روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    كثيرا ما يدفع المحامي ثمن مناضلته لأداء رسالته من مصالحه وحريته وأحيانا حياته نفسها‏!‏

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    كثيرا ما يدفع المحامي ثمن مناضلته لأداء رسالته من مصالحه وحريته وأحيانا حياته نفسها‏!‏ Empty كثيرا ما يدفع المحامي ثمن مناضلته لأداء رسالته من مصالحه وحريته وأحيانا حياته نفسها‏!‏

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس يوليو 29, 2010 11:18 am

    كثيرا ما يدفع المحامي ثمن مناضلته لأداء رسالته من مصالحه وحريته وأحيانا حياته نفسها‏!‏
    مهما كانت المخاطر‏!‏
    في عام‏1793/92‏ ـ ومقصلة الثورة الفرنسية تحصد الرقاب والأرواح‏,‏ لا تفرق أو لا تفرق كثيرا بين مذنب وبريء‏,‏ وتتلوث بالدماء صفحتها مع الحرية التي انفجرت من أجلها‏,‏ لا تتهيب المحاماة من أن تقف مؤدية رسالتها في الدفاع حتي عن الملك لويس السادس عشر الذي أجمعت الثورة علي استئصاله في محاكمة أرادت أن تكون شكلية وتمسك فرسان المحاماة بأداء واجبهم العظيم فيها أيا كانت المخاطر‏!‏
    وقف برييه الكبير يصرخ في وجه محكمة الثورة الفرنسية‏,‏ والمقصلة في عنفوان عملها تحصد عشرات الرءوس كل يوم ليقول للمحكمة عبارته الشهيرة‏:‏ إنني أتقدم إليكم بالحقيقة‏,‏ وبرأسي أيضا‏..‏ فتصرفوا في إحداهما بعد أن تستمعوا للأخري‏!!..‏ بينما ماليزيرب العظيم وقد جاوز السبعين يتقدم من تلقاء نفسه إلي رئيس الجمعية العمومية التي اعتزمت محاكمة لويس السادس عشر ـ بخطاب يقول فيه‏:‏ لا أدري هل المجلس سيعين للويس السادس عشر محاميا يدافع عنه ؟ أم أنه سيترك له حرية الاختيار‏.‏ فإن كانت الثانية‏,‏ فإنني أحب أن يصل إلي علم لويس السادس عشر أنه إذا وقع اختياره علي لأداء هذه المهمة فإنني علي استعداد لأن أبذل في أدائها كامل جهدي‏.‏ لقد دعاني مرتين لأكون وزيرا وقت أن كان ذلك المركز مطمع أنظار الطامعين‏,‏ لذلك أعتقد أنني مدين بالوقوف إلي جواره في الوقت الذي يري الكثيرون ما ينطوي عليه ذلك من تضحية ومجازفة‏!!‏ لم يكن ماليزيرب العظيم من أنصار ما كان يجري إبان الملكية الآفلة‏,‏ فهو حبيب للشعب محب للعلم مغرم بالأدب‏,‏ ورفض في المرتين دعوته للاشتراك في مجلس الحكم‏,‏ وتخلي عن المنصب مرتين أخريين‏,‏ وكان من أشد المهاجمين لإساءة استخدام السلطة‏,‏ المنتصرين لكرامة واستقلال المحاماة‏,‏ وعلي رأس المطالبين بإلغاء خطابات السجن بغير محاكمة‏..‏ وإلي ذات هذا النظر السامق في احترام حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ـ صدر ماليزيرب في إقدامه ومعه مساعده علي الدفاع عن الملك المخلوع‏!!‏
    لم تمنعه ظروف المحاكمة‏,‏ ولا القاعة الغاصة بأعداء الملك والملكية‏,‏ والجماهير الصاخبة‏,‏ ولا شبح المقصلة المخيم‏,‏ ولا سطوة هيئة المحكمة ـ من أن يخاطب الملك المخلوع بالأدب اللائق بمنصبه الذي كان‏,‏ فعيل صبر المحكمة فقال له رئيسها في غلظة وجفاء‏:‏ من أين لك تلك السلطة التي تخولك أن تدعـو لويس كأبيه باللقب الذي ألغيناه ؟‏!..‏ لم يهب ماليزيرب أن يقول‏:‏ من ازدرائي لما يجري هنا‏,‏ ومن حياتي كلها‏!..‏ إلي جواره وقف دي سيز يقول لمن نصبوا من أنفسهم قضاة ـ خارج الشرعية ـ لمحاكمة لويس السادس عشر‏:‏ إنني أجول ببصري أبحث عن قضاة فلا أجد إلا خصوما‏!!..‏ لم ترهب فارسي المحاماة ـ المقاصل المنصوبة في كل مكان‏,‏ ولا أنهار الدماء الجارية بغير عقل‏,‏ فوقف دي سيز ينادي بأعلي صوته إن الخصم لا يجوز أن يكون حكماي‏,‏ وإن القاضي إذا أبدي نظره في القضية المعروضة أمامه لم يعد جائزا له أن ينظرها أو يحكم فيها‏!!..‏ كان الفارسان يعلمان النتيجة المحتومة لهذه الجـرأة في أداء رسالة الدفاع‏,‏ ولا يستبعدان أن تحصد المقصلة رأسيهما كما حصدت رءوسا غيرهما ـ وقد للأسف كان‏!!!‏ فلم يمض عام علي إعدام لويس السادس عشر حتي أعدم ماليزيرب وأفراد أسرته‏,‏ ولحق به دي سيز جزاء قيامهما بواجب المحاماة وقربانا لحريتها واستقلالها وفروسيتها‏!‏
    حدث فى دنشواى
    بغض النظر ـ وهو لا يغض‏!‏ ـ عن سقطة الهلباوي في دنشواي التي ظل يدفع ثمنها ما بقي من عمره‏,‏ وبعد رحيله‏,‏ وسقطة بطرس باشا غالي وفتحي بك زغلول اللذين قبلا رئاسة وعضوية المحكمة المخصوصة التي أحالـوا إليهـا‏59‏ متهما‏,‏ وحكمت حكما ظالمـا نص فيه علي أنه لا يقبل الطعن ـ قضت فيه بإعدام أربعة‏,‏ وبالأشغال الشاقة المؤبدة علي اثنين‏,‏ وبالأشغال الشاقة‏15‏ سنة علي واحد‏,‏ وبالأشغال الشاقة سبع سنين علي ستة‏,‏ وبالحبس سنة مع الشغل علي ثلاثة مع جلدهم خمسين جلدة‏,‏ وبجلد خمسة‏,‏ خمسين جلدة‏,‏ علي أن يتم الإعدام والجلد علي الملأ بقرية دنشواي ـ مقابل ضابط لم يقتله أحد وإنما قتلته ضربة شمس‏!!..‏ يومها وقفت مصر كلها دامعة محزونة إزاء بطش وجبروت الاحتلال‏!‏
    بينما نهض أربعة من فرسان المحاماة فلفتوا بدفاعهم أنظار العالم وهزوا الدنيا وأدموا الضمائر‏!!:‏ أحمد لطفي السيد‏,‏ ومحمد يوسف‏,‏ وعثمان يوسف‏,‏ وإسماعيل عاصم‏..‏ لم يوقف دفاعهم الحكم المزمع‏,‏ ولكنه كشف للعالم زيف الاتهام‏,‏ ويومها وقف محمد بك يوسف يتساءل قائلا‏:‏ كيف يزعم الزاعم أن فكرة القتل كانت مقصودة من قبل الأهالي الذين يسكنون بلدا مؤلفا من ثلاثة آلاف نفس اجتمعوا علي خمس أرواح بقصد قتلهم ثم ينجون بأنفسهم أحياء ؟‏!‏ فأي قوة كان عليها هؤلاء الضباط الخمسة حتي حفظوا حياتهم من غائلة المتهمين ؟‏!..‏ إن تجمهر الأهالي كـان شيئا طبيعيا للاستغاثة ومواجهة الحريق الذي تسبب الضباط في إشعاله‏!!‏

    التقديس الدستوري للدفاع بالوكالة عن طريق المحامين سدنة العدالة وحملة راية الحق‏,‏ لم يتحقق بيسر أو بين يوم وليلة‏,‏ وإنما جاء عبر طريق طويل طويل محفوف بالأخطار والمظالم‏,‏ وعبر واقعات هزت ضمير الإنسانية لأخطـاء جسيمة حصدت فيها أرواحا بريئة من أي ذنب أو جريرة‏!!‏ ربما لم تكن تحدث أو بذات البشاعة لو قدر للمظاليم محامون ـ أو محامون جادون أكفاء ـ يدرءون عنهم الالتباس الذي أصاب الحقيقة في أقضيات ضاعت فيها أرواح بريئة‏!!!‏
    المقتول حي يرزق‏!‏
    إبان القرن السابع عشر‏,‏ أدان القضاء الإنجليزي وحكم بإعدام جون وريتشارد ـ بيري‏,‏ ووالدتهمـا جـوان بيري بتهمـة أنهم قتلوا من يدعي وليم هاريسون عمدا مع سبق الإصرار والترصد‏,‏ وبعد أكثر من سنتين من تنفيذ حكم الإعدام شنقا ـ ظهر المجني عليه حيا يرزق لم يمسسه سوء‏!!!..‏ وفي إيطاليا‏,‏ روع الرأي العام بأنه بعد تسع سنوات من الحكم بالإعـدام الذي تخفف لحسـن الحظ إلي الأشغـال الشاقة المؤبدة ـ‏..‏ روع بظهور‏(‏ القتيل‏)‏ حيا يرزق بعد أن أدين أخوه المتهم بقتله من تسع سنوات‏!!..‏ وفي فرنسا‏,‏ وفي قضية غريبة صاحبتها ملابسات خادعة‏,‏ عرفت بقضية مدام بولين‏,‏ روعت الأمة الفرنسية في أواخر القرن قبل الماضي بأنه استبان بعد عشر سنوات أن زوج وشقيق المرأة المسكينة ـ التي حكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة ـ لم يموتا قتلا بالسم كما اعتقدت المحكمة‏,‏ وإنما توفيا متأثرين بغاز أول أكسيد الكربون السام المتسرب عفوا إلي داخل الدار من قمينة جير حي كانت موقدة بالخلف يوم الوفاة‏..‏ يومها أعيد التحقيق في القضية‏,‏ وتكشفت الحقائق تباعا‏,‏ ووقف لو فافريه الأفوكاتو العمومي يدافع بنفسه عن هذه المسكينة التي أمضت بالسجن عشر سنوات ظلما‏,‏ ويطلب لها البراءة تكفيرا عن الخطأ الجسيم الذي وقع في حقها نتيجة عدم إقساط دفاعها حقه‏!!..‏ بيد أن المحامي الحاضر في إعادة المحاكمة مع الظليمة البائسة لم يشأ أن يترك منصة الدفاع قبل أن يشير إلي أن ابنتها التي تركتها في مهد طفولتها قد ظلت هذه السنوات العشر تعتقد أن أمها آثمة بقتل أبيها وخالها‏!‏
    وفي مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة‏,‏ في أوليات القرن الماضي‏,‏ وبعد استجواب ثقيل لجأ فيه المحققون إلي جميع وسائل العنف والتعذيب لحمل متهم علي الاعتراف باغتصاب وقتل فتاة عثر علي جثتها في‏1906/1/12,‏ فاعترف المتهـم ـ في غيبة دفاع حقيقي يحميه ـ بأنه القاتل‏,‏ ونسج رواية طويلة تفصيلية لظروف الاغتصاب والقتل‏,‏ فقضي بإعدامه وأعدم قبل أن تكتشف السلطات القضائية أن رواية الاغتصاب والقتل من نسج الخيال تحت وطأة التعذيب والإكراه‏,‏ الذي تواكب مع إصابة المتهم البريء بفصام عقلي تحول مع الخيالات والأوهام إلي حقائق‏(‏ وهمية‏)‏ أدت إلي الاعتراف الكاذب بتأثير الإيحاء الذاتي الذي صاحب الإكـراه في غيبة دفاع يرد عن هذا التعس غائلة العنف والضغط والإرهاب‏!!!..‏ شبيه بهذه المأساة مأساة إعدام جون ايفانز في بريطانيا بمنتصف القرن الماضي بتهمة قتل زوجته وابنته استنادا إلي اعترافات كاذبة لم يفتضح كذبها إلا بعد ثلاث سنوات من صدور وتنفيذ الحكم بإعدامه‏!!‏
    وقد قيض للأمة الفرنسية ألا تنسي قط عقوبة خاطئة بالإعدام حصدت روحا بريئة حرقا بالنار‏,‏ فلم تكد تمضي عشرون عاما علي تنفيذ حكم الإعدام في جان دارك حرقا يوم‏30‏ مايو‏1431‏ ـ حتي مكنت والدتها من استئناف الحكم أمام البابا لرد شرف واعتبار جان دارك التي أعدمت ظلما بتهمة الهرطقة‏,‏ حيث عقدت المحكمة الدينية في كنيسة نوتر دام بباريس لتصدر حكمها بعدم شرعية المحاكمة السابقة‏,‏ وباعتبار المحكوم عليها في عداد الشهيدات وبإلغاء اتهامات الشعوذة والهرطقة التي أدينت بها‏,‏ ثم بعد قرون أعلنت الكنيسة في‏16‏ مايو‏1920‏ علي لسان البابا بنديت الخامس عشر منح جان دارك لقب قديسة‏!..‏ أما جاليليو الفلكي الإيطالي الشهير‏,‏ فلم يستطع أن ينجو بحياته إزاء تهمة الهرطقة في محاكمة غاشمة لأنه يقول‏:‏ إن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس ـ إلا بأن يساير محاكميه ويعترف علانية ـ في غيبة دفاع يحميه‏,‏ بأنه مخطئ فيما صدر عنه‏,‏ وأنه يعلن توبته عنه‏!..‏ يومها‏,‏ وقد أطلقت المحكمة سراحه لم تسمع عبارة أخذ يتمتم بها لنفسه وهـو خارج من القاعة‏:‏ ومع ذلك فإنها تدور‏!‏
    هذه الحادثات والمآسي التي أقضت ضمير الإنسانية‏,‏ كانت وراء رفع وإعلاء وتقديس حـق الدفـاع والإيمان برسالـة المحاماة‏..‏ هذه الرسالة لا ينهض بها الخائفون ولا المرتعدون ولا المرتجفون أو المهددون في حرياتهم ومصائرهم‏..‏ من أجل ذلك‏,‏ ورعاية للإنسانية والعدالة ذاتها‏,‏ كانت الضمانات التي قررتها الدساتير والقوانين للمحامين كفالة لأداء حق الدفاع أداء جديا يحقق الغاية المعقودة عليه والمنشودة منه‏!
    نقلا من مقال للاستاذ الكبير رجائى عطية

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:49 pm