روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    حكم محكمة النقض في الإشراف علي الانتخابات ضمانة جديدة للديمقراطية د. محمد سليم العو ا

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    حكم محكمة النقض في الإشراف علي الانتخابات ضمانة جديدة للديمقراطية  د. محمد سليم العو ا Empty حكم محكمة النقض في الإشراف علي الانتخابات ضمانة جديدة للديمقراطية د. محمد سليم العو ا

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين أغسطس 03, 2009 3:59 pm

    آمنت دائما، وكتبت كثيرا، أن القضاة أغنياء في عملهم عن الثناء، ومبٌîرؤون عن المذمة. فهم في تجردهم لإحقاق الحق لايجوز تناولهم بالمدح ولا بالقدح. واحترام هيبة القضاء، وهيبة القضاة أنفسهم، ضرورة لا محيد عنها لاحترام سيادة القانون، ولرسوخ ميزان العدالة في أيدي قضاة مطمئنين إلي حفظ أقدارهم وصون كرامتهم بين بني وطنهم وأصحاب النفوذ والسلطان فيه: سواء أكانت أحكامهم باعثة لرضاهم أم مثيرة لسخطهم!
    وقلت، في مناسبة سابقة، إن المرء لايملك أحيانا كتمان رغبته في التعبير عن الإكبار والإجلال لقضاة الحق، المتبتلين في محراب العدالة يؤدون واجبهم نحوها في هدوء العابدين، وزهد أصحاب اليقين، وصدق الأبطال المجاهدين!





    ومنذ أيام قليلة (في 12/5/2003) أصدرت محكمة النقض بدائرتها المشكلة برئاسة المستشار الجليل حسام الغرياني، وعضوية المستشارين الأجلاء محمد شتا وعبد الرحمن هيكل وهشام البسطويسي ورفعت حنا (وكلهم نواب لرئيس محكمة النقض) حكما جديرا بالاحتفاء به، والتعريف بما تضمنه من مبدأ صحيح وما انتهي إليه من نتيجة سديدة ذلك أنه حكم يعني بأمرين لا قيام لحياة ديمقراطية صحيحة إلا بهما. فهو يعني بالقضاء نفسه، وأي الأشخاص أو الهيئات يستحق أن يوصف به ويحمل اسمه، ويعني بالانتخابات ومن الذي يجوز ندبه للإشراف عليها وإدارة شؤونها.





    الحكم الذي أعنيه هو قرار محكمة النقض في شأن الطعنين الانتخابيين رقمي 959 و 949 لسنة 2000، وهما طعنان قدما نعيا علي انتخابات مجلس الشعب التي أجريت في 8/11/2000 بدائرة قسم الزيتون بالقاهرة، وأعلن في نهايتها نجاح المرشح الدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان السيد الرئيس، وعضو الأمانة العامة للحزب الوطني، وفوزه بمقعد مجلس الشعب عن الفئات في هذه الدائرة.
    وليس في تسمية هذا 'القرار' حكم أو سبق قلم، بل هذا هو الوصف الصحيح قانونا لكل ما يصدر عن محكمة النقض من 'رأي' بل لكل، ما يصدر عن أي محكمة من 'رأي'. لأن الذي يطرح علي المحاكم هو 'خصومات' يطلب أطرافها الفصل فيها. والمادة (93) من الدستور حين أسندت إلي محكمة النقض إبداء 'رأيها' بعد تحقيق تجريه، فيما يقدم إليها من طعون انتخابية، إنما أرادت قطعا القول الفصل لإحدي دوائر هذه المحكمة في الطعن المعروض عليها، سواء أكان هذا العدل موضوعيا بقبول الطعن أو برفضه، أم كان شكليا بعدم قبوله، أم إجرائيا بإثبات ترك الخصومة فيه، وكل ذلك حكم يتعين علي الكافة التزامه، لأن مصطلح 'رأي المحكمة' هو نفسه 'حكمها' الذي تستنفد به ولايتها، ويمنع من إعادة طرح النزاع من جديد، وله الحجية التي تلزم المحاكم، ويمنع من إعادة طرح النزاع من جديد، وله الحجية التي تلزم المحاكم والخصوم. (مذكرة المستشار الجليل أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض المؤرخة 23/12/2000 والمقدمة إلي رئيس محكمة النقض، آنئذ وهي منشورة ضمن مقالنا في الوفد بتاريخ 25/12/2000).





    والحكم علي وصفه الصحيح الذي أصدرته محكمة النقض في الطعنين الخاصين بانتخابات دائرة الزيتون سنة 2000 انتهي إلي 'تقرير بطلان الانتخابات محل الطعن'. وأسس ذلك علي أن ستٌ لجاني فرعية 'أسندت رئاستها إلي غير القضاة من أعضاء هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية'.





    وقد ساق الحكم هذه النتيجة محمولة علي أن المقصود 'بأعضاء الهيئات القضائية القضاة المنوط بهم الفصل في المنازعات تظلهم ضمانات الحيدة والاستقلال' وعلي أن تحديد المقصود بالهيئات القضائية في المادة (88) من الدستور 'يجب أن يكون مرجعه الدستور ذاته.. ولايجوز أن تفسر نصوصه بما يعزلها عن بعضها البعض أو يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها.. وقد حدد الدستور مقصده بالهيئات القضائية فنص في المادتين 165 و 166 منه علي أنهم القضاة المستقلون الذين يتولون المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها، ويصدرون أحكامهم وفق القانون، ثم نص في المادة 172 علي أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة كما نص في المادة 174 منه علي أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها'.





    والنص الدستوري لايفوض المشرع وما كان له أن يفوضه في إنشاء هيئات قضائية، ومن باب أولي لايفوضه في إطلاق وصف 'الهيئة القضائية علي أية جهة إدارية من جهات السلطة التنفيذية. ولا يïطلق هذا الوصف سواء لغة أو اصطلاحا إلا علي جهة تختص بالفصل في المنازعات وتتوافر لأعضائها ضمانات الحيدة والاستقلال اللازمين لمباشرة هذا الاختصاص'. والقضاء 'لم ينشئه ولا يصح أن ينشئه أي نص، ودور النص في هذا الخصوص هو تنظيم ما هو قائم بالفعل منذ انخراط الإنسان في جماعات'. والتفرقة 'بين الهيئة والسلطة في هذا الخصوص تنحل لغوا وسفسطة لغوية'. وإقحام هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية 'علي السلطة القضائية بجعلهما ممثلتين في مجلس أعلي للهيئات القضائية، يمثل إشراكا لغير القضاة في شؤونهم، ويجعل لغير القضاة كلمة ورأيا فيما يتصل بعمل القضاة، بل يجعل للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل والهيئتين المذكورتين الغلبة فيه. وهو عدوان علي استقلال القضاء لايجوز أن يحتج به، أو باستمراره، لإضفاء صفة القضاء علي من هو من السلطة التنفيذية مهما بالغ المشرع في منحه من حصانات لاموجب لها، ومهما انتقص من حصانات القضاء بغير حق. ومن ثم فإن هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية لاتكونان من الهيئات القضائية التي عناها المشرع الدستوري في المادة (88) من الدستور لكونهما فرعين من فروع جهات الإدارة التابعة للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل التي يتبعانها، ولأن أعضاء الهيئة الأولي هم محامو الدولة الذين يدافعون عن وجهة نظرها ومصالحها أمام المحاكم.. ويقفون أمام القضاء علي قدم سواء مع خصومهما ومحاميهم.. فلا يمكن أن يكونوا محايدين ولامستقلين.. وأعضاء النيابة الإدارية يتبعون رؤساءهم بترتيب درجاتهم وهم جميعا يتبعون وزير العدل، وللوزير حق الرقابة والإشراف علي النيابة وأعضائها.
    وعملهم يقف عند حد التحقيق واقتراح التصرف الذي يملك القول الفصل فيه جهات أخري. ومن ثم يحرم أن يطلق علي هاتين الهيئتين وصف الهيئة القضائية المستقلة التي عناها الدستور وحصرها في القضاء العادي ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا لأنها وحدها التي ناط بها الفصل في المنازعات وكفل لها ضمانات الحيدة والاستقلال'.





    لقد أطلت النقل عن هذا الحكم التاريخي لأنه كشف اللثام عن حقيقة ظلت الحكومة تجادل فيها بالسبل كلها، أمام محاكم القضاء الإداري (في الدعوي رقم 1667 لسنة 45 قضائية) وأمام المحكمة الدستورية العليا (في الدعوي رقم 16 لسنة 13 قضائية دستورية) وهما لم يفصل فيهما حتي الآن!
    وعندما انتهي مفوض الدولة في القضية رقم 1667 لسنة 45 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري، بعد دراسة استغرقت ثلاثا وأربعين صفحة، إلي جدية الدفع بعدم دستورية المادة الأولي من كل قانون هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية، جاء من أعضاء هيئة المفوضين الأقدم منه من كتب في نهاية التقرير أن النتيجة الأصلية هي 'عدم جدية الدفع' وجعل النتيجة التي انتهي المفوض المقرر إليها 'احتياطية'!





    وقد انتصرت محكمة النقض في حكمها في الطعنين رقمي 959 و 949 لسنة 2000 للرأي الصحيح الذي طالما دافع عنه رجال قانون، وقضاة ومحامون ابتغوا بعد وجه الله، وجه الوطن، بتخليص المسار الديمقراطي من الشوائب التي تجعل النصوص الخاصة بحرية الانتخابات والضمانات التي تكفلها مجرد حبري علي ورق (يïقرأ تفصيل هذا في كتاب المستشار الجليل الأستاذ يحيي الرفاعي: استقلال القضاء ومحنة الانتخابات طبعة سنة 2000 عن المكتب المصري الحديث).





    ولأن هذا الحكم التاريخي لأعلي محاكمنا العادية محكمة النقض لم يرض بعض الدوائر فقد حجب خبره عن الناس حتي الآن، وطوي نبأ صدوره حتي لايكاد يعلم به أحد! ولو أنصفت الحكومة لفاخرت بهذا القضاء، ولنشرته علي الملأ بأوسع الطرق، ولجعلته مثلا يحتذي في تخليص نظامنا السياسي من كثير مما يشوبه من أوجه قصور وعوار، قبل أن يفرض الأمريكيون أو غيرهم علينا أن نغيرًٌ مقلدين مذعنين، ونحن قادرون علي أن نغيرًٌ مختارين غير مكرهين.
    فتحية إلي قضاة مصر العدول الذين غلب في نفوسهم حب العدل واحترام القانون علي كل ترغيب أو ترهيب، أو ظن خاطئ: أن السكوت علي بعض الظلم قد يجلب نفعا أو يدفع شرا!!


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 5:36 am