ليلة القدر0د. شرف القضاة
أستاذ الحديث - كلية الشريعة – الجامعة الأردنية
لا شك أن الإنسان في الدنيا في امتحان، تسجل فيه الحسنات والسيئات، وكل عاقل يسعى إلى زيادة رصيده من الحسنات وتخفيض ديونه من السيئات لكي يكون من الفائزين بل من المتفوقين يوم القيامة.
وقد جعل الله لنا دورات تساعدنا على النجاح بل التفوق، ورمضان فرصة كبيرة لتحقيق أمرين: التخلص من السيئات، ومضاعفة الحسنات، ففي تكفير السيئات قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) علما بأن هذا التكفير لا يشمل حقوق الناس والكبائر إلا بالتوبة بكل شروطها.
وأما مضاعفة الحسنات فهي في ليلة القدر وسأتحدث عنها من خلال النقاط التالية:
1. اسمها وفضلها: القدر هو المكانة، والمنزلة العالية، فهي أعظم ليلة في السنة على الإطلاق، فهي خير من ألف شهر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وكفاها بذلك منزلة، والشهر القمري غالبا ثلاثون يوما، فهذه الليلة إذن خير من ثلاثين ألف ليلة، أي إن الحسنات تتضاعف فيها بأكثر من ثلاثين ألف ضعف، فإذا كانت الحسنة في غيرها بعشر حسنات على الأقل فالحسنة فيها بثلاثمائة ألف حسنة على الأقل، تصوروا أن لكم فيها بقراءة كل حرف من القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة ألف حسنة، فكم لك في كل صفحة أو جزء، وما بالك إذا رافق ذلك القيام؟ وكم يساوي ذلك بالمائة، إنه يساوي 30000000 ثلاثين مليون بالمائة، أخي وأختي إذا كان بعض الناس يرتكب كبيرة الربا لأنه سيأخذ خمسة أو عشرة بالمائة سنويا، فما بالك بثلاثين مليون بالمائة؟!!!، ولو قيل لأي إنسان قم العشر الأواخر كلها ولك راتب أكثر من ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين سنة، فمن منا سيتردد في ذلك ؟!!!.
2. وقتها: تحديد وقت ليلة القدر لا يؤخذ إلا من الوحي، وقد نزل الوحي بالمعلومات عن موعدها بالتدريج، فجاءت الأحاديث في تحديد موعدها كأنها متعارضة، ولذلك تعددت آراء العلماء في ذلك، لكننا لو راعينا أن الوحي نزل بتحديد موعدها بالتدريج من الأعم الأوسع إلى الأخص الأكثر تحديدا لزال كثير من التعارض الظاهري في ذلك:
· ففي البداية لم يكن أحد يعلم في أي شهر هي، إنما هي ليلة في السنة كلها، وكان من الصعب كثيرا على الإنسان أن يقوم السنة كلها لا تفوته ليلة.
· ثم أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها في رمضان، قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فأصبح المطلوب لمن يلتمسها أن يقوم شهرا واحدا من السنة كلها، وهذا أسهل بكثير، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان ظنا أنها فيها، ثم اعتكف العشر الأوسط ظنا أنها فيها.
· ثم أوحي إليه صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر فاعتكف، ففي الحديث الصحيح (أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ … ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ).
· ثم أوحي إليه أنها في الوتر من العشر الأواخر فقال صلى الله عليه وسلم (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
· ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها في الوتر من السبع الأواخر فقال (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) وهذا آخر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فهي واحدة من ثلاث ليال لا رابع لها إما ليلة خمس وعشرين أو ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين، وهكذا أصبح الأمر سهلا فهو أجر عظيم جدا في واحدة من ليال ثلاث، وهذا إن كانت بداية الشهر صحيحة، أما إن كانت غير صحيحة فإن الليالي الفردية تصبح زوجية، والزوجية تصبح فردية، فليتنبه إلى هذا.
3. علامتها: يتداول الناس كثيرا من العلامات لليلة القدر، بعضها ورد في بعض الروايات، وبعضها من تأليفهم، وباختصار فإنه لم يصح في علامات ليلة القدر إلا علامة واحدة فقط، وهي (أَنَّهَا – أي الشمس- تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) ولكن هذه العلامة لو كانت %[b]
أستاذ الحديث - كلية الشريعة – الجامعة الأردنية
لا شك أن الإنسان في الدنيا في امتحان، تسجل فيه الحسنات والسيئات، وكل عاقل يسعى إلى زيادة رصيده من الحسنات وتخفيض ديونه من السيئات لكي يكون من الفائزين بل من المتفوقين يوم القيامة.
وقد جعل الله لنا دورات تساعدنا على النجاح بل التفوق، ورمضان فرصة كبيرة لتحقيق أمرين: التخلص من السيئات، ومضاعفة الحسنات، ففي تكفير السيئات قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) علما بأن هذا التكفير لا يشمل حقوق الناس والكبائر إلا بالتوبة بكل شروطها.
وأما مضاعفة الحسنات فهي في ليلة القدر وسأتحدث عنها من خلال النقاط التالية:
1. اسمها وفضلها: القدر هو المكانة، والمنزلة العالية، فهي أعظم ليلة في السنة على الإطلاق، فهي خير من ألف شهر {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وكفاها بذلك منزلة، والشهر القمري غالبا ثلاثون يوما، فهذه الليلة إذن خير من ثلاثين ألف ليلة، أي إن الحسنات تتضاعف فيها بأكثر من ثلاثين ألف ضعف، فإذا كانت الحسنة في غيرها بعشر حسنات على الأقل فالحسنة فيها بثلاثمائة ألف حسنة على الأقل، تصوروا أن لكم فيها بقراءة كل حرف من القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة ألف حسنة، فكم لك في كل صفحة أو جزء، وما بالك إذا رافق ذلك القيام؟ وكم يساوي ذلك بالمائة، إنه يساوي 30000000 ثلاثين مليون بالمائة، أخي وأختي إذا كان بعض الناس يرتكب كبيرة الربا لأنه سيأخذ خمسة أو عشرة بالمائة سنويا، فما بالك بثلاثين مليون بالمائة؟!!!، ولو قيل لأي إنسان قم العشر الأواخر كلها ولك راتب أكثر من ألف شهر، أي أكثر من ثلاثة وثمانين سنة، فمن منا سيتردد في ذلك ؟!!!.
2. وقتها: تحديد وقت ليلة القدر لا يؤخذ إلا من الوحي، وقد نزل الوحي بالمعلومات عن موعدها بالتدريج، فجاءت الأحاديث في تحديد موعدها كأنها متعارضة، ولذلك تعددت آراء العلماء في ذلك، لكننا لو راعينا أن الوحي نزل بتحديد موعدها بالتدريج من الأعم الأوسع إلى الأخص الأكثر تحديدا لزال كثير من التعارض الظاهري في ذلك:
· ففي البداية لم يكن أحد يعلم في أي شهر هي، إنما هي ليلة في السنة كلها، وكان من الصعب كثيرا على الإنسان أن يقوم السنة كلها لا تفوته ليلة.
· ثم أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها في رمضان، قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فأصبح المطلوب لمن يلتمسها أن يقوم شهرا واحدا من السنة كلها، وهذا أسهل بكثير، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان ظنا أنها فيها، ثم اعتكف العشر الأوسط ظنا أنها فيها.
· ثم أوحي إليه صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر فاعتكف، ففي الحديث الصحيح (أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ … ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ فَدَنَوْا مِنْهُ فَقَالَ إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ).
· ثم أوحي إليه أنها في الوتر من العشر الأواخر فقال صلى الله عليه وسلم (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ).
· ثم أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها في الوتر من السبع الأواخر فقال (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ) وهذا آخر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فهي واحدة من ثلاث ليال لا رابع لها إما ليلة خمس وعشرين أو ليلة سبع وعشرين أو ليلة تسع وعشرين، وهكذا أصبح الأمر سهلا فهو أجر عظيم جدا في واحدة من ليال ثلاث، وهذا إن كانت بداية الشهر صحيحة، أما إن كانت غير صحيحة فإن الليالي الفردية تصبح زوجية، والزوجية تصبح فردية، فليتنبه إلى هذا.
3. علامتها: يتداول الناس كثيرا من العلامات لليلة القدر، بعضها ورد في بعض الروايات، وبعضها من تأليفهم، وباختصار فإنه لم يصح في علامات ليلة القدر إلا علامة واحدة فقط، وهي (أَنَّهَا – أي الشمس- تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) ولكن هذه العلامة لو كانت %[b]