روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

2 مشترك

    مســؤولية الطبيـب الجنــائية المترتبة على إفشاء السر المهني طارق صلاح الدين محمد خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مســؤولية الطبيـب الجنــائية المترتبة على إفشاء السر المهني   طارق صلاح الدين محمد خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة Empty مســؤولية الطبيـب الجنــائية المترتبة على إفشاء السر المهني طارق صلاح الدين محمد خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد سبتمبر 26, 2010 12:28 am

    مســؤولية الطبيـب الجنــائية
    المترتبة على إفشاء السر المهني


    طارق صلاح الدين محمد
    خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة

    قطر



    مسؤولية الطبيب الجنائية بصفة عامة تعد من أهم الموضوعات التي تثير اهتمام الباحثين في الوقت الراهن وذلك بسبب تنامي المعطيات الطبية وخطورتها في الوقت الحالي وفي هذا الإطار يعد موضوع سر المهنة الطبية من المواضيع بالغة التعقيد وأصبحت تثير الكثير من المشكلات القانونية والعلمية باعتبار أن السر المهني وموضوعه يعد من الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان حيث تضمنت المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أحكاماً تتضمن حماية الخصوصية الشخصية للأفراد، ويأتي الالتزام بالاحتفاظ بالسر الطبي ضمن قائمة من أسرار المهن التي يتوجب على أصحابها الالتزام بهذه الأسرار مثل المحامين والوكلاء وغيرهم من أصحاب المهن الذين يتصل علمهم بهذه الأسرار بحكم عملهم.

    وقد عنى الإسلام وفي إطار تنظيم جوانب الحياة المختلفة بحفظ الأسرار وكتمانها سواء ما يتعلق بالأفراد والدولة وأمر المسلمين بحفظ الأسرار ويقول الرسول [ّ »استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود«. ومن بين الأسرار التي أوجب الإسلام المحافظة عليها أسرار المرضى وفي ذلك يقول الله تعالى : والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، ويفهم من هذه الآية الكريمة أنها وصفت من أفلح من الناس بصفات عدة منها تأدية الأمانة التي أوجب الله حفظها وتأديتها إلى أهلها.

    وما روى عن النبي [ّ من قوله: »إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة«، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي [ّ قد وصف السر بالأمانة التي يجب حفظها ولا يحل تضييعها، والسر إذا أفشى كان خيانة، والخيانة حرام بكل صورها.

    وتأتي أهمية البحث عن مسؤولية الطبيب الجنائية المترتبة عن إفشاء السر الطبي لتشعب هذا الموضوع وتداخله مع كثير من المسؤوليات الجنائية للطبيب في إطار التكييف القانوني لمشروعية عمل الطبيب ومسئولياته كمعالج، والتزام الطبيب بالاحتفاظ بأسرار مهنته معروف منذ القدم فقد بدأ التزاماً قانونياً، ويرجع أساس الالتزام بالسر الطبي قديماً إلى أساس أخلاقي إلى ما نص عليه قسم أبقراط من الآف السنين إذ جاء فيه (إن كل ما يصل إلى بصري أو سمعي وقت قيامي بمهمتي أو في غير وقتها مما يمس علاقتي بالناس ويتطلب كتمانه سأكتمه، وسأحتفظ به في نفسي محافظتي على الأسرار)، وجاء أيضاً في إعلان جنيف ما يلي: (سأحتفظ على الأسرار التي أأتمن عليها).

    ومن حق المريض أن يتوقع أن لا يقوم طبيبه المعالج بتقديم أي معلومات شخصية عنه لجهة أخرى والتي يكون الطبيب قد حصل عليها بحكم عمله إلا بموافقته وفي الحالات الاستثنائية التي يشعر الطبيب بضرورة رفع مثل هذه المعلومات لجهة ما بدون موافقة المريض أو بخلاف رغبته فيجب على الطبيب مراعاة الأنظمة والقوانين المعمول بها، ذلك أن الحياء العام يتأذى من الإفشاء إضافة إلى الأضرار التي تلحق بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة عندما يمتنع الأفراد عن عرض أنفسهم على الأطباء خشية افتضاح أمرهم وما يترتب على ذلك من تشويه لسمعتهم.

    وتأتي أهمية البحث أيضاً للحديث عن بعض الحالات التي يثور حولها التساؤل ويختلف حولها الباحثون مثل ما هي الحالات التي تعتبر أسراراً طبية أم لا؟ وكذلك الحالات التي يجوز فيها إفشاء المعلومات بدون موافقة المريض كما هو الحال بالنسبة لأسباب الإباحة المقررة للمصلحة العامة مثل التبليغ عن الجرائم وغير ذلك مما سيرد تفصيله.

    كما تثور تساؤلات عديدة عن مدى أحقية الطبيب بإفشاء المعلومات المتعلقة بالمريض بعد وفاته أو تلك المعلومات التي يتم الإفشاء عنها لأغراض التعليم الطبي والبحوث الطبية والرقابة الطبية وهناك أسباب إباحة أخرى مقررة لمصلحة الأشخاص يجوز للطبيب إفشاء السر الطبي ومن أمثلة ذلك وقوف الطبيب أمام المحكمة للدفاع عن نفسه وكذلك في حالة رضا صاحب السر.

    وعليه يمكن القول أن مسؤولية الطبيب من أهم الأبحاث القانونية المعاصرة والتي كثرت فيها الإسهامات واتسع حولها النقاش إلا أن هذه الأبحاث تطرقت عرضاً لأهم مسؤوليات الطبيب وهي ضرورة الحفاظ على أسرار المريض ولم تستوعب بصورة كافية مشكلة إفشاء السر الطبي حيث لا يزال الفراغ القانوني حول هذا الموضوع يدعونا للبحث والنقاش سيما أن علم الطب هو علم متطور ومتجدد ويحقق المزيد من المنجزات العلمية الأمر الذي يستدعي مواكبة التشريعات لهذا التطور وبالتالي استمرار الاجتهاد والدراسة حول هذا الموضوع.

    وبالمقابل وكما أن التشريعات التزمت بوضع الضوابط لالتزامات الطبيب نجد أنها وضعت حقوقاً له في هذا الاتجاه حماية له من المسؤولية، وسنوالي في العدد القادم الحديث عن السر الطبي.

    أركان جريمة إفشاء السر الطبي


    جريمة إفشاء السر الطبي تقوم على أربعة أركان :

    الركن الأول : السر الطبي.
    الركن الثاني : المادي، وهو فعل الإفشاء.
    الركن الثالث: أن يكون المفشي أميناً على السر.
    الركن الرابع : المعنوي (القصد الجنائي).

    الركن الأول : (السر الطبي)


    من أهم الأركان المكونة لجريمة إفشاء السر الطبي:

    أـ أن يكون ما تم إفشاؤه سراً، ويتوافر هذا الشرط يمكن أن تتحقق مسؤولية الطبيب الجنائية، وتكمن الصعوبة في تعريف السر الطبي، فاختلفت الآراء وتعددت، وعلى الرغم من تعدد التعريفات في هذا الصدد، فإن الأمر برمته يمكن إخضاعه للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، ليحدد من خلال الوقائع إذا كانت واقعة معينة تعد إفشاء للسر أم هي من قبيل الوقائع العادية؟ وفي ذلك تقول محكمة النقض المصرية في قرار لها سنة 1942 (إن القانون لم يبين معنى السر، وترك الأمر لتقدير القضاة، فوجب أن يرجع في ذلك إلى العرف وظروف كل حادثة على انفرادها، وإنه بالنسبة إلى ظروف الحادث موضوع الدعوى، فقد جرى العرف على أن مرض الزهري والسل هما المرضان اللذان يجب على الطبيب إلا يفشي سرهما، أما مرض البواسير فهو لا يعتبر سراً خصوصاً إذا كان المريض به من الرجال). وفي تصورنا أن هذه التفرقة غير دقيقة، حيث يتعين في مثل هذه الحالات أن تضع المحكمة في اعتبارها التقدير الشخصي للمريض، فهو صاحب الحق في تقدير آثار إفشاء مرضه أو حجبه، فنظرة المريض لنوع معين من المرض تختلف من مريض لآخر، فمثلاً مريض العقم قد يتعامل مع هذا المرض بأنه أمر عادي، وأنها مشيئة الله إلا أن مريضاً آخر يعتبر من الأ مور التي تنال من رجولته، وتجعله موضع ازدراء، ولذلك يكون حريصاً على كتمان مرضه عن العامة، وعلى هذا النحو سار القضاء المصري في وقت لاحق، وجاء في قرار محكمة النقض المصرية رقم 2349 لسنة 1946 أن جميع الأمراض سرية مهما كانت طبيعتها، فهي من العورات التي يجب سترها ولو كانت صحيحة، لما يترتب على إفشائها من إساءة للمرضى وإضرار بمصالحهم. فالسر الطبي هو كل أمر حدث بعلم الطبيب، سواء أفضى به إليه المريض أو غيره، أو علم به نتيجة الفحص أو التشخيص أثناءممارسته لمهنته وكان للمريض أو لأسرته أو الغير مصلحة مشروعة في كتمانه.

    السر الطبي هو الذي يعلمه الطبيب بإدارة المريض أو أثناء التشخيص و كان للمريض و لأسرته مصلحة مشروعة في كتمانه

    والسر الطبي لا يقتصر على المعلومات الخاصة بنوع المرض أو الإصابة التي يعاني منها المريض أو العلاج، إنما يشتمل على كل ما يتصل بالعمل الطبي من فحص وتشخيص، كإجراء التشخيص بالأشعات وغيرها، أما المعلومات والبيانات التي تتعلق بالعمل الطبي ذاته، فلا يضفي عليها المشرع صفة السر، ومن ثم لا تعد من قبيل الأسرار الطبية مثل أسعار الخدمات المقدمة للمريض، ويجري العرف على اعتبار بعض الأمراض من قبيل الأمراض التي لا يجوز إفشاء سرها، ومن أمثلة هذه الأمراض البرص، الجذام والزهري والسيلان، وهي التي يطلق عليها الأمراض المعدية أو السرية، كذلك العقم عند الرجال، والمرأة -في تقديرنا- يعتبر من الأمراض التي لا يجوز إفشاء سرها إذ أن إفشاءها ينال من رجولة الرجل، ويخدش حياء المرأة، ووصف السر يتوقف على نظرة المريض إليه، بغض النظر عما يراه الطبيب، فالمريض هو صاحب السر، وهو الذي يمكنه تقدير آثار إفشائه أو إمساكه. وحول تعيين نطاق السر فقد انقسم الفقهاء إلى فريقين فمنهم من أخذ بنظرية إيداع الثقة والائتمان، ومنهم من أخذ بنظرية الأسرار بطبيعتها، وقد استقر الفقه الأجنبي على الأخذ بنظرية الأسرار بطبيعتها منذ الحكم في قضية الدكتورة (واتليه watele-) سنة ،1884 وهو الحكم الذي أدانت به المحكمة الطبيب (واتليه) الذي نشر تصحيحاً في إحدى الصحف رداً على مقال كان قد نشر يشير إلى وفاة الرسام العالمي (باستيان ليباج) بمرض الزهري، وأن الطبيب الذي عالجه كان قد ارتكب خطأ في علاجه، فنصحه بالسفر إلى الجزائر كي يموت هناك، ويتخلص من المسؤولية، فما كان من الطبيب (واتليه) إلا أن نشر تصحيحاً أو رداً على ذلك المقال جاء فيه أن (ليباج) مصاب بالسرطان وليس بالزهري، وقد جاء في قرار محكمة النقض الفرنسية: أنه وإن لم يثبت في حق المتهم قصد الإضرار إلا أن نص المادة (378) عام ومطلق، ويعاقب كل إفشاء للسر المهني ، فالمشرع هو من فرض الالتزام بالسر الطبي على بعض الأشخاص تأكيداً للثقة المفروضة في ممارسة بعض المهن .... ولا حجاج بما يدعيه من معرفة هذا المرض لدى البعض، فقد كشف المتهم للجمهور مجموعة من الوقائع السرية، بحسب طبيعتها، ولم يعلم بها إلا بسبب مهنته، ومن ثم قضت برفض الطعن، وتأييد إدانته. ويجب أن يكون للسر صلة بالمهنة التي يمارسها المتهم، وقد حكمت المحاكم الفرنسية بأنه إذا استدعى طبيب لزيارة مريضة في منزله، فشاهد أثناء ذلك ابن المريض يرتكب جريمة الزنا، أو سمع عرضاً محادثة عن ارتكاب جريمة قتل، فهو لا يلتزم بالكتمان إذ ليس لهذه الوقائع الصفة الطبية المهنية التي تفرض عليه واجب الكتمان.

    فقهاء الشريعة يوجبون على الطبيب الكشف عن سر المريض , الذي يترتب على إخفائه ظهور المفسدة


    ويرى فقهاء الشريعة الإسلامية أن الواجب على الطبيب حين يعلم من المريض شيئاً يترتب على عدم الكشف عنه إظهار المفسدة أن يكشف الستر عنه ويظهره بالقدر الذي تندفع به هذه المفسدة، لأن الضرر لا يجوز أن يزال بمثله، ويكون ذلك في حالة لجوء المريض إلى الطبيب لعلاجه، وعلم الطبيب أن هذا المريض مطلوب من المحاكم في قضيه، وعلم الطبيب أن المريض ليس مظلوماً فيها، ففي هذه الحالة يلزم الطبيب أ ن يبلغ عنه، وألا يسعفه بالعلاج حتى لا يتمكن من الهروب، إذ لو هرب لترتب على ذلك أن يكون الطبيب هو المتسبب في هروبه، ويلزمه ضمان مفاسده وأضراره.



    السر الطبي لا يقتصر على إفشاء نوع المرض أو علاجه ، لكنه يشمل كل الأمور المتصلة بالعمل الطبي

    الركن الثاني : فعل الإفشاء:


    ويمثل فعل الإفشاء الركن المادي لجريمة إفشاء السر الطبي، والإفشاء هو كشف السر الطبي، وإطلاع الغير عليه بأي وسيلة كانت، مع تحديد الشخص صاحب المصلحة في كتمانه. ولم يحدد لمشرع وسيلة معينة من شأنها أن تحقق فعل الإفشاء، فيتحقق الإفشاء وهو الانتشار إذا أعلن السر بأي طريقه كانت، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر شفاهة أو كتابة، وقد يكون الإفشاء بالنشر في الصحف والمجلات أو الرسائل الخاصة أو شهادات طبية للغير بحالة المريض. ولا يجوز الإفشاء ولو بواقعة أصبحت معروفة لدى الناس، وأن تكرار الإفضاء بالسر لا ينزع عنه صفة السرية، بل يظل الإفشاء معاقباً عليه مهما تكرر، كما أن سبق الإفشاء لايرفع عنه صفته، ذلك أن إفشاء السر مرة لا يحول دون تبليغه مرة أخرى.

    من الموضوعات التي تثير الجدل الشهادات الطبية بعدم اللياقة وقد حسمت معظم التشريعات هذا الأمر ، فقوانين الخدمة المدنية نصت على أنه عند الالتحاق بالعمل للموظف أو تجديد عقده فلا بد من حصوله على تقرير طبي يفيد بأنه لائق طبياً يكون صادراً من طبيب مختص، والطبيب المختص هو الطبيب الذي تعينه الجهة المخدمة سواء كانت هذه الجهة حكومية أو خاصة، وتكون في الغالب إدارة القومسيون الطبي العام التابعة لوزارات الصحة العامة هي الجهة المختصة بإصدار تقارير اللياقة الطبية، إلا أنه لا يجوز للطبيب في تقريره الطبي أن يشير إلى تفاصيل المرض بل يتعين عليه ان يشير في تقريره عما إذا كان هذا الموظف لائقاً طبياً للعمل بصفة عامة أم لا؟، أو لائقاً للعمل في وظيفة معينة أم لا؟، فإذا أشار الطبيب في تقريره إلى طبيعة المرض أو نوعه يعد مفشياً لسر المهنة.


    الركن الثالث:

    أن يكون المفشي أميناً على السر:

    وهي صفة خاصة للمقيم حيث يتعين أن يكون وقوع الإفشاء من طبيب، وقد نص القانون الجنائي السوداني في الباب العاشر على الجرائم المتعلقة بالموظف العام والمستخدم حيث نصت المادة (89) على الآتي:
    »كل موظف عام يخالف ما يأمر به القانون بشأن المسلك الواجب عليه اتباعه كموظف عام أو يمتنع عن أداء واجب من واجبات وظيفته قاصداً بذلك أن:
    يسبب ضرراً لأي شخص أو الجمهور أو يسهل مصلحة غير مشروعة لشخص آخر أو ...).
    ولا شك أن الطبيب يندرج تحت تعريف الموظف العام وطبقاً للمادة المشار إليها فيكون ملزماً بالمحافظة على أسرار مرضاه، ونعيب على المشروع السوداني أنه لم يكن دقيقاً في بيان الأشخاص الأمناء على السر أسوة بتشريعات الدول العربية، ومن ذلك المادة (310) من قانون العقوبات المصري، حيث نصت هذه المادة على أن الأمين على السر يشمل الأطباء والجراحين والصيادلة والقوابل وغيرهم، وهي تشمل ما يتصل عمله بالمهن الطبية بحكم الضرورة، كمساعدي الأطباء والإداريين بالمستشفيات والعاملين بها وطلبة كلية الطب.
    ونص قانون العقوبات العراقي في المادة (437) على أن (.. كل من علم بحكم وظيفته أو مهنته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله..) أما قانون العقوبات الأردني فقد نص في المادة (355): »على أن من كان بحكم مهنته على علم..« ويظهر من هذه النصوص أن الطبيب ملزم بالسر، باعتبار أن مهنته من المهن التي لا يستطيع الناس الاستغناء عنها ولهذا يطلق على هؤلاء وصف الأمناء بحكم الضرورة، ويلاحظ أن القانون نص على أن الصيادلة من الأمناء على السر مرجعه أن الصيدلي يعرف عن أسرار المرضى بطريقة غير مباشرة من خلال الوصفة الطبية التي تقدم له، وبالتالي يستطيع بحكم مهنته أن يعلم بنوع المرض ولفظ »غيرهم » الوارد في المادة (310) المشار إليها قاطع الدلالة على أنه يشمل الممرضين الخاصين، وكل من يتصل عمله بالمهن الطبية بحكم الضرورة كفنيي العلاج الطبيعي وصانعي النظارات والأسنان وفني التخدير، ويمتد العقاب إلى كل أمين على السر بغض النظر عن أنه مرخص له بمزاولة المهنة ما دام أن المريض قد أودع لديه السر أو أطلع عليه هو بسبب ممارسته لمهنته أو وظيفته أو بمناسبتها فيلتزم بالكتمان.
    أما عمال السكرتارية والفراشين فلا يلزم هؤلاء بالمحافظة على السر الطبي وأساس ذلك هو عدم اتصال أعمالهم بالمهنة الطبية أما إذا قاموا بأعمال تتصل بالمهنة الطبية مما يتيح لهم الاطلاع على أسرار المرضى كانوا من قبيل أمناء السر وبالتالي يعدون مسؤولين عن إفشاء أسرار المريض.
    إلا أن الطبيب كي يكون ملزماً بكتمان السر يجب أن يكون قد علم به أثناء ممارسة الوظيفة أو بسببها، فالمعلومات التي تصل إلى الطبيب باعتباره شخصاً عادياً وليست بصفته طبيباً لا يكون الطبيب ملزماً بالمحافظة عليها.
    ومن الموضوعات التي تثير اهتمام الباحثين موضوع الأطباء البيطريين وهل هم ملزمون بالسرية أسوة بالأطباء البشريين؟ أم لا؟
    وهناك فريق يرى أن الأطباء البيطريين يمكن أن تصل إلى عملهم بعض الأسرار الخاصة بالمرضى من خلال مهنتهم باعتبار أن هناك بعض الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.


    الركن الرابع:

    الركن المعنوي »القصد الجنائي«

    جريمة إفشاء السر تعد من الجرائم العمدية ومن ثم يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد. وقد عرفت المادة (3) من قانون عقوبات قطر لسنة 1971 القصد:
    »يقال عن الشخص أنه سبب الأثر عمداً إذا سببه باستعمال وسائل قصد بها تسبيبه، أو باستعمال وسائل كانت وقت استعمالها يعلم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأنها يحتمل أن تسبب ذلك الأثر«.
    والقانون لا يعاقب من يفشى سراً نتيجة إهمال أو عدم احتياط في المحافظة عليه، كأن ينسى الطبيب ورقة تحوى ملاحظاته الخاصة عن أحد مرضاه في مكان ما فيطلع عليها مصادفة شخص ما.
    أما عن الإرادة كعنصر ضروري لتوافر القصد الجنائي فيجب أن تتجه إرادة الطبيب إلى فعل الإفشاء وإلى النتيجة التي تترتب عليه، بمعنى أن يُعلم الغير بالواقعة التي لها صفة السرية. أي أن تتجه إرادته إلى إتيان الفعل الذي من شأنه أن يُعلم الغير بالواقعة وأن تتجه إرادته إلى توفير هذا العلم لديه.
    وعن ذلك يمكن القول إن القصد الجنائي في جرائم إفشاء الأسرار هو قصد عام دون تطلب توافر نية الإضرار وهو ركن أساسي كي تقوم الجريمة وأن الباعث لا يؤثر في توافر القصد أو انعدامه.
    المبحث الثاني: انتقاء مسؤولية الطبيب
    متى توافرت أسباب إباحة إفشاء سر المهنة الطبي، فإن مسؤولية الطبيب الجنائية تنتفي.
    وتنقسم أسباب الإباحة إلى أسباب مقررة للمصلحة الخاصة أو ما يسمى بالمصلحة الشخصية وأسباب مقررة للمصلحة العامة.
    لم ينص القانون على أسباب الإباحة لإفشاء سر المهنة إلا في حالات ثلاث هي:
    حالة الضرورة
    حق الطبيب في كشف السر للدفاع عن نفسه أمام المحاكم.
    رضاء المريض »صاحب السر«.


    الحالة الأولى:

    حالة الضرورة:

    يرى بعض الفقهاء أن نظرية الضرورة تعد الأساس لإباحة الإفشاء للسر الطبي، حيث توجد ظروف تفرض على الطبيب واجب الإفشاء وعلى ذلك يكون من الضروري أن يفشي الطبيب لأب عن سر مرض ابنه لأن من الضروري للأب أن يعلم عن سر الحالة الصحية لابنه، ويكون من حق الطبيب أيضاً أن يخبر زوجة المريض بمرض معد تجنباً لإصابتها به فمن حق الطبيب أن يفشي سر المريض تجنباً لضرر أكبر من الضرر الذي ينتج عنه الإفشاء، فالطبيب الذي يشاهد أحد مرضاه يباشر عملاً ذا خطر على الغير كطاه في مطعم أو ممرضة في مستشفى فإنه يجب أن يبادر بنصحه بالامتناع عن العمل، فإذا رفض ذلك فلا سبيل أمام الطبيب سوى الإفضاء بالسر لصاحب العمل مادامت شروط الضرورة قد توافرت.
    وتتوافر علة المشروعية عندما ترجح المصلحة في الإفشاء على المصلحة في الكتمان، إذا كانت المصلحة من الإفشاء حماية مصلحة أو حق أجدر بالحماية من الحق الشخصي.


    الحالة الثانية:

    حق الطبيب في كشف السر للدفاع عن نفسه:

    استقر الرأي لدى الفقه والقضاء أن من حق الطبيب كشف السر دفعاً للمسؤولية في نطاق حقه في الدفاع عن نفسه عندما يتهم بارتكاب جريمة جنائية كالإجهاض أو الاغتصاب أو خطأ في العلاج، فعليه أن يقدم الأوراق الطبية والمعلومات التي تثبت إصابة المريض بمرض يحول دون ارتكاب الجريمة.
    ويكون كشف السر متاح للطبيب للدفاع عن نفسه أمام الجهات المختصة كسلطة التحقيق أو الاتهام أو المحكمة أو النيابة ومن ثم لا يجوز الكشف عن السر في الصحف مثلاً.
    حيث إن حق الدفاع من الحقوق الأساسية المقررة للمتهم التي نصت عليها جميع الدساتير والمواثيق الدولية وهذا الحق لا يلغيه أو يحجبه الالتزام بالمحافظة على السر.


    الحالة الثالثة:

    رضاء المريض »صاحب السر«:

    من الحالات التي يجوز للطبيب أن يفشى السر فيها إذا أذن صاحب السر وكان الإذن صحيحاً صادرا عن إرادة حرة وإدراك سليم، ولم يكن مصدره ناقص الأهلية وكان الإذن صريحاً سواء بالكتابة أو القول.
    ولا يلزم الطبيب إفشاء السر في حالة ما اذن له صاحبه في ذلك، وإنما الأمر في النهاية يعود إلى تقديره، وأن يوازن بين مبررات الإفشاء والكتمان وفقاً للاعتبارات العامة، دون أن يترتب على اختياره أحد الطريقين دون الآخر أية مسؤولية جنائية.
    ومن أمثلة القضايا التي عرضت على القضاء الفرنسي دعوى طلاق رفعها ضابط يعمل في سلاح البحرية ضد زوجته، حيث ادعى الضابط أن زوجته حامل مع أنه غير قادر على الإنجاب وطلب من مدير المستشفى الذي يعالج فيه أن يدلي بشهادته أمام المحكمة لبيان مرضه إلا أن المحكمة رفضت الاستجابة لطلبه لمخالفة ذلك للالتزام بالسرية.
    وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن جريمة إفشاء السر لا وجود لها في حالة ما إذا كان الإفشاء حاصلاً بناء على طلب مودع السر، فإذا طلب المريض بواسطة زوجته شهادة بمرضه جاز للطبيب إعطاء هذه الشهادة ولا يعد عمله إفشاء سر يعاقب عليه.
    تلخص مما تقدم أنه يشترط في الرضا عدة شروط هي:
    1- صدور الرضا من صاحب السر.
    2- أن يكون الرضا صحيحاً وصادراً عن بينة.
    3- أن يكون الرضا صريحاً أو ضمنياً.
    4- أن يكون رضا صاحب السر قائماً وقت الإفشاء.

    ثانياً:

    أسباب الإباحة المقررة للمصلحة العامة:

    ألزم القانون الأطباء إفشاء سر المهنة تحقيقاً للمصلحة العامة سواء استهدف ذلك ما يتعلق بالصحة العامة أو حسن سير العدالة.
    والأصل في السر الطبي كتمانه واستثناء من هذا الأصل يجوز لبعض المصالح العامة والاجتماعية ترجيحها على مصلحة المريض في الكتمان، ولذلك أوجب القانون على الطبيب ضرورة المبادرة إلى إبلاغ الجهات الرسمية الصحية المختصة عن اشتباهه في إصابة المريض بأحد الأمراض المعدية أو التناسلية. وكذلك التبليغ عن حالات الولادة. فأوجبت كل التشريعات أنه يتعين على الطبيب الذي يجري حالات الولادة أن يقوم بالتبليغ عنها في السجل الخاص المعد لذلك بعد ملء بياناته الضرورية من ذلك اسم الأب والأم وجنسيتهما وديانتهما وتاريخ وساعة الولادة والحالة الصحية للمولود ونوع الولادة وما إذا كانت فردية أو توأم وغير ذلك من البيانات التي ترد في القوانين الخاصة بتنظيم قيد المواليد والوفيات.
    كما أوجب القانون على الطبيب تحرير البيانات الخاصة بالأشخاص المتوفين من ذلك ساعة وتاريخ الوفاة وسبب الوفاة، وقد أتاحت معظم القوانين للأطباء في حالة الاشتباه أن الوفاة غير طبيعية وأنها ربما تكون جنائية فعلى الطبيب إبلاغ الجهات المختصة بذلك، فإذا لم يفعل ذلك فإنه يكون مسؤولاً كما يلاحظ أن القوانين وضعت قيداً زمنياً للطبيب لإبلاغ عن حالات الولادة والوفاة فإذا تجاوز هذا القيد الزمني يكون أيضاً مسؤولاً جنائياً.
    وكذلك مطلوب من الطبيب تحقيق حسن سير العدالة وذلك بالتزامه بأداء الشهادة أمام القضاء، فالمشرع نص على التزام كل شخص بأداء الشهادة لدى القضاء المكلف بذلك، وقرر عقاباً على تخلفه عن الحضور لأداء الشهادة، وهذا التزام عام يخضع له الأطباء.
    وقد تكلف المحكمة الطبيب بعمل من أعمال الخبرة، ويحق للطبيب خلافاً للسر الطبي أن يدون معلوماته وملاحظاته عن الحالة ولو كان في ذلك كشف لسر طبي، ذلك أن الحكمة في إجازة عمل الخبير وعدم مساءلته عن إفشائه يعد ممثلاً للمحكمة وعمله لا يتجزأ عن عملها.
    احمد الريس
    احمد الريس
    مشرف
    مشرف


    عدد المساهمات : 119
    نقاط : 302
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 04/07/2009

    مســؤولية الطبيـب الجنــائية المترتبة على إفشاء السر المهني   طارق صلاح الدين محمد خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة Empty رد: مســؤولية الطبيـب الجنــائية المترتبة على إفشاء السر المهني طارق صلاح الدين محمد خبير قانوني ـ وزارة الصحة العامة

    مُساهمة من طرف احمد الريس الأحد سبتمبر 26, 2010 9:44 pm

    جزاكم الله خيرا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 3:38 am