بحث عدم جواز قبول المدعي المدني لأول مرة
بعد إعادة القضية من محكمة النقض للفصل فيها من جديد
لحضرة الأستاذ أحمد السادة المحامي
يهمنا الإشارة مبدئيًا إلى أن الدعوى المدنية هي أصلاً من اختصاص المحكمة المدنية وحدها، والقاضي المدني هو القاضي الطبيعي للدعوى المدنية، وإنما أجاز المشرع للمدعي المدني استثناءً أن يلجأ بدعواه إلى المحكمة الجنائية بشروط خاصة, وقد قيل هذا التدخل بقيود وشروط متعددة معروفة كلها ترمي إلى الحد من استعمال هذا الحق نظرًا لأن الدعوى الجنائية بإجراءاتها تتفق بطبيعتها مع المسائل المدنية, فنجد أن المشرع قد منع المدعي من التدخل في الدعوى الجنائية إذا سبق له أن اختار الطريق المدني كما أنه منع المدعي بالحق المدني من المعارضة في الحكم الغيابي الذي يصدر في الدعوى, وقد أقر قانون الإجراءات الجنائية الجديد كل هذه المبادئ وزاد عليها أن اعتبر أن المدعي المدني الذي يتخلف عن أحد الجلسات يعتبر تاركًا لدعواه (المادة (261) من قانون الإجراءات) بل أن بعض الشرائع تمنع تدخل المدعي المدني في الدعوى الجنائية إطلاقًا مثل القانون الألماني (المادة (111) تحقيق جنايات ألماني).
على ضوء كل ذلك نتناول بيان عدم قبول المدعي المدني لأول مرة بعد إعادة القضية من محكمة النقض للفصل فيها من جديد بما يأتي:
إن القول بعكس ذلك غير جائز قانونًا ومخالف للمبدأ القانوني المعروف والمعمول به في مسائل الطعن في الأحكام والقائل بأن الشخص لا يضار بطعنه.
ولهذا القول خطورته من وجهة الإجراءات الجنائية، فإن الإخلال به يترتب عليه أن يقوم إلى جانب النيابة خصم له مصلحة خاصة غير مقيدة بشعور الصالح العام، أو بشعور العدالة في ذاتها، فيترافع ضد المتهم لإثبات الجريمة مما قد يكون له الأثر في تكوين عقيدة المحكمة ومما يجعل على القاضي من تلقاء نفسه أن يمنع تدخله منعًا للإخلال بالأوضاع والأصول المحترمة في الإجراءات الجنائية، خصوصًا وأن هذا الخصم قد أصبح الحكم الأول بالنسبة إليه نهائيًا ومانعًا له من الالتجاء إلى القضاء الجنائي للحصول على حقه المدني, ولم يبقَ أمامه إلا القضاء المدني بسكوته على المطالبة بحقه أثناء المحاكمة الأولى حتى صدر الحكم فيها وأصبح من المتعين أن تكون المحاكمة الثانية مقصورة على النظر في مركز المحكوم عليه وقت صدور الحكم المنقوض, بحيث لا يترتب على النظر والفصل فيه إلا تحسينه أو على الأكثر عدم الإضرار به, والقاعدة العامة التي عليها إجماع الرأي سواء في مصر أو في فرنسا على أن الدعوى عند الإعادة تظل في نفس الحدود وبين نفس الخصوم الذين كانوا ماثلين في الدعوى عند نظرها في أول مرة, ولا يجوز لمن لم يكن خصمًا في الدعوى عند نظرها في أول مرة أن يأتي ويطلب دخوله مدعيًا عند نظر القضية في الإعادة, وهو ما سنبينه فيما يلي:
في مصر
1 - حكمت محكمة النقض بتاريخ 14 يونيه سنة 1948 حكمًا منشورًا بمجلة المحاماة العددان الخامس والسادس السنة 29 ص (568) قاعدة رقم (278) قرر المبدأ الآتي:
(إن طبيعة الطعن بطريق النقض والإبرام وأحكامه وإجراءاته لا تسمح بالقول بجواز تدخل المدعي بالحق المدني في الدعوى الجنائية لأول مرة بعد إحالتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم وإذن فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قبل الدعوى المدنية عند إعادة نظر الدعوى الجنائية ويجب في سبيل وضع الأمور في نصابها نقضه بهذا الصدد والقضاء بعدم قبول الدعوى المدنية).
2 - وقد أصدرت المحكمة الجنائية تأييدًا لهذا المبدأ حكمًا بتاريخ 7 فبراير سنة 1951 منشورًا بمجلة المحاماة العدد الثامن السنة الحادية والثلاثين ص (1442) قاعدة رقم (414) قررت فيه المبدأ الآتي:
(إن طبيعة الطعن بطريق النقض وأحكامه وإجراءاته لا تسمح بتدخل خصم آخر في الدعوى لأول مرة بعد إحالتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم بأن تنظرها بحالتها من حيث الموضوع والخصوم ومن ثم فلا يجوز تدخل المدعي بالحق المدني لأول مرة أمام المحاكمة الجنائية بعد إحالة القضية من محكمة النقض ما دام لم يكن ممثلاً في الدعوى من قبل بما لا يسمح لأيٍ كان أن يتدخل في الدعوى، فالقضية تنظر بحالتها التي كانت عليها قبل النقض، من حيث الخصومة والموضوع، ولا يجوز قبول خصوم جدد في الدعوى ومن ثم يتعين رفض طلب التدخل).
3 - وقد أيدت هذا الرأي أيضًا محكمة جنايات مصر في حكمها الصادر بجلسة 28 إبريل سنة 1951, في قضية النيابة العمومية رقم (5776) وايلي سنة 1948 (ورقم (883) كلي سنة 1948) بذات المبدأ (والحكم لم يُنشر).
4 - ولعل ما يتناقض مع هذا المبدأ في الإجراءات ما نصت عليه المادة (438) من قانون الإجراءات الجنائية والمعمول به الآن من أن:
(إذا طعن مرة ثانية في الحكم الصادر من المحكمة المحال عليها الدعوى، تحكم محكمة النقض في الموضوع، وفي هذه الحالة تتبع الإجراءات المقررة في المحاكمة عن الجريمة التي وقعت).
فإذا ما رفع نقض مثلاً بعد نقض الحكم الأول، وكانت دعوى المدعي المدني قد قبلت عند نظر الجناية بعد نقض الحكم، فإن محكمة النقض عند تطبيق المادة (438) تكون أمام حالتين: الدعوى العمومية وقد نظرت مرتين أمام المحكمة الجنائية، والدعوى المدنية وقد نظرت مرة واحدة.
5 - والمشرع المصري قد اتجه نفس الاتجاه عند إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، فأصل الفقرة الثانية من المادة (436) من هذا القانون عند تقديم مشروع القانون من الوزارة إلى البرلمان كانت كما يأتي:
(لا يجوز تشديد العقوبة على المتهم إذا كان الطعن مرفوعًا منه وحده).
وجاء تفسيرًا لذلك بالمذكرة الإيضاحية:
(وإذا كان مقتضى القواعد القانونية أن المحكوم عليه لا يصح أن يضار بتظلمه فقد نص في المادة 466/ 2 (أصبحت المادة (436) من القانون) على أنه لا يجوز تشديد العقوبة على المتهم إذا كان الطعن مرفوعًا منه وحده وهذا مطابق للتطور الأخير في أحكام محكمة النقض).
(مجموعة محمود عاصم (97)).
فلما عرض المشرع لأول مرة على مجلس الشيوخ رأى تعديل هذه المادة وجاء في تقرير المجلس ما يأتي:
حذفت الفقرة الأولى لأنها بديهية ونتيجة لازمة لنقض الحكم وإعادة الدعوى لمحكمة الموضوع للفصل فيها من جديد وعدلت عبارة الفقرة الثانية بالنص بصفة عامة على أن الطاعن غير النيابة لا يضار بطعنه، (المرجع السابق ص (197)).
فصدرت المادة بعد عرضها على المجلسين بالنص الآتي:
(إذا كان نقض الحكم حاصلاً بناءً على طلب أحد من الخصوم غير النيابة العامة، فلا يضار بطعنه).
وكأن رأي المشرع (البرلمان) أن لا يكون تحاشي الضرر قاصرًا على تشديد العقوبة بل يتناول الحالة العامة للمتهم، والمدعي المدني في حالتنا كما قدمنا هو خصم جديد منضم إلى النيابة لا لتأييد المتهم في دفاعه وإنما لتأييد النيابة في مخاصمتها له وإذن فليس موقفه لصالحه بل للإضرار به وقد كان الادعاء المدني مسيئًا إلى مركزه في أول مرة، وإذن فيبين أن المادة واتجاه المشرع ينطبق على حالتنا تمامًا.
بعد إعادة القضية من محكمة النقض للفصل فيها من جديد
لحضرة الأستاذ أحمد السادة المحامي
يهمنا الإشارة مبدئيًا إلى أن الدعوى المدنية هي أصلاً من اختصاص المحكمة المدنية وحدها، والقاضي المدني هو القاضي الطبيعي للدعوى المدنية، وإنما أجاز المشرع للمدعي المدني استثناءً أن يلجأ بدعواه إلى المحكمة الجنائية بشروط خاصة, وقد قيل هذا التدخل بقيود وشروط متعددة معروفة كلها ترمي إلى الحد من استعمال هذا الحق نظرًا لأن الدعوى الجنائية بإجراءاتها تتفق بطبيعتها مع المسائل المدنية, فنجد أن المشرع قد منع المدعي من التدخل في الدعوى الجنائية إذا سبق له أن اختار الطريق المدني كما أنه منع المدعي بالحق المدني من المعارضة في الحكم الغيابي الذي يصدر في الدعوى, وقد أقر قانون الإجراءات الجنائية الجديد كل هذه المبادئ وزاد عليها أن اعتبر أن المدعي المدني الذي يتخلف عن أحد الجلسات يعتبر تاركًا لدعواه (المادة (261) من قانون الإجراءات) بل أن بعض الشرائع تمنع تدخل المدعي المدني في الدعوى الجنائية إطلاقًا مثل القانون الألماني (المادة (111) تحقيق جنايات ألماني).
على ضوء كل ذلك نتناول بيان عدم قبول المدعي المدني لأول مرة بعد إعادة القضية من محكمة النقض للفصل فيها من جديد بما يأتي:
إن القول بعكس ذلك غير جائز قانونًا ومخالف للمبدأ القانوني المعروف والمعمول به في مسائل الطعن في الأحكام والقائل بأن الشخص لا يضار بطعنه.
ولهذا القول خطورته من وجهة الإجراءات الجنائية، فإن الإخلال به يترتب عليه أن يقوم إلى جانب النيابة خصم له مصلحة خاصة غير مقيدة بشعور الصالح العام، أو بشعور العدالة في ذاتها، فيترافع ضد المتهم لإثبات الجريمة مما قد يكون له الأثر في تكوين عقيدة المحكمة ومما يجعل على القاضي من تلقاء نفسه أن يمنع تدخله منعًا للإخلال بالأوضاع والأصول المحترمة في الإجراءات الجنائية، خصوصًا وأن هذا الخصم قد أصبح الحكم الأول بالنسبة إليه نهائيًا ومانعًا له من الالتجاء إلى القضاء الجنائي للحصول على حقه المدني, ولم يبقَ أمامه إلا القضاء المدني بسكوته على المطالبة بحقه أثناء المحاكمة الأولى حتى صدر الحكم فيها وأصبح من المتعين أن تكون المحاكمة الثانية مقصورة على النظر في مركز المحكوم عليه وقت صدور الحكم المنقوض, بحيث لا يترتب على النظر والفصل فيه إلا تحسينه أو على الأكثر عدم الإضرار به, والقاعدة العامة التي عليها إجماع الرأي سواء في مصر أو في فرنسا على أن الدعوى عند الإعادة تظل في نفس الحدود وبين نفس الخصوم الذين كانوا ماثلين في الدعوى عند نظرها في أول مرة, ولا يجوز لمن لم يكن خصمًا في الدعوى عند نظرها في أول مرة أن يأتي ويطلب دخوله مدعيًا عند نظر القضية في الإعادة, وهو ما سنبينه فيما يلي:
في مصر
1 - حكمت محكمة النقض بتاريخ 14 يونيه سنة 1948 حكمًا منشورًا بمجلة المحاماة العددان الخامس والسادس السنة 29 ص (568) قاعدة رقم (278) قرر المبدأ الآتي:
(إن طبيعة الطعن بطريق النقض والإبرام وأحكامه وإجراءاته لا تسمح بالقول بجواز تدخل المدعي بالحق المدني في الدعوى الجنائية لأول مرة بعد إحالتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم وإذن فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قبل الدعوى المدنية عند إعادة نظر الدعوى الجنائية ويجب في سبيل وضع الأمور في نصابها نقضه بهذا الصدد والقضاء بعدم قبول الدعوى المدنية).
2 - وقد أصدرت المحكمة الجنائية تأييدًا لهذا المبدأ حكمًا بتاريخ 7 فبراير سنة 1951 منشورًا بمجلة المحاماة العدد الثامن السنة الحادية والثلاثين ص (1442) قاعدة رقم (414) قررت فيه المبدأ الآتي:
(إن طبيعة الطعن بطريق النقض وأحكامه وإجراءاته لا تسمح بتدخل خصم آخر في الدعوى لأول مرة بعد إحالتها من محكمة النقض إلى محكمة الموضوع لإعادة الفصل فيها بعد نقض الحكم بأن تنظرها بحالتها من حيث الموضوع والخصوم ومن ثم فلا يجوز تدخل المدعي بالحق المدني لأول مرة أمام المحاكمة الجنائية بعد إحالة القضية من محكمة النقض ما دام لم يكن ممثلاً في الدعوى من قبل بما لا يسمح لأيٍ كان أن يتدخل في الدعوى، فالقضية تنظر بحالتها التي كانت عليها قبل النقض، من حيث الخصومة والموضوع، ولا يجوز قبول خصوم جدد في الدعوى ومن ثم يتعين رفض طلب التدخل).
3 - وقد أيدت هذا الرأي أيضًا محكمة جنايات مصر في حكمها الصادر بجلسة 28 إبريل سنة 1951, في قضية النيابة العمومية رقم (5776) وايلي سنة 1948 (ورقم (883) كلي سنة 1948) بذات المبدأ (والحكم لم يُنشر).
4 - ولعل ما يتناقض مع هذا المبدأ في الإجراءات ما نصت عليه المادة (438) من قانون الإجراءات الجنائية والمعمول به الآن من أن:
(إذا طعن مرة ثانية في الحكم الصادر من المحكمة المحال عليها الدعوى، تحكم محكمة النقض في الموضوع، وفي هذه الحالة تتبع الإجراءات المقررة في المحاكمة عن الجريمة التي وقعت).
فإذا ما رفع نقض مثلاً بعد نقض الحكم الأول، وكانت دعوى المدعي المدني قد قبلت عند نظر الجناية بعد نقض الحكم، فإن محكمة النقض عند تطبيق المادة (438) تكون أمام حالتين: الدعوى العمومية وقد نظرت مرتين أمام المحكمة الجنائية، والدعوى المدنية وقد نظرت مرة واحدة.
5 - والمشرع المصري قد اتجه نفس الاتجاه عند إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، فأصل الفقرة الثانية من المادة (436) من هذا القانون عند تقديم مشروع القانون من الوزارة إلى البرلمان كانت كما يأتي:
(لا يجوز تشديد العقوبة على المتهم إذا كان الطعن مرفوعًا منه وحده).
وجاء تفسيرًا لذلك بالمذكرة الإيضاحية:
(وإذا كان مقتضى القواعد القانونية أن المحكوم عليه لا يصح أن يضار بتظلمه فقد نص في المادة 466/ 2 (أصبحت المادة (436) من القانون) على أنه لا يجوز تشديد العقوبة على المتهم إذا كان الطعن مرفوعًا منه وحده وهذا مطابق للتطور الأخير في أحكام محكمة النقض).
(مجموعة محمود عاصم (97)).
فلما عرض المشرع لأول مرة على مجلس الشيوخ رأى تعديل هذه المادة وجاء في تقرير المجلس ما يأتي:
حذفت الفقرة الأولى لأنها بديهية ونتيجة لازمة لنقض الحكم وإعادة الدعوى لمحكمة الموضوع للفصل فيها من جديد وعدلت عبارة الفقرة الثانية بالنص بصفة عامة على أن الطاعن غير النيابة لا يضار بطعنه، (المرجع السابق ص (197)).
فصدرت المادة بعد عرضها على المجلسين بالنص الآتي:
(إذا كان نقض الحكم حاصلاً بناءً على طلب أحد من الخصوم غير النيابة العامة، فلا يضار بطعنه).
وكأن رأي المشرع (البرلمان) أن لا يكون تحاشي الضرر قاصرًا على تشديد العقوبة بل يتناول الحالة العامة للمتهم، والمدعي المدني في حالتنا كما قدمنا هو خصم جديد منضم إلى النيابة لا لتأييد المتهم في دفاعه وإنما لتأييد النيابة في مخاصمتها له وإذن فليس موقفه لصالحه بل للإضرار به وقد كان الادعاء المدني مسيئًا إلى مركزه في أول مرة، وإذن فيبين أن المادة واتجاه المشرع ينطبق على حالتنا تمامًا.