لم تكن المحاماة في مصر مجرد مهنة شغلها الشاغل الدفاع عن حرية المواطن وكرامته ــ وغوث الضعيف ونصرته.. بل كانت إلي ذلك ــ وفوق ذلك ــ أول منبر للوطنية والقومية المصرية منذ مطلع هذا القرن الذي آذن بالوداع.. أول نقابة مهنية مصرية كانت نقابة المحامين, تأسست في سنة1907 وأول الأصوات التي نادت بالاستقلال التام أو الموت الزؤام كانت أصوات المحامين.. ولاتزال أصواتهم المدوية ــ حتي بعد عشرات السنين ــ تتردد في أسماع المصريين في عقل واع أو في عقل باطن.. لايزال صوت سعد زغلول ــ المحامي ــ وهو يقول الحق فوق القوة أو صوت مصطفي النحاس ــ المحامي ــ وهو يقول تقطع يدي ولا أفرط في السودان وأصوات المحكوم عليهم بالإعدام في سنة1919 بألماظة يرددون وراء نقيب المحامين مرقس حنا. نموت وتحيا مصر..
أما بالنسبة للمتشرف بالكتابة, فلم تكن المحاماة له مجرد مهنة.. بل كانت مهنة وهياما.. فلم أمتهن في حياتي عملا ــ طوال قرابة خمسة وستين عاما ــ فيما عدا بضع السنين التي جندت فيها نائبا لرئيس الوزراء ــ سوي المحاماة, وحتي في مهمتي الحكومية لم أكن موظفا بالمعني المتعارف عليه, بل كنت محامياعن حكومة الحزب الذي شرفني بعضويته وأمانته العامة ــ هياما ملك علي جوارحي, أكثر من ستين عاما, خبرت طوالها حلو المهنة ومرها.. وحتي مرها هذا كان طيب الأريج وحلو المذاق ــ ولست تقدر أن تشعر بهذا الحلو المر إلا أن تكون قد ذقته ــ فليس يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. وأنا أستعيد في ذاكرتي هؤلاء الأمجاد الذين سبقونا إلي رحمة الله, فأذكر إبراهيم الهلباوي في أخريات عمره بعد أن ألهبت ظهره مقالات الناقدين لمرافعته ضد المتهمين في قضية دنشواي.. وأذكر مرافعات الدفاع أمام عبد العزيز فهمي رئيس محكمة النقض في دعوي التأديب التي إتهم فيها خمسة من كبار المحامين بإمتهان المحكمة في قضية القنابل لأن كبيرهم ــ كما قال رئيس المحكمة ــ كان يترافع للجمهور وليس للمحكمة..
وأذكر قضية الاغتيالات الكبري التي ترافع عن المتهمين فيها ــ أحمد ماهر والنقراشي ــ المحاميان مصطفي النحاس ومكرم عبيد التي إنتهت ببراءتهما و إستقالة المستشار الإنجليزي ــ كيرشو ــ وشكواه إلي دار المندوب السامي بأن المستشارين المصريين علي بك سالم وكامل بك حنا إبراهيم قد تحيزا إلي المتهمين الوطنيين!
وأذكر أول من عرفت ــ شخصيا من المحامين ــ وكانا المرحومين زهير صبري ورافع محمد رافع, عندما حضرا التحقيق معي وزميلي إبراهيم نور الدين وجمال النجار أمام نيابة الوايلي بتهمة الإضراب وإتلاف الترام وأعمدة النور أيام حكم إسماعيل صدقي ــ وقد رأيت الأستاذين في التحقيق ولم أكن أعرف موقعهما, هل هما محاميان أم أنهما كانا من أعضاء النيابة..
وأعود بذاكرتي فأري بعين الخيال مصطفي مرعي, ومصطفي البرادعي ويوسف الجندي وصبري أبو علم وعبد الفتاح الطويل وحسن سرور الذين عاصرتهم وتتلمذت عليهم, عن قرب وعن بعد.. وأري الأساتذة من المحامين الشرعيين ــ علي هاني ــ وحسن عبد القادر ــ ومحرم فهيم وعبده البرتقالي,وعبد الكريم رءوف.
وأستعيد بذاكرتي غرفة المحامين بمحكمة مصر بباب الخلق.. والمحامين الثلاثة الذين كانوا لايفترقون.. إبراهيم رياض ــ التركي ــ وحسن ذو الفقار ــ المصري ــ وإدوار قصيري ــ اللبناني ــ ومزاحهم الجميل ومداعباتهم التي لاتنتهي.. وأستعيد ذكري مرقس فهمي ــ المحامي الفذ ــ الذي كان ينفح عم محمد السيد ملمع الأحذية جنيها كاملا لمسح حذائه ــ وكنا نري ذلك وننبهر غير مصدقين.. لأننا كنا ندفع قرشا أو قرشين عند الإسراف..
وأري غرفة المحامين وقد ضمت من كانوا منذ لحظات قريبة خصوما في الدعوي يصيحون ويختلفون ــ فإذا بهم يحتضنون ويقبلون بعضهم البعض.. وأري المحامين من كل الأحزاب ــ وفديين ــ أو سعديين ــ أو أحرارا دستوريين ــ وقد خلعوا عند باب الغرفة رداء الحزبية ودخلوها إخوانا وأحباء مستبشرين..
وأذكر بالفخار أنني ــ علي صغر سني وقدري ــ زاملت أمثال علي ايوب ووهيب دوس وأحمد علي علوبة فأخذت عنهم ــ جاهدا ــ سلامة المنطق وتطبعت بخلق المحامين وأدب الحوار.. ثم تمر السنوات وأزامل من يقربونني في العمر من أكابر المحامين من أمثال محمد عبد الله وعلي منصور وحمادة الناحل ورجائي عطية عبده ــ وأحمد حسن شنن ومحمد عصفور ونعمان جمعة وسعد فخري عبد النور وسعيد الفار وزكي هاشم وعلي الشلقاني وفهمي ناشد وابن الأخ العزيز ياسين تاج الدين ياسين ومحمود عبد الحميد سليمان وإسطفان باسيلي وشوقي السيد وفتحي رجب وطاهر المصري وماهر محمد علي وعبد العزيز جبر وعبد العزيز محمد ومحمد حامد محمود وعثمان ظاظا وعادل عيد ومحب حسن حبيب ــ وحسن العشماوي, وطاهر الخشاب ومحمد المغربي, ومحمد الشامي, ومحمد الجنايني, وعدلي عبد الباقي وكمال بدر, وحمودة زيوار وأحمد شوقي الخطيب ومنصف نجيب سليمان وشاكر عبد الملاك ثم سامح عاشور إبن الأخ المتعجل! وحسام عمر ومحمد غراب. وأذكر بكل حب وفخار ــ زميلي وجاري في مقعد الدراسة علي عبد المجيد صالح بدير ــ الذي كان يبشر بأن يكون أحسن المحامين الجنائيين لو إمتد به العمر.
وأذكر شوكت التوني ــ المحامي الممتاز ــ الذي سئل هل تود أن تكون وزيرا فقال لا أنا أفضل أن أكون وزيرا سابقا
وأذكر دعوي كبيرة كان المحامون الموكلون فيها, سابا حبشي وعبد الفتاح الشلقاني وزكي عريبي.. وتعليق المرحوم توفيق رفقي المستشار الظريف.. دول حسن ومرقس وكوهين..
وبعد سنين ــ تخرج في كلية الحقوق محامون ثلاثة ــ عبد الله علي حسن وصلاح السيد وعبد العال عرجون ــ وهم من أهل الصعيد داكني اللون ــ وكان اسمهم في الكلية الكتيبة السوداء التي قامت علي أكتافها الحركة الوطنية التي قتلت الشيوعية التي كادت تطل بوجهها القبيح ومن جيلهم كان, حلمي الشريف, الذي صار بعد ذلك عضوا بمجلس الشوري ــ وكان من أبرز وأنجح المحامين الجنائيين ـ فلم يكن يخلو رول محاكم الجنايات في أسيوط وسوهاج وقنا ــ من ثلاثة أو أربعة جنايات لحلمي الشريف فلما سأله أحد رؤساء دائرة جنايات الذين لم تكن سمعتهم فوق مستوي الشبهات عن اسمه قال أنا اسمي حلمي الشريف ــ وأنا شريف بالاسم والمعني
كان المحامون ملتزمين بالخلق والتقاليد المهنية لاقصي درجات الالتزام,كان من شخصيات المحامين التي لاتنسي, المرحوم محمود بسيوني ــ نقيب المحامين ــ ثم وزير الأوقافوكان من بينهم ايضا محمود شحاتة عاصم وعبد الحميد عبد الحق.
أما بالنسبة للمتشرف بالكتابة, فلم تكن المحاماة له مجرد مهنة.. بل كانت مهنة وهياما.. فلم أمتهن في حياتي عملا ــ طوال قرابة خمسة وستين عاما ــ فيما عدا بضع السنين التي جندت فيها نائبا لرئيس الوزراء ــ سوي المحاماة, وحتي في مهمتي الحكومية لم أكن موظفا بالمعني المتعارف عليه, بل كنت محامياعن حكومة الحزب الذي شرفني بعضويته وأمانته العامة ــ هياما ملك علي جوارحي, أكثر من ستين عاما, خبرت طوالها حلو المهنة ومرها.. وحتي مرها هذا كان طيب الأريج وحلو المذاق ــ ولست تقدر أن تشعر بهذا الحلو المر إلا أن تكون قد ذقته ــ فليس يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها.. وأنا أستعيد في ذاكرتي هؤلاء الأمجاد الذين سبقونا إلي رحمة الله, فأذكر إبراهيم الهلباوي في أخريات عمره بعد أن ألهبت ظهره مقالات الناقدين لمرافعته ضد المتهمين في قضية دنشواي.. وأذكر مرافعات الدفاع أمام عبد العزيز فهمي رئيس محكمة النقض في دعوي التأديب التي إتهم فيها خمسة من كبار المحامين بإمتهان المحكمة في قضية القنابل لأن كبيرهم ــ كما قال رئيس المحكمة ــ كان يترافع للجمهور وليس للمحكمة..
وأذكر قضية الاغتيالات الكبري التي ترافع عن المتهمين فيها ــ أحمد ماهر والنقراشي ــ المحاميان مصطفي النحاس ومكرم عبيد التي إنتهت ببراءتهما و إستقالة المستشار الإنجليزي ــ كيرشو ــ وشكواه إلي دار المندوب السامي بأن المستشارين المصريين علي بك سالم وكامل بك حنا إبراهيم قد تحيزا إلي المتهمين الوطنيين!
وأذكر أول من عرفت ــ شخصيا من المحامين ــ وكانا المرحومين زهير صبري ورافع محمد رافع, عندما حضرا التحقيق معي وزميلي إبراهيم نور الدين وجمال النجار أمام نيابة الوايلي بتهمة الإضراب وإتلاف الترام وأعمدة النور أيام حكم إسماعيل صدقي ــ وقد رأيت الأستاذين في التحقيق ولم أكن أعرف موقعهما, هل هما محاميان أم أنهما كانا من أعضاء النيابة..
وأعود بذاكرتي فأري بعين الخيال مصطفي مرعي, ومصطفي البرادعي ويوسف الجندي وصبري أبو علم وعبد الفتاح الطويل وحسن سرور الذين عاصرتهم وتتلمذت عليهم, عن قرب وعن بعد.. وأري الأساتذة من المحامين الشرعيين ــ علي هاني ــ وحسن عبد القادر ــ ومحرم فهيم وعبده البرتقالي,وعبد الكريم رءوف.
وأستعيد بذاكرتي غرفة المحامين بمحكمة مصر بباب الخلق.. والمحامين الثلاثة الذين كانوا لايفترقون.. إبراهيم رياض ــ التركي ــ وحسن ذو الفقار ــ المصري ــ وإدوار قصيري ــ اللبناني ــ ومزاحهم الجميل ومداعباتهم التي لاتنتهي.. وأستعيد ذكري مرقس فهمي ــ المحامي الفذ ــ الذي كان ينفح عم محمد السيد ملمع الأحذية جنيها كاملا لمسح حذائه ــ وكنا نري ذلك وننبهر غير مصدقين.. لأننا كنا ندفع قرشا أو قرشين عند الإسراف..
وأري غرفة المحامين وقد ضمت من كانوا منذ لحظات قريبة خصوما في الدعوي يصيحون ويختلفون ــ فإذا بهم يحتضنون ويقبلون بعضهم البعض.. وأري المحامين من كل الأحزاب ــ وفديين ــ أو سعديين ــ أو أحرارا دستوريين ــ وقد خلعوا عند باب الغرفة رداء الحزبية ودخلوها إخوانا وأحباء مستبشرين..
وأذكر بالفخار أنني ــ علي صغر سني وقدري ــ زاملت أمثال علي ايوب ووهيب دوس وأحمد علي علوبة فأخذت عنهم ــ جاهدا ــ سلامة المنطق وتطبعت بخلق المحامين وأدب الحوار.. ثم تمر السنوات وأزامل من يقربونني في العمر من أكابر المحامين من أمثال محمد عبد الله وعلي منصور وحمادة الناحل ورجائي عطية عبده ــ وأحمد حسن شنن ومحمد عصفور ونعمان جمعة وسعد فخري عبد النور وسعيد الفار وزكي هاشم وعلي الشلقاني وفهمي ناشد وابن الأخ العزيز ياسين تاج الدين ياسين ومحمود عبد الحميد سليمان وإسطفان باسيلي وشوقي السيد وفتحي رجب وطاهر المصري وماهر محمد علي وعبد العزيز جبر وعبد العزيز محمد ومحمد حامد محمود وعثمان ظاظا وعادل عيد ومحب حسن حبيب ــ وحسن العشماوي, وطاهر الخشاب ومحمد المغربي, ومحمد الشامي, ومحمد الجنايني, وعدلي عبد الباقي وكمال بدر, وحمودة زيوار وأحمد شوقي الخطيب ومنصف نجيب سليمان وشاكر عبد الملاك ثم سامح عاشور إبن الأخ المتعجل! وحسام عمر ومحمد غراب. وأذكر بكل حب وفخار ــ زميلي وجاري في مقعد الدراسة علي عبد المجيد صالح بدير ــ الذي كان يبشر بأن يكون أحسن المحامين الجنائيين لو إمتد به العمر.
وأذكر شوكت التوني ــ المحامي الممتاز ــ الذي سئل هل تود أن تكون وزيرا فقال لا أنا أفضل أن أكون وزيرا سابقا
وأذكر دعوي كبيرة كان المحامون الموكلون فيها, سابا حبشي وعبد الفتاح الشلقاني وزكي عريبي.. وتعليق المرحوم توفيق رفقي المستشار الظريف.. دول حسن ومرقس وكوهين..
وبعد سنين ــ تخرج في كلية الحقوق محامون ثلاثة ــ عبد الله علي حسن وصلاح السيد وعبد العال عرجون ــ وهم من أهل الصعيد داكني اللون ــ وكان اسمهم في الكلية الكتيبة السوداء التي قامت علي أكتافها الحركة الوطنية التي قتلت الشيوعية التي كادت تطل بوجهها القبيح ومن جيلهم كان, حلمي الشريف, الذي صار بعد ذلك عضوا بمجلس الشوري ــ وكان من أبرز وأنجح المحامين الجنائيين ـ فلم يكن يخلو رول محاكم الجنايات في أسيوط وسوهاج وقنا ــ من ثلاثة أو أربعة جنايات لحلمي الشريف فلما سأله أحد رؤساء دائرة جنايات الذين لم تكن سمعتهم فوق مستوي الشبهات عن اسمه قال أنا اسمي حلمي الشريف ــ وأنا شريف بالاسم والمعني
كان المحامون ملتزمين بالخلق والتقاليد المهنية لاقصي درجات الالتزام,كان من شخصيات المحامين التي لاتنسي, المرحوم محمود بسيوني ــ نقيب المحامين ــ ثم وزير الأوقافوكان من بينهم ايضا محمود شحاتة عاصم وعبد الحميد عبد الحق.