بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
******************
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 8/5/ 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور / عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعـضوية الـسادة الأساتذة المستشارين / محمد أحمد الحسينى عبد المجيد مسلم و جودة عبد المقصود فرحات و عادل محمود زكى فرغلى و كمال زكى عبد الرحمن اللمعى وعلى فكرى حسن صالح والسيد محمد السيد الطحان و غبريال جاد عبد الملاك ود. حمدى محمد أمين الوكيل و أحمد أمين حسان و يحيى خضرى نوبى محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / حتة محمود حتة
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 11225 لسنة 46 قضائية عليا
المقـــــام من
جمال أمين يعقوب
ضــــــــد
(1) رئيس مجلس الوزراء " بصفته "
(2) وزير المالية " بصفته "
فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة – دائرة الترقيات -
في الدعوى رقم 5217 لسنة 53 ق بجلسة 2/7/2000
***********************************
الإجـــــــراءات :
*****************
في يوم الخميس الموافق 31/8/2000 أودع الأستاذ / فوزى أمين نصر المحامى المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإداريــة العليــا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 11225 لسنـة 46 ق. عليـا طعـناً علـى الحكـم الصادر من محكمــة القضـــاء الإداري بالقاهــرة – دائــرة الترقيـات - بجلســـة 2/7/2000 في الدعوى رقم 5217 لسنة 53 ق و القاضي منطوقه " بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد, وألزمت المدعى المصروفات "
و طلب الطاعن فى ختام تقرير طعنه, وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع أولاً: بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقيته فى إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية باحث أول من الدرجة الأولى وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ثانياً: بإلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية, مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
و قد أعلن تقرير الطعن الماثل إلى المطعون ضدهما علي النحو الثابت بمحضر الإعلان.
وتتحصــل وقـائـع النــزاع الماثــل – حسبمـا يبيـن مـن الأوراق – أنــه بتاريــخ 17/3/1999 أقام الطـاعـن دعـواه رقـم 5217 لسنـة 53 ق أمـام محكمـة القضـاء الإدارى بالقاهرة ضد المطعون ضدهما بصفتيهما طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع:-
أولاً : إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية باحث أول من الدرجة الأولى وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ثانياً: إلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر المدعى شرحاً لدعواه أنه علم فى أواخر شهر فبراير من عام 1999 بالقرارين المطعون فيهما سالفى الذكر, وقد تخطاه الأول فى الترقية لوظيفة من الدرجة الأولى, كما تخطاه الثانى فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية وترقية من هم أحدث منه من زملائه إلى هاتين الدرجتين, وأنه لا يقل كفاية عنهم فضلاً عن أقدميته فى التعيين عليهم, ولتوافر شروط الترقية فى حقه, فقد تظلم من هذين القرارين فور علمه بهما فلم ترد جهة الإدارة على تظلمه, ثم خلص المدعى إلى طلباته سالفة البيان.
وقد جرى تحضير الدعوى بهيئة مفوضى الدولة على النحو الثابت بمحاضرها, ثم أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من تخطى المدعى فى الترقية إلى الدرجة الأولى ودرجة مدير عام مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتداولت الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 2/7/2000 قضت المحكمة " بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد, وألزمت المدعى المصروفات ".
وشيدت المحكمة قضاءها باستعراض نص المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 سنة 1972 والمادة (5) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 والمادة (6) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون, تأسيساً على أن القرارين المطعون فيهما الأول صدر بتاريخ 7/8/1984 والثانى صدر بتاريخ 24/7/1991 وتم النشر بالنشرة الرسمية لوزارة المالية وتم توزيعه على إدارات وأقسام ووحدات القطاع الذى يعمل به المدعى غير أنه لم ينشط إلى اختصامهما بالدعوى الماثلة إلا بتاريخ 17/3/1999 بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً ثم خلصت المحكمة إلى سالف قضاءها المطعون فيه.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعياً على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب على سند أنه ليس هناك علم يقينى لدى المدعى بالقرارين المطعون فيهما إلا فى شهر فبراير سنة 1999 حيث إن هذين القرارين قد صدرا من وزارة المالية بالقاهرة والطاعن بحكم عمله بأسيوط لم يعلم بهما نهائياً, كما نعى الطاعن على الحكم الطعين انطوائه على إخلال بحق الدفاع وأن ما جاء به ليس له سند من الأوراق فضلاً عن عزوفه عن إيراد أسباب وأسانيد ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضى الدولة, ثم خلص الطاعن إلى طلباته سالفة البيان.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حيث قررت بجلسة 2/5/2001 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 30/9/2001.
وبجلسة 13/4/2002 قررت " الدائرة الثانية / موضوع " بالمحكمة الإدارية العليا إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها فى المادة (54 مكرراً ) من قانون مجلس الدولـة رقـم 47 لسنــة 1972 تأسيســاً علـى أن هنـاك تعارضــاً فـى أحكام الـمحـكمة الإداريـة العـلـيا إذ بعض الطعون أرقام ( 5204 لسنـة 42ق و 4206 لسنـة 40ق و 4610 لـسنـة 40ق و 68 لـسنـة 41ق و 3190 لـسنة 44ق و 4491 لسنة 40ق و 4162 لسنة 40ق ) أخذ بفكرة الاستطالة مفترضاً العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة وبالتالى يحكـم بعـدم قـبــول الدعـوى شـكــلاً, فــى حيــن إن الـبعــض الآخـر الـطعـون أرقـام ( 3243 لسنة 40ق و 3336 لسنة 40ق و 605 لسنة 41ق و 2493 لسنة 40ق و 4204 لسنة 40ق ) لا يأخذ بالفكرة السابقة ويشترط العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً عن طريق الإعلان أو النشر وإلا حكم بقبول الدعوى شكلاً مهما بلغت المدة التى انقضت على صدور القرار المطعون فيه, وإذا أخذ بفكرة الاستطالة فما هى الضوابط التى يمكن أن تجعل هذه الفكرة معياراً موضوعياً لا يختلف فيه من حالة إلى أخرى وإذا كانت دائرة توحيد المبادئ قد انتهت فى جلستها المعقودة فى 6/6/1996 إلى اعتبار جميع قطاعات كوادر ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة فى مجال التعيين والترقية والنقل والنـدب عنـد تطبيـق أحكـام قانـون نظــام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فهل ينفتح منذ هذا التاريخ ميعاد جديد للطعن فى قرارات الترقية التى صدرت على أساس تعدد القطاعات بديوان عام الوزارة والتى لم ينشط ذوو الشأن من العاملين للطعن فيها وقتذاك لعدم وجود مصلحة لهم فى هذا الطعن, ثم قضت دائرة توحيد المبادئ بعد ذلك باعتبار جميع قطاعات ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة وبالتالى صارت لهم مصلحة فى الطعن على القرارات المشار إليها بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ سالف الذكر.
وقد نظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 4/7/2002 وتداولت نظره بالجلسات وأثناء المرافعـة أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه العدول عن المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليــا فـى الطعون أرقام ( 5204 لسنة 42ق و 4206 لسنــة 40ق و 4610 لسنة 40ق و 68 لسنة 41ق و 3190 لسنة 44ق و 4491 لسنة 44ق و 4162 لسنة 40ق) والتأكيد على ما سبــق أن قررته ذات المحكمــة فى الطــــعـون أرقــام ( 3243و 3336 لسنــــة 40ق و 605 لسنــــة 41ق و 2493 لسنـــة 40ق و4204 لسنــة 40ق) من الأخذ بنظرية العلم اليقينى بالقرار وما تشترطه من العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً، ولا افتراضياً.
وفيما يتعلق بالتساؤل المطروح بقرار الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمدى انفتاح ميعاد جديد للطعن فى قرارات الترقية بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ فى جلستها المنعقدة فى 6/6/1996 فإن صدور هذا الحكم بمبدأ قانونى جديد لا يترتب عليه انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
وبجلسة 7/11/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/3/2003 وصرحت بتقديم مذكرات خلال شهر وفى هذا الأجل لم تقدم أية مذكرات وفيها تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 30/4/2003 ثم إلى 8/5/2003وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمـــــــــــــــــــة
******************
ومن حيث إن الغايـة مـن إحالــة الطعــن الماثـل إلـى هذه الدائرة المشكلة وفقاً للمادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة هى أن الدائرة الثانية بالمحكمة رأت وجود تعارض فى أحكام المحكمة الإدارية العليا بين الأخذ بفكرة الاستطالة لافتراض العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة، وبين الأخذ بفكرة العلم اليقينى واشتراط العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
ومن حيث إن بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا المشار إليها قد ذهبت إلى أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء هو ستون يوماً تسرى من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به إلا أنه يقوم مقام الإعلان علم صاحب الشأن به بأى وسيلة من وسائل الأخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل، بيد أن العلم الذى يمكن ترتيب هذا الأثر عليه من حيث سريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع عناصر القرار التى يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانونى بالنسبة إلى هذا القرار ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه إلى الطعن فيه ولا يجرى الميعاد فى حقه إلا من اليوم الذى يثبت فيه قيام هذا العلم اليقينى الشامل.
ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد فى ذلك بوسيلة إثبات معينة وللقضاء الإداري فى إعمال رقابته القانونية التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذى تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى، وظروف الحال، فلا يؤخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه كما لا تقضى به عند إنكار صاحب المصلحة إياه، حتى لا يتزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التى كسبها أربابها من هذه القرارات ( الطــعون أرقام 1113 لسنة 7ق و 956و958 لسنة 5ق و 217و1683 لسنة 30ق و 4096 لسنة 45ق جلســة 17/2/2001) .
غير أن المحكمة الإدارية العليا قد ذهبت إلى مذهب مغاير فى الطعون أرقام 2762 لـسنة 40ق و 140 لـسنة 44ق و 4610 لـسنة 40ق و 5204 لـسنة42 ق و 4206 لـسنة 40ق و 4610 لـسـنة 40ق و 68 لـسنة 41ق و 3190 لـسنة 44ق و 4491 لـسنة 44ق و 4162 لسنة 40ق حيث قضت بأن العلم بالقرار الذى يعول عليه فى مجال سريان ميعاد دعوى الإلغاء يتعين أن يكون بالغاً حد اليقين بحيث لا يقوم على ظن أو يبنى على افتراض، إلا أن هذا المبدأ لا ينبغى اتخاذه ذريعة للطعن على القرارات الإدارية مهما طال عليها الأمد لذلك فإن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن وبين سلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار ، إذ على العامل أن ينشط دائماً إلى معرفة القرارات التى من شأنها المساس بمركزه القانونى، وأن يبادر إلى اتخاذ إجراءات اختصامها فى الوقت المناسب خاصة وأن تحديد ميعاد الطعن بستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار إنما يتغيا استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها درءاً لتعرض الأوضاع الإدارية للإضراب، فليس من ريب فى أن الإدعاء بعدم العلم حال استطالة الأمد مؤداه إهدار المراكز القانونية التى استتبت على مدار السنين وهو ما لا يمكن قبولـه، وغنى عن البيان أن المدة التى لا يقبل بانقضائها التذرع بانتفاء العلم إنما تتحدد بالمدى المقبول وفقاً لتقدير القاضى الإداري تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا أخذاً فى الاعتبار ظروف وملابسات كل حالة على حده، استهداء باعتبارات وضع القرار موضع التنفيذ وما إذا كان مقتضاه يتحقق معه العلم بحكم اللزوم من عدمه، كذلك لا يستوى فى هذا الصدد من يثبت وجوده خارج أرض الوطن ومن كان مقيماً فى الداخل ولا من حالت دون علمه قوة قاهرة، وذلك الذى تخلف عنه هذا الاعتبار.
ومن حيث إن مقطع النزاع فى الطعن الماثل يتحدد فيما يأتى:-
أولاً: الأخذ بفكرة استطالة الأمد للقول بالعلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة وبالتالى يحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد أم الأخذ بنظرية العلم اليقينى وما تتطلبه من ضرورة العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً عن طريق الإعلان أو النشر وما يقوم مقامهما.
ثانياً: هل ينفتح ميعاد رفع دعوى الإلغاء فى حالة ظهور مبدأ قانونى جديد للمحكمة الإدارية العليا دائرة توحيد المبادئ يخالف ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا من قبل ؟
ومن حيث إن المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن" ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه فى الجريدة الرسمية أو فى النشرات التى تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التى أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية ....... "
مفاد ما تقدم أن ميعاد الطعن فى القرارات الإدارية يسرى من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، فالإعلان والنشر هما أداة العلم بالقرار الإداري المطعون فيه وذلك كما ورد بنص المادة (24) من قانون مجلس الدولة سالفة الذكر على سبيل الحصر.
وغنى عن البيان أنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعة النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء وبالنظر إلى أنهما ليسا إلا قرينتين على وصول القرار المطعون عليه إلى علم صاحب الشأن فالقضاء الإداري فى مصر وفرنسا لم يلتزما حدود النص فى ذلك وأنشأ نظرية العلم اليقينى.
وهذا العلم يقوم مقام النشر والإعلان وذلك بشرط أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
فمتى قام الدليل القاطع وفقاً لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته على علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً بحيث يكون هذا العلم شاملاً لجميع محتويات القرار ومؤداه حتى يتيسر لـه بمقتضى هذا العلم أن يحدد مركزه القانونى من القرار، متى قام الدليل على ذلك بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه.
وهذا العلم يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد فى ذلك بوسيلة إثبات معينة , وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذى يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره .
والعلم اليقينى الذى يقوم مقام النشر أو الإعلان والذى يبدأ من تاريخ ثبوته سريان ميعاد الطعن بالإلغاء يشترط فيه ثلاثة شروط وهى :
1- أن يكون العلم يقينياً حقيقياً بمؤدى القرار ومحتوياته لا ظنياً ولا افتراضياً .
2- أن يكون منصباً على جميع عناصر القرار ومحتوياته ويجعل صاحب الشأن فى حالة تسمح لـه بالإلمام بكل ما تجب معرفته حتى يستطيع تبين حقيقة أمره بالنسبة إلى القرار المطعون فيه وهل مس مصلحته , ويمكنه من تعرف مواطن العيب إن كان لذلك وجه .
3- أن يسمح العلم لصاحب الشأن بتحديد طرق الطعن المناسب .
ولا يتقيد إثبات العلم اليقينى بوسيلة إثبات معينة وإنما يمكن إثباته من أية واقعة تفيد حصوله .
ولا ينال من ذلك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا بأن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن وبين سلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار فذلك مردود بأن استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه ليست دليلاً على العلم اليقينى بالقرار فقد لا يعلم المدعى بصدور القرار نهائياً بالرغم من فوات مدة طويلة على صدوره .
هذا فضلاً : عن أنه إذا افترضنا جدلاً أن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه دليل على علم صاحب الشأن به فإن هذا العلم هو مجرد علم ظنى أو افتراضى وليس علماً يقينياً فمجرد استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه لا تصلح دليلاً قاطعاً على علم صاحب الشأن بالقرار وبكافة محتوياته وعناصره وتحديد مركزه بالنسبة له وما إذا كان قد مس مصلحته أم لا , فاستطالة الأمد لا تقوم مقام الإعلان على الإطلاق ولا يمكن أن يثبت العلم المراد بالإعلان بمجرد استطالة الأمد ثبوتاً يقينياً قاطعاً .
كما أنه : ليس صحيحاً القول بأن عدم العلم حال استطالة الأمد مؤداه إهدار المراكز القانونية التى استتبت على مدار السنين فذلك مردود بأن الحفاظ على استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها مرهون بتوافر علم أصحاب الشأن علماً حقيقياً – لا ظنياً ولا افتراضياً – بالقرارات الماسة بهم والتى أنشأت هذه المراكز والتزام جهة الإدارة بإعلان أصحاب الشأن بهذه القرارات .
ولما كان القول باستطالة الأمد لا يكون إلا فى حالة عدم الإعلان أو عدم ثبوت الإعلان بالقرار وهو خطأ جهة الإدارة التى لا يجوز أن تستفيد منه بالقول بأن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه قرينة على العلم به .
فقرينة استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه كما تدل على العلم الظنى بالقرار فإنها تدل أيضاً على عدم العلم بالقرار أى أنها قرينة تقبل إثبات العكس ولا يصح استنتاج علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً من قرينه تقبل إثبات العكس , أو تعتمد على يقظة المدعى أو ثقافته .
وعلى ذلك فإن استطالة الأمد على صدور القرار لا تكفى وحدها دليلاً حاسماً على العلم اليقينى بالقرار وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى – بحسب ظروف كل حالة على حدة – على توافر هذا العلم وهو أمر متروك لمحكمة الموضوع تستخلصه من ظروف النزاع المعروض عليها وبعبارة أخرى أنه يمكن الاستناد عليه كأحد عناصر التدليل على توافر العلم اليقينى تعززه أدلة أخرى دون أن يكون وحده عنصراً حاسماً لتوافر هذا العلم وذلك كله بشرط التقيد بالمدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة وهى خمسة عشر سنة من تاريخ صدور القرار .
ومن حيث إنه عن مدى أثر ظهور مبدأ قانونى جديد للمحكمة الإدارية العليا لدائرة توحيد المبادئ فى انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
فإن المـحكمة الإداريـة العـليا قد ذهبت فى الطعنين رقمى 1885 و 1902 لسنة 31ق جلسة 28/1/1989 إلى أن الحكم الصادر من الدائرة الخاصة المشكلة بالمحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها فى المادة (54 مكرراً ) من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 وإن وضع حداً لاختلاف الرأى السابق عليه إلا أنه لا يسرى بأثر رجعى يمس الأحكام القضائية النهائية التى استقرت بها المراكز القانونية للأطراف المعنية وهو ما تأخذ به هذه المحكمة.
وبذلك فالحكم الصادر من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمــة الإداريــة العليــا بجلســة 6/6/1996 فى الطعن رقم 573 لسنة 39ق باعتبار جميع قطاعات – كوادر – ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة فى مجال التعيين والترقية والنقل والندب عند تطبيق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 / 1978, لأن هذا الحكم يعتبر حكماً كاشفاً لحقيقة وضع من يطعن على قرار مماثل, ومن ثم لا ينفتح باب الطعن بالنسبة لـه بعد فوات الميعاد, ومقتضى ذلك أن صدور حكم من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمبدأ قانونى جديد لا يفتح ميعاد لرفع دعوى الإلغاء.
فلهذه الأسباب
*************
حكمت المحكمة
******************
أولاً: بأن استطالة الأمد على صدور القرار لا يكفى وحده للقول بتوافر العلم اليقينى بالقرار ولكنها قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى كدليل على توافر هذا العلم تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف وملابسات النزاع المعروض عليها, بشرط ألا يتجاوز ذلك المدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة, وهى خمسة عشر عاماً من تاريخ صدور القرار.
ثانياً: أنـه لا يترتـب علـى صدور حكم دائرة توحيد المبادئ فى جلستها المنعقدة فى 6/6/1996 فى الطعن رقم 573 /39 ق انفتاح ميعاد جديد لرفع دعوى الإلغاء على النحو الوارد بالأسباب.
وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.
سكرتير المحكمة رئيس المحكمة
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
دائرة توحيد المبادئ
******************
بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 8/5/ 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور / عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعـضوية الـسادة الأساتذة المستشارين / محمد أحمد الحسينى عبد المجيد مسلم و جودة عبد المقصود فرحات و عادل محمود زكى فرغلى و كمال زكى عبد الرحمن اللمعى وعلى فكرى حسن صالح والسيد محمد السيد الطحان و غبريال جاد عبد الملاك ود. حمدى محمد أمين الوكيل و أحمد أمين حسان و يحيى خضرى نوبى محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / حتة محمود حتة
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 11225 لسنة 46 قضائية عليا
المقـــــام من
جمال أمين يعقوب
ضــــــــد
(1) رئيس مجلس الوزراء " بصفته "
(2) وزير المالية " بصفته "
فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة – دائرة الترقيات -
في الدعوى رقم 5217 لسنة 53 ق بجلسة 2/7/2000
***********************************
الإجـــــــراءات :
*****************
في يوم الخميس الموافق 31/8/2000 أودع الأستاذ / فوزى أمين نصر المحامى المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإداريــة العليــا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 11225 لسنـة 46 ق. عليـا طعـناً علـى الحكـم الصادر من محكمــة القضـــاء الإداري بالقاهــرة – دائــرة الترقيـات - بجلســـة 2/7/2000 في الدعوى رقم 5217 لسنة 53 ق و القاضي منطوقه " بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد, وألزمت المدعى المصروفات "
و طلب الطاعن فى ختام تقرير طعنه, وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع أولاً: بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بأحقيته فى إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية باحث أول من الدرجة الأولى وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ثانياً: بإلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية, مع إلزام المطعون ضدهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
و قد أعلن تقرير الطعن الماثل إلى المطعون ضدهما علي النحو الثابت بمحضر الإعلان.
وتتحصــل وقـائـع النــزاع الماثــل – حسبمـا يبيـن مـن الأوراق – أنــه بتاريــخ 17/3/1999 أقام الطـاعـن دعـواه رقـم 5217 لسنـة 53 ق أمـام محكمـة القضـاء الإدارى بالقاهرة ضد المطعون ضدهما بصفتيهما طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع:-
أولاً : إلغاء القرار رقم 645 لسنة 1984 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية باحث أول من الدرجة الأولى وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
ثانياً: إلغاء القرار رقم 1089 لسنة 1997 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر المدعى شرحاً لدعواه أنه علم فى أواخر شهر فبراير من عام 1999 بالقرارين المطعون فيهما سالفى الذكر, وقد تخطاه الأول فى الترقية لوظيفة من الدرجة الأولى, كما تخطاه الثانى فى الترقية لوظيفة من درجة مدير عام بديوان عام وزارة المالية وترقية من هم أحدث منه من زملائه إلى هاتين الدرجتين, وأنه لا يقل كفاية عنهم فضلاً عن أقدميته فى التعيين عليهم, ولتوافر شروط الترقية فى حقه, فقد تظلم من هذين القرارين فور علمه بهما فلم ترد جهة الإدارة على تظلمه, ثم خلص المدعى إلى طلباته سالفة البيان.
وقد جرى تحضير الدعوى بهيئة مفوضى الدولة على النحو الثابت بمحاضرها, ثم أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من تخطى المدعى فى الترقية إلى الدرجة الأولى ودرجة مدير عام مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتداولت الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 2/7/2000 قضت المحكمة " بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد, وألزمت المدعى المصروفات ".
وشيدت المحكمة قضاءها باستعراض نص المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 سنة 1972 والمادة (5) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 والمادة (6) من اللائحة التنفيذية لهذا القانون, تأسيساً على أن القرارين المطعون فيهما الأول صدر بتاريخ 7/8/1984 والثانى صدر بتاريخ 24/7/1991 وتم النشر بالنشرة الرسمية لوزارة المالية وتم توزيعه على إدارات وأقسام ووحدات القطاع الذى يعمل به المدعى غير أنه لم ينشط إلى اختصامهما بالدعوى الماثلة إلا بتاريخ 17/3/1999 بعد فوات الميعاد المقرر قانوناً ثم خلصت المحكمة إلى سالف قضاءها المطعون فيه.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعن فقد أقام طعنه الماثل ناعياً على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب على سند أنه ليس هناك علم يقينى لدى المدعى بالقرارين المطعون فيهما إلا فى شهر فبراير سنة 1999 حيث إن هذين القرارين قد صدرا من وزارة المالية بالقاهرة والطاعن بحكم عمله بأسيوط لم يعلم بهما نهائياً, كما نعى الطاعن على الحكم الطعين انطوائه على إخلال بحق الدفاع وأن ما جاء به ليس له سند من الأوراق فضلاً عن عزوفه عن إيراد أسباب وأسانيد ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضى الدولة, ثم خلص الطاعن إلى طلباته سالفة البيان.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً, ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حيث قررت بجلسة 2/5/2001 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 30/9/2001.
وبجلسة 13/4/2002 قررت " الدائرة الثانية / موضوع " بالمحكمة الإدارية العليا إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المنصوص عليها فى المادة (54 مكرراً ) من قانون مجلس الدولـة رقـم 47 لسنــة 1972 تأسيســاً علـى أن هنـاك تعارضــاً فـى أحكام الـمحـكمة الإداريـة العـلـيا إذ بعض الطعون أرقام ( 5204 لسنـة 42ق و 4206 لسنـة 40ق و 4610 لـسنـة 40ق و 68 لـسنـة 41ق و 3190 لـسنة 44ق و 4491 لسنة 40ق و 4162 لسنة 40ق ) أخذ بفكرة الاستطالة مفترضاً العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة وبالتالى يحكـم بعـدم قـبــول الدعـوى شـكــلاً, فــى حيــن إن الـبعــض الآخـر الـطعـون أرقـام ( 3243 لسنة 40ق و 3336 لسنة 40ق و 605 لسنة 41ق و 2493 لسنة 40ق و 4204 لسنة 40ق ) لا يأخذ بالفكرة السابقة ويشترط العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً عن طريق الإعلان أو النشر وإلا حكم بقبول الدعوى شكلاً مهما بلغت المدة التى انقضت على صدور القرار المطعون فيه, وإذا أخذ بفكرة الاستطالة فما هى الضوابط التى يمكن أن تجعل هذه الفكرة معياراً موضوعياً لا يختلف فيه من حالة إلى أخرى وإذا كانت دائرة توحيد المبادئ قد انتهت فى جلستها المعقودة فى 6/6/1996 إلى اعتبار جميع قطاعات كوادر ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة فى مجال التعيين والترقية والنقل والنـدب عنـد تطبيـق أحكـام قانـون نظــام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فهل ينفتح منذ هذا التاريخ ميعاد جديد للطعن فى قرارات الترقية التى صدرت على أساس تعدد القطاعات بديوان عام الوزارة والتى لم ينشط ذوو الشأن من العاملين للطعن فيها وقتذاك لعدم وجود مصلحة لهم فى هذا الطعن, ثم قضت دائرة توحيد المبادئ بعد ذلك باعتبار جميع قطاعات ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة وبالتالى صارت لهم مصلحة فى الطعن على القرارات المشار إليها بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ سالف الذكر.
وقد نظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 4/7/2002 وتداولت نظره بالجلسات وأثناء المرافعـة أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه العدول عن المبدأ الذى قررته المحكمة الإدارية العليــا فـى الطعون أرقام ( 5204 لسنة 42ق و 4206 لسنــة 40ق و 4610 لسنة 40ق و 68 لسنة 41ق و 3190 لسنة 44ق و 4491 لسنة 44ق و 4162 لسنة 40ق) والتأكيد على ما سبــق أن قررته ذات المحكمــة فى الطــــعـون أرقــام ( 3243و 3336 لسنــــة 40ق و 605 لسنــــة 41ق و 2493 لسنـــة 40ق و4204 لسنــة 40ق) من الأخذ بنظرية العلم اليقينى بالقرار وما تشترطه من العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً، ولا افتراضياً.
وفيما يتعلق بالتساؤل المطروح بقرار الإحالة إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمدى انفتاح ميعاد جديد للطعن فى قرارات الترقية بعد صدور حكم دائرة توحيد المبادئ فى جلستها المنعقدة فى 6/6/1996 فإن صدور هذا الحكم بمبدأ قانونى جديد لا يترتب عليه انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
وبجلسة 7/11/2002 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/3/2003 وصرحت بتقديم مذكرات خلال شهر وفى هذا الأجل لم تقدم أية مذكرات وفيها تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 30/4/2003 ثم إلى 8/5/2003وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمـــــــــــــــــــة
******************
ومن حيث إن الغايـة مـن إحالــة الطعــن الماثـل إلـى هذه الدائرة المشكلة وفقاً للمادة (54 مكرراً) من قانون مجلس الدولة هى أن الدائرة الثانية بالمحكمة رأت وجود تعارض فى أحكام المحكمة الإدارية العليا بين الأخذ بفكرة الاستطالة لافتراض العلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة، وبين الأخذ بفكرة العلم اليقينى واشتراط العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
ومن حيث إن بعض أحكام المحكمة الإدارية العليا المشار إليها قد ذهبت إلى أن ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء هو ستون يوماً تسرى من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به إلا أنه يقوم مقام الإعلان علم صاحب الشأن به بأى وسيلة من وسائل الأخبار بما يحقق الغاية من الإعلان ولو لم يقع هذا الإعلان بالفعل، بيد أن العلم الذى يمكن ترتيب هذا الأثر عليه من حيث سريان الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء يجب أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، وأن يكون شاملاً لجميع عناصر القرار التى يمكن لصاحب الشأن على أساسها أن يتبين مركزه القانونى بالنسبة إلى هذا القرار ويستطيع أن يحدد على مقتضى ذلك طريقه إلى الطعن فيه ولا يجرى الميعاد فى حقه إلا من اليوم الذى يثبت فيه قيام هذا العلم اليقينى الشامل.
ويثبت هذا العلم من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد فى ذلك بوسيلة إثبات معينة وللقضاء الإداري فى إعمال رقابته القانونية التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذى تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى، وظروف الحال، فلا يؤخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه كما لا تقضى به عند إنكار صاحب المصلحة إياه، حتى لا يتزعزع استقرار المراكز القانونية الذاتية التى كسبها أربابها من هذه القرارات ( الطــعون أرقام 1113 لسنة 7ق و 956و958 لسنة 5ق و 217و1683 لسنة 30ق و 4096 لسنة 45ق جلســة 17/2/2001) .
غير أن المحكمة الإدارية العليا قد ذهبت إلى مذهب مغاير فى الطعون أرقام 2762 لـسنة 40ق و 140 لـسنة 44ق و 4610 لـسنة 40ق و 5204 لـسنة42 ق و 4206 لـسنة 40ق و 4610 لـسـنة 40ق و 68 لـسنة 41ق و 3190 لـسنة 44ق و 4491 لـسنة 44ق و 4162 لسنة 40ق حيث قضت بأن العلم بالقرار الذى يعول عليه فى مجال سريان ميعاد دعوى الإلغاء يتعين أن يكون بالغاً حد اليقين بحيث لا يقوم على ظن أو يبنى على افتراض، إلا أن هذا المبدأ لا ينبغى اتخاذه ذريعة للطعن على القرارات الإدارية مهما طال عليها الأمد لذلك فإن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن وبين سلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار ، إذ على العامل أن ينشط دائماً إلى معرفة القرارات التى من شأنها المساس بمركزه القانونى، وأن يبادر إلى اتخاذ إجراءات اختصامها فى الوقت المناسب خاصة وأن تحديد ميعاد الطعن بستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار إنما يتغيا استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها درءاً لتعرض الأوضاع الإدارية للإضراب، فليس من ريب فى أن الإدعاء بعدم العلم حال استطالة الأمد مؤداه إهدار المراكز القانونية التى استتبت على مدار السنين وهو ما لا يمكن قبولـه، وغنى عن البيان أن المدة التى لا يقبل بانقضائها التذرع بانتفاء العلم إنما تتحدد بالمدى المقبول وفقاً لتقدير القاضى الإداري تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا أخذاً فى الاعتبار ظروف وملابسات كل حالة على حده، استهداء باعتبارات وضع القرار موضع التنفيذ وما إذا كان مقتضاه يتحقق معه العلم بحكم اللزوم من عدمه، كذلك لا يستوى فى هذا الصدد من يثبت وجوده خارج أرض الوطن ومن كان مقيماً فى الداخل ولا من حالت دون علمه قوة قاهرة، وذلك الذى تخلف عنه هذا الاعتبار.
ومن حيث إن مقطع النزاع فى الطعن الماثل يتحدد فيما يأتى:-
أولاً: الأخذ بفكرة استطالة الأمد للقول بالعلم بالقرار إذا مرت عليه مدة طويلة وبالتالى يحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد أم الأخذ بنظرية العلم اليقينى وما تتطلبه من ضرورة العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً عن طريق الإعلان أو النشر وما يقوم مقامهما.
ثانياً: هل ينفتح ميعاد رفع دعوى الإلغاء فى حالة ظهور مبدأ قانونى جديد للمحكمة الإدارية العليا دائرة توحيد المبادئ يخالف ما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا من قبل ؟
ومن حيث إن المادة (24) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن" ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه فى الجريدة الرسمية أو فى النشرات التى تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التى أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية ....... "
مفاد ما تقدم أن ميعاد الطعن فى القرارات الإدارية يسرى من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، فالإعلان والنشر هما أداة العلم بالقرار الإداري المطعون فيه وذلك كما ورد بنص المادة (24) من قانون مجلس الدولة سالفة الذكر على سبيل الحصر.
وغنى عن البيان أنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعة النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء وبالنظر إلى أنهما ليسا إلا قرينتين على وصول القرار المطعون عليه إلى علم صاحب الشأن فالقضاء الإداري فى مصر وفرنسا لم يلتزما حدود النص فى ذلك وأنشأ نظرية العلم اليقينى.
وهذا العلم يقوم مقام النشر والإعلان وذلك بشرط أن يكون علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً.
فمتى قام الدليل القاطع وفقاً لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته على علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً بحيث يكون هذا العلم شاملاً لجميع محتويات القرار ومؤداه حتى يتيسر لـه بمقتضى هذا العلم أن يحدد مركزه القانونى من القرار، متى قام الدليل على ذلك بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه.
وهذا العلم يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد فى ذلك بوسيلة إثبات معينة , وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذى يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره .
والعلم اليقينى الذى يقوم مقام النشر أو الإعلان والذى يبدأ من تاريخ ثبوته سريان ميعاد الطعن بالإلغاء يشترط فيه ثلاثة شروط وهى :
1- أن يكون العلم يقينياً حقيقياً بمؤدى القرار ومحتوياته لا ظنياً ولا افتراضياً .
2- أن يكون منصباً على جميع عناصر القرار ومحتوياته ويجعل صاحب الشأن فى حالة تسمح لـه بالإلمام بكل ما تجب معرفته حتى يستطيع تبين حقيقة أمره بالنسبة إلى القرار المطعون فيه وهل مس مصلحته , ويمكنه من تعرف مواطن العيب إن كان لذلك وجه .
3- أن يسمح العلم لصاحب الشأن بتحديد طرق الطعن المناسب .
ولا يتقيد إثبات العلم اليقينى بوسيلة إثبات معينة وإنما يمكن إثباته من أية واقعة تفيد حصوله .
ولا ينال من ذلك ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا بأن استطالة الأمد بين صدور القرار محل الطعن وبين سلوك سبيل دعوى الإلغاء هو مما يرجح العلم بالقرار فذلك مردود بأن استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه ليست دليلاً على العلم اليقينى بالقرار فقد لا يعلم المدعى بصدور القرار نهائياً بالرغم من فوات مدة طويلة على صدوره .
هذا فضلاً : عن أنه إذا افترضنا جدلاً أن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه دليل على علم صاحب الشأن به فإن هذا العلم هو مجرد علم ظنى أو افتراضى وليس علماً يقينياً فمجرد استطالة المدة بين صدور القرار والطعن عليه لا تصلح دليلاً قاطعاً على علم صاحب الشأن بالقرار وبكافة محتوياته وعناصره وتحديد مركزه بالنسبة له وما إذا كان قد مس مصلحته أم لا , فاستطالة الأمد لا تقوم مقام الإعلان على الإطلاق ولا يمكن أن يثبت العلم المراد بالإعلان بمجرد استطالة الأمد ثبوتاً يقينياً قاطعاً .
كما أنه : ليس صحيحاً القول بأن عدم العلم حال استطالة الأمد مؤداه إهدار المراكز القانونية التى استتبت على مدار السنين فذلك مردود بأن الحفاظ على استقرار المراكز القانونية وعدم زعزعتها مرهون بتوافر علم أصحاب الشأن علماً حقيقياً – لا ظنياً ولا افتراضياً – بالقرارات الماسة بهم والتى أنشأت هذه المراكز والتزام جهة الإدارة بإعلان أصحاب الشأن بهذه القرارات .
ولما كان القول باستطالة الأمد لا يكون إلا فى حالة عدم الإعلان أو عدم ثبوت الإعلان بالقرار وهو خطأ جهة الإدارة التى لا يجوز أن تستفيد منه بالقول بأن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه قرينة على العلم به .
فقرينة استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه كما تدل على العلم الظنى بالقرار فإنها تدل أيضاً على عدم العلم بالقرار أى أنها قرينة تقبل إثبات العكس ولا يصح استنتاج علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً من قرينه تقبل إثبات العكس , أو تعتمد على يقظة المدعى أو ثقافته .
وعلى ذلك فإن استطالة الأمد على صدور القرار لا تكفى وحدها دليلاً حاسماً على العلم اليقينى بالقرار وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى – بحسب ظروف كل حالة على حدة – على توافر هذا العلم وهو أمر متروك لمحكمة الموضوع تستخلصه من ظروف النزاع المعروض عليها وبعبارة أخرى أنه يمكن الاستناد عليه كأحد عناصر التدليل على توافر العلم اليقينى تعززه أدلة أخرى دون أن يكون وحده عنصراً حاسماً لتوافر هذا العلم وذلك كله بشرط التقيد بالمدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة وهى خمسة عشر سنة من تاريخ صدور القرار .
ومن حيث إنه عن مدى أثر ظهور مبدأ قانونى جديد للمحكمة الإدارية العليا لدائرة توحيد المبادئ فى انفتاح ميعاد رفع دعوى الإلغاء.
فإن المـحكمة الإداريـة العـليا قد ذهبت فى الطعنين رقمى 1885 و 1902 لسنة 31ق جلسة 28/1/1989 إلى أن الحكم الصادر من الدائرة الخاصة المشكلة بالمحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها فى المادة (54 مكرراً ) من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 وإن وضع حداً لاختلاف الرأى السابق عليه إلا أنه لا يسرى بأثر رجعى يمس الأحكام القضائية النهائية التى استقرت بها المراكز القانونية للأطراف المعنية وهو ما تأخذ به هذه المحكمة.
وبذلك فالحكم الصادر من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمــة الإداريــة العليــا بجلســة 6/6/1996 فى الطعن رقم 573 لسنة 39ق باعتبار جميع قطاعات – كوادر – ديوان عام وزارة المالية وحدة واحدة فى مجال التعيين والترقية والنقل والندب عند تطبيق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 / 1978, لأن هذا الحكم يعتبر حكماً كاشفاً لحقيقة وضع من يطعن على قرار مماثل, ومن ثم لا ينفتح باب الطعن بالنسبة لـه بعد فوات الميعاد, ومقتضى ذلك أن صدور حكم من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمبدأ قانونى جديد لا يفتح ميعاد لرفع دعوى الإلغاء.
فلهذه الأسباب
*************
حكمت المحكمة
******************
أولاً: بأن استطالة الأمد على صدور القرار لا يكفى وحده للقول بتوافر العلم اليقينى بالقرار ولكنها قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى كدليل على توافر هذا العلم تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف وملابسات النزاع المعروض عليها, بشرط ألا يتجاوز ذلك المدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة, وهى خمسة عشر عاماً من تاريخ صدور القرار.
ثانياً: أنـه لا يترتـب علـى صدور حكم دائرة توحيد المبادئ فى جلستها المنعقدة فى 6/6/1996 فى الطعن رقم 573 /39 ق انفتاح ميعاد جديد لرفع دعوى الإلغاء على النحو الوارد بالأسباب.
وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.
سكرتير المحكمة رئيس المحكمة