إمبراطورية النخيلة.. أسطورة «صعيدية» لا تنتهى .معقل «عزت حنفى».. وأسرته تتحدث لأول مرة بعد 10 أعوام من اقتحام الأمن لـ«الجزيرة»...
الجزيرة تحقيق سارة علام - ... فيلم تعرض دور السينما حاليا الجزء الثانى منه «الجزيرة» ومسلسل عرضه التليفزيون من قبل هو «حدائق الشيطان»، يجمع من تابعهما على أنهما يجسدان حياة امبراطور «النخيلة» بأسيوط عزت حنفى، والذى يصدق البعض أن أسطورته لم تنته بعد، وأنه مثلما كان هناك جزء ثان من الفيلم السينمائى الذى قام ببطولته النجم أحمد السقا فإن «عزت حنفى» الحقيقى سيعود للظهور مرة أخرى، ومثل كل الأساطير راجت الأقاويل حول نهاية حنفى، فهناك من يؤكد أنه ربما هرب أو «تم تهريبه» إلى خارج البلاد، وهناك من يدعى أنه رآه بعينيه. الامبراطور الذى أزعج داخلية الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستلزم اقتحام جزيرته سبعة أيام كاملة فى عملية نفذتها القوات الخاصة مدججة بثلاثة آلاف ضابط وجندى فى العام 2004، ما زالت آثاره باقية فى الجزيرة حتى الآن، ففيها ترك ابنيه محمود ومحمد، وترك عائلته الكبيرة والممتدة، وشقيقا يعمل بالمحاماة، وشقيقة. «اليوم السابع»، ولأول مرة منذ اقتحام الجزيرة، تتحدث إلى أسرة الامبراطور وترصد على ألسنتهم حكايات لا يمحوها الزمن. الرحلة إلى الجزيرة من مدينة «أبوتيج» كانت الرحلة إلى الجزيرة، عبر سيارة صغيرة، وقفنا فى مدخل قرية النخيلة، وسألنا عن الطريق إلى الجزيرة، فتطوع أحدهم بتوصيلنا، ليتبين لنا أن للجزيرة مدخلين، الأول برى عبر الالتفاف خلف القرية، والثانى بحرى عبر قارب نيلى صغير، يضعك فى مدخل الجزيرة وأمام أراضى طرح النهر. قبل مدخل الطريق البرى، ترى قصرا شاسعا، يقول الأهالى إنه لمصطفى باشا خليفة أحد أعيان الصعيد قديماً، وهو القصر الذى استطاعت الشرطة أن تتسلل من داخله إلى الجزيرة، وإلى جواره طريق أسفلتى صغير فى منتصف الأرض الزراعية، وقيل لنا إنه بنى بعد اقتحام الشرطة كى تخلق الحكومة مدخلاً برياً للجزيرة تستطيع الدخول منه إليها فى أى وقت يستدعى عودتها إليها. المشهد العام لـ«الجزيرة»: مساحات شاسعة من الأراضى الخضراء، والذرة هى سيدة المحاصيل فيها، مثل الكثير من أراضى الصعيد، أراضى الجزيرة ودعت «الأفيون»، واستبدلته بالذرة.. هناك أراضٍ أخرى مزروعة بالكرنب، وحدائق صغيرة لزراعات الرمان وحدائق الموالح، والتى يطل منها البرتقال واليوسفى الصغير قبل تمام نضجه. أطفال الجزيرة، يحملون الفؤوس الكبيرة فوق ظهورهم الصغيرة، يتركون مدارسهم لأجل الرزق، طفل آخر يستحم فى ماكينة الرى، وتشعل أمه «أكواز الذرة»، بينما تمسك أخته بأوانٍ ممتلئة بالماء والطعام.. حياة هادئة وبسيطة، بعد سنوات من الحرب، كان صوت نيران البنادق والرشاشات هو الأعلى فى سماء الجزيرة، والمخدرات هى قبلة المواطنين الأولى فى أرضها، منها ولها يعيشون. منزل حامد حنفى وآثار الرصاص فى منتصف الجزيرة تماماً، منزل صغير متهاوٍ ومهجور، آثار الرصاص تخترق حوائطه المتكسرة، يقول أهالى الجزيرة، إنه المنزل الأول، لحامد حنفى والد الامبراطور عزت والذى نشأ فيه الأخير صغيراً، قبل أن يبنى الأب «سراى» كبيرة وواسعة، المنزل الصغير الآيل للسقوط كما يبدو، تحول إلى عش للدبابير، بعد أن هجره أهله وتركته الداخلية أثرا شاهدا على معركة انتصرت فيها بعد أيام من الشد والجذب.. يقول أحد مزارعى الأرض المجاورة إن المنزل كان سكناً لغفير الأرض المملوكة لحامد حنفى وأولاده وتحول مع الوقت لمستودع لوضع آلات الزراعة. داخل المنزل تلاحظ شبابيك صغيرة، كانت تستخدم فى القنص وضرب الرصاص المتبادل بين الامبراطور ورجاله، من ناحية وقوات الشرطة من ناحية أخرى.. فالبيت كله يصلح لصيد الرجال. يقول آخر من الأهالى إن البيت كان كبيراً وعالياً جداً، وكان يستخدم كبرج للمراقبة والقنص، إلا أن الداخلية أتت عليه وتم هدمه أثناء حملة الاقتحام الشهيرة. خلف المنزل الصغير، بقايا برج مراقبة، قال الأهالى إنه لحمدان أو حمدى شقيق الامبراطور الذى أعدم معه فى نفس القضية.. البرج الذى بدا طويلاً ومشدوداً، أكد الأهالى أنه كان بيتاً للمدفع، يجلس حمدى أسفل البرج، يشد المدفع بحبل سميك بيده فينطلق ليصيب الهدف. قوالب طوب صغيرة ترفع وتوضع بسهولة، قال الأهالى إنها موضع ماسورة البندقية، ترفع القالب حين تريد القنص وتعيده مرة أخرى، حتى لا يصيب أيا من أنصار الامبراطور. فى وسط الأرض الزراعية، ترعة تم ردمها، ويقول الأهالى إنها كانت مزرعة أسماك مملوكة للامبراطور قضت عليها الداخلية أيام التطهير. من القصر إلى «نقطة شرطة» ما يقرب من 10 أفدنة تفصل منزل الأب القديم المتهالك، عن قصر الامبراطور الذى يطل على النيل، بأبواب ونوافذ وطراز معمارى ريفى بديع. القصر الذى كان مسرحاً للأحداث والمواجهات بين الامبراطور والشرطة، تحول إلى نقطة شرطة، ويرفرف عليه علم مصر وتحوطه سيارات الشرطة الزرقاء من كل جانب، بعد أن تم تقسيم غرفه ليناسب المهمة الجديدة. شقيقة الامبراطور تتحدث مديحة حنفى، الشقيقة الوحيدة للامبراطور اصطحبتنا فى جولة بالجزيرة، وهى تشير بيدها إلى أراضٍ شاسعة ومساحات خضراء واسعة وتقول: «هذه أراضينا التى صادرتها الحكومة». مديحة، وعلى الرغم من كل الحكايات التى تروى عن شقيقها، تنفى أى علاقة بينه وبين زراعة المخدرات، بل وتؤكد أن الداخلية حين اقتحمت الجزيرة أشعلت النار فى أراضٍ مزروعة بالأفيون كانت تخص عائلة أخرى فى خصومة ثأرية مع عائلتها، مشيرة إلى أن أراضى الجزيرة مملوكة لـ100 عائلة كل عائلة تزرع ما تريد، وأن هناك عائلات كثيرة زرعت الأفيون لأنها تعلم أن الشرطة لا تستطيع مهاجمة الجزيرة التى يحميها عزت. وتضيف: النخيلة خسرت كثيراً بوفاة عزت وحمدى، فعزت كان يتدخل لحل الكثير من الخصومات الثأرية فى القرية وكان عضواً فى لجنة المصالحات، ولم يتأخر عن فقير أو مسكين استنجد به فى مظلمة، فيما تتحدث عن ليلة الاقتحام قائلة: هربنا إلى مدينة أسيوط فى سيارة أجرة بعيداً عن أعين الشرطة، حيث أمرنا إخوتنا بذلك، بعد أن علموا موعد اقتحام الجزيرة من معارفهم بالداخلية، وقررنا البقاء بعيدا عن الأنظار حتى عدنا إلى بيوتنا مرة أخرى. مديحة، تؤكد أن شقيقها بنى الكثير من الدشم والأبراج، بعد أن كان رصاص الثأر يخترق المنازل ويهدد حياة الأطفال، «ولم يبنها لمهاجمة الشرطة أبداً»، مبينة أن والدتها أصيبت بالشلل وداهمها المرض حتى ماتت بعد أن تم إعدام ابنيها عزت وحمدى. ابن عزت: «الجزيرة» أساء إلينا محمد الابن الأصغر لعزت حنفى طالب بكلية التجارة جامعة أسيوط، عاد إلى النخيلة بعد اختفاء دام 5 سنوات فى القاهرة قضى فيها المرحلة الابتدائية كلها، يؤكد إنه هرب مع والدته وشقيقه الأكبر محمود إلى أسيوط قبل الاقتحام بليلة أو ليلتين بعد أن ودع والده وأعمامه، ويقول: كنت صغيراً فى الابتدائية ولكننى أتذكر تلك الليلة.. غادرنا البلد فجراً فى سيارة أجرة، أقلتنا إلى حيث يسكن أقارب لنا فى أسيوط، وظللنا بعيداً عن الأنظار، حتى غادرنا إلى القاهرة. وعن فيلم الجزيرة يقول محمد: الفيلم جيد وسيئ فى نفس الوقت، فهو من ناحية يصور أبى بطلاً وشهماً وشجاعاً، ولكنه من ناحية أخرى يسىء له ويتهمه بتجارة المخدرات والإرهاب، ويؤكد محمد أنه لم يخبر أحداً فى الجامعة أنه ابن الامبراطور «عزت حنفى». شقيق الإمبراطور: أراضينا أو العنف نغادر الجزيرة ونعود إلى القرية، حيث يقطن ممدوح أحد أشقاء عزت حنفى، فى فيلا كبيرة، ويعمل بالمحاماة بعد أن فصله بنك القاهرة الذى كان يعمل به فى مقره بالقاهرة طيلة 25 عاما، واعتقل بعدها على خلفية القبض على أخيه. ممدوح يحتفظ بالكثير من الأوراق والمستندات التى قال إنها عقود ملكية لـ20 فدانا تمتلكها أسرة عزت حنفى، وجرت مصادرتها عقب القبض عليه وتوزيعها على أهالى القرية، مؤكدا أنه أرسل العديد من الاستغاثات والطلبات والفاكسات إلى المسؤولين من أجل التدخل وإعادة الأرض، من دون أن يتلقى ردا من أية جهة، مهدداً بالعودة إلى العنف والدم مرة أخرى، إن لم تتدخل الحكومة وتعيد إليهم أراضيهم، قائلاً: «هرجع الأرض يعنى هرجعها واللى يعيش يعيش واللى يموت يموت، فلم يعد لدينا ما نبكى عليه». يشرح ممدوح قصة الأرض: هى 30 فدانا، بينها 11 فدانا من أملاك الدولة تستأجرها العائلة منذ عصر الرئيس جمال عبدالناصر، و19 فدانا أخرى ملكية خالصة للوالد حامد حنفى، وهو ما يختلف عما يقوله أهالى القرية الذين أكد أحدهم أن الحكومة صادرت الأرض الزراعية المملوكة لعائلة حنفى لأنها كانت مزروعة بالمخدرات، وتمت مصادرتها كأحراز للقضية. يروى ممدوح وقائع علاقة الداخلية بعائلته والتى تعود إلى التسعينيات من القرن الماضى، فيقول: كانت مديرية أمن أسيوط ترسل إلى الحاج «حامد حنفى» والدى، تطلب مساعدته فى القضاء على الإرهاب، فكنت أذهب أنا وعزت وأشقاؤنا الستة لمكافحة الإرهابيين مع الشرطة وتنفيذ عمليات بالسلاح فى الجبال، وتمكنا خلالها من السيطرة على معاقل الإرهاب التى اجتاحت أسيوط بعد حادث تفجير مديرية أمن أسيوط ونمو الجماعات الإرهابية المتطرفة حيث كانت أسيوط معقلاً لها، مشيرا إلى أن العائلة كانت تفعل ذلك بدافع وطنى وتنفذ أوامر الداخلية حتى أنهم عذبوا عشرات الإرهابيين فى أراضيهم بين الزراعات بناء على تعليمات من قيادات الداخلية التى كانت تشرف على ذلك، مؤكداً أن وزارة الداخلية أصدرت شيكا بمبلغ 100 ألف جنيه مكافأة لعزت ولأشقائه الرجال بعد القضاء على الإرهاب «لكن إحنا رفضنا لأن ما فعلناه كان بدافع الواجب الوطنى». يستطرد ممدوح: مقتل حسن أخى بالرصاص كان نقطة تحول فى تاريخ علاقتنا بالداخلية، بعد أن لقى مصرعه برصاص قناص، وحين سألنا الداخلية من قتل حسن؟، قالوا لعزت «روح دور ع اللى قتل أخوك»، ورفضوا الوقوف إلى جانبنا، وتنصلوا من أى علاقة سابقة تربطنا بهم، فما كان من عزت إلا أن قال لهم: «هاخد تار أخويا من أكبر رأس فى البلد». من منزل ممدوح الضخم، إلى بيت عزت حنفى الجديد بعد أن تحول قصره إلى نقطة شرطة، حيث تقيم زوجته فادية عبدالوهاب أو أم محمود، كما يطلق عليها، مع ابنيها «محمود» الذى تزوج وأنجب طفلة صغيرة، و«محمد» الطالب بكلية التجارة. الزوجة: «الجزيرة» ذكرنا بمأساة إعدامه لا تزال «أم محمود» ترتدى الأسود حدادا على زوجها حتى الآن، على الرغم من مرور 7 أعوام على إعدامه فى 2006، وهى ترفض التصوير والظهور أمام الكاميرات، فيما تؤكد أنها لم تتمكن من مشاهدة الجزء الثانى من فيلم الجزيرة، «لأنه لم يعرض بسينما رينسانس أسيوط»، وتقول: كل فيلم أو مسلسل جديد عن قصة عزت، يعيد إلى رقبته حبل المشنقة من جديد ويذكرنا بمأساة إعدامه وشقيقه حمدى. وتضيف:رضينا بقضاء الله، والأهالى يمنعوننا من دخول الجزيرة أو زرع أراضينا ولا ندرى من أين نعيش أو نربى أولادنا، وخاصة أن منهم من تزوج ومنهم من هو فى الجامعة، مشيرة إلى وجود دعوى قضائية عالقة فى المحاكم حتى اليوم، تتعلق بالمطالبة بإعادة 2 كيلو جرام من مجوهراتها الذهبية، كانت صادرتها قوات الأمن عند اقتحام الجزيرة. وعن إعدام عزت، تقول: رفضت الحكومة أن نودعه قبل دفنه وإيداعه مقابر العائلة، ودفنوه فجراً مع شقيقه حمدى بعد تنفيذ الحكم سريعاً لأن القضية تحولت إلى قضية رأى عام. أساطير تتعدد روايات الأهالى حول شخصية «عزت حنفى»، فهذا أحدهم «مزارع» يقول لنا: «أنا فقير على باب الله وعزت كان رجل زين، ويعطف على الفقراء والمساكين، وكان يعطينا ونحن ناس على الله»، ويتساءل هل أعدم أم هرب مثلما يقال؟ رجل آخر يقطع الحديث، ويقول إن الامبراطور كان رجلاً أنيقاً وقوياً ورمزاً للرجولة والشهامة وتسبب فى شهرة البلد كلها، مضيفا فى الوقت نفسه: عيبه الوحيد «الله يرحمه» زراعة الأفيون. لا يستطيع أهالى القرية الفقراء الذين نالوا حظاً قليلاً من التعليم، إلا أن يروا عزت حنفى بطلاً صنعت من أجله الأفلام والمسلسلات، التى تسببت فى جعل قريتهم البعيدة ذائعة الصيت، بين مثيلاتها من القرى المحيطة. «الصعايدة» بطبعهم يحترمون الموت فلن تسمع من يسب ميتاً، أو يذكر لك واقعة سيئة لرجل كان هنا ورحل.. سيكتفى بالترحم عليه احتراما لعادات وتقاليد صعيدية لا ترحم، بالإضافة إلى علاقات النسب والقرابة التى تربط عائلة الامبراطور بأشهر عائلات النخيلة منذ سنوات طويلة قبل أحداث الدم والثأر، حيث كانت المصاهرات بين العائلات فى القرى أمراً طبيعياً. فى المقابل فإن الروايات الرسمية التى أعلنتها الداخلية تؤكد أن عزت حنفى وعائلته استولت على 280 فدانًا من أراضى الجزيرة، وقاموا باستغلالها فى زراعة المخدرات وكان عزت حنفى هو الأبرع بين أبناء العائلة، حيث توسع فى الزراعة وفى أساليب الترويج وفى صنع صورة ذهنية عن نفسه تتميز بالقوة والقسوة فلقب نفسه «بامبراطور النخيلة» ومنحه رجاله لقب «شمشون»، لكن كل هذه الألقاب لم تغن عنه شيئا عند محاصرته من قبل قوات الشرطة التى تحركت تجاه النخيلة فى آخر فبراير 2004 ودارت بينها وبين رجال عزت حنفى معركة استمرت ثمانية أيام كاملة، وكانت المعركة شرسة جدا وهو ما تظهره الأحراز بحوزة الشرطة بعد أن قبضت عليه مع 40 فردًا من أسرته وتمت مصادرة كميات هائلة من المخدرات عبارة عن 160 فدان بانجو و600 كيلو جرام بانجو «معبأة» و500 كيلو بذور أفيون وتم كذلك تدمير 400 دشمة و8 منازل وتم تحريز 65 قطعة سلاح. تم تنفيذ حكم الإعدام فى عزت حنفى وعمره 43 عاما قضى معظمها فى «الشقاوة» ودفع ثمن كل أفعاله مرة واحدة، دفع حياته وهو متماسك تماما.. خلال فترة سجنه كان مثيرا للمشاكل وكان يقضى فترة العقوبة قبل الإعدام فى سجن الاستئناف فى القاهرة لكنه أضرب عن الطعام وحرض السجناء على التمرد فكان الحل الوحيد أمام إدارة السجن أن ينقلوه إلى سجن الغربانيات بالإسكندرية، وهناك أعدم وخرج جثمانه فى ظلام الليل ليوارى تحت التراب فى مقابر العائلة.
نقلا عن اليوم السابع
الجزيرة تحقيق سارة علام - ... فيلم تعرض دور السينما حاليا الجزء الثانى منه «الجزيرة» ومسلسل عرضه التليفزيون من قبل هو «حدائق الشيطان»، يجمع من تابعهما على أنهما يجسدان حياة امبراطور «النخيلة» بأسيوط عزت حنفى، والذى يصدق البعض أن أسطورته لم تنته بعد، وأنه مثلما كان هناك جزء ثان من الفيلم السينمائى الذى قام ببطولته النجم أحمد السقا فإن «عزت حنفى» الحقيقى سيعود للظهور مرة أخرى، ومثل كل الأساطير راجت الأقاويل حول نهاية حنفى، فهناك من يؤكد أنه ربما هرب أو «تم تهريبه» إلى خارج البلاد، وهناك من يدعى أنه رآه بعينيه. الامبراطور الذى أزعج داخلية الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستلزم اقتحام جزيرته سبعة أيام كاملة فى عملية نفذتها القوات الخاصة مدججة بثلاثة آلاف ضابط وجندى فى العام 2004، ما زالت آثاره باقية فى الجزيرة حتى الآن، ففيها ترك ابنيه محمود ومحمد، وترك عائلته الكبيرة والممتدة، وشقيقا يعمل بالمحاماة، وشقيقة. «اليوم السابع»، ولأول مرة منذ اقتحام الجزيرة، تتحدث إلى أسرة الامبراطور وترصد على ألسنتهم حكايات لا يمحوها الزمن. الرحلة إلى الجزيرة من مدينة «أبوتيج» كانت الرحلة إلى الجزيرة، عبر سيارة صغيرة، وقفنا فى مدخل قرية النخيلة، وسألنا عن الطريق إلى الجزيرة، فتطوع أحدهم بتوصيلنا، ليتبين لنا أن للجزيرة مدخلين، الأول برى عبر الالتفاف خلف القرية، والثانى بحرى عبر قارب نيلى صغير، يضعك فى مدخل الجزيرة وأمام أراضى طرح النهر. قبل مدخل الطريق البرى، ترى قصرا شاسعا، يقول الأهالى إنه لمصطفى باشا خليفة أحد أعيان الصعيد قديماً، وهو القصر الذى استطاعت الشرطة أن تتسلل من داخله إلى الجزيرة، وإلى جواره طريق أسفلتى صغير فى منتصف الأرض الزراعية، وقيل لنا إنه بنى بعد اقتحام الشرطة كى تخلق الحكومة مدخلاً برياً للجزيرة تستطيع الدخول منه إليها فى أى وقت يستدعى عودتها إليها. المشهد العام لـ«الجزيرة»: مساحات شاسعة من الأراضى الخضراء، والذرة هى سيدة المحاصيل فيها، مثل الكثير من أراضى الصعيد، أراضى الجزيرة ودعت «الأفيون»، واستبدلته بالذرة.. هناك أراضٍ أخرى مزروعة بالكرنب، وحدائق صغيرة لزراعات الرمان وحدائق الموالح، والتى يطل منها البرتقال واليوسفى الصغير قبل تمام نضجه. أطفال الجزيرة، يحملون الفؤوس الكبيرة فوق ظهورهم الصغيرة، يتركون مدارسهم لأجل الرزق، طفل آخر يستحم فى ماكينة الرى، وتشعل أمه «أكواز الذرة»، بينما تمسك أخته بأوانٍ ممتلئة بالماء والطعام.. حياة هادئة وبسيطة، بعد سنوات من الحرب، كان صوت نيران البنادق والرشاشات هو الأعلى فى سماء الجزيرة، والمخدرات هى قبلة المواطنين الأولى فى أرضها، منها ولها يعيشون. منزل حامد حنفى وآثار الرصاص فى منتصف الجزيرة تماماً، منزل صغير متهاوٍ ومهجور، آثار الرصاص تخترق حوائطه المتكسرة، يقول أهالى الجزيرة، إنه المنزل الأول، لحامد حنفى والد الامبراطور عزت والذى نشأ فيه الأخير صغيراً، قبل أن يبنى الأب «سراى» كبيرة وواسعة، المنزل الصغير الآيل للسقوط كما يبدو، تحول إلى عش للدبابير، بعد أن هجره أهله وتركته الداخلية أثرا شاهدا على معركة انتصرت فيها بعد أيام من الشد والجذب.. يقول أحد مزارعى الأرض المجاورة إن المنزل كان سكناً لغفير الأرض المملوكة لحامد حنفى وأولاده وتحول مع الوقت لمستودع لوضع آلات الزراعة. داخل المنزل تلاحظ شبابيك صغيرة، كانت تستخدم فى القنص وضرب الرصاص المتبادل بين الامبراطور ورجاله، من ناحية وقوات الشرطة من ناحية أخرى.. فالبيت كله يصلح لصيد الرجال. يقول آخر من الأهالى إن البيت كان كبيراً وعالياً جداً، وكان يستخدم كبرج للمراقبة والقنص، إلا أن الداخلية أتت عليه وتم هدمه أثناء حملة الاقتحام الشهيرة. خلف المنزل الصغير، بقايا برج مراقبة، قال الأهالى إنه لحمدان أو حمدى شقيق الامبراطور الذى أعدم معه فى نفس القضية.. البرج الذى بدا طويلاً ومشدوداً، أكد الأهالى أنه كان بيتاً للمدفع، يجلس حمدى أسفل البرج، يشد المدفع بحبل سميك بيده فينطلق ليصيب الهدف. قوالب طوب صغيرة ترفع وتوضع بسهولة، قال الأهالى إنها موضع ماسورة البندقية، ترفع القالب حين تريد القنص وتعيده مرة أخرى، حتى لا يصيب أيا من أنصار الامبراطور. فى وسط الأرض الزراعية، ترعة تم ردمها، ويقول الأهالى إنها كانت مزرعة أسماك مملوكة للامبراطور قضت عليها الداخلية أيام التطهير. من القصر إلى «نقطة شرطة» ما يقرب من 10 أفدنة تفصل منزل الأب القديم المتهالك، عن قصر الامبراطور الذى يطل على النيل، بأبواب ونوافذ وطراز معمارى ريفى بديع. القصر الذى كان مسرحاً للأحداث والمواجهات بين الامبراطور والشرطة، تحول إلى نقطة شرطة، ويرفرف عليه علم مصر وتحوطه سيارات الشرطة الزرقاء من كل جانب، بعد أن تم تقسيم غرفه ليناسب المهمة الجديدة. شقيقة الامبراطور تتحدث مديحة حنفى، الشقيقة الوحيدة للامبراطور اصطحبتنا فى جولة بالجزيرة، وهى تشير بيدها إلى أراضٍ شاسعة ومساحات خضراء واسعة وتقول: «هذه أراضينا التى صادرتها الحكومة». مديحة، وعلى الرغم من كل الحكايات التى تروى عن شقيقها، تنفى أى علاقة بينه وبين زراعة المخدرات، بل وتؤكد أن الداخلية حين اقتحمت الجزيرة أشعلت النار فى أراضٍ مزروعة بالأفيون كانت تخص عائلة أخرى فى خصومة ثأرية مع عائلتها، مشيرة إلى أن أراضى الجزيرة مملوكة لـ100 عائلة كل عائلة تزرع ما تريد، وأن هناك عائلات كثيرة زرعت الأفيون لأنها تعلم أن الشرطة لا تستطيع مهاجمة الجزيرة التى يحميها عزت. وتضيف: النخيلة خسرت كثيراً بوفاة عزت وحمدى، فعزت كان يتدخل لحل الكثير من الخصومات الثأرية فى القرية وكان عضواً فى لجنة المصالحات، ولم يتأخر عن فقير أو مسكين استنجد به فى مظلمة، فيما تتحدث عن ليلة الاقتحام قائلة: هربنا إلى مدينة أسيوط فى سيارة أجرة بعيداً عن أعين الشرطة، حيث أمرنا إخوتنا بذلك، بعد أن علموا موعد اقتحام الجزيرة من معارفهم بالداخلية، وقررنا البقاء بعيدا عن الأنظار حتى عدنا إلى بيوتنا مرة أخرى. مديحة، تؤكد أن شقيقها بنى الكثير من الدشم والأبراج، بعد أن كان رصاص الثأر يخترق المنازل ويهدد حياة الأطفال، «ولم يبنها لمهاجمة الشرطة أبداً»، مبينة أن والدتها أصيبت بالشلل وداهمها المرض حتى ماتت بعد أن تم إعدام ابنيها عزت وحمدى. ابن عزت: «الجزيرة» أساء إلينا محمد الابن الأصغر لعزت حنفى طالب بكلية التجارة جامعة أسيوط، عاد إلى النخيلة بعد اختفاء دام 5 سنوات فى القاهرة قضى فيها المرحلة الابتدائية كلها، يؤكد إنه هرب مع والدته وشقيقه الأكبر محمود إلى أسيوط قبل الاقتحام بليلة أو ليلتين بعد أن ودع والده وأعمامه، ويقول: كنت صغيراً فى الابتدائية ولكننى أتذكر تلك الليلة.. غادرنا البلد فجراً فى سيارة أجرة، أقلتنا إلى حيث يسكن أقارب لنا فى أسيوط، وظللنا بعيداً عن الأنظار، حتى غادرنا إلى القاهرة. وعن فيلم الجزيرة يقول محمد: الفيلم جيد وسيئ فى نفس الوقت، فهو من ناحية يصور أبى بطلاً وشهماً وشجاعاً، ولكنه من ناحية أخرى يسىء له ويتهمه بتجارة المخدرات والإرهاب، ويؤكد محمد أنه لم يخبر أحداً فى الجامعة أنه ابن الامبراطور «عزت حنفى». شقيق الإمبراطور: أراضينا أو العنف نغادر الجزيرة ونعود إلى القرية، حيث يقطن ممدوح أحد أشقاء عزت حنفى، فى فيلا كبيرة، ويعمل بالمحاماة بعد أن فصله بنك القاهرة الذى كان يعمل به فى مقره بالقاهرة طيلة 25 عاما، واعتقل بعدها على خلفية القبض على أخيه. ممدوح يحتفظ بالكثير من الأوراق والمستندات التى قال إنها عقود ملكية لـ20 فدانا تمتلكها أسرة عزت حنفى، وجرت مصادرتها عقب القبض عليه وتوزيعها على أهالى القرية، مؤكدا أنه أرسل العديد من الاستغاثات والطلبات والفاكسات إلى المسؤولين من أجل التدخل وإعادة الأرض، من دون أن يتلقى ردا من أية جهة، مهدداً بالعودة إلى العنف والدم مرة أخرى، إن لم تتدخل الحكومة وتعيد إليهم أراضيهم، قائلاً: «هرجع الأرض يعنى هرجعها واللى يعيش يعيش واللى يموت يموت، فلم يعد لدينا ما نبكى عليه». يشرح ممدوح قصة الأرض: هى 30 فدانا، بينها 11 فدانا من أملاك الدولة تستأجرها العائلة منذ عصر الرئيس جمال عبدالناصر، و19 فدانا أخرى ملكية خالصة للوالد حامد حنفى، وهو ما يختلف عما يقوله أهالى القرية الذين أكد أحدهم أن الحكومة صادرت الأرض الزراعية المملوكة لعائلة حنفى لأنها كانت مزروعة بالمخدرات، وتمت مصادرتها كأحراز للقضية. يروى ممدوح وقائع علاقة الداخلية بعائلته والتى تعود إلى التسعينيات من القرن الماضى، فيقول: كانت مديرية أمن أسيوط ترسل إلى الحاج «حامد حنفى» والدى، تطلب مساعدته فى القضاء على الإرهاب، فكنت أذهب أنا وعزت وأشقاؤنا الستة لمكافحة الإرهابيين مع الشرطة وتنفيذ عمليات بالسلاح فى الجبال، وتمكنا خلالها من السيطرة على معاقل الإرهاب التى اجتاحت أسيوط بعد حادث تفجير مديرية أمن أسيوط ونمو الجماعات الإرهابية المتطرفة حيث كانت أسيوط معقلاً لها، مشيرا إلى أن العائلة كانت تفعل ذلك بدافع وطنى وتنفذ أوامر الداخلية حتى أنهم عذبوا عشرات الإرهابيين فى أراضيهم بين الزراعات بناء على تعليمات من قيادات الداخلية التى كانت تشرف على ذلك، مؤكداً أن وزارة الداخلية أصدرت شيكا بمبلغ 100 ألف جنيه مكافأة لعزت ولأشقائه الرجال بعد القضاء على الإرهاب «لكن إحنا رفضنا لأن ما فعلناه كان بدافع الواجب الوطنى». يستطرد ممدوح: مقتل حسن أخى بالرصاص كان نقطة تحول فى تاريخ علاقتنا بالداخلية، بعد أن لقى مصرعه برصاص قناص، وحين سألنا الداخلية من قتل حسن؟، قالوا لعزت «روح دور ع اللى قتل أخوك»، ورفضوا الوقوف إلى جانبنا، وتنصلوا من أى علاقة سابقة تربطنا بهم، فما كان من عزت إلا أن قال لهم: «هاخد تار أخويا من أكبر رأس فى البلد». من منزل ممدوح الضخم، إلى بيت عزت حنفى الجديد بعد أن تحول قصره إلى نقطة شرطة، حيث تقيم زوجته فادية عبدالوهاب أو أم محمود، كما يطلق عليها، مع ابنيها «محمود» الذى تزوج وأنجب طفلة صغيرة، و«محمد» الطالب بكلية التجارة. الزوجة: «الجزيرة» ذكرنا بمأساة إعدامه لا تزال «أم محمود» ترتدى الأسود حدادا على زوجها حتى الآن، على الرغم من مرور 7 أعوام على إعدامه فى 2006، وهى ترفض التصوير والظهور أمام الكاميرات، فيما تؤكد أنها لم تتمكن من مشاهدة الجزء الثانى من فيلم الجزيرة، «لأنه لم يعرض بسينما رينسانس أسيوط»، وتقول: كل فيلم أو مسلسل جديد عن قصة عزت، يعيد إلى رقبته حبل المشنقة من جديد ويذكرنا بمأساة إعدامه وشقيقه حمدى. وتضيف:رضينا بقضاء الله، والأهالى يمنعوننا من دخول الجزيرة أو زرع أراضينا ولا ندرى من أين نعيش أو نربى أولادنا، وخاصة أن منهم من تزوج ومنهم من هو فى الجامعة، مشيرة إلى وجود دعوى قضائية عالقة فى المحاكم حتى اليوم، تتعلق بالمطالبة بإعادة 2 كيلو جرام من مجوهراتها الذهبية، كانت صادرتها قوات الأمن عند اقتحام الجزيرة. وعن إعدام عزت، تقول: رفضت الحكومة أن نودعه قبل دفنه وإيداعه مقابر العائلة، ودفنوه فجراً مع شقيقه حمدى بعد تنفيذ الحكم سريعاً لأن القضية تحولت إلى قضية رأى عام. أساطير تتعدد روايات الأهالى حول شخصية «عزت حنفى»، فهذا أحدهم «مزارع» يقول لنا: «أنا فقير على باب الله وعزت كان رجل زين، ويعطف على الفقراء والمساكين، وكان يعطينا ونحن ناس على الله»، ويتساءل هل أعدم أم هرب مثلما يقال؟ رجل آخر يقطع الحديث، ويقول إن الامبراطور كان رجلاً أنيقاً وقوياً ورمزاً للرجولة والشهامة وتسبب فى شهرة البلد كلها، مضيفا فى الوقت نفسه: عيبه الوحيد «الله يرحمه» زراعة الأفيون. لا يستطيع أهالى القرية الفقراء الذين نالوا حظاً قليلاً من التعليم، إلا أن يروا عزت حنفى بطلاً صنعت من أجله الأفلام والمسلسلات، التى تسببت فى جعل قريتهم البعيدة ذائعة الصيت، بين مثيلاتها من القرى المحيطة. «الصعايدة» بطبعهم يحترمون الموت فلن تسمع من يسب ميتاً، أو يذكر لك واقعة سيئة لرجل كان هنا ورحل.. سيكتفى بالترحم عليه احتراما لعادات وتقاليد صعيدية لا ترحم، بالإضافة إلى علاقات النسب والقرابة التى تربط عائلة الامبراطور بأشهر عائلات النخيلة منذ سنوات طويلة قبل أحداث الدم والثأر، حيث كانت المصاهرات بين العائلات فى القرى أمراً طبيعياً. فى المقابل فإن الروايات الرسمية التى أعلنتها الداخلية تؤكد أن عزت حنفى وعائلته استولت على 280 فدانًا من أراضى الجزيرة، وقاموا باستغلالها فى زراعة المخدرات وكان عزت حنفى هو الأبرع بين أبناء العائلة، حيث توسع فى الزراعة وفى أساليب الترويج وفى صنع صورة ذهنية عن نفسه تتميز بالقوة والقسوة فلقب نفسه «بامبراطور النخيلة» ومنحه رجاله لقب «شمشون»، لكن كل هذه الألقاب لم تغن عنه شيئا عند محاصرته من قبل قوات الشرطة التى تحركت تجاه النخيلة فى آخر فبراير 2004 ودارت بينها وبين رجال عزت حنفى معركة استمرت ثمانية أيام كاملة، وكانت المعركة شرسة جدا وهو ما تظهره الأحراز بحوزة الشرطة بعد أن قبضت عليه مع 40 فردًا من أسرته وتمت مصادرة كميات هائلة من المخدرات عبارة عن 160 فدان بانجو و600 كيلو جرام بانجو «معبأة» و500 كيلو بذور أفيون وتم كذلك تدمير 400 دشمة و8 منازل وتم تحريز 65 قطعة سلاح. تم تنفيذ حكم الإعدام فى عزت حنفى وعمره 43 عاما قضى معظمها فى «الشقاوة» ودفع ثمن كل أفعاله مرة واحدة، دفع حياته وهو متماسك تماما.. خلال فترة سجنه كان مثيرا للمشاكل وكان يقضى فترة العقوبة قبل الإعدام فى سجن الاستئناف فى القاهرة لكنه أضرب عن الطعام وحرض السجناء على التمرد فكان الحل الوحيد أمام إدارة السجن أن ينقلوه إلى سجن الغربانيات بالإسكندرية، وهناك أعدم وخرج جثمانه فى ظلام الليل ليوارى تحت التراب فى مقابر العائلة.
نقلا عن اليوم السابع