تعتبر قضية تعدد الزوجات من الموضوعات المعقدة التي تحظى بين الحين والآخر باهتمام ونقد واسع النطاق من قبل الأوساط الاجتماعية والإعلامية والدينية, فضلا عن تشابك معطياتها مع الكثير من القضايا الأخرى على الساحة الداخلية بالمجتمعات خاصة العربية , بجانب انتقال مناقشاتها إلى البلدان الغربية في الآونة الأخيرة بعد البيانات التي أوضحت ارتفاع نسب النساء عن الرجال بتلك المجتمعات الأجنبية , مما احدث خللا اجتماعيا كبيرا بها لعدم تطبيق نظام تعدد الزوجات الذي أجازه الدين الإسلامي , لمنع الانفلات الأخلاقي , ومعالجة المشكلات الطارئة على الأسر , لكن في الوقت ذاته لا تزال هناك سلبيات تكتنف استغلال هذا الحق من قبل بعض الرجال بشكل غير صحيح ليلقى بظلال قاتمة على كثير من الأسر , ويهدد بتدميرها , وتخريب الأمان الاجتماعي بين الزوج والزوجة .
حقوق شرعية
في البداية يؤكد د.يحيى الجمل المفكر العربي والفقيه الدستوري أن حق الرجل في الزواج من واحدة وأخرى وأربع زوجات حق كفله الشرع والدستور والقوانين بالبلدان العربية والإسلامية , لكن ينبغي عدم استخدام الحق في الاعتداء على حقوق الآخرين , وعدم الانغماس في الشهوة لتضيع معها معالم الأسر السعيدة , والتي كان يمكن لعائلها الاكتفاء بواحدة فقط , خاصة إذا لم يكن يستطيع تحقيق العدالة في كل شيء بين زوجاته وأبنائه , ولا يملك القدرة الاقتصادية على كفالة هذه الأسر , ولم يكن هناك سبب جوهري يدفعه إلى الزواج من أخرى كمرض أصاب زوجته الأولى أو عدم قدرتها على الإنجاب , فالتشريع يكفل حق الزواج لكن الرحمة أحيانا خاصة للزوجات يجب أن تكون فوق كل شيء , خاصة في هذه الظروف الراهنة والأزمات الاقتصادية التي تمر بها معظم المجتمعات العربية والغربية على حد سواء , والحاجة الماسة إلى توفير مقومات العيش الكريم للأسرة لا زيادة الأعباء بتكوين أسر أخرى تمتص من قوت الأفراد الأساسيين , وتخرج أجيالا فاقدين للهوية والانتماء والقدرة على التفوق .
معايير مغلوطة
وعلى الجانب الآخر ترفض د. فاطمة بدران رئيسة رابطة المرأة العربية المفاهيم الشعبية والأفلام السينمائية التي تتيح بل وأحيانا تحبز تعدد الزوجات لبعض الرجال بلا روية , وتشدد على أن الإسلام شرع تعدد الزوجات لدواعي معينة , وتحت ضوابط عقلانية لا تدع الرجل يسير وراء شهواته بلا روية , كما أن المسلمين الأوائل كانوا يتزوجون من أكثر من زوجة خشية الوقوع في الحرام حيث كانوا يرعون نساء أرامل ويتامى نتجن عن الحروب والفتوحات الإسلامية , لكن الوضع مختلف حاليا بعد المدنية الحديثة وعدم وجود أسباب جوهرية عند معظم الرجال للإقبال على الزواج من ثانية وثالثة ورابعة , فالأمر أولا بالنسبة للمرأة في عالم اليوم ينتقص من حقوقها ويعد انتهاكا لكرامتها وطعنا لها من اعز ما تملك وهو كرامتها وكبريائها .
كما أنه من المفارقات حاليا وجود تجارب تعدد الزوجات لدواعي السفر إلى البلدان المختلفة كزواج المسيار وغيره , فالأصل في الإسلام هو الزواج الطبيعي لتكوين أسرة بلا تحديد فترة زمنية , لتكون نواة صالحة للمجتمع , وليس زواج الترانزيت أو زواج المتعة وغيرها من المسميات الخاطئة .
إن الزواج المطلوب هو القائم على المودة والرحمة بين الزوج والزوجة , ومن الصعب على المرأة الاستمرار في العيش تحت الذل والجور بسبب نزوات زوجها, أما تعدد الزوجات فيكون لأسباب معينة اختصها الإسلام دون الظلم للزوجة الأولى التي تسيء إليها بصورة بالغة خطوة إقدام زوجها على الاقتران بأخرى أو أخريات , فالدين الاسلامى حلل تعدد الزوجات وفقا لقواعد شرعية ودون انفلات الأمور أو دخولها إلى نطاق المغامرات والنزوات العاطفية للزوج بلا أسباب مقنعة وحقيقية .
وتتفق د. زينب صفر المستشار الفني للأمين العام للمجلس القومي للمرأة على أن الزواج سكينة ورحمة , لتكوين أسرة سعيدة , تنعم بالاستقرار والراحة والطمأنينة, لكن تشير إلى أن زواج الرجل بأخرى قد يبنى بيتا , ويهدم أسرة بكاملها , ويؤدى إلى ضعف موارد الأسرة الأولى , وضياع الأبناء من تلك البيوت غير المستقرة , وفقدانهم عناية الأب ورعايته بل وفقدانهم القدوة الصحيحة.
وليس أمر تعدد الزوجات بالموضوع الهين على الزوجة الأولى لهذا يجب تقنينه جيدا , ومنع سوء استغلال الرجال لحقوقهم التي بالفعل أعطاها لهم الشرع لكن وفقا لأحكام وظروف , وليس بغرض المتعة والشهوة الوقتية دون وعى بمصير هذه الأسر الجديدة والأبناء الناتجين عن تعدد الزيجات , والظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي تعيشها معظم المجتمعات العربية , واحتياج الأسرة الأولى إلى مواردها بالكامل دون تجزئتها على زيجات أخرى ونزوات الزوج .
وترى د . عزيزة حلمي مستشار المجلس القومي للأمومة والطفولة أن هذه القضية معقدة الأبعاد , ومن الصعب تحديد رؤية واحدة لها , خاصة أن كثير من المسيحيين باتوا في الآونة الأخيرة ينظرون إلى ضرورة إيجاد مخرج ديني لهم تتيح من خلاله الكنائس سواء للكاثوليك أو للبروتستانت تعدد الزوجات أسوة بالمسلمين بسبب المشكلات الاجتماعية المعقدة التي تصطدم بها تلك الأسر , فالقضية صعبة الحسم وفيها جدل كبير .
إباحة ... بشروط
أما الشيخ سيد عبد الحفيظ من علماء الأزهر الشريف , فينظر للموضوع من وجهة نظر دينية , حيث يبيح الشرع تعدد الزوجات وهذا لا يمكن لأحد إنكاره, بشروط منها الاستطاعة , والعدل , وعدم خراب البيت الأول أو ما تلاه بالطلاق مثلا أو الهجرة , ولفت عبد الحفيظ إلى أن الزواج الثاني مثلا قد يكون منجاة للأرامل والمطلقات ومن فاتهن قطار الزواج , فمسالة تعدد الزوجات في الإسلام لها جزء يعنى في جوهره التكافل الاجتماعي بين الجميع , وصون نساء مسلمات بنية خالصة لوجه الله , ودون الوقوع في مغبة العبث أو اللهو أو زواج المسيار , فالمطلوب عند استعمال إيجاز تعدد الزوجات عدم الانغماس في زواج على حساب آخر , كما قال تعالى (( فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة )) , وكما قال صلى الله عليه وسلم (( من كانت له امرأتان فمال إلى احدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)) أي يجب ألا يميل الرجل لزوجة على حساب حقوق الأخرى .
صور مأساوية
ولعل وسائل الإعلام قد عالجت قضية تعدد الزوجات بقصص وتجارب كثيرة معظمها يصب على سلبيات هذه الزيجات , وعواقبها الوخيمة , وأحيانا الطريفة , فينظر الأستاذ ممدوح الليثى رئيس جهاز السينما لموضوع تعدد الزوجات بوصفه قضية درامية فرضت نفسها على واقع المجتمعات , وعكستها العديد من الأعمال والروايات في السينما والمسرح والتليفزيون العربي ولم تحسم بعد , خاصة عبر قصص الحب التي تكون في السر بين رجال الأعمال المسافرين دائما وأخريات تتوج أحيانا بزواج في السر في الغالب مع السكرتيرات أو الموظفات أو الزميلات في العمل , بينما يترك الرجل زوجته الأولى مع أولاده في عصمته دون تعريفها بهذا الزواج , فيما يحاول القانون حاليا أتاحت الفرصة للمرأة لاشتراط إعلامها في حالة زواج زوجها بغيرها , وتلك الجزئية محل شك ومن الصعب ضمانها , لهذا فالغالب في المجتمعات العربية أن يكون الزواج الثاني في السر خاصة بمصر , أما ببعض دول الخليج فيكون تعدد الزوجات أمرا طبيعيا لا غبار عليه , ويعامل كأنه شيء عادى , والسينما العربية عامة معظم ما تخرجه من أعمال حول تعدد الزوجات مثل الزوجة الثانية , والزوجة السابعة , والزوجة رقم 13 , وغيرها تكون في الغالب في إطار من الكوميديا التراجيدية , أو كوميديا ساخرة , تلقى الضوء على سلبيات الزواج في السر مثلا على المجتمع , وما يقع على الزوجتين مثلا من ظلم ونقصان للحقوق , بينما تعدد الزوجات في التليفزيون كما في مسلسل عائلة الحاج متولي جاء بشكل غريب لصورة واقعية للتعايش بين تلك الزيجات في عقار واحد , لكن الابتعاد بين الزوجات المقترن برجل واحد قد يكون الحل لمنع المشاكل بينهن , وفى بعض الأعمال تتطور الأمور إلى صراع بين هذه الزوجات على الزوج لدرجة الكيد والوقيعة , وأيضا قد يسفر هذا عن طلاق إحدى الزوجتين , فالسينما العربية طرحت موضوع تعدد الزوجات دون حسمه ما بين مؤيد ومعارض , خاصة أن معظم الأعمال صورت زوجة الأب وزوج الأم بمظاهر الشراسة وفقدان العاطفة والتنكيل بالأولاد الذين قد يضيعوا , ويكونوا ضحايا الأسر الممزقة في هذا الصراع الزوجي الساخن .
بعد استعراض الآراء المختلفة حول قضية تعدد الزوجات، نستخلص أنها حق شرعي وقانوني وديني مكفول للرجال لكن بشروط يجب احترامها كالاستطاعة , والعدل , وعدم بناء الزيجات الأخرى على حساب خراب الزوجات الأولى, كما يجب العمل برأي الدين بالعدالة والقوامة ومراعاة حقوق الزوجات , وجعل تعدد الزوجات بغرض إنساني وديني هو التكافل بين الناس وليس بحثا عن الشهوات وتلبية للغرائز.