بين عدد من الأحزاب الأخري فهذا أمر جديد.. ولكن أن يحتشد أكثر من ثلاثة
آلاف مصري ومصرية في أكبر قاعات فندق «شبرد» ليشهدوا هذه المناظرة
السياسية.. فهذا أمر مدهش كان من الصعب علي تصديقه.. لولا أنني رأيته
بعيني.. فتذكرت علي الفور أننا نعيش في زمن ما بعد ثورة 25 يناير.. حيث
انتفضت كل النخب المصرية الصامتة.. العازفة عن المشاركة في حياة سياسية
مزيفة.. نخبة مصرية من أبناء الطبقة المتوسطة والعليا.. جاءوا ليشاركوا في
هذا الحراك الاجتماعي.. وهذا الزخم السياسي. أدهشني هذا الحضور الطاغي
للمرأة المصرية:
فتيات في عمر الزهور.. فنانات جادات.. كاتبات..
إعلاميات.. هوانم وسيدات مجتمع وأعمال.. رائدات في العمل العام.. نساء
الطبقة الراقية لا تراهن في الشوارع.. ولا «المولات».. رجال وشيوخ من نخب
المجتمع المصري.. حضور مكثف لشباب الثورة من أبناء الطبقة المتوسطة «شباب
فيس بوك، وتويتر».. حشد غفير من المصريين الذين لا يخشون دخول الفنادق
الفاخرة ذات النجوم الخمس.. قرروا جميعاً المشاركة في المعترك السياسي..
فخرجوا عن صمتهم وسلبيتهم.. فقرروا الخروج من منازلهم أيضاً.. أبهرني هذا
المشهد السياسي الثري.. وهذه المشاركة الحاشدة.. فقررت الاستمتاع بعزة
مصر.. وكرامة بلادي.. فواصلت البقاء حتي نهاية المناظرة.
المناظرات
السياسية بين الأحزاب.. تقليد جديد لم يشهده المجتمع المصري من قبل.. كنا
نراه ونسمع عنه في المجتمعات المتحضرة في أوروبا وأمريكا.. وهنا في مصر كان
لدينا مشهد سياسي كريه.. ينفرك من العمل السياسي.. وتعافه النفس الأبية..
وتشعر بالغثيان إذا قدر لك أن تشاهد مؤتمراً للحزب الوطني «المنحل».. وتري
وتسمع هذا الكم الهائل من التدليس السياسي.. وهذا الفيض البغيض من النفاق
والكذب والتهريج والبذخ الأجوف.. فالوجوه هي الوجوه.. والكلام معاد ومكرر
سئمته الآذان وعفي عليه الزمن.
ولكن هذه الليلة كانت مختلفة.. فعلي
الرغم من أن جميع المدعوين فوجئوا بأن هناك رسماً لدخول المناظرة بمبلغ
«20 جنيها» إلا أن المصاعد الأربعة التي يمتلكها فندق شبرد كانت طوابير
المتوافدين عليها تقدر بالمئات.. فالرغبة في المشاركة جادة وقوية.. سألت
الفنانة آثار الحكيم التي كانت تجلس بجواري:
ــ لماذا جئت؟ قالت
لي: أردت أن أشارك فيما يحدث في مصر.. فأنا خائفة علي بلادي. قلت لها: هل
انضممتي لحزب من هذه الأحزاب المتناظرة؟ قالت: لا.. قلت لها: وهل في نيتك
أن تنضمي لحزب معين؟.. قالت: لا قلت لها: فلماذا تكبدت مشقة الحضور والوقوف
في طوابير الانتظار؟ قالت لي:
ــ أنا خائفة علي بلادي.. وأريد أن أعرف إلي أين نحن سائرون.
لهذا جاء هذا الكم الغفير من البشر.. وكان السؤال: من الذي وجه الدعوة لكل هؤلاء الحضور.. دون إعلان في الصحف أو لافتات في الشوارع؟
وكانت
الإجابة: هناك مجموعة مكونة من أربع جمعيات أهلية تعمل في مجال العمل
المدني وهي: «جمعية التحرك الإيجابي».. و«جمعية مصر المتنورة».. و«جمعية
الألف ميل».. و«رابطة مواطنون مصريون».. تعاونها في هذا العمل 19 جمعية
أخري من جمعيات العمل المدني. من أنتم؟!
.. سألت رئيس
جمعية التحرك الإيجابي الذي كان يدير الحوار باقتدار وخبرة تنظيمية واضحة
وهو «محمد رءوف غنيم» ومعه علي المنصة «سها رضوان» و«أنيسة عصام حسونة»
رئيسة مؤسسة «مصر المتنورة».
سألتهم جميعاً علي طريقة الزعيم «القذافي»:
ــ من أنتم؟!
فجاءت الإجابة بوضوح شافٍ:
ــ نحن مجموعة من المصريين.
ــ مع ثورة 25 يناير قلباً وقالباً.
ــ ضد النظام السابق بكل أوجهه.
ــ مؤمنون بدولة ديمقراطية مدنية.
ــ مؤمنون بضرورة المشاركة الفعالة للجميع في العمل السياسي.
ــ مستعدون لبذل أقصي جهد للوصول بمصر إلي بر الأمان.
ــ تركيزنا علي انتخابات مجلس الشعب المقبلة.
سألتهم عن آليات العمل لتحقيق كل هذه الأمنيات الطيبة فقالوا:
ــ خطواتنا تبدأ بالتعريف بمعطيات المرحلة المقبلة.
ــ التعرف علي توجهات وبرامج الأحزاب السياسية القديمة والجديدة.
ــ اختيار الحزب الذي يمثل أفكارنا ويستطيع أن يطبقها.
ــ الانضمام كتكتل لهذا الحزب.
ــ التركيز علي انتخابات مجلس الشعب من خلال العمل الحزبي.
ــ العمل الميداني لكسب الثقة في الدوائر الانتخابية.
أربعة أحزاب علي المنصة
كانت
هناك أربعة أحزاب سياسية جديدة «تحت التأسيس» علي منصة المناظرة.. يمثل كل
حزب فيها اثنان من قياداته.. فجاء عن «حزب الجبهة الديمقراطية» الدكتور
أسامة الغزالي حرب.. والكاتبة سكينة فؤاد.. وعن «حزب المصريين الأحرار»
المهندس نجيب ساويرس.. والسفير حسين هريدي.. وجاء من «الحزب المصري
الديمقراطي الاجتماعي» الدكتور محمد أبوالغار.. والدكتور إيهاب الخراط..
وعن حزب العدل: د.مصطفي النجار والدكتور أحمد شكري.
في البداية طرح
مديرو المناظرة.. ثلاثة محاور أساسية للحوار تتضمن ثلاثة أسئلة محددة..
وعلي غرار المناظرات الأوروبية.. حدد المنظمون قواعد المناظرة.. وهي
باختصار: لكل حزب 5 دقائق للإجابة عن السؤال.. وقبل انتهاء الوقت المحدد
تمر فتاة من اللجنة المنظمة ببطاقة صفراء أمام المتحدث وقبل انتهاء الوقت
بـ «15 ثانية» تمر نفس الفتاة ببطاقة حمراء.. فيعرف المتحدث أنه لا يملك
سوي جملة واحدة يختم بها إجابته.. وهي طرق تستخدمها المجتمعات المتحضرة
التي تعرف قيمة الوقت.. رغم أننا كعرب أصحاب المثل البليغ: «الوقت كالسيف
إن لم تقطعه قطعك».
وبعد إجابة الأحزاب عن المحاور الثلاثة.. تبدأ
مناقشة مفتوحة مع هذا الحشد الغفير من البشر علي أن يكتب الراغبون في توجيه
أسئلة للقيادات الحزبية أسئلتهم ويرسلوها للمنصة.. لذلك استمرت المناظرة
أكثر من أربع ساعات متواصلة دون انقطاع.. فعدد الجالسين علي الأرض من نخبة
المجتمع المصري أكثر من الواقفين.. وعدد الوقوف يفوق عدد الجالسين.. وعدد
المقاعد يربو علي الألف كرسي.. إنه احتفال سياسي ضخم بمولد الديمقراطية
الحقيقية.
بدأ الحوار والمناظرة بالسؤال الأول الذي تم توجيهه لممثلي الأحزاب الأربعة:
ــ
هناك أرضيات مشتركة بينكم كأحزاب.. ونقاط اتفاق عديدة.. ولكننا نحن
كمواطنين كيف نتعرف علي حزبك؟ وما أوجه الاختلاف بينك وبين الأحزاب الأخري؟
وما المميزات التي لديك لتدفعني لأن أنضم إليك دون الأحزاب الأخري؟
وجاءت الإجابة بالترتيب علي النحو التالي:
د. محمد أبوالغار عن الحزب الوطني المصري الديمقراطي:
ــ
نحن حريصون علي النهوض بمصر داخلياً.. والتأكيد علي حضورها عربياً
وإفريقياً.. ودولياً.. وننادي بالدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل
للجميع جميع حقوق المواطنة.. فكل المصريين عليهم نفس الواجبات ولهم نفس
الحقوق.. وهي الحرية والمساواة والعدالة وهي أصول الدولة المدنية.
وتحدث نجيب ساويرس ممثلاً لحزب المصريين الأحرار فأجاب عن نفس السؤال قائلاً:
ــ
قبل أن نجلس هنا للمناظرة.. اجتمعنا جميعاً للبحث عن نقاط الخلاف بيننا
فلم نجد شيئاً.. وعندما يأتي الوقت المناسب.. فسوف نأتلف أو نتحد.
وأكمل
ساويرس: وإن كنا نختلف عن الأحزاب الأخري باتجاهنا إلي الرأسماليين..
ولكننا نحقق العدالة الاجتماعية بشكل آخر.. لأن كل من يفتح بيوتاً للناس
وكل من يوجد فرصة عمل للشباب.. وكل من يدفع ضرائبه كاملة فهو يحقق العدالة
الاجتماعية.. ولكن التحدي الأكبر أمامنا جميعاً هو تحريك جموع الناس
الصامتة.. وكيف تبني حزباً في «90 يوماً» وتضمن الفوز بالانتخابات.
وتحدث مصطفي النجار عن «حزب العدل» فقال:
ــ
إنني سعيد بهذا الحشد الكبير من كل الأحزاب الناشئة لأن هذه الأحزاب عليها
دور رئيسي في تسييس المصريين بالمفهوم السياسي.. وحزبنا قائم علي مبادئ
وأفكار وليس أشخاص.. فهو حزب ليس له رأس فكلنا رءوس وهو قائم علي فكرة
التنمية المستدامة.. حزب بدأ من وسط الناس من أجل التغيير والديمقراطية.
وتحدث
رئيس حزب الجبهة الديمقراطية د.أسامة الغزالي حرب فقال: ــ نحن نختلف عن
غيرنا.. والاختلاف الأساسي هو أننا قمنا بالفعل وكلامنا ليس وعوداً ولكن
كلها أفعال.. واشتركنا في الائتلاف الرباعي من أجل مقاطعة الانتخابات
البرلمانية ثم انفصلنا عنهم اعتراضاً علي دخول الانتخابات، فنحن قاطعنا
لنضمن حداً أدني للحقوق السياسية والديمقراطية.. وأول من رفع شعار لا تفاوض
قبل الرحيل.. ولكنهم ذهبوا جميعاً والتقوا مع عمر سليمان بمن فيهم الإخوان
المسلمون.
وطرح مدير المناظرة محمد رءوف غنيم السؤال الثاني وكان
داعياً لتأسيس لجنة عليا للمناظرات كما يحدث في الولايات المتحدة
الأمريكية.. فقال:
ــ كيف ننجح في ظل هذا التفتت والانقسام أن نكون حزباً واحداً أو جبهة واحدة أو ائتلافاً سياسياً واحداً؟
وأجاب ساويرس: يجب أن نتحد لأنه علي الجبهة الأخري أحزاب متعددة ولكنهم في النهاية يمثلون حزباً واحداً لا يؤيد وجود دولة مدنية.
وقال
مصطفي النجار: هناك فرق كبير بين الائتلاف السياسي والحزب.. فهناك
اختلافات جوهرية ولكنها تثري ولا تضعف.. والخوف بعد الائتلاف أن يحدث تفجر
من الداخل أو انقسامات وانشقاقات تضعف الائتلاف.
وقالت سكينة فؤاد:
لن يحدث أن تياراً سياسياً «معين» يستطيع أن يخطف الانتخابات وأهم أهداف
حزبنا هو توحيد القوي السياسية، فاللحظة تمتلئ بالخطر.
وتوالت
النقاشات.. واشتركت شخصيات لها وزنها السياسي في الشارع المصري في مداخلات
وحوارات امتدت حتي منتصف الليل.. ليخرج الجميع متفقين علي الوحدة والخروج
في مليونية جديدة يوم 27 مايو من أجل تأجيل الانتخابات حتي لا يسرقها
الإخوان.
محمد بغدادي