بالثقافة الدينية في الزمان الحالي لم ينتفعوا باختلاف الفقهاء أيام زمان. هذا الاختلاف الذي أثري حركة الفكر الإسلامي بعامة والفكر الفقهي منه بخاصة. ولأن هذا الاختلاف كان موضوعياً فقد نشأت عنه المذاهب المشهورة والتي حفظها تلاميذ الفقهاء العظام من أمثال مالك بن أنس. وأبي حنيفة النعمان. ومحمد إدريس الشافعي. وأحمد بن حنبل. وهناك تلاميذ لم يحفظوا فقه علمائهم الكبار فلم يدونوه في صفحات ولم يكتبوه علي الأخشاب فضاع هذا الفقه العظيم. ومن أشهر ما ضاع من الفقه هو الذي كان يدرسه لتلاميذه فقيه مصر العظيم الليث بن سعد. كان الليث بن سعد يعني بدرس الفقه من حداثة سنه حتي أصبح له "عامود" في المسجد يجلس إليه ويختلف عليه التلاميذ يأخذون عنه الفقه. وإلي جانب الفقه يأخذون علوماً أخري كالتفسير والحديث والنحو والبلاغة وغيرها من علوم العربية التي خدمت الإسلام وأصبحت لازمة من لوازم الفقه فيه. وكان للمرأة دور كبير في هذا المجال. ومما يؤثر عن الإمام مالك وهو حديث السن أن أمه كانت تعني بمظهره العام فكانت تنصحه بكثرة الوضوء والاغتسال. وتحرص علي أن يذهب إلي درسه أمام شيخه "ربيعه الرأي" في المسجد وهو نظيف الملابس أنيق المظهر. وتقول له بعد أن تشرف علي حسن صورته: اذهب إلي ربيعة الرأي وخذ من خلقه وعلمه. فهي تقدم الأخلاق علي العلم. وتعرف عن الأستاذ العظيم حسن خلقه الذي كان سبباً في حسن رأيه وهو يقلب في مسائل الفقه يختار أرجحها وأقربها إلي أفهام الناس وإلي عادتهم الاجتماعية. ومن هنا كان الفقه الإسلامي كثير التطبيقات علي الأحداث في معاملات الناس. وإن كان أكثر المذاهب ثراء في ذلك هو مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه. وقد أخذ عنه تلاميذ عظام من أشهرهم محمد بن الحسن الشيباني الذي التقي به الإمام الشافعي وتمني أن يكون له ولد في مثل فقهه حتي ولو كان مديناً لأهل الأرض جميعاً.
وكان الإمام أبوحنيفة النعمان رضي الله عنه يحب من تلاميذه أن يختلفوا أمامه في المسائل الفقهية ويشجعهم علي إبداء آرائهم التي تخالف رأيه وأن يدافعوا عنها. لأنه كان يدرك بفطرته أن هذا الاختلاف فيه إثراء للفكر الفقهي. لأنه كان كثير المناقشات. وهذا يجده الدارسون للفقه الإسلامي في كل زمان. وكان مذهب أبي حنيفة حافلاً بكثرة المتناقشين مما جعل داخل مذهبه مذاهب فقهية متعددة. وكان أبوحنيفة يشيد بتلاميذه النابهين الذين يأخذون عنه. ويعمل علي تقويمهم إذا أحسوا بالغرور فكان يصطنع لهم المسائل المعقدة ويطرحها عليهم فإذا أخفقوا في حلها بسط لهم ما يصح أن يكون فيها من علم فتعم الفائدة. وفي أحد الأيام شعر تلميذه يعقوب بن إبراهيم الشهير بكنية "أبي يوسف" شعر بالغرور بعد أن أثني عليه الإمام بكثرة فقهه. فأتخذ أبويوسف مجلساً مستقلاً له في المسجد يدرس فيه الفقه لعدد من التلاميذ. فدس عليه الإمام من يسأله في مسألة فقهية يعرف أنه لن يهتدي إلي فقهها ببساطة. فلما قدم أبويوسف الإجابة قال له أخطأت. ولما عدل عن هذه الإجابة إلي إجابة أخري لا تحتمل المسألة سوي أحدهما فقال له أخطأت. وكان هذا سبباً في عودة أبي يوسف إلي مجلس التلميذ في درس أبي حنيفة يلتمس الجواب الصحيح في المسألة. فقال له الإمام اجلس إلي جانب الكرسي الذي أجلس عليه فإني أعدك لخلافتي في الجلوس مكاني. ومن يومها ذهب الغرور من نفس أبي يوسف وأثري فقه أبي حنيفة بكثير من المناقشات والتخريجات التي تحفل بها كتب الفقه الحنفي.
فالذين ينزعجون لاختلافات علماء المسلمين في العصر الحالي ليسوا علي صواب دائم في إنزعاجهم. فبعض اختلافاتهم تفيد فيها كثرة الآراء واختلافاتها والمشادات فيها. لكن المهم أن يلتقوا جميعاً عند رأي أخير. وإذا لم يلتقوا عند هذا الرأي فإنهم يكونون قد أثروا الفكر بأحزاب علمية تتعاون ولا تتعادي. وهذا هو ما يجب أن يعلمه المشتغلون بالقضايا السياسية في زماننا هذا وفي كل زمان.
عبداللطيف فايد
وكان الإمام أبوحنيفة النعمان رضي الله عنه يحب من تلاميذه أن يختلفوا أمامه في المسائل الفقهية ويشجعهم علي إبداء آرائهم التي تخالف رأيه وأن يدافعوا عنها. لأنه كان يدرك بفطرته أن هذا الاختلاف فيه إثراء للفكر الفقهي. لأنه كان كثير المناقشات. وهذا يجده الدارسون للفقه الإسلامي في كل زمان. وكان مذهب أبي حنيفة حافلاً بكثرة المتناقشين مما جعل داخل مذهبه مذاهب فقهية متعددة. وكان أبوحنيفة يشيد بتلاميذه النابهين الذين يأخذون عنه. ويعمل علي تقويمهم إذا أحسوا بالغرور فكان يصطنع لهم المسائل المعقدة ويطرحها عليهم فإذا أخفقوا في حلها بسط لهم ما يصح أن يكون فيها من علم فتعم الفائدة. وفي أحد الأيام شعر تلميذه يعقوب بن إبراهيم الشهير بكنية "أبي يوسف" شعر بالغرور بعد أن أثني عليه الإمام بكثرة فقهه. فأتخذ أبويوسف مجلساً مستقلاً له في المسجد يدرس فيه الفقه لعدد من التلاميذ. فدس عليه الإمام من يسأله في مسألة فقهية يعرف أنه لن يهتدي إلي فقهها ببساطة. فلما قدم أبويوسف الإجابة قال له أخطأت. ولما عدل عن هذه الإجابة إلي إجابة أخري لا تحتمل المسألة سوي أحدهما فقال له أخطأت. وكان هذا سبباً في عودة أبي يوسف إلي مجلس التلميذ في درس أبي حنيفة يلتمس الجواب الصحيح في المسألة. فقال له الإمام اجلس إلي جانب الكرسي الذي أجلس عليه فإني أعدك لخلافتي في الجلوس مكاني. ومن يومها ذهب الغرور من نفس أبي يوسف وأثري فقه أبي حنيفة بكثير من المناقشات والتخريجات التي تحفل بها كتب الفقه الحنفي.
فالذين ينزعجون لاختلافات علماء المسلمين في العصر الحالي ليسوا علي صواب دائم في إنزعاجهم. فبعض اختلافاتهم تفيد فيها كثرة الآراء واختلافاتها والمشادات فيها. لكن المهم أن يلتقوا جميعاً عند رأي أخير. وإذا لم يلتقوا عند هذا الرأي فإنهم يكونون قد أثروا الفكر بأحزاب علمية تتعاون ولا تتعادي. وهذا هو ما يجب أن يعلمه المشتغلون بالقضايا السياسية في زماننا هذا وفي كل زمان.
عبداللطيف فايد