مثل اعلان الحزب الوطني لقوائم مرشحيه في انتخابات مجلس الشعب التي من المقرر ان تجري في ال28 من نوفمبر الجاري مفاجأة من العيار الثقيل للمحللين السياسيين والمتابعين عن كثب للعملية الانتخابية.
فمع الكشف عن أسماء المرشحين علي قائمة الحزب الوطني، تلك التي انتظرتها مختلف القوي السياسية قبل المتنافسين علي نيل الترشيح في داخل الحزب، لم تكن المفاجأة الوحيدة هي عدد المرشحين الجدد عن الحزب الوطني وإنما كانت المفاجأة الأكبر هي أن قائمة مرشحي الحزب قد جاوزت عدد المقاعد البرلمانية الـ 508 «444 مقعدًا عامًا + 64 مقعدًا للمرأة» إلي ما قد يزيد علي 700 مرشح.
وأظهرت قائمة الترشيحات – التي بدأ أمناء الحزب في المحافظات الكشف عنها للمرشحين قبل إغلاق باب الترشيح بساعة واحدة – أن الحزب لم يلجأ إلي أسلوب كان قد اتبعه من قبل بفتح بعض الدوائر بين مرشحين اثنين من ممثليه، وإنما فتح دوائر أخري إلي ترشيحات ثلاثية، بخلاف أقل من عشر دوائر رباعية الترشيح، ما يعني أن عشرات من الدوائر الــ 222 سيكون فيها ترشيحات ثنائية وثلاثية، إلي جانب الرباعية تمثل الوطني خصوصًا فيما يعرف باسم الدوائر الساخنة كما استبعد الحزب ترشيح 50 نائبًا حاليا لأسباب مختلفة.
المصادر بالحزب المحت إن سبب اللجوء إلي هذا الأسلوب بالأساس يقوم علي مبررات لها علاقة أولاً بتساوي الفرص بين المرشحين في نتائج المجمعات والانتخابات الداخلية، ويتعلق ثانيا بنوع من التكتيك الانتخابي الذي يتعمد الهجوم التصويتي علي منافسين متوقعين في عدد من الدوائر.
وأظهرت قائمة حزب الأغلبية أنه تبني ترشيح عشرة أقباط، بينهم امرأة، هي سعاد شنودة المرشحة علي مقعد الأقصر، ومنهم خالد الأسيوطي في القاهرة، وسليمان صبحي في سوهاج، وشريف بقطر في الإسكندرية، فضلا عن د. يوسف بطرس غالي، إضافة إلي مرشحين أقباط آخرين في ثلاث محافظات صعيدية.
وتصدرت قائمة ترشيحات الحزب أسماء مختلفة منها: محمد أبو العينين، حسين مجاور، هشام مصطفي خليل، هاني أبوريدة، شرين عبدالعزيز، مجدي علام، طارق طلعت مصطفي، عبدالحليم علام، الحسيني أبو قمر، عفت السادات، د. سامح فريد، محمد محمد فتحي البرادعي، محمود مصطفي الشناوي، حسين الصيرفي، محمود خميس.
قال صفوت الشريف الأمين العام في بيان صحفي : إن الاختيارات نتجت عن إرادة الناس، وأن ترشيحات المرأة تمثل إضافة متميزة للعمل البرلماني. وأضاف: أن بين المرشحين نواباً حاليين ونواباً سابقين وأسماء جديدة تم الاعتماد علي آليات متعددة في إختيارهم. هذه هي الرؤية التي صدرها الحزب الوطني وانصاره للجميع تفسيرا لوجود اكثر من مرشح بالحزب الوطني يتنافسون على مقعد واحد.
اما منافسي الوطني وتحديدا جماعة الاخوان المسلمين فقد رات ان هذه الترشيحات تدل على فشل الحزب الوطني الديمقراطي في منع الانشقاقات داخل صفوفه رغم كافة الاحتياطات التي قام بها منذ قرابة العام سواء بعمل توكيلات رسمية لأمين تنظيم الحزب المهندس أحمد عز، أو بفرض السرية على أسماء مرشحي المجمعات الانتخابية حتى الدقائق الأخيرة قبل غلق باب الترشيح لانتخابات مجلس الشعب 2010م، وقام الحزب في سابقةٍ خطيرةٍ بإعلان عددٍ من الدوائر بأنها دوائر مفتوحة لعددٍ من مرشحيه الذين يخوضون الانتخابات أمام مرشحي الإخوان ومَن يحالفه الحظ سيكون هو ابن الحزب فور فوزه.
واضافت الجماعة في تفسيرها: كما لجأ الحزب إلى حيلٍ أخرى لضمان ترضية كافة المرشحين الذين دفعوا رشاوى انتخابية للمجمعات الانتخابية بأن سمح للبعض بخوض الانتخابات مستقلاًّ، بينما قام الحزب بدعمٍ من الأجهزة الأمنية باعتقال مرشحين آخرين رفضوا الالتزام بقرار الحزب وهَمُّوا بتقديم أوراقهم كما حدث مع أحد مرشحي الحزب في الشرقية، وأحد المرشحين في أسيوط والذي تم سرقة حقيبته التي بها أوراق ترشحه.
وفكرة الدوائر المفتوحة ليست جديدةً على الحزب الوطني؛ حيث سبق وأن نفذها، ولكن بتسميات مختلفة في انتخابات 2000 و2005؛ حيث قام عددٌ من المرشحين المنشقين عن الحزب بترشيح أنفسهم تحت شعار “على درب الحزب الوطني”؛ إلا أنه في هذه الانتخابات لم يرد أن يوسع من فجوة المنشقين فترك لهم الدوائر مفتوحة، وهو انعكاس واضح وصريح لفشل كل مخططات تجميل الحزب وتغيير جوهره الذي كرهه المواطنون نتيجة تفشي الفساد والمحسوبية والرشوة فيه.
وتأتي محافظة حلوان كأحد أبرز حالات الدوائر المفتوحة، وخاصةً دوائر حلوان والصف وأطفيح؛ حيث أعلن الحزب “الدائرة الأولى” بحلوان مقعد العمال، والدائرة الثالثة الصف على المقعد ذاته، والدائرة الرابعة أطفيح على مقعد الفئات دوائر مفتوحة؛ حيث تم إعلان أكثر من مرشح للحزب على نفس المقعد على أن يكون المرشح الفائز بالكتلة التصويتية الأعلى هو ممثل الحزب.
وادعى الاخوان أن ثقل رمضان عمر مرشح الإخوان على مقعد العمال بدائرة حلوان هو ما دفع الحزب لإعلان كلٍّ من رأفت عبد العزيز وعبد الله حامد وعلي الجوهري مرشحين له على المقعد ذاته، فضلاً عن ترشُّح كلٍّ من خليفة علي حسنين وجمال غنيم المنشقين على الحزب كمستقلين.
بينما قرر ترشيح محمد عرفة الصيفي وعادل عكاشة والمقدم علاء عابد على مقعد العمال بالدائرة الثالثة “الصف والتبين و15 مايو”، ويتنافس مصطفى القياتي والسفير فريد عتمان على مقعد الفئات بالدائرة الرابعة “أطفيح”.
وفي الإسكندرية تم الدفع بأكثر من مرشح في بعض الدوائر، ففي دائرة (الدخيلة- العامرية- برج العرب) تقدَّم الحزب بأوراق ثلاثة مرشحين على مقعد العمال هم: إسماعيل حميدة ورمضان توفيق وصابر عبد الفتاح، وعلى مقعد العمال بدائرة محرم بك دفع الحزب بفتحي عبد اللطيف رئيس اتحاد عمال الإسكندرية، والسيد غنيوة نجل النائب الأسبق رجب غنيوة، والذي توفي أثناء الفصل التشريعي المنقضي.
في دائرة غربال رشَّح الحزب كلاًّ من: ممدوح حسني وعمرو كمال على مقعد الفئات، ومحمد إيريرا، ومجدي الحلواني على مقعد العمال، وفي دائرة كرموز رشَّح الحزب محمد البلشي وشريف بقطر على مقعد الفئات.
المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى الديمقراطى حاول وضع تفسير اوضح للامور باعلانه إن الحزب قد سجل لنفسه أمام اللجنة العليا للانتخابات 6 رموز أصلية للحزب الوطنى كلها رموز أصلية للحزب، وهى :”غصن الزيتون، والقمر، والجمل، والهلال، والنجمة، والحصان”.
وأضاف عز أن كل المرشحين الذين تقدم بهم الحزب الوطنى هم مرشحون أصليون ولا يوجد بهم ثمة مرشح أصلى ومرشح احتياطى فى أى دائرة من الدائرة، مشددا على أنه لا يوجد تفضيل لمرشح حامل رمز معين على مرشح آخر حامل لرمز آخر، فكل الرموز للحزب الوطنى الديمقراطى ولا فرق بينها.
أما صفوت الشريف الامين العام للحزب الوطنى فاكد أن الحزب تقدم بمرشحيه لانتخابات مجلس الشعب فى كافة دوائر الجمهورية وأنه قام بترشيح مزدوج فى عدد من الدوائر وذلك تعبيرا عن نتائج استطلاعات الرأى العام والمجمعات الانتخابية والانتخابات الداخلية ولاتاحة الفرصة للناخبين فى التعبير عن ارادتهم فى اختيار النائب الذى يمثلهم.
وقال الشريف فى تصريح له إن أسماء المرشحين تضم عددا من قيادات الحزب وكوادره القادرة على تحمل المسئولية فى مجلس الشعب وعلى التعبير عن قضايا وامال وطموحات الناخبين وعلى ممارسة مهام العمل البرلمانى بكفاءة واقتدار.
وقال صفوت الشريف إن مرشحات الحزب الوطنى على مقاعد كوتة المرأة تشمل نخبة من القيادات الحزبية النسائية المتميزة التى تمثل اضافة للعمل البرلمانى بما تملكه من خبرة وتواصل مع قضايا المجتمع ومما يضمن نجاح تجربة مشاركة المرأة فى الحياة البرلمانية. وقال الشريف إن قوائم الحزب تضم نواب من الدورة السابقة ونواب من دورات سابقة ومرشحين جدد لم يسبق لهم خوض الانتخابات البرلمانية.
وتضم أسماء مرشحى الحزب هشام مصطفى خليل وحسين الصرفى وحسين مجاور وشرين احمد فؤاد عبدالعزيز وعبدالحليم علام والدكتور مجدى علام وطلعت القواس وطارق طلعت مصطفى ومحمد ابو العينين ومحمود خميس والحسينى ابوقمر وهانى ابوريده ومحمود عثمان احمد عثمان والدكتور سامح فريد والدكتور محمد محمد فتحى البرادعى ومحمد مصطفى الشناوى.
كما تضم القائمة حمدي محمد سيد طعمه، الدكتورة امال عثمان، مهندس سيد جوهر، المندوه الحسيني، عبدالغني الجمال، خالد العدوي، عمر زايد، أحمد سميح، عبدالناصر الجابري، محمد أبو صليب، أحمد حبيب، محمد مرجان، عبدالمنعم عمارة، اسماعيل هلال ووليد المليجي.
وتضم قائمة مرشحات الحزب اقبال السمالوطي، خديجة عثمان، الدكتورة مديحة خطاب والدكتورة زينب رضوان وسحر عثمان عن محافظة القاهرة والدكتورة مؤمنة كامل والدكتورة نرمين بدراوى عن محافظة 6 اكتوبر ونادية عبده عن الاسكندرية والدكتورة سعاد احمد حسين عن بورسعيد وسميحة صفوت مرسى عن الاسماعيلية وفردوس محمود هاشم عن الشرقية.
وكان المرشحون قد تقدموا بترشيحاتهم الى لجان قبول اوراق الترشيح بناء على خطابات موقعة من الامين العام للحزب تحدد اسم المرشح والصفة والرمز الانتخابى وتضم الرموز المحددة للحزب الوطنى الجمل والهلال والنجمة والحصان واضيف اليها غصن الزيتون والقمر.
وسيواجه من وقع عليهم اختيارات الحزب الوطني معارك شرسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة وسط دخول جماعة الاخوان المسلمين المنافسة بكل ثقلها وقوتها اضافة الى مرشحى حزب الوفد الذين تقدموا للانتخابات والذين بلغ عددهم 205 مرشح فى جميع محافظات الجمهورية.
الحزب الوطني ادرك انه يخوض معركة ليست بالسهلة امام مرشحين “عتاة” سواء من جانب الاخوان او من جانب بقية الاحزاب وفي مقدمتها حزب الوفد الذي قرر هو الاخر ان يخوض معركة شرسة للوصول بمرشحيه الى قبة البرلمان في فصله التشريعي المقبل.
فقرر الحزب ان يعلنها حربا واضحة الملامح عبر الدفع بمرشحين وثلاثة واربعة على مقعد واحد في العديد من الدوائر حتى يضمن ان يكون الفائز بالمقعد من مرشحيه.
الوطني لجأ لذلك لعدة اسباب ابرزها تساوي المرشحين من حيث عدد الاصوات في المجمع الانتخابي، او لصعوبة الاختيار بين المرشحين، وخوف الحزب من فقدان اي مقعد في هذه الانتخابات هو السبب الاكثر ظهورا.
فمع دفع الاخوان والوفد لمرشحين اقوياء جدا في بعض الدوائر لم يجد الحزب الوطني خيارا اخر سوى المجازفة بالدفع باكثر من مرشح يخوضون الانتخابات على قوائمه حتى لا تطير هذه المقاعد وتذهب للوفد والكارثة اذا ذهبت للاخوان المسلمين ومرشحيهم، وهو ما لا يريده الحزب الوطني -ويخشاه- ووضع كافة الحلول لمنع حدوث ذلك.
ولكن الاشكالية الكبرى هنا والتي قد تطيح بامال الوطني وتفسد مخططه تماما تتضح من خلال امكانية حدوث عملية “تفيت الاصوات”.
وكان المهندس أحمد عز أمين التنظيم قد اكد سابقا أن تفتيت الأصوات بين المرشحين من أبناء الحزب في مواجهة بعضهم البعض هو الخطر الأكبر الذي واجه الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية الماضية مطالبا كافة الأعضاء بعدم الخروج عن الالتزام الحزبي، وأن الحزب سيمنع أى تنظيمي من دخول الانتخابات البرلمانية في مواجهة المرشح الرسمي الذي يختاره
ولكن يبدو ان الحزب الوطني قرر ان يفتت الاصوات بين مرشحيه.. وهو ربما يكون تكتيك جديد يتبعه الحزب الحاكم لكن نتائجه العكسية ستكون مؤلمة للحزب؟!
وقد تكون هذه النتائج قاتلة للحزب، لكن من المحتمل ان تحدث مفاجأة تمثل معادلة جديدة في الحياة السياسية المصرية ومع قيام “الوطني” بفتح الدوائر -معظمها- لاكثر من مرشح تحت لوائه ويربح الحزب المعركة، وهو أمر لم يحدث مسبقا بهذه الصورة.
فقد كان من المتعارف عليه ان يختار الحزب الوطني مرشحيه وفقا لعدد المقاعد ومن يترشح من اعضاء الوطني مستقلا يتم ضمه للحزب بعد فوزه في الانتخابات، لكن ما حدث في الاختيارات الاخيرة يؤكد ان الحزب تخلى عن هذه القاعدة وانتهج او بمعنى ادق اخترع قاعدة جديدة ربما تجعله يربح ولكنها في الوقت نفسه قد تعرضه لخسائر فادحة.