عملية بناء دولة ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي في أي بلد من العالم فهي عملية بطيئة وتدريجية مليئة بالخطوات المتعثرة والمترددة وتستغرق وقتاً طويلا. فبناء الديمقراطية في الدول الغربية استغرق عدة قرون وواجه الكثير من الهزات والثورات والحروب. وهذا لا يعني أن العملية في بلادنا ستستغرق عدة قرون وانما تعتمد على النهج التدريجي في بناء الديمقراطية.دعوة جميع الكتل السياسية لأن تجعل مصلحة الشعب وحماية المشروع الديمقراطي مقدمة على مصالحها وان تغلب مصالح الشعب على المصالح الخاصة المحصورة بالأفراد أو الأحزاب ومن خلال ظهور جميع المعطيات على الساحة ولكن الكتل السياسية الفائزة أمام مرحلة تاريخية حساسة وخطيرة وعليها أن تسرع باتفاقاتها وتحالفاتها قبل أن يذهب البرلمانيون إلى قبة البرلمان مبتعدين عن الضغوط التي حاولت تعطيل المسيرة السياسية للبلاد .
ان الأزمة الراهنة هي أزمة تشمل الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية تشمل السلطة التنفيذية بكل أجهزتها والمجتمع بأغلب طبقاته وفئاته الاجتماعية وهي تشدد من خناقها بشكل خاص ومؤلم على الفئات الكادحة والفقيرة والأكثر عوزاً وصغار الموظفين والعاملين وبقية الناس من ذوي الدخل المحدود أزمة تشمل الأحزاب والتكتلات السياسية وتحالفاتها أزمة قيم ومعايير فردية وجمعية وأزمة ثقة عامة ومتبادلة إضافة إلى كونها أزمة علاقات معقدة ومركبة مع دول الجوار والعالم وحين يدرك الإنسان هذا الواقع عليه أن يجد حلولاً لجميع هذه الأزمات التي تواجه البلد .
فهي مهمة تقع على عاتق الحكومة والمسؤولين والقوى والأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية كما تقع على عاتق المثقفات والمثقفين المصريين في الداخل والخارج إضافة إلى مراكز البحث العلمي التطبيقي التي تعالج المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية والتربوية في المجتمع... الخ.
أن مصر حققت وفق تقديرات أغلب المتابعين وخلال السنوات المنصرمة بعض المهمات الصعبة ونشأت عنها مهمات سياسية جديدة أكثر تعقيداً وصعوبة على المدى القريب وكذلك على المدى المتوسط والبعيد وإذا كانت بعض الأهداف والمهمات التي أنجزت بدت قبل ذاك بصيغتها العامة ودون تفاصيل فإن تفاصيلها وضعت ويمكن أن تضع الدولة والمجتمع في مصر أكثر فأكثر أمام مسؤوليات أكبر ما لم تتبلور رؤية عقلانية ووعي بالواقع المصري ومشكلاته والقوى التي تحيط به من جهة ووعي بتاريخ مصر خلال سنوات القرن العشرين من جهة ثانية وما لم تدرس بوعي ومسؤولية حاجة مصر وإمكانياتها على التقدم المطلوب خلال الفترة القادمة لكي لا تكرر ما ارتكبته الحكومات السابقه من أخطاء وما ترتب عليها من عواقب وخيمة على كل مكونات الشعب المصري وما لم يتجل كل ذلك في برنامج واسع وشامل في الفترة القادمة.
أن الشعب المصري ما زال أمام أزمة شاملة رغم مرور هذه السنوات الصعبه عليه وهو بحاجة ماسة إلى مشروع وطني وديمقراطي يجري تنفيذه من أجل الخروج من هذه الأزمة الطاحنة ووضع مصر على طريق الحياة الديمقراطية المستقلة والسيادة الوطنية .الوطنيه و الديمقراطيه تشمل جميع قطاعات وفروع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية متشابكة ومتفاعلة ومتبادلة التأثير فيما بينها والمتسمة بالديناميكية والمرونة والقابلية على التعديل والتطوير والإغناء وتشكل في المحصلة النهائية خطاً واحداً تلتقي عند استراتيجيته ويفترض ان تدفع بالبلاد نحو التقدم أي نحو الأهداف المركزية التي يمكن أن تتحدد في المشروع الوطني الديمقراطي والتي يأخذ بها القطاع الخاص المحلي والقطاع الحكومي أو القطاع الأجنبي ويمكن أن يطلق على هذا المشروع الوطني الديمقراطي والمدني الحديث استراتيجية التنمية الوطنية الشاملة على المستويين الاقتصادي والبشري وعلى المستويات الداخلية والإقليمية والدولية . ومثل هذا المشروع في خطوطه الأولية غائب إلى الآن عن السياسة المصريه وعن برنامج وهدف الحكومة بشكل خاص وهو ما أكده العديد من المختصين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالتالي يصعب على مصر أن تجد حلولاً للأزمات التي تعاني منها حالياً وفي مختلف المجالات .
يفترض عند وضع المشروع الوطني الديمقراطي بالتعاون الوثيق بين الدولة بكل سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وفق مراحل مختلفة من عملية وضع المشروع ومشاركة الأحزاب والقوى السياسية بالاضافة الى مشاركة منظمات المجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث العلمي ووسائل الإعلام بكل أجهزته ويسهم بدور فعال في الوصول إلى الفرد والمجتمع ليحركهم جميعاً صوب المشاركة في مهمات وعمليات وضع المشروع وتنفيذه ومع تطور وسائل الإعلام أصبح لهذا العامل الدور الكبير في إنجاز هذه المهمة المتعددة الجوانب والأهداف علماً بأن وضع وتنفيذ مثل هذا المشروع يستوجب وجود حكومة وطنية ديمقراطية تعبر عن وحدة القوى السياسية المصريه وأن يشكل هذا المشروع القاسم المشترك الأعظم الذي تعتمده تلك القوى المتعاونة في الحكومة وخارجها الديمقراطية هي منظومة فكرية مؤلفة من نسق من المفاهيم المتكاملة تحتل فيها مقولة الفرد والمواطن هو اللبنة التي يتألف منها المجتمع الديمقراطي وليس الجماعة سواء كانت أسرة أو قبيلة أو حزب أو طائفة أو طبقة اجتماعية وهو القيمة الأعلى والمحور الأهم في النظام الديمقراطي. والحقوق المدنية للمواطن مصانة ومنها حق الحياة وحق العمل وحق التعلم وحق التملك وحق الفرح في أوقات الحزن وحق الحزن في أوقات الفرح وحق فعل كل هذه في أوقاتها ولا يمكن التجاوز على حقوق وحريات الآخرين ولا يحق لأي حزب أو جماعة مهما كان عدد تمثيلهم في المجتمع ان يصادر هذه الحقوق وغيرها من الحقوق الشخصية المدنية للمواطن .
إن كل القوى السياسة والاجتماعية المصريه المعنية بمستقبل مصر وكل مكونات المجتمع المصري تقع عليها مسؤولية إنقاذ وجود بلدهم والمشاركة الفاعلة في رسم مستقبله حيث أن مصر لن توجد إلا بحضور ومشاركة جميع أطيافها ومكوناتها الاجتماعية وليس أمام مصر من خيار سوى إشراك الجميع في عملية البناء .
وان تكريس قيم التسامح والتعايش والسلام وتبنيها كمنهج حياتي في مختلف اوجه الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية يحتاج الى مدة ليست قصيرة لاسيما في مجتمع خرج من قريب من حقبة خانقه تركت اثارها العميقة على مصر بجميع الوانه واطيافه .