مع اقتراب موعد اجراء انتخابات مجلس الشعب 2010 تتصاعد وتيرة الصراعات والصدمات بين المرشحين في صور متعددة ومتباينة، لعل أشهرها "صراع الرمز" الذي يحاول كل مرشح أو حزب الفوز فيه برمز ينأي بعيدًا عن تهكمات منافسيه وسخرية المناوئين له علي غرار الجردل والكنكة، ونظرًا لأن الهلال والجمل رمزان ملاكي محجوزان للحزب الوطني، و"النخلة" محجوز بالأقدمية لحزب الوفد، فباقي الأحزاب والمستقلين يتصارعون علي الرموز التي تحمل قدرًا من الوقار والأمل، كالميزان -الذي يرمز للعدل- والنجمة -التي ترمز للأمل- والطائرة - التي ترمز للسرعة- والسيارة -التي ترمز لنقل المواطن من واقع إلي واقع آخر- وغيرها.
ولعل أشهر الصراعات ما حدث في انتخابات 2005 بين الحزب الوطني ومرشحي الإخوان، حيث تصاعدت حدة الصراعات الرمزية عندما اتهم الإخوان الحزب الحاكم بتجاوز القواعد المتبعة في توزيع الرموز الانتخابية بمنح الإخوان رموزًا يمكن استخدامها في حملة دعاية مضادة ضدهم مثل "المسدس والسيف والدبابة" للإيحاء بأنهم مرشحون إرهابيون والعنف رمزهم، في حين حجب عنهم الرموز المبشرة كالوردة والشمس والمفتاح حتي ينفر منهم الناخبين، ولكن هذه المحاولة باءت بفشل كبير، وحصد الإخوان 88 مقعدًا، رغم أنف الحزب الوطني.
الرموز الانتخابية ليست بدعة حديثة، ولكنها جزء من التراث الإنساني وترجع نشأتها إلي قدماء المصريين والعصور الوسطي في أوروبا، وبالرغم من أن العالم بدأ يطور العملية الانتخابية من خلال استخدام تقنيات حديثة، مثل الكمبيوتر والإنترنت، إلا أننا في مصر مازلنا نتمسك بالرموز الانتخابية، بل وتتصارع بعض الأحزاب علي بعضها ويتشبث الحزب الحاكم بالهلال والجمل.
ويرجع استخدام الرموز الانتخابية في مصر لقانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 الذي ألزمت مادته رقم 29 في فقرتها الثالثة اقتران اسم كل مرشح للانتخابات وكل موضوع مطروح للاستفتاء بلون أو رمز يحدد وبقرار من وزارة الداخلية.
وكان السبب الأساسي لاستخدام هذه الرموز ارتفاع نسبة الأمية بشكل مفجع في المجتمع المصري.
وقد أصدرت وزارة الداخلية أول قرار يحدد الرموز الانتخابية ويدون بها أسماء المرشحين وصفة المرشح ورمزه الانتخابي، وكانت الرموز وقتها 31 رمزًا فقط، حيث كان عدد المرشحين يتراوح بين 4:01 مرشحين في الدائرة الواحدة، ومع تزايد عدد المرشحين في الانتخابات التالية وزيادة الوعي الانتخابي نسبيًا أصدر وزير الداخلية عام 1984 قرارًا بزيادة الرموز الانتخابية إلي 100 رمز انتخابي بل وأعطي القرار رقم 59 لسنة 1984 الحق للمرشح في تغيير رمزه الانتخابي خلال سبعة أيام من تحديد الرموز.
ومصر لم تنفرد باستخدام الرموز أو ابتدعتها فهناك العديد من دول العالم التي تعاني من ارتفاع نسبة الأمية تستخدمها هي الأخري، وتصدر اللجنة العليا للانتخابات وفقًا للقانون قرارات شاملة للقواعد المنظمة لمشاركة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في العملية الانتخابية، وكذلك ضوابط منح الرموز الانتخابية، حيث يتم تخصيص رموز معينة للأحزاب السياسية القائمة قانونًا وعددها 20 حزبًا، وهي الأحزاب التي يحق لها خوض الانتخابات بجانب المرشحين المستقلين.
وبالنسبة للرموز الانتخابية، ولقد قام القانون رقم 3 لسنة 2007 بحصر 100 رمز انتخابي فقط يتم استخدامها خلال العملية الانتخابية، حيث يتم تخصيص الرموز للأحزاب طبقًا لعدة قواعد، وهي الحزب الأقدم في النشأة، وفي حالة التساوي يتم اللجوء إلي من يمتلك عددًا أكبر من المقاعد في البرلمان.
وإذا استمرت حالة التساوي يتم الاحتكام إلي مَن درج علي استخدام الرمز خلال الانتخابات السابقة، وفي النهاية يتم اللجوء إلي القرعة إذا استمرت حالة التساوي علي أن يتم تخصيص الرموز المتبقية للمرشحين المستقلين.
وبعيدًا عن العملية الانتخابية فإن الرموز تلعب دورًا مهمًا في تسهيل المعرفة، فهناك آلاف الرموز في مختلف مناحي الحياة سواء في الإعلانات وإشارات المرور علي الطرق المختلفة، وكذلك علامات ورموز في الفنادق والمطارات وملاعب الكرة والمطاعم والمتاحف ودور السينما والخرائط وكتب الأطفال والبريد والمستشفيات والمعارض والسفن وغيرها.
حتي أصبحت الرموز مصطلحات عالمية تسهل للجميع التعامل والتواصل مع اختلاف اللغة والثقافة والمعرفة والإدراك والعادات، لقد أصبحت الرموز هي اللغة العالمية الوحيدة التي لا خلاف عليها والتي يسرت للغرباء التعامل، وللأطفال المعرفة، وللأميين حق الانتخاب، والرموز هي أقدم لغة في العالم، اعتمدت مفرداتها علي الرموز المرسومة وهي اللغة الهيروغليفية القديمة. فلقد رمز الفراعنة برسم الوجه تعبيرًا عن النهر، وبرسم الصقر تعبيرًا عن الإله حورس، وبرسم الجبل بثلاثة مثلثات والعدالة والميزان، وبقيت بعض الرموز الفرعونية حتي الآن تعبر عن المعاني والمدلولات ذاتها، مثل رسم الأفعي رمزًا للصيدلة، والميزان رمزًا للعدالة، والقناع للتمثيل، والخرزة الزرقاء للحسد، وغيرها لسهولة الرمز في التعبير عن واقع هذه الحياة.