عن دوائر محافظة الجيزة 2005
مقدمة
تطور الحياة البرلمانية
رصد التسجيل
الحملات
اليوم الانتخابي
كلاكيت ثاني مره
حصاد ما سلف
التوصيات
المرفقات
إعداد وتحليل
أ/ محمد راضي مسعود
المحامي بالنقض
أ/ ايمن عقيل
محام
مدير المركز
مقــــدمـــة
أسدل تاريخ الانتخابات البرلمانية بمصر ستائره وطوي أولي صفحاته في انتخابات 2005
بدأت هذه الصفحة مبشرة في جولتها الأولي وتبشرنا بأنها من الممكن أن تكون حداً فاصلاً في تاريخ الانتخابات البرلمانية نحو التحول إلي الديمقراطية خصوصاً وأن رجالات القضاء لم يسمحوا بالتجاوز داخل اللجان إلا من هفوات قليلة ولكن جاءت جولة الإعادة والتي عبنا علي الشرطة فيها إغماض العينين وترك الحبل علي الغارب للمرشحين ليحكم كل منهم علي مناطق نفوذه بدائرته صبيحة يوم الإعادة ، ثم تحول ذلك من جانب الشرطة إلي تدخل سافر في بعض اللجان بغلقها أمام الناخبين وتعطيل الدخول في البعض الأخر لا لشيء إلا لأن ناخبيها سوف يدلون بأصواتهم في الخانة المجابهة لحزبهم الأول والأوحد بطل القرن العربي والأفريقي بلا منازع ، وهو أمر جد خطير ومنذر بعواقب يستحيل تداركها وماذا يريد هؤلاء ؟! هل سيصلوا بنا إلي أن نطلب شرطة محايدة من انجولا وموزمبيق أم أن هناك كبير لهم نستطيع أن نعود إليه بشأنهم ..... حقاً ما أقسي ما صنعوه بالصورة والتي كان منتجها وملتقطها حرفياً بارعاً ولكنهم استطاعوا أن يهزوا يده في آخر لحظة ويعتموا علي عدسته فبدت الصورة مهتزة وبشدة وغير معبرة عن الواقع وزادت نفوس الناس إحباطاً فوق إحباطهم والذي شعرنا أنه بدأ يتلاشى ولكنهم زرعوا في نفوسنا غصة لن تزول ، فما فائدة أن تبني القيادة العليا ويهدم هؤلاء وما فائدة أن يصرح رئيس الوزراء بإصراره علي إجراء انتخابات نزيهة وعمده وخفرائه وبعض عسكره يسيرون بإصرار وتعمد في طريق آخر إنهم آفة الانتخابات قديماً وحديثاً .... إننا لن نطلب من كبارنا الحلول الكامل محل هؤلاء ولكن في استطاعتهم ردهم عن غيهم بالضرب بيد من حديد علي من تجاوز منهم مهما زاد النحاس علي كتفيه و إلا فإن كبارنا يشاركوهم وزر ما فعلوا فالاشتراك كما يكون إيجاباً يكون سلباً .
المهم أن العملية الانتخابية قد جرت وأسفرت عما أسفرت من نتائج هذا لا يعنينا إنما يعنينا أن يكون الجميع أمام القانون سواء علماً بأن الانتخابات في محافظة الجيزة قد جرت علي مرحلتين لأن المرحلة الأولي لم تسفر عن انتهاء الانتخابات سوي في دائرة واحدة هي دائرة الدقي والعجوزه كما أسفرت أيضاً عن الانتهاء من مقعدي الفئات بدائرة الجيزة والبدرشين وبقي لمرحلة الإعادة 48 مرشحاً يخوضون تلك الجولة في 13 دائرة للتنافس علي الحصول علي 24 مقعداً ليس من بينهم امرأة واحدة .
وأفرزت هذه المعركة فقدان جبهة تحالف المعارضة لأغلبية مرشحيها ولم يبقي منهم للجولة الثانية سوي مرشحين ومرشح واحد لحزب الغد و11 مرشحاً لجماعة الإخوان المسلمين ، وتجدر الإشارة أن المشاركة السياسية رغم الحراك الذي تشهده إلا أنها في الجولة الأولي لم تتعد بنطاق هذه المحافظة 31 % وبجولة الإعادة لم تصل إلي 25 % وهذا الضعف نتيجة الموروث والمعتقد الذي توارثه الشعب من أن حضورهم كعدمه وأن النتائج معلومة ومعروفة مسبقاً وقد كنا نأمل تجاوز ذلك وبدأت في الأفق ملامح هذا التجاوز ولكنها تعثرت قليلاً بأسباب يشترك فيها رجال الشرطة تارة والجداول المغلوطة تارة أخري وصغائر الأفعال والانتهاكات واستعمال البلطجة والعنف من بعض المرشحين ومؤيديهم أيضاً . ونقول لهم أبداً لن تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة وستطل علينا شمس الحرية لنقضي عليكم لأنكم لا تعرفون إلا العيش في الظلام وسنظل متمسكين بحلمنا مضحين من أجلة وساعين إليه وسيأتي قريباً اليوم المشهود الذي ينتصر الخير فيه علي الشر والحق علي الباطل .
يضاف إلي ذلك ما قامت به اللجنة العليا للانتخابات بالتفاتها عن الأحكام القضائية الصادرة بشأن انتفاء الصفة عن عدد من المرشحين بأكثر من دائرة وأمرها بإجراء الانتخابات علي هذه الوتيرة فأصابوا العدالة في مقتل خصوصاً وأن هذا الأجراء وقد كنا أول من حذر منه ببياننا الثالث وأن هذا الأمر سيؤدي حتماً لبطلان العملية الانتخابية وبعد أقل من 40 ساعة قضت المحكمة الإدارية ببطلان الانتخابات وإعادتها مرة ثانية وفقاً لصفات المرشحين الجديدة ولكن اللجنة أغفلت ذلك الحق للمرة الثانية واستشكلت في التنفيذ وأصرت علي إجراء الانتخابات بهذا الوجه المغلوط ولا يعنينا بعد ذلك تبرأها من تلك الإشكالات .
ولا يسعنا إلا أن نشيد بالوقفة الشجاعة لنادي قضاة مصر والذي كان لوقفته هذه أكبر الأثر في شد أزر القضاة وثباتهم علي موقف الحياد والشفافية بل وكان لوقفتهم أثر في تمسك رجال قضايا الدولة والنيابة الإدارية بهذا الدور أيضاً آملين أن يستمر دعم النادي للقضاة وللشعب لأنهم لم يكونوا في يوم ما بمعزل عن شعبهم فطوبي لكم أيها العادلين وويل لكل الظالمين ولا يسعنا إلا أن نشكر كل من يحاول المساهمة ولو بقدر يسير في إحياء الديمقراطية بمصرنا الحبيبة ونخص بالذكر رجالات وأبناء منظمات وجمعيات المجتمع المدني بالأخص اللجنة المصرية المستقلة التي لم ير أبناؤها النوم وهم يرصدون ويتابعون ويدققون ويحاولون أن يكونوا لبنة فعالة في بناء صرح الديمقراطية والحرية والمساواة في الوطن .
مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية
تطور الحياة البرلمانية في مصر قديما وحديثا
عرفت مصر هذا الاسم الخالد خلود الزمان النظم التشريعية والإدارية والحكومات المنظمة قبل غيرها من اللامم وبأيدينا تعود لنا ريادتنا فهل نستطيع . تعالوا بنا نذهب اللي تاريخنا القديم المسجل بأحرف من نور.
فقبل نحو 5200 عام، استطاع الملك مينا مؤسس الأسرة الفرعونية الأولى توحيد الوجهين القبلي والبحري ( الجنوب والشمال) في مصر في دولة موحدة، ووضع أقدم النظم التشريعية في التاريخ الإنساني عندما جعل من قانون " تحوت "، إله الحكمة، القانون الموحد السائد في مصر بكاملها، واتخذ من مدينة " منف " عاصمة ومركزاً إدارياً لأول دولة مركزية موحدة في التاريخ، تمتلك جهازاً منظماً في الحكم والإدارة والقضاء والتعليم والشرطة والجيش وغيرها .
وتدل آثار الحضارة الفرعونية على مدى ما بلغه المصريون من تقدم في نظم الحكم والإدارة . فكان الملك ( الفرعون) على رأس الدولة، وهو يعين الخازن الأعظم أو جابي الضرائب .. وكان يوجد عدد كبير من الموظفين يعينون بمرسوم ملكي ويتدرجون في وظائفهم . كما طبقت مصر منذ عصر الدولة القديمة نظاماً ناجحاً للحكم المحلى.
ومنذ الأسرتين الثالثة والرابعة من الدولة المصرية القديمة ظهرت المراسيم والتشريعات المختلفة مثل التشريع الذي حدد أوقات عمل الفلاح . ومثل تشريع الملك منكاورع الذي استهدف محاربة السخرة .
ونستطيع أن نتبين مدى التقدم والتنوع في المهام التي تؤديها الدولة من مطالعة نقوش مقبرة "رخميرع" رئيس وزراء ورئيس قضاة الملك تحتمس الثالث على جدران مقبرته في طيبة ، إذ تحتوى على تسجيل كامل للتشريعات الخاصة بشرح أعمال الوزير ووظائفه .
وفى عصر الدولة الفرعونية الحديثة برز دور الملك حور محب الذي يعد من أهم المشرعين في تاريخ الإنسانية .. حيث تميزت تشريعاته بالطابع المدني بعيداً عن الاعتبارات الدينية ، كما اهتم بإصدار العديد من القوانين التي تنظم العلاقة بين الفرد والسلطة الحاكمة .. كما كان لتشريعاته فضل السبق في ترسيخ فكرة الحريات والحقوق العامة مثل حرمة المسكن وحرمة الطريق، كما أكد فكرة أن الوظيفة العامة هي خدمة للشعب وليست وسيلة للتسلط عليه .. وأن الموظف العام خادم للشعب وليس سيداً عليه.
وقد تركت الحضارة الفرعونية العديد من آثار وشواهد هذا التطور الإداري والتشريعي من بينها النص الذي وجد في مقبرة الأميرة "أيدوت" بمنطقة سقارة والذي يعد أقدم تشريع ضرائبي في التاريخ.
وكثيراً ما سجل المصريون القدماء على معابدهم ومقابرهم صور الملك وهو يقدم " ماعت" رمز العدالة والقانون إلى الآلهة، فى إشارة واضحة إلى تقديس مفاهيم وقيم العدل وسيادة القانون.
وعقب دخول الاسكندر الأكبر مصر عام 330 قبل الميلاد بدأ الحكم اليونانى لمصر، وبعد وفاة الاسكندر جاءت فترة الحكم البطلمى ثم الرومانى .. ورغم قسوة الحكم الرومانى فقد استطاع المصريون الحفاظ على معظم تقاليدهم ونظمهم وعاداتهم حتى دخلت المسيحية مصر فى النصف الأول من القرن الأول الميلادى، حيث أسهمت الكنيسة المصرية في ترسيخ العديد من الأنظمة والتقاليد .
وفى العصر الإسلامي استمدت نظم الحكم والتشريع من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة استناداً إلى مبدأ الشورى الذي يعد أحد المبادئ الأساسية في نظم الحكم في الإسلام .
وعندما أصبحت مصر عاصمة للخلافة الفاطمية (969 ـ 1171م) تطورت نظم الحكم والتشريع ، كما تم تخطيط مدينة القاهرة كعاصمة لمصر وللخلافة الإسلامية.
وفى عصر الدولة الأيوبية (1171 ـ 1250م) أصبحت القلعة مقراً للحكم ومركزاً للسلطة وتنوعت المجالس التشريعية والقضائية. فأقيم مجلس للعدل ومجلس للنظر في المظالم وغيرهما .. وقد تضمنت أعمال هذه المجالس إصدار التشريعات والقوانين وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية .
وفى عصر المماليك (1250 ـ 1517 ) شيد السلطان الظاهر بيبرس دار العدل بقلعة صلاح الدين الأيوبى لتكون مقراً للحكم .. وكانت اختصاصات مجلس الحكم في ذلك العهد تشمل إصدار التشريعات وتنفيذها وفض المنازعات علاوة على عقد المفاوضات مع الدول المجاورة .
وفى العصر العثمانى (1517 ـ 1805) كانت المحاكم الشرعية هى النظام المطبق فى مصر، وكان القضاة يطبقون الأحكام من الشريعة مباشرة على كل المنازعات المدنية والجنائية والأحوال الشرعية ، وظل هذا الأمر قائما حتى نهاية القرن الثامن عشر .
وقد شهدت مصر في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر تطورات سياسية واجتماعية هامة على مستوى الفكر والممارسة .
ففى عام 1795 وبعد أقل من ست سنوات من الثورة الفرنسية ، شهدت القاهرة انتفاضة اجتماعية سياسية كبرى من أجل الحقوق والحريات وسيادة القانون ، برزت فيها بصورة قاطعة مواقف القوى الوطنية والقيادات الشعبية من قضايا الشعب، وتبنت فيها طلائع هذه القوى المطالب الوطنية فى العدالة والمساواة والحرية .
ففى إطار تصاعد المقاومة الشعبية ضد الوالى العثمانى والمماليك . كانت مصر على شفا ثورة شعبية هائلة أفضت إلى انتزاع العلماء والزعامات الشعبية "حجة" مكتوبة من الوالى العثمانى والمماليك. وكانت هذه الحجة بمثابة " ماجناكارتا" مصر الأولى حيث تطلعت إلى وضع ضوابط واضحة للعلاقة بين الفرد والسلطة بشأن عدم فرض مغارم أو ضرائب بغير موافقة علماء الأزهر بوصفهم ممثلى الشعب .
برلماننا الحديث برلمان له تاريخ
يعد البرلمان المصري أقدم مؤسسة تشريعية في العالم العربي يتم إنشاؤها وفق النمط الحديث في إقامة المؤسسات التشريعية المنتخبة التي تقوم بتمثيل جمهور الناخبين والتعبير عن مصالحهم في مواجهة السلطة التنفيذية، وقد شهد البرلمان المصري عبر مسيرته الممتدة لما يقرب من قرنين من الزمان العديد من التطورات التي مثل كل منها علامة فارقة على طريق إقامة الحياة النيابية السليمة التي تعبر تعبيراً حقيقياً عن مصالح وتطلعات الشعب المصري بمختلف فئاته وطوائفه عبر هذين القرنين من الزمان.
تطور الحياة النيابية في مصر
يمكن أن نميز في هذا الإطار بين ثلاث فترات زمنية رئيسية تعبر كل منها عن تطور هام على طريق إقامة الحياة النيابية في مصر؛ ذلك التوسع الذي نلمسه في توسيع نطاق الصلاحيات والسلطات الممنوحة للبرلمان من جانب، وزيادة عدد الأعضاء المنتخبين مقارنة بالمعينين.
الفترة من 1805 إلى 1866 م
بدايات الحياة النيابية في مصر
تبدأ هذه الفترة بعزل الوالي العثماني وتعيين محمد علي باشا والياً على مصر بدلاً منه، متمتعاً بالاستقلالية عن الحكم العثماني، مما أذن ببدء بناء نهضة حضارية وسياسية في مصر على يد محمد علي، وقد شهدت هذه الفترة قيام مجلسين نيابيين هما:
أولاً: المجلس العالي:
عقب استقلاله بحكم مصر.. بدأ محمد على ثورة إدارية شاملة لإقامة مؤسسات حكم حديثة، بما فيها إقامة مجلس نيابي تمثيلي حديث، وقد تم في عام 1824 تكوين «المجلس العالي» الذي يعد البداية الحقيقية لأول مجلس نيابي يتم اختيار بعض أعضائه بالانتخاب، ويراعى فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة، حيث تكون من 24 عضواً في البداية، ثم صار عددهم 48 عضواً بعد إضافة 24 شيخاً وعالماً إليه.
وبذلك أصبح يتألف من نظار الدواوين، ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير تجار العاصمة، واثنين من ذوي المعرفة بالحسابات، واثنين من الأعيان عن كل مديرية من مديريات القطر المصري ينتخبهما الأهالي.
وفي يناير 1825 صدرت اللائحة الأساسية للمجلس العالي وحددت اختصاصاته بأنها مناقشة ما يراه أو يقترحه محمد على فيما يتعلق بسياسته الداخلية.. وقد تضمنت اللائحة الأساسية كذلك مواعيد انعقاد المجلس وأسلوب العمل فيه.
ثانياً: مجلس المشورة:
أدى نجاح المجلس العالي إلى إنشاء مجلس آخر في عام 1829 هو مجلس المشورة، الذي يعد نواة مهمة لنظام الشورى، حيث تألف هذا المجلس من كبار موظفي الحكومة والعلماء والأعيان برئاسة إبراهيم باشا، وكان هذا المجلس في عدد أعضائه وتمثيلهم لمختلف فئات الشعب أشبه بجمعية عمومية مؤلفة من 156 عضواً: منهم 33 عضواً من كبار الموظفين والعلماء، و24 عضواً من مأموري الأقاليم، و99 عضواً من كبار أعيان القطر المصري يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب.
وكان مجلس المشورة ينعقد لاستشارته في مسائل التعليم والإدارة والأشغال العمومية، وقد صدرت لهذا المجلس في عام 1830 مجموعة من التعليمات التي اشتملت على أسس وأساليب عمله.
وفي عام 1833 سنّ مجلس المشورة قانوناً خاصاً به كان بمثابة تكملة للتعليمات السابقة، وتناول تنظيم فترات انعقاده، وإجراءات ما يجرى به من مداولات، وما يصدر عنه من قرارات.
تطور المؤسسات النيابية 1866 إلى 1952م
تعد هذه الفترة هي أخصب الفترات في تطور الحياة النيابية في مصر، حيث شهدت قيام المؤسسات النيابية الحقيقية التي يتم انتخاب أعضائها بشكل مباشر من جانب الناخبين، والتي تمارس سلطات نيابية حقيقية في مواجهة السلطة التشريعية، كما شهدت هذه الفترة أيضاً قيام الأحزاب السياسية التي تنافست فيما بينها من أجل الفوز بمقاعد المجلس النيابي، مما أثرى الحياة السياسية على وجه العموم والبرلمانية بصفة خاصة خلال هذه الفترة التي شهدت العديد من التطورات، والتي يمكن إبرازها في التطورات الرئيسية التالية:
إنشاء مجلس شورى النواب
شهد عام 1866 الخطوة الأهم في تطور الحياة النيابية في مصر بإنشاء «مجلس شورى النواب» في عهد الخديوي إسماعيل فهذا المجلس يعد أول برلمان يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشاري تغلب عليه الصفة الإدارية. وقد صدر المرسوم الخديوي بإنشاء المجلس في نوفمبر 1866، متضمنا اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس.
وقد تضمنت اللائحة الأساسية للمجلس ثماني عشرة مادة اشتملت على نظام الانتخابات، والشروط القانونية الواجبة للياقة العضو المرشح، وفترات انعقاد المجلس، وتضمنت سلطات المجلس (التداول في الشؤون الداخلية، ورفع نصائح إلى الخديوي)، وتأثرت لوائح المجلس بشدة بالنظم البرلمانية المعمول بها في أوروبا في ذلك الوقت، خاصة الهيئة التشريعية الفرنسية.
وكان المجلس يتكون من 75 عضواً منتخباً من قبل الأعيان في القاهرة، الإسكندرية، ودمياط، وعمد البلاد ومشايخها في باقي المديريات الذين أصبحوا بدورهم منتخبين لأول مرة في عهد الخديوي إسماعيل. إضافة إلى رئيس المجلس الذي كان يعين بأمر من الخديوي، وكانت مدة المجلس ثلاث سنوات ينعقد خلال كل سنة منها لمدة شهرين، وقد انعقد مجلس شورى النواب في تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية، وذلك في الفترة من 25 من نوفمبر 1866 حتى 6 من يوليو عام 1879م.
ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئاً فشيئاً، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد مجموعة من كبار المفكرين والكتاب إضافة إلى ظهور الصحف في ذلك الوقت مما عزز المطالب الشعبية بإنشاء مجلس نيابي له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع، وانعكست هذه المطالب في عام 1878 عندما أنشئ أول مجلس وزراء في مصر (مجلس النظار). وأعيد تشكيل البرلمان حيث منح المزيد من الصلاحيات وإن ظلت بعض الأمور خارجة عن اختصاصه، مثل بعض الشؤون المالية.
وفي يونيو 1879 أعدت اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب تمهيداً لعرضها على الخديوي لإصدارها، وهي اللائحة التي جعلت عدد النواب 120 نائباً عن مصر والسودان، وكان أهم ما تضمنته اللائحة: تقرير (المسؤولية الوزارية)، ومنح سلطات أكبر للمجلس في النواحي المالية.
غير أن الخديوي توفيق الذي عُين في 26 من يونيو 1879 رفض اللائحة، وأصدر أمراً بفض المجلس. ولكن المجلس ظل رغم ذلك يعقد جلساته حتى يوليو 1879.
مجلس النواب المصري
كان من بين المطالب الأساسية للثورة العرابية التي اندلعت في 9 من سبتمبر 1881 تشكيل مجلس للنواب، وبالفعل أجريت الانتخابات لمجلس شورى النواب طبقاً لأحكام لائحة المجلس الصادرة في سنة 1866؛ انتظاراً لقيام الحكومة بإعداد مشروع قانون أساسي جديد يتم عرضه على المجلس لإقراره، وقد افتتح المجلس الجديد الذي سمي «مجلس النواب المصري» في 26 ديسمبر عام 1881. وقدمت الحكومة مشروع القانون الأساسي، وصدر الأمر العالي به في 7 من فبراير عام 1882، وجعل هذا القانون الوزارة مسؤولة أمام المجلس النيابي المنتخب من الشعب، والذي كانت له أيضاً سلطة التشريع، وحق سؤال الوزراء واستجوابهم، وأصبحت مدة مجلس النواب المصري خمس سنوات، ودورة الانعقاد ثلاثة أشهر.
وهكذا أرسيت قواعد الممارسة البرلمانية في مصر على نحو تدريجي، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً، حيث انعقد مجلس النواب المصري انعقاداً عادياً واحداً منذ 26 ديسمبر 1881 إلى 26 مارس 1882، ثم قامت بريطانيا باحتلال مصر عام 1882 وألغت القانون الأساسي، وصدر في عام 1883م ما سمي بالقانون النظامي الذي كان انتكاسة للحياة النيابية في مصر.
مجلس شورى القوانين
تضمن القانون النظامي الصادر عام 1883 تكوين البرلمان المصري من مجلسين هما (مجلس شورى القوانين) و(الجمعية العمومية)، كما أنشأ هذا القانون مجالس المديريات التي كانت وظيفتها إدارية لا تشريعية، ولكنها كانت تختص بانتخاب أعضاء مجلس شورى القوانين.
وقد تكون مجلس شورى القوانين من 30 عضواً منهم 14 عضواً معيناً، من بينهم رئيس المجلس وأحد الوكيلين، و16 عضواً منتخباً منهم الوكيل الثاني للمجلس، وكانت مدته 6 سنوات.
أما الجمعية العمومية فكانت تتألف من 83 عضواً منهم 46 عضواً منتخباً، والباقون أعضاء بحكم مناصبهم، وهم أعضاء مجلس شورى القوانين، وسبعة وزراء، ويرأس الجمعية العمومية رئيس مجلس شورى القوانين، وقد انعقد مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية في الفترة من عام 1883 حتى عام 1913، في 31 دورة انعقاد على مدى خمس هيئات نيابية.
الجمعية التشريعية
في يوليو عام 19113 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وتم إنشاء الجمعية التشريعية التي تكونت من 83 عضواً، منهم 66 عضواً منتخباً، و17 عضواً معيناً، ونص القانون النظامي الصادر في أول يوليو عام 1913 على أن تكون مدة الجمعية التشريعية ست سنوا ت.. وقد استمرت الجمعية من 22 من يناير 1914 إلى 17 يونيو 1914، حيث نشبت الحرب العالمية الأولى وأعلنت الأحكام العرفية في مصر.
ثم في ديسمبر 1914 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وتم تأجيل انعقاد الجمعية إلى أجل غير مسمى، وفي عام 1915 أوقف العمل بأحكام القانون النظامي إلى أن ألغيت الجمعية التشريعية في أبريل 1923.
التطور البرلماني في ظل دستور 1923
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى اندلعت الثورة المصرية في عام 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة، وأسفرت هذه الثورة عن صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة (مع وجود تحفظات أربعة) ، كما تضمن إنهاء الحماية البريطانية على مصر، واستناداً إلى هذا الواقع الجديد تم وضع دستور جديد للبلاد صدر في أبريل عام 1923، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضواً، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية، والزعامات الشعبية، وقادة الحركة الوطنية.
ذلك الدستور الذي مثل نقلة كبيرة على طريق إقامة الحياة النيابية السليمة في مصر حيث انه صدر بعد الاعتراف الرسمي من قبل بريطانيا بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، وهو الأمر الذي لم يكن متوفراً من قبل. كما أنه وضع الأسس الرئيسية للحياة النيابية التي ما زال معمولاً بها في مصر حتى اليوم، فالدستور نص على وجود مجلسين نيابيين لا مجلس واحداً، كما نص أيضاً على انتخاب كامل أعضاء أحد المجلسين (مجلس النواب) انتخاباً مباشراً من جانب جمهور الناخبين، كما أنه نص أيضاً وللمرة الأولى وبشكل صريح على المسؤولية التضامنية للوزارة أمام مجلس النواب الذي أصبح من حقه سحب الثقة من الحكومة.
وإذا قلنا إن مجلس شورى النواب الذي أسسه الخديوي إسماعيل كان متأثراً إلى حد كبير بالتجربة البرلمانية الفرنسية التي كان الخديوي إسماعيل نفسه مبهوراً بها، فقد جاء البرلمان المصري الذي أفرزه دستور 1923 متأثراً إلى حد كبير بالتجربة البرلمانية لبريطانيا، وهذا أمر طبيعي في ظل وجود احتلال بريطاني جاثم على صدر الشعب المصري لأكثر من أربعة عقود وقت إقرار هذا الدستور.
وقد أخذ دستور عام 1923 بالنظام النيابي البرلماني القائم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات، ونُظمت العلاقة بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، على أساس مبدأ الرقابة والتوازن، فجعل الوزارة مسؤولة أمام البرلمان الذي يملك حق طرح الثقة فيها.. بينما جعل من حق الملك حل البرلمان، ودعوته إلى الانعقاد، ولكنه أعطى للبرلمان حق الاجتماع بحكم الدستور إذا لم يُدع في الموعد المحدد.
كما أخذ دستور عام 1923 بنظام المجلسين، (الشيوخ والنواب)، وبالنسبة لمجلس النواب نص الدستور على أن جميع أعضائه منتخبون، ومدة عضوية المجلس خمس سنوات، أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه ينتخبون، وبقية الأعضاء يأتون بالتعيين، وأخذ الدستور بمبدأ المساواة في الاختصاص بين المجلسين كأصل عام، مع بعض الاستثناءات.
وقد تزايد عدد أعضاء المجلسين من فترة لأخرى، حيث كان الدستور يأخذ بمبدأ تحديد عدد أعضاء المجلسين بنسبة معينة من عدد السكان، حيث بدأت التجربة وعدد أعضاء مجلس النواب لا يتجاوز 214 وانتهت وعدد أعضائه 319.
وإذا كان البرلمان الذي نص عليه الدستور الصادر عام 1923 خطوة متقدمة على طريق الحياة البرلمانية والنيابية في مصر، إلا أن الممارسة على أرض الواقع جاءت مشوبة بالعديد من السلبيات، فتراوحت الحياة السياسية خلال الفترة من 1923 1952 ما بين فترات مد ديمقراطي محدودة، وفترات انحسار نجمت عن تدخل من سلطات الاحتلال والقصر شغلت معظم هذه المدة، الأمر الذي أسفر عن حل البرلمان نحو عشر مرات، فوق ذلك شهد عام 1930 صدور دستور جديد للبلاد، استمر العمل به لمدة خمس سنوات كانت بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية إلى أن عادت البلاد مرة أخرى إلى دستور عام 1923، وذلك في عام 1935.