العدالة تسترد هيبتها وتستعيد كبرياءها
(1)
- أفضل قرار اتخذه مجلس القضاء الأعلي هو حظر تصوير وبث وقائع جلسات المحاكمة، إنها البداية الحقيقية لتصحيح المسار، واسترداد هيبة العدالة، والعودة إلي الأعراف والتقاليد القضائية العريقة.
- كانت المحاكمات تتم علي الهواء مباشرة، وكأنها مظاهرة في ميدان التحرير أو أمام نقابة الصحفيين، والذين يسيطرون عليها هم أصحاب الهتافات العالية، والزميل العزيز محمد عبدالقدوس بميكروفونه الشهير.
- كان المحامون يهيئون الرأي العام لصدور الأحكام علي هواهم ما يؤثر علي العدالة، ويسبب حرجاً بالغاً للقضاة، فأصبحت الكاميرات هي التي تصدر الأحكام وتتولي تنفيذها.
(2)
- في بعض القضايا، كانت الجلسات المسائية في برامج التوك شو أهم كثيرا مما يجري في قاعات المحاكم، وكان المذيعون والمذيعات هم الذين يجلسون علي المنصة ويصدرون الأحكام ويقومون بتنفيذها أو الاستشكال فيها.
- المحامي الذي يخسر قضيته في المحكمة صباحاً كان يحاول كسبها في «التوك شو» مساء، وتحولت البرامج إلي حلبات للمصارعة والضرب فوق الحزام وتحته، وحدثت انتهاكات صارخة للقانون تحت سمع وبصر الجميع.
- وقعت مهازل حقيقية تحت شعار كاذب هو حرية الإعلام، ولم تكن حرية ولا إعلاما، بل استهداف لقيم وتقاليد عريقة تم ضربها ونسفها والاعتداء عليها، وتصور البعض أن تلك هي الديمقراطية.
(3)
- أغرب انتقاد سمعته ضد قرار مجلس القضاء الأعلي، هو أن بث الجلسات علي الهواء هو الذي يحصن العدالة، لأن مصر ليست دولة ديمقراطية، والذي يحرس العدالة هو برامج «التوك شو».
- في الدول المتقدمة ديمقراطيا لا يسمحون لكاميرا أو مذيع بدخول الجلسات، ولا يسمحون بنشر صور المتهمين ويكتفون بصور توضيحية، ولا يقبلون نشر تفاصيل القضايا علي النحو الذي يهدد سير العدالة ويؤثر في الرأي العام.
- السؤال هنا: هل التشويه والتشكيك هو الذي يصون العدالة، وهل تحولت هذه البرامج التي لا تستهدف سوي جذب الإعلانات والمتفرجين إلي ضمانة لتحقيق العدالة.. وأي عدالة تلك؟
(4)
- الميزة الأولي لقرار وقف إذاعة الجلسات هي صيانة حقوق المتقاضين وتحقيق المساواة والعدالة بينهم، لأن التأثير في القضاء وصل ذروته لصالح الأقوياء وأصحاب المال والسطوة والنفوذ الذين تُخدِّم عليهم هذه البرامج.
- في قضية هشام طلعت مصطفي -مثلاً – ارتكبت الفضائيات جرائم كبيرة حين سمحت للمحامين بأن يديروا القضية إعلاميا وليس قضائيا، وكان المحامون يهتمون بالكاميرات أكثر من الدفوع والمذكرات والمرافعات.
- وصل الأمر إلي الاجتراء علي القضاة المحترمين وتوجيه ألفاظ وعبارات لا تليق بمهابة المنصة التي يجلسون عليها، وانتقلت هذه الروح إلي المواطنين البسطاء الذين لا يفرقون بين الدفوع القانونية والشتائم.
(5)
- الميزة الثانية للقرار أنه يمنع ظاهرة قضاة «التوك شو» بعد أن أغرت الأضواء الإعلامية بعض القضاة فانجذبوا وراء بريقها، دون أن يدركوا أن القاضي لا يجب أبداً أن ينزل من فوق منصته العالية.
- كان المذيعون يرفعون الكُلفة مع القضاة والمستشارين الكبار الذين يظهرون في البرامج ويخاطب المذيع المستشار الذي هو في عمر والده بكلمة «أنت».. بينما يقول المستشار للمذيع: «سيادتك».
- انتقلت عدوي عدم الاحترام إلي الجمهور العادي فشاهدنا حالات اعتداء علي القضاة وهم علي المنصة، لأن المواطن البسيط تصور أن القاضي الذي يصدر حكماً ضد من يناصره هو ضده ويجب أن يأخذ حقه بيده.
(6)
- الميزة الثالثة لقرار منع إذاعة الجلسات أنه البداية الحقيقية لتدعيم استقلال القضاء، بعيداً عن المزايدات الرخيصة والشعارات الزائفة، التي قسمت القضاة إلي «مستقلين» و«حكوميين» وصنعت فتنة بين رجال العدالة في مصر.
- وصل الأمر إلي أن بعض مراكز حقوق الإنسان التي تحصل علي معونات من الخارج دست أنفها في شأن القضاء علي نحو سافر، وأطلقت علي برامجها «استقلال القضاء»، ونصَّب المحامون أنفسهم أوصياء علي القضاء والقضاة.
- لعبت مراكز حقوق الإنسان باستقلال القضاء لعبة البيضة والحجر، وشوَّهت نزاهة القضاء المصري المشهود لها دولياً بتقارير مبالغ فيها، واستخدمت معلومات خاطئة، تم توظيفها بشكل يخدم توجهات الدول المانحة.
(7)
- الشكر والتقدير والاحترام للمستشار سري صيام رئيس مجلس القضاء الأعلي الذي أصدر هذا القرار الذي يرسخ الهيبة والوقار والاحترام في الهيئة القضائية، التي تصون الدستور وتحمي القانون وتسهر علي تحقيق العدالة.
- القرار الذي كان من المفترض أن يصدر منذ عدة سنوات، حدثت فيها خروقات وتجاوزات وانتهاكات خطيرة تمس العدالة ونزاهتها واستقلالها، ووصل الأمر إلي درجة لا يمكن قبول استمرارها أو السكوت عنها.
- السلطة القضائية هي إحدي أجنحة الدولة الثلاث، والمساس بها مساس بالدولة وإضعاف لدورها ومكانتها، أما عودتها إلي القيم والتقاليد والأعراف المحترمة ففيها مكاسب كبيرة سوف تتحقق للعدالة، فمرحباً بصحوة الاحترام.
بقلم :كرم جبر ,نقلا عن جريدة روزاليوسف