تعطيل الدستور: لايعنى العمل بالأحكام العرفية
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: عبير الضمرانى اسماعيل جمعة سامح لاشين
تساؤلات عديدة ترددت على ألسنة الكثيرين عقب إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعطيل العمل بالدستور الحالي، البعض ظن أن هذا التعطيل يعنى العودة الى تطبيق الأحكام العرفية والبعض الآخر يرى أن القوانين باتت فى حكم المعطلة هى الأخري.
ومابين هذه الآراء وتلك يبقى القول الفصل لدى فقهاء الدستور وخبراء القانون لتفسير الأوضاع الحالية مطمئنة بأن تعطيل الدستور لا يعنى الغاءه أو تطبيق الأحكام العرفية أو وقف العمل بالقوانين.
د. فوزية عبدالستار أستاذ القانون الدستورى بحقوق القاهرة، توضح أن تعطيل الدستور أو وقف العمل به يعنى أنه لايزال قائما وموجودا ولكن لا يطبق، وهذا كان لابد منه طالما الاتجاه الى تعديل الدستور وليس الى تغييره لو كان تغييره كان يسقط هذا الدستور، ونأتى بدستور جديد، لكن تعطيله هو وقفه الى أن يتم تعديل المواد التى تنظم الانتخابات بحيث يزول العوار أو العيب الذى لحق به فى التعديلات الدستورية التى تمت منذ 2005 وحتى 2007.
وعندما تعدل هذه المواد وما قد تراه اللجنة المشكلة لتعديله من مواد أخري، ففى هذه الحالة ـ عندما يتم التعديل ـ يتم رفع الحظر على تطبيق الدستور ويعود الى ماكان عليه معدلا وفقا لما تقره اللجنة.
وتحكمنا الآن القوانين التى صدرت بناء على الدستور، فالتشريعات فى الدولة متدرجة من حيث القوة اعلاها الدستور.
تليه القوانين ثم اللوائح فمازالت القوانين موجودة وهى التى تطبق فى جميع المجالات ماعدا القوانين المتعلقة بالمواد التى يجب تعديلها مثل قانون مباشرة تنظيم الحقوق السياسية.
أما فيما يتعلق بقانون الطوارئ، كما تقول د. فوزية عبدالستار، فهو لايزال قائما شأنه شأن باقى القوانين الى ان يصدر قرار بإنهاء حالة الطوارئ أو إلغاء قانون الطوارئ.
وقد لاحظت خلطا بين الأحكام العرفية وبين قانون الطوارئ، وأود أن أوضح أن قانون الأحكام العرفية صدر فى مصر سنة 1954، وألغى بالقانون رقم 162 سنة 1958 المعنى بشأن حالة الطوارئ.
وفى هذا القانون استبدل بتغيير الأحكام العرفية بتغيير حالة الطوارئ، ولذلك فإن حالة الطوارئ هى بديل لحالة الأحكام العرفية، وهذا يعنى أن قانون الطوارئ هو المطبق الآن. ويؤكد الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، أن تعطيل الدستور لا يعنى الإلغاء، بل سيتم تعديلات جزئية على المواد المطلوب تعديلها ثم يجرى الاستفتاء عليها وذلك بهدف اجراء الانتخابات الرئاسية وبعد ذلك من الممكن عمل دستور جديد أو ادخال تعديلات أخري.
القضاء العادى
من جانبه، أوضح المستشار حسن رضوان رئيس محكمة جنايات الجيزة، أن تعطيل العمل بالدستور لا يعنى توقف القضاء العادى فى مصر وأن جميع المحاكم الجنائية والمدنية تعمل بشكل طبيعي، لأن الأصل فى القضاء هو الحكم باسم الشعب، لذلك فإن العمل بالمحاكم لا يتوقف لأى ظرف.
وأضاف أنه بالنظر للظروف الدقيقة التى تمر بها مصر فى هذه المرحلة، فإن للحاكم العسكرى الحق فى إحالة بعض القضايا التى تشغل الرأى العام الى القضاء العسكري، مثل قضايا الفساد والاعتداء على المال العام، وما أثير من إحداث متعمد لفراغ أمنى وفتح السجون وذلك بهدف سرعة الفصل فيها ومحاكمة المسئولين عن تلك الجرائم.
بدون قيود دستورية
ومن ناحية أخري، يقول رجائى عطية المحامى إن الخطوات التى يتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن تكون مقيدة بالدستور وبهذا فإن هذا المجلس سوف يتصرف بالشرعية الثورية طالما أن الدستور معطل، والدليل على ذلك القرار الذى أصدره المجلس بحل مجلسى الشعب والشورى والحل طبقا للدستور لا يكون بالنسبة لمجلس الشعب إلا بالمادة 136 التى جعلت هذه السلطة لرئيس الجمهورية، وبالمادة 204 من الدستور طبقا لمجلس الشوري، وهى أيضا تمنح الاختصاص بالحل لرئيس الجمهورية وتجعله مقصورا عليه وكلا المادتين توجب على رئيس الجمهورية فى حالة الحل أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين الى انتخاب المجلس الجديد سواء شعب أو شورى فى خلال 60 يوما من تاريخ صدور قرار الحل.
ويتضح من ذلك أن قرار المجلس العسكرى لن يتقيد لا بسلطة إصدار قرار الحل، ولا بوجوب أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين للمجلسين خلال 60 يوما، ومعنى هذا أن الدستور معطل، أما باقى القرارات التى سوف تتابع لن تصدر طبقا للدستور لأنه معطل، ونسير الآن على مجموعة القوانين المنظمة للحياة فى مصر، وهذه القوانين بأنواعها سارية وهى تضمن الحد الأدنى لاستقامة الحياة وعدم تحولها الى فوضى وخلاف ذلك الأمر فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى عليه ـ حتى ان لم يتمكن مقيدا بالدستور وتعطيله ـ فإن عليه أن يستلهم أحكام الدستور، ولكن ما هو وضع الأحكام العرفية؟. يوضح رجائى عطية أن الأحكام العرفية هى المسمى التاريخى القديم لحالة الطوارئ المعلنة فى مصر منذ 6 اكتوبر 1981 وتجدد كل فترة، وبالتالى فإن حالة الطوارئ هذه قائمة ومعلنة وهى التى يستند إليها قرار حظر التجول، لأن حظر التجول لا يبيحه القانون القانون العادى بل يبيحه قانون الطوارئ.
انهيار قانوني
ولكن هل يترتب على تعطيل الدستور انهيار قانونى فى البلاد؟، يجيب رجائى عطية قائلا: تعطيل الدستور يقتصر على الدستور ولا يمس ولا يلغى القوانين سارية وواجبة الاحترام والتطبيق الى أن يتم تعديلها أو إلغاؤها بمعرفة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن فى بيانه الخامس بأ له سلطة إرسال مراسيم بالقوانين أو ما يصدر من البرلمان بعد إعادة انتخاب مجلسى الشعب والشورى وبالتالى لا يوجد انهيار قانونى فى البلاد وتظل الأحكام التى تصدر عن المحاكم سارية محل احترام وتطبيق وتنفيذ.
أما عن وضع الوزارة فإن البعض يقصر فيما يستخدمون تعبير أن الرئيس مبارك، وكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن المجلس يباشر إدارة شئون البلاد فى هذا التوقيت، فهذا التكييف خاطئ لأن القاعدة أن الوكيل لا يملك ما لا يمكن الموكل، والموكل هو الرئيس السابق قبل تخليه عن منصبه، بينما نرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتقيد بهذا القيد الذى كان يجب أن يتعيد به الرئيس، وبالتالى فإن مصدر ما يباشره المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو مزيج من قرار التكليف الذى صدر من الرئيس قبل تخليه عن منصبه، ومن الشرعية الثورية المستمدة من الوضع الذى خلقته الثورة التى بدأت 25 يناير 2011.
وأكد المستشار حسن حسانين رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن تجديد الدستور بالكامل مسألة لن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لسهولة ذلك الإجراء أمام فقهاء الدستور، بينما أكد المستشار جمال القيسونى رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن سير العمل بالمحاكم المصرية لن يتأثر بتعطيل أو حتى تغيير الدستور لأن التشريعات التى تطبق داخل المحاكم مستشهدة من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية والمدنية، وهى قواعد راسخة لن تتأثر بشكل واضح بتغير الدستور.
ويؤكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجى ان تعطيل الدستور على النحو الذى اوضحه بيان القوات المسلحة لايعنى على الاطلاق العمل بالاحكام العرفية لأن العمل بتلك الاحكام يجب ان يتم اعلانه للمواطنين بشكل واضح وصريح، وتقوم القوات المسلحة بإعلان بيان مفصل عن ماهية تلك الاحكام وتاريخ العمل بها فى كل وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة.
فى حين اكد الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان حل مجلسى الشعب والشورى وايقاف العمل بالدستور يعنى اننا فى ظل الاحكام العرفية خلال المرحلة الانتقالية. واضاف ان القوات المسلحة لا تريد الاعلان الصريح بهذا الشكل كما انها تطبق الاحكام بشكل مخفف حتى لايتم اطلاق كلمة انقلاب على هذه المرحلة.
واشار الى ان ايقاف العمل بالدستور لايعنى الغاءه.
قال المستشار د.محمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، إن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعطيل أحكام الدستور الحالية لا يعنى إلغاء القوانين الحالية فهى لا تزال سارية، بما فى ذلك قانون الطوارئ، مشددا على أن التعطيل خطوة مبدئية على طريق تعديل أهم مواده.
وأوضح المستشار كمال اللمعى، رئيس محاكم القضاء الإدارى، أنه يجب عرض التعديلات الدستورية الجديدة على استفتاء شعبى عام، على أن يعمل بها كإعلان دستورى مؤقت كما حدث عقب ثورة يوليو 1952 تجرى على أساسه الانتخابات البرلمانية القادمة بنزاهة وقانونية، ثم يختص البرلمان المنتخب بتمرير دستور جديد للبلاد.
ومن جهته قال المستشار عادل فرغلى، الرئيس السابق لمحكمة القضاء الإدارى، إن الشرعية الوحيدة الموجودة الآن فى مصر هى شرعية الثورة الشعبية التى يحميها الجيش المصرى، مما دفع المجلس العسكرى إلى تعطيل أحكام الدستور، ومن الملائم حاليا تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يضمن تداول السلطة المدنية.
وأضاف فرغلى لـ«الشروق» أن لجنة التعديلات الدستورية التى شكلها الرئيس السابق حسنى مبارك سقطت نهائيا لأن تفويضها صدر من رئيس سقط حكمه، وكانت مهمتها تقتصر على إجراءات تحضيرية لتعديل دستورى فى الأيام القادمة، أجهضته الشرعية الثورية الجديدة.
واستطرد: رغم أن هذه اللجنة كانت تضم شخصيات قضائية مميزة فهى لا تصلح لتكون جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد، لأن الجمعية يجب أن تضم شخصيات متخصصة وذات خبرة طويلة فى تشريع القوانين وممثلين عن المجتمع المدنى يستلهمون روح الثورة الجديدة فى إعداد الدستور الجديد لمصر.
وطالب فرغلى بتشكيل جمعية تأسيسية من 10 فقهاء وأساتذة قانون دستورى لوضع دستور جديد لمصر، يعرض على الشعب فى استفتاء عام، ويتم تأسيس الجمهورية المصرية الحديثة انطلاقا من هذا الدستور، مع تضمينه جميع المواد التى تلبى احتياجات المواطنين وتتلافى مساوئ الدستور السابق.
وأوضح أن القاعدة التشريعية الرئيسية فى العالم هى أن «الشعب مصدر السلطات» وأن له السلطة والشرعية الدائمة لإسقاط ما يشاء من دساتير وقوانين دون الحاجة للاحتكام إلى الحاكم أو البرلمان، وبتطبيق هذه القاعدة على الوضع الحالى فى مصر «يتبين سطوع شرعية جديدة لثورة الشباب الحالية، تفوق فى قوتها ورسوخها شرعية حركة الضباط الأحرار عام 1952».
وتوقع فرغلى أن يتخذ المجلس العسكرى قرارا بحل جميع المجالس الشعبية المحلية التى كان يسيطر عليها الحزب الوطنى، وبالنسبة للأحزاب القائمة حاليا، أكد أنه من غير الجائز قانونا حلها أو إسقاطها إلاّ إذا ثبت على بعضها مخالفات صريحة للدستور وقانون الأحزاب الحالى، لأنها جميعا اكتسبت مراكز قانونية ثابتة ولا يجوز إهدار هذه المراكز فى دولة القانون.
وذكر فرغلى أن الأحكام العرفية المفترض إعلانها فى أوقات سقوط الأنظمة «قائمة بالفعل منذ 30 سنة متمثلة فى قانون الطوارئ الحالى».
واعتبر فرغلى الذى أصدر الحكم القضائى التاريخى بوضع حد أدنى لأجور العاملين على المستوى القومى أن «تجاهل الدولة تنفيذ أحكام مجلس الدولة خلال عام 2010 رسخت فى وجدان المواطنين معاداة النظام السابق للقانون ومخالفاته المستمرة للدستور، وهو ما كان القشة التى أشعلت فتيل الثورة».
وفى ذات السياق، قال القاضى أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض عضو اللجنة السابقة التى كلفت بتعديل الدستور، إن «أعضاء اللجنة لم يكونوا ممثلين للشعب بل كانوا مكلفين بإجراء تعديلات على دستور ملىء بالعيوب، وأشار مكى إلى أن التشريع يجب أن يلبى احتياجات المواطنين ليسهل إلزامهم به، وأن لجنة التعديلات الدستورية كانت تضع هذا نصب أعينها وتحاول أن تؤدى دورا يليق بمصر الجديدة التى ولدت فى 25 يناير وشباب الثورة الذين عبروا عن رأيهم بمظهر حضارى.
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: عبير الضمرانى اسماعيل جمعة سامح لاشين
تساؤلات عديدة ترددت على ألسنة الكثيرين عقب إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعطيل العمل بالدستور الحالي، البعض ظن أن هذا التعطيل يعنى العودة الى تطبيق الأحكام العرفية والبعض الآخر يرى أن القوانين باتت فى حكم المعطلة هى الأخري.
ومابين هذه الآراء وتلك يبقى القول الفصل لدى فقهاء الدستور وخبراء القانون لتفسير الأوضاع الحالية مطمئنة بأن تعطيل الدستور لا يعنى الغاءه أو تطبيق الأحكام العرفية أو وقف العمل بالقوانين.
د. فوزية عبدالستار أستاذ القانون الدستورى بحقوق القاهرة، توضح أن تعطيل الدستور أو وقف العمل به يعنى أنه لايزال قائما وموجودا ولكن لا يطبق، وهذا كان لابد منه طالما الاتجاه الى تعديل الدستور وليس الى تغييره لو كان تغييره كان يسقط هذا الدستور، ونأتى بدستور جديد، لكن تعطيله هو وقفه الى أن يتم تعديل المواد التى تنظم الانتخابات بحيث يزول العوار أو العيب الذى لحق به فى التعديلات الدستورية التى تمت منذ 2005 وحتى 2007.
وعندما تعدل هذه المواد وما قد تراه اللجنة المشكلة لتعديله من مواد أخري، ففى هذه الحالة ـ عندما يتم التعديل ـ يتم رفع الحظر على تطبيق الدستور ويعود الى ماكان عليه معدلا وفقا لما تقره اللجنة.
وتحكمنا الآن القوانين التى صدرت بناء على الدستور، فالتشريعات فى الدولة متدرجة من حيث القوة اعلاها الدستور.
تليه القوانين ثم اللوائح فمازالت القوانين موجودة وهى التى تطبق فى جميع المجالات ماعدا القوانين المتعلقة بالمواد التى يجب تعديلها مثل قانون مباشرة تنظيم الحقوق السياسية.
أما فيما يتعلق بقانون الطوارئ، كما تقول د. فوزية عبدالستار، فهو لايزال قائما شأنه شأن باقى القوانين الى ان يصدر قرار بإنهاء حالة الطوارئ أو إلغاء قانون الطوارئ.
وقد لاحظت خلطا بين الأحكام العرفية وبين قانون الطوارئ، وأود أن أوضح أن قانون الأحكام العرفية صدر فى مصر سنة 1954، وألغى بالقانون رقم 162 سنة 1958 المعنى بشأن حالة الطوارئ.
وفى هذا القانون استبدل بتغيير الأحكام العرفية بتغيير حالة الطوارئ، ولذلك فإن حالة الطوارئ هى بديل لحالة الأحكام العرفية، وهذا يعنى أن قانون الطوارئ هو المطبق الآن. ويؤكد الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، أن تعطيل الدستور لا يعنى الإلغاء، بل سيتم تعديلات جزئية على المواد المطلوب تعديلها ثم يجرى الاستفتاء عليها وذلك بهدف اجراء الانتخابات الرئاسية وبعد ذلك من الممكن عمل دستور جديد أو ادخال تعديلات أخري.
القضاء العادى
من جانبه، أوضح المستشار حسن رضوان رئيس محكمة جنايات الجيزة، أن تعطيل العمل بالدستور لا يعنى توقف القضاء العادى فى مصر وأن جميع المحاكم الجنائية والمدنية تعمل بشكل طبيعي، لأن الأصل فى القضاء هو الحكم باسم الشعب، لذلك فإن العمل بالمحاكم لا يتوقف لأى ظرف.
وأضاف أنه بالنظر للظروف الدقيقة التى تمر بها مصر فى هذه المرحلة، فإن للحاكم العسكرى الحق فى إحالة بعض القضايا التى تشغل الرأى العام الى القضاء العسكري، مثل قضايا الفساد والاعتداء على المال العام، وما أثير من إحداث متعمد لفراغ أمنى وفتح السجون وذلك بهدف سرعة الفصل فيها ومحاكمة المسئولين عن تلك الجرائم.
بدون قيود دستورية
ومن ناحية أخري، يقول رجائى عطية المحامى إن الخطوات التى يتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة لن تكون مقيدة بالدستور وبهذا فإن هذا المجلس سوف يتصرف بالشرعية الثورية طالما أن الدستور معطل، والدليل على ذلك القرار الذى أصدره المجلس بحل مجلسى الشعب والشورى والحل طبقا للدستور لا يكون بالنسبة لمجلس الشعب إلا بالمادة 136 التى جعلت هذه السلطة لرئيس الجمهورية، وبالمادة 204 من الدستور طبقا لمجلس الشوري، وهى أيضا تمنح الاختصاص بالحل لرئيس الجمهورية وتجعله مقصورا عليه وكلا المادتين توجب على رئيس الجمهورية فى حالة الحل أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين الى انتخاب المجلس الجديد سواء شعب أو شورى فى خلال 60 يوما من تاريخ صدور قرار الحل.
ويتضح من ذلك أن قرار المجلس العسكرى لن يتقيد لا بسلطة إصدار قرار الحل، ولا بوجوب أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين للمجلسين خلال 60 يوما، ومعنى هذا أن الدستور معطل، أما باقى القرارات التى سوف تتابع لن تصدر طبقا للدستور لأنه معطل، ونسير الآن على مجموعة القوانين المنظمة للحياة فى مصر، وهذه القوانين بأنواعها سارية وهى تضمن الحد الأدنى لاستقامة الحياة وعدم تحولها الى فوضى وخلاف ذلك الأمر فى يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى عليه ـ حتى ان لم يتمكن مقيدا بالدستور وتعطيله ـ فإن عليه أن يستلهم أحكام الدستور، ولكن ما هو وضع الأحكام العرفية؟. يوضح رجائى عطية أن الأحكام العرفية هى المسمى التاريخى القديم لحالة الطوارئ المعلنة فى مصر منذ 6 اكتوبر 1981 وتجدد كل فترة، وبالتالى فإن حالة الطوارئ هذه قائمة ومعلنة وهى التى يستند إليها قرار حظر التجول، لأن حظر التجول لا يبيحه القانون القانون العادى بل يبيحه قانون الطوارئ.
انهيار قانوني
ولكن هل يترتب على تعطيل الدستور انهيار قانونى فى البلاد؟، يجيب رجائى عطية قائلا: تعطيل الدستور يقتصر على الدستور ولا يمس ولا يلغى القوانين سارية وواجبة الاحترام والتطبيق الى أن يتم تعديلها أو إلغاؤها بمعرفة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أعلن فى بيانه الخامس بأ له سلطة إرسال مراسيم بالقوانين أو ما يصدر من البرلمان بعد إعادة انتخاب مجلسى الشعب والشورى وبالتالى لا يوجد انهيار قانونى فى البلاد وتظل الأحكام التى تصدر عن المحاكم سارية محل احترام وتطبيق وتنفيذ.
أما عن وضع الوزارة فإن البعض يقصر فيما يستخدمون تعبير أن الرئيس مبارك، وكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن المجلس يباشر إدارة شئون البلاد فى هذا التوقيت، فهذا التكييف خاطئ لأن القاعدة أن الوكيل لا يملك ما لا يمكن الموكل، والموكل هو الرئيس السابق قبل تخليه عن منصبه، بينما نرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتقيد بهذا القيد الذى كان يجب أن يتعيد به الرئيس، وبالتالى فإن مصدر ما يباشره المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو مزيج من قرار التكليف الذى صدر من الرئيس قبل تخليه عن منصبه، ومن الشرعية الثورية المستمدة من الوضع الذى خلقته الثورة التى بدأت 25 يناير 2011.
وأكد المستشار حسن حسانين رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن تجديد الدستور بالكامل مسألة لن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لسهولة ذلك الإجراء أمام فقهاء الدستور، بينما أكد المستشار جمال القيسونى رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن سير العمل بالمحاكم المصرية لن يتأثر بتعطيل أو حتى تغيير الدستور لأن التشريعات التى تطبق داخل المحاكم مستشهدة من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية والمدنية، وهى قواعد راسخة لن تتأثر بشكل واضح بتغير الدستور.
ويؤكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجى ان تعطيل الدستور على النحو الذى اوضحه بيان القوات المسلحة لايعنى على الاطلاق العمل بالاحكام العرفية لأن العمل بتلك الاحكام يجب ان يتم اعلانه للمواطنين بشكل واضح وصريح، وتقوم القوات المسلحة بإعلان بيان مفصل عن ماهية تلك الاحكام وتاريخ العمل بها فى كل وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة.
فى حين اكد الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان حل مجلسى الشعب والشورى وايقاف العمل بالدستور يعنى اننا فى ظل الاحكام العرفية خلال المرحلة الانتقالية. واضاف ان القوات المسلحة لا تريد الاعلان الصريح بهذا الشكل كما انها تطبق الاحكام بشكل مخفف حتى لايتم اطلاق كلمة انقلاب على هذه المرحلة.
واشار الى ان ايقاف العمل بالدستور لايعنى الغاءه.
قال المستشار د.محمد عطية، النائب الأول لرئيس مجلس الدولة، إن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعطيل أحكام الدستور الحالية لا يعنى إلغاء القوانين الحالية فهى لا تزال سارية، بما فى ذلك قانون الطوارئ، مشددا على أن التعطيل خطوة مبدئية على طريق تعديل أهم مواده.
وأوضح المستشار كمال اللمعى، رئيس محاكم القضاء الإدارى، أنه يجب عرض التعديلات الدستورية الجديدة على استفتاء شعبى عام، على أن يعمل بها كإعلان دستورى مؤقت كما حدث عقب ثورة يوليو 1952 تجرى على أساسه الانتخابات البرلمانية القادمة بنزاهة وقانونية، ثم يختص البرلمان المنتخب بتمرير دستور جديد للبلاد.
ومن جهته قال المستشار عادل فرغلى، الرئيس السابق لمحكمة القضاء الإدارى، إن الشرعية الوحيدة الموجودة الآن فى مصر هى شرعية الثورة الشعبية التى يحميها الجيش المصرى، مما دفع المجلس العسكرى إلى تعطيل أحكام الدستور، ومن الملائم حاليا تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد يضمن تداول السلطة المدنية.
وأضاف فرغلى لـ«الشروق» أن لجنة التعديلات الدستورية التى شكلها الرئيس السابق حسنى مبارك سقطت نهائيا لأن تفويضها صدر من رئيس سقط حكمه، وكانت مهمتها تقتصر على إجراءات تحضيرية لتعديل دستورى فى الأيام القادمة، أجهضته الشرعية الثورية الجديدة.
واستطرد: رغم أن هذه اللجنة كانت تضم شخصيات قضائية مميزة فهى لا تصلح لتكون جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد، لأن الجمعية يجب أن تضم شخصيات متخصصة وذات خبرة طويلة فى تشريع القوانين وممثلين عن المجتمع المدنى يستلهمون روح الثورة الجديدة فى إعداد الدستور الجديد لمصر.
وطالب فرغلى بتشكيل جمعية تأسيسية من 10 فقهاء وأساتذة قانون دستورى لوضع دستور جديد لمصر، يعرض على الشعب فى استفتاء عام، ويتم تأسيس الجمهورية المصرية الحديثة انطلاقا من هذا الدستور، مع تضمينه جميع المواد التى تلبى احتياجات المواطنين وتتلافى مساوئ الدستور السابق.
وأوضح أن القاعدة التشريعية الرئيسية فى العالم هى أن «الشعب مصدر السلطات» وأن له السلطة والشرعية الدائمة لإسقاط ما يشاء من دساتير وقوانين دون الحاجة للاحتكام إلى الحاكم أو البرلمان، وبتطبيق هذه القاعدة على الوضع الحالى فى مصر «يتبين سطوع شرعية جديدة لثورة الشباب الحالية، تفوق فى قوتها ورسوخها شرعية حركة الضباط الأحرار عام 1952».
وتوقع فرغلى أن يتخذ المجلس العسكرى قرارا بحل جميع المجالس الشعبية المحلية التى كان يسيطر عليها الحزب الوطنى، وبالنسبة للأحزاب القائمة حاليا، أكد أنه من غير الجائز قانونا حلها أو إسقاطها إلاّ إذا ثبت على بعضها مخالفات صريحة للدستور وقانون الأحزاب الحالى، لأنها جميعا اكتسبت مراكز قانونية ثابتة ولا يجوز إهدار هذه المراكز فى دولة القانون.
وذكر فرغلى أن الأحكام العرفية المفترض إعلانها فى أوقات سقوط الأنظمة «قائمة بالفعل منذ 30 سنة متمثلة فى قانون الطوارئ الحالى».
واعتبر فرغلى الذى أصدر الحكم القضائى التاريخى بوضع حد أدنى لأجور العاملين على المستوى القومى أن «تجاهل الدولة تنفيذ أحكام مجلس الدولة خلال عام 2010 رسخت فى وجدان المواطنين معاداة النظام السابق للقانون ومخالفاته المستمرة للدستور، وهو ما كان القشة التى أشعلت فتيل الثورة».
وفى ذات السياق، قال القاضى أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض عضو اللجنة السابقة التى كلفت بتعديل الدستور، إن «أعضاء اللجنة لم يكونوا ممثلين للشعب بل كانوا مكلفين بإجراء تعديلات على دستور ملىء بالعيوب، وأشار مكى إلى أن التشريع يجب أن يلبى احتياجات المواطنين ليسهل إلزامهم به، وأن لجنة التعديلات الدستورية كانت تضع هذا نصب أعينها وتحاول أن تؤدى دورا يليق بمصر الجديدة التى ولدت فى 25 يناير وشباب الثورة الذين عبروا عن رأيهم بمظهر حضارى.