأن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال، وأن تقدير ما إذا كانت الورقة التي يُراد اعتبارها كذلك من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال، هو اجتهاد في فهم الواقع يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً". (نقض مدني في الطعن رقم 1371 لسنة 85 قضائية – جلسة 12/5/1993).
الأثر المترتب على الاعتداد بمبدأ ثبوت بالكتابة:
فإذا ما توافرت وتحققت جميع الشروط المتطلبة قانوناً، والسالف ذكرها، فعندئذ يجوز لمن يقع عليه عبء الإثبات، عوضاً عن تقديم دليل كتابي "كامل" – في الأحوال التي تستلزم الإثبات بهذا الدليل – أن يستعيض عنه بالإثبات بالبينة، أو بما يعادلها في قوتها في الإثبات – أي القرائن القضائية – طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات.
أي أنه يترتب على وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان واجباً إثباته أصلاً بالكتابة.
وتقول محكمة النقض في هذا الشأن أن: "النص في المادة 62 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 على أنه "يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة. وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المُدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة" يدل على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود، وأن كل كتابة صادرة من الخصم أو من يمثله أو موقعه منه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة أياً كان شكلها وأياً كان الغرض منها". (نقض مدني في الطعن رقم 1995 لسنة 50 قضائية، جلسة 16 /5/1983).
ولكن ليس معنى هذا أن يصبح قبول الإثبات بشهادة الشهود حقاً للمدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات, وإنما يكون الأمر جوازياً للمحكمة, فلها أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود ولها أن ترفض ذلك. وإذا ما أحالت الدعوى للتحقيق، فلها أن تأخذ بنتيجة التحقيق إن اطمأنت إليها ولها أن تلتفت عنها إن لم تطمئن إليها، كما يجب في هذه الأحوال أن يطلب المدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات الترخيص له بالإثبات بالبينة, فليس للمحكمة أن تصرح به من تلقاء نفسها.
ومن المقرر في قضاء النقض أن: "مُجرد تمسك الخصم بورقة مكتوبة صادرة من خصمه باعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، لا يقوم مقام الدليل الكامل فيما يجب إثباته، بل على صاحب المصلحة طلب استكماله بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً حتى تنظر المحكمة في طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، وإذا كان الثابت أن الطاعنين لم يطلبا الإحالة إلى التحقيق لاستكمال هذا الدليل الناقص، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عنه". (نقض مدني في الطعن رقم 1205 لسنة 48 قضائية – جلسة 11/4/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 107).
وفي حالة ما إذا أحال القاضي الدعوى للتحقيق يجب ملاحظة أن تقدير البينة- شهادة الشهود – والقرائن في هذه الحالة متروك للقاضي, أي أنه يجوز مع وجود مبدأ ثبوت كتابي وبعد سماع الشهود أن يحكم القاضي برفض الدعوى إذا لم يطمئن إلى شهادة الشهود.
وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه: "متى كان الحكم التمهيدي لم يفصل إلا في جواز إثبات الشركة التي كان الطاعن يدعى وجودها استنادا إلى أن الإنذارات المتبادلة بينه وبين المطعون عليه تدل على وجود علاقة بينهما اعتبرتها المحكمة مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز سماع البينة المتممة له ولم تقطع في ماهيــة هذه العلاقة. ومتى كان الحكم التمهيدي قد ألقى عبء إثبات شركة المحاصة على من يدعيها وهو الطاعن ولما لم يأخذ الحكم المطعون فيه بشهادة شهوده اعتبر الدعوى عارية عن الدليل، فليس في هذا الذي سلكه الحكم أي قصور في التسبيب إذ بحسبه أن يناقش شهادة شهود من ألقى عليه عبء الإثبات فإن هو اطرح شهادتهم كانت الدعوى بغير دليل دون حاجة منه إلى مناقشة شهود خصمه متى لم يثبت ما يستوجب نفيه من جانبه". (الطعن رقم 104 لسنة 19 قضائية, جلسة 8/2/1951).
حالة مشابهة لمبدأ الثبوت الكتابي:
وهي حالة ما إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب أو حضر وامتنع عن الإجابة وكان تخلفه أو امتناعه بغير عذر مقبول أو مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك.
وتنص على ذلك المادة 113 من قانون الإثبات بنصها على أنه: "إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك".
وقد قضت محكمة النقض بأن: "مؤدى المادة 113 من قانون الإثبات أنه إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو أمتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقضي في الدعوى دون ما حاجة أن يطلب الخصم العدول عن حكم الاستجواب، وأن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في غير الأحوال الجائزة". (نقض مدني في الطعن رقم 1111 لسنة 48 قضائية – جلسة 12/2/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 527).
إجراءات سماع شهادة الشهود:
وإذا توافرت مبدأ الثبوت بالكتابة، فعلى الخصم الذي يريد إثبات واقعة بشهادة الشهود أن يتقدم إلى المحكمة بطلبه كتابة أو شفاهه في الجلسة, ويبين في طلبه هذا الوقائع التي يريد إثباتها بالبينة. والسبب في تطلب ذلك هو أن تتمكن المحكمة من تبين الوقائع التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود من الوقائع التي لا يجوز إثباتها بهذه الطريقة والوقائع الأخرى التي تكفي مستندات الدعوى لإثباتها دون حاجة إلي إجراء تحقيق بشأنها.
فإذا قدم الخصم طلبه نظرته ذات المحكمة المرفوع أمامها الدعوى, وإذا قبلت المحكمة الطلب قضت بإحالة الدعوى للتحقيق ويلزم لإجابة طلب الإثبات بشهادة الشهود توافر شروط ثلاثة:
1- أن تكون الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباتها بشهادة الشهود, وفقاً للأحكام العامة في قانون الإثبات (المادة 70 إثبات).
2- أن تتوافر في الوقائع المطلوب إثباتها الشروط التي يتطلبها القانون في الواقعة محل الإثبات, بأن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجه فيها, وجائزاً قبولها (المادة 2 إثبات).
3- أن تري المحكمة داعياً للتحقيق بمعني ألا يكون هناك من الأدلة الأخرى ما يكفي لإثبات الواقعة المدعاة. ولذلك فإن المحكمة تستطيع أن ترفض الإثبات بشهادة الشهود لو كانت الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباته بالشهادة, ولو كانت متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها, وذلك إذا لم تر المحكمة فائدة من التحقيق, بأن كان في أدلة الدعوى الأخرى ما تبينت منه المحكمة أن الحق ثابت في جانب أحد الخصوم.
وهذا الشرط يستنتج بمفهوم المخالف من المادة 70 من قانون الإثبات التي تقضي بأن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ما دامت قد رأت في ذلك فائدة للحقيقة. إذ يستفاد من ذلك النص أنه إذا لم تر المحكمة فائدة من إحالة الدعوى للتحقيق أمرت برفض الطلب, وإنما يجب أن تبين في حكمها الأسباب التي استندت إليها في رفض هذا الطلب.
وقد قضت محكمة النقض بأن: "لمحكمة الموضوع أن ترفض إجراء تحقيق يطلبه الخصوم متى رأت بما لها من سلطة التقدير أنه لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع، وإنما هي ملزمة إذا رفضت مثل هذا الطلب أن تبين في حكمها لماذا رفضته وأن تكون الأسباب التي بنت عليها اقتناعها من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به". (نقض مدني جلسة 24/2/1944 مجموعة عمر 4 رقم 101 صـ 265).
ويستوي في الطلب أن يبدي كتابة أو شفاهه أثناء الجلسة, وإنما يتعين على الخصم أن يبين فيه الوقائع التي يريد إثباتها بشهادة الشهود, فلا يكفي أن يكون الطلب عاماً، والقصد من ذلك تمكين المحكمة من مباشرة سلطتها في قبول الطلب أو رفضه.
ولا يقتصر حق المحكمة على رفض طلب الإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجوز فيها ذلك, بل لها على العكس أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك متي رأت في هذا الأمر فائدة للحقيقية.
كما يجوز لها كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من تري لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة, سواء كان الأمر بالإثبات من تلقاء نفس المحكمة أو استجابة لطلب الخصوم.
والقصد من ذلك هو تأكيد هيمنة المحكمة والقاضي على الدعوى حتى يتمكن من تحري الحقيقة واستخلاصها نقية مما يغلفها به مسلك الخصوم حسبما تمليه عليهم مصلحة كل منهم الخاصة في الإثبات.
ويجب أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً (المادة 71/1 إثبات).
وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى, وكونها منتجه فيها. ومن ثم ينبغي أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه.
كذلك تضيف المادة 71 من قانون الإثبات أنه يجب أن يبين في الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق, والميعاد الذي يجب أن يتم فيه, ولكن لا يترتب البطلان على عدم تحديد اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه. فإذا صدر الحكم دون هذا التحديد فإنه لا يكون باطلاً, وإنما يكون للخصوم أن يطلبوا تحديده من المحكمة أو من القاضي المنتدب لإجراء الإثبات. كما أن للقاضي المنتدب للتحقيق أن يحدد هذا الميعاد من تلقاء نفسه.
والمفروض أن ينتهي التحقيق في الميعاد الذي حدده الحكم الصادر بإجرائه.
ولكن المادة 74 تجيز للخصوم أن يطلبوا من المحكمة أو من القاضي المنتدب مد الميعاد ويفصل في هذا الطلب على الفور بقرار يثبت في محضر الجلسة, وقرار المحكمة في هذا الطلب لا يجوز الطعن فيه بأي طريق. أما قرار القاضي المنتدب بمد الميعاد فإنه يجوز التظلم منه إلى المحكمة بناء على طلب شفوي يثبت في محضر التحقيق ويحكم فيه على وجه السرعة.
ولا يجوز للمحكمة أو للقاضي المنتدب مد الميعاد لأكثر من مرة واحدة.
هذا ولما كان الحق في الإثبات يقتضي أن يتاح لكل خصم أن يفند ما يقدمه الخصم الآخر من أدلة, فإنه يترتب على ذلك أنه إذا أذنت المحكمة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود, فإن ذلك يقتضي أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق، ولا يعني ذلك أن المشرع يلقي على عاتق هذا الأخير عبء نفي الواقعة المراد إثباتها وإنما هو يعطيه رخصة إتباع ذات الطريق في دحض تقريرات شهود الإثبات لتوازن المحكمة بين أقوال الفريقين وترجح بينهما، فإذا لم يستعمل هذه الرخصة أو طرحت المحكمة أقوال شهوده، فلا ينشأ عن ذلك دليل يعفي خصمه من عبء الإثبات. (نقض مدني في الطعن رقم 1344 لسنة 48 قضائية، جلسة 15/4/1982 مجموعة المكتب الفني، السنة 33، جزء 1، صـ 413)، وقد قررت هذا صراحة المادة 69 من قانون الإثبات، ولكن ذلك يقتصر على الوقائع التي أمرت المحكمة بإثباتها, ولا يباح للخصم أن يثبت بالشهادة غيرها من الوقائع.
سماع الشهود - واجب الحضور:
وتقتضي استجابة المحكمة لطلب التحقيق حضور الشهود في الجلسة المحددة لإجرائه لسماع شهادتهم, ويكون حضورهم أمام المحكمة أو القاضي المنتدب عند الاقتضاء (المادة 72 إثبات).
وعلى الخصم أن يكلف شاهده بالحضور في الجلسة المحددة أو أن يصحبه معه في يوم الجلسة دون حاجة إلى إعلان (المادة 76 إثبات)، فإذا لم يحضر الخصم شاهده أو لم يكلفه بالحضور في الجلسة المحددة لإتمام التحقيق فيجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب لإجراء التحقيق إلزام الخصم بإحضار شاهده أو تكليفه بالحضور لجلسة أخرى ما دام الميعاد المحدد لإتمام التحقيق لم ينقض، فإن لم يمتثل الخصم، سقط الحق في الاستشهاد به, ولا يخل هذا بأي جزاء آخر يرتبه القانون على هذا التأخير (المادة 76 إثبات).
وميعاد تكليف الشاهد بالحضور هو أربع وعشرون ساعة على الأقل يضاف إليه ميعاد المسافة, ويجوز في أحوال الاستعجال تقصير هذا الميعاد وتكليف الشاهد بالحضور ببرقية من قلم الكتاب أو القاضي بأمر من المحكمة أو القاضي المنتدب (المادة 77 إثبات).
وإذا كلف الشاهد بالحضور تكليفاً صحيحاً ولم يحضر, حكمت عليه المحكمة أو القاضي المنتدب بغرامة, ويثبت الحكم بالغرامة في المحضر ولا يكون قابلاً للطعن فيه, ويجوز في الأحوال الاستعجال الشديد أن تصدر المحكمة أو القاضي المنتدب أمراً بإحضار الشاهد (المادة 78/1 إثبات).
كما يجوز للمحكمة أن تأمر بإعادة تكليف الشاهد بالحضور, إذا كان لذلك مقتضى, ويتحمل في هذه الحالة مصروفات إعادة التكليف بالحضور, فإذا تخلف بعد ذلك حكم عليه بضعف الغرامة المذكورة, ويجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب إصدار أمر بإحضاره (المادة 78/2 إثبات).
وإذا كان للشاهد عذر يمنعه من الحضور جاز أن ينتقل إليه القاضي المنتدب لسماع أقواله. فإن كان التحقيق أمام المحكمة, جاز لها أن تندب أحد قضاتها لذلك (المادة 81 إثبات).
تأدية الشهادة:
وتؤدي الشهادة بحضور الخصوم أو وكلائهم إذا رغبوا في ذلك. ويؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بغير حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم بعد (المادة 84 إثبات), وعلى الشاهد أن يذكر اسمه ولقبه ومهنته وسنه وموطنه, وأن يبين قرابته أو مصاهرته ودرجتها أن كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم (المادة 85 إثبات). هذا ولا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم.
كذلك يبين الشاهد في جميع الأحوال ما إذا كان يعمل عند أحد الخصوم (المادة 85 إثبات)، ويجوز رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر يجعله غير قادر على التمييز (المادة 82 إثبات).
ويجب على الشاهد قبل أن يدلي بشهادته أن يحلف يميناً, بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق, وإلا كانت شهادته باطلة. ويكون الحلف على حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك (المادة 86 إثبات).
ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض على أن: "التحقيق الذي يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم، إنما هو الذي يجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود، تلك الأحكام التي تقضى بأن التحقيق يحصل أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاض تندبه لذلك، وتوجب أن يحلف الشاهد اليمين إلى غير ذلك من الضمانات المختلفة التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يجريه الخبير من سماع الشهود ولو أنه يكون بناء على ترخيص من المحكمة لا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود إذ هو مجرد إجراء ليس الغرض منه إلا أن يستهدى به الخبير في أداء مهمته". (نقض مدني في الطعن رقم 199 لسنة 38 قضائية – جلسة 20/11/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 24 – صـ 1114).
كما قضت محكمة النقض بأن: "العبرة بالشهادة التي يدلى بها الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين ولا قيمة لما يقدمه الشهود من إقرارات مكتوبة لأحد طرفي الخصومة". (نقض مدني في الطعن رقم 212 لسنة 37 قضائية – جلسة 21/3/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 439 – فقرة 3).
ومن المُقرر قانوناً أن سماع شهادة الشاهد بدون أن يحلف اليمين يبطل شهادته، ويبطل الحكم إذا استند إليها. لأن ما بني على باطل فهو باطل. (نقض مدني في الطعن رقم 449 لسنة 36 قضائية – جلسة 13/6/1966. وفي الطعن رقم 1105 لسنة 43 قضائية – جلسة 15/1/1974).
هذا، وتؤدي الشهادة شفاهه, ولا يجوز للشاهد الاستعانة بمذكرات مكتوبة أثناء تأدية الشهادة, إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب, وحيث تقتضي ذلك طبيعة الدعوى (المادة 90 إثبات), فإذا كان الشاهد غير قادر على الكلام أدى الشهادة - إذا أمكن أن يبين مراده - بالكتابة أو بالإشارة (المادة 83 إثبات).
كما يلاحظ أن من يعفي من حلف اليمين هو من لم يبلغ سنه خمسة عشر عاماً, وهو في الأصل غير أهل للشهادة, ولكن المادة 64 تجيز سماعه بغير يمين على سبيل الاستدلال، والعبرة بسن الشاهد وقت الإدلاء بشهادته لا وقت حصول الواقعة التي يشهد عليها.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: "يكفي لصحة الأداء في الشاهد البلوغ، فلا يصح أداء الصبي وإن كان عاقلاً إذاً أن في الشهادة معنى الولاية على المشهود عليه, لأن بها يلزم بالحق ويحكم عليه به. والصبي لا ولاية له على نفسه, فلا ولاية له على غيره من باب أولي". (نقض مدني جلسة 1/1/1979 مجموعة المكتب الفني, السنة 30, صـ 176).
وتكون الشهادة عن طريق إجابة الشاهد على الأسئلة التي توجه له من المحكمة أو القاضي المنتدب, ولا يجيب الشاهد على أسئلة الخصوم إلا من خلال ما يوجهه إليه القاضي الذي يتولى التحقيق, وفي جميع الأحوال يلتزم كل من الخصوم والشهود بالنظام الذي يفرضه القاضي في سماع الشهادة دون أن يقاطع أحد الخصوم الآخر أو يقاطع الشاهد أثناء إدلائه بشهادته.
وإذا انتهى أحد الخصوم من استجواب الشاهد, فلا يجوز له إبداء أسئلة جديدة إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب.
وقضت محكمة النقض بأنه: "من المقرر أنه يجوز للشاهد أن يرجع في أقواله ويصحح شهادته ما دام في مجلس القضاء ولم يبرحه أخذاً بأن الرجوع عن الشهادة فسخ لها". (نقض مدني، جلسة 10/3/1976، مجموعة المكتب الفني، سنة 27، صـ 206).
ويستمر التحقيق لحين الانتهاء من سماع كل الشهود, سواء شهود الإثبات, أو شهود النفي, على أن يتم ذلك في الميعاد.
ويراعى أن يجري سماع شهود النفي في الجلسة ذاتها التي يسمع فيها شهود الإثبات, إلا إذا تعذر ذلك لوجود مانع.
ويتم سماع شهود الإثبات أولاً، وهم عادة شهود طالب الإثبات بالبينة لإثبات الواقعة المدعاة، وبعد سماعهم يتم سماع شهود النفي، وهم عادة شهود المدعى عليه والمتمسك ضده بالواقعة المراد إثباتها من جانب المدعي. فإذا لم يحضر المدعي أو طالب إثبات الواقعة المدعاة شهوده، فعادة لا تسمع المحكمة أو القاضي المنتدب شهود النفي، لكون الواقعة المدعاة لم يتم إثباتها أصلاً حتى تجيز المحكمة للخصم الآخر نفيها، وتقضي المحكمة في الدعوى – والحال كذلك - برفضها لعجز المدعي عن الإثبات أو برفضها بحالتها.
وإذا أجلت المحكمة التحقيق لجلسة أخري, اعتبر هذا تكليفاً بالحضور للحاضر من الشهود, إلا من تعفيه المحكمة من الحضور صراحة.
محضر التحقيق:
تنص المادة 91 من قانون الإثبات على أن: "تثبت إجابات الشهود في المحضر, فإذا انتهى الشاهد من شهادته, تليت عليه, ويوقعها بعد تصحيح ما يري لزوم تصحيحه منها, وإذا امتنع عن التوقيع, ذكر ذلك وسببه في المحضر".
وقد بينت المادة 93 البيانات التي يجب أن يشتمل عليها محضر التحقيق وهي:
أ- يوم التحقيق, ومكانه, وساعة بدئه وانتهائه, وبيان عدد الجلسات التي استغرقتها.
ب- أسماء الخصوم وألقابهم, وذكر حضورهم وغيابهم, وطلباتهم.
ج- أسماء الشهود وألقابهم, وصناعتهم, وموطن كل منهم, وذكر حضورهم وغيابهم وما صدر بشأنهم من الأوامر.
د- ما يبديه الشهود, ويذكر تحليفهم اليمين.
هـ- الأسئلة الموجهة إليهم, ومن تولي توجيهها, وما نشأ عن ذلك من المسائل العارضة, ونص إجابة الشاهد على كل سؤال.
و- توقيع الشاهد على إجابته بعد إثبات تلاوتها, وملاحظاته عليها.
ز- قرار تقرير مصروفات الشاهد إذ كان قد طلب ذلك.
ح- توقيع رئيس الدائرة أو القاضي المنتدب والكاتب.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "أوجب المُشرع في المادة 93 إثبات أن يكون محضر التحقيق الذي يباشر من القاضي موقعاً منه وإلا كان باطلاً. لأن هذا المحضر باعتباره وثيقة رسمية لا يعدو أن يكون من محاضر جلسات المحكمة وهذه المثابة لا تكتمل له صفة الرسمية إلا بتوقيع القاضي، ويترتب على ذلك، أن الحكم الذي يصدر استناداً إلى محضر تحقيق لم يوقع من القاضي الذي باشره يكون مبنياً على إجراء باطل وهو بطلان من النظام العام يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، بل أن لهذه المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها". (نقض مدني في الطعن رقم 1637 لسنة 45 قضائية، جلسة 30/1/1985 مجموعة المكتب الفني، السنة 36، صـ 176).
المنع من الشهادة:
الأصل أن كل شخص بلغ خمس عشر عاماً هو أهل للشهادة, ولكن المشرع قد منع بعض الأشخاص من الشهادة, وذلك لاعتبارات مختلفة, وهؤلاء الأشخاص هم:
1- الموظفون والمكلفون بخدمة عامة: ولو بعد تركهم العمل, بالنسبة لما يكون قد وصل إلي علمهم في أثناء قيامهم بعلمهم من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني, ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها, ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم (المادة 65 إثبات) والقصد من هذا المنع في هذه الحالة, هو حماية أسرار الدولة.
2– المحامون أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم: بالنسبة لما علموه من وقائع ومعلومات عن طريق مهنتهم أو صناعتهم. حتى ولو بعد انتهاء الخدمة أو زوال الصفة, ما لم يكن ذكر هذه الوقائع والمعلومات مقصود به ارتكاب جناية أو جنحة. والغرض من المنع هنا حماية أسرار المهنة.
ومع ذلك, يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الوقائع والمعلومات متي طلب منهم ذلك من أسرها إليهم, على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بمهنهم أو صنعتهم (المادة 66 إثبات).
3- ولا يجوز لأحد الزوجين – حفاظاً على الأسرار الزوجية – أن يفشي بغير رضاء الزوج الآخر ما أبلغه له أثناء الزوجية, ولو بعد انفصالهما, إلا في حالة رفع دعوى من إحداهما بسبب خيانة أو جنحة رقعت منه على الآخر (المادة 67 إثبات).
هذا ولا يسري هذا المنع على الخطيب وخطيبته, فقد رأي المشرع أنه لا وجه لقياس الخطبة على الزوجية. وحيث أن المحافظة على الأسرار الزوجية ليس فقط لمصلحة الزوجين، وإنما تقتضيها أيضاً مصلحة الأبناء, وهو ما ليس موجوداً في الخطبة.
انتهاء التحقق وتقرير نتيجته:
تقتضي المادة 95 إثبات, بأنه بمجرد انتهاء التحقيق أو انقضاء الميعاد المحدد لإتمامه يعين القاضي المنتدب أقرب جلسة لنظر الدعوى, ويقوم قلم الكتاب بإخبار الخصم الغائب.
ويشير هذا النص أن نظر الدعوى يستأنف بعد انتهاء التحقيق مباشرة, وتقوم المحكمة بنظر الدعوى فوراً إذا كانت هي التي أجرت التحقيق. أما إذا كان القاضي المنتدب هو الذي أجراه, فإنه يحدد أقرب جلسة لنظر الموضوع الدعوى بعد انتهاء التحقيق ويخطر الخصم الغائب بتاريخ هذه الجلسة عن طريق قلم كتاب المحكمة, وسواء أكانت المحكمة هي التي أجرت التحقيق أم أجراه القاضي المنتدب, فللمحكمة الحرية المطلقة في تقدير نتيجته, وذلك وفقاً لاقتناعها بشهادة الشهود واطمئنانها إليها.
وللمحكمة أن ترجح شهادة شاهد على آخر, ولها أن تأخذ بأقوال القلة وتطرح أقوال الكثرة، أي أن تأخذ بشهادة شاهد واحد مثلاً تطمئن إليها وتطرح أقوال شاهدين أو أكثر لا تطمئن إليها. كما لها أن تأخذ ببعض أقوال الشاهد وتطرح بعضها الآخر, كما لها أن تحكم بناء على شهادة شاهد سمعت أقواله على سبيل الاستدلال, فهي لا تقضي إلا بما يطمئن إليه وجدانها ويكون عقيدتها في موضوع الدعوى، وليس لمحكمة النقض رقابه عليها في ذلك, لأن هذا يعتبر من إطلاقات محكمة موضوع في تقدير الدليل. حيث أن: "تقدير أقوال الشهود منوط بمحكمة الموضوع ولا سلطان عليها في تكوين عقيدتها بما يدلي به الشهود أمامها، وهي غير مقيدة في ذلك بما يبديه الشاهد تعليقاً على ما رآه أو سمعه، كما لها أن تأخذ ببعض أقواله دون البعض الآخر، وأن تأخذ بمعنى للشهادة تحتمله عباراتها دون معنى آخر ولو كان محتملاً، وحسبها أن تبين هذه الحقيقة التي اقتنعت بها دون أن تكون ملزمة بتتبع الخصم والرد استقلالاً على ما يثيره خلافاً لها". (نقض مدني في الطعن رقم 1478 لسنة 48 قضائية، جلسة 11/11/1982. وفي الطعن رقم 1262 لسنة 52 قضائية، جلسة 4/2/1986).
كما أن لمحكمة الموضوع أن تطرح أقوال جميع الشهود في التحقيق الذي أمرت به لعدم اقتناعها بصدق أقوالهم. حيث يتيح لها نص المادة 9 من قانون الإثبات ذلك، ويقضي هذا النص بأن للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات, بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر, ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء, بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها.
تعد شهادة الشهود أحد طرق الإثبات الهامة والتي تستخدم في إثبات الأعمال المادية والتصرفات القانونية التي لا تزيد قيمتها عن نصاب معين.
وقد نظم أحكامها الموضوعية في قانون الإثبات في المواد من 60 : 98
والحالات التي تقبل فيها شهادة الشهود كدليل بحسب الأصل، هي:
- الوقائع المادية.
- التصرفات التجارية.
- التصرفات المدنية التي لا تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه.
والحالات التي لا تقبل فيها شهادة الشهود إلا على سبيل الاستثناء، وهي:
- وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
- وجود مانع يحول دون الحصول على دليل كتابي.
- فقد السند الكتابي لسبب أجنبي لا يد للدائن فيه.
ومعني جواز الإثبات بشهادة الشهود "استثناءاً" أننا بصدد حالات الأصل فيها أن يكون إثباتها بالكتابة، سواء لأن قيمتها أزيد من النصاب القانوني للإثبات، أو لكون المراد إثباته يُخالف الثابت بالكتابة أو يجاوزها, ولكن من قبيل الاستثناء أجيز إثبات تلك الحالات بشهادة الشهود. ولقد وردت هذه الحالات الاستثنائية في المادتين 62 , 63 من قانون الإثبات، وأولها: وجود مبدأ ثبوت بالكتابة.
فقد عرف قانون الإثبات مبدأ الثبوت بالكتابة في مادته 62 على أنه: "
1- يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت الكتابة.
3- وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة".
على هذا يتضح لنا أن تعريف مبدأ الثبوت بالكتابة هو عبارة عن "كتابة صادرة ممن يراد الإثبات ضده، ليست سندا كاملا بما يراد إثباته، وإنما تجعله قريب الاحتمال". فهو في حقيقة الأمر لا يعدو أن يكون "دليل كتابي" ولكنه دليل كتابي "ناقص" لا يتوافر فيه شروط الدليل الكتابي "الكامل" على النحو الذي يتطلبه القانون.
ومفاد ذلك النص، أنه إذا توافر مبدأ الثبوت بالكتابة، فإنه يجوز في هذه الحالة إثبات التصرف القانوني بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً، أي أن الإثبات بتلك الوسائل يساند ويعاضد الدليل الكتابي الناقص فيكمله، بحيث يرقى به إلى مرتبة الدليل الكامل في إثبات ما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة، سواء كان تصرف قانوني تزيد قيمته على نصاب معين، أو إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها، أو في إثبات تصرف قانوني اشترط القانون بنص خاص أن تكون وسيلة إثباته هي الكتابة من قبيل عقد الصلح وعقد الكفالة.
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "نص المادة 62 من قانون الإثبات يدل – وعلى ما جرى به قضاء النقض – على أن المُشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة، ما للكتابة من قوة في الإثبات، حين أكمله الخصوم بشهادة الشهود أو القرائن، واشترط لتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة أن تكون هناك ورقة مكتوبة، صادرة من الخصم المُراد إقامة الدليل عليه أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، وأن يكون من شأنها أن تجعل الالتزام المدعى به أو الواقعة المُراد إثباتها قريبة الاحتمال. وأن تقرير ما إذا كانت الورقة المُراد اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة من جهة كونها تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال من عدمه، يعتبر من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بشرط أن يكون ما استخلصه وبنى عليه قضاءه سائغاً". (نقض مدني في الطعن رقم 493 لسنة 49 قضائية – جلسة 28/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – جـ 1 – صـ 581).
وشروط مبدأ الثبوت بالكتابة، وهي:
أ- وجود كتابة.
ب- صدور الكتابة من الخصم الذي يحتج عليه بها أو ممن يمثله قانوناً.
ج- أن يكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعي به قريب الاحتمال.
الشرط الأول- وجود الكتابة:
هذا الشرط عام الدلالة, فلفظ الكتابة هنا يفسر بأوسع معانية, فهو يشتمل على كل كتابة دون اشتراط أي شكل فيها ودون اشتراط وجود توقيع عليها, فقد تكون الكتابة سنداً أو مذكرة شخصية أو مجرد علامة ترمز للاسم أو توقيعاً أو غير ذلك.
ولكن لأنه لابد من وجود كتابة, لذلك لا تكفي القرائن لتكون مبدأ الثبوت بالكتابة.
إلا أنه لا يلزم أن تكون ثمة ورقة واحدة, فقد يتكون مبدأ الثبوت الكتابي من مجموعة أوراق متميزة ومُستقلة.
ويلاحظ أنه يجب ألا تكون الكتابة معتبرة دليلاً كاملاً لأنها في هذه الحالة لا تكون بداية للثبوت, بل يعتبر الثبوت بها تاماً, فمبدأ الثبوت إذن هو دليل كتابي "ناقص".
على أنه قد يكون ثمة دليل كتابي كامل ويعتبر مبدأ ثبوت كتابي بالنسبة لواقعة أخري غير التي يعتبر دليلاً كاملاً عليها.
ومن البديهي استلزام وجود الورقة بالفعل وأن يقوم صاحب المصلحة بتقديمها إلى المحكمة، فلا يصح إثبات مضمون هذه الورقة بشهادة الشهود أو القرائن وإلا لكان الإثبات كله يتم بهذه الأدلة. على أنه إذا اعترف الخصم في ورقة مكتوبة أنه سبق وقام بتحرير ورقة تتضمن تصرفاً معيناً بحيث تجعل هذه الكتابة الحق المدعى به والمراد إثباته قريب الاحتمال، فإن هذا الاعتراف المكتوب يقوم مقام وجود الورقة المشار إليها فيه ويتيح الإثبات بالشهود والقرائن، ومثال ذلك كما إذا أرسل شخص خطابا يقر فيه بتحرير "ورقة ضد" وضياعها.
وإذن فمبدأ الثبوت هو ورقة مكتوبة تعتبر بالنسبة للواقعة المراد إثباتها دليلاً كتابياً ناقصاً, أو بداية للثبوت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "متى كان الحكم الابتدائي قد قضى بإلزام الطاعن بمبلغ مقابل ثمن أطيان كلف ببيعها من مورث المطعون عليهم، وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأنه أوفى ثمن هذه الأطيان للمورث المذكور مستنداً إلى محضري صلح موقعاً عليهما من المورث باعتبارهما ورقتين صادرتين من خصمه في تاريخ لاحق لتاريخ بيع الأطيان، لم ينص فيهما على مديونيته للمورث بأي التزام لا بصفته الشخصية ولا بصفته وكيلاً عنه، وأنهما يصلحان لأن يكونا مبدأ ثبوت بالكتابة ويجعلان دفاعه بعدم مديونيته بثمن الأطيان قريب الاحتمال وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع، فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الطلب يكون قد عاره قصور مبطل له بما يستوجب نقضه". (نقض مدني في الطعن رقم 314 لسنة 20 قضائية – جلسة 9/4/1953).
الشرط الثاني- صدور الكتابة من الخصم:
يجب أن تكون الكتابة صادرة من الخصم، أي من الشخص الذي يراد التمسك عليه بها.
وصدور الكتابة من الخصم له معني خاص: وهو أن تكون الكتابة منسوبة إليه. وفي ذلك ورد قضاء محكمة النقض بأن: "مبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابه تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الاحتمال". (نقض مدني في الطعن رقم 2515 لسنة 52 قضائية، جلسة 27/5/1986).
هذا ولا يشترط أن تكون الكتابة صادرة من الخصم شخصياً، فإن أصدرها نائبه – أي وكيله أو الوصي عليه مثلاً – كان ذلك كافياً.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لقانون المدني في هذا الصدد ما يأتي "والشرط الثاني هو صدور المحرر من الخصم الذي يُحتج عليه به، لا من أحد الأغيار. بيد أن المحرر يُعتبر صادراً من مثل هذا الخصم ولو كان صادراً من غيره، متى كان هذا الغير مُستخلفاً تسري التزاماته على ما يخلفونه خلافة عامة (كالوراثة) وفقاً للقواعد العامة، أو نائباً قانونياً أو اتفاقياً يعمل في حدود نيابته لأن كتابة الموكل تكون حجة على الوكيل وبالعكس". (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 3 – صـ 407).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: "يجب، لكي يُعتبر المُحرر - الصادر ممن ينوب عن الخصم المطلوب الإثبات عليه، كوكيل أو ولي أو وصي - مبدأ ثبوت بالكتابة، أن يكون قد صدر منه في حدود نيابته، فإذا كان الحكم قد اقتصر في اعتباره الإقرار مبدأ ثبوت بالكتابة مع كونه صادراً من جد القُصر والوكيل عن الوصية، دون أن يُبين ما إذا كان هذا الإقرار قد صدر في حدود وكالة الجد عن الوصية من ناحية، وفي حدود سلطتها كوصية على القُصر من ناحية أخرى، فإنه يكون قاصر البيان قصوراً يستوجب نقضه". (نقض مدني جلسة 1/12/1949 مجموعة أحكام النقض 1 رقم 17 صـ 62).
وقد قضت محكمة النقض بأن: "الفاتورة الصادرة من أحد المحلات التي تعامل الشركة والتي وقعها أحد الشريكين تعتبر بلا شك مبدأ ثبوت بالكتابة في إثبات الشركة ما دام من شأنها أن تجعل ثبوت قيامها في حقه قريب الاحتمال. فإذا أكملت هذه الفاتورة بشهادة الشهود والقرائن فإن شركة التضامن يثبت قيامها بين الشريكين". (نقض مدني في الطعن رقم 74 لسنة 13 قضائية، جلسة 27/4/1994).
وفي ذات السياق فإن أقوال المحامي أثناء المرافعة والثابتة بمحضر الجلسة أو في مذكراته المكتوبة يمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة أن لم تكن واضحة الدلالة على التصرف المدعى به، إلى حد اعتبارها إقراراً أي دليلا كاملاً.
كذلك فإن الكتابة الصادرة من السلف تقيد الخلف، فالورقة الصادرة من المورث تقيد الوارث.
وفي هذا الصدد يمكننا أن نتصور صوراً أربعة للورقة التي تعد مبدءاً للثبوت بالكتابة:
الأولي: أن تكون الورقة مكتوبة بخطه بلا توقيع.
الثانية: أن تكون الورقة موقعاً عليها منه فحسب.
الثالثة: أن تكون الورقة بخطه وتوقيعه.
الرابعة: ألا تكون بخطه ولا تكون بتوقيعه.
الصورة الأولي- أن تكون الورقة مكتوبة بخط الخصم بلا توقيع:
ومثالها أن يكتب الشخص بخطه مسودة عقد أو مشروع عقد أو بياناً بحساب دون أن يوقع عليه, وحين تكون الورقة المتضمنة لذلك في حوزة خصمه فيقدمها في الدعوى ضده تكون قرينة على صدق ادعائه بحصول ذلك العقد.
الصورة الثانية- أن تكون الورقة موقعاً عليها من الخصم فحسب:
وهي صورة تفيد قيام الشخص بالتوقيع المنفرد بما ينشئ مبدأ ثبوت الكتابة لأنه إذا وقع شخص على ورقة وكانت مكتوبة بغير خطه فإن توقيعه يجعلها مع ذلك حجة كاملة عليه ولا تعتبر فقط مبدأ ثبوت كتابي, وإذا وقع شخص على ورقة لا تحمل كتابة فمن العسير أن نتصور أن لهذا التوقيع دلالة.
ومع ذلك فمن الممكن أن تعرض حالات تكون الورقة فيها موقعاً عليها من لشخص دون وجود أية كتابة وتكون لها دلالة تجعل منها في مجال الإثبات مبدأ ثبوت الكتابة. ومن أمثلة ذلك: أن يدعي شخصاً أنه كان وكيلاً عن آخر في أمر ويقدم للدلالة على ذلك ورقة موقعاً عليها من ذلك الآخر على بياض, فيدعي من وقع عليها أنه إنما كان يجرب قلماً أو حاول تحسين خطه فوقعت هذه الورقة في يد خصمه, أو أنه وقع على الورقة وسلمها له ليصنع له ختماً (كليشيه) بهذا التوقيع. فهنا يكون كل من التفسيرين محتمل التصديق, فتحال الدعوى إلى التحقيق ليستكمل المدعي بالبينة هذا الدليل الكتابي الناقص, أو ليبين المدعي عليه – بالبينة أيضاً – صدق ما يدعيه في خصوص توقيعه هذا.
ومن المتصور من ناحية أخري – أن تكون الورقة مكتوبة بخط شخص آخر وموقعاً عليها منه, ومع ذلك لا تعتبر دليلاً كتابياً بل يعتبر توقيعه عليها بداية للثبوت, كما لو كان التوقيع غير كامل, أو كما لو كان باسمه دون لقبه أو بمجرد الحروف الأولي, وكذا الحال لو وقع "زيد" سندا لمديونية "عمر" إلي جانب توقيع المدين دون أن يذكر بجوار توقيعه ما إذا كان يوقع بصفته شاهداً أو كفيلاً للمدين.
الصورة الثالثة- أن تكون الورقة بخط الخصم وتوقيعه:
وهي حالة الورقة التي تكون بخط الشخص وتوقيعه ومع ذلك لا تعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة, فمثالها أن يرسل شخص لآخر خطاباً بخطه وتوقيعه يطلب منه مهلة للوفاء دون أن يبين ماهية الدين أو مقداره فيكون هذا الخطاب مبدأ ثبوت كتابي على وجود الدين.
أو أن يكون السند خاصاً بشخص فيكتبه آخر بخطه ثم يوقع عليه إلى جانب توقيع الشخص الذي يخصه السند دون أن يبين غرضه من التوقيع.
وكما لو وجدت ورقة مكتوبة بخط شخص وتوقيعه ولكنها متآكلة أو ممزقة وقد جمعت بعضها وألصقت.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا قدمت في الدعوى قصاصات ورق مجموعة بعضها إلى بعض بطريق اللصق على أنها تضمنت شروط استرداد العين المبيعة فأسدلت المحكمة منها ومن ترتيب العبارات الواردة بها وخصوصاً ما يتعلق بالعين ومقدارها وحق استردادها، مع اتحاد الخط والحبر والورقة ووجود توقيع بصمة ختم المشتري على إحداها، استدلت من ذلك على أن هذه البقايا هي أجزاء لأصل واحد، فاعتبرتها – لا ورقة ضد كاملة – بل مبدأ ثبوت بالكتابة أكملته بما استخلصته من شهادة الشهود والقرائن التي أوردتها، وبناء على ذلك قضت بأن العقد وإن كتب في صورة بيع بات هو في حقيقته يخفي رهناً، فذلك ليس فيه خطأ في تطبيق القانون". (نقض مدني في الطعن رقم 197 لسنة 19 قضائية – جلسة 22/11/1951).
ويقاس على ذلك حالة الورقة التي يكون مظهرها مثيراً للشبهة كما لو قدم شخص ورقة يدل شكلها على أنه قد انسكب عليها ماء مثلاً, أو ادعى أنه نسيها في جيب ثوبه فغسلت معه. فإن الخصم لو عارض – وأدعى مثلاً أنه ألقي بها في مجري ماء بعد أن استنفذت أغراضها فألتقطها غريمة ورفع بها دعوى – فإنه ينبغي اعتبارها حينئذ مجرد بداية للثبوت ويتم استكمالها بالبينة.
الصورة الرابعة- ألا تكون الورقة بخط الخصم ولا تكون بتوقيعه:
وهي حالة ألا تكون الورقة محررة بخط الشخص ولا ممهورة بتوقيعه. وتعتبر هذه الورقة (رغم ذلك) في بعض الأحيان مبدأ ثبوت كتابي, وذلك متصور في الأقوال الواردة على لسان الشخص في محاضر التحقيق المدنية أو الجنائية أو محاضر الجلسات سواء كان متهماً أو أحد الخصوم. ومن هذا نري أن "صدور الورقة من الخصم" له معني خاص هو: كون ما ذكر منسوباً إليه, سواء أكانت أو لم تكن بخطه أو بتوقيعه.
لذلك أيضاً تعتبر الورقة صادرة من الخصم – حتى لو لم تكن بخطه ولا توقيعه، ما دامت عرفية ومنسوباً إليه فيها قول – وذلك في حالة ما إذا كانت مقدمة منه في دعوى أو حتى لو كانت مقدمه من خصمه ولكنه استند إليها واتخذها دليلاً لنفسه, لأن ذلك يعتبر قبولاً منه لها فيحتج بها عليه.
ولو وقع شخص كشاهد على ورقة تضمنت أموراً تضر بمصلحته جاز اعتبارها مبدأ ثبوت كتابي ضده في صدد هذه الأمور عند رفع الدعوى بشأنها عليه.
ومن أمثلة ذلك أن تحضر أثناء حصر تركة شخص متوفى فلا تذكر إنك تداينه بدين وتوقع كشاهد على محضر حصر التركة المتضمن بيان الديون التي على المدين المتوفى والذي لم يُذكر فيه دينك, ثم ترفع بعد ذلك دعوى على الورثة بأنك تداين مورثهم فيدفعون دعواك بأن الدين قد سدد وإلا لما سكت عن إثباته في محضر حصر التركة فيعتبر سكوتك وعدم إثبات دينك في محضر حصر التركة وتوقيعك عليه مبدأ ثبوت كتابي في خصوص واقعة سداد الدين. وهنا يكون مبدأ الثبوت بالكتابة سلبياً.
ومن البديهي أن الورقة لا تعتبر صادرة من الخصم، ولا تعتبر بالتالي مبدأ ثبوت بالكتابة، إلا إذا كان هذا الخصم يسلم بها، فإذا جحدها أو طعن عليها، فإنه لا يعتد بها إلا بعد أن تثبت صحتها ونسبتها إلى الخصم بالطرق المقررة لذلك.
ويترتب على ذلك أيضاً أن الطرف الذي يتمسك بالورقة الصادرة من خصمه، في حالة إنكار الخصم لتلك الورقة، وكان الطرف المتمسك بها قد فقد تلك الورقة بسبب أجنبي لا يد له فيه؛ يترتب على ذلك أن هذا الطرف لا يستطيع أن يقيم الدليل على سبق وجود تلك الورقة لديه وفقدها منه، بالبينة، مستنداً في ذلك إلى ما تقضي به المادة 63/ب من قانون الإثبات، لأن هذه المادة تقتصر على الحالة التي يكون المفقود فيها سنداً كتابياً كاملاً. أما إذا اعترف بها الخصم المتمسك بها ضده، قام اعترافه مقام وجودها وتقديمها في الدعوى.
الشرط الثالث- احتمال تصديق الادعاء (جعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال):
يشترط أخيراً أن يكون من شأن الكتابة جعل التصرف المدعي به قريب الاحتمال، وليس فقط ممكن أو مُحتمل الحدوث.
وهذا شرط جوهري, لأنه هو حلقة الاتصال بين الكتابة المشار إليها وبين الالتزام المدعي به, إذ يدل على أن الإدعاء ليس مجرد من الأساس تجريداً تاماً بل أن هناك مظنة كتابية على صحته, أو بعبارة أخري دليل كتابي ناقص عليه. فيجوز بهذه المثابة تكملة هذا الدليل الناقص, وتكون هذه التكملة بسماع الشهود أو بالقرائن القضائية، حيث يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود (المادة 100 إثبات). وبعبارة أخرى (وبأسلوب حسابي) فإن:
مبدأ الثبوت الكتابي + شهادة الشهود = دليل كتابي كامل.
ومسألة جعل التصرف قريب الاحتمال أو محتمل التصديق مسألة موضوعية موكولة للقاضي ولا رقابة فيها لمحكمة النقض عليه: لأن قرب الاحتمال بوجود التصرف أو احتمال وجود التصرف أو احتمال تصديق الادعاء هو قرينة يستخلصها القاضي من الأوراق التي تقدم إليه في كل دعوى على حدة.
ولا سبيل إلى وضع قاعدة أو معيار عاماً في هذا الشأن, ولذلك فإن هذا الشرط الثالث لا يتضح إلا باستعراض الأمثلة, وقد ذكرنا العديد منها آنفاً.
أما الشرط الأول المتعلق بوجود "ورقة مكتوبة" قد تحقق في مبدأ الثبوت بالكتابة، أو لم يتحقق، هو من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة محكمة النقض. وكذلك الشرط الثاني المتعلق بصدور تلك الورقة المكتوبة من الخصم، أو ممن يمثله أو ينوب عنه قانوناً، هو أيضاً من مسائل القانون ومن ثم يخضع لرقابة محكمة النقض.
بينما الشرط الثالث والمتعلق بكون التصرف المدعى به قريب الاحتمال فهو من مسائل الواقع فتستقل به محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض شريطة أن يكون استخلاصها سائغاً، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض: "إن القانون لا يتطلب بيانات مُعينة في الورقة لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، ويكفي أن تكون صادرة من الخصم الذي يُحتج عليه بها، وأن تجعل التصرف المدعى به قريب الاحتمال، وأن تقدير ما إذا كانت الورقة التي يُراد اعتبارها كذلك من شأنها أن تجعل الأمر المراد إثباته قريب الاحتمال، هو اجتهاد في فهم الواقع يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغاً". (نقض مدني في الطعن رقم 1371 لسنة 85 قضائية – جلسة 12/5/1993).
الأثر المترتب على الاعتداد بمبدأ ثبوت بالكتابة:
فإذا ما توافرت وتحققت جميع الشروط المتطلبة قانوناً، والسالف ذكرها، فعندئذ يجوز لمن يقع عليه عبء الإثبات، عوضاً عن تقديم دليل كتابي "كامل" – في الأحوال التي تستلزم الإثبات بهذا الدليل – أن يستعيض عنه بالإثبات بالبينة، أو بما يعادلها في قوتها في الإثبات – أي القرائن القضائية – طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 62 من قانون الإثبات.
أي أنه يترتب على وجود مبدأ ثبوت بالكتابة أنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان واجباً إثباته أصلاً بالكتابة.
وتقول محكمة النقض في هذا الشأن أن: "النص في المادة 62 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 على أنه "يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة. وكل كتابة تصدر من الخصم ويكون من شأنها أن تجعل وجود التصرف المُدعى به قريب الاحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة" يدل على أن المشرع قد جعل لمبدأ الثبوت بالكتابة ما للكتابة من قوة في الإثبات متى أكمله الخصوم بشهادة الشهود، وأن كل كتابة صادرة من الخصم أو من يمثله أو موقعه منه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة أياً كان شكلها وأياً كان الغرض منها". (نقض مدني في الطعن رقم 1995 لسنة 50 قضائية، جلسة 16 /5/1983).
ولكن ليس معنى هذا أن يصبح قبول الإثبات بشهادة الشهود حقاً للمدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات, وإنما يكون الأمر جوازياً للمحكمة, فلها أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود ولها أن ترفض ذلك. وإذا ما أحالت الدعوى للتحقيق، فلها أن تأخذ بنتيجة التحقيق إن اطمأنت إليها ولها أن تلتفت عنها إن لم تطمئن إليها، كما يجب في هذه الأحوال أن يطلب المدعي أو المُتحمل بعبء الإثبات الترخيص له بالإثبات بالبينة, فليس للمحكمة أن تصرح به من تلقاء نفسها.
ومن المقرر في قضاء النقض أن: "مُجرد تمسك الخصم بورقة مكتوبة صادرة من خصمه باعتبار أنها تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، لا يقوم مقام الدليل الكامل فيما يجب إثباته، بل على صاحب المصلحة طلب استكماله بشهادة الشهود أو بالقرائن أو بهما معاً حتى تنظر المحكمة في طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق، وإذا كان الثابت أن الطاعنين لم يطلبا الإحالة إلى التحقيق لاستكمال هذا الدليل الناقص، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عنه". (نقض مدني في الطعن رقم 1205 لسنة 48 قضائية – جلسة 11/4/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 107).
وفي حالة ما إذا أحال القاضي الدعوى للتحقيق يجب ملاحظة أن تقدير البينة- شهادة الشهود – والقرائن في هذه الحالة متروك للقاضي, أي أنه يجوز مع وجود مبدأ ثبوت كتابي وبعد سماع الشهود أن يحكم القاضي برفض الدعوى إذا لم يطمئن إلى شهادة الشهود.
وفي ذلك قضت محكمة النقض بأنه: "متى كان الحكم التمهيدي لم يفصل إلا في جواز إثبات الشركة التي كان الطاعن يدعى وجودها استنادا إلى أن الإنذارات المتبادلة بينه وبين المطعون عليه تدل على وجود علاقة بينهما اعتبرتها المحكمة مبدأ ثبوت بالكتابة يجيز سماع البينة المتممة له ولم تقطع في ماهيــة هذه العلاقة. ومتى كان الحكم التمهيدي قد ألقى عبء إثبات شركة المحاصة على من يدعيها وهو الطاعن ولما لم يأخذ الحكم المطعون فيه بشهادة شهوده اعتبر الدعوى عارية عن الدليل، فليس في هذا الذي سلكه الحكم أي قصور في التسبيب إذ بحسبه أن يناقش شهادة شهود من ألقى عليه عبء الإثبات فإن هو اطرح شهادتهم كانت الدعوى بغير دليل دون حاجة منه إلى مناقشة شهود خصمه متى لم يثبت ما يستوجب نفيه من جانبه". (الطعن رقم 104 لسنة 19 قضائية, جلسة 8/2/1951).
حالة مشابهة لمبدأ الثبوت الكتابي:
وهي حالة ما إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب أو حضر وامتنع عن الإجابة وكان تخلفه أو امتناعه بغير عذر مقبول أو مبرر قانوني جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك.
وتنص على ذلك المادة 113 من قانون الإثبات بنصها على أنه: "إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو امتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في الأحوال التي ما كان يجوز فيها ذلك".
وقد قضت محكمة النقض بأن: "مؤدى المادة 113 من قانون الإثبات أنه إذا تخلف الخصم عن الحضور للاستجواب بغير عذر مقبول أو أمتنع عن الإجابة بغير مبرر قانوني، جاز للمحكمة أن تقضي في الدعوى دون ما حاجة أن يطلب الخصم العدول عن حكم الاستجواب، وأن تقبل الإثبات بشهادة الشهود والقرائن في غير الأحوال الجائزة". (نقض مدني في الطعن رقم 1111 لسنة 48 قضائية – جلسة 12/2/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 527).
إجراءات سماع شهادة الشهود:
وإذا توافرت مبدأ الثبوت بالكتابة، فعلى الخصم الذي يريد إثبات واقعة بشهادة الشهود أن يتقدم إلى المحكمة بطلبه كتابة أو شفاهه في الجلسة, ويبين في طلبه هذا الوقائع التي يريد إثباتها بالبينة. والسبب في تطلب ذلك هو أن تتمكن المحكمة من تبين الوقائع التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود من الوقائع التي لا يجوز إثباتها بهذه الطريقة والوقائع الأخرى التي تكفي مستندات الدعوى لإثباتها دون حاجة إلي إجراء تحقيق بشأنها.
فإذا قدم الخصم طلبه نظرته ذات المحكمة المرفوع أمامها الدعوى, وإذا قبلت المحكمة الطلب قضت بإحالة الدعوى للتحقيق ويلزم لإجابة طلب الإثبات بشهادة الشهود توافر شروط ثلاثة:
1- أن تكون الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباتها بشهادة الشهود, وفقاً للأحكام العامة في قانون الإثبات (المادة 70 إثبات).
2- أن تتوافر في الوقائع المطلوب إثباتها الشروط التي يتطلبها القانون في الواقعة محل الإثبات, بأن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجه فيها, وجائزاً قبولها (المادة 2 إثبات).
3- أن تري المحكمة داعياً للتحقيق بمعني ألا يكون هناك من الأدلة الأخرى ما يكفي لإثبات الواقعة المدعاة. ولذلك فإن المحكمة تستطيع أن ترفض الإثبات بشهادة الشهود لو كانت الوقائع المطلوب إثباتها مما يجوز إثباته بالشهادة, ولو كانت متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها, وذلك إذا لم تر المحكمة فائدة من التحقيق, بأن كان في أدلة الدعوى الأخرى ما تبينت منه المحكمة أن الحق ثابت في جانب أحد الخصوم.
وهذا الشرط يستنتج بمفهوم المخالف من المادة 70 من قانون الإثبات التي تقضي بأن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ما دامت قد رأت في ذلك فائدة للحقيقة. إذ يستفاد من ذلك النص أنه إذا لم تر المحكمة فائدة من إحالة الدعوى للتحقيق أمرت برفض الطلب, وإنما يجب أن تبين في حكمها الأسباب التي استندت إليها في رفض هذا الطلب.
وقد قضت محكمة النقض بأن: "لمحكمة الموضوع أن ترفض إجراء تحقيق يطلبه الخصوم متى رأت بما لها من سلطة التقدير أنه لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع، وإنما هي ملزمة إذا رفضت مثل هذا الطلب أن تبين في حكمها لماذا رفضته وأن تكون الأسباب التي بنت عليها اقتناعها من شأنها أن تؤدي إلى ما قضت به". (نقض مدني جلسة 24/2/1944 مجموعة عمر 4 رقم 101 صـ 265).
ويستوي في الطلب أن يبدي كتابة أو شفاهه أثناء الجلسة, وإنما يتعين على الخصم أن يبين فيه الوقائع التي يريد إثباتها بشهادة الشهود, فلا يكفي أن يكون الطلب عاماً، والقصد من ذلك تمكين المحكمة من مباشرة سلطتها في قبول الطلب أو رفضه.
ولا يقتصر حق المحكمة على رفض طلب الإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجوز فيها ذلك, بل لها على العكس أن تأمر من تلقاء نفسها بالإثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك متي رأت في هذا الأمر فائدة للحقيقية.
كما يجوز لها كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من تري لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة, سواء كان الأمر بالإثبات من تلقاء نفس المحكمة أو استجابة لطلب الخصوم.
والقصد من ذلك هو تأكيد هيمنة المحكمة والقاضي على الدعوى حتى يتمكن من تحري الحقيقة واستخلاصها نقية مما يغلفها به مسلك الخصوم حسبما تمليه عليهم مصلحة كل منهم الخاصة في الإثبات.
ويجب أن يبين في منطوق الحكم الذي يأمر بالإثبات بشهادة الشهود كل واقعة من الوقائع المأمور بإثباتها وإلا كان باطلاً (المادة 71/1 إثبات).
وذلك لأن الإثبات بشهادة الشهود يقوم على تعلق الوقائع المراد إثباتها بالدعوى, وكونها منتجه فيها. ومن ثم ينبغي أن تكون تلك الوقائع مبينة بالدقة لينحصر فيها التحقيق وليعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو بنفيه.
كذلك تضيف المادة 71 من قانون الإثبات أنه يجب أن يبين في الحكم اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق, والميعاد الذي يجب أن يتم فيه, ولكن لا يترتب البطلان على عدم تحديد اليوم الذي يبدأ فيه التحقيق والميعاد الذي يجب أن يتم فيه. فإذا صدر الحكم دون هذا التحديد فإنه لا يكون باطلاً, وإنما يكون للخصوم أن يطلبوا تحديده من المحكمة أو من القاضي المنتدب لإجراء الإثبات. كما أن للقاضي المنتدب للتحقيق أن يحدد هذا الميعاد من تلقاء نفسه.
والمفروض أن ينتهي التحقيق في الميعاد الذي حدده الحكم الصادر بإجرائه.
ولكن المادة 74 تجيز للخصوم أن يطلبوا من المحكمة أو من القاضي المنتدب مد الميعاد ويفصل في هذا الطلب على الفور بقرار يثبت في محضر الجلسة, وقرار المحكمة في هذا الطلب لا يجوز الطعن فيه بأي طريق. أما قرار القاضي المنتدب بمد الميعاد فإنه يجوز التظلم منه إلى المحكمة بناء على طلب شفوي يثبت في محضر التحقيق ويحكم فيه على وجه السرعة.
ولا يجوز للمحكمة أو للقاضي المنتدب مد الميعاد لأكثر من مرة واحدة.
هذا ولما كان الحق في الإثبات يقتضي أن يتاح لكل خصم أن يفند ما يقدمه الخصم الآخر من أدلة, فإنه يترتب على ذلك أنه إذا أذنت المحكمة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود, فإن ذلك يقتضي أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذا الطريق، ولا يعني ذلك أن المشرع يلقي على عاتق هذا الأخير عبء نفي الواقعة المراد إثباتها وإنما هو يعطيه رخصة إتباع ذات الطريق في دحض تقريرات شهود الإثبات لتوازن المحكمة بين أقوال الفريقين وترجح بينهما، فإذا لم يستعمل هذه الرخصة أو طرحت المحكمة أقوال شهوده، فلا ينشأ عن ذلك دليل يعفي خصمه من عبء الإثبات. (نقض مدني في الطعن رقم 1344 لسنة 48 قضائية، جلسة 15/4/1982 مجموعة المكتب الفني، السنة 33، جزء 1، صـ 413)، وقد قررت هذا صراحة المادة 69 من قانون الإثبات، ولكن ذلك يقتصر على الوقائع التي أمرت المحكمة بإثباتها, ولا يباح للخصم أن يثبت بالشهادة غيرها من الوقائع.
سماع الشهود - واجب الحضور:
وتقتضي استجابة المحكمة لطلب التحقيق حضور الشهود في الجلسة المحددة لإجرائه لسماع شهادتهم, ويكون حضورهم أمام المحكمة أو القاضي المنتدب عند الاقتضاء (المادة 72 إثبات).
وعلى الخصم أن يكلف شاهده بالحضور في الجلسة المحددة أو أن يصحبه معه في يوم الجلسة دون حاجة إلى إعلان (المادة 76 إثبات)، فإذا لم يحضر الخصم شاهده أو لم يكلفه بالحضور في الجلسة المحددة لإتمام التحقيق فيجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب لإجراء التحقيق إلزام الخصم بإحضار شاهده أو تكليفه بالحضور لجلسة أخرى ما دام الميعاد المحدد لإتمام التحقيق لم ينقض، فإن لم يمتثل الخصم، سقط الحق في الاستشهاد به, ولا يخل هذا بأي جزاء آخر يرتبه القانون على هذا التأخير (المادة 76 إثبات).
وميعاد تكليف الشاهد بالحضور هو أربع وعشرون ساعة على الأقل يضاف إليه ميعاد المسافة, ويجوز في أحوال الاستعجال تقصير هذا الميعاد وتكليف الشاهد بالحضور ببرقية من قلم الكتاب أو القاضي بأمر من المحكمة أو القاضي المنتدب (المادة 77 إثبات).
وإذا كلف الشاهد بالحضور تكليفاً صحيحاً ولم يحضر, حكمت عليه المحكمة أو القاضي المنتدب بغرامة, ويثبت الحكم بالغرامة في المحضر ولا يكون قابلاً للطعن فيه, ويجوز في الأحوال الاستعجال الشديد أن تصدر المحكمة أو القاضي المنتدب أمراً بإحضار الشاهد (المادة 78/1 إثبات).
كما يجوز للمحكمة أن تأمر بإعادة تكليف الشاهد بالحضور, إذا كان لذلك مقتضى, ويتحمل في هذه الحالة مصروفات إعادة التكليف بالحضور, فإذا تخلف بعد ذلك حكم عليه بضعف الغرامة المذكورة, ويجوز للمحكمة أو القاضي المنتدب إصدار أمر بإحضاره (المادة 78/2 إثبات).
وإذا كان للشاهد عذر يمنعه من الحضور جاز أن ينتقل إليه القاضي المنتدب لسماع أقواله. فإن كان التحقيق أمام المحكمة, جاز لها أن تندب أحد قضاتها لذلك (المادة 81 إثبات).
تأدية الشهادة:
وتؤدي الشهادة بحضور الخصوم أو وكلائهم إذا رغبوا في ذلك. ويؤدي كل شاهد شهادته على انفراد بغير حضور باقي الشهود الذين لم تسمع شهادتهم بعد (المادة 84 إثبات), وعلى الشاهد أن يذكر اسمه ولقبه ومهنته وسنه وموطنه, وأن يبين قرابته أو مصاهرته ودرجتها أن كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم (المادة 85 إثبات). هذا ولا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم.
كذلك يبين الشاهد في جميع الأحوال ما إذا كان يعمل عند أحد الخصوم (المادة 85 إثبات)، ويجوز رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأي سبب آخر يجعله غير قادر على التمييز (المادة 82 إثبات).
ويجب على الشاهد قبل أن يدلي بشهادته أن يحلف يميناً, بأن يقول الحق وألا يقول إلا الحق, وإلا كانت شهادته باطلة. ويكون الحلف على حسب الأوضاع الخاصة بديانته إذا طلب ذلك (المادة 86 إثبات).
ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض على أن: "التحقيق الذي يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم، إنما هو الذي يجرى وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود، تلك الأحكام التي تقضى بأن التحقيق يحصل أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاض تندبه لذلك، وتوجب أن يحلف الشاهد اليمين إلى غير ذلك من الضمانات المختلفة التي تكفل حسن سير التحقيق توصلاً إلى الحقيقة، أما ما يجريه الخبير من سماع الشهود ولو أنه يكون بناء على ترخيص من المحكمة لا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود إذ هو مجرد إجراء ليس الغرض منه إلا أن يستهدى به الخبير في أداء مهمته". (نقض مدني في الطعن رقم 199 لسنة 38 قضائية – جلسة 20/11/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 24 – صـ 1114).
كما قضت محكمة النقض بأن: "العبرة بالشهادة التي يدلى بها الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين ولا قيمة لما يقدمه الشهود من إقرارات مكتوبة لأحد طرفي الخصومة". (نقض مدني في الطعن رقم 212 لسنة 37 قضائية – جلسة 21/3/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 439 – فقرة 3).
ومن المُقرر قانوناً أن سماع شهادة الشاهد بدون أن يحلف اليمين يبطل شهادته، ويبطل الحكم إذا استند إليها. لأن ما بني على باطل فهو باطل. (نقض مدني في الطعن رقم 449 لسنة 36 قضائية – جلسة 13/6/1966. وفي الطعن رقم 1105 لسنة 43 قضائية – جلسة 15/1/1974).
هذا، وتؤدي الشهادة شفاهه, ولا يجوز للشاهد الاستعانة بمذكرات مكتوبة أثناء تأدية الشهادة, إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب, وحيث تقتضي ذلك طبيعة الدعوى (المادة 90 إثبات), فإذا كان الشاهد غير قادر على الكلام أدى الشهادة - إذا أمكن أن يبين مراده - بالكتابة أو بالإشارة (المادة 83 إثبات).
كما يلاحظ أن من يعفي من حلف اليمين هو من لم يبلغ سنه خمسة عشر عاماً, وهو في الأصل غير أهل للشهادة, ولكن المادة 64 تجيز سماعه بغير يمين على سبيل الاستدلال، والعبرة بسن الشاهد وقت الإدلاء بشهادته لا وقت حصول الواقعة التي يشهد عليها.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: "يكفي لصحة الأداء في الشاهد البلوغ، فلا يصح أداء الصبي وإن كان عاقلاً إذاً أن في الشهادة معنى الولاية على المشهود عليه, لأن بها يلزم بالحق ويحكم عليه به. والصبي لا ولاية له على نفسه, فلا ولاية له على غيره من باب أولي". (نقض مدني جلسة 1/1/1979 مجموعة المكتب الفني, السنة 30, صـ 176).
وتكون الشهادة عن طريق إجابة الشاهد على الأسئلة التي توجه له من المحكمة أو القاضي المنتدب, ولا يجيب الشاهد على أسئلة الخصوم إلا من خلال ما يوجهه إليه القاضي الذي يتولى التحقيق, وفي جميع الأحوال يلتزم كل من الخصوم والشهود بالنظام الذي يفرضه القاضي في سماع الشهادة دون أن يقاطع أحد الخصوم الآخر أو يقاطع الشاهد أثناء إدلائه بشهادته.
وإذا انتهى أحد الخصوم من استجواب الشاهد, فلا يجوز له إبداء أسئلة جديدة إلا بإذن المحكمة أو القاضي المنتدب.
وقضت محكمة النقض بأنه: "من المقرر أنه يجوز للشاهد أن يرجع في أقواله ويصحح شهادته ما دام في مجلس القضاء ولم يبرحه أخذاً بأن الرجوع عن الشهادة فسخ لها". (نقض مدني، جلسة 10/3/1976، مجموعة المكتب الفني، سنة 27، صـ 206).
ويستمر التحقيق لحين الانتهاء من سماع كل الشهود, سواء شهود الإثبات, أو شهود النفي, على أن يتم ذلك في الميعاد.
ويراعى أن يجري سماع شهود النفي في الجلسة ذاتها التي يسمع فيها شهود الإثبات, إلا إذا تعذر ذلك لوجود مانع.
ويتم سماع شهود الإثبات أولاً، وهم عادة شهود طالب الإثبات بالبينة لإثبات الواقعة المدعاة، وبعد سماعهم يتم سماع شهود النفي، وهم عادة شهود المدعى عليه والمتمسك ضده بالواقعة المراد إثباتها من جانب المدعي. فإذا لم يحضر المدعي أو طالب إثبات الواقعة المدعاة شهوده، فعادة لا تسمع المحكمة أو القاضي المنتدب شهود النفي، لكون الواقعة المدعاة لم يتم إثباتها أصلاً حتى تجيز المحكمة للخصم الآخر نفيها، وتقضي المحكمة في الدعوى – والحال كذلك - برفضها لعجز المدعي عن الإثبات أو برفضها بحالتها.
وإذا أجلت المحكمة التحقيق لجلسة أخري, اعتبر هذا تكليفاً بالحضور للحاضر من الشهود, إلا من تعفيه المحكمة من الحضور صراحة.
محضر التحقيق:
تنص المادة 91 من قانون الإثبات على أن: "تثبت إجابات الشهود في المحضر, فإذا انتهى الشاهد من شهادته, تليت عليه, ويوقعها بعد تصحيح ما يري لزوم تصحيحه منها, وإذا امتنع عن التوقيع, ذكر ذلك وسببه في المحضر".
وقد بينت المادة 93 البيانات التي يجب أن يشتمل عليها محضر التحقيق وهي:
أ- يوم التحقيق, ومكانه, وساعة بدئه وانتهائه, وبيان عدد الجلسات التي استغرقتها.
ب- أسماء الخصوم وألقابهم, وذكر حضورهم وغيابهم, وطلباتهم.
ج- أسماء الشهود وألقابهم, وصناعتهم, وموطن كل منهم, وذكر حضورهم وغيابهم وما صدر بشأنهم من الأوامر.
د- ما يبديه الشهود, ويذكر تحليفهم اليمين.
هـ- الأسئلة الموجهة إليهم, ومن تولي توجيهها, وما نشأ عن ذلك من المسائل العارضة, ونص إجابة الشاهد على كل سؤال.
و- توقيع الشاهد على إجابته بعد إثبات تلاوتها, وملاحظاته عليها.
ز- قرار تقرير مصروفات الشاهد إذ كان قد طلب ذلك.
ح- توقيع رئيس الدائرة أو القاضي المنتدب والكاتب.
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "أوجب المُشرع في المادة 93 إثبات أن يكون محضر التحقيق الذي يباشر من القاضي موقعاً منه وإلا كان باطلاً. لأن هذا المحضر باعتباره وثيقة رسمية لا يعدو أن يكون من محاضر جلسات المحكمة وهذه المثابة لا تكتمل له صفة الرسمية إلا بتوقيع القاضي، ويترتب على ذلك، أن الحكم الذي يصدر استناداً إلى محضر تحقيق لم يوقع من القاضي الذي باشره يكون مبنياً على إجراء باطل وهو بطلان من النظام العام يجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، بل أن لهذه المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها". (نقض مدني في الطعن رقم 1637 لسنة 45 قضائية، جلسة 30/1/1985 مجموعة المكتب الفني، السنة 36، صـ 176).
المنع من الشهادة:
الأصل أن كل شخص بلغ خمس عشر عاماً هو أهل للشهادة, ولكن المشرع قد منع بعض الأشخاص من الشهادة, وذلك لاعتبارات مختلفة, وهؤلاء الأشخاص هم:
1- الموظفون والمكلفون بخدمة عامة: ولو بعد تركهم العمل, بالنسبة لما يكون قد وصل إلي علمهم في أثناء قيامهم بعلمهم من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني, ولم تأذن السلطة المختصة في إذاعتها, ومع ذلك فلهذه السلطة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم (المادة 65 إثبات) والقصد من هذا المنع في هذه الحالة, هو حماية أسرار الدولة.
2– المحامون أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم: بالنسبة لما علموه من وقائع ومعلومات عن طريق مهنتهم أو صناعتهم. حتى ولو بعد انتهاء الخدمة أو زوال الصفة, ما لم يكن ذكر هذه الوقائع والمعلومات مقصود به ارتكاب جناية أو جنحة. والغرض من المنع هنا حماية أسرار المهنة.
ومع ذلك, يجب على الأشخاص المذكورين أن يؤدوا الشهادة عن تلك الوقائع والمعلومات متي طلب منهم ذلك من أسرها إليهم, على ألا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة بمهنهم أو صنعتهم (المادة 66 إثبات).
3- ولا يجوز لأحد الزوجين – حفاظاً على الأسرار الزوجية – أن يفشي بغير رضاء الزوج الآخر ما أبلغه له أثناء الزوجية, ولو بعد انفصالهما, إلا في حالة رفع دعوى من إحداهما بسبب خيانة أو جنحة رقعت منه على الآخر (المادة 67 إثبات).
هذا ولا يسري هذا المنع على الخطيب وخطيبته, فقد رأي المشرع أنه لا وجه لقياس الخطبة على الزوجية. وحيث أن المحافظة على الأسرار الزوجية ليس فقط لمصلحة الزوجين، وإنما تقتضيها أيضاً مصلحة الأبناء, وهو ما ليس موجوداً في الخطبة.
انتهاء التحقق وتقرير نتيجته:
تقتضي المادة 95 إثبات, بأنه بمجرد انتهاء التحقيق أو انقضاء الميعاد المحدد لإتمامه يعين القاضي المنتدب أقرب جلسة لنظر الدعوى, ويقوم قلم الكتاب بإخبار الخصم الغائب.
ويشير هذا النص أن نظر الدعوى يستأنف بعد انتهاء التحقيق مباشرة, وتقوم المحكمة بنظر الدعوى فوراً إذا كانت هي التي أجرت التحقيق. أما إذا كان القاضي المنتدب هو الذي أجراه, فإنه يحدد أقرب جلسة لنظر الموضوع الدعوى بعد انتهاء التحقيق ويخطر الخصم الغائب بتاريخ هذه الجلسة عن طريق قلم كتاب المحكمة, وسواء أكانت المحكمة هي التي أجرت التحقيق أم أجراه القاضي المنتدب, فللمحكمة الحرية المطلقة في تقدير نتيجته, وذلك وفقاً لاقتناعها بشهادة الشهود واطمئنانها إليها.
وللمحكمة أن ترجح شهادة شاهد على آخر, ولها أن تأخذ بأقوال القلة وتطرح أقوال الكثرة، أي أن تأخذ بشهادة شاهد واحد مثلاً تطمئن إليها وتطرح أقوال شاهدين أو أكثر لا تطمئن إليها. كما لها أن تأخذ ببعض أقوال الشاهد وتطرح بعضها الآخر, كما لها أن تحكم بناء على شهادة شاهد سمعت أقواله على سبيل الاستدلال, فهي لا تقضي إلا بما يطمئن إليه وجدانها ويكون عقيدتها في موضوع الدعوى، وليس لمحكمة النقض رقابه عليها في ذلك, لأن هذا يعتبر من إطلاقات محكمة موضوع في تقدير الدليل. حيث أن: "تقدير أقوال الشهود منوط بمحكمة الموضوع ولا سلطان عليها في تكوين عقيدتها بما يدلي به الشهود أمامها، وهي غير مقيدة في ذلك بما يبديه الشاهد تعليقاً على ما رآه أو سمعه، كما لها أن تأخذ ببعض أقواله دون البعض الآخر، وأن تأخذ بمعنى للشهادة تحتمله عباراتها دون معنى آخر ولو كان محتملاً، وحسبها أن تبين هذه الحقيقة التي اقتنعت بها دون أن تكون ملزمة بتتبع الخصم والرد استقلالاً على ما يثيره خلافاً لها". (نقض مدني في الطعن رقم 1478 لسنة 48 قضائية، جلسة 11/11/1982. وفي الطعن رقم 1262 لسنة 52 قضائية، جلسة 4/2/1986).
كما أن لمحكمة الموضوع أن تطرح أقوال جميع الشهود في التحقيق الذي أمرت به لعدم اقتناعها بصدق أقوالهم. حيث يتيح لها نص المادة 9 من قانون الإثبات ذلك، ويقضي هذا النص بأن للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات, بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر, ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء, بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها.