كنت أمسح حذاء زوجى ثم أنزل لمقابلة عبدالناصر!
رؤية أدبية تكتبها: نــوال مصطـفى
قصتها .. ملحمة رائعة .. معزوفة جميلة.. تناثرت نغماتها فى تآلف نادر.. بحساب السنين تجاوزت هذه السيدة السبعين من عمرها.. أما بحساب الخبرة و العطاء.. ومقياس النجاحات والمجالات الهامة التى ارتادتها.. والعمل المتواصل بلا كلل أو ملل.. فانها تعترف بأنها تشعر كما لو كانت قد عاشت مائة وخمسين سنة.. فما مر عليها من تجارب كثيرة.. وما أعطته - ولا تزال تعطيه - شيئا عظيما تفخر به أى امرأة.. أو بالأدق أى انسان.. انها الاستاذة مفيدة عبدالرحمن.. المحامية المصرية التى استطاعت أن تحتل مكان الريادة فى أكثر من موقع خلال حياتها العريضة.. كانت أول فتاة تدخل كلية الحقوق عام ٥٣٩١.. ثم كانت بعد تخرجها. أول من تمارس المحاماة، وتفتح مكتبا خاصا بها.. وأول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس ادارة بنك الجمهورية فى ابريل ٢٦٩١. وأول سيدة مصرية تستمر عضوا بمجلس الأمة ٧١ عاما متصلة.. وأول محامية فى العالم العربى تترافع أمام المحاكم العسكرية العليا.. وأول محامية تقيد بالنقض. ورغم الحياة العملية القاسية التى اختارتها لنفسها.. فقد استطاعت أن تحل المعادلة الصعبة التى تعجز معظم السيدات عن حلها.. فقد كانت زوجة سعيدة جدا.. وقصة زواجها الذى دام حوالى ٨٤ سنة ونصف السنة - إلى أن توفى زوجها المرحوم محمد عبداللطيف - كانت ملحمة حب رائعة.. ومثلا راقيا للحياة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل والتضحية المتبادلة.. والعطاء بلا حدود من الطرفين.. فهذه السيدة التى كانت فى يوم من الأيام عضوا بارزا بمجلس الأمة ومحامية مشهورة جدا.. تعمل صباحاً ومساءً بلا توقف أو راحة.. كانت أيضا أما لتسعة أولاد!! وزوجة صالحة محبة جدا لزوجها الذى تدين له بكل الفضل فى تشجيعها ودفعها للدراسة ثم للعمل.. > »كنت أنزل لمقابلة جمال عبدالناصر ومعه بومدين.. أو خروشوف وأنور السادات، وقبل أن أغادر منزلى لمقابلة هؤلاء العظماء كنت أمسح حذاء زوجى بيدى.. ورغم أن بيتى كان به خدم الا أننى كنت أحب أن أشعره بأننى زوجته قبل أن أكون محامية مشهورة أو عضو مجلس أمة بارزة«. هكذا تروى مفيدة عبدالرحمن لمسة من اللمسات الرائعة فى حياتها السعيدة التى كان يحسدها الجميع عليها؟.. ورغم كل نجاحها العملى فقد حققت أسطورة الجمع بين السعادة الكاملة فى الزواج والوصول إلى قمة النجاح فى العمل فى آن واحد.. قالت لها كوكب الشرق أم كلثوم ذات مرة: أتمنى أن أرى ألبوم الخطابات الخاصة بينك وبين زوجك.. فقد كانت لهذا الألبوم قصة.. فعندما كانت تسافر مفيدة عبدالرحمن لتمثل مصر فى المؤتمرات العالمية سواء البرلمانية أو النسائية.. كان زوجها يحزن جدا لفراقها، ولكنه يشجعها ويدفعها للسفر لكى تستمر فى نجاحها وتشرف اسم مصر فى الخارج.. ورغم ألم بعادها عنه فقد كان فخورا بها.. وكانا يتفقان على أن يرسل كل منهما خطابا للآخر كل يوم.. واحتفظ كل منهما بألبوم الخطابات الخاصة.. حتى الآن.. وحتى بعد وفاة الزوج تحتفظ مفيدة بالألبومين.. وتقول: لا أعرف كيف أحميهما.. أخشى أن أموت ويصبحا فى متناول الأيدى وأنا أعتبرهما مقدسين، ولابد أن يكونا فى مكان لا يصل إليه أحد.. ولكن كيف؟! لا أعرف. ماما مفيدة إلتقيت بالأستاذة مفيدة.. أو ماما »مفيدة« كما تحب أن يناديها كل من يعملون معها أو يعرفونها.. قلت لها.. أريد أن أستمع إلى قصتك الرائعة مع الحب والعطاء والنجاح.. وفتحت ماما »مفيدة« لى قلبها: »كأنها ٠٥١ سنة« > سألتها: - كيف استطعت الجمع بين السعادة الزوجية طيلة هذه السنين والنجاح الكبير الذى حققته فى حياتك العملية كمحامية وكشخصية عامة معروفة.. لها بصماتها؟.. > وبهدوء بدأت ماما مفيدة الاجابة.. قائلة: - أنا قضيت الآن من عمرى ٥٧ سنة.. كأنى قضيت ٠٥١ سنة.. لأنها كلها كفاح وجهاد وتعب.. لكنها سعادة.. يعنى أنا دلوقت.. لو الطبيب قال لى أقعدى فى البيت.. أستأذنه أنى آجى أقعد فى المكتب ولو أظل فى غرفة الاستراحة لأنى لا أستطيع البقاء فى البيت.. > وتستطرد ماما مفيدة قائلة: - وأنا نشأت فى أسرة مترابطة، أسرة متوسطة.. الكبير فيها يحب الصغير ويعطف عليه.. والصغير يحترم الكبير.. فيها التعاون والحب والتضحية والوفاء والتفانى فكنت أشوف ماما أو جدتى تقف بالمنشفة لوالدى أو جدى وهو يتوضأ.. فكبرت وفى ذهنى صورة المرأة التى تذيب نفسها فى خدمة الرجل.. والرجل الذى يعامل زوجته معاملة بأرق ما يمكن.. فأنا فى أسرتى - نمرة أربعة - لى أخت أكبر منى وأخوان أصغر منى.. عمرى ما شفت بابا أو ماما بيضربوا أحد أخواتى.. كان هناك تفاهم.. وبالنظرة نفهم المطلوب منا بلا ضرب أو توبيخ. وأختى الكبيرة كانت طبيبة - رحمها الله - وأرسلتها الدولة على نفقتها لتدرس الطب فى انجلترا.. وأنا درست فى المدرسة ودخلت القسم العلمى وكنت أحلم بأن أصبح طبيبة مثلها.. وقال لى أبى عندما تحصلين على البكالوريا سوف أرسلك مع أختك إلى انجلترا لتدرسى هناك.. فى شهر العسل > وتكمل مفيدة عبدالرحمن حديثها قائلة: - وفعلا امتحنت البكالوريا وكنت أنتظر النتيجة.. لكن ما حدث أن العريس ظهر قبل النتيجة وفى خلال شهر واحد كنت فى بيت الزوجية.. فكل شىء كان سهلا، البيوت خالية.. وكانت يافطة »شقة للإيجار« موجودة فى كل مكان وتجهيز الأثاث الفرش سهل.. فكنت فى بيتى بعد شهر واحد.. وظهرت النتيجة وأنا فى شهر العسل.. كان عندى »ملحق« فى الميكانيكا والهندسة.. فسألنى زوجى.. تحبى تذاكرى وتدخلى امتحان الملحق.. > وتتوقف مفيدة عبدالرحمن لتترحم على زوجها قائلة: - كان رجلا عظيما تفضل الله - سبحانه وتعالى - علىّ به.. انسانا فاضلا يحب العلم جدا فقلت له.. قوى.. ورحت المدرسة بلا أصباغ وبمنتهى الجدية بعد ٥١ يوما من زواجى وأثناء شهر العسل.. أديت الامتحان ونجحت وقعدت فى البيت... أنجبت أول أولادى.. عادل.. وكان معى »دادا« فى البيت.. لم أكن أعرف كيف أطبخ.. وبدأت أتعلم. كان زوجى صاحب مطبعة ومكتبة ويدعو تجار الكتب من الشرق الأقصى واضطررت لأن أقيم مآدب طعام لأكثر من عشرين شخصا.. فتعلمت وبقيت شاطرة قوى فى المطبخ.. وكنت ضعيفة جدا فاضطررت لأن احضر مرضعة لأبنى عادل لترضعه بدأت أشعر بفراغ كبير فى حياتى.. وشعر زوجى بذلك، وبرغبتى فى أن أكمل تعليمى وأصبح طبيبة.. فقال لى.. تحبى تدخلى الجامعة؟ فقلت له.. يا ريت.. قال لى.. طبعا دراسة الطب حتبقى مشقة عليك.. وبدأ يفكر.. ثم اقترح على أن أدرس الحقوق فوافقت.. ولما عرف عميد الكلية أن الطلب المقدم من زوجة وأم.. صمم أن يلتقى بزوجى ويتأكد من موافقته على ذلك.. وفعلا ذهب زوجى معى وحاول بكل الطرق اقناع العميد الذى كان مندهشا من تصميم زوجى على أن أدخل الجامعة وأنا زوجة وأم.. والفتاة الوحيدة بين كل الشبان فى كلية الحقوق.. أم لخمسة > وتضحك ماما مفيدة وتقول: - وفعلا دخلت الكلية وأنا أم لـ»عادل« وتخرجت وأنا أم لخمسة أولاد، ولم أرسب سنة واحدة.. وبعد التخرج بدأت فى ممارسة عملى كمحامية عام ٩٣٩١، ومعى خمسة أولاد، وعلى مدى بضع سنوات أخرى أنجبت أربعة آخرين فأصبحت أما لتسعة أولاد.. > وتستطرد قائلة: - وبدأت أشق طريقى بصعوبة بالغة.. لأنه فى سنة ٩٣٩١ لا تجدين من يقتنع بأن المرأة ممكن أن تقنع القاضى مثل الرجل، ولكن بفضل الله العظيم وحبى واجتهادى فى عملى.. ومعاونة زوجى لى التى لا أنكرها ولابد أن اعترف بالفضل لأصحابه.. فأنا أعتبر أن الله - سبحانه وتعالى - هو صاحب الفضل الأول.. ثم أبى، وزوجى معا.. لأن زوجى شجعنى وأنا صغيرة عندما تزوجته وعمرى سبعة عشر عاما.. وبدأت أمارس عملى فى المحاماة بالتدريب فى مكاتب كبار المحامين وكنت أحب أن أتولى قضايا كبيرة لأثبت جدارتى.. وفعلا كنت آخذ قضايا كبيرة وصعبة جدا على محامى تحت التمرين.. مثل قضايا»القتل الخطأ« التى لا أتصور أن أعطيها الآن لأحد المحامين الشبان الذين يتدربون فى مكتبى.. لأنها تحتاج لخبرة كبيرة.. براءة > وتتذكر المحامية البارزة أولى القضايا التى ترافعت فيها، وكانت تهمة موكلها هى »القتل الخطأ«.. فتقول: - ورغم صعوبة القضية إلا أننى دخلت المحكمة وواجهت القاضى بدراسة كاملة مستوفية للقضية ومنظرى يوحى بالجدية الشديدة بلا أصباغ أو تبهرج.. سألت الشهود وناقشتهم.. وبعد مرافعتى.. اذا بالقاضى ينطق بالحكم فى نفس الجلسة.. دون تأجيل.. كما هى العادة فى مثل هذه القضايا وكان الحكم بالبراءة لموكلى.. ملأت الزغاريد قاعة المحكمة.. وبدأ الناس يعرفوننى ويحضرون إلى المكتب الذى أتمرن فيه، ويطلبون من المحامى الكبير أن أتولى أنا قضاياهم.. فدبت الغيرة فى نفسه.. وتركت المكتب واستمررت فى عملى كمحامية مستقلة.. وباجتهادى وصمودى فى الوقت الذى كانت المرأة فيه تلبس البرقع والملاية.. اشتهر اسمى وبدأت الجرائد تكتب عنى.. الزوجة والأم التى تترافع أمام المحكمة.. وكنت اذهب إلى المحكمة حتى آخر يوم قبل الولادة..
رؤية أدبية تكتبها: نــوال مصطـفى
قصتها .. ملحمة رائعة .. معزوفة جميلة.. تناثرت نغماتها فى تآلف نادر.. بحساب السنين تجاوزت هذه السيدة السبعين من عمرها.. أما بحساب الخبرة و العطاء.. ومقياس النجاحات والمجالات الهامة التى ارتادتها.. والعمل المتواصل بلا كلل أو ملل.. فانها تعترف بأنها تشعر كما لو كانت قد عاشت مائة وخمسين سنة.. فما مر عليها من تجارب كثيرة.. وما أعطته - ولا تزال تعطيه - شيئا عظيما تفخر به أى امرأة.. أو بالأدق أى انسان.. انها الاستاذة مفيدة عبدالرحمن.. المحامية المصرية التى استطاعت أن تحتل مكان الريادة فى أكثر من موقع خلال حياتها العريضة.. كانت أول فتاة تدخل كلية الحقوق عام ٥٣٩١.. ثم كانت بعد تخرجها. أول من تمارس المحاماة، وتفتح مكتبا خاصا بها.. وأول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس ادارة بنك الجمهورية فى ابريل ٢٦٩١. وأول سيدة مصرية تستمر عضوا بمجلس الأمة ٧١ عاما متصلة.. وأول محامية فى العالم العربى تترافع أمام المحاكم العسكرية العليا.. وأول محامية تقيد بالنقض. ورغم الحياة العملية القاسية التى اختارتها لنفسها.. فقد استطاعت أن تحل المعادلة الصعبة التى تعجز معظم السيدات عن حلها.. فقد كانت زوجة سعيدة جدا.. وقصة زواجها الذى دام حوالى ٨٤ سنة ونصف السنة - إلى أن توفى زوجها المرحوم محمد عبداللطيف - كانت ملحمة حب رائعة.. ومثلا راقيا للحياة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل والتضحية المتبادلة.. والعطاء بلا حدود من الطرفين.. فهذه السيدة التى كانت فى يوم من الأيام عضوا بارزا بمجلس الأمة ومحامية مشهورة جدا.. تعمل صباحاً ومساءً بلا توقف أو راحة.. كانت أيضا أما لتسعة أولاد!! وزوجة صالحة محبة جدا لزوجها الذى تدين له بكل الفضل فى تشجيعها ودفعها للدراسة ثم للعمل.. > »كنت أنزل لمقابلة جمال عبدالناصر ومعه بومدين.. أو خروشوف وأنور السادات، وقبل أن أغادر منزلى لمقابلة هؤلاء العظماء كنت أمسح حذاء زوجى بيدى.. ورغم أن بيتى كان به خدم الا أننى كنت أحب أن أشعره بأننى زوجته قبل أن أكون محامية مشهورة أو عضو مجلس أمة بارزة«. هكذا تروى مفيدة عبدالرحمن لمسة من اللمسات الرائعة فى حياتها السعيدة التى كان يحسدها الجميع عليها؟.. ورغم كل نجاحها العملى فقد حققت أسطورة الجمع بين السعادة الكاملة فى الزواج والوصول إلى قمة النجاح فى العمل فى آن واحد.. قالت لها كوكب الشرق أم كلثوم ذات مرة: أتمنى أن أرى ألبوم الخطابات الخاصة بينك وبين زوجك.. فقد كانت لهذا الألبوم قصة.. فعندما كانت تسافر مفيدة عبدالرحمن لتمثل مصر فى المؤتمرات العالمية سواء البرلمانية أو النسائية.. كان زوجها يحزن جدا لفراقها، ولكنه يشجعها ويدفعها للسفر لكى تستمر فى نجاحها وتشرف اسم مصر فى الخارج.. ورغم ألم بعادها عنه فقد كان فخورا بها.. وكانا يتفقان على أن يرسل كل منهما خطابا للآخر كل يوم.. واحتفظ كل منهما بألبوم الخطابات الخاصة.. حتى الآن.. وحتى بعد وفاة الزوج تحتفظ مفيدة بالألبومين.. وتقول: لا أعرف كيف أحميهما.. أخشى أن أموت ويصبحا فى متناول الأيدى وأنا أعتبرهما مقدسين، ولابد أن يكونا فى مكان لا يصل إليه أحد.. ولكن كيف؟! لا أعرف. ماما مفيدة إلتقيت بالأستاذة مفيدة.. أو ماما »مفيدة« كما تحب أن يناديها كل من يعملون معها أو يعرفونها.. قلت لها.. أريد أن أستمع إلى قصتك الرائعة مع الحب والعطاء والنجاح.. وفتحت ماما »مفيدة« لى قلبها: »كأنها ٠٥١ سنة« > سألتها: - كيف استطعت الجمع بين السعادة الزوجية طيلة هذه السنين والنجاح الكبير الذى حققته فى حياتك العملية كمحامية وكشخصية عامة معروفة.. لها بصماتها؟.. > وبهدوء بدأت ماما مفيدة الاجابة.. قائلة: - أنا قضيت الآن من عمرى ٥٧ سنة.. كأنى قضيت ٠٥١ سنة.. لأنها كلها كفاح وجهاد وتعب.. لكنها سعادة.. يعنى أنا دلوقت.. لو الطبيب قال لى أقعدى فى البيت.. أستأذنه أنى آجى أقعد فى المكتب ولو أظل فى غرفة الاستراحة لأنى لا أستطيع البقاء فى البيت.. > وتستطرد ماما مفيدة قائلة: - وأنا نشأت فى أسرة مترابطة، أسرة متوسطة.. الكبير فيها يحب الصغير ويعطف عليه.. والصغير يحترم الكبير.. فيها التعاون والحب والتضحية والوفاء والتفانى فكنت أشوف ماما أو جدتى تقف بالمنشفة لوالدى أو جدى وهو يتوضأ.. فكبرت وفى ذهنى صورة المرأة التى تذيب نفسها فى خدمة الرجل.. والرجل الذى يعامل زوجته معاملة بأرق ما يمكن.. فأنا فى أسرتى - نمرة أربعة - لى أخت أكبر منى وأخوان أصغر منى.. عمرى ما شفت بابا أو ماما بيضربوا أحد أخواتى.. كان هناك تفاهم.. وبالنظرة نفهم المطلوب منا بلا ضرب أو توبيخ. وأختى الكبيرة كانت طبيبة - رحمها الله - وأرسلتها الدولة على نفقتها لتدرس الطب فى انجلترا.. وأنا درست فى المدرسة ودخلت القسم العلمى وكنت أحلم بأن أصبح طبيبة مثلها.. وقال لى أبى عندما تحصلين على البكالوريا سوف أرسلك مع أختك إلى انجلترا لتدرسى هناك.. فى شهر العسل > وتكمل مفيدة عبدالرحمن حديثها قائلة: - وفعلا امتحنت البكالوريا وكنت أنتظر النتيجة.. لكن ما حدث أن العريس ظهر قبل النتيجة وفى خلال شهر واحد كنت فى بيت الزوجية.. فكل شىء كان سهلا، البيوت خالية.. وكانت يافطة »شقة للإيجار« موجودة فى كل مكان وتجهيز الأثاث الفرش سهل.. فكنت فى بيتى بعد شهر واحد.. وظهرت النتيجة وأنا فى شهر العسل.. كان عندى »ملحق« فى الميكانيكا والهندسة.. فسألنى زوجى.. تحبى تذاكرى وتدخلى امتحان الملحق.. > وتتوقف مفيدة عبدالرحمن لتترحم على زوجها قائلة: - كان رجلا عظيما تفضل الله - سبحانه وتعالى - علىّ به.. انسانا فاضلا يحب العلم جدا فقلت له.. قوى.. ورحت المدرسة بلا أصباغ وبمنتهى الجدية بعد ٥١ يوما من زواجى وأثناء شهر العسل.. أديت الامتحان ونجحت وقعدت فى البيت... أنجبت أول أولادى.. عادل.. وكان معى »دادا« فى البيت.. لم أكن أعرف كيف أطبخ.. وبدأت أتعلم. كان زوجى صاحب مطبعة ومكتبة ويدعو تجار الكتب من الشرق الأقصى واضطررت لأن أقيم مآدب طعام لأكثر من عشرين شخصا.. فتعلمت وبقيت شاطرة قوى فى المطبخ.. وكنت ضعيفة جدا فاضطررت لأن احضر مرضعة لأبنى عادل لترضعه بدأت أشعر بفراغ كبير فى حياتى.. وشعر زوجى بذلك، وبرغبتى فى أن أكمل تعليمى وأصبح طبيبة.. فقال لى.. تحبى تدخلى الجامعة؟ فقلت له.. يا ريت.. قال لى.. طبعا دراسة الطب حتبقى مشقة عليك.. وبدأ يفكر.. ثم اقترح على أن أدرس الحقوق فوافقت.. ولما عرف عميد الكلية أن الطلب المقدم من زوجة وأم.. صمم أن يلتقى بزوجى ويتأكد من موافقته على ذلك.. وفعلا ذهب زوجى معى وحاول بكل الطرق اقناع العميد الذى كان مندهشا من تصميم زوجى على أن أدخل الجامعة وأنا زوجة وأم.. والفتاة الوحيدة بين كل الشبان فى كلية الحقوق.. أم لخمسة > وتضحك ماما مفيدة وتقول: - وفعلا دخلت الكلية وأنا أم لـ»عادل« وتخرجت وأنا أم لخمسة أولاد، ولم أرسب سنة واحدة.. وبعد التخرج بدأت فى ممارسة عملى كمحامية عام ٩٣٩١، ومعى خمسة أولاد، وعلى مدى بضع سنوات أخرى أنجبت أربعة آخرين فأصبحت أما لتسعة أولاد.. > وتستطرد قائلة: - وبدأت أشق طريقى بصعوبة بالغة.. لأنه فى سنة ٩٣٩١ لا تجدين من يقتنع بأن المرأة ممكن أن تقنع القاضى مثل الرجل، ولكن بفضل الله العظيم وحبى واجتهادى فى عملى.. ومعاونة زوجى لى التى لا أنكرها ولابد أن اعترف بالفضل لأصحابه.. فأنا أعتبر أن الله - سبحانه وتعالى - هو صاحب الفضل الأول.. ثم أبى، وزوجى معا.. لأن زوجى شجعنى وأنا صغيرة عندما تزوجته وعمرى سبعة عشر عاما.. وبدأت أمارس عملى فى المحاماة بالتدريب فى مكاتب كبار المحامين وكنت أحب أن أتولى قضايا كبيرة لأثبت جدارتى.. وفعلا كنت آخذ قضايا كبيرة وصعبة جدا على محامى تحت التمرين.. مثل قضايا»القتل الخطأ« التى لا أتصور أن أعطيها الآن لأحد المحامين الشبان الذين يتدربون فى مكتبى.. لأنها تحتاج لخبرة كبيرة.. براءة > وتتذكر المحامية البارزة أولى القضايا التى ترافعت فيها، وكانت تهمة موكلها هى »القتل الخطأ«.. فتقول: - ورغم صعوبة القضية إلا أننى دخلت المحكمة وواجهت القاضى بدراسة كاملة مستوفية للقضية ومنظرى يوحى بالجدية الشديدة بلا أصباغ أو تبهرج.. سألت الشهود وناقشتهم.. وبعد مرافعتى.. اذا بالقاضى ينطق بالحكم فى نفس الجلسة.. دون تأجيل.. كما هى العادة فى مثل هذه القضايا وكان الحكم بالبراءة لموكلى.. ملأت الزغاريد قاعة المحكمة.. وبدأ الناس يعرفوننى ويحضرون إلى المكتب الذى أتمرن فيه، ويطلبون من المحامى الكبير أن أتولى أنا قضاياهم.. فدبت الغيرة فى نفسه.. وتركت المكتب واستمررت فى عملى كمحامية مستقلة.. وباجتهادى وصمودى فى الوقت الذى كانت المرأة فيه تلبس البرقع والملاية.. اشتهر اسمى وبدأت الجرائد تكتب عنى.. الزوجة والأم التى تترافع أمام المحكمة.. وكنت اذهب إلى المحكمة حتى آخر يوم قبل الولادة..