بحث فى حالات بطلان العقود
مقدمه
ان العقد أحد مصادر الإلتزام ، وهو توافق إرادتين او اكثر ، على تحقيق أثر قانوني معين ، هذا الأثر قد يكون انشاء إلتزام او نقله او تعديله او إنهائه
ويقوم العقد على ثلاثة أمور أساسيه
أولها تواجد إرادتين او اكثر لا إرادة واحدة وثانيهما وجود توافق بين ارادات أطراف العقد على الأثر القانوني المقصود وثالثهما توجه هذا التوافق لأحداث أثر قانوني معين اي انشاء رابطة قانونية موضوعها انشاء إلتزام او نقله او تعديله.
ولما كان للعقد أركان أساسيه يقوم عليها حتى ينتج الأثر القانوني المبتغى من إبرامه كان من الضروري ان تكون هذه الأركان متواجده وقائمة بصورة صحيحة لاسيما تطلب القانون وجودها بشكل معين يراعي وجوبا .
وما يشوب العقد فى أركان وطريقة إبرامه من عوار يسمى بالبطلان من حيث آثار تواجد خلل فى أحد أركان العقد والبطلان كأثر مترتب على وجود خلل أصاب العقد فى أحد أركانه مختلف باختلاف نوع الخلل الذي أصاب اي من أركان العقد ، فالعقد له أركان انعقاد تخلف أحدها أصابه بخلل يولد ذلك حالة من حالات البطلان المطلق الذي يلغي ويمحو اي وجود للعقد ، وكذلك فى حالة وجود خلل فى شروط صحة العقد والتي يترتب عليها بطلان اقل شدة من سابقة وهو نسبي الآثار حيث يمكن التغلب عليه .
لما كان للعقد من اهمية بالغه كمصدر للإلتزامات كان حري بنا ان نتعرض اهم صور البطلان التي تشوب العقود وحالاته وآثار وجود البطلان فى العقد .
خطة البحث
نتناول فى بحثنا هذا مفهوم البطلان وآثاره المتولدة عن الخلل والعوار الذي يصيب العقد فى أركان انعقاده وشروط صحيته ، سيتعين بما سبق واكده الفقه واستقر عليه القانون والقضاء من تعريف للبطلان وصوره وآثاره .
ويتكون البحث من مبحثين رئيسين جعلنا اولهما لإيضاح مفهوم البطلان وتعريفه والفرق بينه وبين بعض الصور المتشابهه من حيث آثارها وكان ذلك فى مطلب اول والشق الآخر من المبحث الأول كان لإيضاح أنواع البطلان التي تصيب العقد والفرق بينهم بعض الآثار الناتجه من عيوب اشابه التعاقد المبحث الثاني لتوضيح آثار البطلان فى ثلاث مطالب الأول نتناول فيه آثار البطلان فيما بين المتعاقدين والثاني آثاره بالنسبة للغير والمطلب الأخير لإيضاح البطلان الجزئي.
المبحث الأول / ما هية البطلان وأنواعه
المطلب الأول : التعريف بالبطلان
( أ ) تعريف :-
البطلان هو الجزاء الذي قرره القانون عند تخلف ركن من أركان العقد ( التراضي ، المحل ، السبب ، الشكل فى العقود الشكلية ) أوشرط من شروط صحته ( الأهلية ، سلامه الاداره ) العقد الباطل هو العقد الذي لا تتوافر فيه إلا إذا استجمع أركان انعقاده من رضى ومحل وسبب للانعقاد . ويبطل العقد إذا لم يستوف شرائط صحته (،)1) وذلك مثل وجود نقص الأهلية أو عيب من عيوب الإدارة ( غلط ، تدليس ، استغلال ، إكراه ) .
ويترتب على البطلان إعتبار العقد أو التصرف القانوني غير موجود ، وأنه لم يقم منذ البداية ولا يترتب أى أثر سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبه للغير .
( ب ) البطلان وعدم النفاذ .
العقد غير النافذ هو عقد صحيح فيما بين طرفيه وينتج آثاره بينهما ، ولكنه لا ينفذ فى حق الغير ، وهو الأجنبي عن العقد ، وذلك أعمال لمبدأ سببية آثار العقود ، فالعقد لا يسرى فى مواجهة شخص لا يشترك فيه . معنى وذلك أن عدم النفاذ ام عدم السريان يعني أن العقد الصحيح المنتج لآثاره بين طرفه لا يمكن الاجتماع به فى مواجهة غير عاقديه
مثال ذلك : إيجار ملك الغير ، فهو عقد صحيح وينتج أثره فيما بين عاقديه ، لكنه لا ينفذ فى مواجهة المالك الحقيقي .
( جـ ) البطلان والفسخ
الفسخ هو جزاء يرتبه القانون على عدم تنفيذ طرفى العقد لإلتزامه . فالعقد ينشأ صحيح ، وينتج آثاره فيما بين طرفيه ، إلا أن أحدهما لا يقوم بتنفيذ إلتزامه ، فيكون للعاقد الآخر طلب فالفسخ لا يكون إلا فى العقود الملزمة للجانبين . والفسخ مثلا البطلان من حيث ترتيب الأثر الناتج عنه كقاعدة عامة زوال العقد بأثر رجعى أى منذ وقت إبرامه .
يترتب البطلان بوجود خلل فى تكوين العقد عند إبرامه ، فإذا توافرت أركان العقد وشروط صحته ، فإنه ينشأ صحيحا ويترتب آثار ، ولا يبطل إذا حدث بعد ذلك خلل فى أركان العقد أو شروطه ، بل يمكن أن يؤدى ذلك إلى الفسخ . فالبطلان مرجعيته عيب فى تكون العقد ، أما الفسخ فمرجعه خلل فى تنفيذ العقد أى لا حق لنشأئه . فالعقد ينشأ صحيح ولا يحكم ببطلانه إذا فقد المتعاقد أهليته بعد إبرام العقد ، أو إذا تغير الباحث كما لو استخدام المستأجر العين المؤجرة فى غرض غير مشروع ، أو أصبح المحل مستحيل ، كما لو هلك الشئ المبيع بعد العقد ، فذلك لا يؤدى إلى بطلان وإنما يعتبر سببأ من أسباب الفسخ (1
المطلب الثاني ( أنواع البطلان )
البطلان المطلق والبطلان النسبى
( أ ) معيار التفرقة
يستقر الفقة التقليدى على تقسيم البطلان إلى نوعين : مطلق و نسبى ، وذلك بالنظر إلى أركان العقد من جهة وشروط صحته من جهة آخرى ، فإذا تخلف أحد أركان العقد كان البطلان مطلق لخطورة العيب الذى لحق العقد . وإذا تخلف شرط من شروط صحه العقد كان البطلان نسبيأ لأن العيب أقل خطورة ويكون العقد قابلا للأصلاح .
والعقد الباطل بطلان مطلق يعتبر غير موجود قانوناً ، فهو والعدم سواء ، لتخلف ركن أو اكثر من أركان انعقاده ، ويتم ذلك إذا انعدم الرضاء ، او تخلف المحل أو السبب ، أوكانا غير مشروعين ، او تخلف شكل العقد إذا اشترط القانون أو الاتفاق شكلاً لا نعقاده . (2)
والعقد الباطل بطلان نسبى يعتبر صحيح وتترتب عليه آثاره إلا أنه معيب يمكن أن يقضى ببطلانه ، لذا يقال بأنه عقد قابل للإبطال .
فإذا ما تقرر البطلان فا لآثار واحدة فى كل من البطلان المطلق والنسبى حيث يزول العقد فى الحالتين بأثر رجعى . ويكون البطلان نسبى فى حالة تخلف شرط من شروط صحة العقد ، وذلك مثل وجود عيب من عيوب الإدارة أو نقص فى أهليه أحد الطرفين
وينظر البعض حديثاً إلى البطلان النسبى من وجهة نظر مغايره هى طبيعية المصلحة محل الحماية ، فالبطلان المطلق يتقرر إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف حماية مصلحه عامة ويتقرر البطلان النسبى إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف مصلحه خاصه .
( ب ) حكم العقد الباطل والعقد القابل للإبطال :-
يقع العقد باطلا إذا تخلف ركن من أركانه ، فهو لا يقوم لأنه لم ينعقد أصلاً ولا وجود له شرعاً ، ولهذا لا يترتب آثاره في الحال أو المستقبل .
ويجوز أن يتمسك كلا الطرفين ولكل ذي مصلحه بالبطلان والامتناع عن تنفيذه ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها في أي وقت ولا يقبل الأجازة .
العقد القابل للإبطال بطلان نسبى هو عقد توافرت له كل أركان ولكن تخلف منه شرط من شروط الصحة ، كما لو صدر من شخص ناقص الأهلية أو شاب الرضاء غلط أو تدليس أو أكراه أو استغلال ، أن مثل هذا العقد ينشأ ويلزم أطرافه ويترتب آثاره . ولكن يجوز للمتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته ، بسبب نقص أهلية أو تعيب إرادته أن يطلب إبطاله أو أن يجيزه . وإذا سكت مدة معينه سقط حقه في طلب الإبطال بالتقادم ، فالعقد ينشأ صحيح ويظل كذلك حتى يقضى ببطلانه ، فهو صحيح في الحال وواجب النفاذ ، وإلا أنه يكون فهدد بالإبطال، ويحن لم تقرر بالبطلان لمصلحته أن يطلب إبطاله وله أن يجيزه ويطلب إلزامه الطرف الآخر تنفيذ إلتزامته .
( جـ ) حالات البطلان المطلق :-
يقرر البطلان المطلق في حالة تخلف أحد أركان العقد وذلك في الحالات الآتية :-
1. إذا انعدم الرضاء ، كما لو تم إبرام العقد عن طريق شخصي عدم الأهلية غير مميز أو مجنون أو تحت تأثير الغلط المانع أو الإكراه المادي ، وفى حالة عدم تطابق القبول مع الإيجاب .
2. إذا كان المحل غير موجود أو مستحيل أو غير مشروع أو غير معين أو غير قابل للتعيين .
3. إذا تخلف السبب أو اتسم بعدم المشروعية .
4. إذا تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون كركن في العقد كما هو الحال في اشتراط الرسمية لإبرام الرهن الرسمي وهبة العقار .
5. إذا ورد في القانون نص خاص يقضى ببطلان العقد بطلان مطلق ، مثال ذلك اشتراط تحديد مدة معينه لانعقاد الوعد بالتقاعد قد وبيع الوفاء ، وبيع أموال الدولة الخاصة يعتبر طريق المزاد عند اشتراط القانون ذلك .
6. استقر القضاء على الحكم بإبطال التصرف المبنى على الغش نحو القانون ، أي إذا كان الغرض منه الاحتيال على تطبيق القانون ( الغلط في القانون ) للتهرب من حكم يتعلق بالنظام العام .
( د ) حالات البطلان النسبي :-
يكون العقد للإبطال أو باطلاً نسبيا في عدة حالات
1. إذا كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية .
2. إذا شاب أحد المتعاقدين عيب من عيوب الإرادة .
3. إذا ورد نص في القانون يقضى بالبطلان النسبي للعقد كبيع ملك الغير حيث يكون للمشترى طلب إبطال العقد .
المبحث الثاني ( آثار البطلان )
المطلب الأول : آثار البطلان فيما بين المتعاقدين
أثر البطلان فيما بين المتعاقدين
يترتب على بطلان العقد عدم جواز المطالبة بتنفيذه ، وزواله بأثر رجعي بحق يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .
( أ ) عدم جواز المطالبة بالتنفيذ :
يترتب على بطلان العقد زواله ، ولا تتولد عنه الآثار المقصودة من إبرامه فإذا كان العقد الذي تقرر بطلان لم يبدأ تنفيذه بعد من أي من الطرفين ، فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشىء نحو الآخر . لا يجوز لأي منهما أن يطالب الآخر بتنفيذ إلتزاماته التي يرتبها العقد فيما لو كان صحيحاً . فإذا طالب أحد العاقدين بشي من ذلك كان للطرف الآخر أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . فإذا كنا بصدد بيع باطل أو تم إبطاله وطالب المشتري البائع بتسليم المبيع كان للبائع أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . ونفس الشئ عند المطالبة بالثمن يحوز للمشتري توقي ذلك بالدفع بالبطلان . ( 1)
( ب ) الإلتزام بالرد .
يترتب على صدور حكم بإبطال العقد أو ببطلانه زواله بأثر رجعى . يبطل العقد بأثر رجعى ويعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له . فالحكم القضائي يكون كاشفاً وليس منشئاً لحالة البطلان أو الإبطال .
ويعني الأثر الرجعى عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد . ويلتزم كل منها بأن يرد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد الذي تم إبطاله ويستوي في ذلك العقد الباطل و العقد القابل للإبطال .
ويثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كلياً أو جزئياً من أحد الطرفين أو منهما معاً ثم يتقرر البطلان بعد ذلك هنا يتعين ، إعمالا للأثر للرجعى للبطلان ، إعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد . فإذا تنفيذ عقد بيع باطل وجب رد المبيع للبائع ورد الثمن للمشتري .
وأساس الإلتزام بالرد هو دفع غير المستحق . فمن المقرر أنه استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق . فنتيجة للأثر الرجعى لبطلان العقد أو لإبطاله يعتبر كل متعاقد أخذ ما أعطاه إليه المتعاقد الآخر من غير أن يكون له حق فيه ، ومن ثم يلتزم برده إليه .
( جـ ) نطاق الإلتزام بالرد .
إن قاعدة الإلتزام بالرد ليست مطلقة بل ترد عليها بعض القيود التي ترجع لاعتبارات الواقع واستقرار المعاملات ومراعاة بعض المصالح الجديرة بالحماية .
أولأ : الأصل أن يكون الرد عيناً بحيث يرد كل متعاقد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد ، إلا إنه قد يتعذر على المتعاقد ، أحياناً ، رد عين ما حصل عليه ، كما إذا كان الشئ قد هلك أو تلف . هنا يمكن إلزام المتعاقد الذي بحسب قيمة الشئ المبيع مثلاً. وذلك أن التعويض المعادلة بقوم مقام الرد العيني . ولا يعتبر هذا التعويض من قبيل الثمن ولا يخضع لأحكامه ، وإنما يخضع لأحكام التعويض وحدها .
ثانيا: إذا ترتب علي تنفيذ العقد الباطل انتقال حيازة شئ إلى أحد الطرفين ، هذا يتعين حمايته إذا كان حسن النية لا يعلم بسبب البطلان وتتمثل الحماية فى عدة وجوه .
يعامل معاملة الحائز حسن النية فيما يتعلق بالثمار فهو يلتزم برد الشئ الذي تسلمه ويحتفظ لنفسه بالثمار سواء استهلكها أم لا . ويلتزم برد الفوائد والثمرات من يوم رفع دعوى البطلان .
يعامل المتعاقد معاملة الحائز الذي يلتزم برد ما يحوزه وذلك بالنسبة للمصروفات التي قد يكون أنفقها عليه .
إذا كان المتعاقد الحائز حسن النية فلا يلتزم بدفع أي تعويض مقابل الانتفاع بالشئ الذي يلتزم برده إلى الطرف الآخر . زمن ثم لا محل لأي تعويض معادل عن الاستهلاك في الفترة ما بين تسلم الشئ وإبطال العقد .
لا يلتزم المتعاقد حسن النية ، في حالة الهلاك الكلي للشئ الذي يحوزه ، إلا بدفع مقدار ما عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهلاك مثل أنقاض المنزل . وفى حالة سوء النية فإنه يكون مسئولا عن الهلاك أو تلفه ، ولو كان ذلك ناشئاً عن حادث مفاجئ إلا إذا أثبت أن الشئ أو يتلف ولو كان باقياً في يد صاحبه .
ثالثا : يستحيل إعمال الأثر الرجعى لبطلان عيناً في العقود الزمنية ، مثل عقد الإيجار وعقد العمل ، حيث يستحيل ماديا إزالة بعض الآثار التي ترتبت عليها في الماضي ، فلا يمكن رد المنفعة التي حصل عليها المستأجر أورد العمل الذي أداه العامل هنا يلتزم المستأجر بأن يدفع تعويضا عن الانتفاع الذي حصل عليه ، ويتم تقدير هذا التعويض ، في الغالب ، بمقدار الأجرة ، لكنه لا يعد أجرة ، ولا تضمنه ضمانات الأجرة ، فلا يكفله امتياز المؤجر ، ولا يتقادم بمدة الأجرة . ويلتزم صاحب العمل بأن يرد للعامل تعويضا معادلا لما أداه من عمل وبذل من جهد . يقدر القاضي غالبا ، هذا التعويض يما يعادل ما كان يستحقه العامل من أجر ، إلا أن ذلك التعويض لا يعد أجرا ولا يخضع لحكامه .
رابعا : إذا تم إبطال العقد بسبب نقص الأهلية ، فإن المتعاقد ناقص الأهلية يلتزم فقط برد ما عاد عليه من منفعة بسبب العقد . قرر المسرع هذا المبدأ لحماية ناقصي الأهلية واستثناهم من قاعدة الإلتزام بالرد . فناقص الأهلية لا يلتزم برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل إلا في حدود ما عاد عليه من منفعة ماديه كانت أو معنوية . فإذا باع القاصر عقارا وقبض ثمنه وأنفق أغلبه في اللهو وأنفق جزءا يسيرا منه في ضروريات الحياة ، فهو لا يلتزم ، في حالة إبطال العقد ، إلا برد هذا اليسير من الثمن للمشتري .
وبالرغم من أن النص يتكلم عن ناقص الأهلية إلا إن حكمه واجب التطبيق ، من باب أولى ، على عديم الأهلية لأنه أجدر بالحماية ويعد ذلك أعمالا للقاعدة العامة التي قررها المشرع بقوله إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فمين تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزما إلا بالقدر الذي أثري بت .
والأصل في الإنسان اكتمال الأهلية وعلى من يدعى نقص الأهلية لإثبات ذلك . فمتى ثبت نقص الأهلية كان الحكم هو عدم إلتزامه برد ما حصل عليه من العقد الباطل . ويقع على الطرف الآخر الذي يريد استرداد ما لدى ناقص الأهلية ، عبء الإثبات ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ، أي ينبغي على المتعاقد الآخر إقامة الدليل على أن ناقص الأهلية قد استفاد مما أخده منه . وتعبر محكمة النقض عن ذلك قبولها أن عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثري وفى تقدير مدي أثرائه يقع على عاتق الدافع الذي يطلب رد ما دفع فإذا عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً في ذاته لرفض طلبه .
خامساً : قضت القاعدة الرومانية الشهيرة بأنه لا يحوز للطرف الملوث أن يتمسك بتلوثه . وأعمالا لتلك القاعدة تضمن المشروع التمهيدي للقانون المدني نصا يقضى بأنه لا يجوز لمن وفى بالتزام مخالف للآداب أن يسترد ما دفعه إلا إذا كان هو فى التزامه لم يخالف الآداب . بمعنى ذلك إن حق المطالبة بالرد قاصر على الطرف الذي لم يخالف الآداب . فمستأجر الأرض لزراعتها مخدرات لا يجوز له استرداد ما دفعه .
ولكن هذه القاعدة لقيت معارضه حيث تتعارض مع منطق البطلان . إذ يمكن تنفيذ العقد بالنسبة لطرف دون الآخر . وإذا كان كلا الطرفين ملوثاً ونفذ أحدهما إلتزامه فإن تطبيق القاعدة يؤدي إلى مكافأة المتعاقد الآخر رغم أنه هو الآخر ملوث . لذلك تم حذف هذه القاعدة وعدن الأخذ بها .
وبناء عليه إذا كان العقد باطل بسبب عدم مشروعيه المحل أو السبب فإن لكل طرف أن يسترد ما أداه ولو كان البطلان يرجع إلى عدم المشروعية من ناحية هو .
المطلب الثاني ( أثر البطلان بالنسبة للغير )
نعرض للقاعدة العامة ، ثم للاستثناءات الواردة عليها .
( أ ) القاعدة العامة :
إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير .
والغير هنا هو كل من تلقى حقاً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ موضوع هذا العقد . يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ موضوع هذا العقد ، كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق .
يؤدي منطق البطلان إلى زوال هذه الحقوق ، فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها بعقد باطل أو قابل للإبطال رهنا أو حق ارتفاق مثلا ، ثم تقرر بطلان البيع ، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى . وكذلك لو باع المشترى العين إلى آخر ، فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ، مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطلان هذا العقد . فبطلان سند المتصرف يستتبع زوال سند المتصرف إلية ، أن الشخص لا يستطيع أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملك .
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فلا حقه إلى الغير ، فإن حق الغير يزول بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطلان . فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل أو قابل للإبطال ثم باعها لأحمد ، وبعد ذلك تقرر بطلان العقد فإن محمود البائع يسترد الأرض من المشترى ( أحمد ) . وإذا كان قد رتب على الأرض رهناً أو حق ارتفاق أو حق انتفاع فانه يسترد الأرض خالية من الرهن أو الارتفاق أو الانتفاع .
وزوال العقد بالبطلان لا يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ، بل يحتج به من باب أولى على الدائنين . ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة لأن المدين يعتبر ممثلا لدائنه في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ، ويستتبع الحكم إلغاء الآثار المترتبة على هذا العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن . ( 1)
مقدمه
ان العقد أحد مصادر الإلتزام ، وهو توافق إرادتين او اكثر ، على تحقيق أثر قانوني معين ، هذا الأثر قد يكون انشاء إلتزام او نقله او تعديله او إنهائه
ويقوم العقد على ثلاثة أمور أساسيه
أولها تواجد إرادتين او اكثر لا إرادة واحدة وثانيهما وجود توافق بين ارادات أطراف العقد على الأثر القانوني المقصود وثالثهما توجه هذا التوافق لأحداث أثر قانوني معين اي انشاء رابطة قانونية موضوعها انشاء إلتزام او نقله او تعديله.
ولما كان للعقد أركان أساسيه يقوم عليها حتى ينتج الأثر القانوني المبتغى من إبرامه كان من الضروري ان تكون هذه الأركان متواجده وقائمة بصورة صحيحة لاسيما تطلب القانون وجودها بشكل معين يراعي وجوبا .
وما يشوب العقد فى أركان وطريقة إبرامه من عوار يسمى بالبطلان من حيث آثار تواجد خلل فى أحد أركان العقد والبطلان كأثر مترتب على وجود خلل أصاب العقد فى أحد أركانه مختلف باختلاف نوع الخلل الذي أصاب اي من أركان العقد ، فالعقد له أركان انعقاد تخلف أحدها أصابه بخلل يولد ذلك حالة من حالات البطلان المطلق الذي يلغي ويمحو اي وجود للعقد ، وكذلك فى حالة وجود خلل فى شروط صحة العقد والتي يترتب عليها بطلان اقل شدة من سابقة وهو نسبي الآثار حيث يمكن التغلب عليه .
لما كان للعقد من اهمية بالغه كمصدر للإلتزامات كان حري بنا ان نتعرض اهم صور البطلان التي تشوب العقود وحالاته وآثار وجود البطلان فى العقد .
خطة البحث
نتناول فى بحثنا هذا مفهوم البطلان وآثاره المتولدة عن الخلل والعوار الذي يصيب العقد فى أركان انعقاده وشروط صحيته ، سيتعين بما سبق واكده الفقه واستقر عليه القانون والقضاء من تعريف للبطلان وصوره وآثاره .
ويتكون البحث من مبحثين رئيسين جعلنا اولهما لإيضاح مفهوم البطلان وتعريفه والفرق بينه وبين بعض الصور المتشابهه من حيث آثارها وكان ذلك فى مطلب اول والشق الآخر من المبحث الأول كان لإيضاح أنواع البطلان التي تصيب العقد والفرق بينهم بعض الآثار الناتجه من عيوب اشابه التعاقد المبحث الثاني لتوضيح آثار البطلان فى ثلاث مطالب الأول نتناول فيه آثار البطلان فيما بين المتعاقدين والثاني آثاره بالنسبة للغير والمطلب الأخير لإيضاح البطلان الجزئي.
المبحث الأول / ما هية البطلان وأنواعه
المطلب الأول : التعريف بالبطلان
( أ ) تعريف :-
البطلان هو الجزاء الذي قرره القانون عند تخلف ركن من أركان العقد ( التراضي ، المحل ، السبب ، الشكل فى العقود الشكلية ) أوشرط من شروط صحته ( الأهلية ، سلامه الاداره ) العقد الباطل هو العقد الذي لا تتوافر فيه إلا إذا استجمع أركان انعقاده من رضى ومحل وسبب للانعقاد . ويبطل العقد إذا لم يستوف شرائط صحته (،)1) وذلك مثل وجود نقص الأهلية أو عيب من عيوب الإدارة ( غلط ، تدليس ، استغلال ، إكراه ) .
ويترتب على البطلان إعتبار العقد أو التصرف القانوني غير موجود ، وأنه لم يقم منذ البداية ولا يترتب أى أثر سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبه للغير .
( ب ) البطلان وعدم النفاذ .
العقد غير النافذ هو عقد صحيح فيما بين طرفيه وينتج آثاره بينهما ، ولكنه لا ينفذ فى حق الغير ، وهو الأجنبي عن العقد ، وذلك أعمال لمبدأ سببية آثار العقود ، فالعقد لا يسرى فى مواجهة شخص لا يشترك فيه . معنى وذلك أن عدم النفاذ ام عدم السريان يعني أن العقد الصحيح المنتج لآثاره بين طرفه لا يمكن الاجتماع به فى مواجهة غير عاقديه
مثال ذلك : إيجار ملك الغير ، فهو عقد صحيح وينتج أثره فيما بين عاقديه ، لكنه لا ينفذ فى مواجهة المالك الحقيقي .
( جـ ) البطلان والفسخ
الفسخ هو جزاء يرتبه القانون على عدم تنفيذ طرفى العقد لإلتزامه . فالعقد ينشأ صحيح ، وينتج آثاره فيما بين طرفيه ، إلا أن أحدهما لا يقوم بتنفيذ إلتزامه ، فيكون للعاقد الآخر طلب فالفسخ لا يكون إلا فى العقود الملزمة للجانبين . والفسخ مثلا البطلان من حيث ترتيب الأثر الناتج عنه كقاعدة عامة زوال العقد بأثر رجعى أى منذ وقت إبرامه .
يترتب البطلان بوجود خلل فى تكوين العقد عند إبرامه ، فإذا توافرت أركان العقد وشروط صحته ، فإنه ينشأ صحيحا ويترتب آثار ، ولا يبطل إذا حدث بعد ذلك خلل فى أركان العقد أو شروطه ، بل يمكن أن يؤدى ذلك إلى الفسخ . فالبطلان مرجعيته عيب فى تكون العقد ، أما الفسخ فمرجعه خلل فى تنفيذ العقد أى لا حق لنشأئه . فالعقد ينشأ صحيح ولا يحكم ببطلانه إذا فقد المتعاقد أهليته بعد إبرام العقد ، أو إذا تغير الباحث كما لو استخدام المستأجر العين المؤجرة فى غرض غير مشروع ، أو أصبح المحل مستحيل ، كما لو هلك الشئ المبيع بعد العقد ، فذلك لا يؤدى إلى بطلان وإنما يعتبر سببأ من أسباب الفسخ (1
المطلب الثاني ( أنواع البطلان )
البطلان المطلق والبطلان النسبى
( أ ) معيار التفرقة
يستقر الفقة التقليدى على تقسيم البطلان إلى نوعين : مطلق و نسبى ، وذلك بالنظر إلى أركان العقد من جهة وشروط صحته من جهة آخرى ، فإذا تخلف أحد أركان العقد كان البطلان مطلق لخطورة العيب الذى لحق العقد . وإذا تخلف شرط من شروط صحه العقد كان البطلان نسبيأ لأن العيب أقل خطورة ويكون العقد قابلا للأصلاح .
والعقد الباطل بطلان مطلق يعتبر غير موجود قانوناً ، فهو والعدم سواء ، لتخلف ركن أو اكثر من أركان انعقاده ، ويتم ذلك إذا انعدم الرضاء ، او تخلف المحل أو السبب ، أوكانا غير مشروعين ، او تخلف شكل العقد إذا اشترط القانون أو الاتفاق شكلاً لا نعقاده . (2)
والعقد الباطل بطلان نسبى يعتبر صحيح وتترتب عليه آثاره إلا أنه معيب يمكن أن يقضى ببطلانه ، لذا يقال بأنه عقد قابل للإبطال .
فإذا ما تقرر البطلان فا لآثار واحدة فى كل من البطلان المطلق والنسبى حيث يزول العقد فى الحالتين بأثر رجعى . ويكون البطلان نسبى فى حالة تخلف شرط من شروط صحة العقد ، وذلك مثل وجود عيب من عيوب الإدارة أو نقص فى أهليه أحد الطرفين
وينظر البعض حديثاً إلى البطلان النسبى من وجهة نظر مغايره هى طبيعية المصلحة محل الحماية ، فالبطلان المطلق يتقرر إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف حماية مصلحه عامة ويتقرر البطلان النسبى إذا انطوى إبرام العقد على مخالفة قاعدة تستهدف مصلحه خاصه .
( ب ) حكم العقد الباطل والعقد القابل للإبطال :-
يقع العقد باطلا إذا تخلف ركن من أركانه ، فهو لا يقوم لأنه لم ينعقد أصلاً ولا وجود له شرعاً ، ولهذا لا يترتب آثاره في الحال أو المستقبل .
ويجوز أن يتمسك كلا الطرفين ولكل ذي مصلحه بالبطلان والامتناع عن تنفيذه ، وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها في أي وقت ولا يقبل الأجازة .
العقد القابل للإبطال بطلان نسبى هو عقد توافرت له كل أركان ولكن تخلف منه شرط من شروط الصحة ، كما لو صدر من شخص ناقص الأهلية أو شاب الرضاء غلط أو تدليس أو أكراه أو استغلال ، أن مثل هذا العقد ينشأ ويلزم أطرافه ويترتب آثاره . ولكن يجوز للمتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته ، بسبب نقص أهلية أو تعيب إرادته أن يطلب إبطاله أو أن يجيزه . وإذا سكت مدة معينه سقط حقه في طلب الإبطال بالتقادم ، فالعقد ينشأ صحيح ويظل كذلك حتى يقضى ببطلانه ، فهو صحيح في الحال وواجب النفاذ ، وإلا أنه يكون فهدد بالإبطال، ويحن لم تقرر بالبطلان لمصلحته أن يطلب إبطاله وله أن يجيزه ويطلب إلزامه الطرف الآخر تنفيذ إلتزامته .
( جـ ) حالات البطلان المطلق :-
يقرر البطلان المطلق في حالة تخلف أحد أركان العقد وذلك في الحالات الآتية :-
1. إذا انعدم الرضاء ، كما لو تم إبرام العقد عن طريق شخصي عدم الأهلية غير مميز أو مجنون أو تحت تأثير الغلط المانع أو الإكراه المادي ، وفى حالة عدم تطابق القبول مع الإيجاب .
2. إذا كان المحل غير موجود أو مستحيل أو غير مشروع أو غير معين أو غير قابل للتعيين .
3. إذا تخلف السبب أو اتسم بعدم المشروعية .
4. إذا تخلف الشكل الذي يتطلبه القانون كركن في العقد كما هو الحال في اشتراط الرسمية لإبرام الرهن الرسمي وهبة العقار .
5. إذا ورد في القانون نص خاص يقضى ببطلان العقد بطلان مطلق ، مثال ذلك اشتراط تحديد مدة معينه لانعقاد الوعد بالتقاعد قد وبيع الوفاء ، وبيع أموال الدولة الخاصة يعتبر طريق المزاد عند اشتراط القانون ذلك .
6. استقر القضاء على الحكم بإبطال التصرف المبنى على الغش نحو القانون ، أي إذا كان الغرض منه الاحتيال على تطبيق القانون ( الغلط في القانون ) للتهرب من حكم يتعلق بالنظام العام .
( د ) حالات البطلان النسبي :-
يكون العقد للإبطال أو باطلاً نسبيا في عدة حالات
1. إذا كان أحد المتعاقدين ناقص الأهلية .
2. إذا شاب أحد المتعاقدين عيب من عيوب الإرادة .
3. إذا ورد نص في القانون يقضى بالبطلان النسبي للعقد كبيع ملك الغير حيث يكون للمشترى طلب إبطال العقد .
المبحث الثاني ( آثار البطلان )
المطلب الأول : آثار البطلان فيما بين المتعاقدين
أثر البطلان فيما بين المتعاقدين
يترتب على بطلان العقد عدم جواز المطالبة بتنفيذه ، وزواله بأثر رجعي بحق يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد .
( أ ) عدم جواز المطالبة بالتنفيذ :
يترتب على بطلان العقد زواله ، ولا تتولد عنه الآثار المقصودة من إبرامه فإذا كان العقد الذي تقرر بطلان لم يبدأ تنفيذه بعد من أي من الطرفين ، فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشىء نحو الآخر . لا يجوز لأي منهما أن يطالب الآخر بتنفيذ إلتزاماته التي يرتبها العقد فيما لو كان صحيحاً . فإذا طالب أحد العاقدين بشي من ذلك كان للطرف الآخر أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . فإذا كنا بصدد بيع باطل أو تم إبطاله وطالب المشتري البائع بتسليم المبيع كان للبائع أن يدفع هذه المطالبة بالبطلان . ونفس الشئ عند المطالبة بالثمن يحوز للمشتري توقي ذلك بالدفع بالبطلان . ( 1)
( ب ) الإلتزام بالرد .
يترتب على صدور حكم بإبطال العقد أو ببطلانه زواله بأثر رجعى . يبطل العقد بأثر رجعى ويعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له . فالحكم القضائي يكون كاشفاً وليس منشئاً لحالة البطلان أو الإبطال .
ويعني الأثر الرجعى عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد . ويلتزم كل منها بأن يرد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد الذي تم إبطاله ويستوي في ذلك العقد الباطل و العقد القابل للإبطال .
ويثور ذلك في حالة ما إذا تم تنفيذ العقد الباطل كلياً أو جزئياً من أحد الطرفين أو منهما معاً ثم يتقرر البطلان بعد ذلك هنا يتعين ، إعمالا للأثر للرجعى للبطلان ، إعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبل التعاقد . فإذا تنفيذ عقد بيع باطل وجب رد المبيع للبائع ورد الثمن للمشتري .
وأساس الإلتزام بالرد هو دفع غير المستحق . فمن المقرر أنه استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق . فنتيجة للأثر الرجعى لبطلان العقد أو لإبطاله يعتبر كل متعاقد أخذ ما أعطاه إليه المتعاقد الآخر من غير أن يكون له حق فيه ، ومن ثم يلتزم برده إليه .
( جـ ) نطاق الإلتزام بالرد .
إن قاعدة الإلتزام بالرد ليست مطلقة بل ترد عليها بعض القيود التي ترجع لاعتبارات الواقع واستقرار المعاملات ومراعاة بعض المصالح الجديرة بالحماية .
أولأ : الأصل أن يكون الرد عيناً بحيث يرد كل متعاقد للآخر ما حصل عليه بموجب العقد ، إلا إنه قد يتعذر على المتعاقد ، أحياناً ، رد عين ما حصل عليه ، كما إذا كان الشئ قد هلك أو تلف . هنا يمكن إلزام المتعاقد الذي بحسب قيمة الشئ المبيع مثلاً. وذلك أن التعويض المعادلة بقوم مقام الرد العيني . ولا يعتبر هذا التعويض من قبيل الثمن ولا يخضع لأحكامه ، وإنما يخضع لأحكام التعويض وحدها .
ثانيا: إذا ترتب علي تنفيذ العقد الباطل انتقال حيازة شئ إلى أحد الطرفين ، هذا يتعين حمايته إذا كان حسن النية لا يعلم بسبب البطلان وتتمثل الحماية فى عدة وجوه .
يعامل معاملة الحائز حسن النية فيما يتعلق بالثمار فهو يلتزم برد الشئ الذي تسلمه ويحتفظ لنفسه بالثمار سواء استهلكها أم لا . ويلتزم برد الفوائد والثمرات من يوم رفع دعوى البطلان .
يعامل المتعاقد معاملة الحائز الذي يلتزم برد ما يحوزه وذلك بالنسبة للمصروفات التي قد يكون أنفقها عليه .
إذا كان المتعاقد الحائز حسن النية فلا يلتزم بدفع أي تعويض مقابل الانتفاع بالشئ الذي يلتزم برده إلى الطرف الآخر . زمن ثم لا محل لأي تعويض معادل عن الاستهلاك في الفترة ما بين تسلم الشئ وإبطال العقد .
لا يلتزم المتعاقد حسن النية ، في حالة الهلاك الكلي للشئ الذي يحوزه ، إلا بدفع مقدار ما عاد عليه من فائدة ترتبت على هذا الهلاك مثل أنقاض المنزل . وفى حالة سوء النية فإنه يكون مسئولا عن الهلاك أو تلفه ، ولو كان ذلك ناشئاً عن حادث مفاجئ إلا إذا أثبت أن الشئ أو يتلف ولو كان باقياً في يد صاحبه .
ثالثا : يستحيل إعمال الأثر الرجعى لبطلان عيناً في العقود الزمنية ، مثل عقد الإيجار وعقد العمل ، حيث يستحيل ماديا إزالة بعض الآثار التي ترتبت عليها في الماضي ، فلا يمكن رد المنفعة التي حصل عليها المستأجر أورد العمل الذي أداه العامل هنا يلتزم المستأجر بأن يدفع تعويضا عن الانتفاع الذي حصل عليه ، ويتم تقدير هذا التعويض ، في الغالب ، بمقدار الأجرة ، لكنه لا يعد أجرة ، ولا تضمنه ضمانات الأجرة ، فلا يكفله امتياز المؤجر ، ولا يتقادم بمدة الأجرة . ويلتزم صاحب العمل بأن يرد للعامل تعويضا معادلا لما أداه من عمل وبذل من جهد . يقدر القاضي غالبا ، هذا التعويض يما يعادل ما كان يستحقه العامل من أجر ، إلا أن ذلك التعويض لا يعد أجرا ولا يخضع لحكامه .
رابعا : إذا تم إبطال العقد بسبب نقص الأهلية ، فإن المتعاقد ناقص الأهلية يلتزم فقط برد ما عاد عليه من منفعة بسبب العقد . قرر المسرع هذا المبدأ لحماية ناقصي الأهلية واستثناهم من قاعدة الإلتزام بالرد . فناقص الأهلية لا يلتزم برد ما حصل عليه بموجب العقد الباطل إلا في حدود ما عاد عليه من منفعة ماديه كانت أو معنوية . فإذا باع القاصر عقارا وقبض ثمنه وأنفق أغلبه في اللهو وأنفق جزءا يسيرا منه في ضروريات الحياة ، فهو لا يلتزم ، في حالة إبطال العقد ، إلا برد هذا اليسير من الثمن للمشتري .
وبالرغم من أن النص يتكلم عن ناقص الأهلية إلا إن حكمه واجب التطبيق ، من باب أولى ، على عديم الأهلية لأنه أجدر بالحماية ويعد ذلك أعمالا للقاعدة العامة التي قررها المشرع بقوله إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فمين تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزما إلا بالقدر الذي أثري بت .
والأصل في الإنسان اكتمال الأهلية وعلى من يدعى نقص الأهلية لإثبات ذلك . فمتى ثبت نقص الأهلية كان الحكم هو عدم إلتزامه برد ما حصل عليه من العقد الباطل . ويقع على الطرف الآخر الذي يريد استرداد ما لدى ناقص الأهلية ، عبء الإثبات ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ، أي ينبغي على المتعاقد الآخر إقامة الدليل على أن ناقص الأهلية قد استفاد مما أخده منه . وتعبر محكمة النقض عن ذلك قبولها أن عبء الإثبات في بيان أن ناقص الأهلية قد أثري وفى تقدير مدي أثرائه يقع على عاتق الدافع الذي يطلب رد ما دفع فإذا عجز عن الإثبات كان ذلك موجباً في ذاته لرفض طلبه .
خامساً : قضت القاعدة الرومانية الشهيرة بأنه لا يحوز للطرف الملوث أن يتمسك بتلوثه . وأعمالا لتلك القاعدة تضمن المشروع التمهيدي للقانون المدني نصا يقضى بأنه لا يجوز لمن وفى بالتزام مخالف للآداب أن يسترد ما دفعه إلا إذا كان هو فى التزامه لم يخالف الآداب . بمعنى ذلك إن حق المطالبة بالرد قاصر على الطرف الذي لم يخالف الآداب . فمستأجر الأرض لزراعتها مخدرات لا يجوز له استرداد ما دفعه .
ولكن هذه القاعدة لقيت معارضه حيث تتعارض مع منطق البطلان . إذ يمكن تنفيذ العقد بالنسبة لطرف دون الآخر . وإذا كان كلا الطرفين ملوثاً ونفذ أحدهما إلتزامه فإن تطبيق القاعدة يؤدي إلى مكافأة المتعاقد الآخر رغم أنه هو الآخر ملوث . لذلك تم حذف هذه القاعدة وعدن الأخذ بها .
وبناء عليه إذا كان العقد باطل بسبب عدم مشروعيه المحل أو السبب فإن لكل طرف أن يسترد ما أداه ولو كان البطلان يرجع إلى عدم المشروعية من ناحية هو .
المطلب الثاني ( أثر البطلان بالنسبة للغير )
نعرض للقاعدة العامة ، ثم للاستثناءات الواردة عليها .
( أ ) القاعدة العامة :
إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير .
والغير هنا هو كل من تلقى حقاً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ موضوع هذا العقد . يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ موضوع هذا العقد ، كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق .
يؤدي منطق البطلان إلى زوال هذه الحقوق ، فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها بعقد باطل أو قابل للإبطال رهنا أو حق ارتفاق مثلا ، ثم تقرر بطلان البيع ، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى . وكذلك لو باع المشترى العين إلى آخر ، فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ، مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطلان هذا العقد . فبطلان سند المتصرف يستتبع زوال سند المتصرف إلية ، أن الشخص لا يستطيع أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملك .
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فلا حقه إلى الغير ، فإن حق الغير يزول بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطلان . فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل أو قابل للإبطال ثم باعها لأحمد ، وبعد ذلك تقرر بطلان العقد فإن محمود البائع يسترد الأرض من المشترى ( أحمد ) . وإذا كان قد رتب على الأرض رهناً أو حق ارتفاق أو حق انتفاع فانه يسترد الأرض خالية من الرهن أو الارتفاق أو الانتفاع .
وزوال العقد بالبطلان لا يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ، بل يحتج به من باب أولى على الدائنين . ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة لأن المدين يعتبر ممثلا لدائنه في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ، ويستتبع الحكم إلغاء الآثار المترتبة على هذا العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن . ( 1)