لكن قلما نجد موضوعات مبنية علي أساس معلوماتي دقيق وقلما نجد موضوعا يمدنا بأرقام دقيقة نستطيع أن نبني عليها استنتاجات صائبة وليس مجرد إرهاصات فكرية..
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أصدر مؤخرا عددا خاصا من مجلة السكان تضمن دراسة مهمة عنوانها المرأة المصرية في مواقع القيادة.. تمدنا بعدد من الأرقام والإحصائيات عن وصول المصريات إلي مراكز القيادة في مختلف ميادين الحياة.
من خلال الدراسة نعرف أن المرأة أي نعم وصلت إلي منصب وزيرة لكن إجمالي عدد الوزيرات اللواتي مررن علي وزارات مصر منذ عام ٨٨٩١ حتي الآن لا يتعدي ٨,٢٪ من إجمالي الوزراء.. كما أننا نعرف أن نسبة رئيسات التحرير منذ عام ١٩٩١ حتي عام ٨٠٠٢ لم تتعد الـ٠١٪.. ونفاجأ أن حتي نسبة مديرات المدارس طبقا لآخر إحصاء عام ٧٠٠٢ هي ٣,٦٤٪ أي لا تصل حتي إلي النصف.. وغير ذلك من النسب والأرقام التي سوف نعرضها لكم بالتفصيل.. نعتذر للقارئ علي كثرة الأرقام التي سوف يلاقيها أثناء قراءة الموضوع لكننا ولأهميتها لا نستطيع أن نغفلها فلكل منها دلالة مهمة بمثابة بوصلة قد توجه تناولنا للموضوعات النسائية في باب تحيا الستات. ولا نريد أن ننضم إلي قائمة مرددي الكلاشيهات لكنها بالفعل بوصلة علي مدي رقي مجتمعنا وتقدمه أيضا.
يؤخذ علي الدراسة أنها لم تجر علي مدي زمني محدد فيبدو أن القائمين عليها استخدموا المتاح لهم من معلومات وهي كثيرة دون البحث عن غيرها لكي تكون الدراسة أكثر استيفاء. المشكلة ليست مشكلة قانون فقط.
تبدأ الدراسة المقدمة علي ٣٤ صفحة بسرد غير تفصيلي لوضع المرأة في الدستور والقوانين، فالمادة ٠٤ من الدستور تنص علي المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات.
وفي قانون تنظيم الحقوق السياسية لم تكن هناك مساواة بين الرجال والنساء في الترشح للبرلمان قبل عام ٢٧٩١ حيث صدور القانون رقم ٨٣ الذي نص علي المساواة بين المرأة والرجل في حق الترشيح لمجلس الشعب. وعام ٤٩٩١ فقط تم السماح للنساء بالترشيح لمنصب المشايخ والعمد وذلك بإلغاء المادة رقم ٣ من قانون العمد والمشايخ الذي كان يقصر الترشيح لهذين المنصبين علي الذكور.
هذا فضلا عن بعض الحقوق التي يضمنها قانون العمل للنساء بحيث يستطعن الموازنة بين الإنجاب وتربية الأبناء وبين العمل وذلك عن طريق إعطائهن إجازة حمل بمرتب وإذا رغبن فيحصلن علي إجازة ٦ سنوات بدون مرتب وإلي غير ذلك لكن الدراسة لم تتطرق هنا إلي مدي تسبب هذه القوانين في عدم رغبة أرباب العمل في توظيف سيدات لما يقع علي عاتقهم بعد ذلك من التزامات قد تؤثر سلبا علي عملهم.
وتطرقت الدراسة إلي عدد من القوانين الأخري لكنها مرت علي قانون الأحوال الشخصية مرور الكرام دون الخوض في تفاصيله.. ربما لأن ذلك لم يكن الموضوع الرئيسي للدراسة ألا وهو ''المرأة المصرية في مواقع القيادة''.
وفي النهاية نتوصل إلي نتيجة مؤداها أن أزمة وضع المرأة المصرية لا تكمن في الدستور والقانون بالرغم مما يحتوي عليه من عدم مساواة في كثير من الحقوق الواجبات.. لكن علي سبيل المثال بالرغم من أن الدستور يكفل حق المرأة في الترشح للانتخابات إلي أن البيئة المصرية بصفة عامة تستنكر فكرة أن تخوض امرأة الانتخابات وتتحمل أعباءها.
ومن ثم تتطرق الدراسة إلي المعوقات التي تحول دون وصول المرأة إلي مواقع القيادة جاء أهمها انتشار الأمية والموروثات الثقافية للطبيعة الأنثوية والتفسيرات الخاطئة للدين هذا فضلا عن أسباب ترجع إلي المرأة نفسها وعدم وعيها الكافي بأهمية دورها.
إنجازات نسائية.. بالأرقام
المقيدات بالجداول الانتخابية:
كانت نسبة النساء المقيدات في الجداول الانتخابية عام ٥٧٩١ ٦١٪ فقط ولم ترتفع حتي عام ٦٨٩١ إلا بنسبة ٢٪. إلا أن هذه النسبة تضاعفت فوصلت إلي ٥٣٪ عام ٠٠٠٢ وارتفعت إلي ٨,٩٣٪ عام ٧٠٠٢.
نسبة المشاركات في الحياة النيابية في انحدار:
٩,٨٪هي أعلي نسبة مشاركة نسائية شهدها البرلمان وذلك عام ٩٧٩١ حيث كان قد صدر قانون تخصيص ٠٣ مقعداً بحد أدني للنساء لكن وبعد إلغاء القانون لعدم دستوريته أخذت نسب النساء في البرلمان في الانخفاض فوصلت إلي ٩,٣٪ عام ٧٨٩١ حتي وصلت إلي ٨,١٪ في الفصل التشريعي الأخير (٥٠٠٢-٠١٠٢).ليصل مجموع تمثيل النساء علي مدار هذه السنوات ال١٣ إلي ٣,٤٪.
أما بالنسبة للمجالس المحلية فالأمر أفضل قليلا فجاءت أعلي نسبة لتمثيل النساء عام ٣٨٩١ وكانت ٢,٩٪ وكان السبب هو وجود قانون يسمح بتخصيص مقعدين للنساء في كل مجلس لكن القانون ألغي لعدم دستوريته وبالتالي أخذت نسبة النساء في الانخفاض حتي وصلت إلي ٢,١٪ عام ٧٩٩١ ثم عاودت الارتفاع لتصل إلي ٥٪ في دورة ٨٠٠٢. تأتي القاهرة في مقدمة المحافظات التي تشهد تمثيلا عاليا للنساء في المجالس المحلية تليها السويس ثم البحر الأحمر وأقل نسبة تقع في مطروح ٤٠,٠٪ وذلك لوجود الثقافة البدوية التي تحرم علي النساء الخوض في الحياة السياسية. الأحزاب.. في الكلام براقة وفي التنفيذ يعلم الله.
هنا علي صفحات ''تحيا الستات'' أجرينا أكثر من تحقيق حول استعداد الأحزاب لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة طبقا لقانون تخصيص مقاعد للنساء في البرلمان وكانت دائما تأتي الردود فاترة من يقول أنه لن يخوض الانتخابات بحجة أن الحزب الوطني سيحصد المقاعد كلها وهناك من قال لنا أن موقفه المالي لا يساعده علي دعم مرشحاته وهناك من رفض فكرة خوض النساء من الأساس في الانتخابات من المفترض أن يكون الانضمام للأحزاب السياسية من أعلي درجات المشاركة السياسية للمواطنين لكن لاتزال المشاركة النسائية في الأحزاب ضعيفة جدا وذلك يرجع إلي - وكما تقول الدراسة - إحجام الأحزاب عن ترشيح النساء وتدريب الكوادر النسائية علي الرغم مما تنادي به الأحزاب طوال الوقت من ضرورة وأهمية مشاركة النساء في الحياة السياسية لكن عندما يأتي الأمر إلي التنفيذ دائما ما تظهر الحجج والتبريرات.
ياتي الحزب الوطني في مقدمة الأحزاب من حيث تمثيل المرأة خاصة في المواقع القيادية فتبلغ نسبة النساء في أمانة الحزب ٢,٨١٪ كما وصلت أول امرأة لمنصب أمينة للحزب عام ٨٠٠٢ في محافظة السادس من أكتوبر.
أما في حزب التجمع فلا تزيد نسبة عضوية النساء علي ٥٪ ونسبتهن في الأمانة العامة ٧,٤٪ أما في الحزب الناصري والوفاق القومي والغد فيقتصر تمثيل المرأة في الأجهزة القيادية علي سيدة واحدة.
وعلي مدار ٥١ سنة أي علي مدار ٣ فصول تشريعية لم يزد عدد النساء اللواتي رشحهن الحزب الحاكم عن ٥٢ سيدة والوفد ٢١ سيدة والتجمع ٨ والناصري ٧ والأحرار ٠١ والخضر ٢ والتكافل ١ والعمل ٢ والأمة ٣ .. وذلك لا يرجع إلي إحجام النساء عن الترشح في الانتخابات البرلمانية فبينما لم ترشح الأحزاب علي مدار ٥١ عاما غير هذه الأعداد الهزيلة والهزلية من النساء وصل عدد المستقلات إلي ٠٦٢ مرشحة مستقلة.
عدد نساء السلطة القضائية يتصاعد منذ بدء الألفية الثالثة
بلغ عدد النساء في هيئة قضايا الدولة ٢٧ امرأة وهو عدد ليس بالكبير فلا تتعدي نسبته ٨,٣٪ من إجمالي الأعضاء. لكن نسبة تمثيل النساء في النيابة الإدارية زادت من ٨١٪ عام ٠٠٠٢ حتي وصلت إلي ٣,٤٣٪ عام ٨٠٠٢. كما تولت المرأة رئاسة هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فترتين متتاليتين كما اشتركت بعض المستشارات لأول مرة في الإشراف علي اللجان الانتخابية لانتخابات مجلس الشعب عام ٥٠٠٢.
نسبة رئيسات الجمعيات الأهلية لا تزيد علي ٦,٦٪
بالرغم من كثرة عدد المنظمات التي تعمل في مجال حقوق المرأة التي ربما تجعلنا نتخيل أن عدد النساء المشاركات والرئيسات للجمعيات الأهلية عدد كبير إلا أن دراسة الجهاز المركزي للتعبئة تقول لنا أن نسبة مشاركة النساء في الجمعيات العمومية للجمعيات الأهلية لا تتعدي الـ٠٢٪ وفي مجالس الإدارة لا تتخطي الـ٣,٠١٪ وتصل النسب إلي أدناها في منصب رئاسة الجمعيات حيث تصل إلي ٦,٦٪.. وهناك محافظات تتدني فيها النسبة جدا فتصل إلي ١٪ في الجيزة ونصف في المائة في الشرقية.
النقابيات.. في ازدياد مستمر
شهدت الفترة من ٥٩٩١ - ٧٠٠٢ تذبذبا في عضوية النساء بالنقابات المهنية ففي عام ٥٩٩١ كانت نسبة النساء المقيدات بالنقابات المهنية ٥,٨٢٪ انخفضت عام ١٠٠٢ لتصل إلي ٨١٪ ثم عاودت الارتفاع لتصل إلي ٨,٧٢٪ عام ٧٠٠٢.
أعلي نسبة لعضوية النساء تأتي في نقابة التمريض ٥,١٩٪ بعد أن كانت ٠٠١٪ عام ٨٩٩١ تليها نقابة المهن الاجتماعية ٤,٦٥٪ كما تشكل النساء نصف نقابتي الأطباء البشريين بعد أن كانت لا تزيد علي ٩٢٪ عام ٥٩٩١ ونصف الصيادلة والعلاج الطبيعي والمهن التعليمية وربع المحامين ولا تزيد في المهن التمثيلية علي ٨٣٪.
الوزارات.. كثير من النائبات قليل من الوزيرات
٥,٢٪ هي نسبة الوزيرات في الوزارة الحالية والتي كانت ٤,١٪ عام ٨٨٩١ أما عن نسبة الوزيرات منذ عام ٨٨٩١ حتي الآن فلا تزيد علي ٨,٢٪ وهي نسبة ضئيلة جدا.. لكن عدد النساء في المناصب التالية لمنصب الوزير كانت أحسن حالا حيث تضاعفت نسبة النساء في وظائف الإدارة العليا أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من ٨٨٩١ حتي ٩٠٠٢ حيث ارتفعت من ٧٪ عام ٨٨٩١ إلي ٥١٪ عام ٦٩٩١ ثم زادت إلي ٥,٩١٪ عام ٩٩٩١ ثم عاودت الانخفاض لتصل إلي ٣,٥١٪ عام ٧٠٠٢ وارتفعت مرة أخري لتصل إلي ١,٤٢٪ عام ٩٠٠٢.
وتأتي وزارة الصحة علي رأس الوزارات التي تشغل فيها النساء مناصب عليا حيث وصلت النسبة في القاهرة عام ٨٠٠٢ إلي ٥٧٪ وإجمالي المحافظات ٣,٩٣٪.
الرجال يكتسحون النساء حتي في إدارات المدارس!
من النتائج الغريبة التي أتت بها الدراسة هو ارتفاع نسبة مديري المدارس عن المديرات ففي مدارس التعليم الابتدائي لا تزيد نسبة المديرات علي ٩٣٪ وفي الإعدادي ٣٥٪ وفي الثانوي ٦٤٪ أي أن إجمالي المديرات ٦٤٪.
الكعب العالي يكتسح هيئات التدريس في الجامعات
شهدت الفترة من عام ١٩٩١ حتي عام ٧٠٠٢ تزايدا ملحوظا لعدد النساء في هيئات التدريس بالجامعات والمعاهد العليا فزادت نسبة المعيدات من ٦٣٪ إلي ٧٥٪.. مما يشير إلي زيادة نسبة النساء عن الرجال في هيئات التدريس بصفة عامة خلال السنوات القليلة القادمة والتي تصل في الوقت الحالي إلي ٠٤٪.. وذلك بعد أن كانت لا تتعدي الـ ٩٢٪ عام ١٩٩١.
النساء.. كثيرات في الإعلام المرئي.. قليلات في المكتوب
شهدت نسبة رئيسات تحرير الصحف انخفاضا بين عام ١٩٩١ حيث كانت ٣,٣٪ حتي ٨٠٠٢ حيث أصحبت ٦,٨٪. وذلك علي عكس قطاعي الإذاعة والتليفزيون حيث وصلت نسبة النساء اللواتي يشغلن وظائف الإدارة العليا بقطاع التليفزيون (رئيسة شبكة فأعلي) إلي ٠٧٪ بعد أن كانت لا تتجاوز ٦٤٪ عام ١٠٠٢.
وفي قطاع الإذاعة الأمر لا يختلف كثيرا فوصلت نسبة النساء في وظائف الإدارة العليا إلي ٦,٢٦٪ بعد أن كانت ٠٤٪ عام ٠٠٠٢.
الدبلوماسيات لا يحتفظن بالقمة
أتاحت وزارة الخارجية للمصريات منذ مطلع الستينيات فرصة واسعة لشغل مختلف مناصب ودرجات السلك الدبلوماسي. لكن لوحظ أن هناك تذبذبا في عدد النساء العاملات بالسلك الدبلوماسي والقنصلي خلال الفترة من ٠٠٠٢ حتي ٨٠٠٢. لوحظ ارتفاع نسبة النساء في درجة سفير ممتاز من ٨٪ إلي ٢٣٪ كذلك في درجة سكرتير أول من ١١٪ إلي ٩١٪ وملحق دبلوماسي من ١٢٪ إلي ٩٢٪ بينما انخفضت نسبة النساء في درجة سفير من ٩١٪ إلي ٦١٪ وكذلك درجة وزير مفوض من ٩١٪ إلي ١١٪ مما يهدد بانخفاض عدد السفيرات في الفترة المقبلة.