مجلة المحاماة - العدد الخامس
السنة الرابعة والثلاثون سنة 1954
بحث
التحقيق المفتوح
في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
للسيد الأستاذ عادل يونس المحامي العام لدى محكمة النقض
تنص المادة (91) من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأولى على أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح، وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص مقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.
وتطبيقًا لهذا النص قضت محكمة النقض أخيرًا في حكمها الصادر بتاريخ 4 يونيه سنة 1953 في الطعن رقم (1265) سنة 22 قضائية بأن قضاءها مستقر على أن (تفتيش المنازل إجراء من إجراءات التحقيق لا تأمر به سلطة من سلطاته إلا لمناسبة جريمة ترى أنها وقعت وصحت نسبتها إلى شخص بعينه وأن هناك من الدلائل ما يكفي لاقتحام مسكنه الذي كفل الدستور حرمته وحرم القانون على رجال السلطة دخوله إلا في أحوال خاصة وأن تقدير كفاية تلك الدلائل وإن كان من شؤون سلطة التحقيق إلا أنه خاضع لرقابة محكمة الموضوع بحيث إذا رأت أنه لم يكن هناك ما يبرره كان لها أن لا تأخذ بالدليل المستمد منه باعتبار أنه إذا فقد المبرر لإجرائه أصبح عملاً يحرمه القانون فلا يسوغ أن يؤخذ منه، وقد جاء قانون الإجراءات الجنائية يؤكد هذه المبادئ بما نص عليه في المادة (91) منه من أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح، وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص مقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة - وإذا كان الشارع قد نص على أن يكون هناك تحقيق مفتوح فإنما قصد بذلك التحقيق الذي تتولاه سلطة التحقيق بناءً على ما يصل إلى علمها من الإبلاغ عن جناية أو جنحة ولم يشترط الشارع للتحقيق المفتوح الذي يسوغ التفتيش أن يكون قد قطع مرحلة أو استظهر قدرًا معينًا من أدلة الإثبات بل ترك ذلك لتقدير سلطة التحقيق لكي لا يكون من وراء غل يدها احتمال فوات الغرض منه مما تتأثر به مصلحة الجماعة التي تسمو على مصلحة الفرد [(1)]).
يؤخذ من هذا الحكم أن قانون الإجراءات الجنائية قنن المبادئ التي استقرت عليها أحكام محكمة النقض قبل إصداره، وأن المشرع لم يتعلق مراده بالخروج على تلك المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى.
غير أن هذا الحكم لم يواجه ما إذا كانت النيابة العامة ملزمة بفتح محضر قبل إصدار الإذن أو لا، وهل تغنيها تحريات الضبطية القضائية التي ترى أنها جدية عن إجراء تحقيق بمعرفتها أو لا.
وللوصول إلى الإجابة على ذلك يتعين بيان الوضع قبل إصدار قانون الإجراءات الجنائية وبعد إصداره، وتقصي المصادر التشريعية للقانون الحالي وتطورها، وقبل أن نعرض لهذا كله يقتضينا البحث بيان حدود حق سلطة التحقيق في الإذن بتفتيش منازل الأشخاص وتأصيل هذا الحق قانونًا.
مدى حق سلطات التحقيق في تفتيش الأشخاص والمنازل:
الأصل في تفتيش المساكن والأشخاص الحظر، فقد كفلت الدساتير الحرية الشخصية وحرمة المنازل [(2)] كما رددت القوانين المختلفة هذا الحظر إذ نصت المادة (128) عقوبات مصري المقابلة للمادة (184) عقوبات فرنسي على حظر دخول الموظفين أو المستخدمين العموميين أو أحد الأشخاص المكلفين بخدمة عمومية - اعتمادًا على وظيفتهم - منزل آحاد الناس بغير رضائه فيما عدا الأحوال المقررة في القانون، كما تضمنت المادة (370) عقوبات مصري هذا الحظر بالنسبة إلى أفراد الناس.
غير أنه إذا تعارضت حرمة المساكن وكفالة الحرية الشخصية مع حق المجتمع في تحقيق الجرائم والبحث عن مرتكبيها، رجحت كفة المجتمع وأبيحت هذه الحرمات على أن يكون ذلك في حدود هذا النطاق حتى لا يجرى إطلاق هذا الحق إلى سوء استعماله والإسراف فيه.
فالأساس القانوني لتبرير حق الهيئة الاجتماعية، ممثلة في سلطات التحقيق النائبة عنها، هو تمكينها من الدفاع عن نفسها ضد الجناة [(3)].
والأصل في التفتيش ألا يملكه إلا رجال التحقيق، ولا يجوز أن يتولاه رجال الضبطية القضائية إلا في أحوال معينة جاءت على سبيل الحصر في القانون، أو إذا أذنت لهم بذلك السلطة القضائية، فهو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي الغرض منه جمع الأدلة تأييدًا لجريمة وقعت واتهام قائم ضد شخص ما بالقدر الذي تتطلبه مصلحة التحقيق ولا يقصد منه كشف الجرائم.
الوضع في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى:
تناولت المواد (30)، (68)، (69)، (70) من قانون تحقيق الجنايات الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1904 أحكام تفتيش منازل المتهمين وغيرهم في مواد الجنايات والجنح، كما تناولتها المواد (53)، (54)، (75) من قانون تحقيق الجنايات المختلط الملغى الصادر بالقانون رقم (57) لسنة 1937.
وعلى الرغم من أن هذه النصوص لم تفصح عن أن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وأنه لا يصح ما لم تكن هناك جريمة معينة قد وقعت، فإن الفقه والقضاء قد استقرا على أن التفتيش إجراء قضائي وليس عملاً إداريًا من أعمال البوليس الغرض منه اكتشاف الجرائم ومرتكبيها، وأن تقدير جدية التحريات التي تسبق الإذن بالتفتيش متروك للنيابة العامة تحت إشراف المحاكم، وأن إصدار الإذن لا يقتضي إجراء تحقيق سابق له [(4)].
وبديهي أنه للقول بوقوع الجريمة قبل صدور الإذن لا يتحتم أن يكون وقوعها هذا ثابتًا بطريق مشاهدة رجل الضبط القضائي لها حال ارتكابها، لأن هذه المشاهدة إنما تنشئ حالة تلبس تخوله حق التفتيش بدون إذن من سلطة التحقيق.
مشروع القانون المقدم من الحكومة إلى البرلمان:
عندما رأت الحكومة تعديل قانون تحقيق الجنايات تقدمت بمشروع قانون إلى البرلمان تناولت فيه التفتيش في المواد (122)، (124)، (126) ولم تتكلم هذه المواد عن ضرورة إجراء تحقيق مفتوح، وقد أدخلت لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ هذا التعبير وأشارت إليه في تقريرها المؤرخ 24 يونيو سنة 1948 وذلك (نقلاً عن المادة 87 من القانون الفرنسي المضافة بقانون 25 مارس سنة 1935 [(5)] لتقرير أن تفتيش المنازل وضبط الأشياء هو عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص معين وليس وسيلة من الوسائل التي يجوز لمأموري الضبطية القضائية الالتجاء إليها لاستكشاف الجرائم وضبط مرتكبيها).
وجاء في تقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب المؤرخ 20 فبراير سنة 1950 ما يلي:
(فسرت المادة (94) (التي أضافتها لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ)… … … … بأن المقصود منها ألا يباشر المحقق هذا الإجراء إلا إذا سبقه اتهام صريح تؤيده أدلة مقبولة أو قريبة الاحتمال فوافق مندوب وزارة العدل على هذا التعبير).
كما جاء في تقريرها الثاني المؤرخ 2 مايو سنة 1950 ما يلي:
(اقترح أحد النواب تعديل هذه المادة باستبدال عبارة (تحقيق بدأ فيه) بعبارة (تحقيق مفتوح) الواردة بها ولم ترَ اللجنة فرقًا بين عبارتي (تحقيق بدأ فيه) و(تحقيق مفتوح).
ويبين من مطالعة المادة (91) إجراءات جنائية ومقارنتها بالمادة (87) تحقيق جنايات فرنسي أن المشرع لم ينقل جميع أحكام المادة الفرنسية وأنه قد أسقط منها بعض فقراتها، غير أنه يبدو أنه لم يقصد الخروج عن المبادئ الواردة بها لخضوعها للقواعد المقررة قانونًا [(6)].
وتنص الفقرة الأولى من المادة (87) معدلة فرنسي على ما يأتي:
(يعد دخول المنازل وتفتيشها من أعمال التحقيق التي لا يجوز مباشرتها ما لم يكن هناك تحقيق في حالة فتح l’instruction étant ouverte وكان الشخص المراد دخول منزله فاعلاً في جريمة أو شريكًا فيها أو على الأقل يظن أنه يحوز أشياء تتعلق بالجريمة).
الوضع بعد صدور قانون الإجراءات الجنائية:
مقطع النزاع هو الوقوف على ما إذا كان المشرع في قانون الإجراءات الجنائية قد قصد تغيير الأوضاع المستقرة فقهًا وقضاءً في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى أو أنه لم يرم إلى شيء من ذلك.
وللوصول إلى ذلك يتعين تقصي التطور التشريعي للقانون - الفرنسي مصدر تشريعنا - في هذا الصدد.
جرى نص المادة (87) تحقيق جنايات فرنسي وقت إصدارها في سنة 1808 على ما يأتي:
(ينتقل قاضي التحقيق إذا طلب إليه ذلك، وله أن ينتقل من تلقاء نفسه، إلى منزل المتهم لإجراء تفتيش عن الأوراق والأشياء وعلى العموم جميع الأشياء التي يرى أنها تفيد في إظهار الحقيقة).
وعلى ضوء هذا النص جرى الشراح القدامى أمثال فستان هيلي ومانجان ولبواتفان وجارو وغيرهم [(7)] على التفسير الذي أسلفنا بيانه دون حاجة إلى النص، على أن التفتيش من إجراءات التحقيق ودون استلزام فتح تحقيق.
وجاء تعديل 7 فبراير سنة 1933 بعبارة (التحقيق المفتوح) وقبل أن نمضي إلى تتبع هذا التعديل نقول إن المشرع الفرنسي قصد التحقيق بمعناه القضائي instruction، وإن كان بعض الشراح والمع
السنة الرابعة والثلاثون سنة 1954
بحث
التحقيق المفتوح
في قانون الإجراءات الجنائية الجديد
للسيد الأستاذ عادل يونس المحامي العام لدى محكمة النقض
تنص المادة (91) من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتها الأولى على أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح، وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص مقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.
وتطبيقًا لهذا النص قضت محكمة النقض أخيرًا في حكمها الصادر بتاريخ 4 يونيه سنة 1953 في الطعن رقم (1265) سنة 22 قضائية بأن قضاءها مستقر على أن (تفتيش المنازل إجراء من إجراءات التحقيق لا تأمر به سلطة من سلطاته إلا لمناسبة جريمة ترى أنها وقعت وصحت نسبتها إلى شخص بعينه وأن هناك من الدلائل ما يكفي لاقتحام مسكنه الذي كفل الدستور حرمته وحرم القانون على رجال السلطة دخوله إلا في أحوال خاصة وأن تقدير كفاية تلك الدلائل وإن كان من شؤون سلطة التحقيق إلا أنه خاضع لرقابة محكمة الموضوع بحيث إذا رأت أنه لم يكن هناك ما يبرره كان لها أن لا تأخذ بالدليل المستمد منه باعتبار أنه إذا فقد المبرر لإجرائه أصبح عملاً يحرمه القانون فلا يسوغ أن يؤخذ منه، وقد جاء قانون الإجراءات الجنائية يؤكد هذه المبادئ بما نص عليه في المادة (91) منه من أن تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح، وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص مقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة - وإذا كان الشارع قد نص على أن يكون هناك تحقيق مفتوح فإنما قصد بذلك التحقيق الذي تتولاه سلطة التحقيق بناءً على ما يصل إلى علمها من الإبلاغ عن جناية أو جنحة ولم يشترط الشارع للتحقيق المفتوح الذي يسوغ التفتيش أن يكون قد قطع مرحلة أو استظهر قدرًا معينًا من أدلة الإثبات بل ترك ذلك لتقدير سلطة التحقيق لكي لا يكون من وراء غل يدها احتمال فوات الغرض منه مما تتأثر به مصلحة الجماعة التي تسمو على مصلحة الفرد [(1)]).
يؤخذ من هذا الحكم أن قانون الإجراءات الجنائية قنن المبادئ التي استقرت عليها أحكام محكمة النقض قبل إصداره، وأن المشرع لم يتعلق مراده بالخروج على تلك المبادئ التي استقر عليها الفقه والقضاء في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى.
غير أن هذا الحكم لم يواجه ما إذا كانت النيابة العامة ملزمة بفتح محضر قبل إصدار الإذن أو لا، وهل تغنيها تحريات الضبطية القضائية التي ترى أنها جدية عن إجراء تحقيق بمعرفتها أو لا.
وللوصول إلى الإجابة على ذلك يتعين بيان الوضع قبل إصدار قانون الإجراءات الجنائية وبعد إصداره، وتقصي المصادر التشريعية للقانون الحالي وتطورها، وقبل أن نعرض لهذا كله يقتضينا البحث بيان حدود حق سلطة التحقيق في الإذن بتفتيش منازل الأشخاص وتأصيل هذا الحق قانونًا.
مدى حق سلطات التحقيق في تفتيش الأشخاص والمنازل:
الأصل في تفتيش المساكن والأشخاص الحظر، فقد كفلت الدساتير الحرية الشخصية وحرمة المنازل [(2)] كما رددت القوانين المختلفة هذا الحظر إذ نصت المادة (128) عقوبات مصري المقابلة للمادة (184) عقوبات فرنسي على حظر دخول الموظفين أو المستخدمين العموميين أو أحد الأشخاص المكلفين بخدمة عمومية - اعتمادًا على وظيفتهم - منزل آحاد الناس بغير رضائه فيما عدا الأحوال المقررة في القانون، كما تضمنت المادة (370) عقوبات مصري هذا الحظر بالنسبة إلى أفراد الناس.
غير أنه إذا تعارضت حرمة المساكن وكفالة الحرية الشخصية مع حق المجتمع في تحقيق الجرائم والبحث عن مرتكبيها، رجحت كفة المجتمع وأبيحت هذه الحرمات على أن يكون ذلك في حدود هذا النطاق حتى لا يجرى إطلاق هذا الحق إلى سوء استعماله والإسراف فيه.
فالأساس القانوني لتبرير حق الهيئة الاجتماعية، ممثلة في سلطات التحقيق النائبة عنها، هو تمكينها من الدفاع عن نفسها ضد الجناة [(3)].
والأصل في التفتيش ألا يملكه إلا رجال التحقيق، ولا يجوز أن يتولاه رجال الضبطية القضائية إلا في أحوال معينة جاءت على سبيل الحصر في القانون، أو إذا أذنت لهم بذلك السلطة القضائية، فهو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي الغرض منه جمع الأدلة تأييدًا لجريمة وقعت واتهام قائم ضد شخص ما بالقدر الذي تتطلبه مصلحة التحقيق ولا يقصد منه كشف الجرائم.
الوضع في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى:
تناولت المواد (30)، (68)، (69)، (70) من قانون تحقيق الجنايات الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1904 أحكام تفتيش منازل المتهمين وغيرهم في مواد الجنايات والجنح، كما تناولتها المواد (53)، (54)، (75) من قانون تحقيق الجنايات المختلط الملغى الصادر بالقانون رقم (57) لسنة 1937.
وعلى الرغم من أن هذه النصوص لم تفصح عن أن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وأنه لا يصح ما لم تكن هناك جريمة معينة قد وقعت، فإن الفقه والقضاء قد استقرا على أن التفتيش إجراء قضائي وليس عملاً إداريًا من أعمال البوليس الغرض منه اكتشاف الجرائم ومرتكبيها، وأن تقدير جدية التحريات التي تسبق الإذن بالتفتيش متروك للنيابة العامة تحت إشراف المحاكم، وأن إصدار الإذن لا يقتضي إجراء تحقيق سابق له [(4)].
وبديهي أنه للقول بوقوع الجريمة قبل صدور الإذن لا يتحتم أن يكون وقوعها هذا ثابتًا بطريق مشاهدة رجل الضبط القضائي لها حال ارتكابها، لأن هذه المشاهدة إنما تنشئ حالة تلبس تخوله حق التفتيش بدون إذن من سلطة التحقيق.
مشروع القانون المقدم من الحكومة إلى البرلمان:
عندما رأت الحكومة تعديل قانون تحقيق الجنايات تقدمت بمشروع قانون إلى البرلمان تناولت فيه التفتيش في المواد (122)، (124)، (126) ولم تتكلم هذه المواد عن ضرورة إجراء تحقيق مفتوح، وقد أدخلت لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ هذا التعبير وأشارت إليه في تقريرها المؤرخ 24 يونيو سنة 1948 وذلك (نقلاً عن المادة 87 من القانون الفرنسي المضافة بقانون 25 مارس سنة 1935 [(5)] لتقرير أن تفتيش المنازل وضبط الأشياء هو عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا في تحقيق مفتوح وبناءً على تهمة موجهة إلى شخص معين وليس وسيلة من الوسائل التي يجوز لمأموري الضبطية القضائية الالتجاء إليها لاستكشاف الجرائم وضبط مرتكبيها).
وجاء في تقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب المؤرخ 20 فبراير سنة 1950 ما يلي:
(فسرت المادة (94) (التي أضافتها لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ)… … … … بأن المقصود منها ألا يباشر المحقق هذا الإجراء إلا إذا سبقه اتهام صريح تؤيده أدلة مقبولة أو قريبة الاحتمال فوافق مندوب وزارة العدل على هذا التعبير).
كما جاء في تقريرها الثاني المؤرخ 2 مايو سنة 1950 ما يلي:
(اقترح أحد النواب تعديل هذه المادة باستبدال عبارة (تحقيق بدأ فيه) بعبارة (تحقيق مفتوح) الواردة بها ولم ترَ اللجنة فرقًا بين عبارتي (تحقيق بدأ فيه) و(تحقيق مفتوح).
ويبين من مطالعة المادة (91) إجراءات جنائية ومقارنتها بالمادة (87) تحقيق جنايات فرنسي أن المشرع لم ينقل جميع أحكام المادة الفرنسية وأنه قد أسقط منها بعض فقراتها، غير أنه يبدو أنه لم يقصد الخروج عن المبادئ الواردة بها لخضوعها للقواعد المقررة قانونًا [(6)].
وتنص الفقرة الأولى من المادة (87) معدلة فرنسي على ما يأتي:
(يعد دخول المنازل وتفتيشها من أعمال التحقيق التي لا يجوز مباشرتها ما لم يكن هناك تحقيق في حالة فتح l’instruction étant ouverte وكان الشخص المراد دخول منزله فاعلاً في جريمة أو شريكًا فيها أو على الأقل يظن أنه يحوز أشياء تتعلق بالجريمة).
الوضع بعد صدور قانون الإجراءات الجنائية:
مقطع النزاع هو الوقوف على ما إذا كان المشرع في قانون الإجراءات الجنائية قد قصد تغيير الأوضاع المستقرة فقهًا وقضاءً في ظل قانون تحقيق الجنايات الملغى أو أنه لم يرم إلى شيء من ذلك.
وللوصول إلى ذلك يتعين تقصي التطور التشريعي للقانون - الفرنسي مصدر تشريعنا - في هذا الصدد.
جرى نص المادة (87) تحقيق جنايات فرنسي وقت إصدارها في سنة 1808 على ما يأتي:
(ينتقل قاضي التحقيق إذا طلب إليه ذلك، وله أن ينتقل من تلقاء نفسه، إلى منزل المتهم لإجراء تفتيش عن الأوراق والأشياء وعلى العموم جميع الأشياء التي يرى أنها تفيد في إظهار الحقيقة).
وعلى ضوء هذا النص جرى الشراح القدامى أمثال فستان هيلي ومانجان ولبواتفان وجارو وغيرهم [(7)] على التفسير الذي أسلفنا بيانه دون حاجة إلى النص، على أن التفتيش من إجراءات التحقيق ودون استلزام فتح تحقيق.
وجاء تعديل 7 فبراير سنة 1933 بعبارة (التحقيق المفتوح) وقبل أن نمضي إلى تتبع هذا التعديل نقول إن المشرع الفرنسي قصد التحقيق بمعناه القضائي instruction، وإن كان بعض الشراح والمع