بسم الله الرحمن الرحي
شخصيّة : الحجاج بن يوسف الثقفي
--------------------------------
قال قائل :
( لو تخابثت الأمم فجاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم ) .
إن من أكثر الشخصيات التي لم تنل حقها في البحث والدراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي .. لقد كان لهذه الشخصية المكان والمرتع الخصب لأصحاب الشهوات و أهل الأهواء للطعن في العصر الأموي بوصفه عصر سفك للدماء و تسلط للأمراء .. و لقد كان لشخص الحجاج النصيب الأوفر من هذه التهم .. فالحجاج كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح العصر الذي يكتبون فيه ؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الحجاج كثرت المفتريات والأباطيل .. نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] .
فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة ، و هي شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة .. فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية .. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها ، و هذه لا ينكرها أحد حتى الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على الخلافة الإسلامية .
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته ، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها .
المولد والنشأة
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا.
حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.
الحجاج وابن الزبير
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة
سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق عبدالله ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.
الحجاج في العراق
بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى رؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت
ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.
الفتوحات الإسلامية
أرسل الحجاج الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن
خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".
إصلاحات الحجاج
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
نقط المصحف
ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
الحجاج في التاريخ
اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.
ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبا حازما مبالغا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها .
قال الأصمعي: سمعت عمي يقول: بلغني أن الحجاج لما فرغ من ابن الزبير وقدم إلى المدينة لقي شيخا خارجا من المدينة فسأله عن حال أهل المدينة فقال: بشر حال؛ قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحجاج: ومن قتله؟ قال: الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته؛ من قليل المراقبة لله، فغضب الحجاج غضبا شديدا ثم قال: أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته؟ قال: نعم. فلا عرفه الله خيرا، ولا وقاه ضرا. فكشف الحجاج عن لثامه وقال: ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة. فلما تحقق الشيخ الجد، قال: والله إن هذا لهو العجب يا حجاج، لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة، أنا العباس بن أبي داود أصرع كل يوم خمس مرات فقال الحجاج: انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه.
ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج ؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".
وفاته
ما ورد عن الحجاج حول موته .. وكما يستدلون بالصورة السيئة حول شخصه .. فإنه قد ثبتت كذلك صورة حسنة أيضاً ..
أن الحجاج عندما اشتدت عليه العلة عمل على تدبير شؤون العراق من بعده بما يحفظه من الاضطراب والفتن ، و يبقيه جزءً من الدولة الأموية ، حتى إذا اطمأن إلى ذلك كتب وصيته ليبرئ فيها نفسه و ذمته تجاه خالقه وخليفته المسؤول أمامه في الدنيا حتى آخر لحظة من حياته ، فكتب يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم
،
هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث .. الخ .
و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع .
و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل .
وقد توفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ = 9 من يونيو 714م).
1 ) الحجاج والرجل اليمني :
ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض.
والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفتُّ، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.
فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا لفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج.. ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟ قال: ما عرفتك.
قال الحجاج: من واليكم على اليمن؟
قال الفقير: محمد بن يوسف، أخو الحجاج، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!
قال الحجاج: أما علمت أني أنا أخوه؟
قال الفقير: أنت الحجاج؟
قال الحجاج: نعم.
قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!
قال الحجاج: كيف تركت أخي في اليمن؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.
قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.
قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.
قال الحجاج: أما علمت أنه أخي؟ أما تخاف مني؟
قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟
قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي،
ثم أطلق الحجاج الرجل،
فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله!!.
2 ) الحجاج وسعيد بن جبير :
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة[1] في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً، ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا بوليس، ولا جواسيس. إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-95].
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 1 )
من ذلك أن الحجاج بن يوسف كان يكتب ، والإمام جابر بين يديه فسقط القلم من يد الحجاج ، فقال للإمام جابر : ( ناولني القلم ) ،
فقال له الإمام جابر بن زيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ، ولو بمده قلما ) .
فقد عمد الحجاج إلى المكر حيث تعمد اسقاط القلم ليتبين تصرف الإمام جابر إزاء طلب مناولته إياه ، فكان الرفض وكانت الصراحة ، فأدرك الحجاج أن الإمام من طيبنة خاصة طيبة ، وليس من طيبنة المائعين الذين يرغبون في إظهار التقرب في مثل هذه المواقف تعبيرا عن الولاء لقضاء الحاجة
فالإمام لم يكتف في هذه المرة بمجرد الرفض وانما استحضر حديثا جاء ضربة في الصميم للحجاج ، إذا الإمام لا يريد أن يدخل في لعنة الله باي وجه من الوجوه ، بل بأخس الوجوه وأدناها ، وهو الإنبطاح إلى الظلم وقضاء ما يريد الظالم وفعلا خلصه الله تعالى من التسفل الذي اراد الحجاج أن يورطه فيه ، وبرأه من ان يكون ملعونا .
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 2 )
في أحد مجالس الحجاج ، قال للإمام جابر : ( يا ابا الشعثاء أخبرني عن اول آية من سورة البقرة )
قال : ( تلك للمؤمنين )
قال : والثانية ؟
قال : ( تلك للكافرين )
قال : والثالثة ؟
قال : ( فيك وفي اصحابك )
فأسقط في يد الحجاج وصمت ...
فقد عمد الحجاج في هذه الواقعة إلى السؤال المباشر ، وبدا مستفسرا عن معاني مطالع سورة البقرة كأنه لا يعرفها من قبل..
لكن الإمام جابر لم يتردد في قول الحق بعبارة صريحة عنيفة لا ألتواء فيها ، وكان يمكن أن يكتفي بالجواب الايسر ، وهو أن يحدد المجموعه الثالثة من الآيات من سورة البقرة جاءت في المنافقين ، ولكنه اختار أن يحشر الحجاج في هؤلاء ، والخطاب المباشر جاء في منتهى البلاغة ( فيك وفي اصحابك ) فكأن آيات النفاق تنزلت في حق الحجاج واعوانه ، بينما نعرف أنها نزلت في حق المنافقين الذين يخفون الكفر ويظهرون الإيمان .
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 3 )
قال أحد اصدقاء الإمام جابر بن زيد له يوما بأن الحجاج سيعينه قاضيا ـ أي الصديق نفسه ـ فقال له الإمام جابر محذرا : ( لو ابتليت بشيء من ذلك لركبت راحلتي وهربت ) فكان الإمام ـ رحمه الله ـ يفر من القضاء لأنه يعلم صعوبة التوفيق بين رغبات الولاة ـ الذين يعلم جوهرهم ـ وبين العدل المشروع ...
وتشاء الأقدار أن يبتلى الإمام جابر بما كان يفر منه ... فكيف استطاع التخلص يا ترى ؟
أدخل يزيد بن ابي مسلم ( كاتب الحجاج ، وصديق الإمام جابر ) أدخل الإمام جابر على الحجاج ، فسأله الحجاج : ( أتقرأ ؟ )
قال الإمام : نعم ،
قال : ( أتفرض ؟ ) ـ أي تقسم التركات ـ ،
قال الإمام : نعم ، فعجب الحجاج ثم قال : ( ما ينبغي ان نؤثر بك أحدا بل نجعلك قاضيا بين المسلمين ) ،
فقال الإمام جابر : ( إني اضعف من ذلك ) ،
قال الحجاج : ( وما بلغ ضعفك ؟ ) ،
قال : ( يقع بين المرأة وخادمها شر فلا أحسن أن أصلح بينهما )
فقال الحجاج : ( إن هذا لهو الضعف ) .
فالحجاج عندما سأل الإمام ( أتقرأ ، أتفرض ) إنما ذلك من باب الملاطفة لاستهوائه ، وإلا فإنه يعلم مكانة الإمام جابر وعلمه ، لذلك نجده تحول بسرعة إلى عرض المنصب الذي يحتاج صاحبه إلى علم غزير لا يمكن أن يتجلى للحجاج من خلال الإجابة عن سؤاليه وهما أن الإمام يقرأ ويفرض ، لكن هل يكفي القاضي ان يكون عارفا للقراءة وقادرا على قسمة المواريث فقط ؟
فالحجاج ـ وله من الفقه ما له ـ لم يكن ممتحنا للإمام في علمه ، وإنما كان يمتحنه في قبول الخطة أو رفضها ، وهذا بالإعتماد على الإسلوب المرن الذي لم يكن من طبيعة الحجاج ، ولكن حديث كاتبه يزيد بن ابي مسلم عن الإمام جابر من قبل حول الحدة المباشرة إلى حده غير مباشرة تعتمد على دفع الرجل إلى قبول العرض ....
ولكن الإمام جابر قابل المكر بالمكر والحيلة بالحيلة فأدرك الحجاج من إجابة الإمام أنه أمام شخص غير مغفل وليس من أولئك الراغبين في المناصب بتعديد محاسنهم ومعارفهم ... اجابات مقتضبه ... مما دعا الحجاج مباشرة إلى عرض خطة القضاء ..
لكن الإمام لم يجرفه الهوى بل ظل صامدا بمرونة منقطعة النظير ، مما حدا بالحجاج إلى معذرة الإمام من تلك المهمة .
هذه قصة الحجاج بن يوسف الثقفي
قائد الجيوش لعبد الملك بن مروان مع زوجته هند وكان الحجاج بن يوسف قبيح المنظر
وزوجته هند من أجمل النساء وكانت تنظر لنفسها بالمنظرة
وتقول
وماهند إلامهرة عربية=سليلة افراس تقلدها بغل
فإن ولدت مهره فلله درها=وإن ولدت بغلا فقد جأ به بغل
فكان الحجاج بن يوسف يسمعها بدون علمهابذلك فقال
لقد كنا فبنا يعني كنا أزواج وبنا يعني طالق
طلاق بائن أي بالثلاث
فقالت هند لقد كنا فما فرحنا وبنا فما ندمنا
وبعد ذلك خطب هند عبد الملك ابن مروان
فوافقت بشرط ان يكون من يقود الراحلة بي إلى منزلك قائد الجيوش الحجاج بن يوسف فوافق عبد الملك على ذلك فأمر على الحجاج بن يوسف
قصة الحجاج
قصةغلام من بني هاشم والحجاج بن يوسف الثقفي
خرج الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحوعشر سنوات وله ذوائب.
فقال له الحجاج : ماذاتفعل هناأيها الغلام؟
فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : ياحامل الأخبارلقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاج له:أماعرفتني؟
فقال الغلام :عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.
فقال الحجاج ويلك أنا الحجاج بن يوسف.
فقال الغلام:لاقرب الله دارك ولامزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فماأتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أميرالمؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون
وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاج السلام
فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟
فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أميرالمؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.
فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.
فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقال الرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاج للغلام : من أي بلد أنت ؟
فقال للغلام: من مصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهل خرسان.
فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولم ذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهل مكة.
فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقال الغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.
فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.
فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.
فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
_فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ١ولا جزع أنا من أولاد رسول _الله صلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى _التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي. _
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحب الأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.
فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم
وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة
وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛
وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛
والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛
والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛
والذي هلك بالماء فرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛
والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين
وأنهار من عسل مصفى...
وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.
فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هي حيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛
والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛
والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛
والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛
والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أنا أهل لذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
_فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني
سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛
وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها
فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول :
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح
تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول: ـــ
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ
و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني
أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــاف إذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول : ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم
تدله على باب النقمةوالعذاب ؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشارمؤتمن..
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه...أن يقود الراحلة بهند فركبت هند بالهودج فوق الراحلة وأخذت معها دينار والحجاج يقود الراحلة بها فرمت الدينار فقالت أتني درهمي لقد وقع مني فنظر الحجاج لماوقع منها قال أنه دينار ليس درهم قالت الحمد لله الذي بدل لي درهمي بدينار خيرا من الدرهم فقد ازداد الحجاج بن يوسف غضبا وكان عبدالملك بن مروان قد جهز عشاء للزواج ودعا الموجودين للعشاء فتسلل الحجاج حتى صار بجنب عبدالملك على الصحن فأخذ الحجاج قطعة من اللحم فمضغها بفمه ثم وضعها تحت يد عبدالملك فغضب عبدالمل
'''نظرية الحجاج''' مبحث يختص بدراسة الفعالية الحجاجية(أو الحجاج)، وهي فعالية لغوية اجتماعية وعقلانية غايتها إقناع المعترض العاقل بمقبولية رأي من الآراء، وذلك عبر تقديم جملة من القضايا المثبتة أو النافية لما ورد في هذا الرأي من قضايا. ويتميز مبحث الحجاج بكثرة الحقول المعرفية التي تتناوله، [[الفلسفة|كالفلسفة]] و[[المنطق]] و[[اللسانيات]] و[[نظرية التواصل]] و[[القانون]] وحديثا امتد الأمر إلى [[علم النفس]] و[[علم الاجتماع]] وتخصصات أخرى كثيرة.
== لمحة تاريخية ==
من الزاوية التاريخية تعود جذور هذا البحث إلى الفترة اليونانية، وخصوصا مع الفيلسوف أرسطو الذي تناول الكثير من الظواهر المرتبطة بالممارسة الحجاجية بدرجة عالية من الدقة والشمول، ويظهر ذلك واضحا في الأجزاء المتعلقة بالتدليل اللاصوري من مدونته المنطقية الأورغانون: كتاب [[الجدل]]، كتاب [[الخطابة]]، كتاب [[السفسطة]]، كتاب [[الشعر]].
وقد عانى الدرس الحجاجي في السياق الغربي حالة من الركود على امتداد ما يقرب من 15 قرنا منذ [[كونتيليان]] و[[شيشرون]] الرومانيان (من حوالي القرن الثاني الميلادي وإلى حدود عصر النهضة) فكان اهتمام الباحثين منصرفا خلال هذه الفترة إلى دراسة الجوانب البلاغية والأسلوبية مع إهمال واضح للفعالية الحجاجية الاستدلالية، لأن الاعتقاد كان سائدا في هذه الفترة في أن النموذج الأمثل للاستدلال هو [[البرهان]] القائم على مبادئ المنطق وأسس الرياضيات، وليس الحجاج المتلبس بتقيات اللغة وطرقها التعبيرية الغامضة والملتبسة...وقد ساهم في هذه النظرة القدحية للحجاج شيوع النزعة العقلية في الفلسفة الغربية نتيجة القراءة الخاصة للتراث اليوناني، وخصوصا الأرسطي في الأدبيات السكولائية المسيحية التي كانت تمثل الصوت الأعلى في الفكر الغربي آنذاك.
غير أن هذا الخفوت للدرس الحجاجي في الفكر الغربي كان يوازيه ازدهار كبير في المجال العربي الإسلامي الذي احتضن هذا الدرس في سياق انفتاح الثقافة العربية الإسلامية بدءا من القرن الثامن والتاسع الميلادي على الثقافة اليونانية، فترجمت كتب [[أرسطو]] في هذا الباب (الجدل والخطابة والسفسطة)وشرحت شروحا وافية من طرف المناطقة والفلاسفة المسلمين، وخصوصا [[الفارابي]] و[[ابن سينا]] و[[ابن رشد]] مما ساهم في شيوع الأساليب الحجاجية في المدارس الإسلامية بمختلف توجهاتها واختصاصاتها فسارع المسلمون إلى الإفادة من هذه الأساليب في ضبط الكثير من العلوم كعلم الكلام والفقه والأصول بل إن الدرس الحجاجي سيتوج بقيام علم خاص يدرس الفعالية الحوارية والحجاجية سمي بعلم [[المناظرة]] وآداب البحث الذي يعتبر نظرية عربية أصيلة في الحجاج
== استراتيجية بناء النص الحجاجي ==
تعتبر البرهنة منطلقا استراتيجيا في بناء النص الحجاجي وهي وان كانت لا تخلو من الذاتية فأنها توظف عمليات عقلية ينتقل بها الفكر من قضية إلى أخرى. وتتجلى في
'''الاستقراء''' وهي عملية عقلية ينتقل فيها الفكر من التخصيص إلى التعميم وإلى استنباط ما هو كلي.
'''القياس''' وهو عملية ينتقل بها الفكر من التعميم إلى التخصيص اي اخراج الجزئي مما هو كلي.
''' الاستدلال الجدلي''' وهو حركة فكرية تنتقل من الاطروحة إلى نقيضها ثم إلى نقيض النقيض.
'''الاستدلال السببي''' وهو حركة فكرية تقوم على ربط الاسباب بالمسببات
== الانماط الحجاجية ==
و تحدد في نمطين :المحاورة الجدلية(المناظرة) والمحاورة الخطابية(الخطابة)
الخطابة خطاب حجاجي :
مداره قول للأقناع في مجال المحتمل والمسائل الخلافية القابلة للنقاش وأهم اسسها
أ- المقدمة وتتجلى أهميتها في جعل القارئ أو السامع منتبها متقبلا.
ب- السرد(الحكي) وفيه تقدم الوقائع إلى القارئ أو المستمع تقديما مركزا واضحا ومقبولا.
ج- الحجاج تبرير يتميز بالموضوعية والانفعال تبعا للتأثير الذي يرغب الخطيب في احداثه.
د- النهاية تضم ملخصا موجزا للبرهنة المقدمة.
المناظرة الية حجاجية :
و هي كل خطاب استدلالي يقوم على المقابلة والتفاعل الموجه وهي نوع من الجدال بالتي هي احسن بين فريقين وصولا للق والصواب من شروطها العامة
1 وجود متناظرين
2 وجود دعوى أو ادعاء
3 لا بد من مال يكون بعجز أحد المتناظرين أو غلبة اطروحة على اخر بناءا على قوة السلم الحجاجي
و يتبين من خلال هذه القواعد الشكلية للمناظرة وجود 3 مفاهيم هي.
الادعاء ويسمى عرض الدعوى.
المنع وهو الاعتراض على الدعوى.
التدليل ومن أهم شروطه صدق العرض والمعترض فيما يدعيانه. وىنىنت
== اليات الحجاج ==
1 الاخبار من الخبر وهو ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب وهو لفظ يدل على علم في نفس المخبر.
2 التفسير. يحتاج الموضوع الذي يطرح اشكالية أو قضية كما هو الشأن في المناظرة أو [b:
شخصيّة : الحجاج بن يوسف الثقفي
--------------------------------
قال قائل :
( لو تخابثت الأمم فجاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم ) .
إن من أكثر الشخصيات التي لم تنل حقها في البحث والدراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي .. لقد كان لهذه الشخصية المكان والمرتع الخصب لأصحاب الشهوات و أهل الأهواء للطعن في العصر الأموي بوصفه عصر سفك للدماء و تسلط للأمراء .. و لقد كان لشخص الحجاج النصيب الأوفر من هذه التهم .. فالحجاج كان ضحية المؤرخين الذين افتروا عليه شتى المفتريات تمشياً مع روح العصر الذي يكتبون فيه ؛ ونرى أننا كلما بعدنا عن عصر الحجاج كثرت المفتريات والأباطيل .. نعم كان الحجاج كما قال عنه الحسن البصري : إن الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، و لكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإنه تعالى يقول { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون }[المؤمنون /76] .
فالحجاج كان من الولاة الذين اشتهروا بالظلم والقسوة في المعاملة ، و هي شدة كان للظروف التي تولى فيها هي السبب الرئيسي في أن يكون بهذه الصفة .. فثورات الخوارج المتتالية والتي أنهكت الدولة الأموية .. و الفتن الداخلية .. كان للحجاج الفضل بعد الله في القضاء عليها ، و هذه لا ينكرها أحد حتى الأعداء .. و لا ننسى ثورة ابن الأشعث التي كادت أن تلغي و تقضي على الخلافة الإسلامية .
وإذا كان الجانب المظلم قد طغى على صورة الحجاج، فإننا سنحاول إبراز الجانب الآخر المشرق في حياته ، والمؤثر في تاريخ المسلمين حتى تستبين شخصية الحجاج بحلوها ومرها وخيرها وشرها .
المولد والنشأة
في الطائف كان مولد الحجاج بن يوسف الثقفي في سنة (41 هـ = 661م)، ونشأ بين أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبوه رجلا تقيًّا على جانب من العلم والفضل، وقضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجرا.
حفظ الحجاج القرآن على يد أبيه ثم تردد على حلقات أئمة العلم من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، ثم اشتغل وهو في بداية حياته بتعليم الصبيان، شأنه في ذلك شأن أبيه.
وكان لنشأة الحجاج في الطائف أثر بالغ في فصاحته؛ حيث كان على اتصال بقبيلة هذيل أفصح العرب، فشب خطيبا، حتى قال عنه أبو عمرو بن العلاء: "ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج"، وتشهد خطبه بمقدرة فائقة في البلاغة والبيان.
الحجاج وابن الزبير
لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة
سنة (64هـ = 683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.
حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق عبدالله ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.
وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.
الحجاج في العراق
بعد أن أمضى الحجاج زهاء عامين واليًا على الحجاز نقله الخليفة واليا على العراق بعد وفاة أخيه بشر بن مروان، وكانت الأمور في العراق بالغة الفوضى والاضطراب، تحتاج إلى من يعيد الأمن والاستقرار، ويسوس الناس على الجادة بعد أن تقاعسوا عن الخروج للجهاد وركنوا إلى الدعة والسكون، واشتدت معارضتهم للدولة، وازداد خطر الخوارج، وقويت شكوتهم بعد أن عجز الولاة عن كبح جماحهم.
ولبى الحجاج أمر الخليفة وأسرع في سنة (75هـ = 694م) إلى الكوفة، وفي أول لقاء معهم خطب في المسجد خطبة عاصفة أنذر فيها وتوعد المخالفين والخارجين على سلطان الخليفة والمتكاسلين عن الخروج لقتال الخوارج الأزارقة، وخطبة الحجاج هذه مشهورة متداولة في كتب التاريخ، ومما جاء فيها: "… يا أهل الكوفة إني لأرى رؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإن أمير المؤمنين –أطال الله بقاءه- نثر كِنانته (جعبة السهام) بين يديه، فعجم عيدانها (اختبرها)، فوجدني أمرّها عودا، وأصلبها مكْسِرًا فرماكم بي؛ لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مراقد الضلالة، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم، وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه".
وأتبع الحجاج القول بالفعل ونفذ وعيده بقتل واحد ممن تقاعسوا عن الخروج للقتال، فلما رأى الناس ذلك تسارعوا نحو قائدهم المهلب لمحاربة الخوارج الأزارقة، ولما اطمأن الحجاج إلى استقرار الأوضاع في الكوفة، ذهب إلى البصرة تسبقه شهرته في الحزم، وأخذ الناس بالشدة والصرامة وخطب فيهم خطبة منذرة زلزلت قلوبهم، وحذرهم من التخلف عن الخروج مع المهلب قائلا لهم: "إني أنذر ثم لا أنظر، وأحذر ثم لا أعذر، وأتوعد ثم لا أعفو…".
ولم يكتف الحجاج بحشد الجيوش مع المهلب بل خرج في أهل البصرة والكوفة إلى "رشتقباذ" ليشد من أزر قائده المهلب ويساعده إن احتاج الأمر إلى مساعدة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان؛ إذ حدثت حركة تمرد في صفوف الجيش، وتزعم الثورة رجل يدعى "ابن الجارود" بعد أن أعلن الحجاج عزمه على إنقاص المحاربين من أهل العراق 100 درهم، ولكن الحجاج تمكن من إخماد الفتنة والقضاء على ابن الجارود وأصحابه.
وما كاد الحجاج يقضي على فتنة الخوارج حتى شبت ثورة عارمة دامت
ثلاث سنوات (81-83 هـ = 700-702م) زعزعت استقرار الدولة، وكادت تعصف بها، وكان يقودها "عبد الرحمن بن الأشعث" أحد رجالات الحجاج الذي أرسله على رأس حملة جرارة لإخضاع الأجزاء الشرقية من الدولة، وبخاصة سجستان لمحاربة ملكها "زنبيل".
وبعد أن حقق ابن الأشعث عددا من الانتصارات غرّه ذلك، وأعلن العصيان، وخلع طاعة الخليفة، وكان في نفسه عجب وخيلاء واعتداد كريه، وبدلا من أن يكمل المهمة المنوط بها عاد ثائرا على الدولة الأموية مدفوعا بطموحه الشخصي وتطلعه إلى الرئاسة والسلطان.
ووجد في أهل العراق ميلا إلى الثورة والتمرد على الحجاج، فتلاقت الرغبتان في شخصه، وآزره عدد من كبار التابعين انغروا بدعوته، مستحلّين قتال الحجاج بسبب ما نُسب إليه من أعمال وأفعال، وحالف النصر ابن الأشعث في جولاته الأولى مع الحجاج، واضطرب أمر العراق وسقطت البصرة في أيدي الثوار، غير أن الحجاج نجح في أن يسترد أنفاسه، وجاء المدد من دمشق وواصل قتاله ضد ابن الأشعث، ودارت معارك طاحنة حسمها الحجاج لصالحه، وتمكن من سحق عدوه في معركة دير الجماجم سنة (83 هـ = 702م)، والقضاء على فتنته.
الفتوحات الإسلامية
أرسل الحجاج الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانه، والشاس، وكاشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.
وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن
خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".
إصلاحات الحجاج
وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.
ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.
وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.
نقط المصحف
ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.
الحجاج في التاريخ
اختلف المؤرخون القدماء والمحدثون في شخصية الحجاج بن يوسف بين مدح وذم، وتأييد لسياسته ومعارضة لها، ولكن الحكم عليه دون دراسة عصره المشحون بالفتن والقلاقل ولجوء خصوم الدولة إلى السيف في التعبير عن معارضتهم لسياسته أمر محفوف بالمزالق، ويؤدي إلى نتيجة غير موضوعية بعيدة عن الأمانة والنزاهة.
ولا يختلف أحد في أنه اتبع أسلوبا حازما مبالغا فيه، وأسرف في قتل الخارجين على الدولة، وهو الأمر الذي أدانه عليه أكثر المؤرخين، ولكن هذه السياسة هي التي أدت إلى استقرار الأمن في مناطق الفتن والقلاقل التي عجز الولاة من قبله عن التعامل معها .
قال الأصمعي: سمعت عمي يقول: بلغني أن الحجاج لما فرغ من ابن الزبير وقدم إلى المدينة لقي شيخا خارجا من المدينة فسأله عن حال أهل المدينة فقال: بشر حال؛ قتل ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحجاج: ومن قتله؟ قال: الفاجر اللعين الحجاج عليه لعائن الله وتهلكته؛ من قليل المراقبة لله، فغضب الحجاج غضبا شديدا ثم قال: أيها الشيخ أتعرف الحجاج إذا رأيته؟ قال: نعم. فلا عرفه الله خيرا، ولا وقاه ضرا. فكشف الحجاج عن لثامه وقال: ستعلم أيها الشيخ الآن إذا سال دمك الساعة. فلما تحقق الشيخ الجد، قال: والله إن هذا لهو العجب يا حجاج، لو كنت تعرفني ما قلت هذه المقالة، أنا العباس بن أبي داود أصرع كل يوم خمس مرات فقال الحجاج: انطلق فلا شفى الله الأبعد من جنونه ولا عافاه.
ويقف ابن كثير في مقدمة المؤرخين القدماء الذين حاولوا إنصاف الحجاج ؛ فيقول: "إن أعظم ما نُقِم على الحجاج وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكانت فيه سماحة إعطاء المال لأهل القرآن؛ فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا 300 درهم".
وفاته
ما ورد عن الحجاج حول موته .. وكما يستدلون بالصورة السيئة حول شخصه .. فإنه قد ثبتت كذلك صورة حسنة أيضاً ..
أن الحجاج عندما اشتدت عليه العلة عمل على تدبير شؤون العراق من بعده بما يحفظه من الاضطراب والفتن ، و يبقيه جزءً من الدولة الأموية ، حتى إذا اطمأن إلى ذلك كتب وصيته ليبرئ فيها نفسه و ذمته تجاه خالقه وخليفته المسؤول أمامه في الدنيا حتى آخر لحظة من حياته ، فكتب يقول :
بسم الله الرحمن الرحيم
،
هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف : أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده و رسوله ، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك ، عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث .. الخ .
و يروى أنه قيل له قبل وفاته : ألا تتوب ؟ فقال : إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة ، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع .
و قد ورد أيضاً أنه دعا فقال : اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل .
وقد توفي الحجاج بمدينة واسط في (21 من رمضان 95هـ = 9 من يونيو 714م).
1 ) الحجاج والرجل اليمني :
ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض.
والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفتُّ، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.
فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا لفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج.. ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟ قال: ما عرفتك.
قال الحجاج: من واليكم على اليمن؟
قال الفقير: محمد بن يوسف، أخو الحجاج، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!
قال الحجاج: أما علمت أني أنا أخوه؟
قال الفقير: أنت الحجاج؟
قال الحجاج: نعم.
قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!
قال الحجاج: كيف تركت أخي في اليمن؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.
قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.
قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.
قال الحجاج: أما علمت أنه أخي؟ أما تخاف مني؟
قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟
قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي،
ثم أطلق الحجاج الرجل،
فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله!!.
2 ) الحجاج وسعيد بن جبير :
كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح.
أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال.
وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.
قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه.
فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون.
ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه.
قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون -.
قال الحجاج: ما اسمك؟
قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير.
قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.
قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني.
قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد: الغيب يعلمه الله.
قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟
قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة.
قال الحجاج: ما رأيك في علي؟
قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى.
قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟
قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين.
قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير .
قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قال الحجاج: عليّ بالعود والجارية.
لا إله إلا الله، ليالٍ حمراء، وموسيقى والهة، والأمة تتلظى على الأرصفة!!.
فطرقت الجارية على العود وأخذت تغني، فسالت دموع سعيد على لحيته وانتحب.
قال الحجاج: مالك، أطربت؟
قال سعيد: لا، ولكني رأيت هذه الجارية سخّرت في غير ما خلقت له، وعودٌ قطع وجعل في المعصية.
قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟
قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك.
قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟
قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت.
قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى.
قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله.
قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك.
قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: اقتلوه.
قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين.
قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة.
قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115].
قال الحجاج: اطرحوا أرضاً.
قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].
قال الحجاج: أتضحك؟
قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.
قال الحجاج: اذبحوه.
قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.
وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة[1] في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.
مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟
يوم يقف الحجاج وحيداً، ذليلاً، لا جنود، ولا حرس، ولا خدم، ولا بوليس، ولا جواسيس. إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-95].
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 1 )
من ذلك أن الحجاج بن يوسف كان يكتب ، والإمام جابر بين يديه فسقط القلم من يد الحجاج ، فقال للإمام جابر : ( ناولني القلم ) ،
فقال له الإمام جابر بن زيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ، ولو بمده قلما ) .
فقد عمد الحجاج إلى المكر حيث تعمد اسقاط القلم ليتبين تصرف الإمام جابر إزاء طلب مناولته إياه ، فكان الرفض وكانت الصراحة ، فأدرك الحجاج أن الإمام من طيبنة خاصة طيبة ، وليس من طيبنة المائعين الذين يرغبون في إظهار التقرب في مثل هذه المواقف تعبيرا عن الولاء لقضاء الحاجة
فالإمام لم يكتف في هذه المرة بمجرد الرفض وانما استحضر حديثا جاء ضربة في الصميم للحجاج ، إذا الإمام لا يريد أن يدخل في لعنة الله باي وجه من الوجوه ، بل بأخس الوجوه وأدناها ، وهو الإنبطاح إلى الظلم وقضاء ما يريد الظالم وفعلا خلصه الله تعالى من التسفل الذي اراد الحجاج أن يورطه فيه ، وبرأه من ان يكون ملعونا .
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 2 )
في أحد مجالس الحجاج ، قال للإمام جابر : ( يا ابا الشعثاء أخبرني عن اول آية من سورة البقرة )
قال : ( تلك للمؤمنين )
قال : والثانية ؟
قال : ( تلك للكافرين )
قال : والثالثة ؟
قال : ( فيك وفي اصحابك )
فأسقط في يد الحجاج وصمت ...
فقد عمد الحجاج في هذه الواقعة إلى السؤال المباشر ، وبدا مستفسرا عن معاني مطالع سورة البقرة كأنه لا يعرفها من قبل..
لكن الإمام جابر لم يتردد في قول الحق بعبارة صريحة عنيفة لا ألتواء فيها ، وكان يمكن أن يكتفي بالجواب الايسر ، وهو أن يحدد المجموعه الثالثة من الآيات من سورة البقرة جاءت في المنافقين ، ولكنه اختار أن يحشر الحجاج في هؤلاء ، والخطاب المباشر جاء في منتهى البلاغة ( فيك وفي اصحابك ) فكأن آيات النفاق تنزلت في حق الحجاج واعوانه ، بينما نعرف أنها نزلت في حق المنافقين الذين يخفون الكفر ويظهرون الإيمان .
الحجاج مع الإمام جابر بن زيد الأزدي رحمه الله تعالى ( 3 )
قال أحد اصدقاء الإمام جابر بن زيد له يوما بأن الحجاج سيعينه قاضيا ـ أي الصديق نفسه ـ فقال له الإمام جابر محذرا : ( لو ابتليت بشيء من ذلك لركبت راحلتي وهربت ) فكان الإمام ـ رحمه الله ـ يفر من القضاء لأنه يعلم صعوبة التوفيق بين رغبات الولاة ـ الذين يعلم جوهرهم ـ وبين العدل المشروع ...
وتشاء الأقدار أن يبتلى الإمام جابر بما كان يفر منه ... فكيف استطاع التخلص يا ترى ؟
أدخل يزيد بن ابي مسلم ( كاتب الحجاج ، وصديق الإمام جابر ) أدخل الإمام جابر على الحجاج ، فسأله الحجاج : ( أتقرأ ؟ )
قال الإمام : نعم ،
قال : ( أتفرض ؟ ) ـ أي تقسم التركات ـ ،
قال الإمام : نعم ، فعجب الحجاج ثم قال : ( ما ينبغي ان نؤثر بك أحدا بل نجعلك قاضيا بين المسلمين ) ،
فقال الإمام جابر : ( إني اضعف من ذلك ) ،
قال الحجاج : ( وما بلغ ضعفك ؟ ) ،
قال : ( يقع بين المرأة وخادمها شر فلا أحسن أن أصلح بينهما )
فقال الحجاج : ( إن هذا لهو الضعف ) .
فالحجاج عندما سأل الإمام ( أتقرأ ، أتفرض ) إنما ذلك من باب الملاطفة لاستهوائه ، وإلا فإنه يعلم مكانة الإمام جابر وعلمه ، لذلك نجده تحول بسرعة إلى عرض المنصب الذي يحتاج صاحبه إلى علم غزير لا يمكن أن يتجلى للحجاج من خلال الإجابة عن سؤاليه وهما أن الإمام يقرأ ويفرض ، لكن هل يكفي القاضي ان يكون عارفا للقراءة وقادرا على قسمة المواريث فقط ؟
فالحجاج ـ وله من الفقه ما له ـ لم يكن ممتحنا للإمام في علمه ، وإنما كان يمتحنه في قبول الخطة أو رفضها ، وهذا بالإعتماد على الإسلوب المرن الذي لم يكن من طبيعة الحجاج ، ولكن حديث كاتبه يزيد بن ابي مسلم عن الإمام جابر من قبل حول الحدة المباشرة إلى حده غير مباشرة تعتمد على دفع الرجل إلى قبول العرض ....
ولكن الإمام جابر قابل المكر بالمكر والحيلة بالحيلة فأدرك الحجاج من إجابة الإمام أنه أمام شخص غير مغفل وليس من أولئك الراغبين في المناصب بتعديد محاسنهم ومعارفهم ... اجابات مقتضبه ... مما دعا الحجاج مباشرة إلى عرض خطة القضاء ..
لكن الإمام لم يجرفه الهوى بل ظل صامدا بمرونة منقطعة النظير ، مما حدا بالحجاج إلى معذرة الإمام من تلك المهمة .
هذه قصة الحجاج بن يوسف الثقفي
قائد الجيوش لعبد الملك بن مروان مع زوجته هند وكان الحجاج بن يوسف قبيح المنظر
وزوجته هند من أجمل النساء وكانت تنظر لنفسها بالمنظرة
وتقول
وماهند إلامهرة عربية=سليلة افراس تقلدها بغل
فإن ولدت مهره فلله درها=وإن ولدت بغلا فقد جأ به بغل
فكان الحجاج بن يوسف يسمعها بدون علمهابذلك فقال
لقد كنا فبنا يعني كنا أزواج وبنا يعني طالق
طلاق بائن أي بالثلاث
فقالت هند لقد كنا فما فرحنا وبنا فما ندمنا
وبعد ذلك خطب هند عبد الملك ابن مروان
فوافقت بشرط ان يكون من يقود الراحلة بي إلى منزلك قائد الجيوش الحجاج بن يوسف فوافق عبد الملك على ذلك فأمر على الحجاج بن يوسف
قصة الحجاج
قصةغلام من بني هاشم والحجاج بن يوسف الثقفي
خرج الحجاج بن يوسف ذات يوم في الصيد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن عمره نحوعشر سنوات وله ذوائب.
فقال له الحجاج : ماذاتفعل هناأيها الغلام؟
فرفع الصبي طرفه إليه وقال له : ياحامل الأخبارلقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل حمار.
فقال الحجاج له:أماعرفتني؟
فقال الغلام :عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.
فقال الحجاج ويلك أنا الحجاج بن يوسف.
فقال الغلام:لاقرب الله دارك ولامزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك .
فماأتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب وكل واحد يقول السلام عليك يا أميرالمؤمنين ،
فقال الحجاج: احفظوا هذا الغلام فقد أوجعني بالكلام فأخذوا الغلام فرجع الحجاج إلى قصره فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون
وهو بينهم كالأسد ثم طلب إحضار الغلام فلما مثل بين يديه ،ورأى الوزراء و أهل الدولة لم يخشى منهم بل قال : السلام عليكم فلم يرد الحجاج السلام
فرفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عالياً ومزين بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان.
فقال الغلام : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً
فقالوا للغلام : يا قليل الأدب لماذا لم تسلم على أمير المؤمنين السلام اللائق ولماذا لم تتأدب في حضرته ؟
فقال الغلام : يا براغيث الحمير منعني عن ذلك التعب في الطريق وطلوع الدرج أما السلام فعلى أميرالمؤمنين وأصحابه ، يعني السلام على علىّ بن أبى طالب وأصحابه
فقال الحجاج : يا غلام لقد حضرت في يوم تم فيه أجلك وخاب فيه أملك.
فقال الغلام : والله يا حجاج أن كان في أجلي تأخير لم يضرني من كلامك لا قليل ولا كثير.
فقال بعض الغلمان : لقد بلغت من جهلك يا خبيث أن تخاطب أمير المؤمنين كما تخاطب غلاماً مثلك يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.
فقال الغلام : أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"
فقال الحجاج : فمن عنيت بكلامك أيها الغلام ؟
قال : عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج على من تسلم ؟
فقال الحجاج : على عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقال الحجاج : ولم ذلك يا غلام ؟
فقال : لأنه أخطأ خطيئة عظيمة مات بسببها خلق كثير فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.
فقال الغلام : يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.
ثم سأله الحجاج : هل تعرف أخي؟
فقال الغلام : أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.
فقال الحجاج : اضربوا عنقه.
فقال له الرقاشي : هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.
فقال الحجاج : هو لك لا بارك الله فيه.
فقال الغلام : لا شكر للواهب ولا للمستوهب.
فقال الرقاشي : أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.
فقال الحجاج للغلام : من أي بلد أنت ؟
فقال للغلام: من مصر.
فقال له الحجاج : من مدينة الفاسقين .
فقال الغلام : ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين ؟
قال الحجاج : لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أي بلد إذن ؟
قال الغلام : أنا من أهل خرسان.
فقال الحجاج : من شر مكان وأقل الأديان.
فقال الغلام : ولم ذلك يا حجاج ؟
فقال : لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.
فقال الغلام : لستُ منهم.
فقال الحجاج : من أين أنت ؟
قال : أنا من مدينة الشام.
قال الحجاج : أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان .
قال الغلام : لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : من اليمن.
فقال الحجاج : أنت من بلد غير مشكور.
قال الغلام: ولم ذلك؟
قال الحجاج : لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.
قال الغلام : أنا لستُ منهم.
قال الحجاج : فمن أين إذن؟
قال الغلام : أنا من أهل مكة.
فقال الحجاج : أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.
فقال الغلام : ولم ذلك ؟
قال : لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.
فقال الغلام : أنا لستُ منهم.
فقال الحجاج : لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.
فقال الغلام : لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحجاج : نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت ؟
فقال الغلام : من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.
فقال له كل من حضر من الوزراء : ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.
فقال الحجاج : لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.
فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مناد من السماء.
فقال الحجاج : ومن يحول بيني وبين قتلك.
فقال الغلام : يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.
فقال الحجاج : وهو الذي يعينني على قتلك.
فقال الغلام : كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.
فقال الحجاج : أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟
فقال الغلام : الصوم والصلاة والزكاة والحج .
_فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.
فقال الغلام : من غير خوف ١ولا جزع أنا من أولاد رسول _الله صلى الله عليهالة وسلم إن كان أجلي بيدك فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.
فأجابه الحجاج : أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟
قال الغلام : قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى _التهلكة"
قال الحجاج : ابن من أنت ؟
قال الغلام : أنا ابن أبي و أمي. _
فسأله الحجاج : من أين جئت ؟
قال الغلام : على رحب الأرض.
فقال الحجاج : أخبرني من أكرم العرب؟
فأجاب الغلام : بنو طي .
فسأله الحجاج : ولم ذلك ؟
فقال الغلام: لأن حاتم الأصم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشرف العرب ؟
قال الغلام : بنو مضر.
فقال الحجاج : ولم ذلك؟
فقال الغلام : لأن محمد صلى الله عليه وسلم منهم.
فقال الحجاج : فمن أشجع العرب ؟
فقال الغلام : بنو هاشم لأن علي بن أبي طالب منهم .
فقال الحجاج: فمن أنجس العرب و أبخلهم وأقلها خيراً ؟
فقال الغلام : بنو ثقيف لأنك أنت منهم وفي الحديث الشريف يظهر من بنو ثقيف نمرود وكذاب فالكذاب مسيلمة والنمرود أنت فأغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله فشفع به الحاضرون فشفعهم فيه وسكن غضبه قليلاً ؛؛
وقال الحجاج : أين تركت الإبل ذات القرون ؟
فقال الغلام : تركتها ترعى أوراق الصوان.
فصاح الحجاج به قائلاً : يا قليل العقل ويا بعيد الذهن هل للصوان ورق؟
فقال الغلام : وهل للإبل قرون ؟
فقال الحجاج : هل حفظت القرآن ؟
فقال الغلام : هل القرآن هارب منى حتى أحفظه.
فسأله الحجاج : هل جمعت القرآن ؟
فقال الغلام : وهل هو متفرق حتى أجمعه ؟
فقال له الحجاج : أما فهمت سؤالي .
فأجابه الغلام : ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.
فقال الحجاج : فأخبرني عن آية في القرآن أعظم؟ وآية أحكم؟
وآية أعدل ؟ وآية أخوف ؟ وآية أرجى ؟ وآية فيها عشر آيات بينات؟ وآية كذب فيها أولاد الأنبياء؟ وآية صدق فيها اليهود والنصارى ؟ وآية قالها الله تعالى لنفسه؟ وآية فيها قول الملائكة؟ و آية فيها قول أهل الجنة؟ وآية فيها قول أهل النار؟ وآية فيها قول إبليس ؟؟؟
فقال الغلام : أما أعظم آية فهي آية الكرسي
وأحكم آية إن الله يأمر بالعدل والإحسان
وأعدل آية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
وأخوف آية أيطمع كل امرىء منهم أن يدخل جنة نعيم
وأرجى آية قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعها
وآية فيها عشر آيات بينات هي إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب
وأما الآية التي كذب فيها أولاد الأنبياء فهي وجاءوا على قميصه بدم كذب وهم إخوة يوسف كذبوا ودخلوا الجنة
وأما الآية التي صدق فيها اليهود والنصارى فهي وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء فصدقوا ودخلوا النار
والآية التي قالها الله تعالى لنفسه هي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
وآية فيها قول الأنبياء وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فل يتوكل المؤمنون وآية فيها قول الملائكة سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
و أية فيها قول أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور
وآية فيها قول أهل النار ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون
وآية فيها قول إبليس أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .
فقال الحجاج : أخبرني عمن خُلق من الهواء ؟ ومن حُفظ بالهواء ؟ ومن هلك بالهواء ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الهواء سيدنا عيسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالهواء سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام ؛
وأما الذي هلك بالهواء فهم قوم هود.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من الخشب ؟ والذي حُفظ بالخشب ؟ والذي هلك بالخشب ؟
فقال الغلام : الذي خلق من الخشب هي الحية خلقت من عصا موسى عليه السلام؛؛
والذي حفظ بالخشب نوح عليه السلام؛؛
والذي هلك بالخشب زكريا عليه السلام.
فقال الحجاج: فأخبرني عمن خُلق من الماء ؟ ومن نجا من الماء ؟ ومن هلك بالماء ؟
فقال الغلام: الذي خلق من الماء فهو أبونا آدم عليه السلام؛؛
والذي نجا من الماء موسى عليه السلام؛؛
والذي هلك بالماء فرعون.
فقال الحجاج : فأخبرني عمن خُلق من النار ؟ ومن حُفظ من النار ؟
فقال الغلام : الذي خُلق من النار إبليس؛؛
والذي نجا من النار إبراهيم عليه السلام.
فقال الحجاج : فأخبرني عن أنهار الجنة وعددها ؟
فقال الغلام : أنهار الجنة كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى كما قال في كتابه العزيز فيها انهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين
وأنهار من عسل مصفى...
وكلها تجري في محل واحد لا يختلط بعضها ببعض ويوجد نظيره في الدنيا وهو في رأس بنى آدم طعم عينه مالح وطعم أذنه مر وطعم فمه عذب .
فقال الحجاج : إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون فهل يوجد مثلهم في الدنيا ؟
فقال الغلام : الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط.
فقال الحجاج : فما أول قطرة من دم؟
فقال الغلام : هي حيض حواء.
فقال الحجاج : فأخبرني عن العقل ؟ والإيمان ؟ والحياء ؟ والسخاء ؟ والشجاعة ؟ والكرم؟ والشهوة ؟
فقال الغلام : إن الله قسم العقل عشرة أقسام جعل تسعة في الرجال وواحداً في النساء ؛؛والإيمان عشرة تسعة في اليمن وواحداً في بقية الدنيا؛؛
والحياء عشرة تسعة في النساء وواحداً في الرجال؛؛
والسخاء عشرة تسعة في الرجال وواحداً في النساء؛؛
والشجاعة والكرم عشرة تسعة في العرب وواحداً في بقية العالم؛؛
والشهوة عشرة أقسام تسعة في النساء وواحداً في الرجال.
فقال الحجاج : فأخبرني ما يجب على المسلم في السنة مرة ؟
فقال الغلام : صيام رمضان.
فقال الحجاج : وما يجب في العمر مرة ؟
فقال الغلام : الحج إلى بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا .
فقال الحجاج : فأخبرني عن أقرب شيء إليك ؟
فقال الغلام : الآخرة .
ثم قال الحجاج: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.
فقال الغلام : أنا أهل لذلك.
فقال الحجاج : فمن أحق الناس بالخلافة ؟
فقال الغلام : الذي يعفو ويصفح ويعدل بين الناس.
فقال الحجاج : فأخبرني عن النساء ؟
_فقال الغلام : أتسألني عن النساء وأنا صغير لم أطـّلع بعد على أحوالهن و رغائبهن ومعاشرتهن ولكني
سأذكر لك المشهور من أمورهن؛؛ فبنت العشر سنين من الحور العين؛؛ وبنت العشرين نزهة للناظرين؛؛
وبنت الثلاثين جنة نعيم ؛؛وبنت الأربعين شحم ولين؛؛ وبنت الخمسين بنات وبنين؛؛ وبنت الستين ما بها
فائدة للسائلين؛؛ وبنت السبعين عجوز في الغابرين؛؛ وبنت التسعين شيطان رجيم؛؛ وبنت المائة من أصحاب الجحيم.
فقال له الحجاج : أخبرني عن أول من نطق في الشعر؟
فقال الغلام : آدم عليه السلام وذلك لما قتل قابيل أخاه هابيل.
أنشد آدم يقول :
بكــت عــينـي وحـق لـها بكاهـــا *** ودمــــع الـــعـــين منهمل يسيح
فـــمـا لـي لا أجــود بسـكـب دمع *** و هـابــيل تضمّنـه الـضــريـــــح
رمــى قــابـيـل هـــابــيــلاً أخـــاه *** والحد في الثرى الوجه الـصبيح
تغـــيرت البـــلاد ومـــن عـــليها *** فــوجــــه الأرض مــغــبر كشيح
تـــبدل كـــل ذي طــعــم ولــــون *** لـــفـقـدك يا صــبــيـح يا ملــــيح
أيا هـــــابــيل إن تــقــتـل فإنــــي *** عـــليك الــــدهر مكتـئـب قريــح
فأنت حياة من في الأرض جميعاً *** وقــــد فــقـدوك يا روح وريـــح
وأنـــت رجــيــح قــدر يـا فصيح *** سلـــيم بـل ســـميح بــل صبيـــح
ولــــسـت مــيـت بـــــل أنت حي *** و قــابــيــل الشــقي هو الطريـح
علـــــيه السخــط من رب البرايا *** و أنت عـــليـــك تسليم صريـــح
فأجابه إبليس يقول :
تـنوح على البلاد ومن عليها *** وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكـــنت بها وزوجك في نعيم *** مــن الــمــولـى وقـلـبك مسـتريـــح
خـدعتك في دهائي ثم مكري *** إلــــى أن فـــاتـك الــعيــش الرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي.
حيث يقول: ـــ
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس.
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له.
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام فغمزته الجارية.
وقالت : خذني أنا خير من الجميع فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة وأنشد يقول : ـــ
و قــرقعــت اللجان بـــرأس حــمراً *** أحــــب إلىّ مــما تــغــمـزني
أخـاف إذا وقعــت عــــلى فراشــي *** وطالت علتي لا تصحبينـــي
أخـــاف إذا وقــعــنا فــي مضـــيـق *** وجار الدهر بي لا تنصريني
أخـــاف إذا فـقــدت المــال عــندي *** تــمــيلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجارية تقول : ــ
معاذ الله أفـــعــــل مـــا تــــقــول *** ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجــي فــي ضميري *** وأقـــنع باليسير وما يــجيني
إذا عاشـــرتني وعرفت طـــبعي *** ستــعــلم أنـــني خــير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر.
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع.
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم.
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام.
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم
تدله على باب النقمةوالعذاب ؟
فقال الحجاج: إنه استشارني والمستشارمؤتمن..
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه...أن يقود الراحلة بهند فركبت هند بالهودج فوق الراحلة وأخذت معها دينار والحجاج يقود الراحلة بها فرمت الدينار فقالت أتني درهمي لقد وقع مني فنظر الحجاج لماوقع منها قال أنه دينار ليس درهم قالت الحمد لله الذي بدل لي درهمي بدينار خيرا من الدرهم فقد ازداد الحجاج بن يوسف غضبا وكان عبدالملك بن مروان قد جهز عشاء للزواج ودعا الموجودين للعشاء فتسلل الحجاج حتى صار بجنب عبدالملك على الصحن فأخذ الحجاج قطعة من اللحم فمضغها بفمه ثم وضعها تحت يد عبدالملك فغضب عبدالمل
'''نظرية الحجاج''' مبحث يختص بدراسة الفعالية الحجاجية(أو الحجاج)، وهي فعالية لغوية اجتماعية وعقلانية غايتها إقناع المعترض العاقل بمقبولية رأي من الآراء، وذلك عبر تقديم جملة من القضايا المثبتة أو النافية لما ورد في هذا الرأي من قضايا. ويتميز مبحث الحجاج بكثرة الحقول المعرفية التي تتناوله، [[الفلسفة|كالفلسفة]] و[[المنطق]] و[[اللسانيات]] و[[نظرية التواصل]] و[[القانون]] وحديثا امتد الأمر إلى [[علم النفس]] و[[علم الاجتماع]] وتخصصات أخرى كثيرة.
== لمحة تاريخية ==
من الزاوية التاريخية تعود جذور هذا البحث إلى الفترة اليونانية، وخصوصا مع الفيلسوف أرسطو الذي تناول الكثير من الظواهر المرتبطة بالممارسة الحجاجية بدرجة عالية من الدقة والشمول، ويظهر ذلك واضحا في الأجزاء المتعلقة بالتدليل اللاصوري من مدونته المنطقية الأورغانون: كتاب [[الجدل]]، كتاب [[الخطابة]]، كتاب [[السفسطة]]، كتاب [[الشعر]].
وقد عانى الدرس الحجاجي في السياق الغربي حالة من الركود على امتداد ما يقرب من 15 قرنا منذ [[كونتيليان]] و[[شيشرون]] الرومانيان (من حوالي القرن الثاني الميلادي وإلى حدود عصر النهضة) فكان اهتمام الباحثين منصرفا خلال هذه الفترة إلى دراسة الجوانب البلاغية والأسلوبية مع إهمال واضح للفعالية الحجاجية الاستدلالية، لأن الاعتقاد كان سائدا في هذه الفترة في أن النموذج الأمثل للاستدلال هو [[البرهان]] القائم على مبادئ المنطق وأسس الرياضيات، وليس الحجاج المتلبس بتقيات اللغة وطرقها التعبيرية الغامضة والملتبسة...وقد ساهم في هذه النظرة القدحية للحجاج شيوع النزعة العقلية في الفلسفة الغربية نتيجة القراءة الخاصة للتراث اليوناني، وخصوصا الأرسطي في الأدبيات السكولائية المسيحية التي كانت تمثل الصوت الأعلى في الفكر الغربي آنذاك.
غير أن هذا الخفوت للدرس الحجاجي في الفكر الغربي كان يوازيه ازدهار كبير في المجال العربي الإسلامي الذي احتضن هذا الدرس في سياق انفتاح الثقافة العربية الإسلامية بدءا من القرن الثامن والتاسع الميلادي على الثقافة اليونانية، فترجمت كتب [[أرسطو]] في هذا الباب (الجدل والخطابة والسفسطة)وشرحت شروحا وافية من طرف المناطقة والفلاسفة المسلمين، وخصوصا [[الفارابي]] و[[ابن سينا]] و[[ابن رشد]] مما ساهم في شيوع الأساليب الحجاجية في المدارس الإسلامية بمختلف توجهاتها واختصاصاتها فسارع المسلمون إلى الإفادة من هذه الأساليب في ضبط الكثير من العلوم كعلم الكلام والفقه والأصول بل إن الدرس الحجاجي سيتوج بقيام علم خاص يدرس الفعالية الحوارية والحجاجية سمي بعلم [[المناظرة]] وآداب البحث الذي يعتبر نظرية عربية أصيلة في الحجاج
== استراتيجية بناء النص الحجاجي ==
تعتبر البرهنة منطلقا استراتيجيا في بناء النص الحجاجي وهي وان كانت لا تخلو من الذاتية فأنها توظف عمليات عقلية ينتقل بها الفكر من قضية إلى أخرى. وتتجلى في
'''الاستقراء''' وهي عملية عقلية ينتقل فيها الفكر من التخصيص إلى التعميم وإلى استنباط ما هو كلي.
'''القياس''' وهو عملية ينتقل بها الفكر من التعميم إلى التخصيص اي اخراج الجزئي مما هو كلي.
''' الاستدلال الجدلي''' وهو حركة فكرية تنتقل من الاطروحة إلى نقيضها ثم إلى نقيض النقيض.
'''الاستدلال السببي''' وهو حركة فكرية تقوم على ربط الاسباب بالمسببات
== الانماط الحجاجية ==
و تحدد في نمطين :المحاورة الجدلية(المناظرة) والمحاورة الخطابية(الخطابة)
الخطابة خطاب حجاجي :
مداره قول للأقناع في مجال المحتمل والمسائل الخلافية القابلة للنقاش وأهم اسسها
أ- المقدمة وتتجلى أهميتها في جعل القارئ أو السامع منتبها متقبلا.
ب- السرد(الحكي) وفيه تقدم الوقائع إلى القارئ أو المستمع تقديما مركزا واضحا ومقبولا.
ج- الحجاج تبرير يتميز بالموضوعية والانفعال تبعا للتأثير الذي يرغب الخطيب في احداثه.
د- النهاية تضم ملخصا موجزا للبرهنة المقدمة.
المناظرة الية حجاجية :
و هي كل خطاب استدلالي يقوم على المقابلة والتفاعل الموجه وهي نوع من الجدال بالتي هي احسن بين فريقين وصولا للق والصواب من شروطها العامة
1 وجود متناظرين
2 وجود دعوى أو ادعاء
3 لا بد من مال يكون بعجز أحد المتناظرين أو غلبة اطروحة على اخر بناءا على قوة السلم الحجاجي
و يتبين من خلال هذه القواعد الشكلية للمناظرة وجود 3 مفاهيم هي.
الادعاء ويسمى عرض الدعوى.
المنع وهو الاعتراض على الدعوى.
التدليل ومن أهم شروطه صدق العرض والمعترض فيما يدعيانه. وىنىنت
== اليات الحجاج ==
1 الاخبار من الخبر وهو ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب وهو لفظ يدل على علم في نفس المخبر.
2 التفسير. يحتاج الموضوع الذي يطرح اشكالية أو قضية كما هو الشأن في المناظرة أو [b:
عدل سابقا من قبل صالح الشواربى في الثلاثاء سبتمبر 21, 2010 2:17 pm عدل 2 مرات