روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين Empty بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 10:03 am

    حكم العمل بالمحاماة
    في ظل العمل بالقوانين الوضعية وغياب الشريعة الإسلامية


    لا يتوهم القارئ الكريم أنني أبرر للمسلمين التحاكم لهذه القوانين الوضعية أو أحثهم على التحاكم إليها ـ عياذا بالله ـ ولكن البحث حول الواقع الذي نعيشه ويعيشه غالب أهل الإسلام من تنحية لشرع الله والتحاكم إلى تلك القوانين الملفقة من شرائع غير المسلمين دون أن يكون لمن سلب له حق أو تعرض لعسف وظلم في ماله أو عرضه أو نفسه أو حتى في دينه اختيار التحاكم إلى شرع الله تعالى ، فيكون من هذا حاله أمام اختيارين أحلاهما مر ، فإما أن يتحاكم إلى تلك القوانين الوضعية مع ما في ذلك من محاذير شرعية ، وإما أن يترك حقه بالكلية أو يعصف الظلم بماله أو عرضه أو دينه أو نفسه دون أن يملك لنفسه شيئاً ، ولا يخفى ما في ذلك من إصر وحرج بالغ تأباهما شريعة الإسلام .

    ومما زاد الطين بلة أن أهل الفضل من العلماء والمشايخ ونحوهم لا سلطان لهم ولا شوكة تمكنهم من إنفاذ أحكام الشرع لو لجأ إليهم بعض الناس في الخصومات، خصوصاً إذا كان المعتدي من الظالمين الممتنعين بشوكة ، فإنه لا يستسلم لأحكام الشرع إذا نطق بها من ليس له سلطان ولا شوكة ، إلا من غلبته التقوى، وانقاد لسلطان خشية الله، وهذا لا يكون إلا إذا كان الخصوم جميعاً من أهل التقوى والورع والإيمان ، وللأسف فإن غالب حال الناس بعامة والمتخاصمين بخاصة ليس من الصنف الأخير فلا يردعهم إلا السلطان بشرطته وسجونه .

    فإذا وقعت خصومة وكان أحد أطرافها مسلم مظلوم تم الاعتداء عليه أو على عرضه أو ماله أو نفسه أو أهله من هذا الصنف الظالم الذي يمتنع عن الاحتكام لأحكام الشرع التي يقضي بها العلماء والمشايخ ، ولو حوكم لما استجاب لأحكامهم ماداموا لا يملكون سلطاناً يزعون به ما لا يزعه القرآن والإيمان في نفوس كثير من الخلق، ولا يملكون شوكة أو شرطة وقوة تلزم وتأطر على أداء الحقوق، وتردع المجرمين والمعتدين والعابثين ؛ فكيف يُلزم المسلم المظلوم – والحال كذلك- باللجوء إلى هؤلاء العلماء والمشايخ في مثل هذه المظالم ، وهم لا يقدرون على رد حقه أو دفع مظلمته ، ثم إن اضطر إلى اللجوء إلى شوكة الحكومات أو شرطتها استجارة بهم من ظالم معتد أو دفعا لصولة فاجر استطال على عرضه أو غصب ماله أو أرضه أو داره يقال له وقعت في المحظور وقد يرميه البعض بالكفر أو الظلم أو الفسوق .

    ولا يتسرع البعض بأن يطلب من صاحب الحق ترك حقه فراراً من التحاكم إلى غير الله تعالي فالمسألة ليست دائما مسألة حقوق أو أموال يتنازل عنها المرء أو يتركها لله عصمة لدينه ، بل قد يتجاوز الاعتداء ويصل إلى ما لا سعة للناس في التنازل عنه أو الإعراض والسكوت عليه ، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً وتقع يومياً ، ومن ذلك العدوان على الأعراض أو خطف فلذات الأكباد أو طرد السكان من البيوت إلى الشوارع وفيهم النساء والأطفال والشيوخ وطرد المزارعين من المزارع والأراضي وطرد العمال من المصانع ، بل قد يتعلق الأمر بالاستهزاء بدين الإسلام أو بالقرآن أو بالسنة وأهلها ، وما كل أحد له من القوة أو العشيرة والجاه ما يقدر به على الدفع عن نفسه وعرضه وأهله أو عن دين الله أن يسب ويهان ، أو يجد على ذلك نصيراً أو مجيراً يمكنه به الاستغناء عن اللجوء إلى هذه الحكومات التي أمست بيدها القوة والسلطان ، فلابد للفقيه العالم بمقاصد الشريعة ومصالح العباد من مراعاة هذه الأحوال كلها والنظر فيها عند الكلام في هذه النوازل ، وعدم المبادرة برمي الناس بالكفر والردة أو الظلم والفسوق .

    ولا يتسرع البعض مرة أخرى ويحتج بالآيات التي بينت كفر من تحاكم إلى غير الله تعالى فهذه الآيات نزلت في وقت كان لحكم الله فيه دولة وسلطان، وأعدل الخلق بين ظهراني الناس ينصف المظلوم ، ويأطر الظالم على الحق ، ويعطي كل ذي حق حقه ، فشتان بين حال الناس في زماننا ولا اختيار لهم بين حكم الله تعالى وحكم غير الله ، بل عليهم الاختيار بين القوانين الوضعية أو التعرض للظلم وضياع الأموال وهتك الأعراض وليس مطروحا عليهم ولا بمقدورهم اختيار حكم الله تعالى أصلاً ، وبين حال الناس عندما نزلت آيات الحاكمية حيث كان الاختيار في زمانهم بين حكم الله تعالى الظاهر الممكن وبين حكم غير الله تعالى من الطواغيت والكهان والعرافين ، فلا شك أن البون شاسع بين حال الناس في زماننا في ظل غياب شريعة الله تعالى وانفراد القوانين الوضعية بتصريف الأحوال وضبط شئون الحياة ، وبين حال من ترك التحاكم لشريعة الله تعالى عن قصد واختيار رغم تيسر ذلك له .

    المبحث الأول : في تحديد نطاق البحث :

    وصورة المسألة محل البحث هي :

    1) مسلم اعتدي على ماله أو عرضه أو نفسه فهل له حق أن يرفع دعوى للمحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية يطالب فيها باسترجاع حقه المغتصب ؟

    فإذا جاز له ذلك جاز لوكيله وهو المحامي وإذا لم يجز له لم يجز لوكيله من باب أولى ، لأن الأصل أن ما جاز للأصيل جاز للوكيل وما منع منعه الأصيل منع منه الوكيل .

    2) أو مسلم قبض عليه وسيق للمحكمة بتهمة من التهم هو منها بريء أو أراد ظالم اغتصاب ماله أو أرضه أو داره بسيف القانون الوضعي فهل له دفع الظلم عن نفسه أو ماله أو عرضه أمام المحاكم التي لا تقبل من الدفاع إلا ما كان مبناه مواد القانون الوضعي ؟

    فهل فعله هذا يعد معصية يأثم عليها ، أو كفرا يرتد به - والعياذ بالله - ؟ .

    مع العلم أن هذا المسلم لم يجد إلا حكم القوانين الوضعية ، وهو مع ذلك مبغض لها ولحكمها ويتمنى أن يحكم بشرع الله تعالى ، ولو خير بين شرع الله تعالى وبين القوانين الوضعية لاختار شرع الله بلا تردد ، ولكنه لا اختيار له أصلا ، وهو لن يأخذ إلا حقه الذي شرعه الله ، وليس له من سبيل لرد الظلم أو استرداد الحق إلا تلك المحاكم ، فما هو الحكم لو لجأ إليها ؟ هذا هو محل البحث في هذا الفصل .

    فليس مقصد البحث في هذا الفصل سرد أدلة تحريم تحكيم غير الشريعة الإسلامية وبيان حكم ذلك ، وليس مقصد البحث أيضا بيان حكم القاضي أو الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله فليس هذا مجاله ، ولكن البحث في هذا الفصل ينحصر في بحث جواز أو عدم جواز اللجوء للمحاكم التي تطبق القوانين الوضعية بالنسبة لآحاد الناس ، فإذا جاز ذلك لهم جاز للوكيل من باب أولى لأنه نائب عن غيره .

    ينضبط البحث ويتحدد بالحدود والضوابط الآتية :

    يدور البحث حول حكم التحاكم للقوانين الوضعية لأخذ الحق أو لرد الظلم ، في واقعنا المعاصر أي في ظل غياب الشريعة الإسلامية وعدم تيسر الاحتكام إليها ولو مع بذل أقصى الوسع واستفراغ أقصى الجهد ، وليس كل ما يحكم به الناس من قوانين في واقعنا المعاصر مخالف للشريعة الإسلامية فيخرج من نطاق بحثنا الآتي :

    1) يخرج من نطاق البحث الاحتكام إلى القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية كقوانين الأحوال الشخصية وأحكام الوصايا والمواريث وما هو على تلك الشاكلة من القوانين التي استمدت أحكامها من الشريعة الإسلامية ، فلا يقال لمن تحاكم إلى تلك القوانين أنه تحاكم إلى قانون وضعي .

    2) ويخرج من نطاق البحث أيضاً الاحتكام إلى القوانين الوضعية ذات الطابع الإداري والتنظيمي التي يقصد منها إتقان الأمور ، والتي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية ، لكون ذلك لا يعد من ضروب التحاكم إلى غير الله تعالى ، قال رسول الله : (( أنتم أعلم بأمور دنياكم )) ([1]) .

    يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي :

    ( اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السماوات والأرض ، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك .

    وإيضاح ذلك أن النظام قسمان : إداري ، وشرعي . أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع ، فهذا لا مانع منه ، ولا مخالف فيه من الصحابة ، فمن بعدهم . وقد عمل عمر من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي ، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط ، ومعرفة من غاب ومن حضر ، وكاشترائه ـ أعني عمر ـ دار صـفوان بن أميـة وجعله إيَّاها سجناً في مكة المكرمة ، مع أنه لم يتخذ سجناً هو ولا أبو بكر . فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به ، كتنظيم شؤون الموظفين ، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع ، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به ، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة ) ([2]).

    3) ليس مطروحا للبحث هنا حكم من رفض التحاكم إلى الشرع المطهر مختاراً واختار التحاكم إلى القوانين الوضعية ، كما هو الحال في بعض البلدان التي يوجد بها محاكم شرعية تحكم بالشريعة الإسلامية وأخرى وضعية تحكم بالقانون الوضعي ، فهذا أُتيح له الاختيار بين حكم الله تعالى وحكم غير الله فاختار حكم غير الله وقدمه على حكم الله فهو الذي تنطبق عليه آيات الحاكمية ، قال تعالى : ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدا ً( ([3]) . فهذا وجد حكم الله وعزف عنه لحكم الطاغوت بعكس الواقع المعاصر الغالب حيث لا اختيار أصلا .

    4) ظهر لي عند بحث هذه المسألة وتحريرها واستقصاء أقوال أهل العلم فيها أن البعض يخلط بين المحامي الذي يباشر عمله أمام المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية وبين الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله أو المشرع للقوانين الوضعية أو القاضي الذي يحكم بالقانون الوضعي ، رغم أن المحامي لا يعدو كونه وكيلاً عن آحاد الناس فلا هو حاكم ولا مشرع ولا قاض ، فالاحتجاج بأقوال أهل العلم في خصوص هؤلاء الثلاثة وتنزيلها على عمل المحامي احتجاج في غير محله ويحتاج إلى مراجعة .

    المبحث الثاني : في التعليق على آيات الحاكمية :

    قد يحتج من يرى عدم جواز طلب الحق أو رد الظلم بالقوانين الوضعية بالآيات الآتية التي اصطلح واشتهر تسميتها بآيات الحاكمية لتعلقها ببيان حكم من حكم أو تحاكم إلى شرع الله أو شرع غير الله ، وقد صنفتها إلى طائفتين :

    الطائفة الأولى تخاطب من تصدى للحكم بين الناس وهو ما يخرج عن نطاق البحث وهذه الطائفة تنتظم قوله تعالى :

    )وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( ([4]).

    )وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( ([5]).

    )وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ( ([6]).

    فالآيات الثلاثة لا تعلق لها بموضوع بحثنا حيث حددنا نطاقه ببحث حكم آحاد الناس من المحكومين لو تحاكموا إلى غير شرع الله عند عدم تمكنهم من الاحتكام إلى شرع الله ، والآيات الثلاثة تتعلق بحكم من حكم بين الناس بغير ما أنزل الله تعالى ولا تعلق لها بالمحكومين من آحاد الناس ([7]).

    والطائفة الثانية من الآيات تتعلق بموضوع بحثنا حيث تخاطب بالأساس المتحاكمين :

    قال الله تعالى : )إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ([8]).

    وقال تعالى : )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( ([9]).

    وقال تعالى : )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً( ([10]) .

    وليس فيما سبق من آيات ما يصح الاحتجاج به على عدم الجواز وذلك للآتي :

    1) آية سورة النور تختص بمن دعي إلى التحاكم إلى شرع الله تعالى وما يجب عليه من وجوب السمع والطاعة وإجابة الدعوة ، وهو ما يخرج من نطاق البحث ؛ لأن البحث يتعلق بغياب الشريعة أصلا وعدم تيسر التحاكم إليها ، وكذا يقال في آية النساء رقم 65 حيث تخص من تيسر له الاحتكام لشرع الله تعالى فيجب عليه ألا يعدل عنه إلى غيره وأن ينقاد ظاهرا وباطنا لحكم الله تعالى وحكم رسوله .

    2) أما آية النساء رقم 60 فهي التي تحتاج إلى وقفة ، فهذه الآية نزلت وحكم الله تعالى هو الغالب الممكن ورسول الله تعالى له شوكة ومنعة تمنع الظالم من التمادي في ظلمه وتنزله على حكم الله تعالى جبرا وقهرا إن رفض ذلك مختاراً .

    3) تصف آية النساء الأخيرة من عدل عن حكم الله تعالى إلى حكم الطاغوت وأنه قد عدل مختاراً رغم تمكنه من اختيار حكم الله فاستحق الوعيد بنفي الإيمان .

    4) عند تحقيق مناط الحكم في آية النساء الأخيرة ، يبين أنه إرادة واختيار المكلف لحكم غير الله تعالى وتقديمه على حكم الله الذي هو متمكن من التحاكم إليه كما هو سبب نزول الآيات .

    وأما سبب نزول الآية فقد قال ابن جرير : (عن عامر في هذه الآية: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ( قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة, فكان المنافق يدعو إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة, وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة, فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جُهينة, فأنزل الله )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ( يعني المنافقين . )وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ( يعني اليهود. )يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ( يقول: إلى الكاهن. إلى قوله: )وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(.

    وقال الضحاك: دعا اليهودي المنافق إلى النبي , ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف وهو)الطَّاغُوتِ( .

    ورواه أبو صالح عن ابن عباس قال: كان بين رجل من المنافقين ـ يقال له بشر ـ وبين يهودي خصومة; فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد . وقال المنافق: بل إلى كعب بن الأشرف ـ وهو الذي سماه الله )الطَّاغُوتِ( أي ذو الطغيان ـ فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله فلما رأى ذلك المنافق أتى معه إلى رسول الله فقضى لليهودي. فلما خرجا قال المنافق: لا أرضى, انطلق بنا إلى أبي بكر; فحكم لليهودي فلم يرض . ذكره الزجاج وقال: انطلق بنا إلى عمر فأقبلا على عمر فقال اليهودي: إنا صرنا إلى رسول الله ثم إلى أبي بكر فلم يرض; فقال عمر للمنافق: أكذلك هو ؟ قال: نعم. قال: رويدكما حتى أخرج إليكما. فدخل وأخذ السيف ثم ضرب به المنافق حتى بَردَ ([sup][11])[/sup] , وقال: هكذا أقضي على من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسوله; وهرب اليهودي, ونزلت الآية, وقال رسول الله : (أنت الفاروق). ونزل جبريل وقال: إن عمر فرق بين الحق والباطل; فسمي الفاروق . وذكر ابن جرير سببا آخر فقال : كان ناس من اليهود قد أسلموا ونافق بعضهم, وكانت قريظة والنضير في الجاهلية إذا قتل الرجل من بني النضير قتلته بنو قريظة قتلوا به منهم, فإذا قتل الرجل من بني قريظة قتلته النضير, أعطوا ديته ستين وسَقا ([sup][12]) [/sup]من تمر ، فلما أسلم ناس من بني قريظة والنضير, قتل رجل من بني النضير رجلا من بني قريظة , فتحاكموا إلى النبي , فقال النضيري : يا رسول الله ، إنا كنا نعطيهم في الجاهلية الدية, فنحن نعطيهم اليوم ذلك . فقالت قريظة : لا , ولكنا إخوانكم في النسب والدين, ودماؤنا مثل دمائكم , ولكنكم كنتم تغلبوننا في الجاهلية, فقد جاء الله بالإسلام . فأنزل الله يعيرهم بما فعلوا. فقال: )وَكَتَبْنَاعَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ( ([13]) فعيرهم , ثم ذكر قول النضيري: كنا نعطيهم في الجاهلية ستين وسقا ونقتل منهم ولا يقتلون, فقال: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ( ([14]) . وأخذ النضيري فقتله بصاحبه ، فتفاخرت النضير وقريظة, فقالت النضير: نحن أكرم منكم. وقالت قريظة: نحن أكرم منكم . ودخلوا المدينة إلى أبي بردة الكاهن الأسلمي , فقال المنافق من قريظة والنضير: انطلقوا إلى أبي برزة ينفر بيننا ([sup][15]) [/sup]. وقال المسلمون من قريظة والنضير: لا, بل النبي ينفر بيننا. فتعالوا إليه. فأبى المنافقون, وانطلقوا إلى أبي برزه فسألوه, فقال: أعظموا اللقمة. يقول: أعظموا الخطر ـ فقالوا: لك عشرة أوساق . قال: لا, بل مائة وسق ديتي, فإني أخاف أن أنفر النضير فتقتلني قريظة, أو أنفر قريظة فتقتلني النضير . فأبوا أن يعطوه فوق عشرة أوساق, وأبى أن يحكم بينهم, فأنزل الله عز وجل:)يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ( وهو أبو برزة, وقد أمروا أن يكفروا به , إلى قوله: )وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً( ([16]).

    وعن عبد الله بن الزبير ( أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي في شِّرَاج الحَرَّة ([sup][17])[/sup] التي يسقون بها النخل ، فقال الأنصاري : سرح ([sup][18] )[/sup] الماء يمر . فأبى عليه ، فاختصما عند النبي فقال رسول الله للزبير : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك . فغضب الأنصاري فقال : أن كان ابن عمتك . فتلون وجه رسول الله ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر . فقال الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك)فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ( ) ([19]).

    خلاصة ما سبق :

    بالنظر إلى الصورة التي أوردها العلماء وجزموا أنها سبب لنزول تلك الآيات نجد أن فيها إعراضا ظاهرا عن حكم الشرع ورفضا ظاهرا له رغم تمكن الخصمين من التحاكم إلى الشرع بخلاف الصورة التي هي محل البحث ، فليس فيها تمكن من التحاكم إلى الكتاب والسنة لغيابهما ، وليس في مقدور المكلف الاختيار.

    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين Empty رد: بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 10:04 am

    المبحث الثالث :

    ما تقرر في الأصول من أن الحاجة العامة أو الخاصة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور ، والاستناد إلى تلك القاعدة في إباحة الاحتكام إلى القوانين الوضعية بالنسبة لآحاد الناس في واقعنا المعاصر :

    ماذا يفعل ضعفة المسلمين إذا صال عليهم مجرم غاشم أو خطف لهم ولداً أو هتك لهم عرضاً أو اعتدى على أنفسهم وأموالهم ، ولا سلطان أو تمكين لحكم الله ؟؟ وهل تركتهم الشريعة سدىً، وأهملتهم دون حل في مثل هذه النوازل ؟

    والمتأمل في هذه المسألة يجد أنها تقع على المسلمين في كل يوم وليلة ولا يتصور أن الله تعالى يضع أعظم الآصار والأغلال على المسلمين الموحدين فتضيع حقوقهم وتنتهك أعراضهم وتزهق أرواحهم بسبب تحريم سلوك السبيل الوحيد الممكن أمامهم - وأقصد سلوك طريق المحاكم التي تطبق القوانين الوضعية - والله سبحانه وتعالى لم يترك الناس هملا ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به قال تعالى : )وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( ([20]).

    فالحرج كل الحرج هو إهدار أموال المسلمين للفسقة والظلمة وأشد منه إهدار أعراضهم وأنفسهم !! قال تعالى : )لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ( ([21]).

    وتحريم التحاكم للقوانين الوضعية في واقعنا المعاصر لأخذ الحقوق والدفاع عن الأنفس من أعظم الآصار والأغلال ، ولو علم الظلمة أن هؤلاء المستضعفين من المسلمين لن يشتكوهم للمحاكم لفعلوا بهم الأفاعيل ولنكلوا بهم أيما تنكيل .

    بعد هذه التقدمة نقول إن شريعة الإسلام أعظم وأيسر الشرائع وأكثرها رحمة بالناس ومراعاة لما قد يطرأ عليهم من مُلماتٍ ونوازل وشدائد ، فكلما حلت الشدة والمشقة جلبت التيسير ، وكلما ضاق الأمر اتسع ، فمن فقد الماء أو عجز عن استخدامه تيمم ، ومن عجز عن الصلاة قائما صلى قاعدا فان عجز فمضجعا ، حتى أجازت شريعة الإسلام إجراء الصلاة على القلب ومن عجز عن استقبال القبلة صلى قدر استطاعته ، ومن عجز عن الصيام أفطر ، ومن خاف الموت جوعا حلت له الميتة ، ومن خاف الموت عطشا حل له شرب الخمر إن لم يجد غيرهما ، وهكذا من الأمثلة التي يعلم منها سعة رحمة الله تعالى بخلقه.

    وفي الجملة يقال : إن الله أرسل رسوله بالحنيفية السمحة من أجل الحفاظ على الكليات الخمس وهى الدين والنفس والعرض والعقل والمال ، وشرع سبحانه الحفاظ عليها ولو بفعل المحظور إذا لم يكن هنالك من سبيل غيره للحفاظ عليها ، حتى أنزل الله تعالى قرآنا يتلى إلى قيام الساعة في جواز قول الكفر وسب الله تعالى وسب رسوله سباً صريحاً لمن أكره على ذلك وخاف فوات نفسه قال تعالى )مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( ([22]) .

    ومن هذا الباب : قال العلماء ـ رحمهم الله ـ : [الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور].

    وهذه القاعدة من أعظم القواعد الشرعية الدالة على سماحة التشريع الإسلامي ومدى قابليته لحل المشكلات والمسائل الطارئة في كل زمان ومكان .

    ولكنها ذات خطر عظيم من حيث التطبيق خشية أن يستغلها أصحاب الهوى كحجة في الخروج من الحرمة إلى الإباحة ، ( والواقع أنها لا تقوم مقام الضرورة إلا عند تعينها في حالات معينة ، أما الاستناد إليها في تحليل المحرم دائما فليس من قبيل الرجوع إلى التشريع المقرر بل يكاد أن يكون نابعاً من اتباع الهوى وإرضاء النفوس المريضة والانقياد من نزوات النفس ، أما إذا تحققت الحاجة ـ فعلا ـ وتعينت فلا بأس من تنزيلها منزلة الضرورة التي تبيح المحرم ) ([23]).

    وحتى نفهم المقصود بهذه القاعدة الفقهية الجليلة وعلاقتها بموضوع البحث ينبغي الإلمام بجملة معاني ، ومنها : معنى الحاجة ، ومعنى الضرورة ، ومعنى رفع الحرج ، ومتى تتنزل الحاجة منزلة الضرورة .

    المطلب الأول : في الحاجة :

    أولاً : في تعريف الحاجة :

    جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في مادة حَاجَةٌ (1- الحاجة تطلق على الافتقار ، وعلى ما يفتقر إليه .

    واصطلاحاً هي - كما عرّفها الشّاطبيّ - ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المصلحة ، فإذا لم تراع دخل على المكلّفين - على الجملة - الحرج والمشقّة .

    ويعتبرها الأصوليّون مرتبة من مراتب المصلحة ، وهي وسط بين الضّروريّ والتّحسينيّ .

    والفقهاء كثيراً ما يستعملون الحاجة بالمعنى الأعمّ وهو ما يشمل الضّرورة ، ويطلقون الضّرورة مراداً بها الحاجة الّتي هي أدنى من الضّرورة .

    ثانياً : الألفاظ ذات الصّلة :

    أ - الضّرورة :

    الضّرورة لغة من الضّرّ خلاف النّفع ، قال الأزهريّ : كلّ ما كان سوء حال وفقر وشدّة في بدن فهو ضرّ بالضّمّ ، وما كان ضدّ النّفع فهو بفتحها.
    وعرّفها الجرجانيّ بأنّها النّازل ممّا لا مدفع له.


    وهي عند الأصوليّين : الأمور الّتي لا بدّ منها في قيام مصالح الدّين والدّنيا وهي حفظ الدّين والعقل والنّفس والنّسل والمال.بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدّنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج وفوت حياة ،وفي الأخرى فوت النّجاة والنّعيم والرّجوع بالخسران المبين.

    والفرق بين الحاجة والضّرورة ، أنّ الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقّة فهي دون الضّرورة ، ومرتبتها أدنى منها ولا يتأتّى بفقدها الهلاك.

    ب _ التّحسين :

    التّحسين لغة : التّزيين.

    والتّحسين باعتبار ملاءمة الطّبع كقولنا : ريح الورد حسن ، أو باعتباره صفة كمال ، كقولنا : العلم حسن ، فمصدره العقل بلا خلاف.

    والتّحسين باعتبار الثّواب الشّرعيّ فيه خلاف بين المعتزلة القائلين بأنّ العقل يستقلّ بإدراك الحسن والقبح ، والأشاعرة القائلين بأنّ مصدره الشّرع ، والماتريديّة القائلين بأنّ العقل يستقلّ بإدراك حسن وقبح بعض الأفعال ، ولا يلزم أن يأتي الشّرع على وفق إدراكنا كحالة خفيت على عقولنا.

    والتّحسينات كمقصد من مقاصد الشّريعة هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنّب الأحوال المدنّسات الّتي تأنفها العقول الرّاجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق والصّفات.

    أو هي ما لا تدعو إليها ضرورة ولا حاجة ولكن تقع موقع التّحسين والتّيسير ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات.

    وعلى ذلك تكون التّحسينات رتبة أدنى من رتبة الحاجيّات.
    ج - الاستصلاح :


    المصالح المرسلة ما لا يشهد لها أصل من الشّارع لا بالاعتبار ولا بالإلغاء . وتنقسم إلى ضروريّ وحاجيّ وتحسينيّ . وهي بذلك أعمّ من الحاجة.

    د - الرّخصة :

    الرّخصة هي ما استبيح بعذر مع قيام الدّليل المحرّم ، أو هي ما بني على أعذار العباد ؛ وبذلك يظهر أنّ الرّخصة أثر للحاجة.



    الاحتجاج بها :

    الحاجة مرتبة وسط بين مراتب المصلحة ، وفي الاحتجاج بها خلاف بين الأصوليّين.

    قال الغزاليّ في المستصفى : إن وقعت المصلحة في محلّ الحاجة فلا يجوز الحكم بمجرّدها إن لم تعتضد بأصل ، إلاّ أنّها تجري مجرى الضّرورات ، فلا بعد أن يؤدّي إليها اجتهاد مجتهد. ومثل ذلك في روضة النّاظر.

    ومن هنا قول بعض الحنفيّة : إنّ الحاجة قد تنزل منزلة الضّرورة إذا عمّت.
    وما مشى عليه الغزاليّ هو أحد أقوال ذكرها أبو إسحاق الشّاطبيّ في الاعتصام ، وعزا هذا القول إلى القاضي وطائفة من الأصوليّين.


    والقول الثّاني : هو اعتبار ذلك ، وبناء الأحكام عليه على الإطلاق ، وهو للإمام مالك ، قال القرافيّ في الذّخيرة : هي حجّة عند الإمام مالك بدليل أنّ اللّه تعالى بعث الرّسل لتحصيل مصالح العباد عملا بالاستقراء فمهما وجدت مصلحة غلب على الظّنّ أنّها مطلوبة للشّرع.

    والقول الثّالث : هو اعتبار ذلك بشرط قربه من معاني الأصول الثّابتة وهو للشّافعيّ ومعظم الحنفيّة ، وهذا ما حكاه الإمام الجوينيّ.

    مراعاة الحاجة مقصد من مقاصد الشّريعة :

    الحاجة مفتقر إليها من حيث التّوسعة والتّيسير ورفع الضّيق المؤدّي إلى الحرج.واليسر ودفع المشقّة والحرج في الأحكام الشّرعيّة من مبادئ الشّريعة.

    يقول الشّاطبيّ : إنّ الشّارع لم يقصد إلى التّكليف بالمشاقّ والإعنات فيه، والتّكاليف كلّها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وأخراهم، ومصالح الدّنيا والآخرة ثلاثة أقسام كلّ قسم منها في منازل متفاوتة.

    أمّا مصالح الدّنيا فتنقسم إلى الضّرورات والحاجات والتّتمّات والتّكميلات فأقلّ المجزئ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح وغيرها ضروريّ.

    وما كان من ذلك في أعلى المراتب كالمآكل الطّيّبات والملابس النّاعمات والقصور الواسعات فهو من التّتمّات والتّكميلات ، وما توسّط بينهما فهو من الحاجات.

    وأمّا مصالح الآخرة ففعل الواجبات واجتناب المحرومات ضروريّ ، وفعل السّنن المؤكّدات من الحاجات ، وما عدا ذلك من المندوبات فهي من التّتمّات والتّكميلات.

    والحاجيّات وإن كانت أدنى رتبة من الضّروريّات باعتبار أنّ الضّروريّات هي الأصل إلاّ أنّ الحاجيّات مكمّلة لها ، والمحافظة عليها وسيلة للمحافظة على الضّروريّات.

    كما أنّ ترك الحاجيّات يؤدّي في النّهاية إلى ترك الضّروريّات ، لأنّ المتجرّئ على الإخلال بالأخفّ معرّض للتّجرّؤ على ما سواه ، فالمتجرّئ على الإخلال بالحاجيّات يتجرّأ على الإخلال بالضّروريّات.

    ولذلك قصد الشّارع المحافظة على هذه القواعد الثّلاث ' الضّروريّة ، والحاجيّة ، والتّحسينيّة وهي مسألة لا يرتاب في ثبوتها شرعاً أحد ممّن ينتمي إلى الاجتهاد من أهل الشّرع وأنّ اعتبارها مقصود للشّرع ، ودليل ذلك استقراء الشّريعة ، والنّظر في أدلّتها الكلّيّة والجزئيّة ، وما انطوت عليه من هذه الأمور العامّة.

    رابعاً : ما تجري فيه الحاجة :

    الحاجة تراعى في العبادات ، والعادات ، والمعاملات ، والجنايات.
    ففي العبادات كالرّخص المخفّفة بالنّسبة إلى لحوق المشقّة بالمرض والسّفر.
    وفي العادات كإباحة الصّيد والتّمتّع بالطّيّبات ممّا هو حلال مأكلاً ومشرباً ومسكناً ومركباً وما أشبه ذلك.


    وفي المعاملات كَالْقِرَاضِ ([sup][24])[/sup] ، وَالْمُسَاقَاةِ ([sup][25])[/sup] ، وَالسَّلَمِ ([sup][26])[/sup] ، وإلغاء التّوابع في العقد على المتبوعات ، كثمرة الشّجر ومال العبد.

    وفي الجنايات كالحكم بِاللَّوْثِ ([sup][27]) [/sup]، وَالتَّدْمِيَةِ ([sup][28])[/sup] ، وَالْقَسَامَةِ ([sup][29]) [/sup]، وَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ([sup][30])[/sup] ، وَتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ ([sup][31])[/sup]وما أشبه ذلك ) أ . هـ ([32]).

    المطلب الثاني : في الضَّرورة :

    أولا ً : تعريف الضَّرورة :

    في اللغة : تعني الاحتياج الشديد . ولها في الشرع تعريفاتٌ عديدةٌ نختار منها التعريف الآتي : ( الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالةٌ من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعِرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ، وعندئذٍ يتعيَّن أو يُباح ارتكاب الحرام ، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته ، دفعاً للضرر في غالب الظنِّ ، ضمن قيود الشرع ) ([33]).

    ثانياً : أحكام الضرورة :

    1ـ مشروعية الضرورة :

    لقد شُرعت أحكام الضرورة رفعاً للحرج عن المكلفين ، وتيسيراً من الخالق عزَّ وجلَّ الذي شَرَّعَ للخلق شريعةً حنيفية تساير فطرتهم ولا تحمِّلُهم فوق طاقتهم ، علماً بأن الأصل في التكليف أن يؤدى على الصورة التي أقرها الشارع الحكيم ، وبما أنه لا يكاد يخلو تكليف من بعض المشقة ، فالأصل أن يؤدي المسلم التكاليف ويتحمَّل ما فيـها من مشقة ، وله على صبره واحتماله للمشقة الأجرُ عند الله تعالى ، ولا يجوز الترخُّص من التكليف إلا في حال الضرورة ، كأن يستيقن أنه لا يُطيق القيام بالتكليف ، فعندئذ يجوز له الترخُّص والأخذ بأحكام الضرورة.

    2ـ ضوابط الضرورة :

    لقد استنبط الفقهاء عدداً من القواعد الفقهية لضبط أحكام الضرورة ، نذكر منها :

    * المشقة تجلب التيسير ، إلا ما كان فيه نص فلا يجوز الترخص فيه ، ولو كان فيه مشقة ، لأنَّ المشقة ـ بدرجاتها المتفاوتة ـ لا تكاد تنفكُّ عن أيٍّ من التكاليف المنصوص عليها ، كما أسلفنا .

    * إذا ضاق الأمر اتسع ، أي إذا ظهرت المشقة في أمر ما فإنه يرخص فيه ويوسع .

    * الضرورات تبيح المحظورات ، فالممنوع شرعاً يباح عند الضرورة .

    * الضرورات تقدر بقدرها ، فالترخص يكون على قدر الضرورة ولا يتجاوزها .

    * ما جاز بعذر بطل بزواله ، فيزول حكم الضرورة بزوال العذر الذي أباحها .

    * الاضطرار لا يبيح إضرار الغير ، وإلا كان من قبيل إزالة الضرر بالضرر وهو غير جائز .

    * الاضطرار لا يُبطل حقَّ الغير ، وهو يُسقط حقَّ الله عزّ وجلّ ، ويرفع الإثمَ والمؤاخذةَ عن المضطر أو المستكرَه .

    * الحاجة تنزل منزلة الضرورة ، ومنها مثلاً الحاجة لكشف العورات ومسِّها من أجل التداوي أو إجراء العمليات الجراحية دون إذن المريض في الحالات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل .

    ثالثاً : شروط الأخذ بالضرورة :

    ويشترط للأخذ بأحكام الضرورة عدة شروط ، نذكر منها :

    1) أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة .

    2) ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى مباحة إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية .

    3) مراعاة قدر الضرورة ، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، ولهذا قرر الفقهاء أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر ما يسدُّ الرمق .

    4) عند دفع الضرورة يراعى مبدأ درء الأفسد فالأفسد والأرذل فالأرذل .

    5) إذا كان الفعل لا يحتمل الترخص فلا يجوز الترخيص فيه بحجة الاضطرار .

    رابعاً : حالات الضرورة :

    إن الحالات التي تبيح الأخذ بأحكام الضرورة كثيرة جداً لا تكاد تحصى ، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان ، وقد ذكر العلماء بعض هذه الحالات من باب التمثيل لها ، ومن ذلك مثلاً :

    * جواز أكل وشرب المحرَّم : من الطعام أو الشراب ونحوه للمضطر .

    * جواز التداوي بالمحرَّم : أجازه الحنفية خلافاً للجمهور ، واشترطوا عدم وجود دواء حلال غيره مع تيقن الشفاء به ، أما الجمهور فلم يجيزوه لحديث أم الدرداء قالت : قال رسول الله : (( إن الله خلق الداء والدواء فتداووا ولا تتداووا بحرام )) ([34]) .

    * جواز النظر إلى المحرَّم ولمسه بقصد التداوي ، وكشف موضع المرض حتى وإن كان من العورة والنظر إليها ولمسها بقصد التداوي ، وللرجل مداواة المرأة ، وللمرأة مداواة الرجل عند الضرورة .

    * جواز إفشاء السر الطبي ، في حال الضرورة كأن يكون لكشف جريمة أو نحوه .

    * لا يجوز بحُجَّةِ الاضطرار انتهاكُ المحظوراتِ المتعلقة بالغير ، مثل انتهاك الحرمـات والأعراض ، وقتل النفس التي حرَّم اللهُ إلا بالحقِّ ، والزنى ، وغَصْبُ مالِ الغير .

    * لا يجوز بحجة الضرورة قولُ الباطل إلا لمصلحة راجحة ، وقد ورد في السنة النبوية حالات أجاز فيها قول الباطل ، منها : النطق بكلمة الكفر باللسان لا بالقلب لمن أُكره عليه حتى خشي على نفسه الهلاك إن لم يفعل ، ويجوز أيضاً الكذب بقصد الإصلاح بين الناس أو الكذب في الحرب للتمويه على العدو ، ونحوه .

    المطلب الثالث : في أحكام رفع الحرج :

    أولاً : تعريف رفع الحرج :

    ويسمى أيضاً دفع الحرج ، أو نفي الحرج ، وهو يعني إزالة ما في التكليف الشَّاق من المشقَّة ، إما برفع التكليف من أصله ، أو بتخفيفه ، أو بالتَّخْيير فيه ، أو بأنْ يُجْعَلَ له مَخْرَجٌ ، كما نبين بعد قليل .

    ثانياً : أحكام رفع الحرج :
    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين Empty رد: بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 10:06 am

    مشروعية رفع الحرج :

    إن الله عزَّ وجلَّ لم يقصد بالتكليف المشقة على الخلق ، ولم يقصد إعناتهم ولا إحراجهم ، وفي هذا يقول تعالى :)هوَ اجتباكُمْ وما جعلَ عليكمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّة أَبيكمْ إِبْراهيم( ([sup][35])[/sup]، ويقول النبيُّ : (( بُعثتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحة )) ([36]) ، ومن رحمة الله تعالى بعباده أنَّ التكليف الذي شَرَعَهُ لهم ليس فيه شيءٌ من التعجيز، بل هو مما يستطيعه معظم الخلق )لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلا وُسْعَها .. ( ([37]) فالتكاليف الشرعيَّة كلها تقع في الأحوال الطبيعية ضمن إمكانيات البشر العقلية والبدنية .

    إلا أن الإنسان يمر بمراحل في حياته أو يتعرض لأمراض أو أحوال تجعل في قيامه ببعض التكاليف حرجاً وضيقاً ، والحرج قد يأتي من الإنسان نفسه ، كالصبيِّ الذي لم يبلغ الحُلُم بعد ، والمجنون الذي لا يعقل ، والحائض والنُّفَساء ، وقد يأتي الحرج من أسباب خارجة عن الإنسان ، كالسفر والمرض والعُسْر ، فالتخفيفُ يأتي متناسباً مع هذه المشاقِّ ، فقد يسقط التكليف من أصله كإسقاط الصلاة عن الحائض والنفساء ، أو ينقص مثل قصر الصلاة في السفر ، أو يبدل مثل التيمم بدل الوضوء ، أو يقدَّم أو يؤخر ، كتقديم الصـلاة أو تأخيرها .. وقد وضع الفقهاء عدداً من القواعد الفقهية التي تتعلق برفع الحرج منها :

    * المشقة تجلب التيسير .

    * إذا ضاق الأمـر اتسع .

    * الضـرر يـُزال .

    * الضرورات تبيح المحظورات .

    * الحاجة تنزل منزلة الضرورة .

    ويندرج تحت هذه القواعد جميع الرُّخص التي وردت في الشَّرع الحنيف ، ولكلِّ واحدة من هذه القواعد شروط .

    2ـ أنواع الحرج :

    يقسم الحرج إلى : حرج حقيقي وهو ما كان لـه سبب معين واقـع بنَصٍّ ( السفر ، المرض .. ) أو ما كان ينطوي على مشقة خارجة عن المعتاد ، وحرج وهمي وهو ما لم يوجد فيه سبب مرخص محدد أو لم تكن فيه مشقة خارجة عن المعتاد .. والحرج الحقيقي هو المعتبر بالرفع والتخفيف لأن الأحكام لا تُبنى على الأوهام .

    كما يقسم الحرج من حيث وقت تحققه إلى : حرج حالي وهو ما كانت مشقته متحققة في الحال كالحرج الحاصل للمريض ، وحرج مآلي وهو ما يلحق المكلف بسبب المداومة على فعل لا حرج فيه أصلاً ، كالمبالغة ببعض النوافل إلى درجة تجعل فيها شيئاً من الحرج !

    وهناك من يقسم الحرج إلى : حرج عام وهو ما كان عاماً للناس كلهم ولا قدرة للإنسان الانفكاك عنه غالباً ، وحرج خاص وهو ما كان ببعض الأقطار أو بعض الأزمان أو بعض الناس وما شابه ذلك .

    وقد يقسم الحرج أيضاً إلى : حرج بدنيّ وهو ما كان أثره واقعاً على البدن كوضوء المريض الذي يضره الماء ، وصوم المريض وكبير السن ، وحرج نفسيّ وهو ما كان أثره واقعاً على النفس كالألم والضِّيق وغيرها من الأعراض النفسيَّة .. ويشترط لرفع الحرج أن يكون حرجاً حقيقياً عاماً ، لا يعارض نصاً قطعياً ولا نصاً ظنياً يرجع إلى أصل قطعي ([38]).

    3ـ أسباب رفع الحرج :

    يمكن حصر أهم الأسباب التي تجيز رفع الحرج فيما يأتي :

    السفر:

    لأنه مظنة المشقة ، فيباح بالسفر المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن على رأي الجمهور ( وعند المالكية يجوز المسح في السفر والحضر من غير تحديد مدة معلومة ) كما يباح للمسافر قصر الصلوات الرباعيَّة إلى ركعتين لكل منها ، والجمع بين صلاة الظهر والعصر في وقت إحداهما أو بين صلاة المغرب والعشاء في وقت إحداهما ، ويسقط عن المسافر فرض الجمعة ، ويجوز له فطر رمضان ثم يقضي الأيـام التي أفطرها ولا كفارة عليه.

    الإكراه :

    ( وهو حمل المرء على أمر لا يرضاه ، وهو عذر من الأعذار المخففة التي تسقط بها المؤاخذة في الدنيا والآخرة ، فلا يتحمل المُكْرَهُ ما نتج عن فعله الذي أُكره عليه من آثار دنيوية أو أخروية ، وقد حدد الفقهاءُ الإكراهَ الذي يبيح الأخذ بحكم الضرورة بأنه الإكراه الملجئ أي الذي لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار ، كالتهديد بالقتل ، أو التخويف بقطع عضو من الأعضاء أو الضرب الذي يخاف منه إتلاف النفس أو الأعضاء ، وهناك حالات لا تأخذ حكم الإكراه كالإكراه على قتل المسلم بغير حق ، أو قطع عضو من أعضائه ، أو جرحه أو ضرب الوالدين ، أو الزنى ) ([39]) ، فهذه وأمثالها لا عبرة للإكـراه فيهـا ، ويؤاخذ من يفعلها وإن كان مكرهـاً .

    النسيـان :

    وقد رفع اللهُ عزَّ وجلَّ عنا إثمَ الغفلـة والنسيان وفيـه يقول النبيُّ Sad( إنَّ اللهَ تجاوزَ لي عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرهوا عليه )) ([40]) ،والنسيان عذرٌ شرعي إلا فيما يتعلق بحقوق العباد فليس عذراً مخففاً لأن حقَّ الله عزَّ وجلَّ مبناه على الغفران والمسامحة ، أما حقوق العباد فمبناها على المشاحَّة والمطالبة فلا يكون النسيان عذراً فيها .

    الجهل :

    ويعني عدم العلم بالأحكام الشَّرعيَّة أو بأسبابها ، ودليله الحديث الذي تقدم ، وهو عذرٌ مخفِّف إنْ تعلَّق الأمرُ بحقٍّ لله تعالى ، أما إذا تعلَّق بحقٍّ للعباد فلا يعدُّ الجهل عذراً .. والأصل أنَّ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ الأساسيَّةَ المُقَرَّرَةَ في القرآن والسُّنَّة والإجماع لا يجوز للمسلم أن يعتذر بجهلها ( كتحريم الزنا وقتل النفس وسائر الفواحش ) ، وأما الأحكام الشَّرعيَّة الفرعيةَّ التي لا يعلمها غالباً إلا المختصُّون من العلماء فهذه يجوز للعَوَامِّ أنْ يعتذروا بجهلها ، والفرق بين الجاهل والنَّاسي أنَّ النَّاسي يطرأ عليه النسيان قهراً بحيث لا يتمكن من دفعه ، أما الجهل فيمكن التغلُّب عليه بالتَّعَلُّم ولهذا فإنَّ النِّسيانَ لا إثمَ فيه ويُعفى عنه ، أما الجهل فلا يعفى عنه ، والجاهل كالمتعمد ، والمكلَّفَ لا يجوز له أن يُقْدِم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله تعالى فيه ([41]).

    الخطـأ :

    هو الفعل غير المقصود الذي يترتب عليه ضرر أو مخالفة شرعية ، وقد يكون الخطأ في الفعل نفسه كالذي يرمي صيداً فيصيب إنساناً ، وقد يكون الخطأ في القصد من الفعل كالذي يجتهد في تحرِّي القِبْلة للصلاة فلا يُصبها ، والخطأ بنوعيه يعدُّ من الأسباب المخففة استناداً للحديث المتقدم ، حتى إنَّ الخطـأ في الجنايــات يَدرأ الحدودَ .

    العسر وعموم البلوى :

    والعسر يعني المشقة التي قد تحصل من الفعل أو من تجنب الفعل ، أما عموم البلوى فيعني شيوع البلاء بحيث يصعب على المرء التخلص منه أو تجنبه ويدخل في العسر وعموم البلوى الأعذارُ الغالبةُ كإسقاط الصلاة عن الحائض لكثرة تكرارها ، بخلاف صوم رمضان الذي يجب فيه القضاء لأنه مرة واحدة في السنة .

    النقص :

    إن نقصان قدرات الإنسان البدنية أو النفسية أو نقصانهما معاً هو من الأعذار المخففة رفعاً للحرج ، ومنه التخفيفات الواردة في حقِّ الأعرج والأعمى وغيرهما .

    المرض :

    وقد خصت الشريعة المريضَ بحظٍّ وافرٍ من التخفيفات ، لأن المرض يصاحبه العجز البدني والنفسي غالباً ، لهذا خفَّف الشارع عنه الكثير من التكاليف ، ومن ذلك مثلاً :

    - الترخيص له بالتيمم إذا عجز عن الوضوء ، أو خشي زيادة المرض أو تأخر الشفاء من استعمال الماء ، وجواز المسح على العضو المجبَّر بدل غسل العضو ريثما يحصل البرء .

    - في حال عجزه عن القيام بأعمال الصلاة أجاز له أن يصلي على الهيئة التي يقـدر عليها وأذن لـه أن يتخلـف عـن الجمعـة والجماعة .

    - في حال عجزه عن الصيام أباح له الفطر وقضاء ما فاته ، فإن كان شيخاً هرماً أسقط عنه الصيام وأجاز له الفدية .

    - في الحج أباح له فعل بعض محظورات الإحرام من لبس القميص ونحوه إن كانت ثياب الإحرام تضر بصحته ، وأجاز له التحلل عند الإحصار بسبب المرض أو غيره ، وأجاز له توكيل غيره في رمي الجمار إن لم تسعفه صحته على الرمي .

    - أجاز لـه التداوي بالمحرم عند الضرورة .

    - والمرض سبب من أسباب تخفيف الذنوب وتكفيرها ، لما ورد عن النبي : (( ما يُصيب المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حُزنٍ ولا أذىً ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بهـا من خطاياه )) ([42])، وهناك تخفيفات أخرى كثيرة شرعت للمريض في غير العبادات ([43]).

    المطلب الرابع : معنى قاعدة : الحاجة تُنَزَّلُ منزلة الضرورة :

    في الموسوعة الفقهية الكويتية (الحاجة تنزّل منزلة الضّرورة : من القواعد الفقهيّة الّتي ذكرها ابن نجيم والسّيوطيّ ، والزّركشيّ - وهي في مجلّة الأحكام - أنّ الحاجة العامّة أو الخاصّة تنزّل منزلة الضّرورة .

    ومعنى كون الحاجة عامّة أنّ النّاس جميعاً يحتاجون إليها فيما يمسّ مصالحهم العامّة من تجارة وزراعة وصناعة وسياسة عادلة وحكم صالح.

    ومعنى كون الحاجة خاصّة أن يحتاج إليها فرد أو أفراد محصورون أو طائفة خاصّة كأرباب حرفة معيّنة.

    والمراد بتنزيلها منزلة الضّرورة أنّها تؤثّر في الأحكام فتبيح المحظور وتجيز ترك الواجب وغير ذلك ، ممّا يستثنى من القواعد الأصليّة.

    أ - بعض أمثلة للحاجة العامة :

    والحاجة العامّة كالإجارة والجعالة ([sup][44])[/sup]والحوالة وغيرها ، قال الزّركشيّ نقلا عن إمام الحرمين : إنّ عقد الكتابة والجعالة والإجارة ونحوها جرت على حاجات خاصّة تكاد تعمّ ، والحاجة إذا عمّت كانت كالضّرورة ، فتغلب فيها الضّرورة الحقيقيّة.

    ومنها مشروعيّة الإجارة مع أنّها وردت على منافع معدومة ، يعني أنّ الشّرع كما اعتنى بدفع ضرورة الشّخص الواحد فكيف لا يعتني به مع حاجة الجماعة ، ولو منعت الجماعة ممّا تدعو الحاجة إليه لنال آحاد الجماعة ضرورة تزيد على ضرورة الشّخص الواحد فهي بالرّعاية أولى.

    ومنها ضمان الدّرك جوّز على خلاف القياس ، إذ البائع إذا باع ملك نفسه ليس ما أخذه من الثّمن دينا عليه حتّى يضمن ، ولكن جوّز لاحتياج النّاس إلى معاملة من لا يعرفونه ، لأنّه لا يؤمن خروج المبيع مستحقّاً.

    ومنها مسألة العلج ' الكافر ' الّذي يدلّ على قلعة الكفّار بجارية منها يصحّ للحاجة ، مع أنّ الجعل المعيّن يجب أن يكون معلوماً مقدوراً على تسليمه مملوكاً وهو مفقود هنا.

    والصّلح إنقاص للحقّ ويترتّب عليه أخذ مال الغير بدون وجه مشروع وهو جائز ، لأنّا إذا أجمعنا على بذل المال بغير حقّ في فداء الأسرى والمخالعة والظّلمة والمحاربين والشّعراء فكذلك هاهنا لدرء الخصومة.

    وذكر ابن القيّم أنّه يباح من ربا الفضل ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا _ وهي بيع الرّطب بالتّمر _ فهذا البيع في الحقيقة مشتمل على الرّبا ، لأنّ الرّطب والتّمر من جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر قطعا بلينه ، فهو أزيد أجزاء من الآخر زيادة لا يمكن فصلها وتمييزها ، ولا يمكن جعل الرّطب مساويا للتّمر عند كمال نضجه ، فالمساواة مظنونة وليست متيقّنة ، فلا يجوز قياساً بيع أحدهما بالآخر ، لكن جاءت السّنّة النّبويّة مبيحة له للحاجة ، روى البخاريّ ومسلم عن زيد بن ثابت (( أنّ رسول اللّه رخّص في العرايا أن تباع بخرصها ([sup][45])[/sup] كيلاً )) ([46]) .

    ب - ومن أمثلة الحاجة الخاصّة ما يأتي :

    ذكر الزّركشيّ من تطبيقات قاعدة الحاجة الخاصّة تبيح المحظور : الأكل من طعام الكفّار في دار الحرب ، فإنّه جائز للغانمين رخصة للحاجة ولا يشترط أن لا يكون معه طعام آخر بل يأخذ قدر كفايته وإن كان معه غيره.

    ومن ذلك لبس الحرير لحاجة الجرب والحكّة وسكت الفقهاء عن اشتراط وجود ما يغني عنه من دواء أو لبس كما في التّداوي بالنّجاسة.

    وذكر العزّ بن عبد السّلام في قواعده أنّه لا يجوز اقتناء الكلاب إلاّ لحاجة ماسّة كحفظ الزّرع والمواشي واكتساب الصّيود.

    وغير ذلك كثير من المسائل الّتي ذكرها الفقهاء.

    المطلب الخامس : في أقوال العلماء في خصوص القاعدة محل البحث :

    قال إمام الحرمين الجويني في الغياثي : (الحرام إذا طبَّق ([sup][47])[/sup] الزمان وأهله ولم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلا فلهم أن يأخذوا منه قدر الحاجة ، ولا تشترط الضرورة التي نرعاها في إحلال الميتة في حقوق آحاد الناس ، بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة ، في حق الواحد المضطر ، فإن الواحد المضطر لو صابر ضرورته ولم يتعاط الميتة لهلك ، ولو صابر الناس حاجاتهم وتعدوها إلى الضرورة لهلك الناس قاطبة ، ففي تعدي الكافةِ الحاجة من خوف الهلاك ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد ) ([48]).

    وقال العز بن عبد السلام : (.. المصلحة العامة كالضرورة الخاصة) . ([49])

    وقال بدر الدين الزركشي : (الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس كررها إمام الحرمين في مواضع من البرهان وكذا في النهاية . فقال في باب الكتابة : إن عقد الكتابة والجعالة ([sup][50])[/sup] والإجارة ونحوها جرت على حاجات خاصة تكاد تعم , والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة فتغلب فيها الضرورة الحقيقية . منها : مسألة العلج ودلالته ـ أي الكافر على قلعة الكفار ـ بجارية منها ، يصح للحاجة مع أن الجعل المعين يجب أن يكون معلوما مقدورا على تسليمه مملوكا وهو مفقود هنا . وكذلك الجعالة والقراض ([sup][51])[/sup] وغيرهما مما جوز للحاجة وكذلك إباحة النظر للعلاج ونحوه ) ([52]).

    وقال السيوطي : ( القاعدة الخامسة : الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ؛ من الأولى مشروعية الإجارة والجعالة والحوالة ونحوها جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة ، وفي الثانية من الجهالة ، وفي الثالثة من بيع الدين بالدين لعموم الحاجة إلى ذلك ، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة ، ومنها ضمان الدرك جوز على خلاف القياس إذ البائع إذا باع ملك نفسه ليس ما أخذه من الثمن دينا عليه حتى يضمن لكن لاحتياج الناس إلى معاملة من لا يعرفونه ولا يؤمن خروج المبيع مستحقا ، ومنها مسئلة الصلح وإباحة النظر للمعاملة ونحوها وغير ذلك ، ومن الثانية تضبيب ([sup][53])[/sup] الإناء بالفضة يجوز للحاجة ولا يعتبر العجز عن غير الفضة ؛ لأنه يبيح أصل الإناء من النقدين قطعا ، بل المراد الأغراض المتعلقة بالتضبيب سوى التزيين كإصلاح موضع الكسر والشد والتوثق ، ومنها الأكل من الغنيمة في دار الحرب جائز للحاجة ولا يشترط للآكل أن لا يكون معه غيره ) ([54]) .

    بعض من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استند فيها للحاجة لإباحة المحظور:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( .. الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم ) ([55]).

    وقال : ( وكذلك بيع الغرر ([sup][56])[/sup] ، هو من جنس الميسر، ويباح منه أنواع عند الحاجة ورجحان المصلحة ، وكذلك الربا، حرم لما فيه من الظلم، وأوجب ألا يباع الشيء إلا بمثله، ثم أبيح بيعه بجنسه خرصاً عند الحاجة، بخلاف غيرها من المحرمات؛ فإنها تحرم في حال دون حال؛ ولهذا - والله أعلم - نفي التحريم عما سواها، وهو التحريم المطلق العام؛ فإن المنفي من جنس المثبت، فلما أثبت فيها التحريم العام المطلق نفاه عما سواها‏‏)‏ ([57]).

    وقال : ( وقد نهى النبي عن بيع الغرر ([sup][58])[/sup] ؛ وعن بيع الملامسة ([sup][59])[/sup]

    والمنابذة ([sup][60])[/sup] ، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ،

    وبيع حَبَل الْحبَلَة ([sup][61])[/sup] ‏.‏ ونحو ذلك مما فيه نوع مقامرة ، وأرخص في ذلك فيما تدعو الحاجة إليه، ويدخل تبعًا لغيره ، كما أرخص في ابتياعها بعد بدو صلاحها مبقاة إلى كمال الصلاح، وإن كان بعض أجزائها لم يخلق، وكما أرخص في ابتياع النخل المؤبّر ([sup][62])[/sup] مع جديدة إذا اشترطه المبتاع وهو لم يبد صلاحه ، وهذا جائز بإجماع المسلمين ) ([63]).


    وقال : ( وأما الأكثرون فقالوا‏:‏ من لبس البَدَل فلا فدية عليه، كما أباح ذلك النبي بعرفات ولم يأمر معه بفدية ولا فتق، قالوا‏:‏ والناس كلهم محتاجون إلى لبس ما يسترون به عوراتهم وما يلبسونه في أرجلهم، فالحاجة إلى ذلك عامة، وما احتاج إليه العموم لم يحظر عليهم ولم يكن عليهم فيه فدية، بخلاف ما احتيج إليه لمرض أو برد، ومن ذلك حاجة لعارض؛ ولهذا أرخص النبي للنساء في اللباس مطلقًا من غير فدية، ونهى المحرمة عن النقاب والقفازين ، فإن المرأة لما كانت محتاجة إلى ستر بدنها لم يكن عليها في ستره فدية‏ ) ([64]).

    وقال : (وأما لبس الحرير للحكة والجرب إن سلم ذلك‏.‏ فإن الحرير والذهب ليسا محرمين على الإطلاق، فإنهما قد أبيحا لأحد صنفي المكلفين، وأبيح للصنف الآخر بعضهما، وأبيح التجارة فيهما، وإهداؤهما للمشركين‏.‏ فعُلم أنهما أبيحا لمطلق لحاجة، والحاجة إلى التداوي أقوى من الحاجة إلى تزين النساء، بخلاف المحرمات من النجاسات‏ ، وأبيح ـ أيضا ـ لحصول المصلحة في غالب الأمر) ([65]).

    وقال : (الدليل الرابع ـ وهو في الحقيقة سابع ـ‏‏ ما ثبت واستفاض من أن رسول الله طاف على راحلته ، وأدخلها المسجد الحرام الذي فضله الله على جميع بقاع الأرض ، وبركها حتى طاف أسبوعًا‏.‏ وكذلك إذنه لأم سلمة أن تطوف راكبة ، ومعلوم أنه ليس مع الدواب من العقل ما تمتنع به من تلويث المسجد المأمور بتطهيره للطائفين والعاكفين والركع السجود ، فلو كانت أبوالها نجسة ، لكان فيه تعريض المسجد الحرام للتنجيس ، مع أن الضرورة ما دعت إلى ذلك ، وإنما الحاجة دعت إليه ، ولهذا استنكر بعض من يرى تنجيسها إدخال الدواب المسجد الحرام ، وحسبك بقوله بطلاناً ، رده في وجه السنة التي لا ريب فيها ‏) ‏([66]) .

    وقال : ( وأيضاً ، فالنبي رخص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث ، ولابد لمن اقتناه أن يصيبه رطوبة شعوره كما يصيبه رطوبة البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة‏ ) .‏

    وقال : (وأيضاً ، فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأن النبي لم يأمر أحداً بغسل ذلك، فقد عفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدل على أن الشارع راعى مصلحة الخلق ، وحاجتهم)‏ ([67]).

    وقال : ( فهذا يقتضي جواز نظر العبد إلى مولاته، وقد جاءت بذلك أحاديث، وهذا لأجل الحاجة؛ لأنها محتاجة إلى مخاطبة عبدها، أكثر من حاجتها إلى رؤية الشاهد والمعامل والخاطب، فإذا جاز نظر أولئك، فنظر العبد أولى ) ([68]).

    وقال : (ولهذا كان تحصيل الجماعة في صلاة الخوف والمرض ونحوهما ، مع استدبار القبلة، والعمل الكثير ، ومفارقة الإمام ، ومع ترك المريض القيام ، أولى من أن يصلوا وحدانًا؛ ولهذا ذهب بعض أصحاب أحمد إلى أنه يجوز تقديم المؤتم على الإمام عند الحاجة، كحال الزحام ونحوه ، وإن كان لا يجوز لغير حاجة ، وقد روي في بعض صفات صلاة الخوف‏‏ ) ([69]).

    وقال : ( وأما صلاة المأموم خلف الإمام خارج المسجد أو في المسجد وبينهما حائل‏:‏ فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة‏.‏ وإن كان بينهما طريق ، أو نهر تجري فيه السفن‏:‏ ففيه قولان معروفان، هما روايتان عن أحمد ‏:‏

    أحدهما‏:‏ المنع كقول أبي حنيفة‏.‏

    والثاني‏:‏ الجواز كقول الشافعي‏.‏

    وأما إذا كان بينهما حائل يمنع الرؤية والاستطراق، ففيها عدة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل‏:‏ يجوز‏.‏ وقيل‏:‏ لا يجوز‏.‏ وقيل‏:‏ يجوز في المسجد دون غيره‏.‏ وقيل‏:‏ يجوز مع الحاجة، ولا يجوز بدون الحاجة‏ ،‏ ولا ريب أن ذلك جائز مع الحاجة مطلقًا‏ ،‏ مثل أن تكون أبواب المسجد مغلقة، أو تكون المقصورة التي فيها الإمام مغلقة، أو نحو ذلك‏.‏

    فهنا لو كانت الرؤية واجبة لسقطت للحاجة‏.‏ كما تقدم، فإنه قد تقدم أن واجبات الصلاة والجماعة تسقط بالعذر، وأن الصلاة في الجماعة خير من صلاة الإنسان وحده بكل حال‏) ([70]).

    وسئل ـ رحمه الله ـ عن صلاة الجمعة في جامع القلعة‏:‏ هل هي جائزة ـ مع أن في البلد خطبة أخرى ، مع وجود سورها، وغلق أبوابها ـ أم لا‏؟‏

    فأجاب : (نعم ، يجوز أن يصلي فيها جمعة لأنها مدينة أخرى ، كمصر والقاهرة، ولو لم تكن كمدينة أخرى ، فإقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في موضعين للحاجة يجوز عند أكثر العلماء.....

    والحاجة في هذه البلاد ، وفي هذه الأوقات تدعو إلى أكثر من جمعة، إذا ليس للناس جامع واحد يسعهم، ولا يمكنهم جمعة واحدة إلا بمشقة عظيمة‏) ([71]).

    وقال : ( ومما يبين ذلك‏:‏ أن اللّه لما حـرم الميتـة والدم ولحم الخنزير، وغيرها، لم يبح ذلك إلا لمن اضطر إليها غير باغ ولا عاد‏.‏ وفي آية أخري‏:‏ ‏) فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لاثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(‏([sup][72]) [/sup].‏ ومعلوم أن المتداوي غير مضطر إليها، فعلم أنها لم تحل له‏ ، وأما ما أبيح للحـاجة لا لمجرد الضرورة ـ كلباس الحرير ـ فقد ثبت في الصحيح‏:‏ ((أن النبـي رخص للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، لحكة كانت بهما )) ([73])‏.‏ وهذا جائز على أصح قولي العلماء؛ لأن لبس الحرير إنما حرم عند الاستغناء عنه‏.‏ ولهذا أبيح للنساء لحاجتهن إلى التزين به وأبيح لهن التستر به مطلقا، فالحاجة إلى التداوي به كذلك، بل أولى، وهذه حرمت لما فيها من السرف والخيلاء والفخر، وذلك منتف إذا احتيج إليه، وكذلك لبسها للبرد، أو إذا لم يكن عنده ما يستتر به غيرها )‏‏ ([74]).

    وقال : ( وينبغي للحائض إذا طافت أن تغتسل وتستثفر، أي تستحفظ، كما تفعله عند الإحرام‏.‏ وقد أسقط النبي عن الحائض طواف الوداع‏.‏ وأسقط عن أهل السقاية والرعاة المبيت بمنى ؛ لأجل الحاجة‏.‏ ولم يوجب عليهم دمًا‏.‏ فإنهم معذورون في ذلك، بخلاف غيره‏ ، وكذلك من عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو نحوه، فإنه يستنيب من يرمي عنه، ولا شيء عليه، وليس من ترك الواجب للعجز كمن تركه لغير ذلك، والله أعلم‏) ([75]).

    وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عمن أخرج القيمة في الزكاة ، فإنه كثيراً ما يكون أنفع للفقير‏ هل هو جائز أم لا‏؟‏‏.‏
    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين Empty رد: بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 10:07 am

    فأجاب‏:‏

    ( وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد ـ رحمه الله ـ قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع ، فمن أصحابه من أقر النص ، ومنهم من جعلها على روايتين‏ ، والأظهر في هذا ؛‏ أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه ؛ ولهذا قَدَّر النبي الجبران بشاتين ، أو عشرين درهمًا ، ولم يعدل إلى القيمة ؛ ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة ، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة ، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه ، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل ، فلا بأس به ، مثل أن يبيع ثمر بستانه ، أو زرعه بدراهم ، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا أو حنطة ، إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه ، وقد نص أحمد على جواز ذلك‏ ، ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل ، وليس عنده من يبيعه شاة ، فإخراج القيمة هنا كاف ، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة ، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة ؛ لكونها أنفع، فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء ، كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن‏:‏ ائتوني بخميص ([sup][76])[/sup]، أو لبيس أسهل عليكم ، وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار‏.‏ وهذا قد قيل‏:‏ إنه قاله في الزكاة ، وقيل‏:‏ في الجزية‏ ) ([77]).

    وقال ابن القيم : ( .. إن الرجل يعامل اللحام ([sup][78])[/sup] والخباز والبقال ويأخذ كل يوم ما يحتاج إليه من أحدهم من غير تقدير ثمن الذي ينقطع به وكذلك جرايات الفقهاء وغيرها فحاجة الناس إلى هذه المسألة تجرى مجري الضرورة ، وما كان هكذا لا يجيء الشرع بالمنع منه البتة ) ([79]).

    وقال محمد عميم الإحسان المجددي البركتي : ( 108 قاعدة الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة) ([80]).

    وجاء في المجلة ( مجلة الأحكام العدلية ) ([81]) : ( مادة 32 : الحاجة تنزل منزلة

    الضرورة عامة أو خاصة ومن هذا القبيل تجويز البيع بالوفاء ([sup][82])[/sup] ) .

    وقد صدر قرار عن مجمع الفقه الإسلامي ومما اعتمد عليه هذا القرار القاعدة محل البحث حيث ورد فيه : ( ... بعد الإطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع ( انتزاع الملك للمصلحة العامة ) وفي ضوء ما هو مسلم في أصول الشريعة من احترام الملكية الفردية حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة تطبيقا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة منزلة الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام قرر ما يلي :

    أولا : يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها ولا يجوز تضييق نطاقها أو الحد منها والمالك مسلط على ملكه وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الانتفاعات الشرعية .

    ثانيا : لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية :

    1 - أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل .

    2 - أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال .

    3 - أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور .

    4 - أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض والغصوب التي نهى الله عنها ورسوله على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي أو لورثته بالتعويض العادل ) ([83]).

    المطلب السادس : في شروط تطبيق القاعدة محل البحث :

    وهذه القاعدة ليست على إطلاقها فقد اشترط العلماء في الحاجة المبيحة للمحظور شروطا أهمها :

    1) أن تكون الشدة الباعثة على مخالفة الحكم الشرعي الأصلي بالغة درجة الحرج غير المعتاد .

    2) أن يكون الضابط في تقدير تلك الحاجة النظر إلى أواسط الناس ومجموعهم ..

    3) أن تكون الحاجة متعينة بألا يوجد سبيل آخر للتوصل إلى الغرض سوى مخالفة الحكم العام .

    4) أن تلك الحاجة تقدر بقدرها كما هو الحال بالنسبة إلى الضرورة .

    5) أن تكون الحاجة قائمة لا منتظرة .

    6) اشترط بعض العلماء للتمسك بالمصالح الحاجية أن يشهد لها أصل بالاعتبار ([84]).

    المطلب السابع : خلاصة البحث : جواز طلب الحق أو رفع الظلم بالاحتكام إلى القوانين الوضعية عند غياب الحكم بالشريعة الإسلامية :

    يبين من كل ما سبق من تعريف الحاجة والضرورة والحرج وحدود وضوابط وأحكام كل منها الآتي :

    1) أن بالناس حاجة عامة في هذا الزمان إلى الاحتكام إلى المحاكم التي لا تحكم إلا بالقانون الوضعي لعدم وجود البديل الشرعي وهذه الحاجة معتبرة شرعًا .

    2) أن في منع الناس من اللجوء لتلك المحاكم حرج بالغ وإصر شديد لما يترتب على ذلك من إمكانية ضياع المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية بل وضياع الكليات الخمس التي ما شرعت الشرائع إلا لحفظها .

    3) أن اللجوء إلى تلك المحاكم جائز من هذا الباب مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك جائز من باب الحاجة فقط التي لها أحكام وضوابط الضرورة .

    4) أن من يلجأ إلى تلك المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية ينبغي أن يعلم أن الأصل حرمة ذلك فينبغي أن يكون كارهاً بقلبه ما كان مصادماً ومخالفاً لشرع الله تعالى من تلك القوانين ، وأن يعلم أن شرع الله تعالى هو الأعدل والأحكم ، وأنه ما جاز له الاحتكام إلى تلك القوانين إلا بسبب عدم التمكن من الاحتكام إلى شرع الله تعالى .

    5) أنه طالما جاز اللجوء إلى تلك المحاكم لرفع الظلم أو طلب الحق فيجوز من ثم التوكيل في ذلك للمحامي وغيره ؛ لأن ما جاز للأصيل جاز للوكيل .

    المبحث الرابع : ما وقع من مثول الصحابة مرتين أمام النجاشي قبل إسلامه عندما هاجروا إلي الحبشة ودفاعهم عن أنفسهم وردهم على حجة وفد قريش لما أرادوا إعادتهم وساقوا حجتهم إلى النجاشي ؛ والاستشهاد بذلك على جواز الاحتكام إلى القانون الوضعي عند غياب الشرع المطهر :

    من ادعي عليه أو كان متهما بتهمة من التهم وتعين حضوره للمحكمة أو القي القبض عليه وسيق إلى المحكمة التي تحكم بالقانون الوضعي فلا أظن أن عاقلاً يمنعه من أن يرد عن ماله وعرضه ونفسه فضلاً أن يقول ذلك طالب علم ، فهذا في حكم المكره على الذهاب ليدافع عن نفسه أمامهم كما مثل الصحابة عند النجاشي ، ومن يتأمل قصة دفاع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عن أنفسهم أمام النجاشي يجد أنهم قد اضطروا للمثول أمام الحاكم ـ غير المسلم يومئذ وإن كان عادلاً ـ مرتين بسبب مطالبة كفار قريش بهم ، وللذود عن حقهم في إبطال مزاعم قريش الباطلة فيهم ، وكانوا في كل مرة احتمال تسليمهم إلى كفار قريش وارداً في حال كانت حجتهم داحضة وواهية أمام مزاعم قريش التي وشوا بها إلى النجاشي . وبعد انتهاء الجلسة الثانية وظهور الصحابة على خصومهم كفار قريش أمام الملك ، تقول أم سلمة زوج النبي ـ ـ : (فخرجا ـ أي عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ـ من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار) ([85]).

    المبحث الخامس : ما وقع من دفاع يوسف u عن نفسه ضد فرية امرأة العزيز واحتكامه إلى ملك مصر ؛ والاستشهاد بذلك على جواز الاحتكام إلى القانون الوضعي عند غياب الشرع المطهر :

    ويصلح في هذا الباب أيضاً، الاستدلال بقول يوسف u لما اتهمته امرأة العزيز بقولها: )مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ~ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ( ([86]) ،وفيه دفعه ودفاعه عن نفسه من فرية امرأة العزيز بين قوم كفار وشهادة بعضهم ودفاعهم عنه وتبرئته. وهذا من التحاكم للكافر.

    وأظهر من ذلك ما فعله في السجن؛ حين )قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ( ([87]) فلم يمنعه كفر ملك مصر في ذلك الوقت وكونه له تشريعه ودينه المخالف لدين الله ، من أن يبعث إليه يعلمه أنه مظلوم قد زج به في السجن من غير ذنب، لعله يفرّج عنه ويرفع عنه الظلم ويبري ساحته من التهمة التي حبس من أجلها … ولا منعه ذلك أيضاً من أن يدفع عن نفسه ويسعى في إظهار براءته عندما طلبه الملك بعد ذلك ، فقال للرسول: )ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ( ([88]) فها هو يشكو مظلمته أو قل يذكرها عند الملك الكافر ليظهر براءته ؛ فأين المتنطع المكفر لعوام المسلمين المستضعفين من هذا ؟ وهذا كله فعل نبي معصوم، والحفاظ على جناب التوحيد وإخلاصه مما بعث به الأنبياء كافة، واتفقت دعواتهم جميعاً عليه كما هو معلوم في دعوة الأنبياء والمرسلين ، وذلك حتى لا يعترض بأن هذا من شرع من قبلنا .. فما كان لنبي الله يوسف أن يخالف ذلك أو يناقضه أو يخرج عن ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عليهم السلام ـ ولو قيد أنملة .

    المبحث السادس : أقوال أهل العلم في جواز اللجوء للمحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية لطلب الحق أو رفع الظلم :

    المطلب الأول : قرارات المجامع الفقهية المتخصصة في خصوص العمل بالمحاماة في ظل العمل بالقوانين الوضعية:

    1) من قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بيان من الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بشأن الرواية التي كتبها المدعو سلمان رشدي :

    ( القرار الثالث : يعلن المجلس أنه يجب ملاحقة هذا الشخص ، بدعوى قضائية جزائية تقام عليه وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية ، في المحاكم المختصة في بريطانيا ، وأن تتولى رفع هذه الدعوى عليه منظمة المؤتمر الإسلامي التي تمثل الدول الإسلامية ، وأن توكل هذه الدعوى أقوى المحامين المتمرسين في القضايا الجنائية أمام محاكم الجزاء البريطانية ) .

    وكان ممن وقع على هذا البيان :

    1- سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز : رئيس المجلس .

    2- معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان .

    3- معالي الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد .

    4- معالي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل .

    5- معالي الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام . وغيرهم من أصحاب الفضيلة العلماء ([sup][89])[/sup].

    وهذا القرار نص في المسألة فالمجلس طلب إقامة دعوى قضائية في محكمة بريطانية لا تحكم بشرع الله قطعاً للدفاع عن سيد المرسلين التي انتهكها هذا الشخص ، ومن أجاز هذه الصورة لزمه إجازة غيرها .

    2) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 91 ( 8/9) بشأن مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي :

    ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م ، بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله ، قرر ما يلي : ......

    سادساً: إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلامية، يجوز احتكام الدول أو المؤسسات الإسلامية إلى محاكم دولية غير إسلامية، توصلاً، لما هو جائز شرعاً ) ([90]) .

    فهذا القرار قد أجاز في بنده السادس للدول أو المؤسسات الإسلامية الاحتكام إلى محاكم دولية غير إسلامية توصلا لما هو جائز شرعا ، وهو نص في جواز الاحتكام إلى محاكم لا تطبق الشريعة الإسلامية للتوصل إلى ما هو جائز شرعا طالما عُدِم البديل الشرعي .

    3) ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا :

    فيما يلي نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقد بكوبنهاجن- الدانمرك بالتعاون مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة الموافق 22-25 من يونيو لعام ألفين وأربعة من الميلاد:

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..

    فإنه في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة الموافق 22-25 من يونيو لعام ألفين وأربعة من الميلاد،

    وفي العاصمة الدانمركية كوبنهاجن جرت فعاليات المؤتمر السنوي الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وسط حضور قوي وفعال شارك فيه لفيف من السادة أعضاء المجمع وخبرائه، وأيضا وسط تمثيل رسمي من الحكومة الدانمركية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

    هذا وقد دارت مناقشات حول الموضوعات المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه فيما يشغل المسلمين في الساحة الأمريكية بشكل خاص وفيما يخص المسلمين في الغرب بوجه عام.

    وبعد مناقشات مطولة على مدى أربعة أيام متتالية خلص المجمع إلى إصدار القرارات الفقهية الآتية:

    الموضوع الثاني: العمل القضائي خارج ديار الإسلام: ما يحل منه وما يحرم:

    ناقش المجمع مدى شرعية اللجوء إلى القضاء الوضعي خارج ديار الإسلام، فقرر أن الأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، وأكد على أن تحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق .

    ثم رخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه.

    ثم بين أن كل ما جاز فيه التحاكم بالأصالة جاز فيه التحاكم بالوكالة، وبالتالي فلا حرج في العمل بالمحاماة للمطالبة بحق أو دفع مظلمة، بشرط عدالة القضية التي يباشرها المحامي، وشرعية مطالبه التي يرفعها إلى القضاء.

    ثم بين أنه لا حرج في دراسة القوانين الوضعية المخالفة للشريعة أو تولي تدريسها للتعرف على حقيقتها وفضل أحكام الشريعة عليها، أو للتوصل بدراستها إلى العمل بالمحاماة في بيئة لا سلطان للشريعة فيها، لنصرة المظلومين واستخلاص حقوقهم، بشرط أن يكون عنده من العلم بالشريعة ما يمنعه من التعاون على الإثم والعدوان.

    ثم بين أن الأصل هو حرمة تقلد القضاء في ظل ولاية لا تحكم بغير ما أنزل الله إلا إذا تعين ذلك سبيلا لدفع ضرر عظيم يتهدد جماعة المسلمين، شريطة العلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقضاء بأحكامها ما أمكن، واختيار أقرب تخصصات القضاء لأحكام الشريعة الإسلامية ما أمكن، مع كراهية القلب لتحكيم القانون الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.

    ثم بين أنه يجوز أن يشارك المسلم كعضو في هيئة (مُحَلّفين) بغرض إنصاف المظلومين من المسلمين وغيرهم، شريطة أن يكون حكمه بما يوافق الشرع ([91]).


    المطلب الثاني : فتاوى اللجان العلمية :

    1) من فتاوى لجنة الفتوى بالكويت :

    المحاماة والعمل في مكتب المحامي

    عرض على اللجنة السؤال المقدم من السيد/ موفق، وهو كما يلي:

    هل يجوز عمل المحامي المعاصر؟ وهل يوجد حالة تجوز والأخرى لا تجوز؟ وهل يجوز أن يعمل عند المحامي في مكتبه مسلم؟

    * أجابت اللجنة بما يلي:

    يجوز عمل المحاماة، إذا كان لا يعلم أن القضية التي يرافع فيها قضية باطلة، لأن ذلك من باب الوكالة في الخصومة، وهي مشروعة على ما بين الفقهاء في كتاب (الدعوى)، أما إذا علم أن موكله مبطل في دعواه فلا يجوز له، لأنه يعينه على الباطل، وإذا كان يجهل حال موكله فيجوز التوكل عنه بنية معرفة الحقيقة، فإذا ظهر له أنه محق واصل الدعوى وإلا انقطع عنها.

    ويجوز العمل في مكتب المحاماة بالوظائف المساعدة للمحامي على أن يمتنع من



    المشاركة في أي عمل تبيّن له أنه إعانة على الإثم والعدوان.والله أعلم([92]).

    العمل في الوظائف القانونية :

    [1991] عرض على اللجنة الاستفتاء المقدم من السيد/ خالد، ونصه:

    إلى السادة العلماء:

    أفتونا في حكم الشريعة في العمل في الوظائف القانونية، مثل مهنة المحاماة أو وكيل النيابة أو القضاء، مع العلم بأن القانون هو القانون الوضعي، فهل يأثم من عمل بهذه الوظائف؟ أفتونا ولكم منا خالص امتناننا .

    * أجابت اللجنة بما يلي:

    إن العمل بالنيابة العامة في مرحلتها الأولى وهي التحقيق مع المتهم لكشف الحقيقة عمل مشروع إذا روعي فيه الوصول إلى الحق بالطرق المشروعة.

    أما المرافعة أمام القضاء وطلب توقيع عقوبة ما على المتهم، فإن كانت العقوبة لا تخالف الشريعة الإسلامية فذلك جائز ولا غبار عليه، وإن كانت تخالف حكمه الشرعي فعليه أن يبين الحكم الشرعي في المسألة ولا يتحمل تبعة المطالبة بتطبيق مادة لا تقرها الشريعة، ولا شك أن تولي هذا العمل من أناس يتقون الله ويحرصون على دينهم أولى من ترك المجال لمن قد يسيئون استعمال هذا المنصب الحساس، والعمل في المحاماة ينطبق عليه حكم المرافعة بحسب الحالتين.

    ويجوز العمل في سلك القضاء إن كان يمكنه أن لا يحكم إلا بما وافق الشرع، بأن



    يتخلى عن النظر في القضايا التي تخالف الشريعة. والله أعلم ([93]).

    2) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية :

    دراسة القوانين الوضعية والاشتغال في وظائف المحاماة :

    س 1: لقد شغلتنا أمور منها دراسة القانون بكلية الحقوق، فقد جعلت الإخوة في تضارب واختلاف الآراء في هذا الموضوع الذي أدعو المولى سبحانه وتعالى أن يوفقك في تبصير هذه الأمور وهي:

    1- حكم دراسة القوانين الوضعية.

    2- حكم الاشتغال في وظائف المحاماة (القضاء).

    ج 1: إذا كان من يريد دراسة القوانين الوضعية لديه قوة فكرية وعلمية يميز بها الحق من الباطل، وكان لديه حصانة إسلامية يأمن معها من الانحراف عن الحق ومن الافتتان بالباطل، وقصد بتلك الدراسة المقارنة بين أحكام الإسلام وأحكام القوانين الوضعية وبيان ميزة أحكام الإسلام عليها وبيان شمولها لكل ما يحتاجه الناس في صلاح دينهم ودنياهم وكفايتها في ذلك، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل، والرد على من استهوته القوانين الوضعية فزعم صلاحيتها وشمولها وكفايتها- إن كان كذلك فدراسته إياها جائزة، وإلا فلا يجوز له دراستها، وعليه أن يستغني بدراسة الأحكام الإسلامية في كتاب الله تعالى والثابت من سنة رسول الله على ما درج عليه أئمة علماء الإسلام وطريقة سلف الأمة في دراستها والاستنباط منها.

    ثانيا: إذا كان في الاشتغال بالمحاماة أو القضاء إحقاق للحق وإبطال للباطل شرعا ورد الحقوق إلى أربابها ونصر للمظلوم- فهو مشروع; لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وإلا فلا يجوز; لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب( ([94]) .

    وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد, وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ([95]).

    المطلب الثالث : من الفتاوى الفردية للعلماء :

    ما قاله الإمام ابن القيم في مدارج السالكين :

    قال الإمام ابن القيم : ( وأما الرضى بنبيه رسولاً فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ، ولا يحاكم إلا إليه ، ولا يحكم عليه غيره ولا يرضى بحكم غيره البتة لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقامه ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه ، لا يرضى في ذلك بحكم غيره ، ولا يرضى إلا بحكمه ، فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم . وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور ) ([96]).

    وكلام الإمام ابن القيم ، في غاية الوضوح فمن لم يجد حكم الله تحاكم إلى غيره وحكمه حكم من أكل الميتة أو الدم لدفع الموت عنه أو تيمم بالتراب عند العجز عن استعمال الماء الطهور .

    فتوى فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي النائب السابق لرئيس اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية :

    سئل فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي :

    ما حكم التحاكم إلى المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية ؟

    فأجاب : بقدر الإمكان لا يتحاكم إليها ، وأما إذا كان لا يمكن أن يستخلص حقه إلا عن طريقها فلا حرج عليه ([sup][97] )[/sup] .
    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين Empty رد: بحث حكم العمل بالمحاماه .. علاء علم الدين

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء أكتوبر 19, 2010 10:10 am

    مدلول القاضي الذي يحكم ويقضي بين الناس ليس محصورا بالقاضي الذي اعتلى منصة القضاء في المحكمة بل هو مدلول أوسع من ذلك بكثير حتى أنه يشمل كل من حكم بين أثنين من الناس وإن لم يكن صاحب سلطه أو ولاية .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكل من حكم بين اثنين فهو قاض سواء كان صاحب حرب أو متولي ديوان أو منتصبا للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة كانوا يعدونه من الحكام ) ( مجموع الفتاوى ـ ابن تيمية 18/170 ) .فكل من انتصب للقضاء بين الناس فهو قاض وحاكم ولا يشترط أن يكون في دار قضاء ، فالذي يحكم بين الناس في مجالس التحكيم العرفية ينبغي له أن يعلم أنه قاضٍ بكل ما تحمله تلك الكلمة من أحكام وتبعات فتأمل هذا المعنى جيدا.
    ([15]) تَنافَر الرجُلان، إذا تَفاخَرا ثم حَكَّما بينَهُما واحِدا . النهاية لابن الأثير (5/91) .


    ([16]) تفسير الطبري ( 8/510 ) .


    ([17]) الشّرْجة: مَسِيل الماء من الحَرَّة إلى السَّهل. والشَّرْج جنْسٌ لها، والشِّرَاج جمعُها ، والحرّة هذه : أرضٌ بظاهر المدينة بها حجَارة سُودٌ كثيرة . النهاية لابن الأثير (2/456) .


    ([18]) سَرَّحَ عنه فانْسَرَحَ وتَسَرَّحَ: فَرَّجَ. وإِذا ضاق شيءٌ فَفَرَّجْتَ عنه، قلت: سَرَّحْتُ عنه تسريحاً، والتسريحُ: التسهيل. وشيءٌ سريح: سهل . لسان العرب لابن منظور (2/479) .


    ([19]) رواه البخاري (2231) ، ومسلم (2357) ، ورواه البخاري في موضعين آخرين (2561 ، 4309) عن عروة ابن الزبير عن الزبير رضي الله عنهما .


    ([20]) سورة الحج ، آية : 78 .


    ([21]) سورة البقرة ، آية : 286 .


    ([22]) سورة النحل ، آية : 106 .


    ([23]) موسوعة القواعد والضوابط الفقهية ( 1/141) .




    ى ما شرطا والوضيعة على الم .


    ([25]) أي : يستعمل رجلٌ رجلاً في نخيل أو كروم ليقوم بإصلاحها على أن يكون له سهم معلوم مما تغله . مختار الصحاح (128) .


    ([26]) معناه : بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً .


    ([27]) اللَّوْث : هو أن يَشْهَد شاهِدٌ واحد على إقْرار المَقْتول قبل أن يموت أنَّ فُلاناً قَتَلَني، أو يَشْهد شاهِدانِ على عَداوةٍ بينهما، أو تَهْديد منه له، أو نحو ذلك، وهو من التَلَوُّث: التَّلُّطخ. يقال: لاثَه في التراب، ولَوَّثَه. النهاية لابن الأثير (4/275) .


    ([28]) التّدمية لغةً : من دمّيته تدميةً : إذا حزبته حتّى خرج منه دم ، ومثله أدميته.

    واصطلاحاً : قول المقتول قبل موته : دمي عند فلان ، أو قتلني فلان. وهو اصطلاح المالكيّة وإن كان غيرهم قد تناول هذه المسألة في باب القسامة ولم يسمّها بالتّدمية.(الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([29]) القَسامة بالفتح: اليمين، كالقَسَم. وحقيقتُها أن يُقْسِم من أولياء الدَّم خمسون نَفَراً على اسْتِحْقاقِهم دّمّ صاحِبهم، إذا وجَدُوه قَتِيلاً بين قَوْم ولم يُعْرَف قاتِلُه، فإن لم يكونوا خمسين أقْسَم الموجُودون خمسين يَميناً، ولا يكون فيهم صَبِيٌّ ولا امرأة، ولا مَجْنون، ولا عَبْد، أو يُقْسِم بها المُتَّهَمُون على نَفْيِ القَتْل عنهم، فإنْ حَلَف المُدَّعُون اسْتَحَقُّوا الدِية، وإنْ حَلَف المُتَّهَمون لم تَلْزمْهُم الدِية. النهاية لابن الأثير (4/61) .


    ([30]) العَاقِلَة: هي العَصَبة والأقارب مِن قِبَل الأب الذي يُعْطُون ديَةَ قتيل الخطأ . النهاية لابن الأثير (3/278) .


    ([31]) اتّفق الفقهاء على أنّ صاحب الحرفة يضمن ما هلك في يده من مال ، أو ما هلك بعمله إذا كان الهلاك بسبب إهمال منه أو تعدّ ، وسواء أكان أجيرا خاصّا أم أجيرا مشتركا ، أمّا ما هلك بغير تعدّ أو تفريط فلا ضمان عليه في الجملة. (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([32]) من الموسوعة الفقهية الكويتية بتصرف .


    ([33]) د. وهبة الزحيلي : نظرية الضرورة الشرعية ، (ص 67 ـ 68) ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1985م [ د. وهبة الزحيلي : هو أستاذ الشريعة الإسلامية في كليتي الشريعة والحقوق بجامعة دمشق ، ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه سابقاً ، وهو أحد العلماء الثلاثة الذين أسهموا في وضع منهج وخطة عمل مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ] .




    ([34]) رواه الطبراني في الكبير (24/254) ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1762) .


    ([35]) سورة الحج ، آية : 78 .


    ([36]) أخرجه أحمد في مسنده (21260 ) ، والطبراني في الكبير (5/77) من حديث أبي أمامة .


    ([37]) سورة البقرة ، آية : 286 .


    ([38]) الشاطبي : الموافقات (3/15) ، بتعليق الشيخ عبد الله دراز المكتبة التجارية الكبرى .




    ([39]) د. وهبة الزحيلي : نظرية الضرورة الشرعية ، ص (87 ـ 89) مؤسسة الرسالة ، بيروت 1985 .


    ([40]) أخرجه ابن ماجة في الطلاق ( 2043 )، من حديث أبي ذرٍّ ورواه كذلك في موضع آخر ( 2045) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وأطال الحافظ ابن رجب الكلام على طرقه وعلله في جامع العلوم والحكم ( 2/361-365 ) .


    ([41]) د.وهبة الزحيلي : نظرية الضرورة الشرعية ، مؤسسة الرسالة ، بيروت 1985 ، (ص112 ، 115) [ عن : الأشباه والنظائر للسيوطي (ص 166 ـ 176) ، القواعد لابن رجب ص 343 ، الفروق (2/149) تهذيب الفروق (2/162) ، أصول الفقه محمد أبو زهرة ( ص 334) ] .




    ([42]) أخرجه البخاري في صحيحه (5318) .


    ([43]) أ. هـ بتصرف من الموسوعة الطبية الفقهية .


    ([44]) الجُعالة والجِعالة والجَعالة؛ كل ذلك: ما جعله له على عمله . لسان العرب لابن منظور (11/111) ؛ وعرّفها المالكيّة : بأن يجعل الرّجل للرّجل أجراً معلوماً ، ولا ينقده إيّاه على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول ، ممّا فيه منفعة للجاعل ، على أنّه إن أكمل العمل كان له الجعل ، وإن لم يتمّه فلا شيء له ، ممّا لا منفعة فيه للجاعل إلاّ بعد تمامه ، وعرّفها الشّافعيّة : بأنّها التزام عوض معلوم على عمل معيّن معلوم ، أو مجهول يعسر ضبطه.
    وعرّفها الحنابلة : بأنّها تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً ولو كان مجهولاً أو لمن يعمل له مدّة ولو كانت مجهولة.


    والجعالة تختلف عن الإجارة - عند الشّافعيّة وغيرهم من المذاهب المجيزة لها - في بعض الأحكام وهي كما يلي :
    الأوّل : صحّة الجعالة على عمل مجهول يعسر ضبطه وتعيينه كردّ مال ضائع.


    الثّاني : صحّة الجعالة مع عامل غير معيّن.

    الثّالث : كون العامل لا يستحقّ الجعل إلاّ بعد تمام العمل.

    الرّابع : لا يشترط في الجعالة تلفّظ العامل بالقبول.

    الخامس : جهالة العوض في الجعالة في بعض الأحوال.

    السّادس : يشترط في الجعالة عدم التّأقيت لمدّة العمل.

    السّابع : الجعالة عقد غير لازم.

    الثّامن : سقوط كلّ العوض بفسخ العامل قبل تمام العمل المجاعل عليه.

    وزاد ابن عرفة من المالكيّة : أنّ الجعالة تتميّز أيضاً عن المساقاة والمضاربة والمزارعة بأنّ العوض فيها غير ناشئ عن محلّ العمل ، وزاد الحنابلة : أنّه يصحّ في الجعالة الجمع بين تقدير المدّة والعمل ، بخلاف الإجارة. (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([45]) خَرَص النخلة والكَرْمة يَخْرُصها خَرْصا: إذا حَزَرَ ما عليها من الرُّطب تَمْرا ومن العنب زبيبا، فهو من الخَرْص: الظنّ؛ لأن الحَزْر إنما هو تقدير بظنّ، والاسم الخِرْص بالكسر. يقال كم خِرْصُ أرضِك؟ وفاعل ذلك الخارِصُ . النهاية لابن الأثير (2/22) .


    ([46]) متفق عليه (رواه البخاري (2080) ، ومسلم (1539)) . والعرايا : جمع عَرِيَّة ، وهي : النّخلة يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً ، فيجعل له ثمرها عامها ، فيعروها ، أي يأتيها ، وقال في الفتح : هي في الأصل عطيّة ثمر النّخل دون الرّقبة : كانت العرب في الجدب تتطوّع بذلك على من لا ثمر له ، وعرّفها الشّافعيّة اصطلاحاً : بأنّها بيع الرّطب على النّخل بتمر في الأرض ، أو العنب في الشّجر بزبيب ، فيما دون خمسة أوسق ، وعرّفها الحنابلة بأنّها : بيع الرّطب في رءوس النّخل خرصاً ، بماله يابساً ، بمثله من التّمر ، كيلاً معلوماً لا جزافاً . (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([47]) طَبَقا : أي مالِئاً للأرض مُغَطْيِّاً لها. يقال غَيثٌ طبَقٌ: أي عامٌّ واسعٌ ، وطَبّقْ : أي أصاب . النهاية لابن الأثير (3/113) .


    ([48]) الغياثي ـ الجويني ـ( 478) .


    ([49]) قواعد الأحكام ـ العز بن عبد السلام ـ د.نزيه حماد و د.عثمان ضميره ـ دار القلم ـ الأولى ـ 1421هـ ـ (2/314) .


    ([50]) تقدم تعريفها .


    ([51]) تقدم تعريفه .


    ([52]) المنثور في القواعد الفقهية ـ الزركشي ـ وزارة الأوقاف الكويتية ـ حرف الحاء .


    ([53]) التّضبيب والضّبّ في اللّغة : تغطية الشّيء وإدخال بعضه في بعض وقيل : هو شدّة القبض على الشّيء ، لئلّا ينفلت من اليد. ويقال : ضبّب الخشب بالحديد أو الصّفر : إذا شدّه به ، وضبّب أسنانه شدّها بذهب أو فضّة أو غيرهما . (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([54]) الأشباه والنظائر( 1/88 ) .


    ([55]) القواعد النورانية ـ ابن تيمية ـ تحقيق : د. أحمد الخليل ـ دار ابن الجوزي ـ الأولى ـ 1422هـ ـ 190 .


    ([56]) الغرر : هو ما كان له ظاهِر يَغُرّ المشتَرِيَ، وباطِنٌ مجهول. وقال الأزهري: بَيْع الغرَر: ما كان على غَيْر عُهْدَة ولا ثِقة، وتَدخُل فيه البيوع التي لا يُحيِط بِكُنْهِها المُتَبَايعان، من كل مَجْهول . النهاية لابن الأثير (3/353) .


    ([57]) مجموع الفتاوى (4/136) .


    ([58]) عن أبي هريرة قال : (( نهى رسول الله r عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر )) ( رواه مسلم (1513)) . وتقدم بيان معنى بيع الغرر .


    ([59]) الملامسة من بيوع الجاهليّة ، وقد ثبت النّهي عنها في الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه (( أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة )) . (رواه البخاري (2039 ، 5481) ، ومسلم (1511)) ، وفسّره أبو هريرة في رواية مسلم بقوله : أمّا الملامسة : فأن يلمس كلّ واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل.

    والمنابذة : أن ينبذ كلّ واحد ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه.

    وعن أبي سعيد الخدريّ ((أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين ولبستين : نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع )). ( والملامسة : لمس الرّجل ثوب الآخر بيده ، باللّيل أو بالنّهار ، ولا يقلّبه إلاّ بذلك. والمنابذة : أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل ثوبه ، وينبذ الآخر إليه ثوبه ، ويكون بذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض ) ( رواه البخاري (2040) ، ومسلم (1512)) .

    2 - وفسّرت الملامسة مع ذلك في الفقه بصور :

    أ - أن يلمس ثوباً مطويّاً ، أو في ظلمة ، ثمّ يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه ، اكتفاءً بلمسه عن رؤيته ، أو يلمس كلّ منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل - كما يعبّر الحنفيّة - وذلك على سبيل المشاركة من الجانبين .

    ب - أو يكون الثّوب مطويّاً ، فيقول البائع للمشتري : إذا لمسته فقد بعتكه ، اكتفاءً بلمسه عن الصّيغة . قال في المغرب : بيع الملامسة واللّماس ، أن يقول لصاحبه : إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي ، فقد وجب البيع.

    ج - أو يبيعه شيئاً على أنّه متى لمسه لزم البيع ، وانقطع خيار المجلس وغيره ، وهو مرويّ عن أبي حنيفة ، أو يقول المشتري كذلك.

    3 - وهذا البيع بصوره المذكورة كلّها ، فاسد عند عامّة الفقهاء ، قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافاً ، وذلك لعدم الرّؤية في الصّورة الأولى ، مع لزوم البيع ، اكتفاءً باللّمس عن الرّؤية ، ولعدم الصّيغة في الصّورة الثّانية كما قال الشّافعيّة ، ولتعليق التّمليك على أنّه متى لمسه وجب البيع ، وسقط خيار المجلس في الثّالثة ، في تعبير الحنفيّة ، والتّملّكيّات لا تحتمله لأدائه إلى معنى القمار ، وعلّل الحنابلة الفساد بعلّتين : الأولى : الجهالة ، والأخرى : كونه معلّقاً على شرط ، وهو لمس الثّوب. ولعلّ هذا هو الغرر المقصود في تعبير ابن قدامة ، وأجمل الشّوكانيّ التّعليل ، بالغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس. (الموسوعة الفقهية الكويتية ) .


    ([60]) بيع المنابذة أيضاً من بيوع الجاهليّة ، وثبت النّهي عنها في صحاح الأحاديث ، كما ثبت عن الملامسة ، وفسّرت في بعضها ، وصوّرها الفقهاء فيما يأتي :

    أ - أن ينبذ كلّ واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر كلّ واحد منهما إلى ثوب صاحبه - أو ينبذه إليه بلا تأمّل كما عبّر المالكيّة - على جعل النّبذ بيعاً.

    وهذا التّفسير المأثور عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه في رواية مسلم : " فيكون ذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض " وهو المنقول عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى.

    ب - أن يجعلا النّبذ بيعاً ، اكتفاءً به عن الصّيغة ، فيقول أحدهما : أنبذ إليك ثوباً بعشرة ، فيأخذه الآخر ' والصّورة الأولى فيها مشاركة بخلاف هذه '.

    ج - أن يقول : بعتك هذا بكذا ، على أنّي إذا نبذته إليك ، لزم البيع وانقطع الخيار.

    د - أن يقول : أيّ ثوب نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمه الله تعالى.
    هذا ولا بدّ أن يسبق تراوضهما على الثّمن مع ذلك ، وإلاّ كان المنع لعدم ذكر الثّمن.
    2 - وكلّ هذه الصّور فاسدة ، بلا خلاف بين أهل العلم ، صرّح بذلك ابن قدامة وغيره . (الموسوعة الفقهية الكويتية) .



    ([61]) الحبل بفتح الموحّدة : مصدر : حبلت المرأة تحبل ويستعمل لكلّ بهيمة تلد إذا حملت بالولد ، والوصف : حبلى والجمع حبليات ، وحبالى.

    قال أبو عبيد : حبل الحبلة : ولد الجنين الّذي في بطن النّاقة ولهذا قيل : ' الحبلة ' بالهاء لأنّها أنثى ، فإذا ولدت فولدها ' حبل ' بغير هاء.

    وفي الاصطلاح : هو نتاج النّتاج ، بأن تستولد الدّابّة ، ثمّ تستولد ابنتها .

    وقال ابن الأثير في النهاية (1/332) : فالحبَل الأوّل يُراد به ما في بُطون النُوق من الحَمْل، والثاني حَبَلُ الذي في بطون النوق. وإنما نُهِي عنه لمعْنَيَيْن أحدُهما أنه غَرَرٌ وبَيْع شيء يُخْلَق بَعْدُ، وهو أن يَبيعَ ما سَوْفَ يَحْمِلُه الجَنِين الذي في بطن الناقة، على تقدير أن تكون أنْثَى، فهو بَيْع نِتاج النّتاج. (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([62]) تأْبير النخل: تلقيحه . لسان العرب لابن منظور (4/4) .


    ([63]) مجموع الفتاوى (‏20 / 85 - 86) .


    ([64]) ‏مجموع الفتاوى (21/ 53 - 54) .


    ([65]) مجموع الفتاوى(21 /150) .


    ([66]) مجموع الفتاوى(21/ 152) .


    ([67]) مجموع الفتاوى ‏(21/ 164) .


    ([68]) مجموع الفتاوى (22/ 36) .


    ([69]) مجموع الفتاوى (23/ 74) .


    ([70]) ‏مجموع الفتاوى (23/120) .


    ([71]) ‏مجموع الفتاوى (24/60) .


    ([72]) سورة‏ المائدة ‏، آية : ‏ 3‏‏‏ .


    ([73]) متفق عليه (رواه البخاري (2764،5501) ، ومسلم (2076)) .


    ([74]) مجموع الفتاوى (24/80) .


    ([75]) مجموع الفتاوى ‏(26/73) .


    ([76]) الخَمِيصَة : هي ثَوْب خَزٍّ أو صُوف مُعْلَم. وقيل لا تُسَمَّى خَمِيصةً إلا أن تكون سَوْدَاء مُعْلَمة، وكانت من لِبَاس الناس قديِماً، وجَمْعُها الخمَائِصُ. النهاية لابن الأثير (2/80) . وقال ابن منظور في لسان العرب (6/70): (وكان أَبو عمرو يقول: إِنما قيل للثوب خَمِيسٌ لأَن أَول من عمله ملك باليمن يقال له الخِمْسُ، بالكسر، أَمر بعمل هذه الثياب فنسبت إِليه. قال ابن الأَثير: وجاء في البخاري خَمِيصٌ، بالصاد، قال: فإِن صحت الرواية فيكون مُذَكَّرَ الخَمِيصَةٍ، وهي كساء صغير فاستعارها للثوب) .


    ([77]) مجموع الفتاوى (25/ 82) .


    ([78]) اللَّحّامُ: الذي يبيع اللحم . لسان العرب لابن منظور (12/535) .


    ([79]) بدائع الفوائد ـ ابن القيم ـ (4/852) .


    ([80]) قواعد الفقه (1/11) .


    ([81]) مجلة الأحكام العدلية (1/19 ) .


    ([82]) بيع الوفاء في اصطلاح الفقهاء هو : البيع بشرط أنّ البائع متى ردّ الثّمن يردّ المشتري المبيع إليه ، وإنّما سمّي ' بيع الوفاء ' لأنّ المشتري يلزمه الوفاء بالشّرط .

    هذا ، ويسمّيه المالكيّة ' بيع الثّنيا ' والشّافعيّة ' بيع العهدة ' والحنابلة ' بيع الأمانة ' ويسمّى أيضاً ' بيع الطّاعة ' ' وبيع الجائز ' وسمّي في بعض كتب الحنفيّة ' بيع المعاملة ' .

    حكم بيع الوفاء

    اختلف الفقهاء في الحكم الشّرعيّ لبيع الوفاء ؛ فذهب المالكيّة والحنابلة والمتقدّمون من الحنفيّة والشّافعيّة إلى : أنّ بيع الوفاء فاسد ، لأنّ اشتراط البائع أخذ المبيع إذا ردّ الثّمن إلى المشتري يخالف مقتضى البيع وحكمه ، وهو ملك المشتري للمبيع على سبيل الاستقرار والدّوام ، وفي هذا الشّرط منفعة للبائع ، ولم يرد دليل معيّن يدلّ على جوازه ، فيكون شرطاً فاسداً يفسد البيع باشتراطه فيه ، ولأنّ البيع على هذا الوجه لا يقصد منه حقيقة البيع بشرط الوفاء ، وإنّما يقصد من ورائه الوصول إلى الرّبا المحرّم ، وهو إعطاء المال إلى أجل ، ومنفعة المبيع هي الرّبح ، والرّبا باطل في جميع حالاته.

    وذهب بعض المتأخّرين من الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ بيع الوفاء جائز مفيد لبعض أحكامه ، وهو انتفاع المشتري بالمبيع - دون بعضها - وهو البيع من آخر . وحجّتهم في ذلك : أنّ البيع بهذا الشّرط تعارفه النّاس وتعاملوا به لحاجتهم إليه ، فراراً من الرّبا ، فيكون صحيحاً لا يفسد البيع باشتراطه فيه ، وإن كان مخالفاً للقواعد ، لأنّ القواعد تترك بالتّعامل ، كما في الاستصناع ، وذهب أبو شجاع وعليّ السّغديّ والقاضي أبو الحسن الماتريديّ من الحنفيّة إلى : أنّ بيع الوفاء رهن وليس ببيع ، فيثبت له جميع أحكام الرّهن فلا يملكه المشتري ولا ينتفع به ، ولو استأجره لم تلزمه أجرته ، كالرّاهن إذا استأجر المرهون من المرتهن ، ويسقط الدّين بهلاكه ولا يضمن ما زاد عليه ، وإذا مات الرّاهن كان المرتهن أحقّ به من سائر الغرماء ، وحجّتهم في ذلك : أنّ العبرة في العقود للمعاني ، لا للألفاظ والمباني ؛ ولهذا كانت الهبة بشرط العوض بيعاً ، وكانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالةً ، وأمثال ذلك كثير في الفقه ، وهذا البيع لمّا شرط فيه أخذ المبيع عند ردّ الثّمن كان رهناً ، لأنّه هو الّذي يؤخذ عند أداء الدّين .

    قال ابن عابدين : في بيع الوفاء قولان :

    الأوّل : أنّه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حلّ الانتفاع به ، إلاّ أنّه لا يملك المشتري بيعه ، قال الزّيلعيّ في الإكراه : وعليه الفتوى .

    الثّاني : القول الجامع لبعض المحقّقين : أنّه فاسد في حقّ بعض الأحكام حتّى ملك كلّ منهما الفسخ ، صحيح في حقّ بعض الأحكام كحلّ الإنزال ومنافع المبيع ، ورهن في حقّ البعض حتّى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه وسقط الدّين بهلاكه ، فهو مركّب من العقود الثّلاثة ، جوّز لحاجة النّاس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما ، قال في البحر : وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع ، وفي النّهر : والعمل في ديارنا على ما رجّحه الزّيلعيّ.

    وقال صاحب بغية المسترشدين من متأخّري الشّافعيّة : بيع العهدة صحيح جائز وتثبت به الحجّة شرعاً وعرفاً على قول القائلين به ، ولم أر من صرّح بكراهته ، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم وحكمت بمقتضاه الحكّام ، وأقرّه من يقول به من علماء الإسلام ، مع أنّه ليس من مذهب الشّافعيّ ، وإنّما اختاره من اختاره ولفّقه من مذاهب ، للضّرورة الماسّة إليه ، ومع ذلك فالاختلاف في صحّته من أصله وفي التّفريع عليه ، لا يخفى على من له إلمام بالفقه . (الموسوعة الفقهية الكويتية) .


    ([83]) مجلة المجمع العدد الرابع الجزء الثاني ـ منظمة المؤتمر الإسلامي ـ 1408هـ ـ (2/897) . قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي ـ دار القلم ـ الثانية ـ 1418هـ ـ 65 ـ الدورة الرابعة .


    ([84]) شرح مختصر الروضة ـ سليمان الطوفي ـ تحقيق : الدكتور عبد الله التركي ـ وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ـ الثانية ـ 1419هـ ـ (3/207) .




    ([85]) أخرجه الإمام أحمد (1/202) ، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه : إسناده صحيح برقم : (1740 ) 3/180 ط: دار المعارج الدولية للنشر ، وقال الأرنؤوط : إسناده حسن . بنفس الرقم السابق 3/ 268 ط: مؤسسة الرسالة .


    ([86]) سورة يوسف ، الآيتان : 25، 26 .


    ([87]) سورة يوسف ، آية : 42 .


    ([88]) سورة يوسف ، آية : 50 .


    ([89]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي ـ 252 .


    ([90]) مجلة المجمع (ع 9 ، ج4 ص 5) .


    ([91]) من موقع إسلام أون لاين.نت/ 18-7-2004 وعنوانه على الشبكة :

    http://www.islamonline.net/Arabic/doc/2004/07/article06.SHTML


    ([92]) فتاوى لجنة الإفتاء بالكويت( 4/47ع/84 ).


    ([93]) فتاوى لجنة الإفتاء بالكويت (2/13ع/89 ) .


    ([94]) سورة المائدة ، آية : 2 .


    ([95]) السؤالان الأول والثاني من الفتوى رقم (3532) .


    ([96]) مدارج السالكين (ج2 ص 456) تحقيق : عبد العزيز بن ناصر الجليل ـ الطبعة الأولى ـ 1423هـ ـ دار طيبة ـ

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 2:32 am